أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - إبنان لعمر بن الخطاب :ضلّا الطريق ، وكانا على طرفى نقيض















المزيد.....


إبنان لعمر بن الخطاب :ضلّا الطريق ، وكانا على طرفى نقيض


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 3738 - 2012 / 5 / 25 - 11:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مقدمة
أنجب عمر بن الخطاب أولادا وبنات من عدة زوجات وجوارى ، أو (أمهات أولاد) بالتعبير التراثى. أكبر أولاده واشهرهم عبد الله بن عمر ( بطل قصتنا )وعبد الرحمن وحفصة وأمهم زينب بنت مظعون. ثم زيد الأكبر ورقية وأمهما أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب و فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم زيد الأصغر وعبيد الله ( بطل قصتنا الآخر ) وأمهما أم كلثوم بنت جرول من خزاعة. ثم عاصم وأمه جميلة بنت ثابت من الأنصار ، ثم عبد الرحمن الأوسط وأمه لهية أم ولد ، وعبد الرحمن الأصغر وأمه أم ولد ، وفاطمة وأمها أم حكيم بنت الحارث المخزومية ، وزينب وهي أصغر ولد عمر وأمها فكيهة أم ولد . وعياض بن عمر وأمه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل .ومن أولاد عمر جميعا أشتهر إثنان عبد: الله وعبيد الله .
ضلّ الطريق الأخوان عبد الله وعبيد الله فى تعاملهما مع الأمويين ،مع تناقضهما فى كيفية هذا التعامل ، فقد كان تأييدا بالسيف قام به عبيد الله بن عمر متحالفا مع معاوية فى صفين ضد (على )،وكان سكوتا عند عبد الله بن عمر عن مظالم الأمويين مقابل المال والعطايا . كان عبيد الله ظالما ، وكان أخوه الأكبر عبد الله ساكتا عن الظلم ، ودفع كلاهما الثمن قتلا . وإخفاق الأخوين عبد الله وعبيد الله فى تعاملهما مع الأمويين يجعلنا نتساءل عن فشل والدهما عمر بن الخطاب فى تربية أبنائه بينما كان يطارد الناس يضربهم بالدرّة .
ونبدا بالأخ الأقل شهرة (عبيد الله بن عمر بن الخطاب )
عبيد الله بن عمر :
1 ـ فى أواخر خلافة عمر بن الخطاب كانت المدينة تغصّ بالرقيق الأطفال ذكورا وإناثا من السبى الذى جىء بهم من بلادهم الأصلية بعد إنتصارات الصحابة فى الفتوحات العربية .
كانت العادة تقسيم الغنائم والسبى من النساء والأطفال والأسرى الكبار أخماسا ، فيتم توزيع اربعة أخماس السبى والغنائم على جنود الجيش ، ثم يرسل الباقى الى المدينة للخليفة عمر . ومنع عمر أن يوجد فى المدينة من السبى والأسرى من بلغ منهم الشباب حتى لا ينتقموا من أهل المدينة . ولكن عرض عليه المغيرة بن أبى شعبة أن يرسل اليه رجلا من السبى هو أبو لؤلؤة المجوسى كان ماهرا فى الحدادة والصنائع ، فسمح عمر باستقدامه إستثناءا من القاعدة . وجاء أبو لؤلؤة الى المدينة فوجدها تغصّ بأطفال السبى فى معسكرات خاصة بهم بعد أن رأوا قتل عائلاتهم وتفريق أمهاتهم وأخواتهم على الجنود ، ونزعهم من أحضان الامهات ، ثم تسييرهم آلاف الأميال ليؤتى بهم رقيقا للمدينة وهم فى عمر الزهور . كانوا يبكون ويشتكون ولا يأبه بهم أحد ، جاء أبو لؤلؤة للمدينة فكان يبكى لبكائهم ، وقد كان هو نفسه من قبل من السبى . وشكى أبو لؤلؤة للخليفة عمر إجحاف مولاه المغيرة بن أبى شعبه بما فرضه عليه من ضريبة يدفعها ، فرأى عمر أن سيده المغيرة لم يظلمه فيما فرضه عليه . زاد هذا من نقمة أبى لؤلؤة ودفعه الى قتل عمر . وقبيل صلاة الفجر والخليفة عمر كان على وشك أن يؤم الناس طعنه أبو لؤلؤة المجوسى ، وحاول بعضهم الامساك به فقتل أبو لؤلؤة وجرح بخنجره عدة منهم ، وتمكن أحدهم من الامساك به من الخلف فما كان من أبى لؤلؤة إلّا نحر نفسه بنفس الخنجر . هنا قفز عبيد الله بن عمر بن الخطاب الى سطور التاريخ حين اندفع فقتل من إعتقد أنهم شركاء أبى لؤلؤة فى الجريمة .
