أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أشواق عباس - الملـف النفطـي في العراق















المزيد.....



الملـف النفطـي في العراق


أشواق عباس

الحوار المتمدن-العدد: 1098 - 2005 / 2 / 3 - 10:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يشكل النفط العراقي دون كل حقول النفط في الدنيا ملفاً مليئا ً بالأسرار و الغوامض و الفضائح ، فمن الاستخدام السيئ للثروات الهائلة من قبل النظام السابق إلى فضائح كوبونات النفط و رشاوى المسئولين وصولا ً إلى مليارين و نصف المليار من الدولار سحبت لتغطية مصاريف الاحتلال و القنبلة التي فجرها الدكتور احمد الجلبي عندما أكد وجود سرقة لأموال النفط العراقي من قبل سلطة برايمر و التي أدت إلى مداهمة مكاتبه و التفتيش عن وثائق خاصة بالتحقيقات في هذه القضايا . كل هذا و المسلسل لازال يفاجئ الجمهور بحلقات جديدة ، فالسيد بحر العلوم يؤكد سرقة 250 مليون دولار وكميات كبيرة من الزئبق ،فيما تتحدث الوكالات عن إيداع مبلغ 1/11 مليار دولار في صندوق التنمية العراقي و اختلاف الرقم بين جهة و أخرى حيث تقول البي بي سي عنه 4/10 مليار دولار . فإذا كان نقـل رقـم موقـع سلطـات الاحـتلال على الانترنيت بين رويترز و البي بي سي يتفاوت بينهما بمقدار 700 مليون دولار ، فأين ذهبت هذه الأموال و من هي الجهات التي تمتلك التأثير الفعال في الملف النفطي في العراق خصوصا ً و أن سلطات الاحتلال لا تنقل الأسعار و لا العقود و لا أي تفصيل غير إيداع الأموال بصندوق التنمية ؟
و هل توجد جهة عراقية تعلم بحقيقة ما يجري بشأن النفط العراقي ؟ ومن هي و لم لا تتحدث ؟ وكيف سيكون الوضع في الفترة القادمة بعد تسلم السلطة من قبل العراقيين ؟ للإجابة على كل ما سبق نقول :
أولا : النفط العراقي يُسيل اللعاب الأميركي

بالرغم من ظروف الحصار والحروب التي مر بها البلد وما أعقبها من أحداث أصابت الصناعة النفطية بالدمار والخراب ، من دون مغالاة أصبح العراق متميزاً بين معظم الدول المنتجة والمصدرة للنفط وذلك لاجتماع عدة مميزات فيه ندر اجتماعها جميعا في دولة أخرى منها:
ضخامة الاحتياطي النفطي فمخزونه النفطي هو ثاني أكبر مخزون احتياطي في العالم حيث يقدر بـ (11%) من احتياطيات النفط العالمية المؤكدة ، و هو ما يعني أكثر من 115 مليار برميل ، و (300) مليار برميل غير مؤكدة ، وتنوع طبيعة نفطه من الثقيل جداً إلى الخفيف جداً، إضافة إلى أن عمر النفط العراقي يتخطى حاجز الـ(250) سنة بالمعدل المتوسط للإنتاج الذي سيتراوح مابين (3-5) مليون برميل/يوميا، حسب (نموذج كينج هيوبرت) و هو يتجاوز بذلك عمر النفط السعودي الذي لا يتجاوز 88 سنة كما هو مقدر من قبل منظمة الأوبك ، والكويت الذي لا يتجاوز 132 سنة، و الإمارات 135 سنة . ومقارنة بالاحتياطي النفطي في المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الشرق الأوسط، فإن الاحتياطي النفطي العراقي لم تمسه أدوات الحفر إلا نادراً، باستثناء حقلين نفطيين ولم يتم تنفيذ سوى القليل من أعمال التنقيب خلال عشرات السنين، وبالتالي لم يتم تحديد الحجم الحقيقي للموارد النفطية بدقة، لكن من الواضح أن الموارد العراقية ضخمة وتمثل أكبر موارد نفطية غير مطورة في العالم
احتواء العراق على عدد كبير من الحقول النفطية العملاقة بالأخص المكتشفة وغير المطورة وتعدد المكائن في الحقل الواحد وقربها من السطح ،إضافة إلى ذلك فأن أكثر من ثلث العراق لازال غير مستكشف . فمن بين 73 حقلاً مكتشفة حتى الآن هناك 15 حقلاً فقط و هي تعمل بأقل من طاقتها الإنتاجية (30-50% من طاقتها الإنتاجية) رغم عمليات التخريب، وهناك ثلاثة حقول فقط تغطي نحو (70%) من كمية الإنتاج الحالية (2.0-2.5 مليون ب/ي) وهي حقول قديمة ، حقول (كركوك التي بدأت بالإنتاج في العام 1927 وحقول الرميلة الجنوبية -1951 والرميلة الشمالية 1962، ومنذ العام 1927، يمتاز إنتاج هذه المناطق بالسهولة الكبيرة جدا لاستخراج النفط حيث بدأ إنتاج النفط في العراق و لم يتم حفر إلا (2300) بئراً في عموم مناطق العراق، و هو أمر يعتبر امتياز قياسا بالدول الأخرى كالولايات المتحدة الأميركية التي اضطرت لحفر ما يقارب مليون بئر في ولاية تكساس وحدها، في حين أن حقل عكاس لوحده في المنطقة الغربية من العراق و الذي يعد اكبر حقل نفطي عملاق في العالم و الذي يضم ربع مساحة العراق يضاهي حقل الغوار في السعودية اكبر حقول النفط المنتجة حالياً في العالم، إذ يمكن أن يغطي إنتاجه لوحده حاجة الولايات المتحدة من النفط لمدة 25 سنة .
و رغم أن المناطق الجنوبية في العراق لا تزال تعد حقول بكر لم تطلها عمليات الاستكشاف بعد فإن الحقول المنتجة والمعروفة حالياُ في مناطق الجنوب تستأثر لوحدها بثلاثة أرباع كمية النفط المنتجة يوميا الحقول ، وهي حقول (غرب القرنة) التي بدأت الإنتاج بكوادر عراقية (100%) خلال فترة الحصار الاقتصادي و هي مرشحة لزيادة طاقتها الإنتاجية إلى مليون برميل/يوميا وبكوادر من شركة نفط الجنوب نفسها فضلاً عن ذلك فان حقول الأحدب و مجنون و بزركان وغيرها تمتلك من الاحتياطي، ما يكفي لتلبية أية زيادة في الطلب على النفط في السوق العالمية،أما حقول الشمال العراقي فتنتج الربع الآخر.
كلف الاستكشاف والتطوير منخفضة مع غزارة الحقول النفطية ، فكلف الإنتاج والعمليات التشغيلية تتراوح بين دولار إلى دولارين للبرميل الواحد والتي تعتبر من الأقل في العالم ، و تشير الدراسات الاقتصادية المتخصصة في هذا المجال إلى أن العراق سوف يتجاوز 300 مليار برميل عندما تستكشف كافة المناطق العراقية. وإذا صح هذا القول سيكون لدى العراق ربع النفط الموجود في العالم. قارن هذا بما لدى بريطانيا من نفط بحر الشمال فيه 5 مليارات برميل فقط وبريطانيا بهذه الكمية هي أكبر منتج نفط في الاتحاد الأوروبي ، وفضلا عن ذلك فإن النفط العراقي لا يقبع تحت سطح البحر الهائج بعيدا بأميال عن السواحل. وهذا ما يجعل إنتاج النفط العراقي ارخص بأربعة دولارات للبرميل من النفط البريطاني. وهناك شركات حول العالم تنتظر اللحظة المواتية لاستكشاف النفط في أنحاء العراق من بين هذه الشركات شركة بيرتيل ومقرها دبلنز ورئيس هذه الشركة واسمه جون تيلينج يقول عن إنتاج النفط العراقي سوف يتكلف 97 سنتا فقط للبرميل ( تصوروا برميل النفط الذي يتكلف 97 سنتا ويباع بثلاثين دولارا )

