أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - إصدار كتاب جديد لصبري يوسف: ديريك يا شهقة الرُّوح 2 2















المزيد.....



إصدار كتاب جديد لصبري يوسف: ديريك يا شهقة الرُّوح 2 2


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 3763 - 2012 / 6 / 19 - 22:13
المحور: الادب والفن
    


إصدار كتاب جديد لصبري يوسف ديريك يا شهقة الرُّوح 2 ـ 2

صبري يوسف ـ ستوكهولم
أصدر الأديب والشَّاعر صبري يوسف عن طريق دار نشره في ستوكهولم كتاباً جديداً بعنوان: "ديريك يا شهقةَ الرُّوح"، يتضمَّن الكتاب 10 نصوص أدبيّة، كتبها خلال السَّنوات الأخيرة من إقامته في ستوكهولم، وقد نشر أغلب هذه النُّصوص في الصّحافة الورقيّة والالكترونية.
ولدت هذه النُّصوص كومضات اشراقيّة، من دون أي تخطيط لها، وتتعانق مع عوالم الشِّعر، النَّص، القصّ، الخواطر، التأمُّلات، ويتداخل أحياناً في النَّص الواحد أكثر من جنس أدبي، قسم من هذه النُّصوص ممكن نشرها كقصائد نثر، وقد اعتبر بعض المشرفين أنَّ النصّ الذي حمل عنوان: "الشِّعر رحلة عناقٍ مع العشب البرّي"، بمثابة وجهات نظر نقديّة حول الشِّعر، لهذا نشر موقع أقلام ثقافية النَّصّ في باب النَّقد، وغيره من المواقع نشره كنصّ شعري، وبعض الصحافة والمواقع اعتبرته نصَّاً أدبياً، لهذا أحب الكاتب أن ينشر الكتاب في باب: نصوص أدبيّة، يحمل كلّ نصّ بين طيّاته أكثر من جنس أدبي.
ليس مهمّاً نهائيَّاً أن نصنَّف جنس النَّصّ الَّذي بين أيدينا، هذا ما يراه الكاتب، إنّما المهم ـ وهذا ما يتمنَّاه الكاتب أيضاً ـ أن يتمتّع القارئ والقارئة به أثناء القراءة، ولنترك القرَّاء والقارئات يصنِّفون النّصوص كما يشاؤون، أو يتركونها نصوصاً أدبية متدفِّقة من خلال مهاميز بوح الرُّوح.

ننشر فيما يلي القسم الثاني من هذه النُّصوص:


قلق الإبداع وكيفية ولادة القصيدة


لا تراودني الأحلام الفاضلة، ولا يقلقني فيما إذا تتحقَّق أحلامي أوْ لا، ما يعجبني في الحلم أنّه حلم غير قابل للتحقيق! ولا أريده أن يتحقَّق أصلاً، لأنَّ جمال الأحلام هو في عدم تحقيقها، لأنَّ عدم تحقيقها يجعلنا أن نبقى دائماً في شوق عميق إليها!

الحلم حالة راقية، طموح غير محدود، وعندما يتحقَّق جزءاً من حلمي أو طموحي في مجالٍ ما، سرعان ما أتحايل على نفسي وأبحث عن حلمٍ آخر بحيث أن يكون سقفه مفتوحاً مطلاً على غابة فسيحة من دنيا الأماني! ..

يحتاج المبدع دائماً إلى حالات قلق، يسمونه قلق الإبداع! ولا أخفي على القارئ والقارئة، أنَّ هذه الرُّؤية أعجبتني، لهذا لا يستهويني الاستقرار بالمفهوم التَّقليدي، فلا أجدني مستقرّاً، عندما أكون في حالة قلق مفتوحة، لأنَّ القلق يحفِّزني على الكتابة، ويفتح أمامي فضاءات رحبة لشهوةِ الحرفِ، لهذا لا أبحث عن الاستقرار بالمفهوم الدَّارج للكلمة، وقد بحثت عن أسباب هذه الظَّاهرة على صعيدي الشَّخصي، فوجدت أنَّني على صواب، لأنَّني فعلاً أحتاج أن أكون في حالة متوفّزة وقلقة كي أتمكّن أن أكتب نصّاً جديداً، أتحدّث هنا ضمن إطار صحّي وسويّ لمفهوم القلق المبدع، وليس القلق بالمفهوم المرَضي! ولكي لا يذهب المتلقّي بعيداً، فلا يقلقني شيئاً حتَّى القلق نفسه، لأنّه بمثابة الخيط الَّذي يقودني إلى محراب القصيدة! وهو الَّذي يقود الكاتب إلى أحلام فسيحة يسبح فيها ويكتب حرفه وكأنّه يصعد نحو معراج السَّماء بحثاً عن ظلال القمر، وعندما يصل إلى ظلال القمر يأخذ غفوة هناك ثم يبدأ بالبحث عن ظلال الشَّمس فلا يستطيع الوصول إليها، فيكتب عن توهان عاشقة من لون وهج الشَّمس فيتوه في عالم متعانق مع معابر الأحلام!