2 ـ تقول إحدى الروايات أن عبد الرحمن بن عوف رأى السكين الذى قتل به أبو لؤلؤة عمر فقال أنه رأها مع الهرمزان ( وهو قائد فارسى سابق تم أسره فأسلم وعاش فى المدينة ) وجفينة (وكان نصرانيا من نصارى الحيرة وكان ظئرا لسعد بن أبي وقاص أقدمه المدينة ، وكان يعلم الكتاب بالمدينة )، وقال عبد الرحمن بن عوف لهما : ( ما تصنعان بهذه السكين ؟ فقالا نقطع بها اللحم فإنا لا نمس اللحم ) سمع هذا عبيد الله بن عمر بن الخطاب فقال لعبد الرحمن بن عوف عن تلك السكين : ( أنت رأيتها معهما ؟ قال : نعم ) فأخذ عبيد الله بن عمر سيفه ودخل على كل منهما فقتله .
3 ـ وهناك رواية أخرى عن سعيد بن المسيب تقول ان عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق هو الذى رأى الخنجر الذى قتل به أبو لؤلؤة المجوسى عمر، وأنه قال حين قتل عمر: ( قد مررت على أبي لؤلؤة قاتل عمر ومعه جفينة والهرمزان فلما بغتّهم ثاروا ، فسقط من بينهم خنجر له رأسان ونصابه وسطه، فانظروا ما الخنجر الذي قتل به عمر. ) فوجدوه نفس الخنجر الذي وصفه عبد الرحمن بن أبي بكر . فانطلق عبيد الله بن عمر حين سمع ذلك من عبد الرحمن إبن أبي بكر ومعه السيف الى بيت الهرمزان ونادى عليه فلما خرج إليه الهرمزان قال له عبيد الله : انطلق معي حتى ننظر إلى فرس لي .وتأخر عنه عبيد الله حتى إذا مضى الهرمزان بين يديه ضربه بالسيف غيلة . وقال عبيد الله : (فلما وجد حر السيف قال: لا إله إلا الله )!. وقال عبيد الله: ( ودعوت جفينة فلما علوته بالسيف صلّب بين عينيه) أى رسم الصليب . وتقول إحدى الروايات إن الهرمزان وجفينة كانا قد أسلما وفرض لهما عمر العطاء كبقية المسلمين . وبعد قتلهما انطلق عبيد الله فقتل ابنة صغيرة مسلمة لأبي لؤلؤة ، وأراد عبيد الله أن لا يترك سبيا بالمدينة إلا قتله ، أى يقتل كل أطفال السبى ، ولكن منعه الصحابة .
4 ـ تقول الرواية عن عبيد الله ( القاتل ) : ( فأرسل إليه عثمان فأتاه فقال ما حملك على قتل هذين الرجلين وهما في ذمتنا فأخذ عبيد الله عثمان فصرعه حتى قام الناس إليه فحجزوه عنه ) أى ردّ عبيد الله بن عمر على سؤال عثمان بالهجوم على عثمان وطرحه أرضا مما استدعى تدخل الحاضرين وأنقذوا عثمان . وتقول الرواية أن عبيد الله كان حين بعث إليه عثمان قد تقلد السيف ، فعزم عليه عبد الرحمن أن يضعه فوضعه .
5 ـ وتقول رواية سعيد بن المسيب إن عبيد الله بن عمر حين صمّم على قتل كل أطفال السبى حاججه المهاجرون الأولون ونهوه وتوعدوه فقال : ( والله لأقتلنهم وغيرهم ) ،وعرّض ببعض المهاجرين . فلم يزل عمرو بن العاص به حتى دفع إليه السيف ، فلما دفع إليه السيف أتاه سعد بن أبي وقاص غاضبا بسبب مقتل جفينة ، فتصارع مع عبيد الله وأخذ كل واحد منهما برأس صاحبه يتناصيان حتى حجز بينهما الناس. ثم أقبل عثمان قبل أن يبايع له بالخلافة في تلك الليالي وتشابك وتعارك مع عبيد الله حتى حجز بينهما الناس . وقال أحدهم وقد حضر المعركة ( جعل عثمان يومئذ يناصي عبيد الله بن عمر حتى نظرت إلى شعر رأس عبيد الله في يد عثمان ).!