الموقع الجغرافي الإستراتيجي للعراق.
حيث تتعدد المنافذ التصديرية وتتوفر شبكة معقدة من الأنابيب والموانئ تطل على جميع البحار الغربية من العراق والتي تجعل بالإمكان تسويق النفط العراقي في جميع الأسواق العالمية الرئيسية وبكلف معقولة ، فمن المعروف أن حقول النفط فيها ترتبط آبارها بخطوط أنابيب توصيل النفط الخام إلى موانئ التصدير في تركيا وسوريا والسعودية وموانئ العراق العميقة في الفاو ، هذه كخطوط استراتيجيه وإضافة إليها هناك خطوط داخليه لإيصال الخام إلى مصافي النفط العراقية .
طاقة العراق الإنتاجية .
تاريخياً وصلت طاقة العراق الإنتاجية إلى حوالي( 3,5 - 3,8 ) مليون برميل / يوم في عام 1979 ثم انخفضت بعد ذلك إلى (0,7) مليون برميل/يوم في عام 1983 بعد غلق الأنبوب السوري وتوقف التصدير عن طريق الخليج العربي أثناء الحرب العراقية الإيرانية . أما خلال مذكرة التفاهم فقد وصلت طاقته الإنتاجية إلى حوالي(3,0 ) مليون برميل/ يوم ووصلت صادراته إلى حوالي (2,2) مليون برميل /يوم في بعض أشهر مذكرة التفاهم . وفي الوقت الحاضر وصل إنتاجه إلى حوالي(1،8) مليون برميل/ يوم خلال شهر أيلول/ 2003 ووصلت صادراته إلى حوالي (1,0) مليون برميل / يوم من المنفذ الجنوبي فقط بسبب الظروف الأمنية وتوقف التصدير مؤقتاً عن طريق الأنبوب العراقي التركي .
هذا ويتوقع وصول طاقته الإنتاجية إلى حوالي (2,8) مليون برميل /يوم خلال النصف الأول من العام القادم والى حوالي (3,0) مليون برميل/ يوم في نهايتـه.
و أيضا يملك العراق القدرة إلى العودة خلال العام القادم إلى مستوى إنتاج يبلغ 2.5 مليون برميل يومياً (أي ما يعادل 70% من طاقته الإنتاجية قبل حرب الخليج الأولى) وربما يبلغ 3.5 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2005 أو 2006. ويتمتع العراق بإمكانية زيادة طاقته الإنتاجية بعد منتصف العقد الحالي إلى 6 ملايين برميل يومياً الأمر الذي سيجعل منه ثاني أكبر منتج للنفط بين الدول الأعضاء في منظمة أوبك.
يضاف إلى ذلك أن وزارة النفط العراقية قد انتهت تقريبا، من منح عقود لاستكشاف وتطوير صناعة النفط العراقية لشركات عالمية معروفة بصناعة النفط، وهذه العقود ستكون نتيجتها زيادة الطاقة الإنتاجية لنفط العراق مابين (6-8) ملايين ب/ي للسنوات الثلاث القادمة،
إضافة إلى كل ما سبق يمتلك العراق من المقومات ما يجعله نداً لقدرات السعودية في إنتاجها البالغ (10.5) مليون ب/ي التي و بالرغم من أنها تنتج بكامل طاقتها الإنتاجية (10.5) مليون ب/ ي إلا أنها غير قادرة على زيادة هذه الطاقة رغم عطش السوق للمزيد من براميل النفط، ووصول إنتاج بحر الشمال إلى ذروته في العام 1999 وتباين احتياطيات بحر قزوين، وزيادة الطلب المستمرة على النفط، والتي فاقت التوقعات، كل ذلك يجعل العراق مرشحاً، بإمكانياته، أن يؤدي دور المنتج القائد لتوازن السوق العالمية للنفط، مما يؤدي إلى استقرار السوق. خاصة إذا علمنا أن أوبك تنتج الآن بكامل طاقتها الإنتاجية (30 مليون ب/ي) من بينها مليوني برميل فوق الحصص لمقابلة الطلب المتزايد . أي أن نفط العراق قد يشكل قاعدة الارتكاز للتوازن المستقبلي لسوق النفط العالمية .
إن وفرة الاحتياطيات المؤكدة من النفط العراقي، واحتمالات احتياطيات مضاعفة غير مؤكدة، يشكل إغراء للشركات العالمية للاستثمار ، و يجعل لعاب اكبر دولة في العالم يسيل بل و يشكل سببا كافيا ليدفعها تقوم بما قامت به من حربها مع بريطانيا التي لم تكن اقل طمعا من الأولى في النفط العراقي .

ثانيا : النشاط الأميركي في الصناعة النفطية الحالية في العراق


بعد محاولات مضنية استمرت عاماً كاملاً تمكنت الإدارة الأمريكية في العراق من زيادة إنتاج النفط العراقي ليصل إلى 2.5 مليون برميل يومياً في آذار (مارس) الماضي. وهو مستوى لم يحققه العراق منذ منتصف عام 2000 في ظل برنامج النفط مقابل الغذاء مع الأمم المتحدة ، ورغم أن هذه الكمية انخفضت بعد ذلك بسبب ضرب المقاومة العراقية المنشآت النفطية وخطوط الأنابيب. لكن الإنتاج ووفقاً لكل المعايير قد فاق توقعات ما بعد الاجتياح. فقد توقع المراقبون أن انعدام الأمن وعدم توافر الأموال وعدم وجود حكومة مستقرة ونقص التكنولوجيا سيمنع العراق من زيادة إنتاجه بسرعة وبكميات كبيرة ، ورغم كل الصعوبات إلا أن الإنتاج الحالي يفوق مليوني برميل يومياً. ويعود نجاح الإدارة الأمريكية في العراق في زيادة الإنتاج إلى هذا الحد إلى خمسة عوامل رئيسية:

1. العامل الأول : هو المنحة المالية التي قدمتها الحكومة الأمريكية لقطاع النفط العراقي والتي بلغت قيمتها 2.3 مليار دولار، والحقيقة أن هذه المنحة كانت مفاجئة لكل المراقبين خاصة وأنها لم تكن مربوطة بأي شروط ،والمفاجأة الأخرى كانت في سرعة اتخاذ قرار المنحة والموافقة عليها وسرعة المباشرة في إنفاقها.
و من المنتظر أن تصرف أميركا أيضا مليارين آخرين ، بالإضافة إلى إعلانها عن حاجة المنشآت النفطية العراقية إلى إصلاحات و تطوير قد تمتد لعشر أو خمسة عشر سنة قادمة و هو ما يعني أن هناك حاجة لاستثمارات طويلة الأمد قد يبلغ حجمها أكثر من 30 مليار دولار.

2. العامل الثاني : هو الحماية الضخمة للمنشآت النفطية. فقد قامت كافة فئات القوات الأمريكية بحماية المنشآت النفطية، كما قامت الإدارة الأمريكية في العراق بتوظيف شركات أمن عالمية خاصة لحماية المنشآت النفطية وخطوط الأنابيب على مدار الساعة كان من ضمنها وضع 14 ألف حارس حول المنشآت النفطية، والملاحظ أن الحماية المفروضة على المنشآت النفطية لم يشهدها العراق حتى في فترات الحروب في عهد النظام السابق ، ومن الواضح أن الدعم المالي الأمريكي عزز كثيراً من أمن المنشآت النفطية.

3. العامل الثالث : هو توافر التكنولوجيا الحديثة والخبرات الدولية بعد أن تم نقلها بسرعة للعراق ، إذ تم التعاقد مع أشهر شركات خدمات الحفر والتنقيب لتطوير حقول النفط العراقية التي تعاني من نقص شديد في التكنولوجيا الحديثة ، ولا شك أن توافر الأموال كان السبب الرئيس في سرعة نقل هذه التكنولوجيا للعراق.

4. العامل الرابع :هو غزارة الحقول العراقية، فالحقول العراقية تعتبر من أغزر وأغنى الحقول في العالم الأمر الذي يتطلب قليلاً من الجهود نسبياً لزيادة الإنتاج ، فقد تمكنت حكومة النظام السابق رغم ضعف إمكانياتها و بناء على قرار سياسي لم يأخذ في الاعتبار الشروط الفنية للإنتاج من زيادة الإنتاج في ظروف صعبة جداً وكان العامل الذي في صالحها دائماً هو سهولة استخراج النفط العراقي مقارنة بالمناطق الأخرى من العالم.

