أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - حتى يصبح -نفي الرأسمالية- هدفاً واقعياً!















المزيد.....

حتى يصبح -نفي الرأسمالية- هدفاً واقعياً!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3751 - 2012 / 6 / 7 - 11:43
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


ماركس، وبمعنى من معانيه الجوهرية، هو القائل (أيْ المُؤمِن) بحتمية زوال الرأسمالية، أو النظام (الاقتصادي والاجتماعي) الرأسمالي؛ ولقد توفَّر (نظرياً) على إثبات أنَّ لهذا الزوال أسبابه (الاقتصادية) الموضوعية (في المقام الأوَّل).

لكنَّ هذه الحتمية (التاريخية) التي قال بها ماركس لم يُعبِّر عنها بقولٍ من قبيل "الرأسمالية ستزول حتماً، وستحِلُّ الشيوعية محلَّها حتماً"؛ فقوله في التعبير عنها كان "إمَّا أنْ تزول الرأسمالية لِتَحلَّ محلَّها الشيوعية، وإمَّا أنْ ترجع البشرية القهقرى (حضارياً وأخلاقياً وإنسانياً وثقافياً..)"؛ وكأنَّه أراد أنْ يقول "إمَّا الوحشية (بكل معانيها وأوجهها) وإمَّا أنْ تُنْفى الرأسمالية (نفياً جدلياً) بالشيوعية". ومع ذلك، لم يتحدَّث ماركس عن الشيوعية، أو "المجتمع الجديد" الذي بشَّر به وآمَن، إلاَّ غيضاً من فَيْض حديثه عن الرأسمالية؛ فهو حَرِص على أنْ يظلَّ في فكره وتفكيره "عِلْمِيَّاً"، ينأى بهما عن "الطوباوية".

"الاقتصاد" هو "الميزان" الذي به نَزِن "النُّظُم الاقتصادية والاجتماعية"؛ فغيره من "الموازين"، وعلى أهميتها، تظلُّ دونه أهميةً؛ وإنَّ "كيف"، بمعناها "الاجتماعي"، هي التي ينبغي لنا أنْ نوليها الاهتمام؛ فالبشر، في حياتهم الاقتصادية، يُنْتِجون (من الأشياء ما يلبِّي احتياجاتهم) في "طريقة اجتماعية ما"؛ وهذه "الطريقة" تُقاس أهميتها (التاريخية النسبية) بـ "نتائجها".

والبشر الآن ما زالوا يُنْتِجون في "الطريقة (الاجتماعية) الرأسمالية"؛ ولن تشتد لديهم الحاجة إلى "طريقة (اجتماعية) جديدة"، تنفي "الطريقة الرأسمالية"، إلاَّ إذا اقتنعوا بأنَّ هذه "الطريقة الجديدة" مُمْكِنة عملياً وواقعياً، وفي متناوَل أيديهم، وتشبه (لجهة إمكانية تحقُّقها) جنيناً اكتمل نموَّاً في رحم أُمِّه، وبأنَّها (أيْ "الطريقة الجديدة") تسمح بزيادة ونموِّ الإنتاج، وبتحسين نوعية المُنْتَج، وبإنتاج ما يلبِّي احتياجات إنسانية جديدة، وبتلبية حاجاتهم (بقديمها وجديدها) أفضل (وأفضل كثيراً) من ذي قَبْل، وبأنْ هذا "التَّفَوُّق المادي" لهم يَقْتَرِن (أيْ يجب أنْ يَقْتَرِن) بـ "تَفَوُّق روحي"؛ فـ "الانتفاع الاقتصادي" للناس تتضاءل أهميته، أو تُفْقَد، إذا ما كان ثَمَنُه "سَلبهم حقوقهم (الإنسانية والديمقراطية والسياسية والثقافية..)"؛ وهذا إنَّما يعني، على سبيل المثال، لا بل على وجه الخصوص، أنَّ "المجتمع الجديد" يجب أنْ يكون أكثر حرِّيَّة وديمقراطيةً من "القديم"، أيْ من "المجتمع الرأسمالي".

و"نفي" الرأسمالية (اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً..) يجب أنْ يُفْهَم بمعناه الجدلي؛ فهذا النفي يتضمَّن، ويجب أنْ يتضمَّن، الإبقاء على كل ما هو "إيجابي (من وجهة نظر تاريخية)" في الرأسمالية.

