أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وديع العبيدي - الدين.. وعبادة الموتى















المزيد.....

الدين.. وعبادة الموتى


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3742 - 2012 / 5 / 29 - 08:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



"الاله قد مات، وقبره في المعبد". عبارة فردريك نيتشه تعرضت لسوء فهم واستخدام، إسوة بأي فكرة فلسفية تقع في أفواه العوام. مثلها مثل عبارة ماركس "الدين أفيون الشعوب"، أو انتقادات اسبينوزا للفكر الديني. كثيرون يعترفون بالممارسات السيئة والكوارث التي تسببت بها مؤسسات دينية كالحروب الصليبية وصكوك الغفران، وحملات الاستعداء الديني والعرقي خلال القرون الوسطى، ولكن قليلين يربطون بين تلك الممارسات، وما عاصرها أو أعقبها من أفكار ومواقف وفلسفات. وكأنهم بذلك يدعمون سلطة المقدس وعصمته عن أي تدخل بشري.
كان نيتشه [1844- 1900] شاعرا وفيلسوفا ذا رؤية متقدمة عن عصره، فكان ارتباطه واحساسه بالانسان أكثر قوة من ارتباطه بالنظريات المجردة. وحين أمسك بذلك الخيط، أدرك أن بناء الفرد الكامل أو المستقل الارادة لابدّ أن يبدأ بتحريره من عبودية مؤسسة الدين والمفاهيم السائدة. فالدين كمؤسسة اقطاعية قائمة على اتطفل والاستغلال؛ انما تقوم على حجرين:-
- مصادرة فائض القيمة الناتج من العمل الاقتصادي الفردي والتجاري.
- مصادرة الحرية عبر الاستحواذ على عقول الناس وتلقينهم – أنماطا من طرز الحياة والفكر- بما يجعلهم عبيدا للغيب ومخاوف الحياة الأخرى.
بعض جذور الدين هي من مخلّفات بدائية لطقوس عبادة الموتى، بما يتخللها من اضفاء التعظيم والتمجيد والمهابة والتزلف إليهم لاتقاء ضرباتهم الغاضبة. وتشكل [الاحلام] وسيلة الاتصال بين الموتى والاحياء. ولا بدّ أن البعض يستذكر اهتمام ذويه بإقامة وليمة وتوزيعها على الجيران والغرباء، تحت عنوان (خيرات للميت)*، سواء كانت في مناسبات عقب الموت أو أثر حضور الميت في حلم ما يفهم منه حاجته لأعمال خيرية لصالحه. فآثار عبادة الموتى أو تعظيمهم مستمرة في مجتمعات الشرق الأوسط، كتعبير عن الخوف من الموت وعالمه، رغم انتشار الديانات التوحيدية وفي إطارها دون تعارض يذكر.
عندما نزل موسى بن عمرام من جبل سيناي وهو يحمل لوحي الوصايا (العشر)، لم يخطر لطبقة الشيوخ يومئذ، إقامة نصب أو صرح توضع (أو تكتب) عليه تلك الوصايا. وكانت شعوب سابقة لهم تنحت وصاياها الاخلاقية ولوائحها القانونية على نصب واضحة وشاهقة يكون بميسور كل فرد الاطلاع عليها مثل مسلة حمورابي [أليس جديرا أن تصاغ دساتير اليوم على نصب فنية توضع في الساحات الرئيسة للبلدان، فيطلع عليها الناس من جهة، ولا يجرؤ الحكام والمحكومين على تجاوزها!].
لكن الفكرة التي خطرت لهم يومها هي فكرة (التابوت) الذي وضعت فيه الوصايا، ومكانه القسم المسمى "قدس الأقداس" داخل خيمة العبادة [هيكل سليمان- لاحقا].
لقد كان من ثمار الاصلاح البروتستانتي في الكنيسة الغربية، فتح باب الاجتهاد والنقد والدراسة في مجال الديانات باعتبارها جزء من تاريخ الفكر والمجتمع الانساني. وكان لتلك الدراسات أثر في تطور الفكر الديني ودراسات اللاهوت لاحقا. وكان لحركة الاصلاح الديني في الغرب تحرير الانسان من طغيان الدين وإقطاع المؤسسة من جهة، ومن جهة ثانية تحرير الدين من كثير من الخرافات والخزعبلات الغيبية والطقسية التي تخذت طابع القداسة في لاوعي الفرد عبر الزمن. فتميزت الكنيسة الاصلاحية أو المصلَحة بخلوها من زخارف ونقوش الكنائس والكاتدرائيات التقليدية من جهة، كما تفتقد القسم الخاص بالمذبح أو قدس الاقداس الذي لا يدخله غير الكاهن الأعلى، كما تمنع أية تماثيل أو أيقونات بما فيها الصليب الخشبي أو صور المسيح. تكتفي الكنائس الجديدة برمز الصليب الخشبي [من غير جثة]، والبعض يضع عليه شالا أبيض حسب الطريقة المندائية، أو يوضع اكليل ورد على صورة الصليب. والبعض يمايز نفسه حتى في طراز البناء الداخلي والخارجي عن أشكال الكنائس، شأنها شأن بناية عادية، وفي داخل قاعة الاجتماع لا يسمح بأي صورة أو رمز خشبي أو حجري [صليب أو أيقونة]. مرت حركة الاصلاح الديني في الغرب بعدة مراحل، ولم تتم مرة واحدة، ولذا فهي ما زالت مستمرة، تواصل التشذيب والتنفية الروحية من أية مراسم أو طقوسية ورموز تخترق العبادة الروحية.
