أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - بنعيسى احسينات - إلى متى تظل منطقة الخميسات خارج سرب التنمية؟؟















المزيد.....



إلى متى تظل منطقة الخميسات خارج سرب التنمية؟؟


بنعيسى احسينات

الحوار المتمدن-العدد: 3760 - 2012 / 6 / 16 - 14:46
المحور: المجتمع المدني
    


إلى متى تظل منطقة الخميسات خارج سرب التنمية؟؟


إن مدن المغرب بقراها بدون استثناء؛ قديمها وحديثها، كبرياتها ومتوسطها وصغارها ، ساهم ويساهم أبناؤها بالأمس واليوم، في بناء المغرب في جميع المجالات وفي كل المحطات، وذلك بتحد وإصرار ووطنية. لكن بعض المدن منها رغم صغرها ورغم نسيانها والتهميش الذي أطالها والإقصاء المفروض عليها، أعطت أكثر من غيرها، إذ تتجاوز في بعض المجالات وفي بعض المحطات كبريات المدن، عطاء وإنجازا وتضحية.
لنأخذ نموذج مدينة الخميسات الواقعة على بعد 80 كم من العاصمة الرباط (المغرب)، عاصمة زمور الأمازيغية العريقة، التي أسست من قبل الاستعمار الفرنسي حوالي الثلاثينات من القرن العشرين، الذي جعلها مركزا عسكريا لمراقبة المنطقة، ومركزا لتهيئة الجنود المغاربة، من أبناء المنطقة، لإرسالهم لجبهة الحرب العالمية الثانية. ثم بدأت تستقبل المهاجرين من ربوع المغرب، خصوصا جهة دكالة عبدة والصحراء والجنوب وغيرها أيام الجفاف والمجاعة، وكذا استقبال الهاربين من السلطة وضغوط القبيلة، مما مكن سكان الخميسات الأصليين (الزموريون) من الانفتاح الكلي وإدماج الوافدين عليها بشكل كلي وتام. وهي كونها عاصمة فيدرالية قبائل زمور، تتميز بموقع استراتيجي مهم وسط البلاد، إذ تصل حدودها الشرقية إلى مكناس، وحدودها الغربية إلى الرباط. فهو ممر ضروري عبر المحور الرئيسي الرابط بين الشرق والغرب، الواقع بين السهول المطلة على المحيط الأطلسي من جهة، وسهول السايس ومرتفعات هضاب المنطقة الشرقية من جهة أخرى. وموقعها على الطريق الرئيسية بين الرباط ومكناس، جعلها تتوسع بسرعة، إذ عرفت هجرة قروية كاسحة منذ السبعينيات من القرن الماضي.
تتوفر بلاد زمور على إمكانيات فلاحية ورعوية ومعدنية مهمة؛ أراضي خصبة، مياه جوفية مهمة، مجاري المياه الدائمة عبر أودية كثيرة، على رأسها وادي أبي رقراق، وادي بهت الذي أقيم عليه سد القنصرة، وقريبا سيبدأ العمل ببناء سد كبير على نفس الوادي ب" جمعة الولجة ". وزد على ذلك بحيرة "ضاية رومي" الرائعة المنظر التي لم تستغل بما فيه الكفاية للسياحة البيئية والترفيه، وكذا غابات شاسعة التي تعاني حاليا من إهمال قاتل مما سيؤدي إلى انقراض أشجارها وغطائها النباتي وحيواناتها. هذا إلى جانب كنوز مدينة الخميسات ونواحيها، إذ ترقد على احتياطي كبير وفريد من " البوطاس " الغني بمواده الفوسفاطية والأورنيوم وغيرها.. لقد كانت منطقة الخميسات إبان الاستعمار، الخزان الرئيسي الأول في المغرب للحبوب التي كانت تمر إلى فرنسا المستعمرة آن ذاك، خصوصا إبان الحرب العالمية الثانية، وذلك عن طريق ميناء القنيطرة الشهير(Port Lyautey سابقا)، عبر سكة حديدية خاصة، كانت تمتد من الخميسات إلى الميناء السابق الذكر. وعند مد خط السكك الحديدية الرابط بين الغرب والشرق، تم القفز على إقليم الخميسات باعتباره آن ذاك مغرب غير نافع، وتحريف الخط ليمر عبر القنيطرة وسيدي اسليمان وسيدي قاسم ثم مكناس، باعتبارها مناطق نافعة، لينطلق عبر فاس وتازة إلى وجدة. وهكذا حرمت الخميسات من الخط الحديدي، الذي لا يزال يرغب سكانها في إقامته مستقبلا، لفك العزلة عنها من حيث المواصلات وتشجيع المنطقة على الإنتاج الفلاحي والصناعي وتسويقه.

فهذا الموقع الاستراتيجي وهذه الإمكانيات الغنية والمتنوعة، هي التي جعلت تمركز الحياة البشرية والحضارة ما قبل التاريخ في هذه المنطقة منذ آلاف السنين. والجدير بالذكر أن المستخرجات الأثرية لإفري (مغارة) نعمرو موسى بجماعة أيت سيبرن بوادي بهت بالخميسات، بين 2006 و 2007 وما بعدها، تشهد على وجود حضارة الفخار الجرسي الشكل في هذه المنطقة من هضاب زمور، التي تمتد من حوالي 3500 إلى 5000 سنة قبل الميلاد، وذلك من خلال العثور على بقايا بشرية مع أدواتهم في قبر جماعي. هذه الحضارة تعود إلى عصر النحاس (عصر البرنزي) التي كانت منتشرة في كل أوروبا الغربية وجزء من أوروبا الوسطى. ويعتبر المغرب البلد الوحيد في كل إفريقيا الذي عرف هذه الحضارة الفريدة ( انظر مقالنا: اكتشافات أثرية تعود إلى حوالي 3000 سنة ما قبل التاريخ، في عدد من المواقع بالانترنيت). كما كانت في ما بعد، القوة الجاذبة لقبائل زمور الذين استقروا بها حوالي بداية القرن 19 بعد ترحال مستمر، دام سنين كثيرة (حوالي 100 سنة تقريبا) قبل الوصول إلى هذا الموقع. وقد قدم الزموريون تضحيات جساما للاستيلاء على هذا المكان والاستقرار به إلى يومنا هذا.