"حقوقياً (وأخلاقياً)"، ما زال البشر، في غالبيتهم العظمى، "متصالحين" مع "المِلْكِيَّة الرأسمالية"، يَنْبُذون فكرة "المِلْكِيَّة الرأسمالية هي سرقة"، والتي نادى بها برودون، وفكرة "المِلْكِيَّة الرأسمالية ليست سرقة، وإنَّما أداة للسرقة"، والتي نادى بها ماركس ضدَّ فكرة برودون؛ فـ "الرأسمالي (الشخص)"، في نشأته ووجوده، في ربحه وتنامي رأسماله، ما زال يُنْظَر إليه، وعلى وجه العموم، على أنَّه "ظاهرة (اجتماعية) طبيعية"، تتَّسِم (من حيث المبدأ) بالشرعية الحقوقية والقانونية والأخلاقية والدينية؛ فنظرية "فائض القيمة"، وبكل ما تعنيه، لم تؤثِّر تأثيراً مضاداً (ذا شأنٍ) في هذه النَّظْرَة العامَّة؛ وما زال الناس، في غالبيتهم العظمى، يَفْهَمون "الرِّبح" على أنَّه حقٌّ لصاحب رأس المال، و"الأجر" على أنَّه "الجزاء العادِل" للعامل على عمله.

قد تُقْنِع العمَّال بـ "فائض القيمة"؛ لكن من الصعوبة بمكان إقناعهم بجدوى مَنْع "فائض القيمة" من أنْ يَصُبَّ في مَصَب "الرأسمال"؛ ذلك لأنَّ "حَبْس" هذا المال، أيْ "فائض القيمة"، عن الرأسمالي، لن يعود على العامِل (إذا ما عاد) إلاَّ بنفعٍ ضئيل، لا يغريه بخوض صراعٍ ضدَّ أساس النظام الرأسمالي. وهذا "النَّفْع الضئيل" هو المتبقِّي (أو الذي قد يتبقَّى) للعامِل بعد اقتطاع جزء (كبير) من "فائض القيمة" للتوسُّع في الإنتاج وتحسينه، وجزء آخر على شكل "ضرائب".

وبـ "ميزان الدوافع والحوافِز" يَزِن هذا المتبقِّي من "فائض القيمة" عند الرأسمالي أكثر كثيراً مِمَّا يَزِن عند العامِل؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ ما يَدْفَع ويَحْفِز الرأسمالي إلى زيادة وتحسين الإنتاج يَفُوق كثيراً ما يَدْفَع ويَحْفِز العامِل.

في الرأسمالية، وبها، "تَثَلَّث الواحد"؛ فإنَّ الانفصال بين "المِلْكِيَّة" و"العمل" و"الإدارة" حلَّ محلَّ الوحدة (والاندماج) بين هذه الأشياء الثلاثة.

من قبل، كان الشَّخص عينه هو "المالِك" لأدوات عمله، و"المُسْتَخْدِم" لها، و"المدير" لمشروعه الاستثماري؛ وفي "الزراعة"، كان هذا "المُنْتِج (المالِك، العامل، المدير)" هو عينه "المُسْتَهْلِك"، أيْ أنَّ "مُنْتَجه" لم يكن بـ "سلعة". وإنَّ بعضاً من ذاك النظام الاقتصادي ما زال على قَيْد الحياة.

ومن "التجارة"، في المقام الأوَّل، شَرَع "الوسيط" بين "البائع" و"المشتري" يتحوَّل إلى مالِك (كبير) لمالٍ، ينمو، في استمرار، من طريق "الربح التجاري"، الذي ظَهَر إلى الوجود قبل ظهور "فائض القيمة"، والذي كان يحصل عليه التاجر من طريق بيعه بضاعة اشتراها من مُنْتِجها بسعرٍ يقلُّ عن "قيمتها (التبادلية)".

ومع تملُّك التاجِر، أو صاحب "الفوائض النقدية"، لأدوات العمل (والآلات) انفصل "العمل" عن "المِلْكِيَّة"، وانفصلت "المِلْكِيَّة" عن "العمل"، فأصبح العامِل لا يملك، والمالِك لا يعمل، أيْ ظَهَر إلى الوجود "العامِل" المُنْتِج لفائض القيمة و"رب العمل" الذي باستحواذه على "فائض القيمة" يُنمِّي "رأسماله".

