أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عارف معروف - الانتهازية ..... والعلاقة بين الفطري والمكتسب . (5)















المزيد.....

الانتهازية ..... والعلاقة بين الفطري والمكتسب . (5)


عارف معروف

الحوار المتمدن-العدد: 3750 - 2012 / 6 / 6 - 20:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




قد يعتقد البعض ان الانتهازية سلوك مخالف للطبيعة البشرية ، لكن العكس هو الصحيح !
نعم انها صفة مذمومة .وسلوك مدان وفق قيمنا الاخلاقية المعاصرة . ومتدني بمعيارها الذي يعتمد مباديء الصدق والشرف والنزاهة والشجاعة واحترام الرأي والمعتقد ... الخ ويعلي من شأنها . لكن معيار القيم هذا ومستوى المطالب الاخلاقية الذي يعتمده مسألة حديثة نسبيا اذا قيست بعمر البشرية .
كانت بداية الانسان محض غرائزية . وقد حكمت سلوكه الدوافع الاولية والحاجات الحيوية الضرورية وتحكمت به لازمان طويلة جدا . قبل ان تنمو وتتبلور وتتطور مانسميه اليوم قيم انسانية واخلاقية ودينية وسياسية ... الخ . فمما يلاحظ في الحيوان، مثلا ، ان حاجاته محض غرائزية . وترتبط بضرورات وجوده ولا تنطوي على اية قيمة فكرية او اخلاقية . كذلك يلاحظ الامر في سلوك الاطفال حديثي الولادة والذين تدفعهم اما حاجاتهم المادية المباشرة الى الطعام او العاطفية الى الحنو او مخاوفهم الى الصراخ ويدفعهم تطمينها الى الرضا والابتسام . وما ان يدرج بنو الانسان في مراحل اعمارهم الاولى حتى يكتسبوا من خلال المجتمع و لبنته الاساسية ، العائلة ، كما هو معروف ، محددات وقيم السلوك وبصورة تدريجية .
وظاهرة السلوك الانتهازي في مراحل الطفولة الاولى امر معروف ليس لدى المختصين النفسيين والاجتماعيين حسب بل وسائر الناس وهي، غالبا ، تثير تندر وضحك وربما اعجاب الكبار . فمن المعروف لدى امهاتنا وجداتنا مثلا ، ان البنت الصغيرة ، متملقة ، تتحبب الى ابيها( السلطة ) بشتى الوسائل ، خصوصا بازاء ولد او اولاد منافسين . ويجري مجرى المثل لدينا القول بان البنت " ملا ّقة " اي متملقة اي انتهازية بمعنى آخر ! ولكن هذا الامر لايحصل في حقيقة الامر لدى كل بنت صغيرة . وانما لدى البنت في منافسة الولد . حيث ان ذكورية مجتمعنا تجعل للولد الذكر مكانة ارقى ، خصوصا لدى الاب . ولذلك فهو..." الولد الذكر ".. مكتفي بذاته .لان مجرد ذكوريته تستدعي اعجاب وتقدير الكبار " الاهل " . اما البنت فهي لابد وان تبذل قصارى جهدها في منافسة غير متكافئة من هذا النوع وتبدي ضروب الشيطنة وفنون القول والسلوك لتحصل على الاعجاب وما تعتقده القبول والحب .
لذلك يمكن القول ان الانتهازية سلوك متدني يرتبط بنكوص الانسان الى مراحل سالفة في تطوره ومستواه . وهي تظهر وتتسع بل وتتعمم في كل مكان ووقت ترتد الظروف المحيطه به الى مستوى يحط من انسانيته ويجعل معيار القيم ومدى احترامها متدنيا لديه . والعكس صحيح . والظروف التي تحط من مستوى الانسان هي كل ما يرتد به الى مستوى الغرائز الاولى والضرورات الحيوية وينزع عنه صفته الانسانية او يثلمها او يهددها تهديدا جسيما . فالكوارث الطبيعية والمجاعات ، والحروب ، والطغيان، والرعب العام .. الخ ، جميعا تحط من قدر الانسان وتشيع الضعة والهوان لديه . وتهدد القيم الاخلاقية ولمثل السامية والسلوك المرتبط بها باعتبارها طبائع مكتسبة وليست غريزية . اذ انها ، جميعا ، ترتد بالانسان الى مرحلة البحث والتنافس الضاري في سبيل تطمين اكثر حاجاته ضرورة على الاطلاق ... البقاء !
تشير بعض المصادر التاريخية الى ان الناس ، في بعض مجاعات واوبئة بغداد اضطروا الى قتل واكل الكلاب والقطط حينما نفذ ما لديهم من طعام اولا ثم انتهوا مع تقدم القحط الى قتل واكل الصغار وبضمنهم بعض اطفالهم !! وهي صورة مروعّة لايمكن ان يتقبلها او حتى يتصورها .. بشر في حالته السوّية . ولكنها حصلتْ! .( والمثل العراقي القديم يقول .. لو جاك الفيض .. حط وليدك حدرك " ...بمعنى ان نجاتك من الفيضان والسيل المغرق القادم اذا تطلبت ان تعتلي جسد ابنك وتغرقه ، فافعل )!