فلما استخلف عثمان دعا المهاجرين والأنصار فقال: أشيروا علي في قتل هذا الرجل الذي فتق في الدين ما فتق. فافترق الناس الى رأيين:منهم من يشايع عثمان على قتل عبيد الله ، ومنهم من يستكثر قتل عمر بالأمس ثم قتل إبنه اليوم ، يقولون لجفينة والهرمزان أبعدهما الله لعلكم تريدون أن تتبعوا عمر ابنه.! فكثر في ذلك اللغط والاختلاف . ثم قال عمرو بن العاص لعثمان : يا أمير المؤمنين إن هذا الأمر قد كان قبل أن يكون لك على الناس سلطان فأعرض عنهم . وأخذ عثمان برأى عمرو ، ودفع دية الرجلين والبنت . ويقول أحدهم متعجبا (رأيت عبيد الله يومئذ وإنه يناصي عثمان وإن عثمان ليقول قاتلك الله قتلت رجلا يصلي وصبية صغيرة وآخر من ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في الحق تركك .! .. فعجبت لعثمان حين ولي كيف تركه ، ولكنني عرفت أن عمرو بن العاص كان دخل في ذلك فلفته عن رأيه )
وقال آخر يصف عبيد الله بن عمر وتهوره :( ما كان عبيد الله يومئذ إلا كهيئة السبع الحرب وجعل يعترض العجم بالسيف ، حتى حبس يومئذ في السجن ،فكنت أحسب لو أن عثمان ولي سيقتله لما كنت أراه صنع به . فقد كان هو وسعد أشد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه) ، أى كان على وشك أن يقتل السبى بالسيف لولا أن قبضوا عليه وحبسوه .
وهناك رواية تنسب لعبد الله بن عمر قوله : ( يرحم الله حفصة فإنها ممن شجع عبيد الله على قتلهم )، أى يتهم شقيقته السيدة حفصة أم المؤمنين بتحريض أخيها غير الشقيق عبيد الله على قتل الهرمزان وجفينة والطفلة بنت أبى لؤلؤة المجوسى . وانتهى الأمر بأن أطلق عثمان سراح عبيد الله بن عمر من السجن .
6 ـ وكان ( على بن أبى طالب) يرى القصاص من عبيد الله . وقد قال علي لعبيد الله بن عمر : (ما ذنب بنت أبي لؤلؤة حين قتلتها ؟ ) ، فكان رأي علي حين استشاره عثمان ورأي الأكابر من أصحاب رسول الله على قتله ، لكن عمرو بن العاص كلم عثمان حتى تركه ، فكان (علي ) يقول : ( لو قدرت على عبيد الله بن عمر ولي سلطان لاقتصصت منه )، وقالوا : ( كان رأي علي أن يقتل عبيد الله بن عمر لو قدر عليه ). وبتولى علي بن أبي طالب الخلافة أراد قتل عبيد الله بن عمر فهرب منه إلى معاوية فلم يزل عبيد الله مع معاوية فقتل بصفين.