وفي "المنافسة الحُرَّة"، وبها، شرعت كفَّة "التركُّز" للرأسمال الصناعي الاجتماعي تَرْجَح على كفَّة "التشتُّت"؛ وتهيأت الأسباب، من ثمَّ، لانفصال "الإدارة" عن "المِلْكِيَّة".

أمَّا "المِلْكِيَّة الرأسمالية" نفسها فَعَرَفَت، بفضل "الأسهم"، تشتُّتاً، ومزيداً من التشتُّت؛ لكنَّ هذا التشتُّت أنْتَج ظاهرة يمكن تشبيهها بـ "نجمٍ عملاق" يدور حوله مزيدٌ، ومزيدٌ، من الكواكب والكويكبات؛ فالجزء الأعظم من الرأسمال ظلَّت مِلْكِيَّته تعود إلى قِلَّة قليلة من الأفراد الذين جَعَلَهم انفصال، وتزايد انفصال، "الإدارة" عن "المِلْكيَّة"، يزدادون طفيلية.

ثمَّ أصبحت "الأسهم" نفسها كـ "السِّلَع"، تُباع وتُشْرى، في الأسواق المالية، يتغيَّر سعرها، صعوداً وهبوطاً، حسب قانون "العرض والطلب"؛ ومن الفَرْق بين "السِّعْرين (سعر الشراء وسعر البيع)" يَنْتُج "الربح" أو "الخسارة".

إنَّها ظاهرة "تَداوُل المِلْكيَّة"، أو "المِلْكيَّة المُتَدَاوَلة"؛ لكنَّ هذه الظاهرة، وعلى وجه العموم، لا تشمل إلاَّ الصِّغار من مالكي الأسهم، والذين، في نشاطهم الاستثماري هذا، يشبهون البدو الرُّحل، ينتقلون من موضع (استثماري) إلى آخر، طَلَباً للسَّهم الذي يتوقَّعون أنْ يعود عليهم شراؤه فبيعه بربحٍ أعظم؛ وهذه الظاهرة في حدِّ ذاتها تَصْلُح دليلاً على استشراء الطفيلية في النظام الرأسمالي.

إذا كان مُمْكِناً، بأداة عملٍ ما، أنْ تُنْتِج شيئاً ما، بجهدكَ، أو عملكَ، الفردي، فإنَّ "المِلْكيَّة الخاصة (الشخصية)"، أيْ مِلْكِيَّتكَ أنتَ، لأداة العمل تلك (وللمُنْتَج أيضاً) تغدو شكل التملُّك الملائم، أو الأكثر ملائمةً، لأدوات العمل (ولوسائل الإنتاج على وجه العموم).

وهذا ما نراه واضحاً جليَّاً في الزراعة والحِرَف القديمة؛ فإنَّ درجة تطوُّر "أداة العمل" هي التي تجيب عن السؤالين: "هل طابع العمل فردي أم جماعي (في المنشأة)؟"، و"هل شكل التملُّك الفردي أم الجماعي هو الملائم، أو الأكثر ملائمةً، لأدوات العمل (في المنشأة نفسها)؟".

افْتَرِضْ أنَّ "المُنْتَج" هو "حِذاء"؛ فأنتَ تستطيع إنتاجه بجهدكَ الفردي الشخصي إذا ما كانت أدوات العمل التي تَسْتَعْمِل بسيطة؛ وإنَّ شكل التملُّك الفردي الشخصي لهذه الأدوات (وللمُنْتَج) هو الملائم، أو الأكثر ملائمةً، لأدوات العمل التي تَسْتَعْمِل.

لكنَّ الحِذاء يُنْتَج الآن بآلات وأدوات عمل أكثر تطوُّراً. إنَّه يُنْتَج بـ "آلة ضخمة مُركَّبة" تسمَّى "مَصْنَع (أحذية)".