إنَّ أكثر ما يعجبني في تكويني المزاجي هو هذه الأحلام المتشابكة المفتوحة على ربوع الدُّنيا! لأنَّ الأحلام الَّتي تتحقَّق لم تعُدْ أحلاماً ويخفُتُ بريقها عندما نعيشها ونتعايشها، ولا أخفي على القارئ العزيز أنني لا أكترث كثيراً بالحلم، بقدر ما أقتنصه لرحاب الحرف كحالة إبداعية! والطُّموح الَّذي يعدُّ واحة فسيحة للأحلام لا يأخذ من إهتماماتي شيئاً، بقدر ما أسخِّره هو الآخر لحبقِ الإبداع، شراهة ولا كلّ الشَّراهات للكتابة، وما يجذبني في العيش إلى أقصى درجات العيش هو شهوتي المفتوحة على عبور معالم الحرف، البحث عن خفاياه المتعرّشة فوق نداوة وردة، أنا القائل:

لو كانت الحياة
خالية من الشِّعر
والموسيقى
والحبّ
لتهتُ أجوبُ الصَّحارى والبراري
أبحثُ عن أبجدياتٍ جديدة للموت!

تتقاطع عوالم زهرةٍ برّية عبرَتْ خلسةً إلى معالمِ حرفي مع قصيدة لم أكتبها بعد، لربَّما أمسكُ خيطها قريباً وأكتبها أنا الآخر خلسةً، بعيداً عن تلألؤات نجمة الصَّباح!

عندما أنام أحياناً أشعر أنَّني أكبر ظالم في حقِّ نفسي، وأشعر بنوع من الانزعاج لأنَّني سأنام، خاصَّة عندما تنتظرني قصيدة معلّقة بين شفاه غيمة، فأنهض من مخدعي ضارباً النَّوم عرض الحائط لأتمم ما تبقَّى من بسمة وردة، وعندما أتمم ما تبقَّى من معالم الوردة، أعودُ بشهيَّةٍ مفتوحة مسترخياً للنوم فيصبح وكأنّه الجزء المتمِّم للقصيدة!
الكتابة أمانة، رسالة منبعثة من حنينِ السَّماء!



ستوكهولم


ليلة فرح مطرّزة بالبهجةِ


سكرتُ من الفرحِ، انعشتِ روحي في هذا الزَّمن الضَّحل، هل من المعقول أن نملكَ كل هذه المساحات الحميميّة بين تجاعيدِ الشَّوقِ، أحبُّكِ يا غاليتي أكثر من الحبّ، أكثر من دقاتِ الرُّوحِ، أحبكِ بطريقةٍ لا أفهمها ولا أريد أن أفهمها لأنَّها أعمق من كلِّ المفاهيمِ، بطريقةٍ أعيشها، أخبئها بين أوجاعي لعلّ روحكِ المتشظِّية من أوجاع هذا الزَّمان، تداعب بعنفوان أوجاعها أوجاعي، لأنّ أوجاعي لا يمكن أن يهشّمها فرحاً، تحتاج أوجاعاً من نكهةِ الانكسار تارةً ونكهة الاشتعال تارةً أخرى، أوجاعكِ يا صديقتي تغلغلتْ عميقاً منذ أن عبرْتِ خميلة غربتي وتهتِ بين تعاريجِ الحلمِ، وحلمي مفروش على قبَّة الرُّوحِ.

آهٍ يا صديقتي، لو راودكَ سؤالاً من هو صبري؟ لا تجيبي عن السُّؤال، وانسَي كلّ قصصي وكلّ أشعاري ولا تصدِّقي ما قرأتينه في جموحاتِ عروسِ البحرِ، فعروسُ البحرِ التي خبَّأتُها بينَ جوانحي هي عروسُ بحري وأمَّا ما قرأتينه رذاذات متطايرة من وجنةِ البحر وهي تحلّقُ فوقَ أرخبيل شاطئِ العمرِ، فقد خنتكِ يا صديقتي عبر نصّي، خفتُ عليكِ يا بهجةَ شوقي، خفتُ على تصالباتِ اشتعالِ الشَّوقِ إلى خصوبةِ اللَّونِ، لونكِ يا صديقتي من لونِ الحصادِ، من لونِ حفاوةِ اللَّيلِ.

أحبُّكِ بطريقةٍ تسمو فوقَ إغفاءاتِ اللَّيل، أحبُّكِ حبَّاً عذباً، أفرحُ لأنَّني أحبُّكِ بطريقةٍ تبهرني، هل تعلمي يا صديقتي عندما قرأتُ النُّصوصَ الَّتي لم أدخلها في متونِ النَّصِّ، كنتُ أرتعشُ من شدَّة اشتعالِ الفرحِ، اعذريني يا صديقتي لو خنتُكِ باختلاسِ أبهى ما جاءَ في الحلمِ، حلمُ الادهاشِ والاندهاشِ، حلمُ الحرفِ وهو يندلقُ فوقَ مويجاتِ الرُّوحِ، هل شعرتِ في بداياتِ نيسان روحكِ تتماوجُ مع قوسِ القزحِ، أو تتوهُ صوبَ القمرِ أم أنَّكِ كنتِ غائصة في كثافاتِ ولاداتِ الألمِ، حزنُكِ يا أميرتي هو الَّذي ولَّد في قلبي حبّي، أحبّكِ يا أجملَ حزنٍ صادفته في تعاريجِ غربتي، أحبُّكِ رغم أنفِ البحارِ، رغم أوجاعي المتهاطلة فوقَ سفوحِ الرُّوح، أحبُّكِ رغمَ تلاطماتِ النَّسيمِ المعانقِ بحيرات ستوكهولم.

