أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - جواد البشيتي - -العقد شريعة المتعاقدين-.. أهو مبدأ ل -السرقة-؟!














المزيد.....

-العقد شريعة المتعاقدين-.. أهو مبدأ ل -السرقة-؟!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3743 - 2012 / 5 / 30 - 14:15
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    



إنَّها جُمْلَة قانونية بليغة، ومن جِنْس الكلام الجامِع المانِع، ونَحْفَظَها جميعاً عن ظَهْر قَلْب، ألا وهي "العقد شريعة المتعاقدين".

وفي هذه الجُمْلَة تَكْمُن "الحرِّيَّة"، بصفة كونها "المبدأ الأسمى" للرأسمالية؛ وفي الممارَسة، وكالمعتاد، يَحِلُّ بهذا المبدأ ما يَحِلُّ بسائر "مبادئها السامية"؛ فـ "العبودية (أو كثيرٌ منها)"، مثلاً، هي التي تتمخَّض عن ممارَسة مبدأ "الحرِّيَّة"!

ولقد كانت لي تجربة شخصية مع "العقد شريعة المتعاقدين"؛ فقَبْل بضع ساعات من سفري إلى خارج الأردن، من طريق أحد المكاتب السياحية، وَقَعَ حادث وفاة، مَنَعَني، إنسانياً، من السفر؛ فلمَّا أبْلَغْتُ إلى المكتب السياحي هذا الأمر، أو المانِع، أخْبَرِني أنْ لا حقَّ لي باستعادة ولو شيئاً مِمَّا دَفَعْتُ له من مال؛ لأنَّني وقَّعْتُ عقداً، تنازَلْتُ فيه (بملء إرادتي) عن هذا الحق؛ و"العقد شريعة المتعاقدين".

عقود كثيرة من هذا القبيل نوقِّعها، ومن غير أنْ نُكلِّف أنفسنا عناء قراءة بنودها وتفاصيلها؛ لأنَّ قضاء الحاجة هو وحده الذي يستبدُّ بتفكيرنا؛ نوقِّعها ونحن نَعْلَم أنَّ الطرف الآخر (القوي، أو الأقوى) مُسلَّحٌ ضدَّنا بمبدأ "العقد شريعة المتعاقدين"، أو بما نعانيه من ضَعْفٍ في الفَهْم القانوني لهذا المبدأ.

اقْرأوا هذه العقود، وتمثَّلوا معانيها ومراميها، فلن تَجِدوا فيها إلاَّ مصلحة "سيِّد العقد"؛ فأنتَ بتوقيعكَ "العقد" إنَّما تُقِرُّ بتنازلكَ (عن رضى، وطواعيةً) عن حقوقكَ، أو عمَّا ترى فيه حقَّاً لكَ، مُسلِّحاً إيَّاه ضدَّكَ بمزيدٍ من الأسلحة القانونية؛ وكأنَّ "الابتزاز (أيْ ابتزازه لكَ)"، أو ما يشبه "الابتزاز"، هو جوهر وأساس هذه "الصِّلة القانونية" بينكَ وبينه، والمسمَّاة "عقد".

جادله الآن في "العقد"، وبصفة كونه (من وجهة نظركَ) صَكَّ إذعانٍ، أو وثيقة قانونية تتخلَّى فيها عن حقوقكَ، أو تسلبكَ إيِّاها، فقد يوافِقكَ الرأي والحُكْم؛ لكنَّه لن ينسى أنْ يُسْمِعك قوله الفَصْل، ألا وهو إنَّكَ كنتَ حُرَّاً في توقيعكَ العقد، وإنَّ أحداً لم يُرْغِمكَ أو يُكرِهكَ على توقيعه، أو على تنازلكَ عن حقوقكَ؛ فأنتَ، وبملء إرادتكَ، أو بـ "إرادتكَ الحُرَّة"، وَقَّعت، وإنْ عليكَ أنْ تتحمَّل عواقب توقيعكَ.

