أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانيا فتح الله - التغريب عند بيرتولد بريخت (التغريب عرضاً)















المزيد.....


التغريب عند بيرتولد بريخت (التغريب عرضاً)


رانيا فتح الله

الحوار المتمدن-العدد: 3744 - 2012 / 5 / 31 - 09:23
المحور: الادب والفن
    


التغريب فى العرض :
ان وسائل التغريب لاتقتصر على النص ، ولكنها تتعدى ذلك عناصر العرض المسرحى ، ولهذا يحرص الاخراج فى المسرح الملحمى – كما يحرص التأليف – على تحطيم وهم الحقيقة والاندماج مع الشخصيات والآحداث ، سواء عند فنان العرض أو عند المتفرج .
أول عنصر من عناصر التغريب فى العرض، يتمثل فى خشبة المسرح ، فلقد استعمل بريخت ستارة المسرح الآمامية ، كحائط تنعكس عليه عناونين الفصول والاغانى " وعندما تنفرج الستار يظهر الديكور المسرحى الذى ( لايشرح ) مكانية الحدث المسرحى بالتفصيل ، كما هو الحال المسرحى الواقعى مثلا ، ولكنه ( يشير ) الى المكانية فى ايجار حتى يتجنب المتفرج الاندماج فى الحوادث اذا ما أحس بواقعية الظروف المحيطة بها أى يشير فقط الى المكان دون الافراط فى التفصيلات الدقيقة .. لكى يظل هذا المكان مجرد رمز ، لأى مكان مشابه ممكن أن تحدث فيه هذه الآحداث وليس مكانا محددا بعنينه ، وبالتالى ينفى عنه صفه الخصوصية المرتبطة بزمان معين ، أو مكان معين ، الآمر الذى يطلق ذهن المتفرج ، الى المبادئ المطلقة التى تحكم مجتتمعا مرفوضا ثم الى مايجب أن يكون عليه مجتمع المستقبل .
هذا الى جانب عنصر الاضاءة ، حيث تضاء خشبة المسرح ، كلها طوال عرض المسرحية حتى اذا كان المشهد الممثل ، يوحى بانه يمثل فى الليل ، وذلك حتى يكسر الايهام بالواقع الذى تقوم به الاضافة فى المسرح الدرامى ، فالألوان والظلام والاضاءة الخافتة ، كل هذه العوامل ، تؤثر فى نفوس المتفرجين ، وتجعلهم يندمجون فى الاحداث والابتعاد عن التحديد العقلانى للمشكلة المردا عرضها ، ولهذا السبب نجده يفعل نفس الشئ بالنسبة للقاعة التى يجلس فيها جمهور المشاهدين ، أى أنها تظل مضاءة طوال فترة العرض ، بل انه ادى بأن تكون مصادر الضوء مكشوفه أمام أعين المشاهدين ، لكى يروا بأعينهم مصدر الضوء حتى يظلوا مدركين الى أنهم فى مسرح ، ولكنه عارض هذا فيما بعد ، لانه وجد أنه يشتت انتباه المتفرج ، لا بالقدر الذى يريده لمسرحه ، بل بالقدرالذى يمكن أن ينسى معه المتفرج تتابع الآحداث
ويقوم بريخت فى اخراج مسرحياته " بغرض افلام سينمائية أو صور فوتوغرافية ، او شرائح مصورة ، تنعكس بالفانوس السحرى على ستائر المسرح ، كمفسرات الجارى عرضها "
ويستفيد بريخت من هذه الافلام والشرائح فى انها تساهم فى الخلفية " بفاعلية فى الاحداث الممثلة داعيه عن طريق ، الاستعانة بتفسير الصور الى أحداث مشابهة ، مؤيدة المناقشات المجردة بالارقام المحسوسة والملموسة ، مقوية أثر الآحداث غير الهامة " هذا كلها وسائل تعين المتفرج على تجميع أكبر قدر من المعلومات عن الاحداث المعروضة أمامه ، وبهذا تصبح " الاستعانة بالصور المعكوسة على الشاشة ، ليس مجرد وسيلة ميكانيكة لاستكمال الشل ، أو لمزيد من المتعة ، كما انها لاتستخدم للتحذير ، ولا تكتفى حتى بمساعدة المتفرج ، انها تتحرك ضده ، تستفزه ، وتحول بينه وبين الضياع فى حبال الشخصية أو فى جمال الآداء بشكل كامل "
وللموسيقى والاغانى دور هام فى تحقيق التغريب فى المسرح الملحمى ، اذ يستخدمها بريخت كوسائل ، يقطع بها سياق المسرحية ، ويمنح المشاهد فرصة للتفكير والتأمل ، فهى لاتستخد كنعصر مكمل أو مصاحب ، أو معمق اللأحداث ، كما يحدث فى المسرح الدرامى ، ولكنها تستخدم لتنقد ، أو تعلق على موقف من الموقف ، وكثيرا ماتكون الموسيقى عنصر تضاد مع الحدث .