وهذه "الآلة الضخمة المُركَّبة" لا يُمْكِنكَ تشغيلها واستعمالها بجهدكَ الفردي؛ فالعمل هنا لا يمكن إلاَّ أنْ يكون جماعياً لا فردياً. قد تَعْمَل في هذا المصنع لإنتاج جزء من هذا المُنْتَج، أيْ الحذاء؛ لكنَّ "المُنْتَج كله"، أيْ الحِذاء كاملاً، لا يُنْتَج إلاَّ بجهد جماعي؛ فهذه الآلة، أيْ المصَنْع، هي التي فَرَضَت أنْ يكون طابع العمل جماعياً؛ لكنَّ "جماعية العمل (المبذول لإنتاج شيء ما)" لا تعني أنَّ شكل التملُّك للآلات يجب أنْ يكون جماعياً (أو اجتماعياً) أيضاً.

إنَّ "العمل" هو دائماً، ومُذْ نشأ، لا يمكن إلاَّ أنْ يكون جماعياً، أو اجتماعياً؛ لكنَّ هذا الطابع الجماعي (الاجتماعي) للعمل لا يخلو، وليس ممكناً أنْ يخلو، من نقيضه، وهو "العمل الفردي"؛ ونحن في حديثنا عن "العمل الفردي" إنَّما نعني طابَع العمل "المباشِر"، والمبذول لإنتاج شيء ما.

وفي الرأسمالية رَأيْنا، ونرى، تطرُّفاً لا مثيل له (تاريخياً) في الشكل الجماعي (الاجتماعي) للعمل، وفي الشكل الخاص (الفردي والشخصي) لتملُّك أدوات العمل ووسائل الإنتاج.

واتِّساع الطابع الجماعي (الاجتماعي) للعمل لا نراه في العمل "المباشِر" فحسب، أيْ في العمل في منشأة بعينها، وإنَّما في العمل "غير المباشِر"؛ فإنَّ إنتاج "حِذاءٍ" الآن هو "عملية تاريخية وعالمية"؛ ذلك لأنَّ أجيالاً وحضارات غابرة، وعمَّالاً وأُناساً من كل قارات وبلدان وأُمم العالم، ساهمت في إنتاجه.

العمل "المباشِر"، والمبذول لإنتاج شيء ما، هو الذي تَرْجَح فيه كفَّة الطابع الفردي تارةً، أو كفَّة الطابع الجماعي طوراً؛ فأنتَ قد تَصْنَع حذاءً بجهدكَ الفردي الشخصي، أو بالتعاون مع عشرات أو مئات الأشخاص (أيْ في المصنع).

ومع شيوع وانتشار ظاهرة "التملُّك بالأسهم"، عَظُمَ، أو شرع يتعاظم، "الحجم المُطْلَق" للمالِكين الفرديين للرأسمال في منشأة صناعية؛ فهذا الرأسمال يتقاسمه الآن، في شكل أَسْهُمٍ، العشرات والمئات والآلاف من الأشخاص؛ لكنَّ هذه الظاهرة، وعلى أهميتها، لا تعني، ويجب ألاَّ تعني، أنَّ الرأسمالية قد تحوَّلت إلى "رأسمالية شعبية"؛ فإنَّ الجزء الأكبر من الرأسمال في المنشأة الصناعية (وفي الصناعة على وجه العموم) ما زال مُلْكاً لقلَّة قليلة من الأفراد، وما زالت "سُلْطة القرار"، من ثمَّ، في أيدي هؤلاء. حتى المُدراء، وكبار المُدراء، لا يملكون من هذه السُّلْطة إلاَّ ما تمنحهم إيَّاه تلك الأقلية المالِكة لمعظم الرأسمال، والتي هي الآن، ولجهة عِظَم سلطانها المالي والاقتصادي، تُعدُّ "أُوتوقراطية اقتصادية".

صِغار مالكي الأسهم، وعلى كثرتهم، وتكاثرهم، إنَّما يشبهون "البدو الرُّحَّل"، يواظِبون (في البورصة) على بيع ما لديهم من أسهم لشراء غيرها، منتقلين، في استمرار، من سهم إلى آخر، ومن منشأة إلى أخرى، طلباً لربحٍ، يأتيهم من الفرق بين سعري الشراء والبيع.

إنَّهم يزاولون نشاطاً استثمارياً لا يخلقون فيه لا "قيمة"، ولا "ربحاً"؛ فربح أحدهم إنَّما هو نفسه ما تكبَّده الآخر من خسارة، وهذا إنَّما يعني أنَّ الثروة المالية الموجودة على شكل أَسْهُمٍ، تُباع وتُشْرى، في البورصات، لا تزيد، ولا تنقص؛ لأنَّها (أو ما دامت) غير مستثمَرة حيث تُخْلَق "القيمة"، و"فائض القيمة".

