أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرزاق عيد - غسان تويني ظاهرة اسمها الحرية!!!















المزيد.....



غسان تويني ظاهرة اسمها الحرية!!!


عبد الرزاق عيد

الحوار المتمدن-العدد: 3756 - 2012 / 6 / 12 - 02:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ثمة علاقة ملحمية مفعمة بالميث والمغامرة والقدر التراجيدي الاغريقي بين تجربة غسان تويني والحرية.
فكما عاقبت الآلهة اليونانية سيزيف بدفع الصخرة إلى قمة الجبل كلما تدحرجت إلى الوادي بشكل مؤبد، وبروميثيوث بأن تأكل الطير كبده كلما عاد فأفرع، حكمت آلهة الطغيان والاستبداد على غسان بأن يفقد فلذات كبده فلذة فلذة على مسار حياته ليغدو وحيدا حزين الدهر يضحك من شدة الألم ضحكا كالبكاء، وذلك ضريبة عشقه وولهه بالحرية، وتلك ضريبة يدفعها المبدعون أصحاب الرسالات من الخنساء إلى غسان.
ففي الستينات التهم السرطان ابنته الصغيرة، ثم لا يلبث أن يلتهم الأم (ناديا حمادة)، بعد أن منح فرصة عشرين سنة ليعود عن هرطقات الحرية، لكنه ظل سادرا في غيها الشيطاني، فاختطفت آلهة الطغيان العربي ابنه (مكرم) في حادث في باريس إحدى محطات الحرية لشيخ النهار على درب مسارها الانساني الطويل، لكن غسان لم يرعوِ بعد أن أمهلته أقدار الاستبداد أكثر من عشرين سنة أخرى ليفيق من سكرة أحلامه في الحرية، لكن هذه المرة استيقظ على كابوس ارهاب الأشقاء (أصنام عروبة الاستبداد) الذين أدمنوا شرب خمرتهم المقدسة في جماجم أحرار لبنان على مدى ثلاثة عقود ، فكان الضحية آخر ما تبقى لغسان عائليا، إنه ابنه (جبران) الذي كان يراهن من خلاله –من خلال تسليمه ديك النهار- على مواصلة المسيرة الملحمية نحو جلجلة الحرية ...!
فوقف القديس فوق صلبانه متعاليا على جراحه هاتفا: "أنا أدعو اليوم لا إلى الانتقام ولا إلى الحقد ولا إلى الدم... أنا أدعو إلى أن ندفن مع جبران الأحقاد كلها والكلام الخلافي كله..."

مشهد/ من مدارات اللوعة:
اتصلت بالكبير غسان من حلب لأتفق معه على موعد في بيروت، كنت سأحضر في حينه لقاء تحت عنوان الحداثة والحداثة العربية 30 نيسان- 2 أيار 2004 في مؤتمر اشهار "المؤسسة العربية للتحديث الفكري" الذي دعا إليه ورعاه وموّله المفكر الحداثي الليبي الدكتور محمد عبد المطلب الهوني.
لم أجد شيخنا في النهار، فتركت اسمي وهاتفي ورسالة مضمونها أني سأكون بالتاريخ المشار إليه في بيروت لحضور المؤتمر، فكان رد إدارة النهار في اليوم الثاني أنه سيكون بدوره في هذا المؤتمر، ويمكن التنسيق خلاله على موعد على اللقاء.
شاهدته يتحرك في ردهات قاعات فندق (البريستول) بسرعة ورشاقة لاتتناسب وعمره، مع بساطة لا تتناسب مع تنوع وتعدد المواقع الرسمية والبروتوكولية اللبنانية والدولية التي حفلت بها مسيرته الحياتية كصحفي وسياسي، لكنها تتناسب مع رسالة عمره التي بدت لي ساكنة مفاصله: الحرية.
قدمت نفسي له فرحب ببهجة اعتذارية مازحة وساخرة: أخبروني في الجريدة أنك اتصلت، فطلبت رقمك لأتصل، لكني مالثبت أن صرفت فكري عن الاتصال، عندما عرفت أني سأتصل بك وفي مدينة حلب بالذات، فقدرت أني لن أنهي مكالمتي وإلا دباباتكم السورية تحاصر مبنى النهار وضحك بإجهاش كالبكاء... وأعقب: لذا قلت أنه من الأفضل أن نتفق على موعد خلال هذا اللقاء الشخصي دون استخدام الهاتف...
وكان لقاؤنا الذي اتفقنا عليه أن يكون في مبنى النهار في شارع الحمراء قبل الانتقال إلى مبنى ساحة الشهداء.
كان موعدي مع شيخنا غسان بهدف أن أهديه وأهدي النهار كتابي (يسألونك عن المجتمع المدني: "ربيع دمشق الموؤود" )، تعبيرا عن امتناني الذي عبرت عنه في مقدمة الكتاب ذاته لجريدة النهار التي منحتنا منبرا للحرية، وعبرت باسم المثقفين معارضين ومنشقين عن مديونيتنا لهذا المنبر الشجاع في شخص رئاستها (غسان تويني وجبران تويني) في زمن الخوف والعبودية والنفاق، حيث شكلت (النهار) لي وللعديد من الكتاب السوريين (بقعة ضوء النهار) الوحيدة في امتدادات ظلام النفق الذي فيه نوغل ونتردى، وذلك وفق ما ورد في مقدمة الكتاب...حيث أن معظم المواد التي اشتمل عليها الكتاب كانت منشورة في منبر (النهار).