ويؤكد بريخت على وظيفة الموسيقى فى المسرح الملحمى فى الاورجانون الصغير للمسرح اذ يقول :
" أما عن دور الموسيقى نفسها فيجب أن تقاوم بشدة ذلك التماذج الناعم المتوقع منها والذى يحولها الى خادم لا مخ لها ،
ان الموسيقى لا " لاتصاحب " الافى شكل التعلق ، ولا يمكن أن تعبر عن نفسها ، بان تفرغ العواطف التى حملتها بها حوادث المسرحية "
اى أن الموسيقى لا تخدم النص ولا تقويه كما كان فى المسرح الدرامى ، بل تصبح عنصرا مستقلا بذاته ، وله موقفه الخاص من الاحداث والمواقف ، وكذلك بالنسبة اللأغانى ، فهذه هى الوظيفة الاساسية لهما فى مسرحيات برخيت ، اذ يضيف فى هذا الصدد :
" ان اخراج " اوبرا القروش الثلاثة " عام 1929 يعتبر انجح اخراج قام به المسرح الملحمى ، وفى هذه المرة استخدمت الموسيقى بأسلوب جديد ، أن أنصح تجديد هنا كان يتمثل فى تمييز القطع الموسيقية بوضوح عن مجمل الحدث المسرحى .
( الامرالذى يجعل الموسيقى حدنا قائما بذاته ومضادا أحيانا ) نقدا على ذلك من حيث المظهر ايضا حيث احتلت فرقة مسرحية ليست بالكبيرة مكانا من المسرح يستطيع ملاحظته جميع المشاهدين ، وخلال أداء الاغانى كانت الانارة تتغير ، لقد سلط الضوء على الأوركسترا بينما عرض الفانوس السحرى على خلفة خشبة المسرح أسماء الاغانى المعناه "
يكتمل تحقيق التغريب فى مسرح بريخت بأداء الممثل ، وهو أداء يختلف بالطبع عن أداتع فى المسرح الدرامى ، الذى يسعى الممثل فيه . الى الاندماج فى الشخصية الممثلة ، مما يجعله ينسى ذاته ، ويرى ان قيمته كممثل تتحقق حين يرى الناس انه لم يكن يمثل شخصية هاملت ، على سبيل المثال ، ولكنه هو هاملت ذاته ، لذلك فان بريخت يطلب من ممثله أن يكون على عكس هذا الممثل البرجوازى ، ويطالبه بأن يحتفظ بمافة تفصل بينه وبين الشخصية التى يصورها .
ومن ناحية أخرى ، فأن أسلوب أداء الممثل فى المسرح الملحمى يجعله يقوم بسرد أفعال الشخصية والتى دائما ماتكون حدثت فى الماضى ، فيبدو لنا أشبه برجل يعيد على مسامعنها سرد حادثة وقعت من قبل لشخص اخر .
وهنا يظل المثل فى حالة تمالك لحواسه ، ويعطى بعض الايماءات التى تساعد فى توصيل الموضوع المطروح دون الاندماج ، والانفعال بالشخصية التى يقدمها .