البارحة زارني عاشق وعاشقة من لونِ البحرِ، تمعَّنْتُ في زرقةِ الحضورِ، اقتربتُ من بهاءِ الرَّوعةِ، سديمٌ معطَّرٌ بتداعياتِ الحلمِ، سربلا أحلام يقظتي، فتهتُ استجمعُ حنيني المتدفِّق منذ أن كنتُ بين حقول القمح، منذ أن كنتُ طفلاً أركضُ خلفَ الفراشاتِ وأمسكَُ الجرادَ الأخضر وفرسَ الأميرِ، آهٍ يا صديقتي كم أشتاقُ إلى شيخوخةِ والدي، رحلَ والدي تاركاً خلفه شيخوخة تعانقُ شواطئ الرُّوح ـ روحي، هل تشيخُ الرُّوح أم تبقى ساطعةً فوقَ جبهةِ العمرِ، طفولة ململمة حولكِ بتيجانِ الشَّوكِ.

تعالي يا صديقتي أريدُ أن أقتلعَ الشَّوكَ المتفاقمَ فوقَ روحِكِ، أريدُ أن أفتحَ معكِ صفحةً أبهى من الشَّوقِ. شوقي يستطيعُ أن يخلخلَ كلَّ الأشواكِ النَّابتةِ على مساحاتِ عمرِكِ، لا أجيدُ النَّومَ ولا أريدُ النَّومَ طالما أرى شوكاً فوقَ وجنتيكِ، تمرمرُكِ أكثر من مراراتِ الحنظلِ، شوقي من لغةِ البكاءِ وصحارى العمرِ يا عمري، شوقي شوقٌ حارقٌ أكثرَ اشتعالاً من لهيبَ الجمرِ، شوقي بهجةُ عشقٍ، اِندلقَ من خاصرةِ القمرِ، عفواً صديقتي، لا تقلقي من جموحي فأنا ابن المسافاتِ، ابن ديريك العتيقة وأحزان الدُّنيا تراكمت فوقَ خدّي، أحبُّكِ بطريقةٍ تستنهضُ عظام ديناصواتِ الكونِ، تعالي فقد حانَ الأوان أن أقبِّلَ وجنةَ الرُّوحِ، أينَ تقعُ وجنةَ الرُّوحِ من خصوبةِ الاشتعالِ؟ وكيف سنعانقُ لجينَ البهاءِ، أحبِّكِ أكثر من عصافيرِ حلمي، أكثر من وردةِ العشقِ، أكثر من شعري، أنتِ أجمل من شعري لأنَّكِ أبهى من خمائل عمري، تاهت ذاكرتي خلفَ أوجاعِ هذا الزَّمان فصادفت صديقة متطايرة من شهقةِ الشَّفقِ فتصالبت شهقتها مع أوكسجينِ دقَّاتِ الحياةِ، تهربُ الذَّاكرة ذاكرتي مختبئة بينَ تنانيرِ أمّي فتنهضُ أمّي بكلِّ حنانِها تعانقُ بهجةَ البهجاتِ ثمَّ يكبرُ وجهَ الهلالِ، يضحكُ نسيمُ الصَّباحِ فاتحاً صدره لبسمةِ البدرِ وغيومِ العمرِ، تعالي يا صديقتي نرتّقُ اندلاقاتِ جموحِ الشَّوقِ، هل ثمّة حنان في الدُّنيا ممكن أن يخفِّفَ من جمرةِ الشَّوقِ، شوقي أعمق من شهقةِ العشقِ، أعمقَ من لظى العناقِ، أبهى من نقاوةِ الماءِ الزُّلالِ، شوقي يحملُ بين خمائله عصافيرُ الجنّة، يا جنّةَ الجنّاتِ، تعالي نحرقُ أوجاعنا خلسةً ونرميها بعيداً عن هلالاتِ القصائدِ، هل أنا أنا فعلاً يا صديقتي أم انّني أنّاتٌ تعلوها أنّاتي؟

أحبُّكِ رغمَ أنفِ غِيرةِ القمرِ، رغمَ امتعاضِ الجمرِ، رغمَ اكفهرارِ اللَّيلِ، رغمَ الدَّساتيرِ المبرقة في وهادِ الكونِ. تعالي يا صديقتي نحلّقُ فوقَ بهاءِ اللَّونِ، يا برعماً خصباً أعبق من نكهةِ البيلسانِ! أحبُّكِ رغم دكنةِ اللَّيلِ ورغمَ هجرةِ الطُّيورِ إلى أقصى بقاعِ الكونِ، تعالي يا أنشودتي الأزليَّة أرسمُكِ حرفاُ من بتلّاتِ الزُّهورِ، تعالي أفترشُكِ فوقَ وجنةِ الحلمِ فأنا يا روحي المندلقة من خاصرتي منذُ الأزلِ، حفيدُ كلكامش، ابن اللَّونِ، أحملُ بين أجنحتي عشبةَ الخلاصِ، خلاصُك من جلاوزةِ هذا الزَّمان، تعالي يا صديقة حرفي كي أرسمَكِ وردةً فوقَ أرخبيلِ اللَّونِ، كي أخلّدَكِ بينَ أسطورةِ الأساطيرِ، نحنُ من السُّلالة الجلجامشيَّة نصنعُ عشقاً من نكهةِ الخلودِ، نتوهُ عالياً كي نلامسَ وجنة الشَّمسِ، يا إلهي أريدُ أن أزلزلَ خشونةَ الكونِ، كي أزرعَ بسمةَ الحياةِ على شفاهِ الطُّفولةِ، كي أرسمَ وشماً فوقَ جبينِ غزالةِ الحلمِ!


