استراتيجيات النظام التونسي في مواجهة الحركة الإسلامية

إسلام محمد السيد

الحوار المتمدن-العدد: 3745 - 2012 / 6 / 1 - 08:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

: استراتيجيات بن علي مع الحركة الإسلامية
منذ أن نجح بن علي في التخلص من الحكم البورقيبي آمن أنه لن يستطيع أن يتحكم في مقاليد الحكم التونسي إلى من خلال آليات ديمقراطية تكسبه صفة الشرعية الشعبية والقانونية ومن هنا حدثت مرحلة من الانفراج السياسي ولكنه كان انفراجا ذو سقف مرسوم لا تتعداه الديمقراطية إذ يتوخى نظام بن علي أن يتخطى الانفراج السياسي الحد الأدنى الحد الأدنى من التنازلات التي يمكن تقديمها للمعارضة .
وقد لاقى هذا الطرح ترحيبا من قبل المعارضة بشكل عام , وحتى المعارضة الإسلامية بزعامة راشد الغنوشي أبدت ترحيبها بالتغيير المبارك في تونس . وبالفعل بدأ زين العابدين بن علي حكمه بكثير من الانفتاح على المعارضة وأطلق سراح العديد من سجناء الرأي والسجناء السياسيين من مختلف التنظيمات والانتماءات الإيديولوجية .
وحتى الإسلاميون الذين حملوا السلاح ضدّ نظام الحبيب بورقيبة من عناصر طلائع الفداء الإسلامي أطلق سراحهم وصدرت في حقهم قرارات العفو , وتمّ العفو عن عناصر حزب التحرير وغيرهم .
ومن هنا جاءت أغلب القوانين الجديدة ناقصة وتحد مت الديمقراطية الفعلية حيث جاء قانون الأحزاب السياسية بحظر تشكيل أحزاب سياسية على أساس الدين او اللغة أو العرق وهكذا كان القانون يحد من حركة الحركة الإسلامية الأصولية .
عندما جاء بن علي اعتبر استئصال الحركة الإسلامية وشطبها من الخارطة السياسية بوساطة خطة " تجفيف الينابيع " هو المدخل الحقيقي بل الضروري لتعميم الحداثة في المجتمع التونسي الذي يعيش إرهاصات حقيقية . وتماهت المعارضة الرسمية مع هذا الخيار السلطوي , الذي يقول أن عملية الديمقراطية والمجتمع المدني الحديث تتطلب انتظار بعض الوقت إلى ان يتم الحسم بصورة قطعية مع الحركة الإسلامية التي تمت تصفيتها خلال سنتي 1991 , 1992. وخلال هذه الفترة من المواجهة , تضخم الميل إلى فرض الخيار الامني العسكري بوسائل سلطوية وقسرية , ألغت تدريجيا أشكال التواصل والتفاعل السياسي التي شهدتها تونس .
وتحولت سلطة السابع من نوفمبر إلى محكمة عسكرية غير دستورية , مما أحدث نوع من ازاحة مهام بعض المؤسسات إلى مؤسسات أخرى وهي المؤسسات الأمنية , مستعملة بذلك أسلوب تأنيب مكونات المجتمع المدني من قوى اإجتماعية وسياسية ضد الحركة الإسلامية .
ومنذ أن أتت سلطة السابع من نوفعمبر اعتبر الملف الإعلامي أهم مصدر إزعاج حقيق لتونس فمنذ عقد التسعينات وتعيش تونس وحدانةي الرأي ورفض السلطة لأي رأي أخر ورفض التعددية الفكرية والسياسية الحقيقية وكان الإعلام التونسي تحت سيطرة وزارة الداخلية , وتم استخدام هذا الجهاز في التشهير بالحركة الإسلامية .
وفي إطار كسب الشرعية القانوينة قام النظام التونسي باختلاق العديد من اعمال العنف وسرعان ما قام بتلفيقها للتيار الإسلامي وفي إطار كسب التأييد الشعبي قام ايضا بتحسين وتلميع نظامه للداخل وذلك من خلال ضرب ما تعتمد عليه الحركة الإسلامية وذلك من خلال دعم العروبة التي كانت تعتمد عليها الحركة الإسلامية في كسب تأييد الجماهير لها .
