أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد حمدي سبح - الكراهية العدمية فيما بين الشيعة والسنة













المزيد.....

الكراهية العدمية فيما بين الشيعة والسنة


أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .

(Ahmad Hamdy Sabbah)


الحوار المتمدن-العدد: 3737 - 2012 / 5 / 24 - 16:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



ان عدمية المعنى والقيمة والهدف هي العنوان على علاقة الكراهية والبغض بين الشيعة والسنة ، حيث البحث عن الكراهية والتنافر هو السعي والمسعى لدى كل فريق من الطائفتين بشكل لا معنى ولا قيمة له الا عدمية الرغبة في الحوار والفهم والتفاهم .

ففي مصر قامت الدنيا ولم تقعد لمجرد أن مجموعة من المصريين الشيعيين قامت في مصر بأحد المظاهر الاحتفالية الشيعية والتي تعرف باسم الحسينيات والتي يتم فيها قراءة أهازيج وأشعار ومرثيات في مقتل الحسين بن علي بن أي طالب حفيد الرسول محمد عليهم جميعآ الصلاة والسلام ويقوم فيه الشيعة بالضرب الخفيف على صدورهم وأرجلهم (مع التحفظ على ذلك) ، وهي بالطبع تختلف عن التطبير وعزاء الزنجيل والتي يتم فيهما ضرب الرؤوس والظهور بالسيوف والسكاكين حتى تسيل الدماء وهما بالطبع ممارستين احتفاليتين مرفوضتين تمامآ .

لأن اسالة الدماء والاصابة بالجروح واللطم على الخدود لا يمكن أبدآ أن يكونوا وسيلة للتقرب الى الله فالله ليس بحاجة لقرابين بشرية أو دموية لمرضاته ، وابداء الندم على عدم نجدة الحسين ونصرته يوم موقعة كربلاء هو أمر لا يجب أبدآ أن يدفع الجيل الحالي ثمنه ، فكل نفس بما كسبت رهينة فأخطاء الأجيال السابقة وأوزارهم هم فقط من يتحملوها ويُسألوا عليها أما الجيل الحالي فلا عليه الا أن يأخذ العبرة مما حدث ، الشأن في ذلك شأن كل الأحداث التاريخية التي ندرسها ونأخذ منها العبرة ، والتي أصبح أصحابها في ذمة التاريخ وبين يدي الله يحاسبهم ويؤاخذهم على ما فعلوا ولسنا نحن المحاسبين ولا المحاسَبين على ذلك .

ومن ناحية أخرى فانه من الصحيح أن فريقآ من السنة لايريدون الوقوف على ما حدث ويصرون على أخذ موقف الحياد وعدم توجيه اللوم لمعاوية ومن معه على ما فعلوه والذين تسببوا في شهوتهم للسلطة والثروة بتمزيق المسلمين واثارة الفوضى في بلاد المسلمين وتدمير وحدة المسلمين حتى اليوم ، ولكن عدم الوقوف على ما فات وتجاوزه لكان يكون أمرآ محمودآ لو أن الهدف كان تجاوز آثار الماضي ومد أواصر الثقة والمحبة والتسامح والعمل على تحقيق الوحدة .

ولكن الموقف الحيادي لهذا الفريق أو محاولته لتبرير ما قام به معاوية انما ينبع لأن هذا الفريق من السنة يسيرون في ركب شرعنة الاستبداد والتسلط الذي يمارسه أغلب حكام اليوم من المسلمين وهو ذاك الاستبداد نفسه الذي ورثوه عن معاوية وأهله (فيما عدا عمر بن عبد العزيز) والذي تسبب في شرعنة واضفاء القدسية على الملك العضوض وتوريث الحكم والاكتفاء فقط بمحاولة نشر مظاهر شكلية للتدين من لحية وجلباب وحجاب ونقاب واعتبارها من صحيح وصريح الدين .