7 ـ وطلب معاوية من عبيد الله بن عمر أن يتجهز ليكون فى مقدمة الجيش المرسل ليحارب عليا فى صفين ، فاستعد عبيد الله ، ونصحه مولى له فقال له : فداك أبي .! إن معاوية إنما يقدمك للموت إن كان لك الظفر فهو يلي وإن قتلت استراح منك ومن ذكرك فأطعني واعتل ( أى إدّعى المرض ) فأعرض عنه عبيد الله . ورأته إمرأته ( بحرية بنت هانئ) يتجهز ، وكان قومها من شيعة (على ) فقالت له : ما لي أراك مشمرا ؟ قال : أمرني أميري أن أسير في الشهباء . قالت : هو والله مثل التابوت لم يحمله أحد قط إلا قتل، أنت تقتل وهو الذي يريد معاوية. قال: اسكتي والله لأكثرن القتل في قومك اليوم . فقالت : خدعك معاوية وغرك من نفسك وثقل عليه مكانك ، قد أبرم هذا الأمر هو وعمرو بن العاص قبل اليوم فيك ، لو كنت مع علي أو جلست في بيتك كان خيرا لك ، قد فعل ذلك أخوك وهو خير منك . قال اسكتي ، وهو يتبسم ضاحكا ، لترين الأسارى من قومك حول خبائك هذا . قالت : والله لكأني راكبة دابتي إلى قومي أطلب جسدك أواريه ، إنك مخدوع ... قال أقصري من العذل فليس لك عندنا طاعة . وذهب عبيد الله إلى معاوية فجعله قائد كتيبة الشهباء كمقدمة لجيشه وهم اثنا عشر ألفا وضم إليه ثمانية آلاف من أهل الشام يقودهم ذو الكلاع الحميرى ، وزحف بهم عبيد الله نحو معسكر (على ) فتصدى لهم شيعة على من قبائل ربيعة ، واقتتلوا أشد القتال ، وانهزم جيش معاوية وقتل عبيد الله وقتل ذو الكلاع . وكان الذي قتل عبيد الله هو زياد بن خصفة التيمي .
8 ـ وأراد معاوية أن يستغل قتل عبيد الله لمصلحته كما فعل من قبل مع عثمان حين تركه يقتله الثوار ثم استخدم قميصه ليؤلب الناس على ( على ) . أراد معاوية الحصول على جثة عبيد الله ليثير به الناس ، فقال معاوية لامرأة عبيد الله : لو أتيت قومك فكلمتهم في جسد عبيد الله ابن عمر.! فركبت إليهم ومعها من يجيرها ويؤمّنها على نفسها ويحميها ، فأتتهم ، فانتسبت ، أى عرفتهم بنسبها فقالوا : قد عرفناك مرحبا بك ، فما حاجتك ؟ قالت : هذا الجسد الذي قتلتموه فأذنوا لي في حمله. فوثب شباب من بكر بن وائل فوضعوه على بغل وشدوه ، وأقبلت امرأته تحمله الى عسكر معاوية فتلقاها معاوية بسرير فحمله عليه ، وحفر له وصلى عليه ودفنه، ثم جعل يبكي ويقول: قتل ابن الفاروق في طاعة خليفتكم حيا وميتا فترحموا عليه وإن كان الله قد رحمه ووفقه للخير .! وبينما كانت أرملة عبيد الله ( بحرية بنت هانىء ) تبكي عليه بلغها ما يقول معاوية فقالت ترد عليه : ( أما أنت فقد عجلت له يتم ولده وذهاب نفسه ثم الخوف عليه لما بعد أعظم الأمر ) . فبلغ معاوية كلامها فقال لعمرو بن العاص : ألا ترى ما تقول هذه المرأة ؟ فقال له عمرو : ( والله لعجب لك .! ما تريد أن يقول الناس شيئا ؟ فوالله لقد قالوا في خير منك ومنا ، أفلا يقولون فيك .!! أيها الرجل إن لم تغض عما ترى كنت من نفسك في غم . )قال معاوية : (هذا والله رأيي الذي ورثت من أبي ).
9 ـ واختلف الروايات فيمن قتل عبيد الله بن عمر؛فقائل يقول قتله رجل من ربيعة ، وقائل يقول قتله رجل من همدان ، وقائل يقول قتله عمار بن ياسر،وقائل يقول قتله رجل من بني حنيفة . وهناك رواية عن سعد بن الحسن مولى الحسن بن علي قال : خرجت مع الحسن بن علي ليلة بصفين في خمسين رجلا من همدان يريد أن يأتي عليا ، وكان يومنا يوما قد عظم فيه الشر بين الفريقين ، فمررنا برجل أعور من همدان يدعى مذكورا قد شد مقود فرسه برجل رجل مقتول. فوقف الحسن بن علي على الرجل فسلم ، ثم قال : من أنت ؟ فقال رجل من همدان ، فقال له الحسن: ما تصنع ها هنا ؟ فقال : أضللت أصحابي في هذا المكان في أول الليل فأنا أنتظر رجعتهم. قال : ما هذا القتيل ؟ قال : لا أدري غير أنه كان شديدا علينا يكشفنا كشفا شديدا وبين ذلك يقول أنا الطيب بن الطيب وإذا ضرب قال أنا بن الفاروق فقتله الله بيدي . فنزل الحسن إليه فإذا عبيد الله بن عمر وإذا سلاحه بين يدي الرجل ، فأتى به عليا فنفله علي سلبه وقومه أربعة آلاف . وهناك رواية أخرى تقول إن يوم الجمعة شهد قتالا شديدا وفى غمار الحرب التقى عمار بن ياسر وعبيد الله بن عمر فقال :عبيد الله أنا الطيب بن الطيب ، فقال له عمار بن ياسر : أنت الخبيث إبن الطيب ، فقتله عمار . وفى رواية أخرى أن عبيد الله إبن عمر قطع أذن عمار يومئذ.