5. العامل الخامس : هو ارتفاع أسعار النفط خلال 12 شهراً الماضية، فلقد كان ارتفاع أسعار النفط نعمة لا تقدر بثمن لأنها جلب أموالاً لم تكن في الحسبان و هذه الزيادة مكنت من أمرين، الأول : صرف المستحقات المخصصة لعمليات النفط دون الضغط عليها للإنفاق على الأمور الأخرى مثل الأمن، و الثانية : توظيف شركات أمن خاصة لحماية الأنابيب.
كل هذه العوامل السابقة تدفع بأي شخص إلى طرح سؤال يكتسب كامل المشروعية في ضوء الحرب الأميركية على العراق وهو إذا كان الهدف الأميركي من الحرب كما أعلنته أميركا نفسها هو القضاء على النظام في العراق و محاربة الإرهاب و البحث عن أسلحة مزعومة فلماذا قدمت أميركيا كل ما قدمته لمنشآت النفط العراقية ولماذا الحماية الخاصة و الكبيرة جدا للمنشآت النفطية ، ولماذا تم نقل التكنولوجيا للعراق بهذه السرعة المذهلة ، و لماذا ركزت أميركا على الإنتاج النفطي دون غيره بحيث استطاعت رفع إنتاجيته و بزمن قياسي إلى حوالي المليوني و نصف برميل يوميا إن لم نقل أكثر ،و أين تذهب عائدات مبيعات هذا الإنتاج و لمن يباع هذا الإنتاج الكبير و لماذا ترفض أميركيا إدخال الإنتاج النفطي العراقي و تحديده ضمن قواعد الأوبك ، و هل ما قامت به في العراق هو استكمال لمخطط بدء بتنفيذه في أفغانستان ؟؟؟ .
للإجابة على كل ما سبق سنحدد أولا النقاط التالية :


1 : الإستراتيجية العليا للإمبراطورية الأمريكية

إن القضية الأساسية في السياسة الدولية اليوم هي سيطرة القطب الأمريكي الأوحد الذي يعد أحد أهم ملامح الإدارة الأمريكية منذ قدوم جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض في عام 2001 ، أما الهدف الأساسي من هذه الإستراتيجية فهو السيطرة علي النفط ،كل النفط وفي أي مكان.
وبنظرة سريعة على روابط إدارة بوش بمؤسسات النفط و الغاز الكبرى يتكشف لنا العلاقات القوية بين هذه الصناعة من جهة و بين الإدارة الأميركية من جهة أخرى ، فديك تشيني (نائب الرئيس) كان رئيس هاليبرتونالتي التي تعتبر أكبر مؤسسة خدمات نفط في العالم ، أما دون إيفانز(وزير التجارة) كان شريكاً في توم براون، وهي مؤسسة نفط مقرها دنفر، أما شركة أكسون (التي حطمتها الفضائح في مساهماتها للحزب الجمهوري ) فهي أكبر مؤسسة في العالم من ناحية العائدات، و تأتي في المركز الثاني بعد شركة إنرون ، ، و كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي وخبيرة الشئون الروسية في الإدارة، فقد كانت في مجلس إدارة شيفرون، التي تعتبر مقاول تطوير أكبر حقل نفط في بحر قزوين وشبكة أنابيب في كازاخستان هذا من جهة أولى .
ومن جهة ثانية وبما أن النفط هو أهم سلعة في العالم، نظرا لأن أي مجتمع صناعي لا يستطيع القيام بدونه و هو ما نراه بشكل واضح من استهلاك دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية له و الذي يصل إلى ثلثي إجمالي النفط المُستهلك في العالم.
لاسيما وأن النفط و الغاز لا يعتبران فقط مصدر 62% من الطاقة المستخدمة في العالم ، بل أنهما يدخلان في صناعة العديد من السلع والمنتجات التي نأخذها كأمر مسلم به لكن وعلى نفس الدرجة من الأهمية، فكل دبابة، كل طائرة، كل صاروخ كروز، ومعظم السفن الحربية، في الولايات المتحدة أو أي ترسانة حربية لأي دولة أخرى تعتمد على النفط ، وفي الواقع تستهلك وزارة الدفاع الأمريكية لوحدها ما يزيد عن الـ80% من كل الطاقة التي تستخدمها الحكومة الأمريكية .


بشكل عام، يشكل النفط والغاز ما يتراوح بين 65% إلى 70% من كل الطاقة التي تستهلكها أكبر ثلاثة اقتصاديات في العالم: الولايات المتحدة، اليابان، والاتحاد الأوروبي. و بحسب بيانات مركز الدراسات السياسية والدولية في واشنطن، كانت الولايات المتحدة تستورد في عام 1973 حوالي 36 في المائة فقط من احتياجاتها من الطاقة، وفي عام 2000 استوردت حوالي 57 في المائة من حاجاتها من الطاقة، ارتفعت هذه النسبة تدريجيا حتى بلغت نحو 60% عام 2003.و هي في ارتفع مستمر لتصل تقريبا خلال الخمس عشر سنة القادمة إلى 70 % أو 75 % ، ففي الوقت الحالي يستهلك الأمريكيون خمس ملايين و تسعة عشر ألف برميل من النفط يوميا، من بينها خمسة ملايين و احد عشر ألف برميل يتم استيرادها ، ويذهب الخبراء النفطيين في الولايات المتحدة إلي أن حجم الاستهلاك العالمي في حال النمو الاقتصادي سيكون في الفترة من العام 2000 وحتى العام 2025 أعلى من كل مثيلاته في التاريخ، وهو ما يدفع النفط إلي أن يكون السلعة الأهم في العالم وفي هذا السياق توقع لورد براون كبير المديرين التنفيذيين في شركة بريتيش بتروليوم (بي. بي. ) أن يستمر النفط والغاز كمصدر أول للطاقة في السنوات الـ35 المقبلة علي الأقل و هو ما سيعني لأميركا حاجة متزايدة للحصول عليه لاسيما مع فشل محاولاتها الأخرى حتى الآن في الاعتماد على مصدر بديل له .
وانطلاقا من الاعتبارات السابقة التي لم تغب أبدا عن تفكير الإدارة الأميركية قدمت مجموعة برئاسة ديك تشيني في مايو 2001 خطة أو ما سمي بتقرير الطاقة القومية لأميركا و التي اعتمدتها الولايات المتحدة ، و الذي ركز على ثلاث نقاط رئيسية:
- يتعين على الولايات المتحدة أن تزيد نسبة ما تستورده من النفط مع زيادة استهلاكها له(بحلول عام 2020 سيصل إجمالي استيراد النفط يوميا إلى 17 مليون برميل، أي إلى 65 % من إجمالي الاستهلاك(.
- لا تستطيع الولايات المتحدة الاعتماد بشكل قصري على المصادر التقليدية مثل السعودية وفنزويلا وكندا لتوفير ذلك النفط الإضافي و يتعين عليها أيضا الحصول على إمدادات إضافية من مصادر جديدة
- لا يسع الولايات المتحدة الاعتماد فقط على قوى السوق من أجل الوصول إلى تلك الإمدادات المضافة، بل سيتطلب ذلك جهودا هامة من قبل موظفي الحكومة لتجاوز مقاومة المد الخارجي لشركات الطاقة الأمريكية.

على ضوء تلك المبادئ الثلاث، دعت خطة شيني إدارة بوش إلى القيام بمبادرات واسعة النطاق بهدف زيادة واردات النفط من مصادر التزويد الخارجية وبالتحديد، تطلب من الرئيس ووزراء الخارجية والطاقة والتجارة العمل مع قادة دول وسط آسيا وأذربيجان لتعزيز الإنتاج في منطقة بحر قزوين ولإنشاء خطوط أنابيب جديدة في الغرب. كما أنها تطالب الموظفين في الولايات المتحدة بإقناع نظرائهم بأفريقيا والخليج العربي وأمريكا اللاتينية بفتح أبواب صناعاتهم النفطية للشركات الأمريكية الكبيرة وتصدير المزيد من النفط إلى الولايات المتحدة.
في سياق دعمهم لتلك الإجراءات، يدرك فريق تشيني تماما أن الجهود الأمريكية للحصول على كميات متزايدة من النفط الأجنبي ستواجه بالمقاومة في بعض الأقاليم المنتجة للنفط ، ويشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة بحلول عام 2020 سوف تستورد برميلين من النفط تقريبا من كل ثلاث براميل (استهلاكية) – الأمر الذي يؤدي على زيادة الاعتماد على القوى الأجنبية التي لا تتفق مصالحها - في الواقع – بشكل دائم مع مصالح الولايات المتحدة .