ستوكهولم 2003



تتحوَّلُ قارئتي إلى سنبلة شامخة في سماءِ ليلي

إليكِ أيَّتها القارئة وإليكَ أيُّها القارئ أكتبُ حرفي


تعبرينَ مغائرَ فرحي، من خلالِ ولوجكِ إلى وشوشاتِ القصّة غير المرئيَّة، للنصوصِ وشوشات غير مرئيّة، لكنَّ القارئ يلجُ إليها عندما يقرؤها عبر بيارق الرُّوحِ!

القصّة يا صديقتي وهجٌ متطاير من دفاتر غربتي، من أوجاعِ الرَّحيلِ، رحيلنا في رحابِ الزَّمنِ، زمنٌ مقعّرٌ يفتقرُ إلى حميمياتِ الطُّفولة والصِّبا وحميمياتِ بهجةِ الصَّباحِ!

عشتُ لحظاتِ السَّردِ الواردة في سياقِ القصّة، وأضفيتُ عليها شراهة توقي إلى معالمِ الانسيابِ، الكتابةُ حالة اشتعاليَّة، أشبهُ ما تكون بمجمرة، نشعلُ من خلالها ما يعترينا كي نحصلَ على جوهرِ ما نصبو إليه، تحترقُ الشَّوائب وتبقى درر الحياةِ، ننثرُها على وجنةِ الورقِ ثم تبزغُ إلى الحياةِ!

قارئي هو صديقي، قارئتي هي صديقتي، أحياناً تتحوَّلُ إلى سنبلة شامخة في سماءِ ليلي، وأحياناً تتحوَّلُ إلى غيمةٍ عطشى إلى براري القصيدة، ربما نصّي يحرِّضها على كتابة نصٍّ، أو هي تحرّضني على كتابةِ المزيدِ من النّصوصِ! أنتِ تحرضينني على الفرحِ، لأنَّكِ شهقة فرحٍ من وهج الضِّياءِ، تشبهينَ كرومَ الدَّوالي وسهولَ قمحي الَّتي تركتها تشتعلُ شوقاً خلفَ البحارِ.

تعالي يا صديقتي نرقصُ على براعمِ وردٍ متاخمة لهفهفاتِ المساءِ، هل يراودُكِ أن ترقصي على موجاتِ البحرِ أم أنَّكِ خائفة من اهتياجِ البحرِ، لماذا لا تنامينَ فوقَ مروجِ القصائد، تنتظرينَ الغسقَ قبلَ أن تغفو عصافير الخميلة فوقَ مخابئِ الأفنانِ، هل نحن البشر نسائم تائهة بين طيّاتِ الغمامِ أم أنَّنا قصص مندلقة من شهوةِ الرِّيحِ، هل مررتِ يوماً في أعماقِ الصَّحارى تنتظرينَ عودةَ الزَّرازيرِ في أوائلِ الرَّبيعِ، أم أنَّكِ تركتِ أحلامَك تتشظَّى على مفارقِ الطُّرقِ إلى أن يهدأ هدير القلب؟! قلبُكِ يشبه سنديانة غائصة في تلاوينِ الدُّفءِ!

ثمَّة عاصفة مسترخية بين ضفائرِكِ، تعصفُ في قبَّةِ الشَّوقِ، فلا تجدينَ سوى حبركِ تفرشينه فوقَ بساتينِ الحنانِ، طاقة حنانيَّة تطفحُ فوقَ أجنحتكِ، تحلِّقينَ عالياً، توشكينَ أن تلامسي وجنةَ الغمامِ، هل للغمامِ وجنةً أم أنّه خُيّل إليكِ أنّكِ على تخومِ العناقِ من شدّةِ الانبهارِ؟

تعالي يا صديقةَ الوردِ، تعالي إلى حيث عناقيد العنب تزدانُ في تلافيفِ العريشةِ، أغصانُ الحياةِ تتدلَّى مثلَ خدودِ الطُّفولةِ، تشبهينَ لونَ الضُّحى، مزاميرَ الخيرِ، ينابيع محبّة مضمّخة بخصوبةِ الألقِ، مَن بعثرَ الورد فوقَ خدّيكِ، هل كنتِ يوماً فراشة هائمة فوقَ شراعِ الشِّعرِ، ما هذا الشَّوق العميق إلى غمائم حرفي، هل راودكِ أنَّكِ كنتِ مسترخية بين جفونِ الحرفِ، هل ترغبين أن أكتب عن رقصةِ القلب، عن تجلّياتِ شهوةِ الرُّوحِ إلى معراجِ السَّماءِ؟!