ثم بعد ذلك في مرحلة التسعينات انتقلت العلاقة بين النظام التونسي وحركة النهضة من مرحلة الضغط لتحسين شروط التفاوض إلى مرحلة المجابهة الشاملة وتم التعامل مع الحركة الإسلامية على أنها حركة إرهابية بعد أن كشف النظام عن خطة تنتسب إلى الحركة لقلب نظام الحكم في 1991 .
ويمكن اعتبار الحملات السياسية والعسكرية التي عرفتها تونس في عام 1991 والمتمثلة في عمليات الانقضاض عبر الهجوم الكاسح على معاقل ومخابئ الأسلحة التابعة لحركة النهضة . بمنزل الفصل الساخن في الحرب المفتوحة من قبل حكم بن علي ورأس حربته وزير داخليته عبدالله قلال , الذي يقود المؤسسة الأمنية .
ويمكن هنا الإشارة إلى أن تاريخ بن علي من الحركة الإسلامية قبل توليه السلطة وفي خلال الحكم البورقيبي هي التي ساعدته على التعامل بتلك الاستراتيجيات حيث يعتبر بن علي اثناء الحكم البورقيبي أحد اهم رجال الحبيب بورقيبه في التعامل مع الحركة الإسلامية بشكل خاص .
ونذكر منها أنه خلال حكم الحبيب بورقيه وحرب بورقيبه على الإسلاميين حقق بن علي نجاحات كبيرة في مختلف المعارك التي خاضها ولاسيما الحركات التي لجات إلى التنظيمات السرية وانتهاءا بصدور الأحكام على الأصوليين التسعين من " حركة النهضة التونسية " وذلك حينما أصر بورقيبه على إعادة محاكمة الإسلاميين الأصوليين على أن يصدر 30 حكما بالإعدام ومن بينهم راشد الغنوشي بالرغم من ان المفروض محاكمتهم بالإعدام هم في الاصل 18 شخص الإ ان إصرار بورقيبه كان كان مبعثه رؤيته ان الإسلاميين هم الخطر المحدق بدولته العلمانية .وحينها حاول بن علي المراوغة وعدم تنفيذ رغبة بن علي وكان على محك إقالته من رئاسة الحكومة وهذا الذي عجل بقيام الانقلاب .
استراتيجيات بن علي في التعامل مع الحركة الإسلامية
ومن خلال ذلك يمكن التعرف على أهم استراتيجيات النظام التونسي في التعامل مع الحركة الإسلامية بشكل خاص خلال فترة الجنرال بن علي وهي استراتيجيات كالآتي :
استراتيجية التواصل
استراتيجية التقارب بين الرؤى
استراتيجية التقييد القانوني
استراتيجية التعامل الأمني
استراتيجية المجابهة الشاملة
استراتيجية التشويه الإعلامي
استراتيجة الإقصاء الكاملة




استراتيجية التواصل
عندما وصل بن علي الى سدة الحكم أراد استقطاب التيارات السياسية المختلفة حوله حتى يكسب شرعية كأساس لحكمه بعد ان حدث نوع من الاستقطاب السياسي لكل تيار على انفراد بين الحرك الغسلامية الأوصولية والتيار الحاكم وتراجع لليسار وإخفاق سطلة بورقيبه في إضعاف الحركة الإسلامية بعد ان امتلكت قوة الايديولوجية والانتشار الجماهيري ومقابلة العنف بالعنف احيانا . ولم يكن هناك من يمتلك القدرة على حل معادلة الاستقطاب عبر السيطرة وترويض الحركة الإسلامية غير الجنرال بن علي .