خلال جلستنا القصيرة كان يقرأ سطور المقدمة، وما أن وقعت عيناه على كلمات الشكر والامتنان التي عبرت عنها له ولابنه (جبران) على منبر النهار الذي فتح لنا نحن الكتاب السوريون حتى نهض وجذبني من يدي قائلا: تعال أعرفك على ابني جبران...
ولجنا غرفة جبران الذي فاجأه أن أباه يمون عليه باصطحاب صديق، إذ راح الكبير يفسر لابنه الشاب الطويل القامة –بالنسبة لي ولأبيه- والأنيق الوسيم ، سبب دخوله المفاجيء عليه وراح يناوله الكتاب وهو يشير إلى الإهداء الموجه له ، حيث بدا لي أن الأب –فيما يبدو- يعرف أن في ابنه شيئا من غطرسة الشباب التي لاتتناسب مع موروث الحرية التي تسكن جينات الأب الشيخ الكبير! وذلك قبل أن يفترس ابنه البرابرة (بوطنية وحشية نهمة) !
كنت أراقب في عيون الأب الحزينة أبدا تلك اللوعة التي تلهم قلوب الآباء وتستبطن حدوسهم بالخوف والقلق على أبنائهم، سيما إذا كان الابن كـ(جبران) آخر ما تبقى لشيخنا من نسله العائلي والمفاهيمي الذي يمكن أن يعوّل عليه في تمثيل مشروعها المفتوح أبدا نحو الحرية التي يطاردها الاستبداد وعصابات القتلة.
كان الشيخ يراقب آثار مسيرته الملحمية في صورة مستقبل هذا الشاب الجميل القادم إلى العالم كعاصفة والماضي كزلزال، ليخلف أباه وحيدا في العراء مكشوفا بصحبة معشوقته الأبدية: الحرية، التي هي: (كيانية الفعل الحر، فلا مجال لأية نظرة تفترض "المفاصلة"، الثمين والرخيص: فالصحافي الحر لايحسب ثمن الحرية... فهو لا يعمل لحريته هو، حرية المهنة، بل من أجل حقوق الانسان وحريات المواطن والوطن، وكل موقف "حسابي" هو انتقاص من "قدسية العمل الحر" وذلك وفق قاعدة حياته المهنية والحياتية: "الاعلام الموجه هو ضد الحرية" على حد تعبيره.

حوار مع الاستبداد:
بعد سقوط (هبل) رب أرباب الاستبداد (العروبوي) ورطانته الشعارية الكاذبة في بغداد، يكتب غسان كتابه الصادر عن دار النهار التي كان قد جعل منها خاتمة مطاف حروبه على جبهة الحرية، بعد أن ترك ديك النهار لصوت جبران العاصف...
فكان هذا الكتاب بمثابة حوار النصيحة (الموعظة الحسنة)، للمستبدين العرب قبل فوات الأوان، إذ سماه: "حوار مع الاستبداد".
الكتاب يشتمل على المقالات التي كتبها كافتتاحيات للنهار غبّ سقوط صدام حسين، فينتج عبر مجموع نصوصه نصا أدبيا تخييليا تأمليا يجمع بين الصحافة والأدب والفلسفة: الحكمة، فلسفة الحكمة أو حكمة الفلسفة، من خلال حوار تخييلي اصطنعه على لسان صدام، بعد ان خرّ تمثال الأخير ككل تماثيل الطغاة عبر التاريخ منذ أصنام ابراهيم الخليل وصولا لصنم صدام وهو يتهاوى تحت وقع ايقاع لطمات حذاء عراقي...
فيصيح التمثال مناديا بالقيم التي تتناسب مع سيرة غسان الذي يدير الحوار المفترض، لا بما يتناسب مع سيرة صدام، فيقول الكاتب على لسان الطاغية فيما يشبه ويستحضر "رسالة غفران" أبي العلاء المعري، ربما رغبة في لحظة تطهيرية تفيض بها روح التسامح التي تميز الأحرار كشيخنا، ليضعها على لسان الديكتاتور في جهنم ربه التي يناديه منها صدام قائلا: "قل لسائر العرب ألا يسمحوا ببناء تماثيل لهم وهم لايزالون على قيد الحياة والحكم... فقط التماثيل التي تبنى بعد الوفاة تحفظ سر الحاكم الذي تمجد".
كما ويمنحه لحظة اعتراف في الآخرة، لايعرفها الطغاة في دنياهم، فيقول صدام حسب تعبير غسان: "كنت أعرف أن أميركا هي التي تضخم كذبا سيرة خطر جيوشي وحرسي والصواريخ...أما اسرائيل فتعرف الحقيقة، ولاتخاف...فهي قد حطمت بغارة واحدة في أقل من ساعة، المفاعل النووي الوحيد الذي بنيت، "تموز". فقلت "عليّ وعلى... أصدقائي يارب".