كذلك أشار هذا التقرير إلى أن العراق وروسيا هما الدولتان الوحيدتان اللتان تستطيعان تغطية احتياجات أميركا النفطية والتي تقدر بحوالي 20 مليون برميل يوميا منها حوالي 9.5 مليون برميل يتم استيرادها من الخارج ومع زيادة اعتماد الولايات المتحدة على النفط العراقي والروسي سيضعف من قدرة أوبك في السيطرة على أسعار النفط وستشعر واشنطن عندئذ أنها في وضع تستطيع فيه ممارسة الضغط على السعودية ودول الخليج الأخرى للقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية كما أن تغيير النظام العراقي سيفتح المجال أمام شركات النفط الأميركية للاستفادة من الاحتياطات النفطية الهائلة مما سيوفر لأميركا مصدر نفط أكثر أمنا وبأسعار اقل بكثير من مستوياتها الحالية وبالنسبة لدول الخليج سيؤدي انخفاض أسعار النفط في الأشهر والسنوات القادمة إلى تراجع عوائد النفط وعودة العجوزات في الموازين الداخلية والخارجية في الوقت الذي تواجه فيه هذه الدول تحديات اقتصادية
إن ما يسميه المحللون، "إستراتيجية اكتساب النفط العالمي" يساعد على تفسير أسباب ما قامت به إدارة بوش في العراق ، فبحسابات أمريكا ما تقوم به لن يحميها فقط (ولو لبعض الوقت) من أي قلق قد يأتي من الخليج ولكنه سيقلل أيضا من حصة الأوبك في السوق العالمية وبالتالي يضعف من نفوذها على مصادر النفط وعلى الأسعار وهو هدف لا يقل أهمية بالنسبة للولايات المتحدة.
ومن ناحية أخرى ترى بعض الأوساط الاقتصادية أن سيطرة أميركيا على نفط العراق هو الذي سيؤثر على التعاملات المستقبلية للأوبك، لأن الولايات المتحدة الأميركية تعتمد على منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك في تغطية 46% من وارداتها. لذا تذهب بعض التحاليل إلى التأكيد بأن أميركا ستستغل نفط هذه المنطقة كمعادل للطلب المتزايد وكضاغط على عرض النفط من أوبك في إستراتيجية القرن الحالي، وهذا يستشف مما قاله الباحث الأميركي «يريندا شيفر»، في محاضرة أمام الكونغرس الأميركي، حيث أكد أن موارد هذه المنطقة سوف تضغط على أوبك، وسوف تعطي للولايات المتحدة السيطرة على سوق الطاقة العالمية لسنين طوال قادمة

وما يدعم هذا الكلام هو تقرير وزارة الطاقة الأميركية حول مستقبل الثروة النفطية الذي ستنفذه بعد ما أسمته " إخلاء العراق من أسلحة الدمار الشامل " ، و قد أكدت الكثير من التقارير الصحفية التركية التي صدرت مؤخرا و التي درست هذا التقرير الأميركي بأن التقرير الأمريكي يؤكد أن مصادر الثروة البترولية العراقية تكفي الولايات المتحدة مائة عام على الأقل ، وان واشنطن تريد البدء في تنفيذ هذا المخطط المدرج في التقرير فور إخلاء العراق من أسلحة و أن ما سينتج عن سيطرة الولايات المتحدة على الموارد الطبيعية العراقية وفي مقدمتها النفط سيؤدي إلى تغيير للتوازنات القائمة في المنطقة وإقامة نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط.

2 - المذكرة التي سلمها ريتشارد بيرل R.PERLE مستشار البنتاغون ووزارة الدفاع الأمريكية لنواف بن عبد العزيز مدير المخابرات في المملكة العربية السعودية قبل الحرب على العراق والتي علقت عليها الصحافة البريطانية لأيام قبل الحرب تعكس النية الأمريكية الرسمية للبقاء في العراق فترة من الزمن (تحددها المذكرة بسبع سنوات) بغية توليد مناخ ملائم وإدارة عراقية محلية ملائمة وعلاقات إقليمية بين هذه الإدارة والحكومة من جهة والجوار الجغرافي من جهة أخرى وذلك من أجل أن تعلن الحكومة العراقية الجديدة عن علاقات جديدة مع شركات النفط الغربية العملاقة تفضي إلى خصخصة PRIVATISATION النفط العراقي وأن تؤول إدارته المباشرة لهذه الشركات الغربية العملاقة وان تقتصر علاقة العراق بنفطه مجرد نسبة مئوية يتم الاتفاق عليها بين العراق ممثلا بالحكومة الجديدة وكونسورتيوم من الشركات المدعومة من الإدارة الأمريكية.

والخلاف الدائر هذه الأيام داخل الإدارة الأمريكية حول (مستقبل العراق) وتضارب التصريحات بين وزارة الدفاع (رامسفيلد) ووزارة الخارجية (باول) هو في جوهره صراع بين شركات نفطية عملاقة تجد صداها داخل الإدارة الأمريكية وسباق بين هذه الشركات على حصص Quotas من النفط ، كل هذه الشركات تتصارع هذه الأيام في الغرف المغلقة وتجتمع بأركان الإدارة الأمريكية لكي ترتهن حصتها من النفط العراقي وإدارته وفوائضه المالية وتثميرها في البنوك الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية

3 - النهب الأميركي للنفط العراقي والذي هو من أهم أهداف الحرب على العراق.
فحال احتلال العراق أولت الحملة العسكرية الأميركية اهتمامها الكبير بحقول ومنشآت النفط العراقي، وتوجهت قطعاتها مباشرة للسيطرة على هذه الحقول والمنشآت وإحاطتها بحماية عسكرية لم توفرها لأي ثروات عراقية أخرى مثل الآثار ومحتويات المتاحف العراقية التي لم تحظ بحراسة جندي أميركي واحد، فتعرضت ثروات العراق تلك ماعدا النفط إلى النهب المنظم من مافيات داخلية وعالمية. وسعت قوات التحالف إلى إطفاء الآبار المشتعلة جراء الحرب. وبدا منظر الاهتمام العسكري بالمنشآت النفطية يوحى للعراقيين بان قوات التحالف اهتمت بالنفط أكثر من اهتمامها ببنية الدولة العراقية التي تركتها تنهار تحت وطأة الانفلات الأمني.
أن عملية النهب الأميركية بدأت عندما تم تأسيس (صندوق بيع النفط ) والذي يرأس لجنة هذا الصندوق هو الحاكم المدني المعين من قبل قوات الاحتلال في العراق (بول بريمر) ومعه خبراء ليس من بينهم إلا (أربعة عراقيين) بصفة مراقبين ولا يسمح لهم بالإطلاع على عمليات البيع والمحاسبة والصرف!.
وان أول فضائح هذا الصندوق هي عملية اختفاء ( ثلاثة مليارات ) دولار من الصندوق، و هذا ما كشفته مجلة بريطانية متخصصة، وقدمت تقريرها إلى مؤتمر (مدريد) للدول المانحة والذي أنعقد في 23/10/2003 في العاصمة الأسبانية مدريد، وحينها رفض ( بول بريمر) التهمة، وطالبته في حينها المجلة أن يثبت عكس ذلك، و بعدها تم نسيان القضية.

