أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - خليل كلفت - مع متاهات أرقام الانتخابات فى مصر















المزيد.....

مع متاهات أرقام الانتخابات فى مصر


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 3747 - 2012 / 6 / 3 - 00:03
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


مع متاهات أرقام الانتخابات فى مصر
بقلم: خليل كلفت
1: لغز زيادة 5 ملايين فى عدد الناخبين فى ثمانية أشهر: فى استفتاء 19 مارس 2011 كان عدد المشاركين 18537954 فكانت نسبة المشاركة/الإقبال حوالى 41.2 فى المائة. ولأن الرقم المحدَّد لمن تنطبق عليهم شروط التصويت غير متاح أمامى الآن يمكن أن نحسب من عدد المشاركين ونسبة المشاركة (وهى نسبة تقريبية بالطبع)، وبهذا الحساب كان عددهم حوالى 45 مليونا.
وفى انتخابات مجلس الشعب 2011-2012 كان عدد المشاركين 27065135 من أصل مجموع عدد الناخبين، حوالى 50 مليونا، بنسبة مشاركة/إقبال حوالى 54 فى المائة.
وفى انتخابات مجلس الشورى فى بداية 2012 كان عدد المشاركين 6427666 بنسبة مشاركة/إقبال حوالى 12.9 فى المائة.
وفى الجولة الأولى لانتخابات رئاسة الجمهورية 23 و 24 مايو 2012، كان عدد المشاركين 23672236 من أصل مجموع عدد الناخبين 50996746 بنسبة مشاركة/إقبال حوالى 46.4 فى المائة.
ومن هذه الأرقام نجد أن نسبة المشاركة/الإقبال كانت 41.2 فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية وارتفعت إلى 54 فى المائة فى انتخابات مجلس الشعب ثم انخفضت إلى 46.4 فى المائة فى هذه الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية؛ فهل يمكن استنتاج شيء له دلالته من هذا؟ من الصعب استنتاج شيء مؤكد، لأن الانتخابات الپرلمانية لها دينامية خاصة أعلى بطبيعتها من دينامية الاستفتاء وانتخابات رئاسة الجمهورية، بحكم حيوية المصالح الفردية والمحلية فى مختلف الدوائر الانتخابية وقوة الحشود المرتبطة بها، ونضرب صفحا عن نسبة مجلس الشورى الذى لا يعرف أحد حكمة السادات من اختراعه.
أما اللافت للنظر حقا والمثير للشك حقا فهو تطور إجمالى عدد من تنطبق عليهم شروط الاشتراك فى الاستفتاءات أو الانتخابات فقد ارتفع من حوالى 45 مليونا فى 19 مارس 2011 إلى 50 مليونا فى أواخر 2011 أىْ بعد حوالى ثمانية شهور فقط بزيادة تصل إلى 5 ملايين ثم ارتفع إلى حوالى 51 مليونا فى مايو 2012 أىْ بعد حوالى أربعة أو خمسة شهور. وإذا حسبنا على أساس معدل نمو سكانى 2 فى المائة وهو أعلى من الحقيقة حاليا فإن المتوقع أن يرتفع عدد السكان من حوالى 45 مليونا فى استفتاء 19 مارس 2011 إلى أقل من 45.6 مليونا فى الانتخابات الپرلمانية وإلى أقل من 46.5 مليونا فى الانتخابات الرئاسية، ومن حوالى 50 مليونا فى انتخابات مجلس الشعب إلى أقل من 50.4 مليونا فى الانتخابات الرئاسية. فكيف ارتفع عدد من تنطبق عليهم شروط التصويت بين الاستفتاء وانتخابات مجلس الشعب 5 ملايين صوت بدلا من أقل من نصف مليون؟
وقد دفعت الرغبة فى التحقق من طبيعة هذا الرقم الكبير بعضهم إلى الرجوع إلى عدد مواليد 1993 الذين بلغوا فى 2011 الثامنة عشرة من العمر؛ والحقيقة أن عددهم كان حوالى 795 ألف، وهو عدد لا يُقارَن بزيادة الملايين الخمسة.
