أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نافذ الشاعر - ما هي الروح















المزيد.....

ما هي الروح


نافذ الشاعر

الحوار المتمدن-العدد: 3763 - 2012 / 6 / 19 - 19:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ما هي الروح
بقلم: د.نافذ الشاعر

ما هي الروح التي أُثير حولها هذا السؤال؟
لقد كان اليهود يعتقدون أن معرفة الغيب وكتابة النصوص الشعرية المبدعة ممكن من خلال الاتصال بالأرواح، وكانوا يتعلمون هذا الفن بكثرة؛ وقد جاء النهي عن هذه الممارسة في التوراة: (لا تتعلم أن تفعل مثل رجس أولئك الأمم.. ولا من يرقي رُقية، ولا من يسأل جانا، أو تابعة، ولا من يستشير الموتى)[1].

وهذا كان سائدا لدى العرب في الجاهلية حيث كانوا يعتقدون أن الشعراء الملهمين يتلقون الشعر من الجن الموجود في واد اسمه (عبقر). فيقول الشاعر:
حتَّى كأنَّ رِياضَ القُفِّ ألْبَسَها ... من وَشي عَبْقَرَ تجليلٌ وتنجيدُ

ولقد لقي (مناجاة الأرواح) رواجا واسع النطاق في القرنين التاسع عشر والعشرين، ويُسمى أصحابه الروحانيين، وتأسست جمعيات تحت مسمى الجمعيات "الثيوصوفية" التي تدعي أنها تعلم الغيب بمناجاة الأرواح، وتدلي بكثير من أنباء الغيب.
وهذا العلم أيضا متداول بين الهندوس باسم "اليوجا". فعلم مناجاة الرواح علم قديم، وقد كان له رواج كبير بين اليهود حين ضعفت صلتهم بالدين وانغلق في وجههم باب الوحي، فمالوا إليه ميلا عظيما.

لذلك لما عجز الكفار إزاء ما جاء في القرآن من أنباء الغيب استعانوا باليهود، فقال لهم اليهود: لكي تكشفوا حقيقة محمد سلوه عن الروح؛ أي عن الإلهامات الروحانية، أو الوحي بالمفهوم الإسلامي.

ويرد القرآن الكريم على هذه المزاعم بقوله: (قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) أي أن الداعي لنزول الإلهامات الروحانية هو أن أنكم لم تؤتوا من العلم إلا قليلا، فنقص العلم الإنساني استلزم أن يكمّل الله علم الإنسان في الروحانيات بإعلام من عنده، ولذلك أنزل الوحي أو الإلهامات الروحانية؛ لأنه يستحيل أن تُحرز الكمال من دون إذن ربها، وأنه باطل كل ما تصفونه لكمال الروح من تمارين وسحر ويوجا؛ لأن الروح إنما تحرز الكمال بأمر من عند الله تعالى فحسب.
لقد أخبر الله هنا أنه خص نفسه وحده بعملية كمال الروح الإنسانية، ولا تقدر أية روح أن تحرز الكمال من دون إذن ربها، مهما مارس صاحبها من تمارين اليوجا أو تحمل المشاق الأخرى.

وتفسير الروح بالوحي الإلهي أو الهامات الإلهية هو أحد الأقوال الواردة في معنى (الروح)..
يقول صاحب تفسير النكت والعيون: (الروح) فيها خمسة أقاويل:
أحدها: أنه القرآن، قاله الحسن، كما قال تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا)[2].
الثاني: أنه جبريل عليه السلام، قاله ابن عباس؛ كما قال تعالى (نزل به الروح الأمين)[الشعراء : 193].
الثالث: أنه روح الحيوان، وهي مشتقة من الريح.
الرابع: أنه عيسى ابن مريم هو من أمر الله تعالى وليس كما ادعته النصارى أنه ابن الله، ولا كما افترته اليهود.
الخامس: ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه ، لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بجميع ذلك، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه.[2].