ومن ثم فإن وبعد الانقلاب الأبيض قام بن علي بإصدار عفو على العديد من المعتقلين السياسيين وخاصة الإسلاميين وقام بعد ذلك بإجراء حوارات مع كافة الأحزاب السياسية المعترف بها وهنا لم تكن الحركة الإسلامية قد كونت حزبا سياسيا وعندما اعلن الحزب الحاكم عن انفراجه وقررت الحركة الإسلامية المشاركة في الحياة السياسية قدمت نفسها كبديل على الساحه وأرادت تكوين حزب سياسي 1981 ولكن لم يتم تحقيق ذلك وفقا لقانون الإحزاب السياسية الذي صدر بعد الانقلاب الأبيض . هذا في الوقت الذى نادى فيه بن علي بالتعددية والديمقراطية . وبعد ما تأكد من قوة حزب النهضة وخاصة في الانتخابات انتهج خطابا سياسيا هادئا وطالب الحركة بالكشف بوضوح عن أوراقها .
وسمح بن علي بإجراء انتخابات تشريعية اتت بحزب النهضة كمرتبة ثانية ف الانتخابات بعد الحزب الحاكم كما ذكرنا في الفصل السابق .
استراتيجية التقارب بين الرؤى
بعد أن نجح بن علي في الوصول إلى السلطة دعا كافة التيارات السياسية الموجودة في تونس إلى الاندماج في تحت مظلة الحزب الحاكم حيث أنها تتقارب قي الرؤى السياسية والايديولوجية وأكد على ذلك في اكثر من موضع كما وضحنا سابقا في الفصل السابق ولكن أراد ان الحزب الحاكم أن يواجه البديل والمعارض الحقيقي له بعد أن بداء نشاطه السياسي وهو حركة النهضة التونسية وذلك من خلال العمل على دعم العروبة والتي كانت تعتبر أحد اهم دعائم رؤية الحركة الإسلامية في تونس .
ولكن كانت هذه العروبة التي يدعهمها بن علي هي عروبة شكلية حيث انها غير متناقضة مع وجود التبعية السياسية للولايات المتحدة فهي لم تعارض ما قامت به الولايات المتحدة في حمام المشط 1985 ولا أدانة الكثير من عمليات الاغتيال للقادة الجهاديين في فلسطين ولكنها كانت عروبة زائفة كما كانت آنذاك كل الأنظمة العربية تتعامل بها لتكسب شرعية من مواطنيها فقط .
استراتيجية التقييد القانوني
الديمقراطية في تونس كانت تتسم بالعديد من القيود القانوينة والسياسية تغلبها مصلحة الحزب الحاكم وعندما جاء بن علي أراد أن يصبغ النظام التونسي بالديمقراطية التي يترآها ولذك قام بإصدار قانون الأحزاب الجديد الصادر 1988 .
ولكنه كان قانونا معيبا من الناحية الديمقراطية حيث وضعا حدا لشروط تكوين الأحزاب وهي الأ تكون على اساس ديني او عرقي او لغة . وأكد بن علي انه لا شئ يبرر تشكيل حزب سياسي مادام أن هذا الحزب لم يحدد نمط المجتمع الذي يدعوا إليه ولم يتعهد باحترام المساواة والمواطنين في الحقوق والواجبات واحترام مبدأ حرية المعتقد .في صيغة تهدئة وتبرير رفضه قبول حزب النهضة من الناحية القانونية .
ومن هنا وعندما تقدمت حركة الاتجاه الإسلامي برغبتها في تكوين حزب سياسي وتم تعليقه من قبل وزارة الداخلية وبعد ذلك قامت بإلقاء القبض على قيادات الحركة ومنهم راشد الغنوشي في 1981 وتم الإفراج عنهم 1984 .
وبعد ان سمح لحركة النهضة متمثلا في حزبها العمل والنشاط السياسي دون الاعتراف بهم قانونيا والسماح لهم بإصدار مجلة الفجر 1990 ولكن تم مداهمتها في نفس العام ثم تعطيلها لمدة ثلاثة شهور ثم قام النظام بتجميدها نهائيا .