10 ـ وقبل أن نترك عبيد الله بن عمر نلاحظ أننا أمام شخصية ولدت وعاشت فى نقطة تحول شهدت ذروة الاسلام ، وبداية أفوله أيضا ، وانعكس الأفول عليه أكثر. أبوه عمر بن الخطاب ، وأخته أم المؤمنين حفصة ، وربما كان طفلا عندما مات النبى محمد عليه السلام ، ولكن عبق سيرته الطاهرة أضاعته خطيئة الفتوحات ، فلم يستفد شيئا من عصر الرسالة،بل تأثر بالوضع الجديد الذى جاءت به الفتوحات ، نظر للسبى على أنه ممتلكات له الحق فى ذبحها ليخفف من غضبه . هذا الشاب لم يعرف المبدأ الاسلامى القائل (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )، كأنه لم يقرأه مكررا ومؤكدا فى عدة آيات .انطلق بحمية الجاهلية يقتل الأبرياء،ولو تركوه لأقام مذبحة لأطفال السبى المساكين .!.ثم يصارع وهو شاب ويصرع شيوخا فى سنّ أبيه لهم مكانتهم ( عثمان وسعد بن أبى وقّاص )، ويتناول كبار المهاجرين بلسانه . وفى النهاية يفلت من العقاب ، حتى لم يدفع الدية من ماله ، بل دفعها عنه عثمان . وكان هذا بداية الوهن فى خلافة عثمان . وبعد قتل عبيد الله نتوقف مع أخيه الأكبر عبد الله.
عبد الله بن عمر بن الخطاب
1 ـ فى إيجاز فإن حياة عبد الله بن عمر قد طالت أكثر من أخيه الأصغر فشهدت ذروة الاسلام وذروة عطائه الشخصى فى هذه الفترة ، ثم إستكان وأسلم نفسه للظلم القائم فى فترة الظلم الأموى وغياب الاسلام . بدأ عبد الله بن عمر حياته بالإسلام والتحرك الإيجابي مع أبيه عمر بن الخطاب ، ثم آثر في الفتنة الكبرى والحكم الأموي أن يعتزل السياسة مع الحرص علي الاستفادة من الحكم القائم. لقد أسلم عبد الله مع أبيه عمر بن الخطاب في مكة ولم يكن قد بلغ الحلم ، وحاول الاشتراك في معركتى بدر وأحد ولكن رده الرسول صلي عليه وسلم لصغر سنه، واشترك في المعارك حين استوي شابا ، وفي فتح مكة كان في مقدمة الجيش وهو في العشرين من عمره فأثني عليه النبي صلي الله عليه وسلم حسبما تقول الروايات . وواصل ابن عمر عطاءه الإيجابي في خلافة أبي بكر وعمر ، وحين طعن أبو لؤلؤة المجوسي الخليفة عمر قام عمر بترشيح ستة من كبار الصحابة وعهد إليهم باختيار أحدهم وجعل معهم ابنه( عبد الله بن عمر) علي أن يكون له حق التصويت دون الترشيح، وجعل لصوته الفيصل النهائي إذا اختلفوا .. وبهذا بلغت إيجابية عبد الله بن عمر مداها ..