ولقد اختص الله كل إنسان بإلهامات روحانية أو بروح تنزل في قلبه، وهذه الروح أو الإلهامات الروحانية تختلف من شخص لآخر؛ لأن شرف الإلهام النازل من شرف الشخص النازل إليه، وكلما ارتفع قدر الإنسان كلما كان الإلهام النازل في قلبه مرتفعا..
والإلهامات الروحانية أو (الروح) التي تنزل في قلوب الناس في الساعات المباركة، تُسمى لدى الأنبياء غالبا باسم (الكتاب).
وهذا ما سمي به الوحي الإلهي النازل في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنه سمي (القرآن)؛ وهذا ما جاءت إليه الإشارة في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا، مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ..) (الشورى52).
والإلهامات الروحانية جاء التعبير عنها بكلمة (الروح) في قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) (الإسراء85).
والدليل على ذلك الآيات التالية مباشرة لهذه الآية: (وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً. إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً. قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً. وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً) (الإسراء85-89).

والساعات المباركة بمثابة ليلة القدر التي تنزل فيها (الروح) في نفوس العباد، فكل شخص له (ليلة قدر) خاصة ينزل فيها، في قلبه كتابه الخاص به؛ ومن رحمة الله عز وجل أن جعل هذه الروح تشمل حتى الكافر، وإلى هذا المعنى جاءت الإشارة بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ... أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ) (الأعراف37).

فليلة القدر هي ليلة ينزل فيها إلى قلب الإنسان، جملة واحدة، كل فلسفة حياته، وكل أنماط سلوكه وتصرفاته..
وقد تكون هذه الليلة ليلة واحدة في العمر ينزل في نفس الإنسان فيها كل ما سيكون من أحواله وأفكاره وشؤون حياته، ثم تأتي الليالي التالية مفصلة ومبينة لهذه الليلة. ثم إن التعرض لنفحات هذه الليالي يزيد من وضوح ما نزل في نفس الإنسان ويجعله بصيرا بنفسه عارفاً بما في قلبه، وتبدأ الأمور المجملة في نفس الإنسان بالوضوح، وتبدأ تشف وتصفو إلى أن تبلغ درجة عالية من الوضوح والكمال.. وهذا حسب اجتهاد الإنسان واستعداده فيما بعد.

وليلة القدر قديمة منذ الأزل فهي ليلة لم تأت إلى الوجود بمجيء القرآن الكريم، إنما هي ليلة كونية من نواميس الكون وجدت مع وجود الإنسان، وهي مقدرة في علم الله قبل نزول القرآن ومجيء الإسلام، وبركة هذه الليلة قدّرها الله لها قبل نزول القرآن؛ ليكون القرآن بابتداء نزوله فيها ملابساً لوقت مبارك فيزداد بذلك فضلا وشرفا..
والليالي المباركة ليال متعددة وليست ليلة واحدة لتنكير قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَة) ولم يقل أنا أنزلناه في الليلة المباركة، ولهذا اختلف العلماء في تحديد الليلة المباركة؛ فكل من يحس ببركة ليلة من الليالي يجزم بأنها الليلة المباركة حسب تجربته الخاصة.. وهذا ما جعل عكرمة يجزم بان الليلة المباركة هي ليلة النصف من شعبان، والباقر يجزم بأنها ليلة السابع عشر من رمضان الموافق ليوم بدر، وابن مسعود لم يجزم بليلة محددة، إنما قال: "من يقم الحول يصب ليلة القدر"، أي لا يستطيع تعيين هذه الليلة على وجه التحديد[3].
فالاكتشافات العلمية التي غيرت مجرى التاريخ تنزل في ليلة مباركة؛ كاكتشاف الكهرباء، وقانون نيوتن في الجاذبية، ومندل في الوراثة، وطومسون في الذرة، واينشتاين في النسبية.. كل هذه الاكتشافات وغيرها عندما جاءت الساعة المباركة أنزلها الله عز وجل على القلوب التي كانت مستعدة لهذا الاكتشاف ومتعطشة له، فانتشرت انتشار النار في الهشيم، لأن وقتها قد حان، وميلادها قد جاء!.