ان بريخت يطلب من المثلمين " أن يثيروا لدى المشاهد موقفا انتقاديا نجاه الشخصيات " ولم يتم هذا الا اذا دعى الممثلون ، لأأنهم يعرضون شخصيات ويريدون من المشاهد ، أن يكون واعيا لكل تصرف ولكل التى تساعده على عدم الاندماج فى الدور الذى يؤديه :
1- شجع المثملين فى اثناء التدريبات ، ان يراجعول كبماتهم بلسان الفرد الغائب ، كان يسيقوها بكلمة قال ، أو ان يتحدثوا عن أعمل شخصياتهم فى الماضى ، وهم يمثلونها .
2- يقرأون الارشادات المسرحية التيتشير إلي الحالة النفسية ، أو الحركة في الوقت الذي يتفرهون فيه بالكلمات المتعلقة بأدوارهم.
3- يتبادلون الأدوار فيما بينهم .
أن هذه الوسائل تؤدي بلا شك الي اضافة بعد جديد الي الممثل والشخصية ، هو الناقد.
فالمثل في المسرح الملحمي، هو مجرد عنصر ، ضمن العناصر الأخري في العرض المسرحي الملحمي، هو مجرد هنصر ، ضمن العناصر الأخري في العرض المسرحي، التي عن طريقها جميعا يستطيع بريخت أن يوصل الهدف، والمضمون الفكري المراد توصيلة الي عقل المشاهد ، ويؤكد بريخت- نفسه- علي ذلك ، حين يذكر الفرق بينه وبين ستانسلافسكي وهما يستعدان للعرض المسرحي ، فيقول:
" الشئ الرئيسي عند ستانسلافسكي ، وهو يتهيأ للعرض هو الممثل. إدا بالنسبة لي فالشئ الرئيسي عند استعدادي للعرض هو الكاتب المسرحي".
وبإجتماع هذه العناصر جمعيا ، سواء أكانت في النص المسرحي، أم كانت في العرض المسرحي، تتحقق نظرية التغريب في المسرح الملحمي.
ولابد لنا هنا من وقفة حول هذه تبدو للكثيرين أمرا جديدا أو عنصراً لم يستخدم من قبل ، ولكننا نستطيع أن نتبين وجود عناصرها منذ بدايات المسرح في العصر اليوناني ؟، والعصور الوسطي، وحتي العصر الحديث، وهذا ما يؤكده بريخت نفسه، حيث يقول:
" أن المسرح الملحمي لا يعتبر ، من الناحية الأسلوبية ، ظاهرة جديدة بأي حال من الأحوال – أن تشديد الذي يتميز به، بالاضافة إلي أنه يعتبر مسرح عرض ، كل ذلك يربطه بصلة نسب مع أقدم أشكال المسرح الآسيوي. أن الميل إلي التعليم كان يميز مسرحيات الأسرار في القرون الوسطي بالضبط مثلما كان يميز المسرح الكلاسيكي الأسباني والمسرح الجزويتي.
هذا بالنسبة للوسائل التي استخدمها لتحقيق هدفه... ولكن وبالرغم من أنها لا تعتبر جديدة علي المسرح الا أن الجديد فيها هو الهدف من وراء استخدامها.
ولنبدأ بالعصر البوناني القديم الذي ظهرت فيه بعض العناصر الملحمية التي اعتمد عليها بريخت فيما بعد كعناصر لكسر الايهام المسرحي، ومن أهمها عنصر السرد الذي كان يقوم به الكورس، أو أحدي الشخصيات المسرحية، وذلك بمقاطعتهم لسير الأحداث وسردهم لبعض المواقف.