4- إن للولايات المتحدة الأميركية هدفا آخر ألا وهو تفتيت وسحق منظمة ( أوبك) وهي المنظمة الخاصة بالدول المصدرة للنفط، والتي مهمتها تحديد الأسعار، وكمية النفط المطروحة في السوق، كي تتحدد أسعار النفط وتكون بشكل معقول وتضمن حركة نفطية متوازنة و هو ما يضر مصالح الولايات المتحدة الأميركية ولا يخدمها لأنها تسعى إلى إن تكون هي من يحدد أسعار النفط في المستقبل، و لذلك شكل سيطرتها على النفط أحد أهم ثمار هذه الحرب الإستراتيجية ، لقد أعطى وزير النفط الجزائري إشارة واضحة، عندما صرّح على هامش اجتماع وزراء النفط التابعين لمنظمة الأوبك، حيث قال (هناك كميات كبيرة من النفط العراقي تباع في الأسواق ولم يتم تسجيلها) وطالب بمتابعتها ومعرفة مصيرها والجهة التي تستفيد من قيمتها لأنها تؤثر على أسعار النفط وسياسة الأوبك .
وهي ليست السرقة الأولى ، بل هناك سرقة رسمية وبقرار من وزير النفط العراقي إبراهيم بحر العلوم المعين بصفقة الأبناء و الأصهار فهو نجل رئيس مجلس الحكم ( محمد بحر العلوم) و الذي يعمل على تنفيذ المطالب الأميركية منه و ذلك في :
- عندما أصدر قرارا بتخفيض قيمة سعر برميل النفط العراقي المصدر للولايات المتحدة الأميركية بقيمة ( 40 سنتاً)، ولو حسبنا قيمة الكمية المصدرة من النفط والقيمة المخفضة لظهرت ملايين الدولارات، وهي لا تختلف أبدا عن ما يسمى (بكوبونات) صدام حسين النفطية والتي وهبها حسب زعم الوثائق لجهات وشخصيات ومنظمات في جميع أنحاء العالم!.
- و تصريحه بـ ( لا نتوقع عودة العراق إلى نظام حصص الإنتاج في إطار أوبك) ، وهذا ما تريده الولايات المتحدة الأميركية تماما، وهو إخراج العراق من أوبك رويدا رويدا، والاستحواذ على نفط العراق النقي والقريب من سطح الأرض والذي هو رخيص الكلفة في عملية الإنتاج لو تمت مقارنته مع النفط النرويجي، أوالروسي او غيره .
وعملية عدم المثول لمنظمة ( أوبك) هي عملية قرصنة، ونهب واستيلاء غير مشروع ، لأن( أوبك) هي الجهة الوحيدة التي من حقها رصد النفط في السوق ومعرفة مصدره وكمية زيادته!!.
و نعود لنؤكد كلامنا هنا بما صرح به مصدر أميركي و هو المستشار الرئيسي لوزارة النفط العراقية‏ و رئيس شركة شل السابق‏ (‏ إعلان أن من مصلحة العراق الانسحاب من منظمة الأوبك‏ ) .‏ وتبريره لذلك بأن هذا الوضع كفيل بأن يُمكن البلاد من أن تصدر كل ما تستطيع بعد إعادة تأهيل حقولها النفطية واستعادة قدرتها علي الإنتاج‏.‏
5 - قبل الحرب على العراق بشهرين قال وزير الخارجية الأميركي كولن باول: ("إن الولايات المتحدة ستضع يدها على احتياطيات النفط العراقي كأمانة، في حال قامت واشنطن باحتلال العراق، وانه سيتم وضع اليد على النفط العراقي لصالح الشعب العراقي") ، يا ترى هل تحققت الأمانة وصدق كولن باول بان واشنطن تعاملت بأمانة في إدارة حقول النفط العراقي خلال أربعة عشر شهرا خلت؟ لاسيما بعد التطبيق الفعلي للقرار 1483 الذي تحولت بموجبه ( على الأقل نظريا ) الأمانة النفطية العراقية إلى أميركا إلى بإشراف الأمم المتحدة ، هذا القرار الذي نجح الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش باستصداره من مجلس الأمن في الثاني و العشرين من أيار عام 2003 (أي بعد مرور حوالي 13 سنة على فرض هذه العقوبات) و الذي يقضي برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق
و ضمن إطار الشروط والالتزامات التي نص عليها مشروع القرار المقدم من قبل حكومته و بريطانيا و الذي استطاع أن يحصل من خلاله على :
أ - اعتراف مجلس الأمن بمشروعية الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، فقد أشار المجلس في متن القرار إلى اعتبار القوات الأميركية هي "السلطة"، وهو إجراء غير مسبوق في تاريخه ، خاصة وأن الحرب على العراق التي انتهت باحتلاله لم تكن مشروعة بنظر القانون الدولي، و لم تحظى حتى بموافقة هذا المجلس نفسه
وإلى جانب هذا الاعتراف بالاحتلال حصلت واشنطن ولندن على مكسب إضافي آخر لا يقل أهمية من الناحية القانونية، وهو أن القرار غير مقيد بتواريخ زمنية محددة، سوى أن "السلطة" سوف تقدم تقريرا عن أعمالها لمجلس الأمن في غضون 12 شهرا، وهو ما يطلق اليد الأنجلو أمريكية في العراق لتواريخ غير محددة.

تأسيسا على هذا المبنى القانوني للقرار تأتي الفقرات الخاصة برفع الحصار الاقتصادي عن العراق في فقرات لاحقة، والتي يأتي نصها كالتالي: ( ترفع كل العقوبات التجارية والمالية المفروضة على العراق منذ أغسطس/آب 1990 عدا الحظر على الأسلحة" الذي يبقى ساري المفعول )

كما نص القرار على تشكيل صندوق لتنمية العراق تحت إشراف المصرف المركزي العراقي ، وتشكيل مجلس دولي يضم ممثلين عن الأمم المتحدة والمنظمات المالية الدولية والصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، في محاولة لإضفاء الطابع الموضوعي على القرار، وتمويه السيطرة الأمريكية الإنجليزية على الاقتصاد العراقي بعباءة دولية؛ حيث إن القرار ينص أيضا على أن أموال الصندوق تصرف بمبادرة من "السلطة" بالتشاور مع الحكومة الانتقالية.
وحسب منطوق القرار يرحب مجلس الأمن باستعداد الأطراف الدائنة للعراق بما في ذلك نادي باريس لحل مشكلة الديون العراقية، كما اشتمل القرار على أن يحصل صندوق التنمية المذكور على عائدات النفط العراقي في إطار الأسعار الدولية وقت البيع، ولكن دون أن يحدد الكميات أو السياسات النفطية للعراق، تلك التي تركها بيد "السلطة" ، وهو ما يعني أن واشنطن حصلت على النفط العراقي خارج إطار منظمة أوبك التي ينتمي إليها العراق، وبالتالي يمكن "للسلطة" أن تقرر خروج العراق من المنظمة، وإغراق السوق الدولية بالنفط العراقي عند الحاجة لخفض سعره، ولا يقيدها في هذا الموضوع سوى بيع النفط بالأسعار الدولية السائدة في حينه فقط.
ولأن الأسعار تتغير يوميا وباستمرار حسب العرض والطلب في السوق العالمية للنفط الذي تتحكم به الولايات المتحدة لاعتبارات مختلفة فقد أعطى القرار لواشنطن ولندن حرية تحديد الكميات والأسعار والسياسة النفطية للعراق و هو ما يعني أن مستقبل النفط بأيدي القوات الأميركية و حليفتها بريطانيا
ولا تتوقف المعاني الاقتصادية للقرار 1483 عند ذلك فقط، بل إن القرار ترك "للسلطة" (فيما ترك وهو كثير) تقرير مستقبل النفط العراقي من حيث شكل الملكية التي لم يأت على ذكرها من قريب ولا من بعيد، بل ترك ذلك "للسلطة" وهو ما يعني أن القرار ترك الباب مفتوحاً أمام واشنطن لتنفيذ ما أعلنت عنه في الأسابيع السابقة، وهو نيتها خصخصة قطاع النفط العراقي ، وتحويله من الملكية العامة العراقية إلى الملكية الخاصة المحلية والأجنبية.
ودون الخوض في تحليل جانبي يتعلق بصوابية سياسات الخصخصة بشكل عام، والأطر النظرية التي تستند إليها.. تجمع مدارس الفكر الاقتصادي على اختلاف مشاربها على أن عمليات خصخصة قطاع النفط في أي بلد تتطلب توافر عدة شروط منها وجود الاقتصاد المعني في حالة طبيعية ومستقرة، ووصول سوق الأوراق المالية في البلد المعني بخصخصة قطاع النفط فيه إلى مستوى معقول من التطور بحيث يستوعب هذا المتغير، كما يشترط أيضاً وجود القطاعات الاقتصادية الأساسية في حالة متنامية، بالإضافة إلى عمل القطاع الخاص بشكل فاعل في هذه القطاعات.

و بما أن الشروط الأساسية لخصخصة قطاع النفط وبإجماع المدارس الفكرية الاقتصادية غير متوافرة نهائياً في الحالة العراقية بالوقت الراهن فهذا ما يعني ان اللوبي النفطي الاميركي (الذي يؤثر بشدة على صانع القرار في واشنطن) أستطاع أن يحقق ما يريده في العراق من خلال هذا القرار الذي كان الهدف منه هو نزع ملكية الشعب العراقي في نفطه لصالحه ( أي اللوبي النفطي ) وهو ما يعزز من مصداقية الفرضية القائلة بأن الهدف الأساسي للحرب على العراق هو السيطرة والاستحواذ على نفط العراق .
ويكتسب هدف السيطرة على نفط العراق أهمية قصوى للإدارة الحالية في واشنطن؛ لعدة أسباب، يأتي في مقدمتها الارتباط العضوي للإدارة الأمريكية الحالية باللوبي النفطي، ابتداء من الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، ومرورا بنائبه ديك تشينى، وليس انتهاء بكونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي كما أسلفنا سابقا .
كما أن الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري في الانتخابات السابقة تم تمويلها من الشركات النفطية بالأساس، و هو ما عملت عليه الإدارة الأميركية لتضمن استمرار هذا الدعم في انتخاباتها التي نجحت في الفوز بها بعد إن أوفت بوعودها لهذه الشركات
وبالإضافة إلى ذلك كله فإن عملية إعادة الإعمار في العراق سوف تذهب في حصتها العظمى للشركات الأمريكية، وبحصص أقل كثيراً للشركات الإنجليزية والغربية، ولمصلحة انتعاش هذه الشركات العاملة في قطاعات الاتصالات والتشييد والبنية التحتية والمواصلات؛ الأمر الذي يحقق "المصالح الوطنية الأمريكية" من منظور الإدارة الحالية.
ولا يفوت علينا في تحليل مضمون ومعاني القرار 1483 أن نلاحظ حقيقة أن العقود التي أبرمها النظام السابق مع فرنسا لم يأت ذكرها، وإنما يقع البت فيها بدائرة اختصاص "السلطة" والحكومة الانتقالية العراقية المرتبطة بها بحكم منطق الأمور، وهو ما قد يفسر التراجع الواضح لمواقف باريس أمام واشنطن طمعاً في تحجيم خسائرهما، والحصول ربما على جزء ولو ضئيل من الكعكة العراقية، بعدما تكفلت الآلة العسكرية الأمريكية البريطانية فرض واقع جديد على أرض العراق لم يفلح مجلس الأمن سابقاً في منعه.
قصارى القول أن قرار مجلس الأمن 1483 الخاص برفع العقوبات الاقتصادية على العراق يضفي الشرعية على قوات الاحتلال، ويسلم ثروات العراق وبشروط فضفاضة، وبدون آليات مراقبة دولية أو إقليمية أو حتى عراقية ليد الاحتلال الأمريكي البريطاني، ويفوض واشنطن ولندن في إدارة وبيع ورهن الثروات النفطية العراقية بتوكيل شامل وغير محدد المدة وبغطاء من الشرعية الدولية.