فهل جاءت زيادة 5 مليون ناخب بجانبها الأكبر يا تُرَى من انضمام مفاجئ لأعداد ممن كانوا لا يملكون حق التصويت إلى مَنْ يملكون هذا الحق، فى صورة انتهاء الخدمة العسكرية والشرطية لأعداد كبيرة بهذه الصورة المفاجئة؟ ولكننا نعلم جيدا أن إجمالى عدد القوات المسلحة والشرطة لا يصل حتى إلى نصف الزيادة المذكورة حتى بافتراض إنهاء خدمة جميع أفراد القوات المسلحة والشرطة بصورة مفاجئة، وهذا ما لم يحدث أصلا.
وتتجه الأنظار، والحالة هذه، إلى حوالى 10 ملايين من المصريَّين بالخارج، فقد منحهم المرسوم بقانون رقم 130 لسنة 2011 (19 نوڤمبر 2011) بشأن تصويت المصريِّين المقيمين بالخارج فى الانتخابات العامة والاستفتاء حقهم الطبيعى فى التصويت، ولا يقلّ عددهم عن 5 ملايين ناخب بحكم تركيبهم العمرى. غير أن عدد المصريِّين بالخارج الذين سجلوا أسماءهم فى الكشوف حتى أبريل 2012 لم يتجاوز 586820 مواطن مصرى فى 166 دولة (وكانت نسبة مشاركتهم فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية حوالى 47 فى المائة).
وهكذا تحيط الشكوك العميقة بكل الأرقام التى تتضمنها كشوف الانتخابات والاستفتاءات فى مصر وهى كشوف لا تستبعد حتى كثيرا ممن لا يحق لهم التصويت من موتى منهم شهداء لا تحسبنَّهم "أمواتا بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون"، مثل مينا دانيال و خالد سعيد، ومن أفراد يحرمهم القانون المصرى من حقهم الطبيعى لأنه لا يعترف بأنهم مواطنون مصريون مثل المجندين بحكايتهم الشهيرة فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.
2: استنتاجات سياسية ممكنة من الأرقام: وما دمنا مع الأرقام نتابع محاولة استخلاص استنتاج حقيقى منها؛ وها هى الأرقام المعنية:
بلغ عدد الأصوات الصحيحة فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية 18366764، وكان عدد من قالوا "نعم" 14192577 بنسبة حوالى 77.27 فى المائة من الأصوات الصحيحة، وكان عدد من قالوا "لا" 4174187 بنسبة حوالى 22.73 فى المائة من الأصوات الصحيحة. والاستنتاج هو أن مَنْ قالوا "نعم" كانوا من أتباع النظام والراغبين فى استعادة الأمن والاستقرار وكانوا بصورة خاصة من الإخوان المسلمين والإسلام السياسى، فى وجه مَنْ قالوا "لا"، الذين كانوا يريدون إسقاط النظام ويرفضون إعادة بناء النظام عن طريق جعل تلك التعديلات التى كان قد أمر بها مبارك قُبَيْلَ تنحيته حصان طروادة إنقاذ نفس الدستور ونفس النظام.
وفى انتخابات مجلس الشعب، حصل حزب الحرية والعدالة الذى كان على رأس أحزاب التحالف الديمقراطى من أجل مصر على 222 مقعد من أصل 498 مقعد بالانتخاب بنسبة حوالى 44.6 فى المائة، وحصل حزب النور السلفى الذى كان على رأس أحزاب الكتلة الإسلامية على 112 مقعد بنسبة حوالى 22.5 فى المائة، وحزب الوسط على 10 مقاعد بنسبة حوالى 2 فى المائة وكان مجموع ما حصلت عليه هذه الأحزاب الإسلامية الثلاثة ، وحدها، أكثر من 354 مقعد بنسبة حوالى 71.1 فى المائة. وقد اقتربت هذه النسبة بإضافة أحزاب إسلامية أخرى من حوالى 75 فى المائة. وتوزعت النسبة الباقية على أحزاب منها حزب الوفد الجديد (38 مقعدا)، والحزب الديمقراطى الاجتماعى المصرى (16 مقعدا)، وحزب المصريِّين الأحرار (14 مقعدا)، وحزب البناء والتنمية (9 مقاعد)، وتحالف الثورة مستمرة (7 مقاعد)، وأحزاب تضم على قوائمها فلول الحزب الوطنى المنحل (14 مقعدا)، والمستقلين (26 مقعدا). وتقترب نسبة مقاعد الإسلام السياسى إلى مجموع مقاعد النواب المنتخبين فى مجلس الشعب من نسبة مَنْ قالوا "نعم" فى الاستفتاء، وتكادان تتطابقان عند إضافة مقاعد أحزاب الحزب الوطنى المنحلّ إلى نسبة الإسلام السياسى باعتبار أن حلّ الحزب الوطنى كان فى أپريل 2011 أىْ بعد الاستفتاء. وهناك إذن استقرار أيديولوچى سياسى إسلامى فى التصويت بين الاستفتاء وانتخابات مجلس الشعب.