ولكن يجب ألا ننسي ، أن هذا العنصر استخدام في المسرح الأفريقي ، لهدف آخر يختلف تماما عن هدف استخدامه في المسرح الملحمي. ففي المسرح الأفريقي القديم استخدام عنصر السرد، لكي يحافظ به المؤلف علي وحدتي الزمان والمكان، هذا من جانب ، ومن جانب آخر، لكي لا يجسد الأحداث المفجعة والموافق الدموية أمام أعين المتفرجين ، فمثلا، عندما يفقأ أوديب عينيه نجد أن الجمهور يعلم هذا عن طريق احدي الشخصيات دون أن نشاهد الواقعة أمام أعيننا، والأمثلة كثيرة ، عندما شنقت جوكستا نفسها.. وهكذا.
هذا بالاضافة إلي " دور المنشد الراوي ، لأحداث الحرب الطروادية الذي نجده بارزا فب التراجيديا الأغريقية ، ومتمثلاً في شخصية الرسول، وأحاديثه الطويلة التي لا تخلو منها مسرحية تراجيداية اغريقية واحدة.
وفي العادة، تسند إلي هذه الشخصية وظيفة هامة هي وصف أحداث ضخمة، أو نقل أخبتر حوادث لا يمكن تقديمها علي المسرح".
هذا الي جانب دور الكورس (الجوقة) التي نجدة يحتل مكانا بارزا وحيويا في كلا المرحيين ، بل ومن السمات الأساسية، فهو يقوم بتعريف المتفرجين مكان وزمان الأحداث ، ثم يعلق عليها، ويمهد للأحداث الجديدة، كذلك يقوم بتقديم الشخوص.
هناك عنصر آخر استعمل ، في المسرح الاغريقي القديم ، واستخدمه بريخت في مسرحه وهو الأقنعة ، ولقد كان عنصرا أساسيا في المسرح الأغريقي، حيث كان الممثلون يرتدون الأقنعة التي تناسب الشخصية التي يمثلونها.
ولكن وظيفة القناع في المسرح الاغريقي تختلف عنها في المسرح البريختي ، فلقد كانت لها في المسرح الاغريقي وظيفة فنية تبعد بها تماما عن موضوع التغريب الذي استخدم بريخت الأقنعة من أجل تحقيقه، اذ كانت في المسرح الاغريقي تقوم باظهار ملامح الممثل وذلك لطبيعة المسرح الاغريقي الذي كان في مكان مكشوف واسع الأرجاء وبالتالي لم يكن وجه الممثل ، وحده، يستطيع أن يوصل التعبيرات التي يريد أن ينقلها للجمهور الغفير ، لذلك كانت الأقنعة ترسم الملامح التي تعبر عنها الشخصية الممثلة، كما كان للقناع وظيفة أخري وهي تضخيم الصوت عن طريقفتحة مكان الفم علي هيئة بوق. بالإضافة الي معاونة الممثل علي القيام بتجسيد أكثر من شخصية نظرا لقلة عدد الممثلين وعدم صعود المرأة الي منصه المسرح.
أذن ، وفي هذه الحالة ، نجد أن القناع في المسرح الاغريقي لم يقصد بهعملية التغريب، وابعاد المتفرج عن الشخصية ، بل قصد به المعايشة مع الشخصيات، ومحاولة متابعة مختلف الانفعالات، التي يؤديها الممثل عن طريق تبديل الأقنعة ، حسب الحالة الممثلة.
عنصر آخر تميز به المسرح الملحمي، ووجد من قبل في المسرح الاغريقي، وهل البرولوج prologue، أي المقدمة التي توجز الأحداث التي وقعت قبل بداية الحدث الدرامي، وذلك لاطلاع المشاهدين عليها، ولكن لابد أن نتذكر أن هذا العنصر استخدم في المسرح الاغريقي للحفاظ علي الوحدات الثلاث المشهورة ، وهذا يختلف بطبيعة الحال عن استخدام البرولوج في المسرح الملحمي، والذي يقصد به معرفة المشاهدين للقصة التي ستعرض أمامهم لكي يجنبهم عملية الترقب، وبالتالي يتيح الفرصة للمشاهد أن يشغل ذهنه، وفكرة بالأسباب التي تسببت في هذه المشكلة والنتائج التي ترتبت عليها ، مثلما رأينا في مسرحية " الاستثناء والقاعدة" و السيد بونتلا وتابعة ماتي " مثلا.