لقبائل زمور الباسلة، مساهمات في مقاومة الاستعمار، وبناء صرح الاستقلال بمقاوميهم الأشاوس وأطرهم وفعالياتهم، منذ دخوله البلاد 1912. وعقب أحداث 20 غشت، تم تنظيم المقاومة بزمور بشكل منظم، وتأليف فيالق جيش التحرير. فبحكم أن أغلبية ساكنة هذه المناطق كانت منخرطة في الجيش الفرنسي رغما عنها، فقد شكلت النواة الأولى لجيش التحرير في المغرب، منهم على سبيل المثال القادة: الكومندار محمد بن الميلودي، الكولونيل جناح بنعشير، الكولونيل إدريس بن بوبكر، الكومندار إدريس الحارثي وغيرهم الذين التحقوا فيما بعد بالجيش الملكي، وساهم البعض منهم في تحرير الصحراء، وقدموا أنفسهم شهداء في سبيلها. نستسمح لعدم ذكر كل أسماء المقاومين وجيش التحرير في هذا المقام وهم كثر، رغم كون الباقين منهم على قيد الحياة وذوي الحقوق للمتوفين منهم، لا زالوا يعانون من النسيان والتهميش والإقصاء إلى يومنا هذا.
ومن المحطات الوطنية الهامة في المنطقة نذكر:
- تأسيس فرع كتلة العمل الوطني بالخميسات سنة 1936.
- شرف توقيع ثلاثة من أبناء قبائل زمور الأبرار، علي وثيقة المطالبة بالاستقلال من بين حوالي 66 موقع، في 11 يناير 1944، وهم: عمرو بن ناصر الزموري، عبد الله الرحماني، عبد الحميد الزموري، رغم كون بلدة الخميسات كانت عبارة عن إدارة استعمارية ومركز عسكري للقوات الفرنسية، وكنيسة وبعض الأحياء ومسجد ومدرسة التي تحولت فيما بعد إلى ثانوية موسى بن نصير، في الوقت الذي لم تساهم عدة مدن مغربية عريقة وغيرها في التوقيع على هذه الوثيقة التاريخية آن ذاك.
- أحداث 22 أكتوبر 1937 والتي تميزت بتنظيم مظاهرة بتنسيق مع الحركة الوطنية، والتي كانت انطلاقة لتظاهرات مماثلة عمت كل جهات المغرب، في مواجهة مسعى الاستعمار إلى التفرقة بين العرب والأمازيغ، بقيادة أبناء زمور القادمين من جامعة القرويين بفاس وعلى رأسهم سي أحمد بوبية صاحب مذكرات، المنشورة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، من طرف ابنه الدكتور فوزي، في كتاب: قبائل زمور والحركة الوطنية. ومن بين العوامل التي أدت إلى تنظيم هذه التظاهرة، نذكر : الاحتجاج لدى السلطات الاستعمارية ضد محاولة عقد مؤتمر للكاثوليكيين بكنيسة القديسة تيريزا بالخميسات، وضد منع حفظة القرآن الكريم بقبيلة أيت أوريبل من إقامة موسم القرآن المعروف ب " مقام الطلبة " بضواحي الخميسات جنوبا.
- تأسيس مدرسة الأطلس الحرة في 1947، التي دشنها ولي العهد آنذاك الأمير مولاي الحسن (الملك الحسن الثاني ) رحمه الله، حيث ألقى كلمة مشهورة بالمناسبة.

هذا بالإضافة إلى مساهمة أبناء وبنات زمور، في المسيرة الخضراء لاسترجاع أقاليمنا الصحراوية. كما قدم المنخرطون منهم في الجيش الملكي، شهداء كثر من ضباط وضباط الصف وجنود، على رأسهم الضابط الحارتي والطيار شانا عمر والضابط بزاعي وضابط الصف أمريضي وغيرهم، الذين تحمل شوارع حي السلام بالخميسات أسماءهم اليوم. وكذا المختطفين والمعتقلين وأسرى الحرب، من طرف بوليساريو والجزائر في مخيمات العار بتيندوف، المفرج عنهم مؤخرا. نذكر من أبناء الخميسات الطيار بنبوبكر احمد وآخرين الذين لا زالوا جميعهم يعانون من التهميش وينتظرون جبر الضرر..

فرغم كل ما سبق ذكره وما لم يذكر بعد، تظل المدينة مهمشة ومتواطأ ضدها، تنخرها مؤامرات من بعض أبنائها والوافدين عليها والحاكمين والمتحكمين في مصيرها. اسألوا الأمس القريب، كيف كانت مدينة الخميسات، قبل أن تتحول إلى عمالة في السبعينات؛ مدينة هادئة ونشيطة، جميلة بأشجار الميموزا الرائعة في فصل الربيع، محاطة من حيث الشرق بغابة تتوسطها كنيسة، والتي تحتضر أشجارها ويزحف عليها الإسمنت اللعين من كل جانب في السنوات الأخيرة، ومن الجهات الباقية تحيطها بساتين خلابة وحقول الياسمين والكرم التي قضى عليها جفاف سنين خلت، وتركت مكانها لصناديق الإسمنت والمضاربة العقارية الغير منظمة في الغالب. كانت نظيفة تروق المحليين والزائرين وكذا العابرين، تنعم بالأمن والأمان والطمأنينة. هذا إلى جانب ما يتميز به أبناء هذه المدينة كنشأة أو كأصل، من عطاءات في كل المجالات، سياسية كانت أو فنية أو ثقافية وعلمية أو رياضية وغيرها، حيث أن أغلبية هؤلاء عصاميون لا مظلة لهم تقيهم من نائبات الزمان، لم يولد جلهم وفي فمه ملعقة من ذهب. فلا تجد محطة من محطات، كانت كبيرة أو صغيرة، مهمة أو غير مهمة، التي اجتازها المغرب في تاريخه الطويل، سواء كانت سيئة الذكر أو حسنة الذكر، إلا وانخرط أو ساهم فيها أبناء منطقة زمور بشكل من الأشكال، بكل جرأة وفعالية وروح وطنية عالية، رغم أنهم في الغالب لا يخدمون منطقتهم بقدر ما يخدمون الوافدين من رجالات السلطة وغيرهم حتى قيل: " مولاي بوعزة ما كيعطي غير للبراني " و " خبز الدار كيكلو البراني ".
فبالنسبة للفقهاء والعلماء في الدين والأدب والحساب وغيرها من العلوم في ما قبل الاستعمار، عرفت قبائل زمور، قبل وجود مدينة الخميسات وغيرها، رجالات امتهنوا التدريس والقضاء والوزارة وغيرها. نذكر على سبيل المثال لا الحصر: محمد بن العربي الزموري الحذراني، علامة وأديب ومدرس.. ومحمد بن إدريس بن محمد العمراوي الزموري البويحياوي، الوزير الأديب الكبير، استوزره السلطان المولى عبد الرحمن بن هشام أيام خلافته بفاس. وأبو العباس أحمد بن محمد الحكماوي، أسند إليه قضاء العدوتين سلا والرباط، وذلك عام 1214 هـ، والقاضي صالح أبو محمد بن القاضي أبي العباس أحمد بن محمد الحكماوي، تولى قضاء مكناسة الزيتون، وخطبة جامع قصبتها المولوية، والتدريس بجامعها الأعظم.
وبالنسبة للمستوى الثقافي والعلمي والمهني في السنوات الأخيرة، يمكن أن نتحدث عن ثلة من مثقفين، وباحثين وأساتذة جامعيين في مختلف التخصصات وبمختلف الجامعات والمدارس العليا بالمغرب، التي تزخر بها منطقة زمور ومدينة الخميسات. نذكر على رأس هؤلاء الباحثة في السوسيولوجيا الدكتورة رحمة بورقية، أستاذة جامعية ورئيسة جامعة الحسن الثاني بالمحمدية، وعضو في اللجنة الوطنية لمدونة الأسرة، وعضو في الهيئة العليا للحوار الوطني لإصلاح العدالة مؤخرا، صاحبة كتاب: الدولة والسلطة والمجتمع ( دراسة في الثابت والمتحول في علاقة الدولة بالقبائل بالمغرب، النموذج قبائل زمور )، والدكتور إدريس أوعويشة رئيس جامعة الأخوين بمدينة إفران، التي تعتبر أهم مراكز العلم في المغرب، والباحث في القانون الخاص بكلية الحقوق والمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بطنجة الدكتور عبد الله أونير وغيره من الأساتذة الجامعيين الموزعين على الجامعات والكليات والمدارس العليا بالمغرب، ومجموعة من الباحثين بالمعهد الملكي للأمازيغية، كالدكتور في اللسانيات وديداكتيك اللغات بلعيد بودريس، والدكتور مصطفى أعشي أستاذ التاريخ القديم والباحث في الجذور التاريخية للأمازيغية والأمازيغ، والدكتور في علم الاجتماع حمو بالغازي صاحب كتاب: ثاضا عند قبائل زمور بالفرنسية من منشورات المعهد، وغيرهم من الأطر. وكذا البروفسور مولاي إدريس عرشان الطبيب الخاص للملك الحسن الثاني، والبروفسور المبرز شانا الحسين في طب العيون والبروفسور المساعد في الجراحة نبيل بوسلمام، كلاهما بالمستشفى العسكري وبالمستشفى الجامعي بالرباط، والبروفسور المساعد في الدماغ والأعصاب بالمستشفى الجامعي بفاس، الشاب سويرتي زهير ابن المرحوم الدكتور سويرتي محمد الناقد والأديب، مربي الأجيال بالخميسات، والدكتور بنغالم مولود من الجراحين الأوائل من أبناء زمور، صاحب عيادة (كلينيك) المبادرة الوطنية بالخميسات. وكذا الباحث العالمي في مجال الطب البروفسور علال بوتجنكوت، المتخصص في مرض ألزهايمر بأمريكا بنيويورك، الذي يعتبر من المخترعين والمطورين للقاح ضد مرض ألزهايمر بأمريكا وبالعالم. وقد قام البروفسور علال بوتجمكوت بتقديم نتائج فريقه ضمن ندوة صحفية في إطار أعمال المؤتمر الدولي الأخير حول ألزهايمر، والمنعقد في هاواي في شهر يوليوز 2010، إذ توج ‮ ‬في‮ ‬23‮ ‬شتنبر ‮ 2010، ‬بجائزة‮ " مارغريث ما كان Margaret M. Cahn للبحث العلمي‮ " لمرض ألزهايمر التي‮ ‬تنظمها سنويا الجمعية العالمية لألزهايمر،‮ كما توج من طرف جمعية مغرب ألزهايمر، بجائزة خاصة بالدار البيضاء بتاريخ 21 شتنبر 2011، بمناسبة اليوم العالمي لداء ألزهايمر ( انظر مقالي الأخير حوله: البروفسور علال بوتجنكوت وجديد لقاح داء " ألزهايمر " المنشور بعدد من المواقع عبر لانترنيت ). هذا إلى جانب أطباء وصيادلة ومحامين ومهندسين وأساتذة جامعيين ومذيعين وصحفيين بالقنوات والصحف الوطنيتين، وكذا مثقفين وكتاب ومبدعين في كل المجالات الذين تزخر بهم المدينة والمنطقة.