و هنا نستطيع أن نؤكد كلامنا بما قالته منظمة هيومن رايتس ووتش ( إن ثمة قضية أخرى ملحة ينبغي التصدي لها، وهي تحديد من يتولى إدارة النفط إذ إن أي عودة للسيطرة الأجنبية، أو ظهور السيطرة الأجنبية، في أعقاب التدخل العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة سوف تكون في الغالب قضية كبرى مثيرة للجدل وللمعارضة الشعبية ).
و كذلك ما قاله غانسيان و هو احد أهم الفاعلين في هذه المنظمة ( سوف يكون هناك تضارب أساسي في المصالح إذا ما بدا أن أكبر الدول المستوردة للنفط في العالم تدير ثاني أكبر مخزون احتياطي من النفط في العالم ).
و هنا تظهر الإجابة عن أمانة واشنطن في الإشراف على النفط العرقي الذي من المفترض أن تكون تحت إشراف و مراقبة الأمم المتحدة بموجب قرارها المذكور من خلال التطبيق الفعلي للقرار المذكور ووفقا للفقرة المتعلقة بكيفية إدارة النفط العراقي؟
فبالرغم من أن القرار نص على تشكيل صندوق للتنمية العراقية توضع فيه عائدات النفط العراقي، والصندوق يكون بإشراف البنك المركزي العراقي وممثلين عن الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومدققي حسابات قانونيين يتحققون من أن عائدات النفط والغاز العراقي تباع بأسعار السوق الدولية في حينها، وتودع العائدات المتحققة من التصدير في الصندوق حتى تشكيل حكومة عراقية جديدة. باستثناء نسبة 5 بالمائة منها تذهب إلى صندوق التعويضات عن أحداث الكويت.
وحسب ذلك القرار يتطلب من الهيئة المشرفة ومن المدققين تقديم تقارير دورية وكشوفات حسابية توفر الشفافية لعملية إنتاج وتصدير وبيع النفط العراقي. و بما أن القرار نص أيضا على حماية عائدات العراق النفطية من أي إجراءات قانونية
لكن مجريات الأحداث أظهرت غياب أي رقابة كما هو مفترض في قرار مجلس الأمن. فلغاية الآن لم تصدر موازنة مالية من المدققين المفترضين ومن اللجنة المشرفة على صندوق التنمية توضح بشفافية حجم الإنتاج النفطي الذي تم على أيدي سلطة التحالف؟ وكم هو حجم الصادرات النفطية والأسعار التي تم البيع بها؟ وكم عائدات تحققت للصندوق؟.
مما أدى إلى كثرة الشكوك حول سياسة الإبطاء والتسويف في تحقيق الصيغة القانونية الحسابية التي اتبعتها الولايات المتحدة وسلطة التحالف في العراق. ففي الخامس عشر من فبراير الماضي وبعد مرور عشرة أشهر على الاحتلال وعلى إطلاق يد أميركا في الثروات النفطية العراقية، حثت الرقابة الدولية التي من المفترض أن تشرف على كيفية إنفاق أموال النفط العراقي السلطات الأميركية على تعيين مراجعين ماليين وقانونيين حتى يمكن أن يكون عملها جدياً.
وقالت الهيئة الدولية للاستثمارات والرقابة بشأن العراق المكونة وفق القرار الدولي 1483: (إن سلطة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تباطأت لكنها دعت أخيرا شركات مراجعة مستقلة إلى تقديم عروض ومقترحات عن كيفية عملها) وظل الوضع على هذه الصورة بين الأخذ والرد دون أن تتشكل هيئة رقابة من مدققي حسابات تتوصل إلى تقرير وكشف حساب حول مصير الأمانة النفطية العراقية التي تحدث عنها كولن باول.

وكانت مصادر في الهيئة الدولية للاستثمارات والمراقبة قالت في العشرين من فبراير هذا العام بعد اجتماع لها في واشنطن أنها حثت سلطة التحالف على العمل بشكل سريع على تعيين مراجعين مستقلين أكفاء لمراجعة حسابات النفط العراقي وفيما إذا كانت الولايات المتحدة أخلصت في أمانتها حين تولت أمر إنتاجه وتسويقه، وقالت إن الهيئة حريصة على إشراك عراقيين في عملها الإشرافي ومصممة على مواصلة تعيين العراقيين المؤهلين كمراقبين. وجاءت تلك التصريحات بعد ظهور أصوات عالية بين الرأي العام العراقي والدولي تعرب عن قلقها بشأن عمل سلطة التحالف المؤقتة بسرية مفرطة وتأخير عمل الهيئة الدولية للاستثمارات والمراقبة بشأن العراق. لكن المسئولين الأميركيين عن قطاع النفط العراقي ظلوا يبررون هذا التباطؤ في إعلان الشفافية حول عملهم وهذه السرية المفرطة بأن مهمتهم معقدة .
واضطرت الإدارة الأميركية فيما بعد وإزاء تنامي الاتهامات إلى الإعلان بأن عائدات بيع النفط العراقي منذ انتهاء الحرب وخلال العام الماضي بلغت أكثر من عشرة مليارات دولار، وهنا برزت تساؤلات لا تخلو من سخرية، مثل: ماذا تعنى سلطة التحالف بأكثر من عشرة مليارات؟ هل تعنى خمسة عشر أو عشرين أو مائة فكل هذه الأرقام تعنى أكثر من عشرة . والمفروض أن تعلن سلطة التحالف بدقة شديدة واعتمادا على سجلات حسابية رقم العائدات إذا كانت راغبة فعلا في دحض الاتهامات ، كل هذا أتى في نفس الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الطاقة الأميركية أن الاحتياطي الاستراتيجي الأميركي من النفط أرتفع ليبلغ 600 مليون برميل وهو أعلى مستوى يسجله منذ إنشائه في العام 1977 الأمر الذي أكثر من الأقاويل حول ما تنهبه قوات الاحتلال الأميركي من النفط العراقي خاصة و أن ذلك لم يترافق مع الإعلان عن أي عقود أبرمتها أميركيا مع أي جهة مصدرة للنفط في العالم و مع عدم إعلان أي جهة بتزويد أميركيا من نفطها بالشكل الذي يجيب على سؤال كيف رفعت أميركيا هذا الاحتياطي (مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإنتاج النفطي الأميركي لا يسمح برفع هذا الاحتياطي و إلا لكانت قد رفعته أميركا من قبل ) *
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المقصود هنا ليس الاحتياطي الذي يوجد بشكل طبيعي بل هو عبارة عن كميات نفطية تقوم أميركيا بشرائها و لا تسمح باستخدامها المباشر بل تقوم بتخزينها في أراضيها لتستخدمها في أوقات الأزمات وهذا المخزون الاحتياطي يحفظ في مناجم ملح قديمة مهجورة على سواحل خليج المكسيك في لويزيانا وتكساس ولا يمكن أن يعطى الأمر باستخدام هذا الاحتياطي إلا من قبل الحكومة وفي حال انقطاع خطير في إمداد البلاد بالنفط .


