أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - السياسة في معناها















المزيد.....

السياسة في معناها


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3750 - 2012 / 6 / 6 - 18:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إذا كانت السياسة حسب حنا أرنت تعني بكل بساطة: الحرية، فإنها لدى فلاديمير لينين كانت: التعبير المكثف للاقتصاد، وهي شكل من أشكال الصراع والاتفاق، وهي فن الممكن كما يُقال، أما في فهم ابن خلدون فهي “صناعة الخير العام”، وهذا الأخير أمانة وتفويض ومحاسبة، وحسب أرسطو فالسياسة نشاط إنساني يهدف إلى تحقيق الخير العام لجميع أفراد المجتمع، وبهذا الفهم، فالسياسة تعني “علم إدارة الدولة” الذي ينبغي أن يقترن بالأخلاق وبعنصر الخير، لكن واقعنا الحالي، يبتعد عن ذلك كثيراً، لاسيما بانخفاض درجة الوعي السياسي والحقوقي والاجتماعي .

لعل الأمر أعقد كثيراً من تلك البساطة التي تقوم على الثنائيات: الداخل والخارج، الديني والعلماني، المقاوم والمستسلم، لاسيما إزاء بعض ردود الفعل العاطفية، تلك التي تلعب على المشاعر وتقوم بالتحشيد الطائفي والشحن المذهبي والبحث عن الأسود والأبيض في ظل انقسام مجتمعي وجهل سائد وفقر مدقع وهيمنة جميع عناصر التضليل، وفي ظل غياب الديمقراطية لعقود من الزمان وشحّ الحريات وخصوصاً حرية التعبير .

هكذا لاحظنا كيف انقسمت النخبة بين استمرار الحصار على العراق أو إدانته، وبين ضرب العراق بزعم مخالفة حكامه السابقين لحقوق الإنسان ولممارساتهم الإرهابية، وبين رفض ذلك وأحياناً الدفاع عن “براءة” النظام العراقي، وفيما بعد بين تأييد احتلال العراق أو الوقوف ضده، وليس غريباً في ظلّ الثنائية التبسيطية أن نشهد مزايدات كلامية ينخرط فيها كلا الفريقين، من دون النظر إلى التحوّلات التي شهدها المجتمع العراقي في ظل الحروب والحصار والاحتلال .

والأمر يحتاج إلى إعادة قراءة للواقع العراقي في السابق والحاضر، لاستشراف آفاق جديدة، تتعلق برصد التحوّلات والتغييرات التي شهدها المجتمع والقوى والفئات السياسية والاجتماعية، ودور ذلك في بلورة رؤية سياسية ثقافية اجتماعية جديدة، وليس بعيداً عن ذلك التداخل الخارجي الإقليمي والدولي، لاسيما في الحروب أو الحصار أو الاحتلال، وفي ترتيبات ما بعده: من العملية السياسية، إلى شكل الدولة: بسيطة أم مركبة، إلى الدستور، والانتخابات والاتفاقية الأمنية العراقية- الأمريكية لعام 2008 واتفاقية الإطار الاستراتيجي التي لاتزال مستمرة، والمشكلات التي رافقتها من موضوع الفيدرالية وحساسية كركوك والمادة 140 ومسألة النفط، إلى اصطفافات القوى والتقاسم الوظيفي والمحاصصة التي قامت على أساس مذهبي- إثني، وما أطلق عليه “ حكومة الشراكة” ومبدأ التوافق وغير ذلك .

إن التناول البعيد عن العواطف مسألة لا تخص السلطة الحاكمة وحدها أو معارضتها، بل على الجميع كقوى سياسية ومجتمع مدني رصد حركة ما جرى ومسارها من خلال التطور الذي حصل في المجتمع، لاسيما الجانب الحقوقي، وخصوصاً في ما يتعلق ببعض الحقوق التي أصبحت جزءًا لا غنى عنه للتطور السياسي والاجتماعي، والأمر يحتاج أيضاً إلى فحص الخطاب الطائفي من كلا الفريقين وتطوره والممارسات التي قام بها خلال ما يقارب من عقد من الزمان، وحتى قبل ذلك بعقدين في مقاربة أساسها “من هو العراقي؟”، ولعل هذا كان عنواناً لكتاب صدر لنا في العام 2002 .