فيما تستمر الكنائس التقليدية [ارثوذكس- كاثوليك] في التعلق بالرموز والطقوس وأشخاص القديسين (Saints) . لقد طلب بعض القساوسة أو الرهبان أن يدفنوا داخل كنائسهم أو أديرتهم، وذلك في تقليد سيء ومشين. وقد دفن جثمان يوحنا المعمدان في داخل الكنيسة التي تحمل أسمه في دمشق، والتي تحولت إلى الجامع الأموي لاحقا. وهي من الممارسات التي يقدم عليها العوام تحت تأثير العاطفة الدينية والانفعال الجارف. هذه الظاهرة الطقوسية المتوارثة عبر الزمن، وجدت طريقها للموروث الاسلامي الذي استبدل فكرة [تابوت العهد] التي تضم حجري الوصايا بـ[حجر أسود] يعتقد العرب بقداسته من قبل ظهور الاسلام. ولا يحمل الحجر أي نقوش أو كتابة، ويرى جواد علي أن الحجر كان أبيضا ثم اسودّ من كثرة لمسه بالأيدي والقبلات.
وعلى غرار الكعبة تم بناء الأضرحة الشيعية لعلي وأهل بيته. حيث تحتوي الباحة الداخلية على هيكل مذهب يضم داخله رفاة صاحب المكان، ويدور الناس حوالي "القفص/ الهيكل" في طقوس الزيارة أو العبادة، وهم يرددون كلمات وطلبات وتشفعات لهم ولذويهم. ويعود الاهتمام بهذه الأضرحة وصيانتها والترويج لها إلى أيام اسماعيل الصفوي أول من اعتمد التشيع ديانة رسمية في فارس في القرن السادس عشر، لمناوأة آل عثمان الذين اعتمدوا التسنن ديانة رسمية لدولتهم.
وقد هاجم الوهابيون (اتباع مذهب محمد عبد الوهاب) كلا من كربلاء والنجف للتخلص من الأضرحة الشخصية بدعوى تعارضها مع الفكر الاسلامي. ويذكر أن ظهور شخصية محمد عبد الوهاب [1115- 1206هـ/ 1703- 1791م] يجعله معاصرا لشخصية جون وسلي المصلح الانجليزي [1703- 1791م] رائد مذهب الاسلوبية والذي دعا للتأكيد على جوهر الدين، ونبذ القشور. وتتبعه اليوم جميع الكنائس التي تسمي نفسها بالاسلوبية [Methodist Churches].
*
فالدين، كظاهرة اجتماعية، ومؤسسة اقطاعية سلطوية، تقوم على ثلاثة أركان، هي [الكتاب المقدس/ المعبد/ الكهنوت] وجميعها تحت رحمة رجل الدين. وقد استخدم نيتشه مصطلحي [الوعي والضمير] للتعبير عن جوهر الحرية. ويأتي هذا الاستخدام للضمير كما عند الفلاسفة الوجوديين والنفسانيين بمثابة [الأنا الأعلى] المقابل لصورة [الاله] بالمفهوم الديني.
فالدين، ممثلا في مؤسسة الكهانة، يعود إلى مرحلة ما بعد موت الاله [الضمير الأعلى]، وسيطرة الكهنة على صلاحياته لخدمة رغباتهم وأمزجتهم. فلا يكون الكاهن ممثلا وناطقا رسميا باسم الاله، وانما هو بديله بعد القضاء عليه. ويمكن ملاحظة أحقاب من التاريخ لم يكن الدين قد ظهر فيها بحسب تقسيمات التاريخ الديني [التوراتي] إلى قسمين أو ثلاثة..
- القسم الأول المدعو بعهد الآباء، وكان الاتصال مباشرا بين الاله والناس عامة، وهو سابق لظهور الانبياء..
- القسم الثاني يتمثل بظهور الأنبياء بدء بابراهيم ومن جاء بعده.. اقتصر فيه الاتصال الالهي بأشخاص مصطفين دون سواهم.
- القسم الثالث يتمثل بظهور الكهنوت كزعماء دينيين وقضاة، عقب تقلص ظاهرة الانبياء، والاستعاضة عنهم بالكهنة والقضاة، ثم استمر موازيا لظهور الدولة وانتهى بنقض الهيكل وحرقه عام سبعين للميلاد.
ومع بداية التأسيس المسيحي، حاولت الكنيسة التقليدية تعويض غياب الكهنوت العبراني، بتقمص الظاهرة وادخالها التقليد الكنسي (الأرثوذكسي، الكاثوليكي)، وبالتالي استمرار وجود تلك الطبقة التي تفصل بين الفرد وإلهه. وقد حاولت كنائس الاصلاح استبدال تسمية الكاهن (التقليدية) بصفة راعي الكنيسة، وهي تسمية خارجية* لم تغير كثيرا في المضمون القديم. ويتميز عنهم جماعة الأخوة (Brethern) في نبذ الألقاب الدينية والاكتفاء بصفة (الأخ)، والأخ الكبير هو الذي يتقدم ويكسر الخبز أو يقدم الكلمة.
واليوم.. كثير من الكتب الانجيلية الحديثة تحاول التأكيد على وجود الاله الحقيقي الحي، والمؤمن الحقيقي هو الذي يختبر العلاقة مع الربّ، والسير اليومي معه. وفي ذلك تستخدم تعابير: الربّ ما زال يتكلم، ويستطيع أن يجيبك عن اسئلتك وطلباتك. أما المؤمن الطقسي فهو يتعامل مع دائرة كهنوت أرضي، يصادر الاله وينوب عنه، أو ينيب أشخاصا للتشفع أو العبادة.
يبقى جوهر السؤال الأساسي: هل الآله هو الذي مات، أم الانسان؟!!..