وفى انتخابات مجلس الشورى، بلغت نسبة مقاعد التحالف الديمقراطى بقيادة حزب الحرية والعدالة الإخوانى من مجموع مقاعد المجلس 58.33 فى المائة (105 مقعد من مجموع 180 مقعد للأعضاء المنتخبين)، وبلغت نسبة مقاعد الكتلة السلفية بقيادة حزب النور السلفى 25 فى المائة (45 مقعدا من مجموع 180 مقعد)، وكان مجموعهما بنسبة 83.33 فى المائة (150 مقعد من مجموع 180 مقعد). وهذه نسبة مرتفعة عن نسبة هذين التكتلين الحزبييْن فى انتخابات مجلس الشعب. ويبدو أن عزوف أو مقاطعة معظم الناخبين والأحزاب ترك للإسلام السياسى فرصة أكبر فى الحصول على ما هو أكثر من نصيب الأسد الذى حصل عليه فى انتخابات مجلس الشعب.
وفى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية حصل المرشح الإخوانى محمد مرسى على 5764952 صوت، أىْ أقل قليلا من 5.8 مليون صوت، بنسبة أقل قليلا من 24.8 فى المائة، وحصل عبد المنعم أبو الفتوح على 4065239 صوت، أىْ أقل من 4.1 مليون صوت، بنسبة أقل قليلا من 17.5 فى المائة، وحصل محمد سليم العوا على 235374 أىْ أكثر قليلا من 0.2 مليون صوت، بنسبة أكثر قليلا من 1.0 فى المائة. أىْ أن مرشحى الإسلام السياسى الثلاثة حصلوا على 10065562 أىْ حوالى 10 ملايين صوت، بنسبة حوالى 43.3 فى المائة. وهذه الأخيرة هى نسبة ما حصل عليه مرشحون إسلاميون يعلنون المرجعية الإسلامية. ولتقدير الأصوات المؤيدة للمرشحين الإسلاميين تأييدا لهذه المرجعية قد يكون علينا استبعاد حوالى مليون صوت من أصوات عبد المنعم أبو الفتوح لينخفض عدد الأصوات إلى حوالى 9 ملايين صوت بنسبة حوالى 38.3 فى المائة من الأصوات الصحيحة. وعلى هذا تكون نسبة ما حصل عليه الإسلام السياسى فى الانتخابات الرئاسية أىْ حوالى 38.3 فى المائة، أقل من نسبته فى انتخابات مجلس الشعب التى اقتربت من حوالى 75 فى المائة (أىْ أقلّ قليلا من النصف)، ومن نسبته فى انتخابات مجلس الشورى التى كانت حوالى 83.33 فى المائة (أىْ أقلّ كثيرا من النصف).
فما تفسير هذا الانخفاض الكارثى لتصويت الإسلام السياسى خلال هذه الفترة القصيرة بين انتخابات مجلسىْ الشعب والشورى والجولة الأولى من انتخابات رئاسة الجمهورية؟ إنه بالتأكيد ما يسمَّى بالتصويت الاحتجاجى أو السلبى أو العقابى، للإسلام السياسى ليس فقط على أدائه الكارثى فى مجلسىْ الپرلمان بل كذلك وفى المحل الأول على كل سلوكه السياسى خلال أكثر من 15 شهرا أثناء ما يسمى بالفترة الانتقالية فى سياق تحالفه الذيلى مع المجلس العسكرى ضد الثورة الأمر الذى كان يجعلها تخسر بصورة متواصلة قلب الشعب.