أما فيما يتعلق بالأطر العليا في مختلف الوظائف والمهام، التي تزخر بهم الإدارة العمومية المغربية ومؤسساتها والقطاع الخاص بعد الاستقلال؛ منهم ثلة من عمال الأقاليم قديما وحديثا، كعبد الحميد الزموري وعبد الله الرحماني والمحجوبي أحرضان والسعداوي والهردوز ومحمد علي أقسو وإدريس خزاني الذي عين مؤخرا واليا على إقليم القنيطرة. إلى جانب اقتحام أبناء زمور المراكز العليا في الجيش بجميع تخصصاته، كالجنرال بنعيسى المفتش العام للجيش الملكي سابقا، والكولونيل الشافعي الذي أصيب في أحداث الصخيرات، ثم كان على رأس فريق الاتحاد الزموري لكرة القدم فيما بعد، والكولونيل بالقايد المعروف ببن إدريس، مدير سابق للأكاديمية العسكرية بمكناس، التي تخرج منها معظم ضباطنا في المغرب، والكولونيل بنحمو لحسن، والكولونيل مشاط المسئول الوطني في الوقاية المدنية والكولونيل أورامي، وكذا بالدرك الملكي الجنرال نور الدين القانبي والكولونيل كنوش والكولونيل تاونزا والكولونيل بنعاشير، وغيرهم من الضباط وضباط الصف في الجيش والدرك والقوات المساعدة الذين لم أذكر أسماءهم. وكذا في مراكز عليا في الأمن؛ كبنسمينة إدريس مدير سابق لأول مدرسة الشرطة بإفران، قبل أن ينتقل إلى رئاسة دائرة الأمن في التواركة والقصر الملكي بالرباط. وكولاة الأمن، نذكر اسم والي البيضاء الكبرى السابق، علي قاسم ومحمد أوهاشي والي طنجة حاليا، وكذا الحارس الخاص للملك الحسن الثاني المدعو بودريس. ويمكن إضافة المهندس عبد السلام أحيزون الوزير السابق والرئيس والمدير التنفيذي لشركة اتصالات المغرب حاليا. وقد اختير ضمن أفضل ثمانية مدراء شركات الاتصال على المستوى العالمي سنة 2011. وهو عضو في مجموعة من المؤسسات والجمعيات، منها: مجلس إدارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ومؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، ومؤسسة محمد الخامس للتضامن، وجمعية للا سلمى لمحاربة السرطان، واللجنة التنفيذية لغرفة التجارة الدولية بباريس، ومجلس إدارة جامعة الأخوين في إفران. كما عين رئيسا تنفيذيا لقناة ميدي 1 سات سابقا. ومنذ ديسمبر 2006، انتخب رئيسا للجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى. وكذا القانبي مراد، مدير الخطوط الجوية المغربية حاليا بأوروبا الذي يوجد مكتبه بجنيف. أما أبناؤنا وبناتنا في المهجر في كل دول العالم، كعاملين وأطر وطيارين وطيارات في الخطوط الجوية الألمانية، وأطباء وباحثين ورجال أعمال وسياسيين فحدث ولا حرج. هذا إلى جانب الجمعيات المدنية والمهنية وذوي الحاجات الخاصة والنقابات التي تنشط في المدينة وفي الإقليم، رغم تضخمها واختراقها من طرف السلطة ومحدودية تدخلاتها وعطاءاتها الإيجابية، ومعاناتها مع منح الدولة وغيرها.
وعلى المستوى السياسي، يمكن القول أن مدينة الخميسات تحتل في المغرب مكانة متميزة على الصعيد السياسي، رغم صغرها وتهميشها والتآمر على مصالحها من طرف بعض أبنائها والوافدين عليها بتواطؤ مع السلطات المحلية والإقليمية والوطنية. لقد كان ثلاثة من أبنائها السباقين لتوقيع وثيقة المطالبة بالاستقلال المشار إليها أعلاه، إذ أن أحد هؤلاء الموقعين، المدعو عبد الحميد الزموري كان من بين من قدم الوثيقة للملك محمد الخامس ومستشارا له، وأول عامل على الدار البيضاء في بداية الاستقلال، وعضو في حكومته فيما بعد. وقد التحق حوالي تسعة من أبناء زمور، كوزراء في حكومات مختلفة للمملكة، وهم: عبد الحميد الزموري ومحمد حدو الشيكر وعبد السلام بنعيسى وحسن الزموري و المهندس عبد السلام أحيزون ومسعود المنصوري والدكتور عبد الحميد عواد والدكتور أولباشة سعيد، هذا إن لم نزد المحجوبي أحرضان، الفنان التشكيلي المتميز والشاعر والكاتب، الذي ينتمي لإقليم الخميسات خارج قبائل زمور، والذي كان في بداية الاستقلال عاملا على الرباط وأحوازها. كل هؤلاء لم يساهم أحد منهم في الرفع من مستوى المدينة لا اقتصاديا ولا ثقافيا ولا اجتماعيا، باستثناء عبد السلام بنعيسى الذي قدم خدمات جليلة لأبناء منطقته، وذلك بشهادة الجميع.