لاسيما أمام ما صرحه أيضا متحدث باسم وزارة الطاقة الأميركية «انه اعلي مستوى سجل على الإطلاق» و ما كان قد سبقه قبل سنتان من قبل الرئيس الأميركي جورج بوش في 2001 انه يتوقع رفع هذا الاحتياطي الاستراتيجي إلى أقصى قدرات التخزين في الولايات المتحـدة أي 700 مليون برميل و ما أكده من أن هذا الاحتياطـي يشكل عنصرا مهما لضمان امن الطاقـة في أميركا (1 )

و هذا يعني أن الرغبة الأميركية برفع مخزونها من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي قد تحقق لكن كيف حصلت عليه و من أين و لما لم يتحقق هذا الرفع في المخزون إلا بعد احتلال العراق ، لاسيما إذا أخذنا بالاعتبار أن الاستهلاك العراقي المحلي من منتجاته النفطية لا تتجاوز الـ 700 ألف برميل فقط يوميا وأن حجم الإنتاج المحلي بات يزيد عن 2 مليون برميل يوميا و أن أميركيا تستورد ما يقارب 55 بالمائة من استهلاكها النفطي من الخارج . والأهم من ذلك، إن منحى الأمور خلال الأعوام العشرين القادمة لا يشير إلى تراجع أو ثبات في استهلاك النفط او استيراده، بل العكس تماماً. حيث من المتوقع أن ترتفع واردات النفط الأميركية من 9،2 مليون برميل يومياً عام 2002 إلى 26 مليون برميل عام 2020، أي قرابة الثلاثة أضعاف، بحيث تتطور نسبة الاستيراد النفطي الأميركي من 55% من مجمل الاستهلاك إلى أكثر من 7%
لكن يبقى السؤال مطروح من قبل العديد من الجهات التي تعرف تماما الإجابة عليه حتى قبل طرحه
إن ما سبق من كلام تدعمه فضائح الفساد في الإدارة الأميركية التي
عينت حال استلامها حقول ومنشآت النفط العراقي كدولة محتلة بموجب القرار الدولي، فيليب كارول، وهو مسئول سابق بشركة شل النفطية الأميركية، مستشارا ومسئولا عن قطاع النفط في العراق. وجاء اختياره بإعلان من البنتاغون في مؤتمر لدوغلاس فيث احد مساعدي البنتاغون للتخطيط السياسي وهو واحد من عصابة الأربعة التي دعمت بقوة الحرب على العراق في الإدارة الأميركية و في مقدمتهم بول وولفويتز نائب وزير الدفاع.
وبدا مشهد الإدارة الأميركية لنفط العراق يسير بجهود أربع جهات بقيادة كارول، وهذه الجهات هي: سلاح الهندسة التابع للجيش الأميركي ـ سلطة التحالف ـ شركة هاليبرتون والشركات الفرعية التابعة لها ـ ووزارة النفط العراقية التي لم يكن لديها سلطة القرار. وأصبح لسلاح الهندسة الأميركي باع طويل وصلاحيات كبيرة في إصلاح المنشآت العراقية النفطية المتوقفة أو المخربة، ومنح العقود إلى شركات أميركية وأخرى من دول التحالف بشكل أثار الكثير من الجدل المبنى على الشكوك. وحازت شركة "هاليبرتون" التي ارتبط اسم نائب الرئيس الأميركي ديك تشينى بها على اغلب العقود المتعلقة بإعادة إعمار وتشغيل القطاع النفطي، مما أثار موجة من التساؤلات والشكوك حتى داخل الكونغرس والإدارة الأميركية حول الدوافع التي جعلت الشركة المذكورة تحظى بحصة الأسد من عقود إعمار القطاع النفطي.
وحسب صحيفة نيويورك تايمز، إن هاليبرتون تمكنت بفضل دورها كمخطط متعاون مع البنتاغون وبنفوذ ديك تشينى رئيسها السابق، من الحصول على عقود ومقاولات كبيرة مميزة من دون منافسة أو إجراء مناقصات مع شركات أخرى وبحجة سرية العمل العسكري، وخلال هذه الفترة كانت هاليبرتون محور فضائح كثيرة عن فساد ورشاوى تخص العقود الموكلة إليها بتجهيز المشتقات النفطية للاستهلاك الداخلي في العراق بعد توقف مصافي النفط العراقية بعد الحرب. وحسب تلك المصادر بلغت إيرادات هاليبرتون من العقود 2,4 مليار دولار إضافة إلى عقد إضافي بمبلغ 1,9 مليار دولار، مما أثار تساؤلات داخل الكونغرس حول هذه الحظوة الكبيرة لهاليبرتون فى عقود القطاع النفطي العراقي من دون الشركات الأخرى
وبهذا السياق لم توفر سلطة التحالف لغاية الآن إي موازنة استثمارية لوزارة النفط العراقية طيلة العام الماضي من الاحتلال "موازنة 2004" لمشاريع تطوير البنية التحتية ومشاريع عمليات التنقيب والإنتاج والتكرير والتسويق.
وبعد السؤال فوجئت وزارة النفط العراقية بسحب الأموال التي خصصت لتطوير البنية التحتية لقطاع النفط والتي ادعت الدارة الأميركية أنها خصصتها من برنامج المساعدات الـ18 مليار دولار.
وبالمقابل لاحظت وزارة النفط أن سلطة الإدارة الأميركية والجهات المرتبطة بها التي تدير قطاع النفط اتجهت إلى مجموعة من البنوك الأجنبية لاقتراض مليار ونصف المليار دولار بضمان مبيعات النفط. وهذه مخالفة قانونية واضحة لمبدأ الأمانة التي تحدث عنها المسئولون الأميركيون قبل أن تكون مخالفة صريحة للتخويل الذي أناطه القرار1483 للدولة المحتلة في أدارة الثروات العراقية. فليس لسلطة التحالف الحق برهن الثروة النفطية العراقية واستخدامها ضمانات لقروض تستخدم لإصلاح البنية التحتية. فأين ذهبت المساعدات التي أقرتها الإدارة الأميركية للعراق؟ وأين عائدات النفط العراقية؟ وهل أنفقت بالكامل حتى تطلب الأمر اللجوء للقروض؟ وأي قروض يا ترى تلك التي تكون بفوائد تتجاوز العشرة في المائة سنويا وتسدد بثلاث سنوات؟
كذلك إن الإدارة الأميركية قد وضعت خطط للقطاع النفطي و أوكلت مهمة تنفيذها إلى وزارة الدفاع " البنتاغون" التي تولت مهمة إدارة قطاع النفط العراقي، مما أثار اعتراضات حلفاء أميركا قبل أعدائها فلأول مرة يدير جيش دولة محتلة قطاع الثروات النفطية بخطط تحتاج إلى الخبرة والى جهاز لا يتجاهل الخبرات العراقية. ولان وزارة الدفاع ووزيرها رامسفيلد يجهلون تماما خريطة وتضاريس القطاع النفطي العراقي فإنهم تعاملوا مع احتياجاته كما يتعاملون لسد حاجتهم إلى متطوعين لأغراض أعمال المساندة
بناء على كل ما سبق و رغم انه قد لا نستطيع تقديم الأرقام الدقيقة لكميات النفط المنهوبة أميركيا لكن لم يعد هناك أي شك فيما تنهبه هذه الإدارة الأميركية من النفط العراقي حتى أن هذه الإدارة نفسها لم تعد قادرة على تبرير أين تذهب عائدات النفط و لمن ؟
6 - إن اجتماع واشنطن للدول الصناعية السبع الكبرى ولصندوق النقد والبنك الدوليين، والذي لم تتناوله وسائل الإعلام الأمريكية سوي بعنوان فرعي في الصفحات الاقتصادية جاء فيه: إن أمريكا طلبت من صندوق النقد الدولي المحافظة علي سرية الأرقام والمعلومات عن الدول الأوروبية والخليجية التي "سامحت" العراق بقيمة 80 بليون دولار ومنها ألمانيا وفرنسا ودول الخليج العربي التي "أسقطت" النسبة الأكبر من ديونها علي العراق!!.. وأن هناك "مخطط سري أمريكي بهذا الخصوص سيتم عرضه وبحثه في اجتماع واشنطن ولن يتم الإعلان عنه أو نشره للعموم" كما أوردت صحيفة (نيويورك تايمز)..