بل انهم يتحاجون في الرد على الحديث المنسوب للنبي محمد صلوات الله وسلامه عليه والذي يقول فيه أن عمار بن ياسر تقتله الفئة الباغية ، فيردون برد معاوية حين سمع هذا الحديث انما قتله من جاء به ، والرد هنا وعلى هذا فاننا لو اتبعنا تفسير معاوية فاننا معاذ الله سنقول أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو السبب في مقتل كثير من الصحابة وعمه حمزة ألم يرسلهم صلى الله عليه وسلم الى الحروب والغزوات !!! ، فكفى محاولة لشرعنة الظلم والافتراء والوقوف الى جانب فريق تسبب في صراعهه على السلطة في احداث الفرقة بين المسلمين ، وكفى دفاعآ عن أبناء هذا الفريق من يزيد وأتباعه الذين قتلوا آل بيت الرسول محمد صلوات الله وسلامهم عليهم أجمعين (فيما عدا علي زين العابدين لأنه كان مريضآ فلم يشارك في المعركة) ومثلوا بهم .

وفي هذا الاطار وخاصة بعد نجاح الثورة الاسلامية في ايران عام 1979م ، وبناء النظام الجمهوري على أنقاض النظام الامبراطوري في ايران والذي كان قائمآ على التوريث وخوف ملوك الخليج على عروشهم وثرواتهم ، فان فريقآ من رجال الدين السنة وأتباعهم وفي اطار ارضاء سلاطينهم الذين يغدقون عليهم بالأموال والأوامر سعوا الى شيطنة الشيعة مذهبآ وأتباعآ وقاموا بغسل أدمغة الناس وأفكارهم وزرع المخاوف وكثير من الأكاذيب والافتراءات والأمور المخرجة من سياقها .

كالترويج مثلآ لأكاذيب قديمة بأن الشيعة لديهم مصحف آخر غير القرآن الكريم الذي بين أيدينا فيما يعرف باسم مصحف فاطمة ، وحقيقة الأمر أن الشيعة لا يحتكمون الا لنفس القرآن الذي بين يدي جميع المسلمين ، أما مصحف فاطمة فان الكليني في الكافي يقول أن جبريل قد نزل على فاطمة على مدار 75 يومآ بعد وفاة الرسول ليعزيها في مصابها ويخبرها بالحادث في القادم من الأيام وقد قام علي بن أبي طالب بتدوين هذا الكلام في كتاب عرف باسم مصحف فاطمة لا علاقة له بالقرآن ، ويشكك عدد من علماء الشيعة في وقوع هذه الحادثة أصلآ كما أن هذا الكتاب المزعوم ليس موجودآ اليوم .

وكذلك يروج بعض من متطرفي السنة أن الشيعة يقولون بأن الوحي كان سينزل على علي بن أبي طالب ولكنه نزل بالخطأ على محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو القول الذي يثير الضحك الى حد البكاء ويثير الغضب الى حد الاحتقان لمجرد تصديق أحد لمثل هذا الهراء والذي الشيعة منه براء ، ولو افترضنا أن بعضآ من المجانين وزاهدي العقول من الشيعة قالوا ذلك لما وجب أن نعممه على لسان جميع الشيعة ونتهمهم بهذه الفرية العظمى ، فكل فرق ياني من وجود أمثال هؤلاء في كل مجتمع وكل دولة وكل ديانة .

فالقرآن حين نزل على محمد صلى الله عليه وسلم كان في الأربعين من عمره فيما علي بن أبي طالب كان في حوالي السابعة من عمره فكيف تتنزل الرسالة على طفل أو صبي ، هذا اذا تجاوزنا ان جبريل سيد الملائكة (المعصومة من الخطأ) نفسه من الممكن أن يخطأ ويوافقه الله سبحانه وتعالى على ذلك ، ان الشيعة أنفسهم يصيبهم الغثيان لمجرد سماع ذلك يقال عنهم .