كما عايشت قبائل زمور خمس رؤساء أو كتاب عام للأحزاب الوطنية في فترة من فترات المشهد السياسي المغربي، منهم: المحجوبي أحرضان على رأس حزب الحركة الشعبية، ومحمود عرشان على رأس الحزب الديمقراطي الاجتماعي، والذي فوتت رئاسته لابنه مؤخرا، والمرحوم بوعزة يكن على حزب الاتحاد الديمقراطي سابقا، واحدا من بين القضاة المغاربة الأوائل الذين تم تعيينهم بمجرد حصول المغرب على الاستقلال. وكذا عيسى الورديغي الذي كان بالمنفى بفرنسا، أستاذ جامعي في الاقتصاد والمحاسبة، على رأس حزب يساري الذي هو الحزب الاشتراكي الديمقراطي، قبل أن يدمج في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فيما بعد. كما أن هذه الأحزاب وزعمائها لم يهتموا إلا بمصالحهم الخاصة واكتساب كراسي في الانتخابات تضمن لهم حصانتهم لا غير.

دون نسيان ضحايا سنوات الجمر والرصاص والاختفاء القصري من أبناء زمور الأبرار، كاشباب قاسم وإبراهيم أمناي وباحسن وإدريس ولد القابلة كاتب وصحفي ومدير أسبوعية المشعل وغيرهم، وعلى رأس هؤلاء المرحوم إدريس بنزكري، مهندس ورئيس هيأة الإنصاف والمصالحة، ثم رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بالمغرب. و لجبر الضرر تم تعويض أغلبيتهم، مما قلل من قيمة النضال ومصداقيته وتاريخيته، في الوقت الذي كان بدل التعويض هذا، تقدم الدولة اعتذارها لهم فقط دون تبذير المال العام لدافعي الضرائب.

وحتى معتقل تزمامارت السيئ الذكر، عرف أبناء زمور. نذكر منهم على الخصوص غاني عاشور والطيار مبارك الطويل المتزوج بأمريكية، التي ساهمت بشكل كبير في إطلاق سراح معتقلي تزمامارت. كما ساهم ويساهم اليوم شبابها كغيره من شباب المغرب في تظاهرات الربيع العربي من خلال الوقفات الاحتجاجية السلمية، التي تدعو إليها حركة شباب 20 فبراير والتنسيقية المحلية لمساندة الحركة في مدينة الخميسات عاصمة الإقليم، من أجل إسقاط الفساد وتحقيق الكرامة.

هذا، فلا يمكن أن تدخل إدارة ما أو مؤسسة ما، أو تزور مدينة أو منطقة في المغرب أو خارجه، إلا وتلتقي مع أحد أبناء مدينة الخميسات ونواحيها. وما يلفت الانتباه هو أن أبناء مدينة الخميسات لا يكترث في الغالب بعضهم ببعض داخل مدينتهم، ربما يظهر تنافس سلبي بينهم المدعم بالحسد والغيرة في غالب الأحيان، لكن خارجها، سواء داخل المغرب أو خارجه، تجدهم لا يتخلى بعضهم عن بعض، وتنسج بينهم علاقة حميمية، كأنهم أقرباء ينتمون إلى أسرة واحدة.

أما على المستوى الفني، في المسرح والسينما والموسيقى والغناء، نجد:
- بالنسبة للمسرح، أنه يمكن أن نتحدث عن وجوده بشكل عفوي في عهد الاستعمار وبعد الاستقلال، إلا أن الانطلاقة الرسمية جاءت مع تأسيسنا جمعية النهضة الثقافية 1971، حيث تظم بداخلها فرقة مسرحية تحت اسم الطليعة التي كان يشرف عليها الأستاذ عبد الكريم برشيد، الذي عين بثانوية موسى بن نصير، وأحد مؤسسي جمعية النهضة آن ذاك. فعبر مسرحياته وإخراجه المتميز والمشاركة في مهرجانات مسرح الهواة، تتوجت الفرقة بعدة ألقاب في عدة مناسبات، وكان يحسب لها حساب على الصعيد الوطني. في هذه البيئة الثقافية والفنية بزغ نجم عبد الكريم برشيد بالخميسات، على الصعيد الوطني ثم بعد ذلك على الصعيد العربي والدولي. لقد أخرج للفرقة مسرحيات كثيرة من اقتباسه وتأليفه، بالإضافة إلى مشروعه الفكري حول الاحتفالية في المسرح فيما بعد، مع حصوله على شهادة دكتوراه. ثم ظهرت بعد ذلك فرق أخرى، أشهرها فرقة الجرس تحت إشراف كل من الصغير وسلام، ومحترف نون تحت إشراف عبد الكريم لفحل، ومسرح الخميسات تحت إشراف الحمداني شوقي رجل المسرح كتابة وإخراجا، وكذا كاتب السيناريو للأفلام السينمائية. هذه الفرق لا زالت تشتغل إلى اليوم رغم المضايقات والإكراهات والصعوبات المتعددة المتمثلة في غياب البنية التحتية للمسرح، إذ تشتغل في القاعة الوحيدة للشبيبة والرياضة التي لا تستجيب للشروط الضرورية لممارسة المسرح وغيره. ذلك دون أن ننسى الفكاهي الشاب المتألق يسين عبد القادر خريج برنامج كوميديا، وأيقونة الخميسات في فن الحلقة الغني عن التعريف، المعروف بباحسين ( انظر مقالنا: باحسين أو ظاهرة الفرجة الماقبل المسرح (الحلقة نموذجا ) في عدد من المواقع بالانترنيت ).
- وبالنسبة للسينما، يمكن الحديث عن مخرجين كبيرين من أبناء زمور وهما: عبازي ميلود وجلالي فرحاتي الغني عن التعريف. بلإضافة إلى كاتب السيناريو المذكور سلفا شوقي الحمداني صاحب فيلم تلفزي: منديل الصفية وغيره من الأفلام، دون أن ننسى السينوغرافي إدريس السنوسي، وثلة من الممثلين المرموقين في السينما المغربية أمثال زكرية لحلو والركراكي والصغير والضريف ويونس لهري واللائحة طويلة. لكن ما يلاحظ في المدينة غياب قاعة للسينما وكذا المهرجانات الخاصة، تبرز مكانة الخميسات في هذا المجال، التي تحتاج إلى مبادرة من ممتهني السينما من أبناء المنطقة.