وعلي ذلك نستطيع القول، أنه قد وجدت بعض العناصر الملحمية في المسرح الاغريقي القديم والتي ظهرت بعد ذلك في المسرح الملحمي ، ألا أن هناك اختلافا في وظيفة كل عنصر في كلا المسرحيين وذلك لاختلاف الهدف من وراء استخدامها كما أوضحنا.
واذا انتقلنا بالحديث الي العناصر الملحمية ، التي ظهرت في العصور الوسطي سنلاحظ، وجود عنصر السرد الذي كان يمثلة الرهبان والصبية، هذا الي جانب أن الجمهور في مسرح العصور الوسطي ، كان يدرك تماما أثناء تقديم المسرحيات الدينية، أن الممثل الذي يقوم بدور المسيح ، ليس هو المسيح نفسه، ولكنه شخص آخر يجسد شخصية المسيح.
وهناك خصيصة اخرى تميزت بها ،مسرحيات العصور الوسطى ¬
- سواء كانت مسرحيات مسرحيات الاسرار ،او اخلاقية ،او مسرحيات الدعاية – وهى انها كانت تهدف الى " تعليم الناس الاستمساك بالفضيلة والتخلى هن الرذيلة ، وحتى يحين كانت هذه المسرحيات تباعد الى اقصى حد بينهما وبين الكنيسة فأن طابعها الوعظى او التعليمى على الاقل قد ظل مسيطرا غلابا"
وهنا،تتضح اوجه التشابة بين مسرحيات بريخت التعليمية ،وبين هذا النوع ،الا انهما يختلفان فى نوعية التعليم ،المراد توصيلة الى الجمهور ، حيث ان مسرحيات العصور الوسطى ، كانت تدعو الناس الى التمسك بدينهم بما فيه من خير ، والابتعاد عن الشر ، وهنا تكون الدعوة منحصره فى النطاق الدينى الاخلافى ، بينما التعليم عند بريخت له هدف سياسى اجتماعى ، هو الدعوة الى أقامه المجتمع الاشتراكى فهو يريد بن أن يعلمهم كيف لايسكتون عن فرض حقوقهم الاجتماعية ، وكيف يتمسكون ويناضلون من أجل عدالة اجتماعية تتحقق لكل فرد فى المجتمع على السواء دون تفضيل طبقة على اخرى ، وبعيدا عن الظلم الاجتماعى والاضطهاد .
كما استخدام الرواة فى مسرح العصور الوسطى ، حيث كانوا يتلون القصص الدينية التى كانت تقدم فى الكنيسة ، ويقومون بعملية فصل بين الكلمة ، والصور المعروضة على المشاهد عن طريق التجسيد ، ومن ثم نجد بدايات ، لنفس دور الرواية عند برخيت الذى كان يهدف من ورائه الى احداث انفصال ، بين مايقال من قبل الشخصيات ومايقوله هو _ أى الراوى _ حين يقاطع سير الأحداث ، ولذا يحقق عملية الفصل بين الكلمة والآحداث التى على خشبة المسرح .
ويظهر فى مسرحية من المسرحيات العصور الوسطى ، ذات الصبغة الدينية ، استخدم عنصر السرد والذى كانت تقوم به الشخصية الواعظ والذىكان يبدأ التمثلية بمقدمة :
" أنصتوا ، أنصتوا أيها السادة والسيدات ، رعاكم الله بعين عنايته ، وشملكم برحمته ....
" مرادنا أن نحدثكم اليوم عن القديس نيقولا ، قس الاعتراف الذى أتى بالكثير من العجايب والمعجزات .
" لقد روى لنا أهل الصدق من معجزاته ما نلخصه لكم من هذه الكلمات .