استراتيجية التعامل الأمني
يمكن القول بأن اتلك الاستراتيجية كانت موجودة منذ العهد البورقيبي وخلال تاريخ نشأة الحركة الإسلامية وتتمثل في عمليات الاعتقال والاحكام الصادرة والمصادرة والمداهمة لممتلكات الحركة الإسلامية ونفي بعض قياداتها أحيانا .
ولكن نذكر بعضها حيث ان تلك التعاملات بداءت منذ إظهار الحركة رغبتها في تكوين الحزب السياسي واعتقال قيادات الحركة ثم الإفراج عنهم بعد ذلك ومن هنا بدا الصراع يحتدم بين الحركة وبين السلطة القائمة.
قام النظام التونسي باعتقال راشد الغنوشي مرة اخرى باعتقال راشد الغنوشي 1988 عقب أعمال العنف التي شهدتها تونس في عام 1987 وتم الافراج عنه في 1989 .
ويمكن القول بان العلاقة ازدادت حدة بعد حرب الخليج الثانية بعد ان وقف حزب النهضة بجوار العراق ومنها بدا النظام مرحلة الاعتقال ثانية والمطاردة وظهرت من هنا ظاهرة سجناء الرأي وسوء معاملة إنسانية داخل السجون وعمل على قتل حرية الرأي والتعبير وكذلك قام بن علي بفرض قيود صارمة على حرية النشر في الصحف . وقام بتنفيذ أحكام إعدام لأول مرة في قضايا سياسية منذ توليه الحكم .
وكذلك قام بتعليق نشاط الاتحاد العام التونسي للطلاب في مارس 1991 بعد أن سيطرت عليه حركة النهضة . ومن هنا قام بن علي بالمرحلة الأكثر هجوما وهي استراتيجية المواجهة الشاملة .
استراتيجية المجابهة الشاملة
وهنا حيث تحولت لغة الخطاب السياسي التونسي من كون اعتبار الحركة الإسلامية هي منافس سياسي ومعارضة سياسية سواء معترف بها أو محظورة إلى اعتبارها خطر أصولي إرهابي خاصة بعد حالات العنف التي قام بها بعض عناصر الحركة الإسلامية في عام 1987
وبين 1989 – 1992 اندلعت في تونس أعمال عنف وفي 1991 قام بن علي بتسريب أنباء عن مؤامرة مسلحة جديدة ومحاولات للتغلغ في أجهزة الأمن و جرى إثرها اعتقال العديد من القياديين في حركة النهضة ومنهم حمّادي الجبالي رئيس تحرير جريدة الفجر الإسلامية وحكمت عليه المحكمة بالسجن لمدّة 15 سنة وكان الجبالي بالإضافة الى تولّيه رئاسة تحرير جريدة الفجر عضوا في المكتب السياسي لحركة النهضة . أمّا راشد الغنوشي فقد حكمت عليه محكمة أمن الدولة بالسجن المؤبّد في 28 –08-1992 .
وبعد إطلاق سراحه بعفو رئاسي خاص غادر تونس وتوجّه إلى الجزائر وبعد ذلك تم نفي الشيخ راشد إلى لندن وهناك أخذ يكمل نشاطه ويعيد هيكلة فكرية وتنظيرية للحركة الإسلامية في تونس .
استراتيجية التشويه الإعلامي
دائما ما يكون الإعلام هو أحد اهم أدوات الاستبداد السياسي القائم على القوة الناعمة والتي تعتمد عليها الأنظمة المستبدة في محاربة معارضيها فكريا وتشوه نشاط معارضيها وتخلق نوع من الخوف لدى الطبقة الواسعة والتي تمثل جموع الجماهير العامة من المعارضة ومحاولة إظهارها بصورة الارهابي العنيف ونرى أن النخبة الحاكمة في تونس اتسمت بخصلة استبدادية فكرية ارادت بثها من خلال الإعلام حيث أخذت عارض مجموع الصيغ الإسلامية للهوية الثقافية والتنظيم الاجتماعي وتشكك في رؤية النهضة للتعددية وقبول الآخر .

#إسلام_محمد_السيد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات