سامح نجيب، عضو قيادي بمنظمة الاشتراكيين الثوريين في مصر في حوار مفتوح: حول مبادئ وتاريخ الاشتراكيين الثوريين


سامح نجيب
الحوار المتمدن - العدد: 3761 - 2012 / 6 / 17 - 19:00
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا - 81 - سيكون مع الاستاذ سامح نجيب، عضو قيادي بمنظمة الاشتراكيين الثوريين في مصر حول: مبادئ وتاريخ الاشتراكيين الثوريين .
 

نشأت منظمة الاشتراكيين الثوريين خلال تسعينات القرن الماضي. وكانت ظروف النشأة شديدة الصعوبة. فاليسار التقليدي في مصر كان يعاني من أزمة حادة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والذي كان ذلك اليسار يعتبره نموذجاً للاشتراكية وقد أدى انهيار ذلك النموذج إلى حالة من التخبط والإحباط الشديد تآكلت معها عضوية وتأثير تنظيمات وتيارات اليسار الستاليني في مصر.

ومن جانب آخر أدى استسلام منظمة التحرير الفلسطينية والدخول في نفق السلام البرجوازي وانسداد أفق التحرر الوطني إلى تعميق أزمة اليسار التقليدي وفقدانه لدوره السابق في مناهضة معاهدة السلام والتضامن مع المقاومة الفلسطينية والقبول في كثير من الحالات بما كانت تقبل به فتح بحجج واهية حول الواقعية وتوازن القوى وما إلى ذلك من أطروحات انتهازية وانهزامية.

وعلى مستوى آخر جاء الصعود السريع للإسلام السياسي وهيمنته على الساحة السياسية والفكرية، بما في ذلك في معاقل اليسار التقليدية في الجامعات والمناطق العمالية والأحياء الفقيرة وقد دفع ذلك الصعود إلى إتخاذ قطاع هام من اليسار المصري متمثلاً في حزب التجمع والحزب الشيوعي المصري إلى موقفاً إنتحارياً ومخزياً بالتأييد الضمني وفي بعض الحالات العلني لاستبداد نظام مبارك والتحالف مع حزبه الحاكم في مواجهة ما اعتبروه طبقاً لتحليلاتهم الستالينية البالية نوع من الفاشية الدينية "الظلامية" لتبرير تذيلهم لدولة مبارك .

كان النصف الأول من تسعينات القرن الماضي أيضاً فترة هيمنة سياسات الليبرالية الجديدة والهجوم على مكتسبات الطبقة العاملة والفلاحين والفقراء عموماً لصالح مجموعة صغيرة من كبار رجال الأعمال والشركات العالمية ولم يتمكن اليسار من تنظيم صفوف الجماهير لمواجهة تلك الهجمة الرأسمالية المتوحشة من إفقار وتشريد واستبداد.

استهدف الاشتراكيون الثوريون في تلك الفترة التسلح بالتراث الماركسي الثوري من كارل ماركس وفردريك إنجلز مروراً بلينين وتروتسكي وروزا لوكسمبرج وأنتونيو جرامشي وصولاً إلى التيارات التروتسكية الحديثة الرافضة للستالينية ولتشويهها لتراثنا الثوري ومن جانب آخر التراث الطويل لنضال الطبقة العاملة المصرية لبناء يسار جديد قادر على مواجهة الرأسمالية والإمبريالية من جانب ومواجهة التحدي المتمثل في هيمنة الحركة الإسلامية الرجعية على قطاعات واسعة من الجماهير.

اعتمد الاشتراكيون الثوريون على عدة محاور أساسية في طرحهم السياسي نلخصها فيما يلي:



الاتحاد السوفيتي ورأسمالية الدولة


لم يمثل انهيار الاتحاد السوفيتي إنهياراً للاشتراكية بل انهياراً لشكل من أشكال رأسمالية الدولة. فرغم نجاح ثورة أكتوبر ١٩١٧ في تحطيم الدولة الرأسمالية والبدء في بناء دولة عمالية ديمقراطية واجهت تلك التجربة الفريدة تحديات ضخمة تمثلت في حصار خانق وتدخل عسكري من قبل كافة الدول الامبريالية وحرب أهلية كلفت الثورة أفضل عناصر الطليعة العمالية التي قادت ثورة أكتوبر. كان رهان البلاشفة بقيادة لينين وتروتسكي على امتداد الموجة الثورية وانتصارها في قلب الدول الرأسمالية المتقدمة في أوروبا. ولم يكن هذا الرهان مجرد حلماً طوبويا، فقد انتشرت الثورة إلى ألمانيا والنمسا والمجر وإيطاليا وكافة أنحاء أوروبا ولكن الموجة الثورية لم تنجح في الإطاحة بالرأسمالية في تلك البلدان. وكانت النتيجة عزلة الثورة الروسية ورغم انتصار البلاشفة في الحرب الأهلية فقد تحولت اللجان العمالية (السوفيتات) إلى هياكل فارغة وتحول النظام من ديمقراطية عمالية إلى الحكم المطلق لبيرقراطية الحزب والدولة بقيادة ستالين. وقد تمكن ستالين من تصفية ما تبقى من الطليعة العمالية الثورية ومن القادة التاريخيين للبلاشفة في ثورة مضادة حولت روسيا من دولة عمالية وليدة إلى نظام رأسمالية دولة لا يقل استغلالاً واستبداداً عن نظيراتها في الغرب.