ولعل خلاصة تجربة طاغية العراق في الصيغة التي يحوكها غسان في هذا الحوار المفترض تتخطى في دلالتها ومغزاها نموذج الطغيان العربي اليوم، لتكون تجربة الطاغية -والأمر كذلك- بمثابة رسالة نصح إلى جيرانه الايرانيين اليوم الذين لا يكتفون بتصديق كذبة خطر صواريخهم وجيوشهم وحرسهم الثوري... فحسب، بل يشاركون هم بذاتهم بوليمة انتحارهم على ضفاف أضغاث أحلامهم التي تبلغ حدا من التهوس لم يبلغه طاغية بغداد الذي قبل في المآل بعد كل ضجيجه وعجيجه الشعاراتي أن تفتش حتى غرف نومه...!
غسان لحظة سقوط صدام لم يكن يفكر حينها بـ(العُصاب) الايراني البالغ حد الخرافة مع أحمدي نجاد الذي يعتبر اليوم أن (المنقذ) الامام الغائب القادم، أهم من الأنبياء والأولياء لأنه روح الله المحتجب، وأن الذين لايصدقون عودته بعد أن مهد له نجاد الأرض لاستقباله، ليسوا سوى ماعز!
بل إن ما كان يفكر به شيخنا في استحضار شخصية المستقبل للرسالة - والمسكوت عنه في آن واحد- هو الفص الثاني من فولة (صدام)، أي رفاق (العروبة الصدامية) في سوريا، الذين انتشرت تماثيلهم وأصنامهم في أنحاء سوريا أكثر مما كانت عليه في مكة قبل فتحها وبغداد ما قبل سقوطها...!
من البديهي أن تكون عروبة غسان مختلفة عن عروبة (البعث) السوري والعراقي، لأن عروبة غسان تصفّت من كل ما يسميه من (خرافات قومية)، هذه الخرافات تشخصنها بل وتشيؤها القومية عندما تغدو ايديولوجيا، وذلك بتحويلها من "كيان غير مادي" إلى كيان، شخص كما في النموذج الناصري، حيث صار جمال عبد الناصر "يخاطب القومية وكأنها انسان قاعد بجنبه أو شيء..." محسوس يمكن استجلابه...!
بينما هي في منظور كاتبنا "رابطة جامعة تتخطى الفوارق الطبقية والمذهبية والعقائدية، بل والعنصرية، بينما الخرافة القومية " فإنها قد قلبت المعيار عندما تحولت إلى نظام حكم، إلى حزب وتحزيب...في حين أنها ليست كيانا ماديا، حيث نظام الحكم ممكن أن يكون قوميا أو لا يكون، أو قد يستلهم الطبقية، كما يمكن للطائفي أن يستلهم القومية...ومن ثم يخضعها لطائفيته أو لقبيلته كما يخضعها الحزبي لحزبيته والطبقي لطبقيته، تماما مثلما هي مشخصاتها في تنوع النظام العربي في شكل استخدامها وتوظيفها: فهي إذن منظور أو علاقة، وليست كيانا ماديا قابلا للحيازة والاستئثار.
وعلى هذا فالقومية العربية قائمة وموجودة كهوية وانتماء ورؤية، وليس ككتلة، كنظام حكم يسقط فتسقط معه القومية، كما يمكن للقومويين أن يندبوا سقوط نظام بعث العراق من جهة، أو كما يمكن للديموقراطيين الذين يرون في هذا السقوط سقوطا للفكرة القومية ذاتها من جهة أخرى، دون إدراك أن النظام البعثي هو الذي وثن القومية حول "صنم"، فأنتج تطرفا وثنيا مضادا يطالب بـ"اجتثاث العبث".
وعلى هذا فإن غسان الذي تتلمذ على الفكر القومي (قسطنطين زريق)، فإنه كان يجمع أمشاجا من ضروب الفكر القومي الذي يتناوس بين رومانسية القومية العربية أوالقومية السورية بمستوييها الليبرالي الغربي: (ميشيل عفلق وبرغسونيته الحدسية الفرنسية)، وأنطوان سعادة والفاشية (الالمانية والايطالية)، وجورج حبش نموذج البراكسيس الطهراني في تحولاته ما بين القومية والماركسية، لتشكل هذه النخبة القومية بيئة ثقافية (حداثية) أنتجتها المسيحية الأرثوذكسية العربية، في صورة مثاقفة عقلانية رشيدة: فهي -من جهة- منشدّة نحو (حداثة) الغرب الأوربي بتياريه الليبرالي والفاشي كونيا، ومن جهة أخرى فإنها منشدة إلى عروة وثقى وطنية وقومية وثيقة بالهوية القومية العربية أو السورية تحيل دون الاستلاب نحو الحداثة الكونية للغرب، فكان النموذج الأرقى لهذا العناق في الثقافة العربية بين الحداثة الكونية التي حاضرتها الغرب، والهوية الثقافية الوطنية والقومية التنويرية النهضوية محليا.