والأمر يتعلق أيضاً بدور المرأة ومشاركتها والقوانين الناظمة لعلاقاتها وحقوقها وارتباط ذلك بالاتفاقيات الدولية التي تمنع التمييز وتناهضه، لأنه يتعلق بصلب السياسة وخصوصاً التمييز بمعناه الاقتصادي والاجتماعي والديني والثقافي والقانوني والحقوقي والتربوي والوظيفي والنفسي وغير ذلك .

ويعتمد الأمر أيضاً على درجة الوصول إلى العدالة الحقيقية، لاسيما في الفترة الانتقالية، لكيلا يتم طمس الحقائق بحجة أنها من الماضي، والهدف من ذلك ليس نكء الجراح، بل تطهير النفوس وتهيئة الأجواء لاستعادة المجتمع عافيته ووحدته وتماسكه وسلامه الاجتماعي .

لا يكفي تبويس اللحى، فما حصل كان أمراً عظيماً حيث مورس الاستبداد على مدى عقود من الزمان، كما أن ما حصل من تهجير في السابق والحاضر، لاسيما بسبب التطهير الطائفي والمذهبي والإثني، ينبغي دراسته والاستماع إلى شهادات لعراقيات وعراقيين عن معاناتهم بما حصل وكيف حصل، بهدف تجاوز الأحقاد والضغائن والكراهية والانتقام والثأر، وأخذ كل ذلك بروح التسامح والسلام الاجتماعي والوحدة الوطنية، وبناء المستقبل بدلاً من الاستغراق في الماضي حسب تعبير نيلسون مانديلا عن تجربته المثيرة في جنوب إفريقيا .

والأمر يحتاج إلى معالجات قانونية، ودستورية، وتشريعية، وبناء تربوي جديد وإعادة النظر بالمناهج وأساليب التدريس والتعاطي مع الآخر، الغير، المختلف، من باب التعايش والاعتراف والإقرار بالحقوق، والتنوّع والتعددية، كما لا ينبغي النظر إلى ذلك باعتباره منّة أو هبة أو هديّة من أحد، حاكم أو محكوم، من موقع السلطة أو من موقع معارضتها .

إن النموذج العراقي في ممارسة السياسة اليوم يعطينا فسحة من التأمل والواقعية، في رؤية جديدة أساسها الثقافة وهذه لا يمكنها الازدهار من دون الحرية، في إطار تطور مجتمعي، فضلاً عن دور الإعلام “المعولم” الذي يفتح أفقاً جديداً للحرية بغض النظر عن الوجه الآخر المتوحش، وذلك في ثورة لا حدود لها لتكنولوجياته وقنوات اتصاله والمعارف التي يمكن أن يضخّها، لاسيما في الفضائيات و”الفيسبوك والتويتر والإنترنت والهاتف الجوال”، تلك التي لعبت دوراً مهماً في الربيع العربي . ومثل هذه القراءة الجديدة تتطلب إعادة النظر بفكرة الثورة ذاتها التي انطلقت من دون قيادة مسبقة ومن دون أيديولوجية محددة، والتي جعلت الناس في موقع القرار، من دون زعيم معبود يصل إلى حد القداسة، بحيث يكون وجوده السبب الأساس في النجاح والانتصار .

إننا بحاجة إلى إعلام يرشد إلى الجمال والخير والسلام، في إطار رؤية ثقافية تقوم على تعدد الأمم والشعوب والأديان والقوميات واللغات والسلالات والتوجهات والانتماءات، والاّ فإن نقيضها سيغذي عناصر الاحتراب والاقتتال والصراع .

وإذا كان الأمر عراقياً قد تجلّى باختلافات بين حق الفرد وحق المجموع، الأول في التمتع بالحرية ولاسيما حرية التعبير والتفكير وهو حضور لم يكن يعرفه العراقي قبل الاحتلال، وإن كان الأمر لا يخلو من فوضى ومن إرهاب سياسي وتداخلات إقليمية ودولية، والثاني بين حق المجتمع في الوصول إلى حقيقة ممارسة حريته الجماعية، بالتحرر والانعتاق والتخلص من الاحتلال .