"نفي الرأسمالية" إنَّما هو الآن، أو مازال، "ضرورة تاريخية (وإنسانية وحضارية وأخلاقية)"؛ لكنَّ معنى هذا "النفي" هو ما يجب أنْ يكون مدار تفكير ثوري إبداعي.

وأحسبُ أنَّ التأسيس، نظرياً، لـ "نظام حوافز جديد" للمُنْتِجين، أفراداً وجماعات، هو ما ينبغي للمنادين بنفي الرأسمالية أنْ يسعوا إليه، ويجتهدوا فيه.

بدايةً، يجب أنْ يُفْهَم "نفي الرأسمالية" على أنَّه نفيٌ قانوني وواقعي (متدرِّج) لكل رأسمال، أيْ لكل "قيمة تنمو من طريق فائض القيمة"؛ فـ "الإلغاء" يشمل كل "مِلْكِيَّة خاصة (فردية، شخصية) يَثْرى صاحبها من طريق عمل أناسٍ لديه بالأجرة"؛ فـ "العمل المأجور" في منشأة مملوكة مِلْكيَّة خاصة هو ظاهرة يجب تحريمها، وحظرها، قانونياً.

أمَّا المنشآت المملوكة مِلْكِيَّة خاصة، أكانت مِلْكِيَّة تخصُّ فرداً، أو مجموعة من الأفراد، ولا تقوم على شيءٍ من "العمل المأجور"، فليست بالمشمولة بـ "نفي الرأسمالية"؛ فالتملُّك الرأسمالي هو جزء من مفهوم التملُّك الخاص؛ و"الجزء" لا يَعْدِل "الكل".

إذا كان الإنتاج، أو النشاط الاقتصادي، ممكناً بـ "مِلْكِيَّة خاصة" تخلو من "العمل المأجور"، فلا بدَّ، عندئذٍ، من استثنائه، قانونياً وواقعياً، من عملية "نفي الرأسمالية".

وهذا "الاستثناء" يشمل، أيضاً، ويجب أنْ يشمل، كل المنشآت والمؤسسات الاقتصادية التي تملكها "الدولة" باسم المجتمع أو الأُمَّة، مع جعلها أكثر خضوعاً للرقابة الشعبية، ولممثِّلي الأُمَّة، وبما يحفظ ويُعزِّز أكثر حقوق العاملين فيها، ويقيها شرور الفساد البيروقراطي، ويَحُول بين المُدراء وبين الثراء غير المشروع، ويُنمِّي الإنتاج، ويُحسِّن ويُجوِّد نوعية المُنْتَج، جاعلاً إيَّاه أكثر صداقة للبيئة، وملبِّيَّاً لحاجات إنسانية عامَّة وحقيقية.

والمِلْكِيَّة الاقتصادية لـ "الدولة" لن تغدو مِلْكِيَّة للأُمَّة وللمجتمع بأسره إلاَّ إذا غدت الدولة نفسها مِلْكِيَّة سياسية عامَّة، أيْ للأمَّة وللمجتمع بأسره؛ وهذا لا يأتي من طريق إلغاء النظام الديمقراطي المعمول به الآن في دول الغرب الرأسمالي، وإنَّما من طريق إصلاحه وتحسينه وتوسيعه وتأصيله.

لقد تطوَّرت الرأسمالية في الغرب بما أفْقَد الرأسماليين "الحافِز"، أو "قوَّة الحافِز"، إلى تطوير منشآتهم الصناعية؛ فـ "الإدارة" التي يُعيِّنها هؤلاء هي التي تتركَّز فيها الآن "الحوافز القوية (والأقوى)"، وهي التي لديها من الاختصاص (في عِلْم الإدارة) والخبرة والكفاءة ما يؤهِّلها لقيادة، وإدارة، وتوجيه، وتسيير، منشآت الرأسماليين، الذين ازدادوا طفيليةً، ولا صلة تربطهم بمنشآتهم ورؤوس أموالهم المستثمَرة إلاَّ "الرِّبح"، يجبونه جبايةً، وكأنَّه ذهب وفضة تُمطرهما السماء؛ فالمالِك (في الرأسمالية، وبها) أصبح لا يَعْمَل؛ لكنَّه ظلَّ يدير؛ ثمَّ أصبح لا يدير؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ المجتمع يستطيع الآن الاستغناء عن "الخدمات التاريخية" للرأسماليين.

