أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود روفائيل خشبة - المفهوم الفلسفى للدين















المزيد.....

المفهوم الفلسفى للدين


داود روفائيل خشبة

الحوار المتمدن-العدد: 3743 - 2012 / 5 / 30 - 15:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المفهوم الفلسفى للدين


الدين ظاهرة إنسانية، نجد صورا منه عند أكثر الجماعات البشرية بدائية وأكثرها عزلة عن التيار العام للتحضر الإنسانى، كما نجد مؤشرات ودلائل على مراسم وطقوس وممارسات ترتبط بالمفهوم العام للدين فى أقدم ما عثرنا عليه من آثار لإنسان ما قبل التاريخ. وليس من المعقول أن نجد عندنا مفهوما بسيطا متجانسا لظاهرة واكبت وجود البشر على مدى كل هذه الأحقاب وعلى اتساع الأرض واختلاف الأحوال والملابسات. فلنبدأ بإزاحة بعض دواعى الالتباس فى تناول موضوع الدين.
فى المكان الأول، ليس هناك أى مبرر ولا هو من العقلانية فى شىء أن نقصر استخدام لفظ الدين على ما يسمى بالديانات السماوية أو الإبراهيمية أو التوحيدية. فسواء اتخذنا العبادة أو العقيدة أو الوجدان الذاتى معيارا للدين، فإننا لا نستطيع استبعاد الهندوكية أو البوذية أو شعائر وممارسات ومعتقدات الجماعات البدائية من وصف الدين ولن نجد مبررا موضوعيا لتمييز اليهودية والمسيحية والإسلام.
ثانيا، علينا أن نتخلص من خطأ تصوّر أن الدين يؤسسه نبى أو رسول فرد. الدين كله ينشأ نشأة جماعية، ينشأ فى الجماعة ومن الجماعة، ومن البديهى أن يكون للأفراد دور، فكل عمل إنسانى يستند فى النهاية للفرد الإنسانى، لكن كل الديانات القائمة على الأرض لها أصول ضاربة بجذورها فى ماض سحيق ليس فى مقدورنا أن نتتبعه إلى أول نشأته. وكل الأسماء الشهيرة التى نعرفها جميعا وننسب إلى أصحابها تأسيس هذا الدين أو ذاك هى أسماء لمصلحين عملوا فى إطار تراث راسخ من العبادات والمعتقدات. قليل من هؤلاء المصلحين نستطيع أن نكون على شىء من اليقين فى شأنه لكن أكثرهم، وإن يكن له أصل تاريخى، نجده مسربلا بغمام كثيف مما حيك حوله من أقاويل وأساطير عبر الأجيال. أترك جانبا الآن زرادشت الفارسى وبوذا الهندى، وقد تكون لنا عودة لهذين المصلحين الكبيرين. لننتقل إلى عالمنا القريب. موسى قد يكون له أصل تاريخى، لكن كل ما نعرفه عنه يأتينا من مصدر وحيد يجدر بنا أن نأخذه فى حذر شديد، أما كل ما جاء فى التراث العبرى عن إبراهيم ونسله فأغلب الظن أنه يرجع لتراث شفاهى تراكم على مدى أجيال عديدة متعاقبة واستوعب أو استعار الكثير من مصادر أشورية وبابلية ومصرية. أما يسوع الناصرى (المسيح) فقد نستطيع التجاوز عما أثير من شكوك حول تاريخيته، فليس مما يجافى العقل أن يكون قد عاش وعلم فى فلسطين الخاضعة لسيطرة الإمبراطورية الرومانية، ولكن ما الذى نعرفه حقا عن تعاليمه؟ ما نعرفه يجيئنا من أناجيل وضِعت فى أنحاء مختلفة من الإمبراطورية باللغة اليونانية (التى كانت لغة الثقافة فى بدايات الإمبراطورية قبل أن تكتسب اللغة اللاتينية مكانة)، والمعتقدات التى تقوم عليها الكنائس المسيحية الآن والتى يعتبرها المسيحى العادى جوهر مسيحيته بثها فى الواقع بولس الطرسوسى، مستندا لتراثه العبرى، ويوحنا صاحب الإنجيل الرابع متبنيا بعض الفكر الفلسفى اليونانى وبعض الفكر الغنوسطى، وأضيف فيما بعد لهذين المصدرين الكثير، لكن ليس هذا موضوعنا الآن. فإذا ما جئنا إلى نبى الإسلام، فلعلنا نجده أوفر هؤلاء حظا من اليقين التاريخى، لكن ما الذى جاء به رسول الإسلام؟ إنه استوعب واقتنع بجوهر التراث الموسوى، لكن كان من الطبيعى أن يضم بعضا من شعائر قومه وبعضا من تراثه العربى القرشى. فكل ‘مؤسسى’ الأديان ممن نستطيع تسميتهم هم مصلحون فى إطار تراث عتيق، ودائما ما ينتهى الإصلاح إلى جمود جديد.