أنتِ، مَنْ أنتِ، بوصلةُ القلبِ، ميزانُ فرحٍ يتراقصُ فوقَ أشرعةِ العيدِ، تعانقينَ نجومَ الصّباحِ، يهفو قلبكِ إلى ظلالِ القمرِ، تتمايلُ خاصرتكِ فوقَ قبَّةِ الشِّعرِ، فيضحكُ حرفي شوقاً إلى مساماتِ الوردِ، هل جُبِلَ محيَّاكِ من حفيفِ الوردِ، أم أنّكِ تشكَّلتِ من رذاذاتِ الأزاهيرِ؟
عجباً أرى، قامة منبعثة من زقزقاتِ العصافيرِ، تشبهينَ أنشودةَ عشقي، نصِّي المعفّر بأريجِ الحنينِ، لا أظنُّ أنَّكِ قادرة أن تنامي قبل أن تسمعي هسيسَ الرَّوضِ، تغاريد القلب، هل يرقصُ قلبكِ على زخّاتِ المطرِ، هل تشتهينَ أن تكوني نداوةَ المطرِ؟ أنتِ أكثرَ خصوبة من المطرِ، لأنَّكِ من فصيلةِ البحرِ، من لونٍ الماءِ الزُّلالِ، تضحكينَ فيرتعشُ قلب القمرِ، منذُ متى لم تكتُبِ قصائدكِ على بتلاتِ العناقِ؟ وردتان هائمتان فوقَ بريقِ عينيكِ، هل كنتِ يوماً مرفأ لخيوطِ الشَّمسِ، أم أنَّكِ كنتِ بسمة متطايرة من وهجِ الشَّمسِ؟

تهفو روحكِ إلى شموخِ الجبال، إلى بساتين معرّشة في جذعِ السَّماءِ، عندما يقمّطكِ الضَّباب لا تقلقي، فأنتِ مسربلة بضياءِ البهاءِ، تغفو سنونوة تائهة فوقَ ضفيرتكِ، ويحطُّ بلبلٌ فوقَ تلالِكِ العاجيَّة، هل تشعرينَ أنّكِ تحلّقينَ عالياً كلّما تتواصلُ روحكِ مع عذوبةِ العناقِ؟ وهجٌ من روعة التجلِّي، كيفَ تحطّينَ على الأرضِ وأنتِ تسبحينَ فوقَ روابي الكونِ؟!

تعالي يا صديقة الغابات، يا حبقَ الرَّبيعِ، يا موجةً راعشة في وجهِ النَّسيمِ، لماذا لا ترسمي قلبكِ فوقَ قميصِ اللَّيلِ، فوقَ حفيفِ البراري، هل تحلمينَ أن تعبري أعماقَ البراري، وعلى يمينِكِ أغلى الأماني، لماذا جاءَ الإنسانُ للحياةِ، طالما لا يلملمُ توهُّجات الرُّوحِ وينثرُها فوقَ شراعِ الأماني؟

يحلّقُ قارئي عالياً إلى أن يصلَ إلى أغوارِ الهيامِ، رحلةُ العمرِ محفوفةٌ برجرجاتِ الأنينِ، مرصرصة بالتشظِّي، ما هذه التكلّسات المنزلقة فوقَ ينابيعِ العمرِ؟ أريدُ أن أزعزعَ ضجري، أن أرسمَ فرحي فوقَ شهيقِ القمرِ، أريدُ أن أحلّقَ في حدائق مزدانة بوهجِ الجنّةِ، لماذا لا نصنعُ عالماً يتعانقُ من هلالاتِ الجنّةِ، ما هذا البؤس الذي يغلّفُ خاصرةَ الكونِ؟

وحدُهُ حرفي يخلخلُ تفاصيلَ غضبي ويرسمُ مخارجَ عشقي فوقَ تلالِ المحبِّةِ، فوقَ بيادرِ الخيرِ، فوقَ وردتي الَّتي انتظرتها منذُ فجرِ التكوينِ، فوقَ سنبلةٍ مخضّبةٍ بعذوبةِ العطاءِ، سنبلتي شامخة من لونِ الضَّياءِ!
قلمي، أهلاً بكَ يا قلمي، تنعشُ ليلي وتفرشُ حبقَ الأزاهيرِ فوقَ تضاريسِ الرُّوحِ وتنقشُ فوقَ مرافئِ البدنِ اشتعالاتِ حنينِ السِّنينِ!
ستوكهولم: 20 . 12 . 2006







الحرفُ توأمُ اللَّونِ


ما أزال غائصاً في فضاءاتِ قصصي ونصوصي ولوني وشعري وغربتي، أكتب شعراً من وحي البكاء، من وحي انسلاخِ الذَّاتِ عن الذَّاتِ، تاه الإنسان عن معراج الخلاصِ.

أرسم فرحاً رغم أنفِ الضَّجرِ، لا أعرف أن أرسم إلا فرحاً، عشقاً، حبّاً، وردةً، زهوراً برِّيّة.. حنينُ الكرومِ لا يفارقُ لوني، والسَّنابلُ تغمرُ مروجاً ممتدَّة على مدى العمر!

هبطت عليّ رغبة العبورِ في عوالم اللَّونِ، فغدا الحرفُ توأمَ اللَّونِ، وبدأت أكتبُ شعري بالحرفِ تارةً وباللَّونِ تارةً أخرى! لملمتُ أوراقي، وفرشت شهوةَ الحرفِ فوق قبّةِ الحنين، لا شيء يعادل عبق الإبداع في دنيا من رماد، وحدها الكلمة تعيد إليَّ ما تبقّى من بريقِ الحياةِ، تغدو جميلة رغمَ غبارِ الحروبِ، رغم أنياب الحيتان المتنامية مثلَ اللّبلابِ، حيتان هذا الزَّمان أكثر ضراوةً من حيتان البحر، تشبه لونَ الجنونِ، عجباً، كيف يتحوّل الإنسان إلى ورقة في مهبِّ الحرب، ورقة خلف متاريس الحرب، كلمة فاقعة في كهوفِ التَّاريخ، لستُ راضٍ عن سماكاتِ مخيخِ الإنسان، جنوحٌ نحو دهاليزِ الموتِ، موتٌ على قارعةِ الطَّريق، موتٌ عندَ الصَّباحِ، عندَ المساءِ، موتُ على مدارِ اليوم، موتٌ حتّى في رحابِ الحلمِ، أين المفرُّ من تفريخِ عُصيّاتِ الموتِ الزُّؤامِ؟!