الرأسمالية والليبرالية الجديدة



 لم يكن انهيار النموذج السوفيتي وهيمنة سياسات الليبرالية الجديدة والعولمة انتصاراً للرأسمالية العالمية بل محاولة يائسة للخروج من أزمات الرأسمالية المتتالية منذ السبعينات من خلال جعل العمال والفقراء يدفعون ثمن الأزمة ومع نهايات القرن العشرين بدأت الشروخ تظهر من جديد في النظام الرأسمالي العالمي بأزمات عنيفة وسرعان ما تبددت أكاذيب الأنظمة الرأسمالية حول التحرير الاقتصادي والخصخصة كطريق وحيد للتنمية وانكشف الطابع الطبقي المتوحش لتلك السياسات. وفي مصر لم تؤدي سياسات نظام مبارك الليبرالية الجديدة إلا لمزيد من الإفقار والذل لغالبية الشعب ولتركيز غير مسبوق للثروات في أيدي عدد قليل من العائلات والشركات العالمية وقد تمكن الاشتراكيين الثوريين في مصر من خلال التسلح بالمنهج الماركسي في فهم الأزمة الرأسمالية من أن يكونوا في وضع الاستعداد لموجة المقاومة العمالية والشعبية للرأسمالية والتي تفجرت منذ منتصف العقد الأول من القرن الجديد.


الامبريالية والصهيونية


لم تكن فكرة الانتصار النهائي للامبريالية الأمريكية وفرض تسوية برجوازية للصراع مع الدولة الصهيونية إلا سراباً سرعان ما تبدد على أرض الواقع. وقد رفض الاشتراكيون الثوريون بيع القضية الفلسطينية وأوهام حل الدولتين وتواطؤ النظام المصري مع الاستعمار الصهيوني والأمريكي وظل إيمانهم راسخاً في قدرة المقاومة الفلسطينية والعربية على مواجهة كافة المؤامرات لتصفية القضية والتي لعب فيها النظام المصري دوراً محورياً، ليس فقط في فلسطين بل أيضاً في لبنان والعراق وفي الاصطفاف ضد إيران.


الثورة الدائمة

كان التصور المهيمن في أوساط اليسار المصري حول إمكانية الثورة في مصر هو تصور أو نظرية الثورة على مرحلتين. المرحلة الأولى يتم فيها إتمام المهام الديمقراطية والوطنية بتحقيق نظام ديمقراطي برجوازي مستقل ثم تبدأ بعد ذلك مرحلة الثورة الإشتراكية بقيادة الطبقة العاملة. رفض الاشتراكيون الثوريون تلك النظرية الستالينية العقيمة والفاشلة وتبنوا نظرية الثورة الدائمة. جوهر تلك النظرية هو أن الثورة على الاستبداد والتبعية يمكن أن تبدأ كثورة ذات طابع سياسي وديمقراطي ولكنها لا يمكن أن تنتصر دون قيادة الطبقة العاملة فهي الطبقة الوحيدة القادرة على مواجهة وهزيمة الأنظمة الرأسمالية بحكم مركزيتها في عملية الإنتاج وتمركزها في مواقع العمل الكبرى في المدن. أما البرجوازية والبرجوازية الصغيرة فسرعان ما ستهادن النظام المستبد خوفاً من "انفلات" الطبقة العاملة والفقراء وتحطيمهم ليس فقط للإستبداد والفساد بل لأسس النظام الرأسمالي نفسه. وهذا تماماً ما يراهن عليه الاشتراكيون الثوريون. فبدون الدور المحوري للطبقة العاملة في الثورة لن تتحقق حتى أبسط الحقوق الديمقراطية ولكن محورية وقيادة الطبقة العاملة للثورة السياسية الديمقراطية تحولها على الفور لثورة إجتماعية شاملة لن تنجح إلا بالإطاحة بالنظام الرأسمالي نفسه.

لا يمكن للطبقة العاملة أن تلعب هذا الدور القيادي دون دعم وتأييد من كافة القطاعات المضطهدة والمستغلة في المجتمع وعلى رأسهم الفلاحين الفقراء وفقراء المدن والنساء العاملات والأقليات المضطهدة (الأقباط والنوبيين والسينويين) في الحالة المصرية.


الحزب الثوري

يتطلب توحيد الطليعة العمالية وجذب القطاعات الأقل وعياً وتنظيماً في الطبقة العاملة وقيادة القطاعات المضطهدة في المجتمع بناء حزباً عمالياً ثورياً مستقلاً قادراً على ضحد الثورة المضادة وكسب الجماهير من تأثير وهيمنة القوى البرجوازية والبرجوازية الصغيرة والبدء في بناء دولة عمالية ديمقراطية على أنقاض الدولة الرأسمالية.