2 ـ ثم بدأ ابن عمر في الاعتزال حين شعر باختلاف سياسة عثمان عن نهج عمر، ولقد أراد عثمان أن يجعله يقضي بين الناس فقال له : لا أقضي بين اثنين ولا أؤم اثنين ، ثم تطور الأمر بمقتل عثمان ودخول المسلمين في الفتنة الكبرى،وقد شارك قسم من المسلمين فيها لنصرة الحق بقيادة ( علي) ومعه عمار بن ياسر، واعتزل سعد بن أبي وقاص الفتنة نهائيا .واكتفي ابن عمر بتأييد المنتصر القائم في الحكم وهو يعلم أنه ظالم ، وكانت تلك سياسته مع الأمويين يعتزل القتال ويؤيد المنتصر ويقبل هداياه . لقد رفض ابن عمر أن يكون زعيما في الفتنة ، قال له مروان ابن الحكم :هل نبايعك فإنك سيد العرب وابن سيدهم ، فقال له ابن عمر : كيف أصنع بأهل المشرق ؟ قال تضربهم حتى يبايعوا فقال ابن عمر : والله ما أحب أن تكون لي وأقتل في سبيلها رجلا واحدا.
3 ـ اكتفي ابن عمر بمبايعة من يصل إلي الحكم ، وقد قال : ما بايعت صاحب فتنة ، ولذلك رفض مبايعة ابن الزبير، وحين غلب عبد الملك بن مروان بن الحكم واجتمع عليه الناس كتب إليه ابن عمر :" إني قد بايعت أمير المؤمنين بالسمع والطاعة.. وإن أولادي قد أقروا بذلك " بل إنه بايع يزيد بن معاوية في حين رفض البيعة له الحسين وابن الزبير وابن عباس ، وحين بايعه ابن عمر قال : إن كان خيرا رضينا وإن كان بلاء صبرنا!! وحين ثارت المدينة علي يزيد بن معاوية جمع ابن عمر أولاده وحذرهم من نكث البيعة ليزيد وقال لهم " فلا يخلعن أحد منكم يزيد ولا يسرعن أحد منكم في الثورة علي الأمويين " ورأي ابن عمر انتهاك الأمويين للمدينة وشنائعهم فيها فاستمر علي عزلته ، وكان يصلي خلف الجميع وهم دونه في المنزلة ، وكان يقول " لا أقاتل في الفتنة وأصلي وراء من غلب "!!. وقيل عنه : "إن ابن عمر كان في زمان الفتنة لا يأتي أمير إلا صلي خلفه وادي إليه زكاة أمواله " وقد قالوا له " أتصلي مع هؤلاء ومع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضا؟ فقال : من قال حي علي الصلاة أجبته ومن قال : حي علي قتل أخيك وأخذ ماله قلت : لا" ..
4 ـ وفي نفس الوقت كان ابن عمر يقبل الأموال والهدايا من أصحاب الفتنة الظالمين، أي لم يعتزل تماما مثلما فعل سعد بن أبي وقاص ، واشتهر عنه قوله " لا أسأل أحدا شيئا ولا أرد ما رزقني الله " وقد بعث إليه عبد العزيز بن مروان بأموال فقبلها وقت أن كانوا يحاربون ابن الزبير والخوارج ، وحين أراد معاوية البيعة لابنه بعث لابن عمر بمائة ألف دينار فأخذها، ولذلك بايع يزيد وتمسك ببيعته ..
5 ـ وقد اتبع الأمويون معه سياسة العطاء وسياسة التهديد معا ، فكان معاوية يهدده بالقتل ليخيفه ثم ينكر أنه قال ذلك حين يعلم أن ابن عمر قد أصابه الرعب ، ثم توسع الأمويون في هذه السياسة حيث تولي الحجاج بن يوسف ولاية الحجاز لعبد الملك بن مروان .. فكانت نهاية ابن عمر علي يديه . كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج ثم كان الحجاج يؤخر الصلاة عن موعدها لأنه كان يطيل في خطبة الجمعة ، إذ حوّل الأمويون خطبة الجمعة الى منشور سياسى ، فغضب ابن عمر ولم يتحمل تضييع الصلاة ، فلم يعد يصلي خلف الحجاج فاشتد عليه الحجاج وهدده قائلا : " لقد كنت هممت أن اضرب عنق ابن عمر "!! وادعي الحجاج أن ابن الزبير قد حرف القرآن ، فثار ابن عمر في وجه الحجاج وقال له : كذبت ما يستطيع ذلك ولا أنت معه، فقال له الحجاج: اسكت فإنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك، يوشك شيخ أن يؤخذ فتضرب عنقه فيجر وقد انتفخت خصيتاه ، يطوف به صبيان البقيع ".!!