وفي العلاقة بين "العامِل" و"رب العامل" تتركَّز معاني "الحرِّيَّة" التي بها يتغنُّون؛ ونَقِف على "المعنى الجوهري" لـ "الاقتصاد الحُر"؛ فالعامِل زَيْد لم يُكْرَه (لم يُرْغَم، لم يُجْبَر) على بيع قوَّة عمله لـ "ربِّ العمل" عمرو، الذي لم يُكْرِه العامِل زيد على أنْ يبيع له قوَّة عمله؛ فَلِمَ، وبأيِّ حقٍّ، تسعون في إظهار وتصوير "الحرِّيَّة" الكامنة في أساس هذه العلاقة على أنَّها ضرب من "العبودية"؟!

في دهشةٍ (واستغراب) يتساءلون!

يا لها من "حرِّيَّة" زائفةٍ كاذبةٍ خادِعةٍ؛ فهذا العامِل زيد ليس بمُكْرَهٍ على بيع قوَّة عمله لـ "ربِّ العمل" عمرو؛ لكنَّه مُكْرَهٌ على بيعها لـ "الطبقة" التي إليها ينتمي عمرو؛ فَعَنْ اضطِّرار، وإكراهٍ، نُمارِس نحنُ أمثال وأشباه زيد لعبة خداع النفس تلك، والمسمَّاة "الحُرِّيَّة"، فنوقِّع "العقود"، ومن غير أنْ نكلِّف أنفسنا عناء قراءتها، ونتنازل فيها، من ثمَّ، عمَّا بقي لنا من حقوق؛ فإنَّ في هذا "التنازُل الحقوقي"، الذي نمارسه في استمرار، يكمن "مَصْدَر آخر" لأرباح "سادة العقود"؛ والربح المتأتي من هذه "المَصْدَر"، وأشباهه، وما أكثرها في بلادنا، قد يُنْظَر إليه على أنَّه ثمرة من ثمار الفساد؛ فـ "الطبيعي" و"السليم" و"السوي" من "الربح" إنَّما هو ذاك المتأتي من "الجزء المجَّاني" من عمل العامِل، أو من، بحسب وجهة نظر كهنة "الاقتصاد الحر"، "معجزة" التكاثُر الذاتي التلقائي للمال الذي وظَّفه واستثمره "رب العمل"!

تَرَكْتُ "العقد"، ومبدأ "العقد شريعة المتعاقدين"، وذَهَبْتُ إلى "الدستور"، بصفة كونه "أُمَّ القوانين (أو "أباها"، فما عُدتُّ أَذْكُر)"، وإلى ما وقَّعناه من اتفاقيات دولية في شأن "حقوق الإنسان"، فهالَني ما رأيْتُ من بَوْنٍ شاسعٍ بين كل تلك الشرائع وبين "العقد شريعة المتعاقدين"؛ فنحن عاجزون تماماً عن الانتفاع والإفادة ممَّا كَفَلَتْهُ لنا تلك الشرائع من حقوق، ليس لكوننا نجهلها ولا نَعْلمها؛ وإنَّما لكوننا (ولو عَرَفْناها وحفظناها عن ظَهْر قَلْب) في اضطِّرار (واقعيٍّ) دائم إلى "التنازُل عنها (بملء إرادتنا)"، وإلى "بيعها" بـ "أبخس الأثمان"؛ فما نَفْع "حقوق" تُمْنَح لنا، ويَكْفَلها الدستور والقانون لنا، إذا ما كانت ظروف عيشنا تَحُول بيننا وبين ممارستها، والدفاع عنها، وجَعْلها في الحفظ والصَّون مِمَّن لا يَغْنون، ولا يعيشون، ولا يسودون، إلاَّ بالتطاول عليها، واغتصابها مِنَّا؟!