7 - قيام لجنة رقابية داخل وزارة الدفاع الأمريكية بالتحقيق في مزاعم أحد كبار الضباط الجيش الأمريكي المسئولين عن عمليات التعاقد مع الشركات الموردة بأن أحد الشركات التابعة لشركة هاليبرتون الأمريكية العملاقة قد حصلت على عقود بمليارات الدولارات لدعم الخدمات العسكرية في العراق والبلقان بدون أن تدخل مناقصات أو تقدم عروضها المبدئية. وقد حصلت الشركة التابعة لهاليبرتون على عقود لإصلاح القطاع النفطي النفطي وإمداد القوات الأمريكية بالمواد والغذاء في البلقان.
وقد حصلت وكالة الإسوشيتدبرس على مكاتبات بين الضابط بوناتين جرينهاوس مسئول التعاقد بسلاح المهندسين بالجيش الأمريكي الذي فضح تلك العملية غير المشروعة والمخاطبات بينه وبين الكونجرس.
وتعد شركة هاليبرتون من أكبر الشركات الأمريكية التي فازت بعقود إعمار في العراق، ويعتقد أن لها صلات واسعة مع صناع القرار بالإدارة الأمريكية الحالية وعلى رأسهم ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، الذين قاموا بمنح تلك الشركة العملاقة عقود الإعمار في العراق، في حين يرى بعض المراقبين أن أحد أهم أسباب غزو العراق هو جني أعضاء الإدارة الأمريكية ملايين الدولارات كعمولات لمنح عقود إعادة الإعمار لتلك المؤسسات العملاقة، بعد أن قامت الإدارة بتزوير كافة مبررات الحرب على العراق
8 - أن حوالي ربع صادرات العراق من النفط في الثمانينات كانت تذهب إلى الولايات المتحدة . وبعد تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء في 1996 كانت أول ناقلة نفط محملة بالنفط العراقي قد توجهت إلى الولايات المتحدة (2) . وأن الجزء الأكبر من النفط العراقي يذهب إلى هذه الدولة بسعر يقل عن أسعار سلة أوبك بخمسة دولارات تقريبا رغم التوتر في العلاقات السياسية بين كل من العراق و الولايات المتحدة أما الآن فلا يعرف الحجم الحقيقي لما يصل لإلى واشنطن من النفط العراقي لاسيما مع التعتيم الأميركي على هذه المعلومات
9 - رغم بروز عدد من الشخصيات الأميركية ذات الوزن المالي و الاقتصادي الكبير بمظهر المناقش للحكومة الأميركية فيما تفعله في العراق و مساءلتها بتقديم التبريرات لما يحدث في العراق و خاصة في الملف النفطي ، و على رأسها المبادرة التي أطلقها المستثمر الدولي جورج سوروس عن نيته لتشكيل مؤسسة تعمل على مراقبة كيفية استخدام الإدارة الأميركية لعائدات مبيعات النفط العراقي ، لكن المدقق في الأسماء التي تطرح نفسها كأشخاص أو كمؤسسات ( جورج سوروس هو رجل الأعمال السابق القائم بشؤون جريدة صوت أمريكا والتي تستفيد مباشرة من دعم المسئول الأمريكي بالعراق بول بريمر ، ومساعدات هيئة الديمقراطية الأمريكية المعروفة بـ " النيد " ، التي تشكل واجهة جهاز المخابرات الأمريكية ) سيكتشف مباشرة أنها لا تعدو على أن تكون لعبة جديدة من العاب الإدارة الأميركية ، الهدف منها هو تهدئة المخاوف التي أثارها الاحتلال الأميركي للعراق لاسيما في مجال الملف النفطي
و يكفي هنا أخيرا أن نذكر ما قاله المفوض الأوروبي لشؤون التنمية والمساعدات الإنسانية بول نيلسون في ختام زيارة استمرت ثلاثة أيام إلى بغداد بان «الولايات المتحدة وضعت يدها على النفط العراقي »


بعد كل ما تقدم و بعد نجاح أميركيا في توفير العوامل التي مكنت العراق من إنتاج ما ينتجه اليوم، فهل ستستمر هذه العوامل في المستقبل، خاصة بعد أن تم نقل السلطة للعراقيين ؟
إن الواقع يشير إلا أنه رغم المنحة الأمريكية ورغم ضخ مليارات الدولارات، ورغم الحماية الخاصة للمنشآت النفطية بشكل لم يسبق لـه مثيل، إلا أن المقاومة العراقية كانت قادرة على وقف إنتاج وصادرات النفط العراقية كلياً أو جزئياً عدة مرات منذ الاجتياح في العام الماضي. لقد أصبح من المألوف أن نسمع بشكل شبه أسبوعي عن تفجير أنبوب نفطي أو منشأة نفطية هنا أو هناك. فهل ستنخفض هذه الهجمات مع نقل السلطة للعراقيين؟ ربما نعم لكن الرأي الأكثر قبولا هو لا، لأن المعارضة العراقية بشتى فئاتها أيقنت، كما أيقنت إدارة بوش وكما أيقن صدام حسين وقادته من قبل، أن من يسيطر على نفط العراق يسيطر على مستقبل العراق فيرسمه كما يشاء، لذلك فإن المقاومة أو المعارضة ستستمر في تفجير أنابيب النفط والمنشآت النفطية لمنع الآخرين من رسم مستقبل للعراق يختلف مع العراق الذي يريدونه، لذلك فإنه لا يمكن لحكومة عراقية جديدة حتى بمساندة قوات المارينز الأمريكية أن تضمن تدفق النفط العراقي للأسواق العالمية. وبناء على ما سبق فإن صادرات النفط العراقية ستذبذب أكثر من أي وقت مضى خلال الأشهر المقبلة.

وإذا كانت الحكومة العراقية لا تستطيع تمويل صناعة النفط العراقية ذاتياً فإنها بلا شك ترغب في الحصول على منح من الدول الغنية، ولكن ما الدول التي ستمنح العراق؟ حتى لو قام بوش بتقديم منحة أخرى لقطاع النفط العراقي في دورته الرئاسية الجديدة ؟ ربما، ولكنه احتمال ضعيف في ضوء ارتفاع العجز في الميزانية الفيدرالية ونقمة منتجي النفط المستقلين الذين يحاولون الحصول على مساعدة الحكومة ولكن لا يستطيعون. والخيار الآخر هو الحصول على القروض، ولكن من سيقرض حكومة غير مستقرة، والتي ما زال البعض يشكك في شرعيتها؟ وبما أن التخصيص ليس خياراً مقبولاً في الوقت الحالي فإن الحل الوحيد أمام الحكومة العراقية الجديدة أن تفعل ما فعلته حكومة صدام حسين من قبل أثناء المقاطعة وتقوم بزيادة الإنتاج ببطء وحسب الإمكانيات المتوافرة. وبشكل عام فإن عدم قدرة الحكومة العراقية على تمويل قطاع النفط سيؤدي إلى تذبذب إنتاج النفط العراقي.



#أشواق_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلاقـات الأميركيـة – السوريــة
- قراءة في قانون محاسبة سوريا
- قراءة في الواقع الحالي و المستقبلي لشركة مايكروسوفت وورد
- قراءة في مشروع الشرق الاوسط الكبير
- قراءة في الزيارة المرتقبة للرئيس السوري إلى روسيا
- قراءة في عالم محمد أركون
- منتدى المستقبل مهادنة مؤقتة بين الإصلاح السياسي و الإصلاح ال ...
- قراءة ثانية في مشروع الشرق الاوسط
- قراءة في مفهوم الديمقراطية الشرق أوسطية
- قراءة ثقافية في مشروع الشرق الأوسط الكبير
- النفوذ الصهيوني في الولايات المتحدة الاميركية
- قراءة في العلاقات الاميركية - الاسرائيلية
- قراءة في قانون محاسبة سوريا
- الانتخابات العراقية بين الواقع و المطلوب


المزيد.....




- -ضربه بالشاكوش حتى الموت في العراق-.. مقطع فيديو لجريمة مروع ...
- آلاف الأردنيين يواصلون احتجاجاتهم قرب سفارة إسرائيل في عمان ...
- نتانياهو يوافق على إرسال وفدين إلى مصر وقطر لإجراء محادثات ح ...
- الإسباني تشابي ألونسو يعلن استمراره في تدريب نادي ليفركوزن
- لأول مرة.. غضب كبير في مصر لعدم بث قرآن يوم الجمعة
- القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير 4 مسيّرات للحوثيين فوق ...
- صاحب شركة روسية مصنعة لنظام التشغيل Astra Linux OS يدخل قائم ...
- رئيسا الموساد والشاباك يتوجهان إلى الدوحة والقاهرة لاستكمال ...
- مصر.. فتاة تنتحر بعد مقتل خطيبها بطريقة مروعة
- علاء مبارك يسخر من مجلس الأمن


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أشواق عباس - الملـف النفطـي في العراق