هذا المنظور الليبرالي للقومية سيقود تجربة شيخ النهار إلى موقع مغاير للمنظور القومي البعثي بل ومناقض ومضاد، وذلك عندما تم تفريغ هذا المنظور القومي -بعد أن غدا عصبويا وطائقيا- من كل حمولاته الديموقراطية منذ استلام البعث السلطة في سوريا والعراق، فقد تحولت فكرة الحرية إلى لفظوية شعارية تتردد فاشيا ورعويا على ألسنة الأطفال في المدارس والكبار في مناخات معسكراتية سديمية طقسية تمجد آلهة الرعب والجهل والاستبداد والقتل، بعد أن تحولت الأوطان إلى أقفاص ومعتقلات ومعسكرات في كلا (القطرين) العراقي والسوري، حيث (الأصالة القومية) التي يتهوس لها البعثيون (الأماجد) تترجم في صيغة (الخصوصية) التي بلغت في خصوصيتها حد الرعب القومي الفريد في كونها راحت تطال الأجنة في الأرحام التي لم تتخلق...
إن الموقع القومي التنويري الديموقراطي الذي احتله شيخ النهار سيكون موقعا مغايرا لقومية الجيران الانقلابية العسكرية ليس سياسيا فحسب، بل معرفيا ومدنيا وحضاريا، وذلك "لأن لبنان سيستمر هيكل الحرية الوحيد في هذه المنطقة، مهما كانت الأقدار... الأزمان الربانية... والساعات العصيبة"، وعلى هذا فإنه يعلن: إذ ذاك تصير سوريا أكثر من لبنان في حاجة إلى الاستجارة بـ "رب لبنان" يصونها "لمدى الأزمان" ! النهار 11-آب (أغسطس)2007.
وعلى هذا فهو يتوجه للجيش اللبناني منبها ومحذرا الجيش أن يستدرج إلى "الحكومة العسكرية" بعد معركته مع الارهاب في نهر البارد.
حيث يذكرنا بأن الحكومة العسكرية- إذا ما استدرج الجيش- ستحول لبنان مثلما حول انقلاب حسني الزعيم سوريا وصدام حسين العراق إلى ديكتاتوريات عجزت عن الانتصار في الحرب على العدو وانتهى بها الأمر إلى العداء مع الشعب ونخبه التي زجتها في سجون صارت ساحات اعدامات بالجملة ومن بعدها مقابر جماعية لا يزال المجهول منها أوفر عددا من تلك التي اكتشفت هنا وهناك وهنالك..." حيث في سوريا والعراق "النظرية واحدة وكذلك العقيدة ولو تنكرت هنا وتسترت هناك" الأربعاء 22 آب 2007.

قرن من النهضة من أجل اللاشيء/ من أجل ابن لادن وصدام حسين:
يساهم غسان تويني في تأليف كتاب مع الكاتب الفرنسي جان لاكوتير المتخصص بشؤون العالم العربي منذ الخمسينيات، حيث عاش في مصر وكتب عنها وعن جمال عبد الناصر، وكاتب ثاني هو جيرار خوري باحث لبناني يعيش في الغرب، وهو متخصص بشؤون الشرق الأوسط، كان قد أصدر كتابا حواريا مع مكسيم رودنسون تحت عنوان: "مابين الاسلام والغرب".
وهذا الكتاب الذي ساهم فيه غسان تويني تحت عنوان: "قرن كامل من اللاشيء! الشرق الأوسط العربي من الامبراطورية العثمانية إلى الامبراطورية الاميركية".
يؤطر هذا الكتاب إشكالية النهضة العربية وسؤال مآلاتها التي أفضت إلى اللاشيء، حيث مشروع الاصلاح الاسلامي الذي قادته مدرسة الامام محمد عبده في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تفضي في سيرورتها ومآلاتها إلى أن يبدأ القرن الواحد والعشرون بابن لادن ومشروعه الفكري والسياسي الذي أفضى بنسقيته التكفيرية (الجهادية) لاسقاط دولتين (أفغانستان والعراق)، حيث بدت الحرب على البلدين بمثابتها معركة ضد ارهاب القاعدة.
في هذا الكتاب تبرز قسمات غسان تويني كمفكر، إذ ينحاز إلى الأطروحة القائلة: بإن النهضة بدأت مع حملة نابليون على مصر، وليس مع الأطروحة القائلة: إن النهضة كانت عقب سقوط الدولة العثمانية سنة 1918.
مع قيام دولة محمد علي بدأت عملية الانفتاح على الغرب، وقد كان تعبير ذلك في: التوجه إلى ارسال البعثات وتوجيه الايفادات والارساليات للدرسات العسكرية في فرنسا والاطلاع على المنجزات التقنية والادارية الفرنسية الحديثة، حيث شكلت دولة محمد علي اختراقا فرنسيا حداثيا للدولة العثمانية من خلال دولة محمد علي التي تمددت إلى سوريا والسودان والحجاز، الأمر الذي استدعى التدخل الانكليزي لانقاذ الامبراطورية التي راحت جيوش محمد علي تهددها فعليا، الأمر الذي من شأنه أن أدى إلى قيام التحالف الغربي (انجلترا- فرنسا- ألمانيا- النمسا- روسيا) لتحطيم أسطول محمد علي وإخراج ابنه ابراهيم من سوريا، ليتم القضاء على تجربة محمد علي، ذلك الرجل الوحيد في الشرق الذي يضع على كتفيه رأسا، وذلك لصالح الطربوش العثماني الفارغ، وفق التوصيف المجازي المكثف لماركس الشاعر الشاب، وذلك في صدد تنديده بتحطيم الجيوش الغربية لتجربة محمد علي التحديثية التي قوضها الغرب المنافق الذي يزعم أنه يحمل التمدن والتحديث للشعوب غير الأوربية.
