أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - هشام عابد - المغرب العميق...















المزيد.....

المغرب العميق...


هشام عابد

الحوار المتمدن-العدد: 3757 - 2012 / 6 / 13 - 08:39
المحور: المجتمع المدني
    


إلى "الحسين الأشهب" مقدم برنامج "برلمان الشعب" بـ"شدى ف م".

مفهوم المغرب العميق..؟ نقصد به كل المناطق المهمشة، كل المناطق التي تدخل في نطاق المغرب غير النافع. ليس بالضرورة أن يكون بعيدا ونائيا ومقصيا ومهمشا بل أينما وجد التهميش والإقصاء حتى في ضواحي المدن الكبييرة أو قلبها حيث مدن الصفيح والأزبال والتهميش والفقر والأمراض والإجرام...
هو مغرب آخر لا تصله عدسات وقنوات دار البريهي أو دوزيم الغارقة في بحثها عن الأفلام المكسيكية والتركية لمزيد من التلهية والتكلاخ الممنهج للشعب المغربي.
كنت أعتزم منذ مدة كتابة مقال عن المغرب العميق، لكن كانت ظروف مقاتلة الفساد في معاقل أخرى تجعله مقالا مؤجلا إلى حين. إلى أن استمعت وبالصدفة إلى برنامج "برلمان الشعب" في إذاعة "شدى ف.م" من تقديم الإذاعي المحترم "الحسين الأشهب".
الله يكثر من امثالك خويا الحسين..! هكذا يدشن البسطاء من الشعب المغربي العظيم مداخلاتهم ومطلع سرد معاناتهم مع استهتار وفساد الدولة في برنامج إذاعي وبرلمان افتراضي حيث يحاكم فيه الشعب رموز الفساد والمسؤولين المتشططين في استعمال السلطة، ويسردون واقع معيشتهم مع قرى تحتاج إلى كل شيء ولا تنتمي إلى المغرب إلا بالراية التي ترفرف فوق مأساتهم..!
افتتاحية البسطاء وهم على خط الهاتف، وفرحتهم بفرصة الحديث إلى الإذاعة عن مشاكلهم ولو للتفويج والترويح عن النفس قليلا في ظل الأبواب الموصدة والشكاوي المتكررة والمهملة، والمسؤولين اللامسؤولين أمام مشاكل هذه الساكنة، إن دل على شيء فإنما يدل على مدى حرقتهم وحاجتهم لقلب مفتوح، ولخطوط خضراء تستقبل شكاواهم، ولآذان صاغية لمشاكلهم بهذا البلد السعيد برعاياه الأوفياء..! هو شكر وامتنان يدل على مدى حاجة المغاربة لفسحة للأمل مثل التي فتحها البرنامج، وفرح المواطنين المغاربة في أعماق المغرب خصوصا بهذه النافذة الجديدة، وبهذا القلب الإعلامي المفتوح للشكوى والتذمر، هي فرحة بـ"برلمان افتراضي" من الشعب إلى الشعب، يعوضهم عن "برلمان الرباط" الذي لا يطرق ولا يعالج قضاياهم البسيطة العالقة لمدة سنين طويلة دون جدوى أو اهتمام...
يلفت انتباهك وأنت تستمع ولمدة ساعة كاملة دواوير بأسماء معقدة تنتمي لعالم المغرب العميق من حيث الخريطة، لكنها في الواقع تعيش على هدى وخطى واقع مثل قرى تورا بورا وقندهار أوالتبت والسند والهند وإثيوبيا... وهو فعلا مغرب عميق بكل المقاييس حيث ينقل لنا المواطنون البسطاء عالما بدائيا ينتمي للعصور الوسطى ويذكرنا بتاريخ المغول والتتر حيث الحياة البرية والقاسية هي الأساس.
هو مغرب عميق بالقرب من المدن بعشرات الأمتار فقط، وبضواحي المدن أيضا حيث مدن الصفيح والحفر والإجرام والأزبال وانعدام البنية التحتية وانعدام الأمن. وهم أناس مؤمنون بسطاء وطيبون لا يبتغون من الدولة سوى طريق معبدة، ومستشفى قريب، و كهرباء للمنازل، وقطرات ماء تروي العطش... مطالب بسيطة لا زالت تطلب في الألفية الثالثة في عصر المخترعات العلمية العجيبة... يا للعار..!
وإليكم حزمة من ماذج هذه المطالب التي يريدها هؤلاء المغاربة البسطاء:
مغاربة يطالبون في الألفية الثالثة بالماء في بلد الماء؛ أناس يشربون من المطفيات وماء المطر، أناس يموتون بالعطش في بعض الدواوير. معاناتهم مع ماء غير صالح للشرب، وينقطع في كل ساعة وحين، ودواوير تعاني من تلويث بعض المعامل والمناجم لقطرات الماء التي يشربون منها فيعيشون تحت وطاة العطش والمرض. مواطنون يؤدون المال لجلب الماء في "السيتيرنات" بعد أزيد من أسبوعين من الانتظار...