وبعد انتهى الوعظ من تقديم خلاصة لهذه التمثلية يختتم حديثه بكلمات موجهه الى الجمهور :
" والآن ايها السادة ، اخلدوا الى الصمت ، فالتمثيلية التى ستسمعونها كان صنعها وبناؤها بمعجزة القديس نيقولا "
ونلاحظ مما سبق ، أن دور هذا الواعظ يتشابه كثير مع دور الرواية فى المسرح الحديق ، والذى يوجز للجمهور خلاصة القصة المقدمة ، ثم تجسد الآحداث بعد ذلك أمام أعيننا بحث أنه عندما يوجزهذه القصة من بدايتها الى نهايتها يعطى للجمهور فرصة لترقب معرفة النهاية .
وقد استمر استخدام بعض هذه العناصر – سابقة الذكر عند كتاب عصر النهضة ، حيث استخدم شكسبير عنصر السرد بان جعل احدى شخصيات المسرح تروى كثيرا من الاحداث ، كما استخدام أكثر من حبكة فرعية فى المسرحية الواحدة ويظهر هذا فى مسرحية هاملت ، على سبيلل المثال ، حيث تتضح لنا فى هذه المسرحية أكثر من عقدة مثل مادار بين هاملت وصديقه هوارشيو من ناحية ، أو بين عمع وأتباعه من ناحية أخرى ، او بين هاملت وحبيبته أوفيليا .
وفى المسرح الحديث ، نجد أن هناك أكثر من كاتب من كاتب مسرحى ظهرت لديهم عناصر ملحمية فى أعمالهم ، ومن هؤلاء نجد الكاتب الثورى الآلمانى جورج بوشنز ، الذى تأثر به بريخت كثيرا ، والكاتب الايطالى بيراندللوى ، الذى استعان بأسلوب جديد فى المسرح فى محاولاته لتحطيم الوهم لدى المشاهد ، وهو المسرح داخل المسرح ، ولم تعد مسرحياته تنقسم الى فصول ومشاهد ، ولم تعد تعتمد على ديكورات بالفهموم التلقيدى ، تجلى ذلك فى ثلاثية الافنعة " ست شخصيات تبحث عن مؤلف " الليلة نرتجل التمثيل " ، " هنرى الرابع " ، ولقد لجأ الكاتب فى المسرحية الاخيرة للتاريخ ليعطى مسرحيته الصفة الانسانية العامة ، التى من الممكن وجودها فى كل العصور ، لانه ربط بين مايمكن أن نسميه تجاوزا شخصية هنرى الرابع الملك الانجليزى الذى يعرفه التاريخ بل ان " التأريخية منحت الكاتب القدرة على التعبير على الأقنعة التى يضعها الناس على وجوهم أو على نقوسهم أو ضمائرهم المكنونة "
أما من حيث الوسائل الفنية للعرض المسرحى ، فلقد تأثر بريخت بشكل كبير بالمخرج ارقين بيسكاتور ، الذى بدأ بتغيير خشبة المسرح بمايوافق تحقيق التأثير السياسى المطلوب من مسرحه .
فلقد اجتمع بريخت وبيسكانور على هدف واحد ، وهو خدمة المسرح السياسى التعليمى ، حيث أن بيسكاتور حاول أن يربط بين قيمه الفنية والمشاكل السياسية القائمة بعد الحرب العالمية الاولى وظهور طبقى العمال ، فكان الامر يتطلب استفزاز الجمهاير وتحريضها على الثورة ضد المجتمع الرأسمالى الطبقى للوصول الى مجتمع العدالة الاجتماعية والسلام ، أية توعية الجمهاير سياسيا ، وتوجيهها نحو فكرة مجتمع انسانى يقوم على أسس اجتمعية وسياية جديدة نابعة من حتمية حركة المجتمع .
ولهذا ، كان يؤكد على عرض الظروف التاريخية والاجتماعية عرضا مباشرا ، لاكمجرد خليفة اللأحداث الشخصية ، بل ليكون العرض المسرحى بكل مقوماته تحليلا للظروف الاجتماعية والاقتصادية .