والإلهامات الروحانية أو الروح تختلف في هذه الليلة من شخص لآخر، فالمتعلم أو صاحب القلم، تنزل في قلبه أفكار وعبارات يبقى طوال حياته يكتب معانيها ويشرح تفاصيلها، أما غير الكاتب فتنزل في قلبه أمور تخص معيشته وتصريف حياته؛ وهذا ما جاءت إليه الإشارة بقوله تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا، بِإِذْنِ رَبِّهِم، مِّن كُلِّ أَمْرٍ) يعني في هذه الليلة تنزل الملائكة على قلوب العباد من كل أمر من أمور حياتهم، وربما تكون مرة في العمر، حيث يبقى الإنسان باقي عمره يرتشف من بعض ما نزل في هذه الليلة، فهي ليلة مباركة بكل المعاني، وهي تعادل عمر الإنسان كله، بل هي أفضل من جميع ليالي عمر الإنسان ولذلك قال الله عز وجل:(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ).
والألف شهر تقدر بثلاث وثمانين عاما، وفي هذا إشارة إلى المتوسط الأعلى لعمر الناس، حيث يبقى الإنسان على مدى عمره كله، حتى وإن بلغ الثمانين، يقتبس من فيض هذه الليلة المباركة التي نزلت فيها كل هذه الأمور، وأن كل إنسان له ليلة مباركة تنزل على قلبه في هذه الليلة أمور يبقى أثرها مدة قد تصل إلى ثلاث وثمانين عاما، وهو لا يزال يقتبس من بعض أنوارها وأسرارها، وهي تساوي ألف شهر من الأيام الأخرى العادية التي لا توجد فيها مثل هذه الليلة القدسية المليئة بالحكم والأسرار التي تتحدد فيها مصائر البشر، ولو جمعت فضائل وبركات ثلاث وثمانين عاما ستجدها تعادل فضيلة ليلة واحدة من أمثال هذه الليالي، لأن فضيلة الأيام والليالي أنما يكون بكثرة ما يقع فيها من الفضائل وليست بمرورها بلا طائل.

أما ليالي القدر الأخرى، فهي الليالي التي تتضح وتنكشف فيها فلسفة الإنسان، التي وضعت في الليلة الأولى أكثر فأكثر، وتصبح في أوضح الصور وأبهى الحلل، فهي تشبه البذور الكثيرة التي توضع في الأرض وتغطى بالرمال، فإذا نزل عليها المطر اهتزت وربت وأنبتت من زوج بهيج، وإن لم ينزل عليها المطر ماتت واندثرت كأن لم تكن شيئا مذكورا، وهذه هي الفائدة من ليالي القدر التالية لليلة القدر الأولى، فهي بمثابة غيث السماء الذي يجعل من البذور المطمورة زرعا مختلفا أكله وألوانه.

----------------------------------------
[1](تثنية 18/11)
[2]النكت والعيون: الماوردي، ج3/296
[3]تفسير ابن كثير: سورة القدر



#نافذ_الشاعر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- -بأول خطاب متلفز منذ 6 أسابيع-.. هذا ما قاله -أبو عبيدة- عن ...
- قرار تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا يقلق مخالفي قوانين ا ...
- سوناك يعلن عزم بريطانيا نشر مقاتلاتها في بولندا عام 2025
- بعد حديثه عن -لقاءات بين الحين والآخر- مع الولايات المتحدة.. ...
- قمة تونس والجزائر وليبيا.. تعاون جديد يواجه الهجرة غير الشر ...
- مواجهة حزب البديل قانونيا.. مهام وصلاحيات مكتب حماية الدستور ...
- ستولتنبرغ: ليس لدى -الناتو- أي خطط لنشر أسلحة نووية إضافية ف ...
- رويترز: أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة مليار دولار لأو ...
- سوناك: لا يمكننا أن نغفل عن الوضع في أوكرانيا بسبب ما يجري ف ...
- -بلومبرغ-: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على 10 شركات تت ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نافذ الشاعر - ما هي الروح