وعلى الناحية الأخرى فانه لا يمكن اغفال أبدآ ما قام به شاهات الصفويين من اضطهاد وتعذيب للسنة الايرانيين أيام الدولة الصفوية (1501- 1736م) من خلال ممارسات سلاطين وشاهات هذه الدولة بدءً من مؤسسها اسماعيل الصفوي مرورآ بطهماسب الأول وعباس الأول والشاه حسين الذي اضطهد بشكل مبالغ السنة وعمل على طردهم بقسوة من البلاد حتى ثار عليه الأفغان السنة الذي كانوا تحت حكم الصفويين فأعدموه عام 1726م ، ثم تولية الشاه نادر الذي حاول التقريب بين المذهبين السني والشيعي بل واعتبار المذهب الجعفري الاثنى عشري (وهو الغالب في المذهب الشيعي ) كأحد المذهاب السنية ليصبح المذهب السني الخامس خاصة وأن المذهب السني الشافعي يعد أقرب المذاهب السنية الى الشيعة ، ولكن للأسف اصطدمت هذه المحاولات العظيمة بتشدد الفريقين السني والشيعي .

وكذلك فلازالت هناك ممارسات تتبعها الدولة الايرانية تجاه الأقلية السنية الايرانية في ايران والذين يتمركزون في أقاليم خراسان وبلوشستان وخوزستان أو الأهواز وتعد من قبيل الممارسات التي لا تحترم حرية التعبير والمعتقد ، كما أن الدستور الايراني وللأسف ينص على أن من يتولى منصب رئيس الجمهورية لابد أن يكون مسلم على المذهي الشيعي الجعفري ، وبالطبع فان مثل ذلك يعد تمييزآ فاضحآ ومرفوضآ تجاه نسبة تمثل قرابة ال25% من الشعب الايراني ، فمن المفروض وفي اطار الحرية الدينية فانه يجب على ايران وكل دول العالم بما فيها دول العالم الاسلامي ألا تشترط دين أو مذهب معين لمن يتولى المناصب العامة أو حتى الخاصة .

ولا يخفى على أحد الممارسات القهرية والقمعية التي تمارسها المملكة السعودية ضد مواطنيها الشيعة قاطني المنطقة الشرقية والتي يوجد فيها جزء كبير من البترول السعودي وحقل الغوار أكبر حقول العالم البرية وأكبر معامل تكرير البترول في العالم ، والتي لا يستفيد بكل هذه العائدات
قرابة ال15% من السعوديين لا لشئ الا لأنهم شيعة واقصائهم من الوظائف العامة ، فوفقآ لتقرير منظمة (Human Rights Watch) المعنية بحقوق الانسان فان المملكة السعودية تمارس الاضطهاد والقمع الشديد تجاه مواطنيها الشيعة وتقوم السلطات السعودية باعتقالات تعسفية ضد النشطاء الشيعة وضد المنادين بالملكية الدستورية والديموقراطية في بلد من المعروف عنه أنه تحت سيطرة نظام من أكثر الأنظمة الاستبدادية في العالم .

ويشبه هذا الأمر ما قام به كثير من ملوك وأمراء الخليج وأتباعهم من رجال الدين الوهابي بدعم وتأييد التيارت التي تكفر الخروج على الحاكم وترفض ثورات الحرية العربية التي اندلعت في 2011م وتعتبر الديموقراطية كفر والانتخابات بدعة ، وتشيطن كل من لا ينتمي الى تيارات الاسلام السياسي الوهابي وتستغل الدين والشعارات الدينية في الدعاية السياسية وتشويه معارضيهم والطعن في دينهم ونواياهم وتكفيرهم لمجرد أنهم ليبراليون أو علمانيون أو لايوافقون على ما يقوله هؤلاء .

أما اذا نظرنا للاختلافات العقائدية والفقهية فهي لا تعد بأي حال من الأحوال اختلافات جذرية مغرقة في الاختلاف ولكن المتشددين من كلا الطرفين نقلوها من فضاء الاختلاف في الرأي الى المجال الذي تخصصوا فيه وهو التكفير والارسال الى الجحيم لمخالفيهم ، فهذه الاختلافات تكاد تنحصر في مسائل تتعلق بعصمة الأنبياء وأهل البيت ، وعدالة الصحابة المطلقة لدى السنة والمقيدة لدى الشيعة ، والامامة المتروكة لمستحقيها عند السنة والمحصورة في آل البيت عند الشيعة ، والوساطة بين العبد وربه والتي يرى الشيعة أنها موجودة في صورة الأولياء والتقاة فيما السنة لايرون وساطة بين العبد وربه ، ومسألة الزكاة المتعلقة بالخمس أو 20% عند الشيعة وب2.5% عند السنة ، وضرورة عدم وجود سجاجيد أو أغطية على الأرض حين السجود عليها في الصلاة عند الشيعة فيما السنة لا يعتبرونها من شروط صحة الصلاة ، وكذلك وضع اليدين على الصدر عند السنة (وهي من السنة) وارسالهما عند الشيعة .