آهٍ وألفُ آهٍ من زمنِ التَّنانينِ، براكينُ الدِّماءِ تجري فوقَ وادي أولى الحضاراتِ، رفعَ جلجامش رأسه من قبرِ الخلودِ، فرأى الأنسَ ينطحون بعضهم بعضاً، كأنَّهم من فصيلةِ الذِّئابِ، من طيشِ القرودِ، تطورٌّ انزلاقيّ نحو قاعِ الفسادِ، فسادُ متونِ الهرمِ، فسادُ الأغصانِ، فسادُ الرُّؤى في أعماقِ الجذوعِ، فسادُ البناء، فسادُ الهواءِ.

وجعٌ يتنامى في سماءِ حلقي!

تخلخلت هامات الجبال وبكت زرقة السَّماء، هربت الكائنات بعيداً، لاذت الفرار في أعماقِ الفيافي، وجدَتْ سلوى مع همهماتِ اللَّيلِ بينَ ربوعِ الصَّحارى، صحارى القلب تفاقمت رغم اخضرار المروج، اندلعت موجات حزنٍ فوق مآذن الشَّرق، ودقّت نواقيس الأنين، أنين الرُّوح وأنين الرَّحيل، رحيل الطُّفولة، رحيل جبابرة القوم، عفواً هل ثمَّة جبابرة في هذا الزَّمان، زمنٌ مكتنزٌ بلفافات مبقّعة بأسرارِ الفناء، فناءُ مروجِ الخير، فناءُ أواصرِ المحبّة، فناءُ حبق الأزاهير. زمنٌ يزدادُ هشاشةُ من غلاظةِ جبينِ الطُّغاةِ، من تفاقمِ رعونةِ الصَّولجان. زمنٌ يترنّحُ مثل السُّكارى، ينزلق من شدّة الغباءِ فوق روث البقر، جنونُ البقرِ انبعثَ من جنونِ البشرِ، ما هذا القحط الذي أصاب رؤى قادة القومِ، قادة من لونِ اصفرارِ العقاربِ، من لونِ البعوض وبقايا جنونِ الغضبِ، ما هذا الورم المتضخِّم في فروة رؤوس ساسة هذا الزَّمانِ؟! دُخنا من هدير الحروب، من نشرات الأخبار، من مخالب العصرِ، دُخنا من جشاعةِ أصحابِ الصَّولجانِ!

متى سيفهم المرءُ أن مساحةَ العمر تضيع في متاهاتِ الحروب، ماذا نستفيد من هذا العراك سوى موت الطفولة وتفاقم الحماقاتِ، نشبه دمعةً أو بسمةً عابرة في ربوعِ الحياةِ؟!

متى سيفهم المرءُ أن جمالَ الحياةِ، يكمنُ في بسمةِ طفلٍ، في نضارةِ وردةٍ، في وهجِ عشقٍ، في زخّةِ مطرٍ، في نقاوةِ بحرٍ، في تلألؤاتِ نجيماتِ الصَّباحِ، في مصالحةِ الإنسان مع أخيهِ الإنسان، في مصالحةِ الإنسانِ مع خفايا البرّ والبحرِ وأجرام السَّماءِ، في وئام البشرِ مع البشرِ على مدى جغرافيّةِ الكونِ، في وئامِ البشرِ مع الكائناتِ كلَّ الكائنات؟!



