أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد بقوح - الأسد الذي لا يحب أن يأكل سوى les bananes















المزيد.....

الأسد الذي لا يحب أن يأكل سوى les bananes


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 3753 - 2012 / 6 / 9 - 17:40
المحور: كتابات ساخرة
    


هو حتما أسد نباتي. لكنه لم يكن نباتيا في أصله. حين كان في أدغال الغابة. مع باقي حيوانات فصيلته. بل في الأمس القريب فقط كان طبيعيا و لحميا في منتهى التوحش. بل يمكن أن يتصرف بجنون حين ينتزع منه نصيبه من اللحم. أقصد لحم إحدى الفرائس التي تصطادها اللبوءة. أنثاه. لكن لماذا تحول فجأة إلى حيوان نباتي. شبيه بكائن مضبوع داخل قفص الكائن الآدمي. قفص لا يختلف كثيرا عن أقفاص حدائق الحيوانات العمومية. أو لنقل أقفاص سيرك محلي. حتى نرفع من معنويات أقفاصنا المحلية. و ليس من معنويات هذا الأسد الدرويش. تقول عيناه الخضراوتين الآن أنه طيب للغاية. لكنه متورّط إلى أقصى حد في لعبة انخرط فيها بدءا بكل جدية. يستحق اليوم كل الشفقة. انبطاحه الدائم يدل على استسلامه للأمر الواقع. أدركَ أنه في متاهة حقيقية لا يمكن الخروج منها. لهذا بدأ يهذي. إنها الحقيقة المرة.

يبدو بربطة عنقه أقبح مما كان. عفوا. أقصد السلسلة المذهبة بالأقفال السبعة حول عنقه، الغير مشدودة إلى القفص. إنه حرّ داخل قفص لم يكن يعرف أنه قفص. بين الفينة و الأخرى تُحرّض عليه الكلابُ. كلاب نابحة غريبة لا يراها لكنه تزعج وضعه الحرّ داخل قفصه الذي ألفه. كثيرا ما تساءل و هو يطلب الرحمة ممن حبسوه : هل تلك الكلاب التي تنبح بشراسة خارج قفصه.. هل هي ضده ؟ لهذا ترعبه و تخيفه خاصة في الليل. أم هي معه. أي كلاب حراسة وضعت هناك لخدمته؟ يعني ربما قد تكون كلابه التي كانت صديقة له في الغابة. أي كانت ذئابا قبل أن تكون كلابا الآن. لا يستبعد أنها الذئاب التي خضعت لنفس التدجين و الترويض و التفقير و الإنهاك الجسدي و النفسي. و هي اليوم مروّضة و خدومة على شاكلة الكلاب. يعني كلاب الحراسة. أمر يحيّر بالفعل. لهذا. و لأنه يفكر أسدنا ليل نهار في مشكلته.. و في كثير من الأمور الأخرى.. قلّت شهيته و هزل جسمُه. بل امتنع مؤخرا عن تناول الأكل. و اكتفى بشرب الماء فقط.

الغريب في الأمر أنه حين ينظر من قضبان قفصه إلى الخارج.. يرى واقعا جميلا محيطا به. واقعا أكثر من الخيال. قصرا فخما ضخما. مساحات خضراء بهية. أشجار الأرز و الكالبتوس الشاهقة من كل جانب. طيور ملائكية. فيطرح سؤالا على نفسه : أين أنا ؟ و من أكون ؟ هل أنا بالفعل هو ذلك الأسد الذي لا يقهر ؟ كنت ملك الغابة. و أصبحت الآن سجين قفص لعين ؟ ما هي الجناية التي اقترفتها حتى يقبض عليّ هكذا. مع العلم أنني كنتُ نصيرا للخير. أنبذُ الشر و الظلم. و أنصفُ المظلومين أينما كانوا. أحب الغابة بكل حيواناتها و طيورها و جبالها و وديانها و براريها. مملكتي الحيوانية تشهد على ما أقول.
يكاد يجنّ هذا الأسد المغبون لكثرة استفساراته المتدفقة عليه هذه الأيام.