طالت هذه المقدمة أكثر مما قدرت لها، فأنا إنما أردت أن أتحدث عن المفهوم الفلسفى للدين. والواقع أننى كنت أود لو استطعنا أن نستغنى عن كلمة الدين فى المناقشات الفلسفية لكثرة ما أثقِلت به هذه الكلمة من مفاهيم مختلطة. كذلك قلت فى بعض كتاباتى أنى كنت أود لو نستغنى فى المناقشات الفلسفية عن كلمة الله. لكن يبدو أن لا هذا ولا ذاك ممكن عمليا، فبعض من أحسن الفلاسفة وأعظم الشعراء والأدباء قد استخدموا هذين اللفظين فى تراث قيّم أورثونا إياه ولا نستطيع التضحية به. لكن الدين الذى يتحدث عنه الأدباء والشعراء والفلاسفة، والله الذى يتحدثون عنه، لا صلة لهما بالمعتقدات اللاعقلانية التى تملأ عقول بسطاء المتدينين والتى يستخدمها المنتفعون بالدين لتثبيت سطوتهم وسيطرتهم على العامة، ولا صلة لها بالشعائر والطقوس. الدين عند الشعراء والفلاسفة تجربة ذاتية، فلنستعرض بعضا مما يقول هؤلاء.
1) يقول ابن عربى الشاعر المتصوّف (1164 – 1240 م.): "لقد صار قلبى قابلا كل صورة / فمرعى لغزلان وديرا لرهبان / وبيتا لأوثان وكعبة طائف / وألواح توراة ومصحف قرآن / أدين بدين الحب، أنى توجهت / ركائبه أرسلت دينى وإيمانى."
2)كان ﭼيوردانو برونو Giordano Bruno (1548 – 1600) صاحب تجربة تصوفية عميقة وفكر فلسفى خصب يعبّر فى صيغة أصيلة عن جوهر البصيرة الأفلاطونية، لكن الكنيسة رأت فى فكره خروجا على العقيدة الصحيحة، وحوكم أمام ‘محكمة التفتيش’ فلم يراوغ ولم يساوم ولم يتحايل، بل دافع عن موقفه دفاعا عقلانيا، فحكم عليه بالإعدام حرقا ونفذ الحكم فى اليوم السابع عشر من فبراير عام 1600.
3)الشاعر شيلى Shelley طرِد من جامعة أوكسفورد فى 1811 لأنه نشر مقالا عن ضرورة الإلحاد، لكن من يقرأ شعر شيلى يجد فيه روحانية سامية ويرى فيه تواصلا مع الإلوهية الكامنة فى قلب الحقيقة. وهذا شبيه بوضع سپينوزا Spinoza الذى يراه أهل الدين ملحدا بينما يصفه من استوعبوا فكره بالفيلسوف المنتشى بخمر الإله.
4)يقول فريدريش شلايرماخر Friedrich Schleiermacher: "أن يكون لك دين يعنى أن تعى intuit الكون، وقيمة دينك تعتمد على الطريقة التى تعى بها الكون، على المبدأ الذى تجده فى أفعال الكون. فإذا كنت لا تستطيع أن تنكر أن فكرة الله تتكيّف ذاتيّا مع كل وعى intuition للكون، فعليك أيضا أن تُقِرّ بأن دينا بغير إله يمكن أن يكون أفضل من آخر به إله."
5)يعرّف أ. ن. وايتهيد A. N. Whitehead الدين بأنه ما يصنعه الإنسان بعزلته، وهو بهذا يؤكد البعد الذاتى subjectivity فى المفهوم الفلسفى للدين، وفى كتابه تكوّن الدين Religion in the Making (1926) يقول عن الله: "نظام العالم ليس عارضا. ليس من شىء [كائن] فى الواقع يمكن أن يكون [له كيان] فى الواقع بدون قدر من النظام. البصيرة الدينية هى إدراك صدق هذه المقولة: إن نظام العالم، عُمق حقيقة العالم، قيمة العالم فى كله وفى أجزائه، جمال العالم، نشوة الحياة، سلام الحياة، والسيطرة على الشرّ، كل هذا مرتبط معًا — ليس عَرَضَا وإنما بفعل هذه الحقيقة: إن الكون يُظهر إبداعية بِحُرّية لامحدودة، ومجال صُوَر بإمكانات لامحدودة؛ لكن هذه الإبداعية وهذه الصور هى معا عاجزة عن التحقق فى واقع بدون الانسجام المثالى المكتمل، الذى هو الله."
هكذا نرى أنه حين يتحدث الشعراء والفلاسفة عن الدين وعن الله فإنهم إنما يعبّرون عن تجربة العقل الإنسانى فى مصارعة أسرار الحقيقة القصوى ويومئون لبصيرة لا علاقة لها بمعتقدات وممارسات الديانات المؤسسية، بحيث يكون استخدام نفس الألفاظ فى هذين المجالين المختلفين مبعثا لكثير من الخلط ويستوجب أن يداوم المفكرون العمل على توضيح الرؤى.



#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسيرة الفكر الإنسانانى
- دعوة للعقلانية
- ظاهرة زغلول النجار
- همس الحيّة
- مصر فى التوراة
- رسالة إلى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوى
- دعوة للعقلانية


المزيد.....




- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود روفائيل خشبة - المفهوم الفلسفى للدين