مغاربة يستغربون أشدما استغراب عن الطاقة الكهربائية المصدرة من المغرب نحو أوربا ونحو الطاقة الشمسية ومشاريع الطاقة الهوائية التي يعتبر المغرب اليوم أحد البلدان الرائدة فيها فيما يسمى بالطاقة
البديلة، وتعاني الكثير من قراه وبواديه من الظلام الدامس والعيش على نور "اللامبات" والمصابيح الزيتية..! مغاربة يستغربون من كون جماعة تتكون من مجموعة دواوير كلها تستفيد من الكهرباء ما عدا واحد منها، رغم أنه يوجد وسط هذه الدواوير وعلى بعد بضع أمتار منها..! مواطنون لم يفهموا كيف أن أسلاك التوتر العالي للكهرباء تمر فوق دوارهم (ذو 42 منزلا) نحو دوار آخر (لا يتجاوز 12 منزلا)..! أليس في مثل هذه الإستثناءات الغريبة رائحة فساد أو انتقام أوتعنت...
مغاربة يعانون من مستوى هزيل على مستوى المرافق الصحية؛ فهي غير موجودة بالمرّة في الكثير من ربوع هذا البلد السعيد بشقاءه، وعليهم قطع الكلمترات في رحلة قاتلة ومتعبة ومكلفة ولا إنسانية إلى مدن بعيدة قد تصلها حيا أو ميتا. مغاربة بسطاء يطالبون بمستشفيات تعتني بهم حين يمرضون وسيارات إسعاف للطوارئ حين يفاجئ زوجاتهم المخاض وحين يمرض أطفالهم وحين يلسع أحدهم عقرب. أناس يشتكون ويستغربون من عدم قدرة الدولة على تعويض ممرضة بأخرى بإحدى القرى.
أناس يحملون نسائهم حين يردن الولادة حملا على ظهر الدابة في طرقات وعرة وظروف صعبة. أناس يمرضون فيوضعون على الدواب أو على ألواح وربطهم بالحبال ويلفون بالأغطية في شبه نعش أو محمل للأموات باتجاه خطافة قد تكون أو لا تكون، وبأثمنة وظروف لا إنسانية لأناس من المفترض فيهم انهم مرضى ومحتاجون للعناية...
مغاربة يشتكون من التعليم ومن حالة المدارس، ومن ظروف النقل باتجاه المدارس، ومن غيابات الأساتذة والمعلمين...
مغاربة يريدون طرقا معبدة يتنقلون عبرها، مغاربة يعيشون العزلة التامة في عز البرد والثلج، ويعيشون الإهمال التام خلال فترة الفيضانات، أو في فترات الجفاف والتصحر...
مغاربة يموتون كل سنة بسم العقارب..! يشتكون من لسعات العقارب في القرى والبوادي المغربية، ولا يجدون اإسعافات المناسبة لمثل هذه الحالات، أليس عيبا ووصمة عار في جبين الحكومات الورقية المتعاقبة أن يموت مغاربة في القرن الحادي والعشرين بسبب لسعات العقارب..!
مغاربة يضيقون ذرعا من فساد تدبير الشأن العام والمحلي؛ يعانون من الشطط في استعمال السلطة ومن ظلمهم من طرف رجال الشرطة. "الله ياحذ فيه الحق" هكذا دعا أحد سائقي سيارات الأجرة على أحد رجالات السلطة الذي تسبب له في غرامة 300 درهم ظلما وعدوانا. مواطنون يشتكون من أمية رؤساء الجماعات، ويعانون من سنوات من العذاب مع منتخبين قابعين على رأس القيادات والجماعات القروية دون فائدة تذكر على البلاد والعباد...
المغرب العميق موجود بالقرب منا وبقلب وضواحي المدن أيضا؛ حيث المنازل تهوي على رؤوس قاطنيها في المدن العتيقة، والمصلون مهددون بالدفن تحت أنقاض المساجد وانهيار الصوامع. ومغاربة داخل المدن يعانون من مطارح نفايات على بعد أمتار من نوافذ وأبواب منازلهم. وحدائق تحولت إلى أماكن للأزبال و للسكارى ومرتعا للعب القمار وموطنا للسراق والمشردين...
هو بالجملة مغرب آخر يعيش وضعيات كارثية في التنقل والاستشفاء والمواد الرئيسية... قرى وجماعات تعيش أوضاعا معزولة ولا إنسانية... قرى و"أشباه مدن"فقيرة جدا رغم وجود كل الثروات والكنوز الوجودة على ترابها...
بالله عليكم..!
إلى متى لا تمتلك الكثير من أشباه المدن ولو شارع واحد بمعنى الشارع..!
إلى متى سيظل الماء متوفرا في المغرب بكثرة، بينما الكثير من القرى تموت عطشا..!
إلى متى لا تمس عدالة توزيع الثروة كل شيء، حتى الكهرباء..!