ستوكهولم: 1 ـ 7 ـ 2007


طفولةٌ مغموسةٌ بتلاوينِ الحياةِ

إلى العزيزة أنجيلة

تزهو قامتكِ أمامي مثل السَّنابل، طالبة نجيبة، ذات حرفٍ أنيق، متفوِّقة إلى أبهى درجات التفوّق، تشاركيني فرحي عبر تألّقكِ في النَّجاحات المتواصلة فوق وجنةِ ديريك، تحصدين نجاحاً تلو الآخر، ثم فجأة ترخين ظلالكِ تحت قناديل غربة الحياةِ، غربة من نكهة الاشتعال، تتواصلين مع حرفي كأنّكِ حبري المتناثر من شفير غيمة، هل حملتِ بين أجنحتكِ عناقيد الكروم، كرومنا التي أكلتها نعاج الغجر، واقتلعها ذوي الشَّأن، ظنّاً منهم انهم سيبنون قلاع الحصن، فيلات على شاكلة طموح العصرِ، لكن عبق الكروم، كان أحلى من ناطحات السّحاب، أحلى من برجِ الأبراجِ، تعالي يا صديقتي نغنّي للكرومِ، لأزقّة المالكيّة وهي تبتسم للقمر في مساءات الصَّيف، ونرسم أحزان الأزقّة فوق شهوةِ القصائد. كم من الحنين حتّى اندلعت من روحي حفيف القصائد، وحده حرفي انتشلني من مغبّة البكاء، من ورطةِ غربتي المفتوحة على جنائن الغربِ، غربتي رصيدي في رسمِ ملامح القصيدة، تفجِّر بي ينابيع سردٍ كأنَّها منبعثة من هلالاتِ الحلمِ، قلمي وغربتي شهقتا حرفٍ يتطايران عالياً كأنَّهما وميض نور يتسامى إلى قبّةِ السَّماءِ، هل يراودكِ أن ترسمي خيوط غربتنا الَّتي تلامس مرابع الغسقِ، كيف تتواءمين مع شوق الرُّوحِ، مع حنين القلب إلى تلكَ التِّلالِ المتاخمة لبيتِ جدّكِ لحدو عبده، جدُّكِ ذو القامة الممشوقة ولا كلَّ القاماتِ، يشقّ طريقه إلى أعلى التِّلال، يحصد باقات الحنطة على إيقاع صهيل الخيل، يرفع والدي قامته القصيرة مرّحباً بجدِّكِ، يضحكان فرحاً منبعثاً من حدّةِ المناجل، مناجلٌ مسنونة بأحجارِ الصُّوانِ، يغنُّون على إيقاع المناجل، أغاني منبعثة من نكهة النَّارنج، جاءت أمّي تهلهل وأمُّكِ تطوفُ في خصوبةِ البراري، يقدمان كؤوس اللَّبن، أهرب بعيداً، أعبر تخوم الحقول، أسمع هسهسات الحشرات الصَّغيرة، ويبهرني أصوات "الجزجزوكاتِ" أبحث عن مصدر الصَّوت، أتعقبهم طويلاً، أحاصرهم فوق شيقان الحمّص والعدس، أتقدَّم بحذر أجد "جزجزوكةً" صغيرة صفراء فاتحة اللَّونِ، من لون النَّباتِ، أمدّ يدي إليها أمسكها بهدوءٍ كي لا أؤذي جناحيها الغضَّين، أنظر إليها، أرغب أن تطلق "جزّجزها" عالياً، لكنَّها تصمتُ بين أصابعي، هل تنتظر أن تفلتَ منِّي، تطير مثل نحلة هائجة، أضعها على راحة يدي ثم أرفعها عالياً فتطير بعيداً، ثم أصغي إلى سيمفونية الطَّبيعة المنسابة مع هبوب تماوجات الهواءِ، يستمر جدّكِ ووالدي في الحصاد، وأنا أستمرُّ في العبور في أعماق البراري، أبحث عن الجرادِ وفرس الأمير، تناديني أمّي، فيرنُّ صوتها في أذني، آتي مثل البرقِ، تقدِّم لي كأساً من اللَّبنِ، ثم أتناول خيارتين صغيرتين، وقليلاً من الجبنِ وقطعةً من خبزِ التنّور، خبزٌ ولا أشهى، كانت تخبز أمّي مرَّتين بل ثلاث مراتٍ في الأسبوع، آكل خبزاً طازجاً، خبزاً شهيَّاً كأنّه مغموس ببهاراتِ الكونِ! أين أنتَ يا خبز أمّي ويا تنّور أمّي، أينَ هي جرارُ الماء؟!

فجأة تسطع أمامي قوشات الحنطة، وأيام الجراجرِ (النَّوارج)، كان لجدِّكِ جَرْجَرَاً، ولا كلّ الجَّرَاجِرِ، أتذكّر جيداً أن جدّكِ كان ثقيل البنية فعندما كان يركب على الجرجرِ ما كان أحداً يستطيع الرُّكوب بجانبه لضخامة البنية وكي لا تتعب البغال من جرّ الجرجر فكنتُ أطلب منه أن يركِّبني بجانبه فكان ينظر إلى نحافتي قائلاً، تفضّل أنّكَ لا تؤثر على قوّةِ البغالِ، أركب معه برهةً من الزَّمنِ ينشغل في لملمة القوشة المتدفقة على الأطراف، ينزل مهرولاً نحو "ملحيبه"، يلملم ما تناثر من التِّبن والحنطة بسرعة خاطفة، أمسك نفسي فوق الجرجر، تسير البغلتان بتمهّل، يقول لي اسرع قليلاً يا ابني، أطلب من البغال السُّرعة، "وشّ وشّا" مرّاتٍ ومرّات، لكنَّهما لا تتجاوبان مع "وشّ وشّاتي" فأمسك "القامجين" وأسلِّطه عليهما ثم أردِّد "وشّ وشّا"، يجفلان ويرفسانني، تأتي رفساتهما في الهواء، لكنِّي أحكم نفسي بالامساك بأطرافِ الجرجر، مبتعداً إلى أقصى ما أستطيع إلى جهة الخلف، يجنُّ جنون البغلتين فيعبران القَوْشة، داخل دائرة الفراغ، مجرجرين خلفهم الجرجر فأسمع صوت "الدَّفَرَاتِ" يترجرج فوق الأرض، يغضب جدّكِ غضباً شديداً ثم يصرخ في وجه البغالِ، يتقدَّم نحوهما يتوقّفان عن الدَّوران في القوشة، وأنا كنتُ أرتجف من الخوفِ، يجرُّهما فوق قوشة الحنطة ثم يهدِّئني قائلاً، ماذا عملتَ حتَّى جنَّ جنون البغلتين، فقلت له ضربت لكلٍّ منها قامجيناً وإذ بهما ينحرفان عن دائرة القَوْشَةِ ويعبران داخل القوشة فقال لي لا تضربهما بهذه الطَّريقة لأنَّهما غير معتادتَين على الضَّرب من قبل الأطفال.
وهل هما معتادتان على ضربِ الرِّجالِ؟
ضحك جدَّكِ، قائلاً هكذا يبدو.
ركب جدُّكِ على الجرجر، صوتُ أمّي من بعيد يناديني، نزلتُ متوجّهاً نحو الصَّوتِ، كان موعدُ طعام الغذاء قد حانَ، جلسنا في قيظِ ظهيرةِ الصَّيفِ، تحت خيمة صغيرة، "كولّكة" مفتوحة من كلِّ الجِّهات، فقط تحجب وهج الشَّمس من الأعلى، كانت أمِّي تصنعها من أكياسِ الخيش، "كولّكة" تكفي لأفراد العائلة ولبعض الضُّيوفِ، نجلس تحتها أثناء الاستراحات، يمرُّ الهواء من تحتها، نرشرشُ الظلَّ بالماء كلّما تشتدُّ حرارة الأرض، مندهشٌ أنا كيف كنّا نتحمَّل تلك الحرارة ونحن في عمر الزُّهور، هل كنّا نتأقلم مع خشونةِ الحياة؟ فرحٌ رغم حرارة الصَّيفِ، رغم شظفِ العيشِ، فرحٌ عند دست السَّليقة، عندما يحلّ اللَّيل، نلعب "التُّوش والبوكة والبرّي والبرو برفانو بري وا جاوا يا"! طفولة من نكهة الفرح، من نكهةِ الصَّفاء، من نكهةِ العذاب، طفولةٌ مغموسة بتلاوينِ الحياةِ.