ولتحقيق هدفه هذا ، توسيع بيكساتور فى استخدام الوسائل الآلية والكهربائية بحيث " حول بيسكاتور خشبة المسرح الى غرفة آلية ، وأصبحت القاعة مركز اجتماعات ، اذ راى بيسكاتور فى المسرح برلمانا وفى الجمهو هيئة تشريعية ، حيث انه كان يأمل أن يستخلص من جمهوره قرارا فعليا فيما يساهد أمامه من أحداث ، فلقد استعمل الآفلام السينمائية واللافتات ولأفلام التسجيلية والشرائح الزجاجية . ويعلل بريخت السبب من وراء استخدام الفيلم فيقول " ان استعمال الفيلم اتاح فرز تلك الآجزاء من الحدث التى لاتنطوى على تصاريح بين المشتركين ، ويفضل ذلك أصبحت الكلمة المسموعة أقل عبئا ، كما انها أخذت تصبح حاسمة بشكل مطلق ، لقد أتيح للمشاهد امكانية للنظر بصورة مستقلة فى أحداث معينة تهيء الظروف الضرورية لاتخاذ القرارات من قبل الشخصيات ، كما أتيح للمشاهد نفسه امكانية أن يرى هذه الآحداث من زواية اخرى غير الزاوية التى يراها الآبطال الذين تحركهم هذه الآحداث نفسها " .
الى جانب ذلك ، فأنه أقام منصة متحركة ، وبذلك أصبح ممكنا استغلال مساحات متعدده من خشبة المسرح ، ومن الفراغ المسرحى رأسيا وأفقيا .
ولقد تأثر بريخت بيسكاتور تأثير كبيرا ، ويؤكد بريخت هذا التأثر اذ يقول :
" لقد قام بيسكاتور بأكبر المحاولات الراديكالية ينمى لدى المسرح الاتجاه التعليمى ، لقد ساهمت بنفسى فى جميع تجاربه التى لم يكن بينها تجربة واحدة لم يهدف من ورائها الى تأكيد القيمة التعلمية للمسرح ، لقد دار الحديث من أجل أن يتمكن هو نفسه من التسميات المعاصرة والكبيرة والمعقدة ، مثل الصراع من أجل النفط ، والحرب ، والثورة ، والعدالة ، والمشكلة النعصرية وغيرها ، وترتب على ذلك ضرورة تقضى بأعادة بناء المسرح بصورة جذرية " .
أما عن آخر التأثيرات التى تأثر بها بريخت ، واستخدمها فى تحقيق فكرته ، فهى تأثر بمسرح الشرق الاقصى ، وبوجه خاص المسرح الصينى واليابانى حيث أنه التفى بالممثل الصينى " ماى لاى فانج " فى موسكو والذى يرى فيه المثل الآعلى للمثيل الملحمى الذى يبتعد فيه الممثل عن دوره . ولقد كتب بريخت دراسة بين فيها أثر التغريب فى التمثيل الصينى ، اذ يعتمد المسرح الصينى اعتمادا كليا على فن التمثيل حيث اننا لانجد عناصر مساعدة أخرى ، فمثلا ليس هناك ديكورات ، أو مناظر بل أن الممثل يقوم بأداء حركات ايمائية ليوضح للمتفرج المكان الذى يدور فيه الحدث من مشهد الى اخر ، حيث أن التمثيل الايمائى ، هو عنصر أساسى فى المسرح الصينى ، هذا الى جانب ظهور عناصر كثيرة ، تساعد على التغريب فى هذا المسرح ومنها مثلا أن الحفلة تبدأ من وقت الاصيل الى مابعد منتصف الليل بدون فترات راحة أو توقف ، والعرض عبارة عن عدة تمثيليات وفواصل من مناظر منتقاة ، والفرقة الموسيقية تجلس فى مواجهة الجمهور ، الى يمين المسرح ، حيث لاتتوقف عن العزف حتى ينتهى العرض كله ، بل نجد أن الجمهور أيضا لايهتم بمسألة التركيز قيما يقدم له بل يتحدثون ويشربون ويأكلون فى أثناء العرض ، ويأتى الخدم من وقت لاخر بمناشف ساخنة لاعادة النشاط والانتعاش للمتفرجين ، بل لايسود السكون جمهور النظارة ، الافى اللحظات التى يبلغ فيها التمثيل ذروته ، حين يؤدى نجوم العرض فقرات صعبة ، بل ان هذه المسالة أيضا تنطبق على الممثلين حيث نجدهم يشربون الشاى أو يتحدثون حين لايكون لهم دور فى وسط المسرح ، أى أنه مسرح مختلف تماما عما تعرفه عن التقاليد المسرحية .