لكن عبر عملية المثاقفة التي أسس لها محمد علي بدأت الثقافة العربية تتعرف على فكر الآخر حسب صاحب النهار من خلال الترجمة، ومن ثم صدور الكتب والمنشورات باللغة العربية، التي كان عليها أن تتأقلم مع فضاءات الحداثة الوافدة خلال القرن التاسع عشر، حيث أن الانتاج الأدبي والحركات الأدبية والثقافية في لبنان وسوريا ومصر وبقية الشرق العربي كانت تتغذى –وفق غسان- من أفكار ومباديء الثورة الفرنسية، إذ كان الشعراء والأدباء يتغنون بسقوط الباستيل بوصفه رمزا لتحرير الشعوب، والجدير بالذكر في هذا السياق الاشارة إلى أن ما يذهب إليه صاحب النهار يؤكده الكتاب المميز لرئيف خوري عن: (الفكر العربي الحديث "أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي) الصادر سنة 1943، حيث أن هذا الكتاب يشكل مرجعا لم يتجاوز حتى اليوم في استقصاء أثر الثورة الفرنسية على ستة وثلاثين شاعرا وأديبا وكاتبا ومفكرا كانوا قد نظروا إلى هذه الثورة بوصفها من "الحادثات العظام في التاريخ البشري" .
لقد رصد أثر الثورة عند الجميع بغض النظر عن تعدد الانتماءات الدينية والثقافية والفكريةالتي توزعت هذا الرهط الكبير من الكتاب الأبرز في سوريا ولبنان ومصر والعراق الذين أثرت الثورة في إنتاجهم الأدبي والفكري، وهو ما يؤكد على فكرة غسان القائلة: إن فكر النهضة كان يستفيق على عالم جديد، طبعا كان هذا قبل الانكفاء والعزلة والتشرنق حول خصوصيات الذات: تارة الذات الحضارية وتارة الدينية وتارة القومية بوصفها ذاتا جوهرانية ما فوق تاريخية، إذ هي تتشخص في صورة ذات الأمة (الناجية) المتبرئة من فسطاط الكفر، وإذا كان من المفهوم لليبرالي صافي الليبرالية كغسان أن يتنبه لأهمية عصر النهضة والتنوير العربي بوصفه يمثل العمق الضروري للثقافة الوطنية الحديثة، فإن ما يلفت النظر أن يساريا كرئيف خوري يتنبه لأهمية التراث الليبرالي النهضوي العربي بوصفه يشكل عمقا تاريخانيا لمنظومته اليسارية وليس عمقا بورجوازيا يمينيا كما ستجنح الشيوعية الستالينية (المسفيتة) للقول والتعامل مع عصر النهضة الليبرالية والاصلاحية الاسلامية اللتين شكل ويشكل اخفاقهما على يد الشعبوية القوموية (صدام حسين) والشعبوية الاسلاموية التكفيرية (ابن لادن) السر الرئيسي لتضييع العرب قرنا من أجل اللاشيء.
لكن مع ذلك فإن حركة الترجمة والتأليف والنشر اقتصرت على الأبحاث التقنية، إذ أن عصر محمد علي سيؤسس للاشكالية المركزية التي تؤطر الفكر العربي حتى اليوم، وهي اشكالية الاقبال على التحديث التكنولوجي ورفض الحداثة العقلية، حيث سيتساءل شيخنا التويني عن مصدر هذا التناقض المذهل بين سيطرة ابن لادن ومنظمة القاعدة على أحدث التقنيات التكنولوجية والمعلوماتية من جهة، وعلى تأخرهم الايديولوجي والفكري والثقافي القروسطي من جهة أخرى، إلا أن شيخ النهار لم يتوقف عند هذه الاشكالية رغم لفته الانتباه إلى ازدواجية فكر القاعدة الماضوي وممارستها التي تتوسل أرقى وأحدث التقنيات، إلا أنه لم يستثمر منهجيا وتأويليا أطروحته النابهة عن ازدها المجلات العلمية التي تنكب على الترجمة أوالعرض والاختصار للعلوم البيولوجية والفيزيائية والكيميائية والكهربائية في زمن النهضة التي كان يفترض أن تقوده إلى استنباط يشير إلى مدى استمرارية مبدأ النظام الثقافي والفكري العربي الذي يرحب بعلوم التقانة تراثا وحاضرا، وفي الآن ذاته الذي يهجر علوم الحياة والعقل النظري ماضيا وحاضرا أيضا.
ذلك لأن العلوم الطبيعية- والأمر كذلك- لا تصطدم بالمحرم الديني الذي يحيل دون السؤال البرهاني عن (ماذا وكيف)، حيث علوم العقل –في هذا السياق- شيطان يوسوس في الصدور، وهي إذا كانت مفيدة في المعاش فإن حدّها أن تكون فرض كفاية، وليس فرض عين كما هي عليه علوم الفقه وفق تقسيمات الإمام الغزالي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذه العلوم لاتصطدم بالمحرّم السياسي إذ أن هذه العلوم لم تكن موازية أو معادلة أو منتجة للفكر النظري والاجتماعي أو مؤثرة في حياة المجتمع، بل كثيرا ما كان يرتجي منها الحاكم كسبا اجرائيا: ماليا واقتصاديا، وهذ ما تنبه لخصوصيته العربية الاستبدادية عبد الرحمن الكواكبي، عندما راح يتمم ثلاثية العلوم التي لا يخشاها المستبد.
فهي بالإضافة إلى علوم اللغة وعلوم الدين، فإنه يضيف عنصرالمثقف التقني الذي يشتغل بالعلوم الطبيعية والصناعية ، فالمستبد "لا يخاف من العلوم الصناعية محضاً لأن أهلها يكونون مسالمين صغار النفوس، صغار الهمم يشتريهم المستبد بقليل من المال والاعزاز.
أما المثقف الذي ترتعد منه فرائص المستبد فهو المهتم بـ "علوم الحياة، مثل الحكمة النظرية والفلسفة العقلية، وحقوق الأمم وطبائع الاجتماع، والسياسية المدنية، والتاريخ المفصل، والخطابة الأدبية، ونحو ذلك من العلوم التي تكبر النفوس وتوسع العقول وتعرف الإنسان ما هي حقوقه وكم هو مغبون فيها، وكيف الطلب، وكيف النوال، وكيف الحفظ".
وبذلك يكون الكواكبي سباقا إلى تفسير ظاهرة الازدواج لدى القاعدة وابن لادن التي أشار لها شيخنا التويني، أي ازدواج استخدام حداثة التقنية في خدمة قدامة الأفكار، وهو ما نلمسه اليوم في جامعاتنا العربية والاسلامية التي تدرس العلوم التقنية والصناعية والطبيعية، حيث غدت هذه الجامعات مصدرا لتخريج التطرف والعنف والارهاب، على العكس نسبيا من الجامعات النظرية: الأدبية والفلسفية .
غسان تويني سيضع أصبعه على مشكلة تضييع العرب لقرن من الزمن الذي مضى من أجل اللاشيئ من خلال تعيين المشكلة في مسألة اخفاق الاصلاح الديني، هذا الاصلاح الذي قاده إمام الحداثة والدستور محمد عبده وحزبه الليبرالي بشقيه العقلاني التنويري الاسلامي (علي عبد الرازق)، والليبرالي العقلاني الحداثي (طه حسين)، هذا الاصلاح الذي سيتقوض على يد الشعبويات العسكرية والفلاحية الانقلابية منذ الخمسينات، هو مصدر سر هذه الاشكالية المستعصية في العالم العربي حتى اليوم، أي أن السر يوغل في أعماق المأساة التي لابست التجربة التاريخية العربية وهي مشكلة الحرية، حيث الاصلاح الديني يتأسس سوسيولوجيا على حريات الفرد واستقلاله الذاتي الذي يتيح له ثقافيا مقاربة النص المقدس مقاربة شخصية وتأويله بدون وصاية سدنة هياكل الكهنوت أو الفقه من مديري المقدس، حيث الحريات العقلية معادل للحريات السياسية، وهكذا فإن إخفاق الاصلاح الديني الذي كان يتطلع إلى انتاج حالة تناظر تثاقفية مع الغرب تتوازى مع الانفتاح على تقنيته بوصف هذه التقنية ثمرة من ثمار شجرة العقلانية الفكرية والفلسفية الغربية التي يتقاطع فيها فرانسيس بيكون مع سبينوزا ودارون مع فرويد، باعتبار الحداثة هي حداثة العقل الذي انتج حداثة التقنية الممثلة بالسلعة التي وصلتنا عبر السوق وليس عبر المصنع.
هكذا فكما كانت مسألة الحرية تتمفصل في البنية التكوينية للمشروع النهضوي العربي والاسلامي بوصفها أم حاجات التمدن والترقي الذي تأسست تثاقفيا مع ترجمة كتاب جان ستيوارت ميل "في الحرية" في بدايات القرن العشرين وترك تأثيره الواسع على كل جيل النهضويين ، كذلك فإن اخفاقها سيترجم باخفاق مشروع الاصلاح الاسلامي، إذ هو الذي يفسر- بالنسبة لغسان- هذه (الشيزوفرينيا) التي تشظي العقل العربي بين قبول تحديث التكنولوجيا، ورفض حداثة العقل، ومن ثم السير القهقرى نحو الامام، الذي يتشخص لنا باستعادة صور أنظمة توتاليتارية اوتوقراطية: مملوكية- انكشارية تحل انقلابيا وشعبويا وعسكريا وفلاحيا محل الأنظمة (الكولونيالية) بعد أن تقشرها من مميزاتها الحداثية: الادارية والتشريعية والسياسية والقانونية التي انقضّت عليها الشعبويات (الوطنوية) كالجراد لتصحرها، ولتجعل من ظاهرة الاستعمار ظاهرة تدمير مستمرة لا تتوقف عند دوره في نهب المستعمرات فحسب ، بل تستمر من خلال تدميرها لمنجزات الدولة الليبرالية الكولونيالية وبأيد وطنية زائفة ومدعاة تغلف ميلا متهتكا للنهب والفساد النهم الذي ليس له قرار.
وذلك عندما قوضت هذه الشعبويات العسكرية الريفية ذات الجذور الرعاعية كل المكتسبات المدنية والادارية والقانونية والتحديثية التي تحققت في ظل هذه الدولة الكولونيالية، ولم تبقِ سوى ذاكرة مشروخة مثخنة بجراحها تجد تعبيرها في هذا التناقض الداخلي الذي يقسم الذات الفردية والاجتماعية حول ذاتها على المستوى الوطني والقومي، من خلال دفع مريديها ومديريها من المثقفين (المتمجدين) حسب تعبير الكواكبي، أي دفع هؤلاء المثقفين المرتزقة لمسح ذاكرة الشعب من فكرة أنه - بالأمس القريب- كان هناك أنظمة مدنية ومدينية تؤمن بالحرية وتتعشقها كما يتعشقها شيخ النهار، وأن مجتمعاتنا عاشت نموذجها المميز بأمس الخمسينات القريب، الذي غادرناه نحن السوريون نحو الاستبداد وتركنا الشقيق الأصغر (لبنان) يواصل فرحه الانساني بشباب حريته التي دفعّناه لاحقا أكلافها غاليا، وجبران لم يكن آخر قرابينها.
ويتمثل هذا التناقض –من جهة- في العداء للتاريخ الاستعماري (من زاوية الهوية)، ومن جهة ثانية، الحنين إلى نموذج ادارته ومؤسساته القانونية والحقوقية التي تدمرت تدميرا على يد (ثورية الغوغاء)، أي الحنين إلى نموذج دولة القانون والقضاء المستقل والمجالس التشريعية المنتخبة والصحافة والنقابات الحرة والتعددية الحزبية بل وهامش الحريات التي لم يبق (الرفاق الثوريون) منها حجرا على حجر، مع محاولة مسح الذكرة من كل هذه المميزات للدولة الليبرالية التي عرفها العالم العربي قبل (ثوراته-انقلاباته: العسكريتارية الشعبوية)، مما يتنافى مع الحدود الدنيا لمفهوم الدولة بالمعنى الحديث للدولة التي انحلت إلى مستوى السلطة، إذ قامت لدينا سلطات غاشمة عارية من أية مشروعية شعبية أودستورية أو قانونية سوى الشرعية السلطانية التي حكمت التاريخ العربي وفق قاعدة: "من اشتدت وطأته وجبت طاعته"، وذلك استنادا لشرعية وعاظ السلاطين القائلة بدرء (الفتنة) في الماضي، ودرء (الفوضى) في الحاضر، ( الفتنة-الفوضى) التي تهدد بها الأنظمة الشمولية –اليوم- ليس مجتمعاته وشعوبها فحسب بل وحتى المجتمع الدولي والعالمي.
وعلى هذا تجد الأمة نفسها وكأنها عاشت "قرنا كاملا من أجل اللاشيء"، حيث الفوات يتبدى من خلال سير القهقرى نحو المستقبل، ومن ثم التأخر من خلال المراوحة في المكان، فينشأ عن ذلك انفصام عقلي (شيزوفرينيا) هو نتاج انفصام (الفوات): المتمثل بعيش الماضي في الحاضر، أي العيش في المكان العالمي المعاصر، يناظره ويزامنه عيش في الزمن الماضوي الوسطوي، كل ذلك هو نتاج خصوصية ثقافية أنتجها الاستبداد في التاريخ العربي، حيث الاستبداد يسحق الكائن ويهمشه ويخرجه من دائرة أية فعالية، وهذا مايفسر مقولة شيخنا غسان بأن "العرب يطلبون من التاريخ أكثر مما يعطون، حيث التاريخ هو أن تجيء النتائج بنسبة الأسباب"، وما دامت الحرية مفقودة فالفعل مفقود حكما، ولذا تحل الأمنيات والرغبات محل الواقع الذي لا يأبه إلا للصانعين له والفاعلين به الذين يصنعون الأسباب ليحصدوا النتائج، وذلك لأن النتيجة بنسبة السبب، وليس للمستعطين والمترجين المتسكعين على قارعة طريق التاريخ بانتظار رأفته وانصافه.



سر المهنة... وأسرار أخرى:
غسان تويني قامة صحافية وثقافية وفكرية شامخة لا يدانيها ولا يوازيها بين الاعلاميين العرب الأحياء سوى قامة محمد حسنين هيكل.
إن كثافة درجة حضور هيكل في الصحافة العربية بمقدار ما هي نتاج كثافة حضور مصر في العالم العربي بمقدار ماهي تعبيرعنها ، ودرجة كثافة حضور جمال عبد الناصر- الذي ارتبط اسم هيكل به - في عالم السياسة العربية في ستينات القرن الماضي العشرين.
يوحد هيكل والتويني –حسب بعض الدارسين- النزوع الاسلوبي لنحت المفردات، وصقل العبارة وتوخي الجمالية التعبيرية عبراستخدام المجاز.