- أما بالنسبة للموسيقى والغناء، يمكن أن نذكر كعلامة بارزة في هذا الميدان، الباحث الموسيقي الكبير والملحن والمؤطر ورئيس لجنة موازين أحمد عيدون من أبناء الخميسات ومن أصول زمورية. هذا إلى جانب ثلة من المغنيين والمغنيات والفرق الغنائية قديما وحديثا. ففي الوقت الذي انتشرت فيه فرق المجموعات الغنائية في السبعينات، كناس الغوان وجيل جلالة ولمشاهب وغيرها، ظهرت فرقة إمازيغن بالخميسات بلسان أمازيغي أصيل من طرف شباب المدينة وعلى رأسهم اعويط، والتي لم تدم طويلا، إلا أنه مؤخرا بدأت تتلملم لتظهر من جديد، فأول ظهور لها كان بالقناة الثامنة الأمازيغية. ثم بعد ذلك ظهرت فرق غنائية شعبية كثيرة عربية وأمازيغية، نذكر على سبيل المثال بعض الأسماء التي فرضت نفسها في الساحة الوطنية وغيرها أمثال: أملال قدور ونجات عتابو وفيصل وبوتمزوغت وبرير وخريجة أستوديو 2M في الغناء الغربي أمل البوشاري الزمورية التي تعيش بفرنسا واللائحة طويلة. إلى جانب فرق شبابية التي لها حضور متميز في المهرجانات الوطنية الحالية، وكذا فرق كثيرة لرقصة أحذوس الذائعة الصيت. هذا دون الحديث عن نقص الإمكانيات والبنيات التحتية لذلك، وعن عدم قيام مهرجانات تعرف بتراث الفنون الشعبية للمنطقة والإقليم كرقصة أحذوس والفروسية (اتبوريدة أو الفنطازية) وغيرها.
وأما على المستوى الرياضي، تزخر مدينة الخميسات ونواحيها بطاقات هائلة في شتى الرياضات، لكن تتميز برياضتين أساسيتين: كرة القدم وألعاب القوى.
- فبالنسبة لكرة القدم، نجد أن أبناء المدينة عرفوها إبان الاستعمار وفي بداية الاستقلال. لقد برزت آن ذاك أسماء ذا شأن كروي كبير، أمثال حارس المرمى إدريس بوعسرية واللاعبين: باقشيش وبنعيسى بن إدريس وأخيه الكامل وطباش ومشاط وعلي قاسم والي الدار البيضاء فيما بعد وأخيه إدريس قاسم المثقف الشامل، المكنى ب " أحلاب "، الذي كان فيما بعد يدير وينشط محطة الإذاعة الآمازيغية بالرباط بعد الاستقلال، إذ كان ملعب كرة القدم بمدرجه الذي يحمل اسم المنزه آن ذاك، وذلك بميدان سباق الخيل المعروف بالكورس أو الضاية (champ de course)، المسمى حاليا بحي السلام. ولقد أجريت فيه، حسب معاينتي آن ذاك وأنا طفل، مباراة غريبة في كرة القدم بالدراجات النارية في بداية الاستقلال. ومن ثمة توالت فرق كرة القدم إلى حدود السبعينات والثمانينات حيث بدأت تبرز بعض الأسماء التي التحقت بفرق الصفوة أو الفريق الوطني، كحراس المرمى: لحسن بوخرص وبناصر والمنصوري، واللاعبين كبن عمر الإدريسي وميخو وطباش وبوزبوز ومولاي حدو والسوسي وبالحسين نور الدين ومولاي أحمد وغيرهم. ففي السنوات الأخيرة استطاع الفريق الزموري أن يلعب في صفوف الكبار رغم بعض التعثرات العابرة، وتحول إلى مشتل وطني للاعبين، تستفيد منه مجموعة من الفرق الوطنية والفريق الوطني، إذ برزت أسماء وازنة كالشيحاني وفاتحي والكراوي، وكذا محمدينا وبادا كحاراسين في فرق وطنية، واللذين تم المناداة عليهما مؤخرا كحراس في المنتخب الوطني، إلى جانب اللاعب الشيحاني الذي يلعب مع فريق في دولة قطر. هذا دون أن ننسى الحكم الدولي المرحوم بلقولى سعيد والمدربين في كرة القدم بالأمس واليوم، إذ قدمت المدينة أربعة مدربين في كرة القدم وهم: حمادي احميدوش ذو أصول زمورية أمازيغية، اللاعب الدولي السابق والمدرب الوطني سابقا ومدرب فريق الحسيمة حاليا، ومحمد بوبادي وحسن مومن والحسين عموتة، وهذان الأخيران تحملا مسؤولية تدريب الفريق الوطني في أيام أزماته، وقاد عموتة فريق الفتح، وارتقى به إلى فريق الصفوة، وحقق معه ألقابا على المستوى الوطني والقاري. واليوم يدير كرة القدم بدولة قطر العربية التي كان في السابق يلعب في صفوفها.