والمسرح اليابانى التلقيدى ، مثل المسرح الصينى ، لم يكن يعرف ديكورات بل أن المتفرج كان يقوم بعملية التمثيل حسب كلام الشاعر ولقد وجد الكورس فى المسرح اليابانى الذى كان يقوم بتقوية الموضوع أو التعليق على مايقال أو تزويد النظارة بالمعلومات ، ولقد أن الممثل كان يلعب أكبر من دور فى المسرحية الواحدة .
ونجد ان المسرحيات اليابانية المسماه بالنو ، لاتتكون من فصول التقليدية للمسرحية بل نجدها تنقسم الى ثلاثة أقسام ، الفكرة فى هذه المسرحيات تعتمد على احداث ماضية ، اذ أن درامية الاحداث لايهم أن تمثل بصدق أما أعين النظارة ، وانما تجرى عرضها بأسلوب شاعرى بواسطة الكورس وشخصيات المسرحية .
أى أن هذه المسارح كانت لاتعرف التقاليد المسرحية المتبعة فى الغرب ، بل لها تقاليدها الخاصة بها ، وبالرغم من وجود كل هذه العناصر التى أخذها بريخت ، وأعجب بها وقدمها فى مسرحة من أجل كسر الايهام ، كانت هذه العناصر تستعمل فى مسرحهم لكى تقوم بالمساعدة فى تحقيق الجو العام للمسرحية ، وتكمل بعضها الآخر ، أى أن الهدف مختلف أيضا فى كل من المسارح الاسيوية عنه فى مسرح بريخت .
بعد هذا العرض لأهم الملامح المؤثرة فى مسرح بريخت ، وبالرغم من تأثر بريخت بهذه العناصر من كورش ، وأقنعة ، ولافتات مكتوبة وعروض سينمائية الى منهج أداء الممثل وتقطيع سير الآحداث ، والى توجيه الحديث الى الجمهور ، وبقية العناصر التى ساعدت على تحقيق نظريته فى التعريب المسرحى ، الا أنه فى النهاية ابتكر نظرية متكاملة فى التأليف والاخراج ، وقدم بها جميعا مفهوما جديدا للمسرح وعلاقتها بالجمهور ، حيث أن القضية فى المسرح الملحمى ، هى قضية التناول والرؤية والفكر وهى التى جعلته مميزا عن باقى المسارح ، وعن المسرح الدرامى بوجه خاص ، اى أنه بالرغم من اقتباسه عناصر التعريب من هؤلاء جميعا الا أنه تظل قضية التناول لهذه العناصر مختلفة التقنية والهدف ، نظرا لاختلاف الرؤية والفكر .
ففضل بريخت يمكن فى جمعها الى بعضها ، واتخاذ منها وسائل فعالة فى اطار نظرية متكاملة ترى الخير فى أن يكون الفن المسرحى ملتزما بقضايا الانسان يسعى بكل ما أوتى من تأثير الى تغيير العالم الراهن بنظمه الاقتصادية والاجتماعية طلبا للعدل والحرية ، ومن وجهة النظر الديالكتيكية التى تبنى عليها نظرية المادية الجدلية .



#رانيا_فتح_الله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التغريب عند بيرتولد بريخت (التغريب نصاً)
- مفهوم المسرح الملحمى عند بريخت (2)
- مفهوم المسرح الملحمى عند بريخت (1)


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانيا فتح الله - التغريب عند بيرتولد بريخت (التغريب عرضاً)