غالباً ما يخيّل إلي، أنَّه لولا طفولتي البائسة، ولولا جموحي في البراري وفي أزقَّتي المعفّرة بأكوام الطِّين، ولولا بساتين الكروم، وحقول البطِّيخ والجَّبس والتَّرعوزِ والفنجكات، لولا سهول القمح والحمص والعدس، لولا اخضرار الرُّوح في سماء ديريك، لما ترعرع هذا الهاجس مع حفيف الحرف، وحدها ديريك كافية أن تفتح قريحتي على تماوجات شهوة الشِّعر، على كتابةِ مداخل القصصِ وخفايا الرِّواياتِ!
ديريك من لونِ البهاء، من حبرِ الخلاصِ، خلاصنا من ضجرِ العمرِ، من ضجرِ غربتي المفتوحة على شفيرِ السِّنينِ، تعالي يا بلدتي أزرعكِ موجةً هائجة فوقَ حنينِ البحرِ، تعالي يا صغيرتي أرسمُكِ بيدراً مكتنزاً بالخير، ببذورِ المحبّة بتواشيحِ السَّخاءِ!

ديريك صديقةُ ليلي ومسائي، ترتيلةُ غربتي المنسابة فوقَ خمائلِ حرفي، ديريك قنديلُ ناسكٍ عندَ نداءِ الصَّباحِ، زهرةٌ مسترخية بينَ ربوعِ الأقاحي!


ستوكهولم: ‏18‏/01‏/2007



اسم المؤلِّف: صبري يوسف
اسم الكتاب: ديريك يا شهقة الرُّوح
نصوص أدبيّة
الطبعة الأوّلى: ستوكهولم 2012
دار نشر صبري يوسف
إصدار خاص



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إصدار كتاب جديد لصبري يوسف: ديريك يا شهقة الرُّوح 1 2
- إصدار كتاب جديد بعنوان: حوار د. ليساندرو مع صبري يوسف
- إصدار الجزء الثالث من أنشودة الحياة للشَّاعر صبري يوسف
- إصدار ديوان جديد للشاعر صبري يوسف
- صبري يوسف ضيف مايا مراد للنقاش حول تجربة الأب يوسف سعيد
- لقاء الشاعر مروان الدليمي مع صبري يوسف عبر فضائية عشتار
- إصدار كتاب جديد للأديب والشَّاعر صبري يوسف يتضمَّن: شهاداته ...
- إصدار مجموعة قصصيَّة جديدة للأديب الشَّاعر صبري يوسف
- إصدار ديوان جديد للأديب الشَّاعر صبري يوسف: أنشودة الحياة، ا ...
- حوار رمزي هرمز ياكو مع الأديب والفنَّان التَّشكيلي صبري يوسف
- إحياء حفل تأبين أدبي كبير للأب يوسف سعيد في أربيل
- حفل تأبين أدبي كبير للشاعر المبدع الأب د. يوسف سعيد في أربيل
- مشاركة الأب أيوب اسطيفان في حفل التأبين الأدبي للشاعر المبدع ...
- مشاركة الشاعر جوزيف قسطن في حفل التأبين الأدبي للشاعر المبدع ...
- مشاركة الأديب والشاعر والمترجم د. فاضل العزاوي في حفل التأبي ...
- مشاركة الأديب د. يوسف متّي إسحق في حفل التأبين الأدبي للشاعر ...
- مشاركة الشاعر ميخائيل ممّو في حفل التأبين الأدبي للشاعر المب ...
- مشاركة الشاعر وليد هرمز في حفل التأبين الأدبي للشاعر المبدع ...
- مشاركة الدكتور المهندس جبرائيل شيعا في حفل التأبين الأدبي لل ...
- مشاركة الشاعر هشام القيسي في حفل التأبين الأدبي للشاعر المبد ...


المزيد.....




- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - إصدار كتاب جديد لصبري يوسف: ديريك يا شهقة الرُّوح 2 2