أما زواج المتعة فهو أمر مرفوض بمعايير العصر الحديث ولايخدم الاسلام ولا حتى الديانات السماوية في مقابل الديانات الدنيوية ولذلك فانه لابد من تجاوزه واقرار وقفه والشيعة الزيدية تقر بحرمة جواز المتعة ، وعلى كل حال فان الشيعة لا يعتبرونه من أساسيات الدين أو أن الدين لايصح الا به ، وبالتالي يظل ذنب وجريرة ممارسة زواج المتعة على من يمارسه لا على غيره فلا يؤخذ الشيعة كلهم بجريرة أن منهم من يحلل زواج المتعة فالعبرة بالممارسة الخاصة لا بالقول العام أو تفسير وتأويل البعض الذي قد يرفضه كثير من شيعة اليوم ولايرضونه لأنفسهم ولا لنسائهم .

والموقف من أم المؤمنين عائشة وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب ومعاوية ويزيد بن معاوية وموقف بعض غلاة الشيعة من سبهم باعتبار أن ذلك من باب التقرب الى الله والانتقام لعلي بن أبي طالب والحسين الا أن ذلك لن يغير من كارثة ما حدث ولن يحيي الموتى ولن يكون في فائدة المسلمين ووحدتهم وتطورهم ، وعلى الجانب الآخر فانه من المعروف أن الأمويين سنوا سنة الشتم واللعن حين أمروا أئمة المسلمين في المساجد أن يلعنوا عليآ والحسين وفاطمة الزهراء بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو بالطبع ما يحزن أرواح علي والحسين عليهما السلام ويغضب كل مسلم شريف ومحترم .

وبالطبع فان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لم يسن يومآ سنة السب واللعن على المشركين والكفار أنفسهم الذين عذبوه وحاربوه هو والصحابة ومنهم علي بن أبي طالب ولم يعتبر أن السب واللعن من باب التقرب الى الله سبحانه وتعالى ، ان الامام زيد بن علي (المنسوب اليه المذهب الزيدي) نهى عن سب ولعن الصحابيين أبو بكر وعمر وقال فيهما كيف أتبرأ منهما وهما صهرا جدي وصاحباه ووزيراه ، فلم اذآ سن سنة التكريه والتفريق بين المسلمين ؟!! .

وكذلك فانه لابد من وقف المظاهر الاحتفالية الشيعية الدموية التي ظهرت بداياتها الأولى في عصر الدولة البويهية في ايران والعراق (932-1056م) كمحاولة للتقرب للعامة لتمكينهم في الحكم والسلطة ، تلك الاحتفالات الدموية التي تراق فيها دماء البشر كقرابين الهية أو تكفيرية عن ذنب لم ترتكبه الأجساد التي تسيل منها هذه الدماء ، فلابد من وقفها فهي تسئ للصورة العامة للاسلام لا للصورة العامة للشيعة فقط ، فلاذنب لأجساد الأحفاد فيما ارتكبته أيادي الأجداد وبحور الدم كلها لن تعيد ما فات ولن تحيي الموتى .