فهذا قليل من الكثير لعطاءات أبناء الخميسات في مجال كرة القدم التي تعيش مؤخرا وحاليا مشاكل كثيرة، تؤثر في إنجازاتها السلبية المتكررة. هل هناك تفكير في إنقاذ الفريق وحفظ ماء وجه الزموريين بالخميسات؟ هذا إلى جانب الوضعية المزرية للفريق النسوي الشاب حديث النشأة بالخميسات. وهل ستجد هذه الفئة من سيأخذ بيدها؟ وهل الرياضة بصفة عامة لا تحتاج إلى التفاتة حقيقة وموضوعية؟ أسئلة مطروحة على المسؤولين بالمدينة وعلى كل الغيورين. فهل من مغيث؟؟.
- أما بالنسبة لألعاب القوى، فتاريخ الخميسات حافل بإنجازات أبطالها في هذه اللعبة، منذ فجر الاستقلال إلى يومنا هذا محليا ووطنيا ودوليا، إذ أنجبت أبطالا من العيار الثقيل، رفعوا راية المغرب خفاقة في محافل قارية وعربية ودولية، أمثال: حدو جادور، غزلات، ابراهيم جبور، مولاي إبراهيم بوطيب، ، زهرة أعزيز، فاطمة معما، بشرى بنتهامي، زهور لقمش، مراد معروفيت وعزيز أوهادي وسناء بنهما المتوجة مؤخرا بثلاث مداليات ذهبية من بيكين في ألعاب الأولمبياد الخاصة والتي طالها التهميش وعدم استفادتها من إنجازها المتميز، وغيرهم كثير. كما لا زالت مدينة الخميسات مشتلا كبيرا لألعاب القوى لو وجدت العناية الكافية والدعم اللازم لذلك، وبنيات تحتية مناسبة لاكتشاف أبطال وبطلات في المستقبل في هذه اللعبة. ألا يستحق الإقليم أن يحتضن مركب متكامل لألعاب القوى ورئيسها الوطني الحالي زموري ابن المنطقة؟؟
فرغم تعاقب رؤساء الجماعات الحضرية والقروية بأطياف سياسية مختلفة، ورغم تعاقب مجموعة من العمال وفي مدد قصيرة من تحمل المسؤولية، ورغم تعاقب رؤساء المصالح الإدارية والمؤسسات العمومية على مدينة الخميسات وإقليمها، لرعاية شؤون المواطنين، بمختلف شرائحهم، بغرض إخراجها من غياهب النسيان والتهميش والإقصاء، فإن الأمور بقيت على حالها، إن لم نقل تدهورت وتراجعت بشكل كبير جدا، حسب التطور الديموغرافي والاجتماعي والاقتصادي بها، باستثناء بعض الإجراءات والروتوشهات التي لم تقنع أهل الخميسات، الذين ملّوا من الوعود الكاذبة ومن سلسلة انتقامات الممنهجة لأبناء زمور الأحرار، كحرمانهم على سبيل المثال من منح الدراسة مؤخرا، ومن اغتناء مجموعة من السياسيين وذوي النفوذ في السلطة والإدارة، على حساب معاناة العديد من السكان المحرومين من أبسط متطلبات الحياة الكريمة. وما حصيلة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الهزيلة جدا بالمقارنة مع باقي الأقاليم، إلا نموذجا صارخا لسياسة التهميش والإقصاء للمدينة وللإقليم، لحرمانهما من فرص التنمية والانعتاق من مخالب الفقر.
ورغم كون منطقة الخميسات وإقليمها تتميز بالفلاحة وتربية المواشي، فهي غير مدرجة وغير مستفيدة بشكل واضح ودقيق من سياسة المخطط الأخضر، الرامي إلى المزيد من الاستثمار والنمو. فهي تعتمد في الغالب على الإنتاج التقليدي الذي لا زال يتحكم فيه الموروث العقاري وأراضي الجموع في توزيع الملكيات الخاصة، إلى جانب الضيعات الكبرى الخاصة منها والمسترجعة المفوتة للخواص، على شكل إقطاعيات التي تقوم على استغلال اليد العاملة الرخيصة بالعالم القروي وهوامش المدن والقرى، خصوصا النساء والأطفال منهم. أما بالنسبة للمدينة فتعتمد في نشاطها الاقتصادي والتجاري على الريع والخدمات والتجارة الاستهلاكية، حيث لا مكان للتجارة الإنتاجية بها، إذ تفتقد إلى أبسط شروط الإقلاع التنموي من استثمارات داخلية وخارجية كبيرة كانت أو صغيرة، التي تتعرض للإجهاض كلما بدت محاولة في هذا الاتجاه، عندما تتعارض ومصالح القائمين على الشأن المحلي والإقليمي والجهوي، وكذا مصالح السلطات الوصية (نموذج مصير المنطقة الصناعية بالخميسات). فهذا ما يعزز ويزكي الهشاشة والتهميش والإقصاء التي تعاني منه مدينة الخميسات ونواحيها وإقليمها.
فكيف يعقل أن مدينة متوسطة الكبر، مثل الخميسات عاصمة الإقليم الذي يضم قبائل زمور وجزء من قبائل زيان وزعير ( إقليم الزيات الثلاث La Province des trois z ) التابعة لجهة الرباط سلا زمور ازعير، تتوفر على إمكانات طبيعية هائلة، وعلى الطاقات البشرية الفعالة والفاعلة التي لم تقدم لمدينتها وإقليمها ولأبناء جلدتها شيئا يذكر، عندما كانت في مواقع القرار و السلطة والنفوذ السياسي والإداري والمالي. تتوفر على كل هذا ولا تتمتع بالاحترام والتقدير والالتفاتة اللائقة والمناسبة لها، تليق بمكانة ومستوى أهلها وأبنائها. فمدينة الخميسات وإقليمها لم يشفع لها قربها من الرباط، عاصمة البلاد، في أن تساير قاطرة التنمية المستدامة على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مما أدى إلى تفشّي البطالة داخل صفوف شبابها، والرذيلة في صفوف بناتها، والتعاطي للمخدرات بأشكالها المتنوعة بين تلامذتها وشبابها، وتفشي الجريمة المنظمة والغير المنظمة المنفلتة من المراقبة الأمنية، وتتعرض ظلما لنعوت مشينة لا تليق بمكانتها وقيمة أهلها. هذا إلى جانب ضعف ونقص وتراجع في التجهيزات الأساسية والبنيات التحتية المهترية، ونقص في الخدمات الاجتماعية والإدارية المتفشية في الإقليم بصفة عامة، وبمدينة الخميسات بصفة خاصة. وما الاحتجاجات المتكررة بالمدينة وغيرها سوى التعبير من أجل إيصال أصواتهم إلى الجهات المسئولة، للتدخل لفك العزلة و«الحكرة» الاجتماعية والاقتصادية والثقافية عن المدينة والإقليم، ولمحاكمة ناهبي المال العام الذين ساهموا ويساهمون في التهميش والنسيان والاغتناء الغير المشروع على حساب مشاكل الساكنة اليومية، وللمطالبة بمحاربة الفساد والمفسدين، والعمل على ترسيخ الديمقراطية الحق، والحق في الشغل والصحة والسكن اللائق والبيئة السليمة، والعيش الكريم والقطع مع سياسة الترهيب والقمع.
وقد يذهب بعض الملاحظين والمحللين إلى القول أن المنطقة، ربما مغضوب عليها من الجهات العليا، لكونها كانت في يوم من الأيام، تنتمي إلى بلاد السيبا قبل الاستعمار، وقلعة المقاومة وجيش التحرير. وربما لكونها منفتحة ومتفتحة إلى درجة الذوبان، إذ كانت قبلة للهجرة الداخلية قديما وحديثا نظرا لموقعها الاستراتيجي وخيراتها المتنوعة، وحسن ضيافة أهلها للوافدين الغرباء عن المدينة وعن قبائل زمور. أو ربما هناك رغبة في إبقائها الضيعة والحديقة الخلفيتين كمنتزه لعاصمة المملكة، للتنزه والقنص وقضاء الحاجة. أو ربما على الأرجح لكون المسئولين الجماعيين والإداريين ورجال السلطة لم يقوموا بواجبهم المنوط بهم، أو كما يراج، لكون أحد السفهاء أو جماعة منهم، أساؤوا الأدب مع رمز البلاد أو مع أحد أفراد عائلته في مناسبة ما. فالمطلوب أن لا نؤاخذ بما فعله السفهاء منا ونحاسب على ما ارتكبه الآخرون (اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا).