غير أننا نرى بالمقابل ارتفاعا صاروخيا فى تطور ما "يبدو" أنه تصويت للثورة المضادة متمثلة فى ممثليْن مباشريْن للنظام من نسبة متدنية للغاية فى الانتخابات الپرلمانية (نسبة أحزاب الحزب الوطنى فى انتخابات مجلس الشعب وربما بعض المستقلين) إلى حوالى 9 مليون صوت وهو مجموع أصوات أحمد شفيق و عمرو موسى وجانب من أصوات عبد المنعم أبو الفتوح. فكيف يمكن أن نقرأ هذا رغم السلوك السياسى والأمنى الإجرامى للمجلس العسكرى الحاكم طوال الفترة التالية للثورة؟ والحقيقة أن التحليل الدقيق لهذا التصويت لمرشحيْن بارزيْن للثورة المضادة يمكن أن يكشف، على العكس مما يبدو على السطح، عن تصويت رافض لنظام خلفاء مبارك. فأصوات شفيق و موسى وجانب من أصوات أبو الفتوح والتى تصل مجتمعة إلى حوالى 9 ملايين على أقصى تقدير بنسبة حوالى 38 فى المائة رقم مطلق ورقم نسبى متواضعان للغاية بالمقارنة مع أرقام ونسب انتخابات العهد البائد. وهناك من ناحية أخرى واقع أن هذه الأصوات تنطوى على تصويت قبطى طائفى ربما بالملايين فى مواجهة التصويت الطائفى الهجومى العدوانى المسعور من جانب الإخوان والسلفيِّين. وهناك بالطبع ما تعرفه الثورات من مخاوف من أهوال قائمة وأخرى متوقعة تزيدها اشتعالا حملات الترويع التى تقوم بها الثورة المضادة بقيادة المجلس العسكرى ومؤسسات الدولة وأبواقها الإعلامية، وبالتالى تحويل الرغبة فى الاستقرار والأمن حتى رغم سيطرة الظلم والاستبداد والفساد إلى اندفاع وراء كل وَهْم يظهر فى الأفق حاملا وَعْدَ الاستقرار والأمن والأمان. ويضاف إلى هذا واقع أن تردِّى الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية للجماهير، وبالأخص تفاقم البطالة والغلاء، أكثر مما كانت قبل الثورة بحكم الطريقة التى يواجه بها الحكام الثورة، يدفع قطاعات من الشعب إلى الاندفاع نحو أوهام تروِّجها الثورة المضادة عن الاستقرار من جديد. وهناك بالطبع الاستغلال البشع للجهل والفقر والمرض بتوظيف المال السياسى فى شراء الأصوات والدعاية الانتخابية على أوسع نطاق. وهناك مختلف وسائل وأدوات وإجراءات تزييف إرادة الشعب وصولا إلى التزوير المباشر مع تمويهه بقشرة ناعمة خادعة. وقد قام النظام بتوظيف كل هذا وغيره فى الانتخابات الحالية على نطاق لم يكن العهد البائد بحاجة إليه أصلا فى ظل استبداه وفساده المطلقيْن المنفلتيْن. ولا ينبغى أن ننسى استغلال الدين من جانب النظام فى سباق محموم من جانب الأزهر وعلماء الدين والإعلام بصور شتى منها حُمَّى التضييق على المذاهب الإسلامية أو الدينية الأخرى لبعض الأقليات الصغيرة جدا فى مصر مثل الشيعة والبهائية، وحُمَّى النيْل من مكانة النساء والإناث بصور شتى، وحُمَّى معاداة المسيحية والمسيحيِّين فى البلاد وإشعال الفتن والروح الطائفة بصورة مهووسة، وكذلك الهجوم على العلمانية والاشتراكية والشيوعية كما يفعل شيخ الأزهر نفسه فى الفضائيات. ومن ذلك محاولات الإيقاع بين الطرق الصوفية من جانب والإخوان والسلفيِّين من جانب آخر لدفع قطاعات من هذه الطرق إلى التصويت للفريق أحمد شفيق. ومن هنا فإن التصويت الذى شهدناه لمن يسمَّوْن بالفلول لم يكن حُبًّا فى علىّ بل كان كراهية فى معاوية: كراهيةً للخوف المبرَّر تماما من الإسلام السياسى والخوف المبرَّر وغير المبرَّر من أهوال لا حصر لها، حقيقية أو متوهَّمة، وتَحَرُّقٍ إلى تحقُّقِ وعود وبشائر تراها قطاعات مهمَّشة ومتخلفة من الشعب فى غير مكانها الحقيقى.