أما مسألة ولاية الفقيه وضرورة أن يكون الامام من آل البيت فهي مسائل فقهية مختلف عليها ، شأنها شأن كثير من المسائل الفقهية الأخرى التي ينشب فيها الاختلاف في الرأي والقرار والتقرير بين مختلف المذاهب ، فلم الاصرار على تصديرها باعتبارها أساس الدين سواء من خلال الآيات القرآنية أو من أحاديث الغدير والثقلين والسفينة (مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تعلق بها فاز ، ومن تأخر عنها زج في النار) ، فالأمة التي يحكمها العادل والقوي والذي يراعي الله في رعيته هي أمة يسودها الحب والتفاهم والاخاء والنجاح والسلام ، أمة تلاقي ربها خير لقاء حتى لو لم يكن حاكمها أو امامها من آل البيت المحمدي ، فكل من يتبع مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال فانه ينتسب الى بيت المحبة الالهية وهو أعظم البيوت جميعآ فقد لا ينتسب انسان بالدم الى آل البيت المحمدي الشريف ولكنه ينتسب اليهم بالصدق والاخلاص والعمل الشريف .

ان الأحاديث والآيات القرآنية التي تتكلم عن فضل آل البيت يجب فهمها في اطار اعتبارها دعوة الى تمثل الفضل والفضيلة والقدوة في الحياة الاجتماعية والانسانية وتكريسها في ضمير كل انسان بعيدآ عن اهواء السلطة وشهواتها وصراعات السياسة ومنازاعاتها ، لا أن تتخذ مدخلآ ووسيلة للتفريق بين المسلمين واشاعة الكراهية والبغض بينهم واتخاذها مطية للوصول الى السلطة وحكم الناس ، وهذا بالطبع ملا يتمناه ويرغبه الرسول محمد وآل بيته صلوات الله وسلامهم عليهم أجمعين .

وبالنسبة لمسألة الخلاف الفلسفي المتعلق بخلق القرآن والتي يؤمن الشيعة والأباضية بأن القرآن مخلوق وما يتبعه ذلك من تأويل النص ايمانآ بأن النص القرآني له ظاهر في المهنى والحرف وباطن في المراد والمدلول ، فيما السنة يؤمنون بعكس ذلك وأن القرآن قديم غير مخلوق وبالالي الالتزام بظاهر النص القرآني وحرفه واقصار فهمه على ما فهمه الأولون بالعودة الى كتب السلف والتراث والدوار في فلكهم وفقههم ، فانه يجب النظر الى النص الديني بشكل عقلاني معاصر على محاور ثلاث :

1- النص القرآني لابد من النظر اليه في اطار أنه نص ديمومي يتناول الحاضر وينطلق الى المستقبل ، فلو أننا نظرنا اليه نظرة مستقبلية (قادمة من المستقبل) لادراك حقيقة أن الوقوف على والاصرار على اطار محدود ومحدد من فهم لظاهر وباطن النص وفقآ لاجتهاد البعض من هنا وهناك ، فان ذلك سيدفع في قادم الزمان الى تجاوز العصر والزمان للنص الديني ذاته طالما تم قولبته في اطار اجتهادات ومفاهيم تدور رحاها وآلياتها في سالف العصر والأوان والمكان والالتزام الحرفي بالوسائل والآليات دون ادراك حقيقي لمقاصد تلك الوسائل وأهدافها .

كما انه يسمح لتواجد فئة من الناس من المتاجرين بالدين والداعين لأنفسهم بأنهم حملة لواءات الدفاع عن الدين والمزايدين على الناس في دينهم وتدينهم ، وهو في الحقيقة فهم للدين في اطار حجاب ونقاب ولحية وجلباب ورجم وجلد للبشر وقطع للأيادي ، وغرف تلال من الأموال في مجال تجارة الدين عبر المجالس والفضائيات ، وهو ما سيضعف من تأثير الدين في نفوس عامة الناس بعد ذلك حين تنكشف سوداوية المصير والطريق المظلم للمجتمع الذي سيقحمهم فيه المتاجرون بالدين والمتطرفون .

وعليه فان النص الديني القرآني بحاجة الى أن يفهم في اطار عام وهادف الى تحقيق مبادئ الحرية والعدالة والسلام الاجتماعي والدولي وبالتالي القضاء التام والمبرم على التطرف الديني والظلم والفساد والاحتكار والفقر ، وفي ذلك فان اتباع الآليات العصرية القانونية والاجتماعية والتي يفرضها تطور العصر وتطور الفهم البشري للحياة الانسانية ومنجزات الحضارة البشرية بعقل واعي وضمير حي لهو من صميم الشريعة والمراد الالهي في تحقيق سعادة الانسان وتقدمه لا جموده وتزمته حتى يستمر الدين .