إنَّ نظاماً جديداً مُجْدياً للحوافز يجب أنْ يضعه المجتمع، ويشمل العمال والموظفين والمدراء والمنشآت والمؤسَّسات؛ فلكل فرد، وجماعة، ومنشأة، ومؤسَّسة، يجب أنْ يكون له، ولها، مصلحة حقيقية في زيادة الإنتاج، وتحسين وتطوير نوعية المُنْتَج؛ ولا بدَّ للفروق في الأجور والرواتب والدخول من أنْ تُتَّخَذ أساساً لنظام الحوافز الجديد.

والسؤال الذي يتحدَّى دعاة نفي الرأسمالية أنْ يجيبوا عنه إنَّما هو الآتي: كيف نؤسِّس لنظام حوافز عام شامل يسمح بجعل نفي وإلغاء الرأسمالية مَدْخلاً إلى زيادة الإنتاج وتحسين وتطوير نوعية المُنْتَج؟

ولا شكَّ في أنَّ الإبقاء على شيء من "السوق الحُرَّة" يمكن أنْ يساهم مساهمة جليلة في جَعْل نفي (والمضي قُدُماً في نفي) الرأسمالية أمْراً ممكناً، واقعياً، قابلاً للتحقيق، ضرورياً، ومفيداً.

ولا شكَّ، أيضاً، في أنَّ كل تَفَوِّقٍ للمجتمع الجديد سيَرْفَع منسوب الطوباوية في فكرة "إعادة الرأسمالية"؛ وسيجعل أصحاب هذه "الفكرة"، ومؤيِّديها، الذين تتَّسِع لهم، ولا تضيق بهم، ديمقراطية المجتمع الجديد، يزدادون اقتناعاً بأنَّ "السياسة (والثقافة والفكر..)" لن تُحيي ما أماته "التاريخ"، وتأكَّد للبشر انتفاء حاجتهم إليه.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراعٌ يَصْرَع الأوهام!
- خَبَرٌ صغير!
- .. إلاَّ انتخاب شفيق!
- مصر.. عودة الوعي وعودة الرُّوح!
- -الحولة-.. صورة حاكمٍ وسُورة شعبٍ!
- -الرَّائي- و-المرئي- في -الرؤية الكونية-
- -العقد شريعة المتعاقدين-.. أهو مبدأ ل -السرقة-؟!
- حتى لا ينتصر شفيق وتُهْزَم مصر!
- إنَّها -المستحيلات الثلاثة- في الكون!
- التفاعل بين -المادة- و-الفضاء-
- في فلسفة اللغة
- فساد الكِتَابة!
- لويس السادس عشر يُبْعَثُ عربياً!
- فكرة -الرُّوح- وكيف شَقَّت طريقها إلى رأس الإنسان
- مرَّة أخرى وأخيرة في محاورة -أعداء ماركس-!
- أعداء ماركس.. على هذه الشاكلة!
- -موتى- يَنْعُون -الماركسية-!
- في -حُرِّيَّة التعبير-
- دَعْهُمْ يَخْتَبِرون أوهامهم!
- -المجلس العسكري- يخوض -معركة الرئيس-!


المزيد.....




- هتكسب أضعاف الفلوس اللي معاك في شهر واحدة بس .. مع أفضل 6 شه ...
- حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة
- -قضية الذهب الكبرى-.. قرار جديد من هيئة مصرية بحق رجل الأعما ...
- ستاندرد أند بورز? ?تخفض تصنيف إسرائيل طويل الأجل 
- اعملي ألذ صوص شوكولاته للحلويات والتورتات بسيط جدا واقتصادي ...
- تباين أداء بورصات الخليج مع اتجاه الأنظار للفائدة الأميركية ...
- صندوق النقد: حرب غزة تواصل كبح النمو بالشرق الأوسط في 2024
- لماذا تعزز البنوك المركزية حيازاتها من الذهب؟
- كيف حافظت روسيا على نمو اقتصادها رغم العقوبات الغربية؟
- شركات تأمين تستخدم الذكاء الاصطناعي لرصد عمليات الاحتيال


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - حتى يصبح -نفي الرأسمالية- هدفاً واقعياً!