من جهة اخرى ، تعتمد التربية العائلية والاجتماعية ، لدينا ، وسواء تعلق الامر بالاولاد او البنات على المنع والتعنيف وفرض منطق القوة دون مبالاة كثيرة بالتفسير او الاقناع . رغم انها تعتمد معيار قيم ليس عاليا فحسب بل ومثاليا ، وغالبا ما يعجز عن الالتزام به وبمحدداته الكبار انفسهم . وهذا ما يقنع الصغار ، بالتجربة المباشرة ، بزيفه وامكانية خرقه او الالتفاف عليه ! خصوصا وان التربية لدينا تعول كثيرا على النصح والارشاد والوعظ الكلامي ، الذي لايفهم منه الاطفال شيئا ويبقى مجرد كلام .
الاطفال والصغار، في الواقع ، يتعاملون مع ويتأثرون بالسلوك الفعلي وانطباعاتهم المباشرة عنه . ولا تعنيهم الكلمات . مهما كانت كبيرة او جميلة ، ابدا . ان الام التي تخاف الظلام او ترتعد من حشرة صغيرة ينعكس خوفها ورعبها مباشرة على طفلها . ويقترن ، الى الابد، بموضوع الخوف . ولا تفلح كلمات وشروح الام ،لاحقا، في ازالة هذه المخاوف . والاب الذي يفخر بانه غلب فلان واحتال على علان سوف لن يجد بانتظاره الا طفلا محتالا سيحتال عليه ويغلبه هو نفسه. لانه قدوته ومثله الاعلى . وهو يقرأ سلوكه الفعلي ويقتدي به ولا يبالي بكلماته المخاتله ابدا !
الاطفال يقرأون السلوك مباشرة ويتأثرون بالانطباعات التي تنعكس اوتنتج عنه . بل ويقرأون مابين السطور فعلا . ولا يفلح الكبار ،ابدا ، في اخفاء حقائق سلوكهم ومضامينه الحقيقية ، مهما احتاطوا ، وهذا ما ادركته بصورة جزئية، ومن خلال التجربة العملية ، جداتنا وامهاتنا فعبرن عنه بان الطفل " يلقط "! اي انه يلتقط الخفايا والخبايا في السلوك اليومي للكبار مهما تضائلت ومهما حاولوا تمويهها !
يمارس الناس في مجتمعنا مبدأ الثواب والعقاب كحافز او رادع ليس على اساس الالتزام الحقيقي بمعيار القيم والسلوك بل على الهفوات وقلة الحيلة في اخفاء نتائج الفعل الخاطيء ، فالام تقرع ابنها الذي يعلن انه .. هو من رمى الحجر الذي تسبب بكسر زجاج نافذة الجيران او المدرسة . وتصفه بالغبي وقليل الحيلة ويفعل الاب اشياء مشابهة في مواقف كثيرة . بل ويمتحدون ابناءهم ويطرون سلوكهم ويبدون آيات اعجابهم الظاهر او الخفي ، والذي لايغيب عن ادراك الطفل ابدا ، كلما " تشيطن " الصغير وابدى من "المكر" القدر المميز !
يرافق هذا الاعداد العائلي ويتممه اعداد اجتماعي يتم في المدرسة والشارع والزقاق والمحلة والقرية والعشيرة والجيش ومكان العمل ، كل هذه الاطر تعتمد ذات المبدأ وتعزز نفس النوع من السلوك .( شاع خلال الحرب العراقية الايرانية واثقال كاهل الناس بالمشقة ، مثلا ،سلوك التحايل في انجاز الاعمال وبرزت للاستعمال على نطاق واسع المفردة الشعبية ، المناسبة ..." يسخّتْ " وهي من المفردة الفارسية " ساخت " التي تعني صنعة او حيلة ... كذلك كان العرب يصفون المهنه والفن بالاحتيال .. والاسم الشعبي منها ... (ساخته جي) ! حيث اضطر الناس الى "التسخيت" خصوصا وان الجهود المضنية والمعاناة السقيمة ، التي لاناقة لهم فيها ولا جمل ، اتسمت بسمة السخرة من قبل السلطة الغاشمة .
ان هذا النوع من الاعداد الاجتماعي يهيء الافراد والجموع لان يكونوا عبيدا ، لعانين، شتامين، محتالين . ولكن، وفي نفس الوقت ، رعاديد وخاضعين ويفتقرون الى جرأة القول وشجاعة الموقف. وهي ارضية مناسبة تماما لظهور الطغيان والاستبداد!
ان الطغيان والاستبداد، بدورهما ، احد اهم الاسباب في شيوع السلوك الانتهازي خصوصا اذا ما اقترنا من جهة اخرى ، مقابلة ، ببذل المكاسب والمغانم غير المشروعة في حالة الموالاة . فاذا كان الحاكم طاغية مستبدا يحكم وفق اهواءه دون ان يقيد سلوكه او رغباته ضابط ، "وهو النموذج الشائع في الحاكم لدينا والذي تطرف الى اكثر صوره فجاجة تحت حكم صدام حسين" . ويتحكم في المال العام وامكانات الدولة على هواه ، يغرق من يستلطفه ويرضى عنه بالنعيم ويزج بمن لا يرضيه في اتون الجحيم . كثر التملق وسادت المداهنة وعمت الانتهازية والموالاة دون قيد او شرط او التظاهر بها . وشاع الزيف وفسدت مظاهر الحياة الانسانية برمتها وانحدر وتدنى معيار القيم الاجتماعية والاخلاق جراء ذلك كله . اما في حالة الديمقراطية الحقة و سيادة القانون واحترام حقوق الانسان والمساواة بين الناس في الحقوق والواجبات فيحصل العكس، اذ يرتقي شعور الناس بانسانيتهم ويرتفع لديهم معيار القيم ويزدهر التزامهم بالقيم الانسانية النبيلة على قاعدة اطمئنانهم الى سلوك سوّي يسود المجتمع وفرص متكافئة تعم افراده على اساس قدراتهم الفعلية ! .... وللحديث صلة.