3: ظاهرة التيار الثالث لا ينبغى أن تكون للمقايضة مع مرسى و شفيق: وقبل أن أشير مجرد إشارة سريعة إلى النقطة الأخيرة، أودّ التنبيه إلى أنه بالإضافة إلى أن من الصعوبة بمكان الاطمئنان إلى هذه الأرقام كمؤشرات دقيقة لاستخلاص استنتاجات يُعَوَّل عليها، كما رأينا، هناك مشكلة بسيطة تتمثل فى أننى لم أهتم ببعض التفاصيل فى نتائج الأعداد والأرقام الصغيرة لأحزاب ثانوية وأعتقد أن هذا لا يؤثر كثيرا فى الاستنتاجات السابقة.
أما النقطة الأخيرة فتتعلق بواحدة من أهم مفاجآت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية وهى المفاجأة الأكثر أهمية من زاوية ما. إنها المفاجأة المرتبطة بظاهرة التصويت بقرابة 5 مليون صوت ل حمدين صباحى. والظاهرة التى تهمنا هنا لا تتمثل فى ظهور حمدين كزعيم جماهيرى بارز بقدر ما تتمثل فى ظهور تصويت بالملايين لعدد من شعارات الثورة رفعها هذا المرشح حدها الأدنى هو الرفض فى وقت واحد معًا للدولة العسكرية لصالح دولة مدنية وللدولة الدينية (بل لدولة الخلافة الإسلامية وإنْ بعد 500 سنة كما يصرِّح محمود غزلان، الناطق باسم جماعة الإخوان المسلمين، دون مواربة)، بالإضافة إلى عدد كبير من أهداف ومطالب وشعارات الثورة، بكل الحقوق والحريات، بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والحياة الكريمة، كما نادت الثورة. وقد سبق أن أكَّدْتُ فى مقال لى بعنوان "أسطورة الفترة الانتقالية وحقائق المسار الفعلى للتطورات فى مصر"، بتاريخ 11 مايو 2012، أنه "لا أحد يُنْكر بطبيعة الحال التسييس الذى يقوم به مرشحو اليسار: أبو العز الحريرى، و حمدين صباحى، و خالد على (بترتيب الحروف)". واستطردتُ فى ذلك المقال قائلا: "غير أن الاعتماد على الفعل الثورى المنفصل عن برنامج ما يسمى بالفترة الانتقالية كما وضعه العسكر أكثر جدوى وأبعد أثرا وبالأخص: أكثر مبدئية. كما أن الشرعية التى تُضْفيها الانتخابات التى تزيِّف إرادة الشعب على مؤسسات الدولة التى تجرى إعادة بنائها لن تؤثر فيها المقاطعة الثورية كثيرا بحكم حجمها المحدود نسبيا غير أن هذه المقاطعة تجرِّد هذه المؤسسات من الشرعية من وجهة نظر القوى الحقيقية للثورة وتُقِيم استقلالها عن برنامج العسكر والإخوان للفترة الانتقالية على أساس متين". وقد يبدو هنا أن المشاركة بصرف النظر عن عيوبها أفضل من المقاطعة رغم مزاياها، لأن المشاركة هى التى ارتبطت بتوسيع نطاق التسييس وأثمرت ظاهرة هذا التصويت الجماهيرى بالملايين من بنات وأبناء مصر لجانب كبير حقا من أهداف الثورة وشعارتها وفى المحل الأول رؤيتها. وفى مقال لاحق لى بعنوان "مأتم ديمقراطية المجلس العسكرى والإخوان المسلمين فجر الديمقراطية الشعبية فى مصر"، بتاريخ 31 مايو 2012، أكَّدْتُ "أن واقع أننا فى زمن الثورة بجماهيرها المستعدة للتجاوب مع مرشح ملتزم بمصالحها يضيف إلى محتوى خطاب حمدين وإلى فعالية الفضائيات فى الاتصال الجماهيرى عنصرا يضيف الكثير إلى تفسير صعوده المفاجئ". ولا شك فى أن هذا يعنى أن الفترة القصيرة التى سُمِحَ فيها بالدعاية الانتخابية بالتسييس الناشئ عنها بفضل خطاب حمدين الذى عرف طريقه بسرعة وسهولة إلى العقول والقلوب لم تكن كافية فى حد ذاتها لتكون السبب الوحيد أو الرئيسى للتسييس الذى جاء بهذه الملايين (من مليونين إلى ثلاثة ملايين من الناخبين بعد استبعاد مَنْ صوَّتوا ل حمدين لأسباب أخرى). والصحيح أن هذا الخطاب لم يكن ليفعل فعله الكبير وأن هذا التسييس لم يكن ليحدث مطلقا لولا قرابة خمسة عشر شهرا من الفعل الثورى بكل أشكاله فهو الذى جاء بالحطب ليشتعل حالما مسَّتْه الشرارة.