وقد ناقش البعض في الحقل الأول وترك أو أهمل أو برّر الحقل الثاني، في حين ناقش البعض الآخر بالحقل الثاني واستصغر أو قلل من شأن الحق الأول، في حين أن الأول دون الثاني سيكون قبولاً للاستتباع، أما الثاني دون الأول فسيكون إعادة للاستبداد، وليست المزاودة على الوطنية أقل شأناً من ذلك، فالأول ينتقص من وطنية من يعارض الاحتلال، بحجة أنه يريد إبقاءه أو أنه يؤيد الإرهاب أو الدكتاتورية السابقة، والثاني يدين من قَبِلَ بالتعاون معه، ويزدري الحريات الفردية .

وقد نسي الفريقان أن الفرصة التاريخية اليوم سانحة لتقديم أطروحات معمّقة عن المجتمع العراقي والتحوّلات التي طرأت عليه ومواقفه من الحريات العامة والفردية، وموقفه من موضوع الحريات الجماعية بما فيها حق تقرير المصير، وفي أي إطار يمكن أن نضعها ونتعاطى معها، ولعل هذه الفرصة تتطلب قراءة نقدية للماضي والحاضر .

والأمر ينطبق على مفهوم الإرهاب الدولي، فالبعض عدّ كل فعل مقاوم للاحتلال، طالما هو لا يقرّه، إنما هو عمل إرهابي، في حين أن هناك من تواطأ مع العمل الإرهابي بالسكوت عنه أو تسهيل مهماته، كما حصل مع تنظيمات القاعدة، طالما هي ضد الحكومات التي تعاونت مع الاحتلال أو نشأت باعترافه وإقراره لصيغة المحاصصة .

ولعل تلك التضادات طرحت إشكالية فهم الثقافة السياسية السائدة التي لا تعني العراق وحده، بل انعكست على العالم العربي كلّه، بحيث انقسمت النخب العربية: مع الحصار، ضد الحصار، مع أوسلو، ضد أوسلو، مع حماس، ضد حماس، مع حزب الله، ضد حزب الله، مع بشار الأسد، ضد بشار الأسد، وهكذا ضاع المنهج النقدي الوضعي للتناول، والأمر لا يشمل الإسلاميين من الطرفين، بل القوى القومية أيضاً، وضمناً قوى اليسار الماركسي التي ضاعت في خضم هذه الثنائيات التي ظلّت تُلاك لعقود من الزمان: الصراع الأساسي والصراع الثانوي، والصراع اليوم بين الإسلاميين والعلمانيين أم بين الاحتلال وخصومه، وتجري محاولات تفضيلية وتجزيئية لطبيعة الصراع على نحو مدرسي، وأحياناً لا يخلو من اصطفافات مصلحية سلفاً بالقرب من هذا الفريق الحاكم أو ذاك أو لتأمين مصالح خاصة .

ولعب ضعف الثقافة السياسية والحقوقية وقلّة التأهيل دوراً كبيراً في استمرار مثل هذه الأطروحات وفي تغذيتها، وقد اختارت بعض أعداد من المثقفين بمن فيهم العرب القرب من الحاكم أو من خصمه في ظل ضياع رؤية أو فقدان أمل أو انعدام فرص، ولعل ذلك وجه آخر للسياسة في معناها السلبي .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة-*الجزء الثاني
- الحق في الجمال
- الأسرى الفلسطينيون والوعي النقدي المطلوب!
- المساءلة والحقيقة في بعض تجارب العدالة الانتقالية
- المفكر السيد الصدر حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة*( ...
- اشتراكي جديد في قصر الإليزيه
- الهوّية وأدب المنفى !
- الدولة البسيطة والدولة المركّبة
- الربيع العربي والأقليّات
- ليبيا: الفيدرالية المدنّسة والمركزية المقدّسة
- مواقف خاطئة للحزب الشيوعي
- القضاء الدولي والقضاء الوطني: علاقة تكامل أم تعارض؟
- نقد قيادة الحزب الشيوعي
- 50 مادة في الدستور العراقي تحتاج الى إصدار قانوني
- مواطنة -إسرائيل-
- عن ثقافة التغيير
- رسالة الى الحزب الشيوعي السوداني
- نعمة النفط أو نقمته في الميزان الراهن
- السياسة والطائفة
- حقوق الإنسان والمواقف السياسية


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - السياسة في معناها