#عارف_معروف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانتهازية والسلطة في العراق ...رجال لكل العصور !
- رزكار عقراوي .. دعوة مخلصة ولكن!
- مع السيد عصام الخفاجي في -ثورات الربيع العربي وآفاقها- اكبر ...
- الانتهازية والسلطة في العراق ... من اجل فك الاقتران !(3)
- الانتهازية والسلطة في العراق... من اجل فك الاقتران ! (2)
- الانتهازية والسلطة في العراق... من اجل فك الاقتران ! (1)
- الثورة الشعبية في سبعة ايام وبدون معلم !
- محلل ... سياسي !!
- ليلة زفاف - صمود مجيد - !
- ماكنة الدعاية البعثية الغوبلزية ...هل هي سبب معاناة العراقيي ...
- سرطان الفساد يهدد مستقبل ووجود العراق ... هل ثمة امل ؟ الجزء ...
- دولة المواطنة ضمانة الشعوب ضد التمييز القومي والديني
- سرطان الفساد يهدد مستقبل ووجود العراق ....هل ثمة امل ؟ ..... ...
- ثورات العرب ضد عيدي امين داده!
- العراق ينتج السيارات وسيصدرها الى دول المنطقة! الضحك على الذ ...
- ميكافيللي المسكين !
- هادي المهدي... فزت ورب الكعبة!
- هل سيزهر ربيع العرب؟
- الحوار المتمدن..........عروة وثقى!
- عندما يصبح البعثيون طليعة المقاومة الوطنية الساعية لتحرير ال ...


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عارف معروف - الانتهازية ..... والعلاقة بين الفطري والمكتسب . (5)