2- جزء كبير من المشكلات والفهم القاصر للدين واثارة النعرات والكراهيات الدينية والطائفية يتواجد في كثير من الأحاديث الموضوعة والغريبة التي نسبت الى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم خطأ ً أو ظلمآ وبهتانآ وتم اقحامها في كتب الأحاديث والتراث السنية منها والشيعية ، والتي هي بحاجة الى اعادة تنقيح وتوضيح وشرح ، وتجنيب المضوع منها وما يثر الكراهيات والتي لا تتناسب مع العصر وشرح سياق بعضها وتحديده بدلآ من تركه على اطلاقه مما يثير الحساسيات والنزاعات والكراهيات بين أبناء الاسلام وغيره من الديانات .

وهناك مجهودات فردية في ذاك الخصوص هنا وهناك ولكنه لا تسموا الى أن تكون مجهودات جماعية ومعلنة ومنشورة ومفروضة في وجه الطغمة الظلامية المصرة على تصدير الكراهية والبغضاء بين أبناء الدين الواحد وغيره من الديانات ، فكانت النتيجة تنظيم القاعدة ورؤوس كثيرة تمشي في الشوارع تملؤها الكراهيات والتزمتات المظهرية والقولية والفعلية .

3- الايمان بحقيقة أن السلف على أفضالهم كانوا بشرآ غير معصومين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم منهم أجاد ومنهم من تزمت ومنهم من أصاب في امور وأخطأ في أمور ، لا يجب أن تكون النظرة الملائكية هي الحاكمة في قرائتنا ونظرتنا الى هؤلاء أو غيرهم ، ففي حب الدين نفسه وحب الخير نفسه الفرصة في أن نعي حقيقة لا أحد معصوم في تصرفاته البشرية أو في فهمه وتطبيقه للدين .

وأن أفعال وتصرفات واجتهادات السلف انما تظل تدور في فلك بيئاتهم الثقافية والسياسية والاجتماعية التي حكمتها ظروف القسوة الحياتية والديكتاتورية السياسية والصراعات المذهبية والسياسية والحروب والتوجيهات والأوامر السلطانية بالنسبة للبعض أو الكثير فلا يجب أبدى ان نكون نحن استكمالآ لصراعات الأولين وضغائنهم .

وبالتالي فانه لا قدسية لأحد الا للدين نفسه وفهم المراد الالهي النهائي منه لا الوقوف على الوسائل والآليات المنصوص عليها والتي تظل محكومة بالتطور المفاهيمي والشكل العصري والادراك الاجتماعي لأسلافنا الذين خاطبهم النص الالهي في البداية ، بل الانتقال الى ادراك حقيقة التطور الانساني وتقدم الحضارة البشرية اللذان قدرهما الله للبشر ليدركوا في النهاية حقيقة عظمة الله ومحبته لهم الذي وضع لهم المنهاج الحياتي الذي يعينهم في بداياتهم الحياتية وهو ما بدأ مع الأنبياء الأولين نوح وابراهيم ومرورآ بموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ونهاية بعقل كل انسان يستشعر محبة الله سبحانه وتعالى ويَعمر ضميره بالايمان ليفهم أن الطريق الى الله لم ينتهي بوفاة أحد وانما هو أبدي سرمدي لا ينتهي الا بنهاية الحياة على الأرض ، نستعين في استكماله بالعقل الواعي والضمير الحي وفقآ لزمنية الزمان ومكانية المكان اللذان يمر بهما هذا الطريق .