الموقف من الحركات الإسلامية


كانت إحدى جرائم اليسار الستاليني والتقليدي في مصر هي التحالف مع دولة مبارك ضد الحركات الإسلامية بحجة الدفاع عن الدولة المدنية أو العلمانية والوقوف ضد الظلامية الدينية. وقد أفقد ذلك الموقف ما قد كان متبقي من مصداقية وشعبية اليسار في الشارع المصري. وقد رفض الاشتراكيون الثوريون ذلك الموقف الرديئ والمتذيل للسلطة وأصروا على ضرورة إستقلال اليسار الثوري والوقوف بشكل مبدئي ضد السلطة الرأسمالية المستبدة بما في ذلك الوقوف ضد الإضطهاد والتعذيب والاعتقال والمحاكم العسكرية التي تعرض لها كوادر الحركات الإسلامية، دون التوقف للحظة عن نقد برامجهم اليمينية الرجعية وعن تذبذب قياداتهم الدائم تجاه السلطة. وقد طرح الاشتراكيون الثوريون تحليلاً للحركة الإسلامية يكشف التناقضات الطبقية بداخلها بين القيادات والقواعد وبين التنظيمات وجماهيرها ويؤكد على ضرورة الاستفادة من تلك التناقضات لكسب قطاعات من جماهير الإسلاميين لصفوف اليسار الثوري.

جاء العقد الأول من القرن الجديد ليعطي فرصة تاريخية لنمو وزيادة نفوذ الاشتراكيين الثوريين. فانهيار عملية السلام واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية وحركة التضامن الجماهيري الواسع معها في الشارع المصري أعطى التنظيم فرصة للدعاية والتحريض وخلق الجذور ونمو العضوية. ومشاركة التنظيم في الصفوف الأمامية في معارضة إحتلال العراق وفي التضامن مع المقاومة العراقية والفلسطينية واللبنانية ساهم في ترسيخ وجودنا كقوة صغيرة ولكن صاخبة في مناهضة الامبريالية والصهيونية. وقد شارك التنظيم أيضاً منذ اللحظات الأولى لاندلاع الحركة الديمقراطية ضد حكم مبارك والتوريث منذ أول مظاهرة لحركة كفاية في ديسمبر٢٠٠٤. وربما جائت الفرصة الأكبر للتنظيم مع اندلاع أكبر موجة من الإضرابات العمالية في التاريخ المصري الحديث والتي بدأت في ٢٠٠٦ والتي حاول التنظيم بإمكانياته وعضويته المحدودة أن يكون في القلب منها.


الاشتراكيون الثوريون والثورة المصرية

 إندلعت الثورة المصرية في يناير ٢٠١١ كتتويج للحركات الديمقراطية والاجتماعية والوطنية التي شهدتها مصر في العقد الماضي. ورغم أنها بدأت بمظاهرات جماهيرية ذات طابع سياسي وديمقراطي، سرعان ما ظهر المضمون الاجتماعي العميق للثورة سواء في مركزية الشعارات المطالبة بالعدالة الاجتماعية أو الأهم من ذلك الدور المحوري للإضرابات العمالية في الإطاحة بمبارك. وقد ركز الاشتراكيين الثوريين جهودهم منذ اندلاع الثورة على تعميق الشق السياسي الديمقراطي بحركات التطهير وباللجان الشعبية القاعدية والنقابات والروابط العمالية المستقلة وبفضح حدود الديمقراطية البرجوازية الشكلية التي يريد الليبراليون والإسلاميون التوقف عندها والعمل على الربط بين الطابع السياسي والطابع الاجتماعي للثورة .

ولأننا نفهم جيداً أن من يصنع نصف ثورة يحفر قبره بيديه وأن النظام القديم لابد أن يتم تفكيكه بالكامل إذا أردنا انتصار الثورة وأن القوة الوحيدة القادرة على قيادة تلك العملية وبناء البديل الثوري هي الطبقة العاملة فنحن نفهم أيضاً أن الخيار هو بين تحول الثورة إلى ثورة إجتماعية شاملة-أي ثورة اشتراكية أو عودة جزئية أو كلية للنظام القديم من خلال ثورة مضادة. لا يوجد حل وسط في الثورة المصرية. ما نراه اليوم من إنقلاب عسكري "ناعم" على العملية الديمقراطية الشكلية يشكل تهديداً وجودياً على الثورة المصرية وسيتحول إلى انتقام دموي من الثورة إذا لم يتمكن الثوريون من مختلف الاتجاهات الوقوف صفاً واحداً ضد المجلس العسكري الحاكم والطبقة الرأسمالية التي يمثلها بدعم أمريكي وصهيوني وسعودي.

إن الثورة المصرية لم تنهزم ولن تنهزم. ثقتنا في الجماهير الثورية وعلى رأسها الطبقة العاملة المصرية وفي قدرتها على الإبداع والشجاعة والتضحية لم تهتز ولن تهتز. لقد رأينا الجماهير تتحدى المستحيل منذ يناير ٢٠١١ ولن يهزمها ولن نسمح بأن يهزمها أجهزة دولة مبارك وكلابها.