فرغم ما تعانيه الساكنة، لا زال أبناء منطقة زمور وأبناء مدينة الخميسات يتمنون زيارة ملكية، وهم ينتظرونها بفارغ من الصبر، لتنصفهم وتعيد الاعتبار إليهم، برفع مسلسل النسيان والتهميش والإقصاء والتحقير والانتقام، وكذا معاناتهم من استشراء الفساد وانفلات الأمني وانتشار الرذيلة والمخدرات في صفوف أبنائهم وبناتهم، وذلك بتركيز وحدة جامعية ومدارس عليا متعددة التخصصات ووحدات صناعية بها، وبنية تحتية للثقافة والرياضة والشئون الاجتماعية، تليق بمستوى أهلها وطموحاتهم، والعمل على فك العزلة قرى وبوادي الإقليم. هذه المنطقة التي عرِفت بنضالاتها وبمقاومتها الباسلة للاستعمار، وقدمت شهداء ومعتقلين ومختطفين من أجل الوحدة الوطنية، كما أنجبت أسماء وازنة في المقاومة وجيش التحرير، وأسماء رياضية وفنية وثقافية وعلمية وكفاءاتٍ وأطراً عليا في كل المجالات، تعمل داخل المدينة و خارجها، سواء داخل المغرب أو خارجه، والتي ما زال حنين المخلصين منهم كبير جدا، في العودة لخدمة ساكنتها. فالمطلوب إحياء جمعية قدماء تلاميذ موسى ابن نصير، أو العمل على لم شمل هذه الأطر وهذه الفعاليات في إطارات جمعوية، لتلعب دور الجماعة الضاغطة لمراقبة السير السليم والمثمر للشأن العام المحلي والإقليمي، لفتح الباب للتنمية المستدامة وللمشاريع التي تليق بمستوى ساكنة المدينة والإقليم، للنهوض بها وجعلها تتبوأ المكانة التي تستحقها، والدفع بقاطرة الاستثمار، الغائب الأكبر في المنطقة، إلى الأمام. .

--------------------------
ذ. بنعيسى احسينات – الخميسات (المغرب)



ملحوظة: هذا مقال معدل قليلا ومزيد فيه. المقال الأصلي تحت عنوان: قلعة الزموريين خارج التغطية تستغيث منشور في موقع الحوار المتمدن.


استدراك:
أعتذر مسبقا لكل من لم أذكر اسمه في هذا المقال المتواضع، لكوني لم أتمكن من معرفة كل أسماء الفعاليات المهمة والنافذة في المنطقة، لأن الغاية ليست في العدد والإحصاء، بل في التمثيلية الانتقائية المتميزة، لإثارة الانتباه حول مكانة وأهمية وعطاءات أبناء هذه المنطقة، وما تستحقه الساكنة من اهتمام وعناية ورد الاعتبار، للقضاء على "الحكرة " والاستغلال والتهميش، وتحقيق الاعتراف والمساواة والكرامة.



#بنعيسى_احسينات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسألوا هيرودوت .. عنا.. / بنعيسى احسينات- المغرب
- ربيع عربي.. بالشام.. / بنعيسى احسينات
- قلعة الزموريين خارج التغطية تستغيث!! / ذ. بنعيسى احسينات – ا ...
- رحيل محمد رويشة، الطود الشامخ للأغنية الأمزيغية والعربية الم ...
- حواء..!! (مهداة للمرأة في ذكرى الثامن من مارس بمناسبة عيدها ...
- قصيدة بمناسبة عيد الحب: يسألونك عن الحب..
- البروفسور علال بوتجنكوت وجديد لقاح داء - ألزهايمر
- كيف أهيئ امتحاناتي؟؟
- المعارضة في مغرب الربيع العربي تغرد خارج السرب..
- بأي جديد ياترى عدت ياعيد
- أهمية اللعب في تنشئة الطفل وتكوين شخصيته في الوطن العربي
- الانتخابات التشريعية المبكرة في 25 نونبر 2011 في المغرب ( بي ...
- فصول الثورات العربية..
- عندما يحل علينا الصيف من كل سنة..
- خماسيات الصداقة.. / بنعيسى احسينات
- الثورات المباركة.. / بنعيسى احسينات
- الجاهلية الجديدة.. / بنعيسى احسينات
- نيرون عربي يتحدث إليكم
- صرخة الشباب..
- خماسيات الوطن..


المزيد.....




- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...
- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن
- اعتقال رجل هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإيرانية بباريس
- طهران تدين الفيتو الأمريکي ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للم ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - بنعيسى احسينات - إلى متى تظل منطقة الخميسات خارج سرب التنمية؟؟