ورَحِمَ الله هيجل الذي أماط لنا اللثام عن جوهر "المساواة القانونية" إذ قال إنَّ "القانون" يساوي (أيْ يساوي في ميزانه) بين أطراف غير متساوين واقعياً؛ فالعامل ورب العمل، مثلاً، هما طرفان غير متساويين واقعياً (أيْ في الواقع الاقتصادي) لكنَّهما متساويان أمام القانون؛ والعاقبة المترتِّبة، حتماً، على ذلك هي جَعْل "المساواة القانونية" كظلٍّ بلا جِسْمٍ!

"العقد شريعة المتعاقدين" هو الآن، عندنا، منبع لا ينضب للفساد والظُّلْم؛ وإنِّي لأدْعو الله (لأنني لا أملك إلاَّ الدعاء) أنْ يُري الدولةَ الحقَّ حقَّاً، ويرزقها اتِّباعه، فتُحطِّم هذا "الصَّنَم الأكبر"، المسمَّى "العقد شريعة المتعاقدين"، وتَخْرُج من جلدها، فتنحاز، ولو قليلاً، إلى ضحايا هذا "المبدأ ـ الصَّنم"، وما أكثرهم، وتُنْصِفهم حقوقهم التي أُكْرِهوا على التنازل عنها لقضاء حاجة ما، فشتَّان بين أنْ تكون "المِلْكيَّة الخاصة" سَرِقة وبين أنْ تُتَّخَذ أداة للسرقة!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتى لا ينتصر شفيق وتُهْزَم مصر!
- إنَّها -المستحيلات الثلاثة- في الكون!
- التفاعل بين -المادة- و-الفضاء-
- في فلسفة اللغة
- فساد الكِتَابة!
- لويس السادس عشر يُبْعَثُ عربياً!
- فكرة -الرُّوح- وكيف شَقَّت طريقها إلى رأس الإنسان
- مرَّة أخرى وأخيرة في محاورة -أعداء ماركس-!
- أعداء ماركس.. على هذه الشاكلة!
- -موتى- يَنْعُون -الماركسية-!
- في -حُرِّيَّة التعبير-
- دَعْهُمْ يَخْتَبِرون أوهامهم!
- -المجلس العسكري- يخوض -معركة الرئيس-!
- -الحياة- فلسفة!
- -الإحساس- من وجهة نظر -مادية جدلية-
- في هذا يكمن -سِرُّ قوَّته-!
- -أزمة- مصر تكمن في عدم اكتمال ثورتها!
- ما لَمْ يُقَلْ في -القرية العالمية-!
- -سادات- يلبس عمامة!
- عندما يُحْظَر قيام أحزاب -على أساسٍ ديني- في الأردن!


المزيد.....




- بيان للولايات المتحدة و17 دولة يطالب حماس بالإفراج عن الأسرى ...
- طرحتها حماس.. مسئول بالإدارة الأمريكية: مبادرة إطلاق الأسرى ...
- نقاش سري في إسرائيل.. مخاوف من اعتقال نتنياهو وغالانت وهاليف ...
- اعتقال رجل ثالث في قضية رشوة كبرى تتعلق بنائب وزير الدفاع ال ...
- بايدن و17 من قادة العالم يناشدون حماس إطلاق سراح الأسرى الإس ...
- البيت الأبيض يدعو حماس لـ-خطوة- تحرز تقدما في المفاوضات حول ...
- شاهد.. شيف غزاوي يعد كريب التفاح للأطفال النازحين في رفح
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات مستقلة في المقابر الجماعية بغزة ...
- بلجيكا تستدعي السفيرة الإسرائيلية بعد مقتل موظف إغاثة بغزة
- العفو الدولية: الحق في الاحتجاج هام للتحدث بحرية عما يحدث بغ ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - جواد البشيتي - -العقد شريعة المتعاقدين-.. أهو مبدأ ل -السرقة-؟!