ـــــــــــــــــــــــــــــ
• إذا زار الميت أحد أقاربه في (حلم) وطلب ماء أو خبزا أو سأل عن أحد، يكون المعنى أن "روح" الميت تطالب باكرامها واعداد وليمة عامة باسمها، أو أنها تطلب زيارة (الموتى) السنوية أو الدورية، وفي تراثنا الاجتماعي إرث زاخر في اكرام الموتى واستمرار الصلة بهم سواء من خلال المناسبات الدينية والصلوات أو مراسيم زيارات القبور والأضرحة الدينية الدورية، والتي تختلط فيها ارواح الموتى الشخصيين مع أرواح رموز الدين.
• [له صورة الحياة وداخله ميت]، تعبير استخدمه المصلح الانجليزي أندرو ميلر [1810- 1883] في وصف حركة البروتستانت.



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصطفى سعيد الآن!..
- الدين.. وتغليف فكرة اللا جدوى بالشوكولاته
- هل الدولة شرّ؟!!
- عمال بلا عيد
- الدين.. والحرية
- الدين والسياسة
- الناس بين الإله وموظفيه!
- علم الأديان المقارَن.. والدرس الديني
- الدين والعقل
- قطار البصرة
- هل الدين علم؟!..
- رسالة من شهيد
- فردتا حذاء
- من عذابات حرف السين
- الأديب الكردي حافظ القاضي.. وشيء من كتاباته
- موسوعة الوطن الأثيريّ..
- اليسار والتعددية.. والابداع واللامركزية
- مع الفنان منير الله ويردي في فيننا..
- نظرة في الحاضر..
- في دارة الأستاذ عبد الهادي الفكيكي..


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وديع العبيدي - الدين.. وعبادة الموتى