أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمود جلبوط - من ذاكرة معتقل سابق 17















المزيد.....

من ذاكرة معتقل سابق 17


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 1102 - 2005 / 2 / 7 - 11:35
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


بالأمس, هاجت الذكرى فأرعشت كل خلايا الجسم عبر أوردة القلب مولدة حالة من الخدر, تارة تضحك و تارة تبكي . بينما كنت مسافرا أطارد في الهزيع الأخير من الليل أخبار الوطن عبر المواقع الإلكترونية من خلال ما يكتب الشباب والشابات عن الوطن وما ينظمون فيه من شعر, عندما قطعت علي رحلتي بسؤالها فجأة ودون مقدمات حتى أنها نسيت أن تطرح السلام علي, كتبت: هل مسموح في سورية المسنجر؟ كيف عرفت أني من سورية لم أسألها فكتبت لها: لا غير مسموح, فأنا أيضا أحتاجه للحديث مع أولادي وعائلتي هناك. كنت أعلم أن المسنجر من ضمن ممنوعات الوطن حرصا على الراحة الفكرية والعاطفية للمواطنين من عدوى العولمة من خلال أحاديث متداولة بين الوطن السجين والوطن المنفى, وليقتصر الإنخراط في العولمة من وجهة نظرهم من خلال الخضوع للمطالب الأمريكية والأوربية. كان الأسم الذي به دخلت إلى مسنجري بغتة العبارة التالية: دع قلبك يقودك إلى الغابة ؟ ولا أدري لماذا ذهبت ذاكرتي إلى غابات الفرلق في كسب أو تلك الممتدة بين القدموس وحمص, كتبت لها معترضا: لماذا إلى الغابة وليس إلى الشمس. كتبت: لولا الشمس لما قامت الغابة, كتبت :لكني أخشى الغابة ولن أدع قلبي يقودني إليها ففيها يقطن الأسد ويكفيني منه ما كان. لم أسألها عن أسمها ولم تسألني, مددت يدي لها فتناولتها ورحنا نجول تضاريس الوطن, سألتها :هل تعرفين دمشق بياسمينها وغوطتيها الشرقية والغربية ونهر بردى الذي يقسمها لشطرين ,سألتني: هل تعرف حمص و نسيمها العليل ونهرها العاصي؟ أجبتها: أعرفها جيدا, ليس من خلال حلاوتها الحمصية فقط وإنما بتفاصيلها وقراها, فقد سافرت إليها قبل السجن كثيرا , وكان لي في السجن من حمص أصدقاء ورفاق كثيرين ورووا هناك لي الكثير عنها. سألتها : تعرفين حماة.. ثم أحجمت فلم أرغب أن أنكد عليها بذكرى المذبحة إياها وأردفت بسؤال آخر:هل أنت من السويداء, ضحكت ولم تجبني, و رحت أستدرجها بأسئلتي عن جفرافيا الوطن علّني استبين من أجوبتها من أي مدينة من الوطن هي, سألتها: هل تعرفين طرطوس وكرنيشها وما فعل معمل الإسمنت بزيتونها, سألتني: هل تعرف جبلة وقراها, أجبتها:لي رفاق و أصدقاء وصديقات في حمام القراحلة, ونسيت أن أخبرها أن لي صديق عزيز من عين شقاق, ونسيت أيضا أن أخبرها أنني سكنت في دير البشل إحدى قرى بانياس التي كان أهلها يسموها موسكو الصغرى لكثرة الشيوعيين فيها, وأنني عملت في مصفاة بانياس عندما كنت مختفيا عن أعين أجهزة الأمن في دمشق, كانت المصفاة حينها في طور إنشائها من قبل الشركة الرومانية...ثم سألتها:أتعرفين وادي قنديل؟ لم تجبني مباشرة ولا أدري لماذا شعرت أني فجأتها,سادت فترة من الصمت, وعندما أجابتني كتبت:أنت أول شخص في الغربة يدمع عيناي هكذا, وأخبرتني, عندما كانت في الوطن, كانوا في كل صيف من السنة يخيمون هناك,في الوادي, وسألتني: هل تسلقت جبله الأقرع, وبسؤالها سرحت هناك حيث القطعة من الجنة, مياه البحر الصافية, غابات من بساتين تعبق برائحة الليمون والزيزفون يمر عبر أراضيها نهر ينهي معانقته لها في آخر مشواره بلقاء حار مع البحر عند مصبه فيه فتكون حالة هيام شديدة بين مياهه الباردة العذبة ومياه البحر الدافئة المالحة, كنا نحلي أجسادنا في مياهه الباردة المنعشة بعد أن تنتهي حصة السباحة في مياه البحر. كنا نصعد الجبل الأقرع قبيل الفجر فنصل قمته عند شروق الشمس, ومن القمة كان يمكننا أن نرى أسراب السمك تسبح تحت الماء الصافية, ومن هناك نمد بصرنا للمدى فنشاهد قمة مركب ما بان للتو يمخر ما بين البحر والسماء متوجها نحو الميناء, فيقطع سردنا في هذا المنظر الرومنسي بنداء وصفير من الأصدقاء الذين اختاروا أن يبقوا عند سفح الجبل ليحضروا طعام الإفطار يلوحون لنا أن ننزل لأن الفطور قد جهز. وادي قنديل هذا قد عرفني عليه أول مرة شقيق زوجتي الصغير سفير في أول صيف من السنة التي تم فيها الإفراج عني, لما دعاني لمخيم مدته شهر كامل قام بالتخطيط له مع رفاقه على شرفي ومن أجلي قائلا لي:عليك يا صديقي أن تزيل أوساخ و نتانة السجن عن جسدك, وعليك أيضا أن تطهر جروحك من بقايا سياط أبو العز والجلادين الآخرين بملح ماء البحر, وهي فرصة لك ولزوجتك جوا مناسبا للنقاش حول خلافاتكما, وفرصة لك أيضا لتتعرف على ابنتك وردة التي ولدت وأنت في السجن ولا تعرف عنك شيءإلا من خلال أمها .وادي قنديل هو القطعة المتبقية من ساحل اللاذقية الذي وفرتها مصادرات وتشبيحات الشبيحة(هكذا يسمون أبناء عائلة الأسد في اللاذقية).كنا هناك ,حيث نصبنا مخيمنا نتحولق حول مائدة متواضعة عامرة بالشنكليش والزيتون والزيت والزعتر وجاط من التبولة و زجاجات من العرق المصنوع محليا بأيدي الأقارب, نتحاور ونتناقش في كل الأمور و القضايا برؤوس منتشية قليلا, في مواضيع كثيرة عن المرأة والحب, عن العمل والوطن والسجن, كنت أروي لهم ما أحب أن أروي عن السجن, كثيرا ما حدثوني عن وردة وطفولتها التي غيبت عنها, عن أم وردة وصراعها مع الحياة أثناء غيابي, نتسامر ونتبادل الأنخاب , كنا نسهر الليل بطوله نغني للشيخ إمام ولمارسيل خليفة وسميح شقير, لفيروز ولوديع الصافي بمواويله, دبكنا: شفتك يا جفلة على البيدر طالعة ودبكات شعبية فلسطينية ولاذقانية ودبكات أخرى, والعازف على العود اسمه نادر, شاب أشقر بدّوري بعيون زرقاء عندما كان يعزف علىالأوتار بأصابعه كأنه يعزف على أوتار قلبه لا عوده , وأبو الفهد علي, وشيبان, شباب بعمر الورود متفائل ومتحمس للحياة و الأمل والحب والعمل والوطن,كنا نتسامر ليلا حيث كان القمر بدرا يرسل ضوءه متلالأ على صفحة البحر مع حركة الموج وكأنه يشق لنا دربا نستدل به أثناء الليل نسبح, نغوص في الماء ونلعب, بعضنا يشرب القهوة وبعضنا يدخن النرجيلة وبعضنا يتمشى ماسكا يد الحبيبة على رمال الشاطيء كلما جاء المد ولامست المياه أقدامهما كان البحر يدعوهما للنزول إليه مستورين بمياهه عندما يتعانقا. تعبت من التذكر فدارت رأسي فسألت رفيقتي في الإنترنيت:هل تعرفين سفير هذا, كتبت:كيف لي أن أعرفه؟ . لم أعر ردها انتباها وتابعت:كان عمره 13 سنة عندما تزوجت أخته, وهو الوحيد الذي أيد زواجنا ورفض إعتراض الأهل على الزواج لأسبابهم الطائفية, وعندما تم الإفراج عني كان الشاب الأول الذي التقيته في بيتنا في دمشق, مختلفا جدا عما تركته قبل السجن , فقد تحول لشاب ناضج بطوله الممشوق يذكرني كم من السنوات قد قضيت خلف الجدران, كان عاشقا بدوره لفتاة دمشقية سنية اسمها وفاء, تزوجها متحديا الصيغة الطائفية التي يحاولون فرضها على عقولنا وقلوبنا للتفريق بين أفراد الوطن . توقفت عن الحديث وكتبت لها في المسنجر:لقد تعبت, ومنعني كبريائي أن أعترف لها أنني بكيت, وعندما ودعتها وكتبت لها:تصبحين على خير, تذكرت أنني نسيت أن أروي لها ماذا فعل أحد الشبيحة من عائلة الأسد بجزيرة أم الطيور, جزيرة أم الطيور جزيرة سياحية مشهورة ومعروفة من خلال بطاقات بريدية, قريبة من وادي قنديل وجزء من ساحل اللاذقية, يؤمها الناس ليستمتعوا بمشاهدة الغروب من شاطئها فيراقبوا كيف تتعرى الشمس من ثيابها قطعة قطعة في طقس احتفالي من الإثارة, لتغطس في الماء شوقا للقاء حبيبها القمر الذي ينتظرها في قاع البحر لتتوسد صدره وتغفو قبل أن يحين دوره في الإضاءة على البرية, مغتنمين بقايا الضوء الذي يفصل ما بين النهار والليل فرصة لممارسة الحب وعندما تغفو حبيبته الشمس في حرجه يرفع رأسها الهوينا لكي لا تستيقظ ويوسدها صخرة إسفنجية ويصعد مسرعا إلى بطن السماء خشية أن يتعثر قلب حبيب ما في عتمة الدرب. يأتون الناس ليمتعوا نظرهم برؤية ما قد نحتت مياه البحر على مدى آلاف السنين على صخور الشاطيء من لوحات سريالية عشوائية و ما نحتت من مغر جميلة و أخاديد عبر صخورها الكلسية , جزيرة أم الطيور اغتالها أحد الشبيحة, قام هذا الشبيح بتفجير صخورها بالديناميت فدمر جمالها, وبنى قصرا على أنقاضها ووضع مفرزة أمن تمنع الناس من زيارة ما تبقى منها. آه يا وادي قنديل, هل حقا أزالت أيامك ومياه بحرك ونهرك ما علق بنا من نتانتهم وبذاءاتهم وسياطهم, وداويت أرواحنا؟.



#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاولة حب
- خاطرة
- من ذاكرة معتقل سابق 16
- رأي في الإنتخابات العراقية
- ردا على مقال الرفيق أبو خليل
- من ذاكرة معتقل سابق 15
- من ذاكرة معتقل سابق 14
- من ذاكرة معتقل سابق 13
- من ذاكرة معتقل سابق 12
- من ذاكرة معتقل سابق 11
- 10من ذاكرة معتقل سابق
- من ذاكرة معتقل سابق 9
- الفرق بين فن الكتابة وفن الحكي والكلام
- إهداء مذاكرات المعتقل السابق
- توضيح وإقرار إلى أجهزة المخابرات السورية
- العمليات الفدائية الفلسطينية الأخيرة
- من ذاكرة معتقل سابق 8
- ديموقراطية ناقصة ..ولكن
- كفانا تابو
- من ذاكرة معتقل سابق7


المزيد.....




- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمود جلبوط - من ذاكرة معتقل سابق 17