ولا يجب كذلك على هذا الفريق من السنيين متشددين والظلاميين الذين يقومون اما جهلآ واما ارضاءً لحكامهم المستبدين وتلال الأموال التي يغدقونها عليهم (في حقيقتها هي أموال الشعوب المنهوبة) ، أن يستمروا بالتمادي في انكار خطيئة معاوية وأنه السبب فيما نعانيه اليوم من ملك عضوض دمر المسلمين وأشاع بينهم الفرقة والضعف والتخلف بسبب حكم ملوك ورؤساء يتوارثون المسلمين حتى اليوم وتسببوا ولازالوا يقومون بنشر الجهل والتعصب والتخلف بين الناس بالتعاون مع نفر متوالي من بعض أو كثير ممن يطلق عليهم رجال الدين وفقهاء السلطان .

وفي نفس السياق يحاول ذات الفريق أو بعضه أن يشرعن ويبرر فعلة الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك وقتله للامام زيد بن علي بن أبي طالب والتمثيل بجثته وصلبها على شجرة (أنزل الوليد بن عبد الملك الجثة ثم أحرقها بعد ذلك ) وذلك حين خرج الامام زيد للجهاد ضد الظلم والتعسف والقهر الذي مارسه بنو أمية ضد المسلمين ، ولكن نستطيع ربط موقف هذا الفريق بموقفهم ذاته على مدار القرون وحتى اليوم بتحريمهم الخروج على الحاكم الظالم مستعينين بذلك بالأحاديث الموضوعة المنسوبة الى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والتفسيرات الظلامية لكتاب الله تعالى.

ومن ناحية أخرى كفى تسميات مقززة من قبيل وصف بعض متطرفي السنة للشيعة بأنهم الرافضة (نسبة الى رفضهم الترضي على أبا بكر وعمر وعائشة) ووصف بعض متطرفي الشيعة للسنة بالناصبة (نسبة لأنهم يناصبون آل البيت العداء وفقآ للمفهوم الشيعي) ، فهذه التسميات والألفاظ تهدم وتدمر لا تبني وتعمر ، وتبعد وتفرق لا تقرب وتلحم ولا فائدة يرتجى من ورائها الا أن يكون المسلمون في هوان وضياع وكراهية وازدراء لبعضهم البعض .

ان الفوارق الحقيقية بعيدآ عن تشددات وافتراءات المتطرفين من الفريقين الشيعة والسنة انما تنحصر في جلها في النطاق السياسي والتاريخي فيما يتعلق بمعركتي صفين و كربلاء وولاية الفقيه من آل البيت المحمدي ، وهي مسائل يمكن تجاوزها واعتبارها من الماضي الذي لايجب النبش فيه فأصحابه هم المسؤولون عن أفعالهم ، أما أن يدفع الأحفاد ثمن أخطاء الأجداد أو يتمسحوا في صوابية موقف أو مظلمة لأجدادهم فهو أمر انما لا يجر الا الى الخلف ويبعدنا جميعآ عن النظر الى المستقبل بكل أمل في تحقيق المحبة والتسامح والحرية والتقدم لا أن نكون أسرى للماضي وللكراهية العدمية التي لن تولد الا انعدام النهضة والتقدم اللتان لا تتحققان الا عن طريق نبذ الخلافات والبغضاء وهو ما يأمرنا به الله سبحانه وتعالى ورسله أجمعين .

وكذلك فان موضوع اثارة النعرات القومية ذات الأبعاد الطائفية فيما يتعلق بتسمية الخليج البحري الذي يطل عليه كلآ من دول الخليج وايران ، حيث أننا أمام حقيقتين فعلى الضفة الأولى فان ايران تمتلك أطول ساحل بحري لدولة واحدة على هذا الخليج وهي أقدم حضارة انسانية عليه ، فيما على الضفة الأخرى فان هناك عديد من الدول العربية التي تطل على هذا الخليج ويعتبر بالنسبة اليها كما هو الحال بالنسبة لايران شريان حياة .

وبالتالي فانه لا يجب اغفال هذه الحقيقة الأخرى وعليه بما أن كل الدول المطلة عليه اسلامية وهي تعد الموطن الأول للاسلام فان تسمية هذا الخليج بالخليج الاسلامي يعد أمرآ منطقيآ يرضي جميع الأطراف ولكن لو خلصت النوايا والرغبة في تحقيق السلام ومد جسور الثقة بين الضفتين بعيدآ عن التدخلات الخارجية والاستعانة بالقواعد العسكرية الاجنبية والتي تثير قلق الايرانيين خاصة في ظل تعاون الدول الخليجية العربية في فرض العقوبات الدولية والتحريض على ايران بدعوى برنامجها النووي ، هذا الرفض وذاك الخوف الذي لم نجده متحققآ في البرنامج النووي الاسرائيلي!!! .