إلى متى يكون من مشاكل دولة في الألفية الثالثة سم العقارب..!
إلى متى يعيش جزء كبير من المغرب معيشة تحت درجة الصفر..!
إلى متى وجود مطارح أزبال على أبواب ونوافذ المواطنين..!
إلى متى لا تلقى الشكايات من يقرأها ويجيب عنها..!
إلى متى لا يستقبل المسؤولون وهم مجرد موظفون في الدولة المواطنين في مكاتبهم..!
إلى متى يعيش المغاربة تحت طلب أشياء بسيطة تعد من الأوليات في الألفية الثالثة..!
إلى متى تعيش مدن وقرى غنية الفقر بحذافره، مدن يضم ترابها كنوزا، مدن الفوسفاط، ومدن المعادن، ومدن المقالع الرملية والحجرية، والأقاليم الغابوية بثرواتها الخشبية، ومدن المياه المعدنية والحامات الطبيعية... لم تجن هذه المدن من هذه الثروات سوى الغبار والعجاج واستئساد وهيمنة اللوبيات
والسلطات على مقدراتها وكنوزها الطبيعية. مناطق وقرى مطلوب منها الصمت والسكوت لتكون مرضية عند السلطات وإلا فهي تصنف كما كانت تصنف قديما لدى المخزن بالقبائل "السائبة" و"المارقة عن الدين" و"الخارجة عن القانون"... وحين ينطق شباب قبيلة أو طليعة مدينة فيصبحون مشاغبين و"مساخيط السلطان"..!
بلاد بثراوات ضخمة قلما نجدها في الكثير من البلدان ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، من المستفيد من هذه الثروات المتعددة والمتنوعة، الجواب يعرفه المغاربة جميعا، وهذا يدل على أن المغاربة ليس لهم من حق في هذا الوطن، اللهم إلا البطاقة الوطنية التي وضعت أساسا لصالح أغراض الطبقة الحاكمة.
وفي اللحظة التي نكتب فيها عن المغرب العميق ومآسيه فإنه يصرخ ويتألم، والحل الأكيد والمؤجل إلى حين هو التقسيم العادل للثروة، وهذا شبه مستحيل حاليا لأن الإنسان كائن أناني بطبعه، ولأن الفاسد نادرا ما يهتدي لإرجاع الحقوق إلى أهلها، وليس لكم والله إلا انتزاع الحقوق بأيديكم وأسنانكم وعظامكم وجماجمكم، والحق ينتزع ولا ويهدى كما هو معروف ومفهوم في قواميس القوم الظالمين .
"راني مكنهدرش على راسي أخويا الحسين، راني ميت من زمان مبقيتش نحس براسي اخويا الحسين، لكن أنا بيا عباد الله الآخرين، بيا هاد البلاد بغيتها تكون مزيانة وبيخير..." هكذا يختم أحد المتدخلين الذي يتحدث عن بيع لحوم الجيفة بأحد الأسواق ببني ملال...
ونحن أيضا نقول يحز في نفوسنا أن يظل الوطن على هذا الحال البئيس ولسنا نتحدث عن أنفسنا لأننا نموت ويستمر الوطن. وبينما كان الكل يتأمل خيرا في الحكومة الجديدة، لكنها جاءت لتوصي خيرا بالملكية، ولحماية الأغنياء، ولتنزيل الدستور فقط على المعطلين والفقراء... حكومة بمشروع إصلاحي عنوانه الرئيسي: "الباكور الهندي.. والرزق على الله"..!

هشام عابد - باحث في الفكر الإصلاحي



#هشام_عابد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الساحات العمومية بالمغرب..؟
- شخصية المدينة المغربية..؟
- واقع المدينة المغربية..؟
- النظام السوري سقط..!
- حديث النخلات...
- التهمة: حرية التعبير..!
- الفايسبوك أوصحابو حتى دولة ما غلباتو..!
- المواطن الصحفي..؟
- المغرب أجمل بلد في العالم..!
- البورجوازية المغربية؟
- إيران في الأفق...
- الثورات العربية: الثابت والمتحول؟
- مغرب الزمن الضائع...
- الحرب عند كارل فون كلاوزفيتز من خلال كتاب -في الحرب-
- قراءة في كتاب -الأمير- ل -نيقولو مكيافيلي-
- بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة
- فكرة الحرب عند ابن خلدون من خلال المقدمة؟
- فلسفة الحرب عند سن تزو؟
- الشعب والدستور؟
- دولة كامونية وشعب انتهازي..!


المزيد.....




- الأمم المتحدة: 800 ألف نسمة بمدينة الفاشر السودانية في خطر ش ...
- -خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي ...
- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - هشام عابد - المغرب العميق...