لقد كان بالفعل في أيامه المتوحشة لا يتردد كملك الغابة في الدفاع المستميت عن حق الكائنات الضعيفة. مثل الحشرات. يدافع عن حقها في العيش الكريم. و حقها في الوجود الذي هو الأصل. و كان قبل أن يُرمى به إلى هذا القفص اللعين- مازال يذكر ذلك- أنه لولا تدخله المباشر في قضية حيوانية تهم الشأن الحيواني الغابوي في مملكته.. لما كانت له اليد العليا في فرض الصلح و التواد بين ( نقار الخشب ) مع الحيوان ( الكسول ). بعد صراعهما التاريخي الطويل حول : جدع شجرة. كل منهما كان يدعي أن الجدع يعود لملكيته. يريده وكرا لذريته. لكن تدخل الأسد العظيم سابقا.. أسدنا المنبطح الآن على الأرضية الوسخة لقفص موصد.. حل نزاعهما بحكمته المعروفة عنه. لكنه ها هو اليوم منزوع الأسنان و اللسان. و الحكمة طارت عنه و تركته وحيدا يصارع الأسئلة و الأوهام و حديث القيل و القال. و لا يجد حتى أجوبة لأسئلته المحيّرة المقلقة.
وصل إلى علمنا اللحظة أن ملك الغابة سابقا. و الأسد المضبوع اليوم. بات يأكل و الحمد لله. لكنه لا يتغذى سوى بالخضر. خاصة خضرة الجزر. غير أنه بعد هذا الحدث المفاجئ بشهور معدودة. تأكد لنا بعد إجراء عدة اختبارات أن أسدنا بات حيوانا نباتيا. إنه أمر مؤسف. لأنه امتنع نهائيا عن أكل اللحوم. هل هذه بداية الانتحار لهذا الأسد.
كان كلما قُدم له طبق من الجزر. يبتلع الواحدة تلو الأخرى مركّزا نظره على المصباح المعلق في سقف القفص. ينظر إليه بعمق و بتأمل شديدين. و أحيانا تهطل من جفنيه الواسعين و الهزيلين دمعات دافئة لا يعرف سرها حتى الساعة. هل هو حنين أم تأسف ؟ لا أحد يستطيع فهم ماذا يجري لهذا الأسد الأسطورة. بالفعل بات الجميع يتحدث عن مأساته. في المدينة و الغابة معا. كيف يمكن أن يتحول أسد مفترس سابقا، إلى أسد شبيه بحمامة فتية مثير للشفقة؟

المشكلة الجديدة أخافت حتى علماء الحيوان و خبراء التغذية. لقد بات الأسد.. أسدنا المسكين و المخدوع.. مُضربا حتى عن أكل الجزر. و حين جاءوا له ببعض حبات الموز ابتلعها بقشورها بالكامل. هل هي بداية جديدة لتحول جديد ؟ هل هو أول إرهاص لظهور جنون الأسد ؟ هل ممكن أن يتحول هذا الأسد إلى قرد ؟ لا يمكن أن يحصل هذا من الناحية العلمية ؟ لكن، من ناحية أخرى يمكن أن نتوقع من وضع أسد ليس كباقي أسد الغابة أي تحول أو تغير. لا يجب إذن أن نفاجأ إثر التحولات الممكن أن يتعرض لها هذا الأسد و غيره من الأسد المثرثرة في واقع مدننا و حياة غاباتنا. نحن اليوم أمام أسد يمكن نعته ب( المُقردِن ) - نسبة للقرد- الذي لا يحب أن يأكل سوى فاكهة الموز. و يأكلها بشغف و دون توقف. حتى عندما يطفأ مصباحُ القفص في الليل البهيم يواصل هو التهامه الغريب لحبات فاكهة الموز المكدسة في جنبات قفصه. أسد نباتي من النوع ( الموزي ) فقط. يعني أنه يعيش صباح مساء بفاكهة الموز. كيف يحدث هذا لملك الغابة. تحول عجيب قلّ نظيره لم يكن في حسبان باقي حيوانات الأرض قاطبة.

المشكلة بسيطة للغاية. فأسد من نوع أسدنا ( الموزي ). أن يتحول من كائن طبيعي لحمي، إلى كائن نباتي في مدة وجيزة، ليس بالشيء المحير و المقلق. لكن أن يحدث له ما حدث، و هو داخل القفص الذي استدرج إليه غفلة أو طواعية منه، لهو المحيّر بالفعل.. فتحول الأسد المفاجئ إلى حيوان نباتي يحب فاكهة الموز، كان بعد ستة أشهر داخل قفص كبير، معلق في الهواء بإحدى مدننا العتيقة. في البداية، كان يأكل و يتغذى بشكل طبيعي. عشرة كيلوجرامات لحما يوميا. لكنه كلما مرت الأيام كلما نقصت شهيته الغذائية. حتى بات في الأيام الأخيرة، قبل أن يُقدم له الجزرُ يرفض الأكل نهائيا. فقلّ وزنه. صار يزن حسب طبيبه الخاص خمسين كيلوجراما. بعدما كان يزن قبلا، عند القبض عليه، أكثر من مائة و ستين كيلوجراما بالتمام و الكمال.