وعلى هذا فإن غسان تويني يعبر عن هذا الهاجس في كتابه: (سر المهنة... وأسرار أخرى) من خلال طرحه الأسئلة على نفسه: هل أحسن التعبير؟ هل أجاد توصيل ما يريده؟ فقد كان دائما غير راض عما كتب. وقد كان هاجسه أنه يستطيع أن يكتب أفضل وأفضل، حتى بات الدارسون يتداولون الرأي القائل: إن غسان ليس صحافيا كبيرا فحسب، بل هو مدرسة في الصحافة استطاع أن يرتقي بجريدة النهار من صحيفة إلى مؤسسة، لا زالت هي الأهم في لبنان رغم شيخوختها وحاجتها إلى تجديد شبابها الاخراجي والتحريري.
إنه أستاذ في أدب المقال، يكتب نثرا هو الشعر، لكن مع الصرامة والوضوح... يرسم بالحروف صورا ورموزا ترق شاعريتها عند الصفر حد النسيم، وتندفع عند الغضب جياشة كالسيل الهادر، فاضحة الكذب والنفاق والاستبداد، حيث غياب الرأي والرأي الآخر يحول دون الصحافة أن تكون حرة لأنها ستغدو بوقا حسب تعبيره، إذ أن فلسفة الحرية التي تخترم وعيه وعقله ووجدانه تجعله يصف بلا تردد "الاعلام الموجه بأنه ضد الحقيقة".
ويذهب البعض لاعتبار شيخ النهار كاتبا مرهقا، لأنه مثقف وذكي وعميق التفكير، ولعل مصدر ذلك جمعه بين موهبة الصحفي ومسؤولية السياسي وموقف المثقف، حيث الجمع بين هذين الاحترافين الذين يوحدهما موقف مهجوس بالحرية، ربما يكون مصدر مالاحظه البعض عند وصفه بأنه كاتب مرهق، لكن المرجح أن تأسيسه الأكاديمي الفلسفي وشّح أسلوبيته بظلال فلسفية تمتح من نزعة روحانية كونية تتطلع إلى توحيد جميع الدروب السالكة إلى الله بوصفه كمال مطلق الحرية، وحيث "التحرر من العصبيات القبلية الطائفية بنسبة مانلتزم المزيد من الايمان بالله... والرجوع إلى التعبد الروحاني – ولو تعددت أديانه- يطهر نفوسنا من العنف وشروره...".
هنا يكمن التمايز بين العملاقين الشيخين المعاصرين هيكل وتويني: الأول هيكل صاحب مشروع سياسي عملي اجرائي ذرائعي وشعبوي، بل وسلطوي في كثير من الأحيان، ولهذا لم تشكل الحرية يوما هاجسا لهيكل الذي كان في محطات كثيرة من تاريخ سيرته صديقا لرؤساء نظام يوليو العسكري.
بينما كان غسان صاحب مشروع فكري ليبرالي تنويري تغييري يوجه هاجس الحرية خطواته كصحفي وكسياسي ومفكر منذ اللحظة التي قطع فيها مع القوميين السوريين سنة 1957، ليدخل معبد الحرية بعد ان حطم كل المعابد القديمة في داخله حسب دعوة ابن عربي.

ملاحظة : هذا البحث كتب في اطار إعداد جريدة (الجزيرة ) عددا خاصا عن راحلنا الكبير الأستاذ غسان تويني ...لينشر في كتاب خاص عنه ...ولم ينشر هذا البحث بأية دورية سابقة ...وبمناسبة رحيل شيخ الصحافة الليبرالية العربية ...قررنا نشره مشاركة في إحياء ذكراه الباقية بقاء الحلم العربي بالحرية ....



#عبد_الرزاق_عيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في المعارضة السورية ، كما لدى نظامها الديكتاتوري، ليس مهماً ...
- ويسألونك: لماذا يتم اختيار ممثلي المجلس الوطني وفق خيارات دو ...
- هل يعرف الأخوان المسلمون حلفاءهم اليساريين حقا ؟؟!!
- مذبحة -الحولة- بين (الثابت والمتحول ) !!
- خيبتنا بالمثقف الفلسطيني : (بشارة وعطوان ) !!؟؟؟
- ويسألونك: لماذا يتم اختيار ممثلي المجلس الوطني وفق خيارات دو ...
- يسألونك هل مشكلة المجلس الوطني ب (غليون) الذي استقال ؟
- هل خطاب ميشيل كيلو خطاب سلطة أم معارضة ا؟
- ويسألونك عن رئيس المجلس الوطني القادم ..!؟
- المجد للمرأة السورية في الأرض والسماء : فالجنة تحت أقدامهن ا ...
- المهم كشف القفا لمقدس الخوف والرعب.. (الطائفي – الأسدي ) : ا ...
- هل هناك سلطة ومعارضة في إطار الدولة والمجتمع في سوريا ؟
- -الجهاد- أم -الدفاع عن النفس- ؟! قبلة على جبين شبابنا: جيل ل ...
- العجائبي والخارق والعار في سلوك القاصر (بشار) ...!!!
- بين -الممانعة - السياسية و-المماتعة - الجنسية !!!!
- العلاقة بين مفهوم الثورة والجهاد في الثورة السورية
- ليت الرئيس المنصف المرزوقي كان منصفا مع الشعب السوري !؟
- حول ما جرى معنا في أربيل كردستان
- التكتل الديموقراطي لربيع دمشق
- حول اتهام الشباب السوري الغاضب في مصر بالتشبيح ...!!


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرزاق عيد - غسان تويني ظاهرة اسمها الحرية!!!