6 ـ وأدرك ابن عمر في النهاية أنه قد أخطا ، فقد أدت سياسته في السكوت على الظلم إلي إستفحال وشيوع الظلم الأموي وتضيع الصلاة واتهام القرآن ، ثم أدت إلي استهانة الأمويين به. وقد دس له الحجاج رجلا طعنه في الحرم برمح مسموم في قدمه ، فسقط مريضا ، وجاءه الحجاج يقول له : لو أعلم الذي أصابك لضربت عنقه ، فقال له ابن عمر : أنت الذي أصبتني . وخرج الحجاج يتندر عليه قائلا : إن هذا يزعم أنه يريد أن نأخذ بالعهد الأول ... أي بعهد النبي عليه السلام !! وهو علي فراش الموت كان عبد الله بن عمر يقول : ما آسي من الدنيا إلا علي ثلاث: ظمأ الهواجر ومكابدة الليل وألا أكون قاتلت هذه الفئة الباغية التي حلت بنا !!
الخاتمة
1 ـ رسالة الاسلام الذى نزل بها القرآن وجاهد بها خاتم المرسلين كانت نقطة مضيئة وسط ظلام الجاهلية وظلام العصور الوسطى . ومالبث الظلام أن طغى شيئا فشيئا بمجرد موت النبى ، فبدأ الاسلام ينحسر من واقع الصحابة بالفتوحات والفتنة الكبرى ، وتحول الى مجرد وسيلة للإستغلال السياسى ، وهو حتى الآن يتحمل وزر المتاجرين به من الأمويين والعباسيين والفاطميين والعثمانيين الى الوهابيين والاخوان المسلمين والسلفيين. غاب الاسلام الحقيقى عن واقع المسلمين وتوارى داخل القرآن المحفوظ من لدن الرحمن ليكون حجة على الناس الى يوم القيامة.
2 ـ وربما يكون عبيد الله بن عمر القاتل أقل جرما من أبيه عمر بن الخطاب الذى إستباح قتل وسبى وسلب واسترقاق شعوب بأكملها لم تقدّم له سيئة ، وارتكب كل هذا باسم الاسلام ، والاسلام دين العدل والقسط والسلام والاحسان ورسوله أرسله رب العزة رحمة للعالمين وليس لغزو واحتلال وظلم المساكين . ولكن الأديان الأرضية التى نشأت بين المسلمين متأثرة بتلك الفتوحات تؤله الخلفاء ( الراشدين ) ..ولا تزال .. ولذلك فإن كلامنا لايعجبهم ، لأن الذى يعجبهم أن يكون الاسلام دين الغزو والقتل والسبى والسلب والاستبداد والبغى والظلم ..
هذا مع إن الله جلّ وعلا لا يحب الظالمين ولا يريد ظلما للعباد .!!



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنتخابات الرئاسة المصرية
- (حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ) 1 تشخيص المرض : سر ...
- طار فوق عشّ المجانين ..!!
- وهم الآن فى مصر يريدون تطبيق شريعة أبى لهب .!
- صباح الخير يا أطفالى الأعزّاء
- قراءة لسورة (هود) بحثا عن وسائل لتفادى الهلاك:( الجزء الثالث ...
- مظاهرات ..وزعماء ..!!
- أسئلة غير بريئة
- الشاعر ( العرجى ) صناعة أموية
- قراءة لسورة ( هود ) بحثا عن وسائل لتفادى الهلاك:( الجزء الثا ...
- القرآن والواقع الاجتماعى (21)( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَن ...
- القاموس القرآنى ( ثياب )
- القاموس القرآنى : وضع
- قراءة لسورة ( هود ) بحثا عن وسائل لتفادى الهلاك : ( الجزء ال ...
- شوبش
- إنتبهوا أيّها السّادة .!!
- دعاء تحقق جزء منه وننتظر الباقى
- موقف لبيد بن ربيعة من الفصاحة القرآنية
- ( 7 ) الاهلاك الجزئى أو التعذيب للمسلمين بعد نزول القرآن الك ...
- إنهم يصرخون ..دعهم يصرخون.!!


المزيد.....




- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...
- إذا كان لطف الله يشمل جميع مخلوقاته.. فأين اللطف بأهل غزة؟ ش ...
- -بيحاولوا يزنقوك بأسئلة جانبية-.. باسم يوسف يتحدث عن تفاصيل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - إبنان لعمر بن الخطاب :ضلّا الطريق ، وكانا على طرفى نقيض