الخبر السعيد اليوم هو أن ( الأسد المُقردِن ) سابقا، بات يتجول في محيط قفصه الجميل. تبدو عليه أناقة ملفتة. ربطة عنق جديدة و راقية. و يتبعه كلب ربما من تلك الكلاب التي كانت تحرسه بالنباح في الليالي السابقة. كلب مدرّب وفيّ بات يخدمه. قيل أنه حارسه الخاص. يحمل في يده اليمنى حقيبة جلدية، تحتوي على ما لا يحصى من قنينات العطر الراقية و رابطات عنق أسدنا النحيف.. و في يده اليسرى يحمل عصا.. الغريب في أمر حكاية الأسد الذي لا يحب أن يأكل سوى فاكهة الموز.. أو بالتعبير الجديد ( الأسد المُقردِن ) هو أنه بات يتحدث.. بل يحسن الحديث بلغات أخرى غير اللغة الحيوانية. كأن يطلب الموز بقوله : أريد les bananes. مكررا العبارة أكثر من مرة حتى يُلبى طلبه. لكنه ما يحير بالفعل هو عندما يبدأ الظلام في السقوط على مدينتنا العتيقة.. يعود خائبا مرادا مضبوعا.. بمشيته البطيئة و المتمايلة و القديمة إلى قفصه الأصلي حيث يقيم. القفص المعلق في الهواء. بدءا يخلع حذاءه اللامع الأسود. يصعد ثلاث درجات حديدية. يدخل. يغلق خلفه الباب المذهب. يختار زاوية في القفص. زاويته المفضلة هي الزاوية اليمنى. حيث تبدو له مشاهد الخارج كما يريدها بانورامية من الفوق. و لا تفارق عيناه المصباح المعلق في سقف قفصه الكبير.
بعد انقضاء تسعة أشهر على وضع ( الأسد المقردن ). قيل أنه ازداد مرضا و انعزالا فجأة. بات زغب جسده يسقط بدون توقف. حتى صار شبيها بكائن مصاب بداء البرص. لم يحاولوا معه أي نوع من العلاج. قال طبيبهم أن مرض الأسد ميئوس منه. لهذا ابتعدوا عنه خوفا من أن ينتقل إليهم مرضه المعدي. الرجل الوحيد الذي كان يراقب مرضه الفتاك من خارج القفص هو فقيه من الغابة المجاورة للمدينة.

ذات صباح عاصف وجدوه جثة هامدة في زاوية القفص المعزول. كان المصباح في يده و على صدره. حملوه في عربة يدوية. و ألقوا به بعيدا خلف المدينة، في حفرة عميقة خصصوها لنفاياتهم الصلبة و أزبالهم. لما دققت نظري في مزبلتهم تلك لفت انتباهي أجسام حيوانات كثيرة مقطوعة الرأس جميعها. مزبلة غريبة. تحيط بها ورود حمراء ذابلة بدون رائحة. تيقنت أنذاك أنهم جديون معنا و لا يلعبون كما يدعون.



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة : القمر الفضّي ( 2 )
- قصة قصيرة : القمر الفضي
- أمكنة ناطقة ( 3 ) : جوطيا إنزكان
- نقد مبدأ الحرية في التصور الفلسفي عند سبينوزا
- سؤال القيم في الكتابة الفلسفية عند نيتشه
- ما مصير الحوار الإجتماعي المغربي راهنا، في ظل رفض القوى المح ...
- أمكنة ناطقة : فعل الكتابة و الصيرورة
- جدلية الثابت و المتغير في التفكير الفلسفي
- إشكالية أزمة التعليم المغربي و المراهنة على تكريس الخطاب على ...
- قصة قصيرة : مندوب وزارة الصحة
- الفكر التربوي عند عبد الرحمن بن خلدون
- قراءة دلالية في رواية جنوب غرب طروادة جنوب شرق قرطاجة لابراه ...
- قصة قصيرة : اللغم المقدس
- مفهوم الجوهر في فلسفة سبينوزا
- المطالب الحيوية لأساتذة التعليم الإبتدائي و الثانوي الإعدادي ...
- قصة قصيرة : مرينا في المنطاد
- المسألة التعليمية من منظور محمد عابد الجابري ( 2 )
- المسألة التعليمية من منظور محمد عابد الجابري ( 1 )
- أمكنة ناطقة : وَلْحُرّي
- شعر : من أكون ..؟


المزيد.....




- بالأرقام.. 4 أفلام مصرية تنافس من حيث الإيرادات في موسم عيد ...
- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- صدور ديوان الغُرنوقُ الدَّنِف للشاعر الراحل عبداللطيف خطاب
- صدر حديثاً رواية - هذا أوان الحبّ- للأديبة الفلسطينية: إسرا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد بقوح - الأسد الذي لا يحب أن يأكل سوى les bananes