والأمر البالغ الأهمية الآن هو أن هناك أحزابا وحركات تعمل على إعداد "وثيقة العهد"، والحقيقة أن الخطاب الذى يجرى فى إطاره تقديم هذه الوثيقة يجعلها، رغم كل التصريحات المناقضة، أساسا لمقايضة التزامٍ لا يُلْزِم أحدا فى الحقيقة ولا معنى له إلا إلحاق الأضرار الفادحة بالثورة عن طريق تقوية كلٍّ من محمد مرسى و أحمد شفيق، بملايين الأصوات التى يشملها هذا التيار السياسى الجديد من حيث تبلوره الراهن، بدلا من العمل على بلورة وتطوير وتوسيع هذا التيار بتحويله بفضل جهود كبيرة ودءوبة وصبورة ومبدئية إلى أحزاب مستقلة وجبهة ثورية حقيقية تصنعان تعددية حقيقية بالتضافر مع كافة عناصرها التى تولد وتنمو وتتطور الآن بصورة تتجه إلى الرسوخ فى مصر الثورة.
4: المحاكمة السياسية الجنائية الثورية والقصاص العادل وتطهير القضاء واستقلاله: والآن، بعد أن أصدر القضاء منذ قليل حكمه الظالم والمهين للشعب المصرى وشهدائه فى محاكمة مبارك ورجاله وأعوانه المسماة إعلاميا بمحاكمة القرن، وهو حكم يُبَشِّر المجرمين بالبراءة فى محكمة النقض فيما يرى رجال القانون فى ردود فعل أولى فى هذه اللحظة، تخرج الآن احتجاجات الشعب الذى اُسْتُبِيحت كرامته واُسْتُبِيح الدم الزكى لشهيداته وشهدائه مطالبا بالمحاكمة السياسيو الثورية والقصاص وتطهير القضاء، الأمر الذى يحيط الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية باحتجاجات الانفجار الشعبى. وهنا ينبغى أن يجد ما يُسَمَّى بالتيار الثالث توظيفه الثورى الحقيقى الأول.
2 يونيو 2012



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مأتم ديمقراطية المجلس العسكرى والإخوان المسلمين فجر الديمقرا ...
- أساطير الجبال والغابات - برنار كلاﭭيل
- هاجس الحرب الأهلية فى مصر
- أساطير البحيرات والأنهار - برنار كلاڤيل
- أضأل امرأة فى العالم - كلاريس ليسپكتور
- أسطورة الفترة الانتقالية وحقائق المسار الفعلى للتطورات فى مص ...
- مقالات مترجمة فى الفن التشكيلى
- أساطير البحر - برنار كلاڤيل
- تسع قصائد للشاعر البرازيلى: مانويل بانديرا
- سبع قصائد لناظم حكمت
- غنوة
- مشاكل تخلُّف (قصيدة)
- الإعداد للموت (قصيدة)
- أربع قصائد لبورخيس
- الترجمة فى سياق ما بعد كولونيالىّ
- الأب ضد الأم وقصص أخرى
- طريق الآلام
- وَقْع أقدام
- الازدواج فى اللغة العربية بين -الفصحى- و-العامية-
- شعار -ثورتنا برلمان وميدان- مُخَدِّر جديد لقوى الثورة!


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - خليل كلفت - مع متاهات أرقام الانتخابات فى مصر