ان قيام البعض بصراخاتهم وتهويلاتهم في معرض مواجهاتهم الدونكيشوتية الوهمية ضد ما يقال بأنه محاولات لنشر التشيع في مصر ، يتناسون أن من قاموا بانشاء الأزهر نفسه عام 972م كانوا من الشيعة الاسماعيلية ألا وهم الفاطميون على يد القائد العسكري جوهر الصقلي والخليفة الفاطمي المعز لدين الله ، وأن من حوله الى جامعة كان هو الخليفة الفاطمي العزيز بالله ، وأن مصر ظلت تحت الحكم الفاطمي الشيعي أكثر من قرنين من الزمان (969-1171م) وكان الاسلام لازال حديثآ في قلوب وعقول المصريين الذين بدأووا في الدخول فيه بعيد الفتح الاسلامي عام 641م ، فلو أن المصريين المسلمين كانوا يريدون التشيع لتشيعوا في ذاك الوقت وهم تحت حكم الشيعة ونظمهم السياسية والاجتماعية الحاكمة طوال أكثر من قرنين متصلين من الزمان .

فلا داعي اذن لمحاولة اصطناع البطولات ونشر الكراهية بين الناس وتكريس الفرقة بين أبناء الدين الواحد بعد أن نجحوا في بث الفرقة والضغينة بين أبناء الدينين المسيحي والاسلامي ، ومحاولة صرف الانتباه عن المشاكل الحقيقية التي تعاني منها البلاد من فقر وبطالة وتخلف وفساد ومحاولة اشاعة شئ من الخوف ليمرروا فيه أهدافهم وبرامجهم التي تقمع الحرية و تكرس الظلام والضياع اللذان تقبع فيهما البلاد .

فلا يجب اذآ فرض الوصاية على الناس والادعاء بأن فريقآ من الشعب يفهم مصلحة الشعب فيما بقية الشعب لا يدرك مصالحه ولا يفهم دينه ، لكل انسان الحرية المطلقة في اتباع المذهب والمعتقد والدين دون فرض وصاية على أحد ، فالمسلم مسلم لأنه مقتنع به لا لأن غيره مقتنع بذلك ، والسني سني والشيعي شيعي لأنه يريد ذلك عن قناعة واقتناع لا عن خوف وترهيب من عذاب وتعذير .

وفي النهاية فان الدولة ومناصبها وثرواتها للجميع لا تفرق بين أحد على أساس دينه أو لونه أو جنسه أو أصله طالما أثبت الكفاءة والمقدرة واحترم حق الجميع في الاختلاف دون اثارة للنعرات والاحتقانات والكراهيات الطائفية على كافة أشكالها هذه هي حقيقة العلمانية المستقاة من حقيقة المراد الالهي في العدل والحرية والسلام بعقل واعي وضمير حي .



#أحمد_حمدي_سبح (هاشتاغ)       Ahmad_Hamdy_Sabbah#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن العبيد والجواري في الاسلام
- زلزال عمر سليمان
- الخطيئة الاستراتيجية الاخوانية
- بين الربيع العربي وشتائه
- لا للكراهية الدينية
- لماذا أبو الفتوح رئيسآ لمصر ؟!
- الصلاة
- الحج أشهر معلومات
- ماهية الليبرالية والعلمانية
- الى مرحلة انتقالية جديدة في مصر
- الخلوة والتعذير
- من قصص الظلام
- دلالات الفيتو الروسي و الصيني
- مصر ... لعبور المرحلة الانتقالية
- ستة أيام في خلق الأرض
- ما بعد اقتحام السفارة الاسرائيلية
- حكومات فاشلة
- التدخل العسكري في سوريا
- خطر الاسلاميون
- ثورات الحرية العربية وخريطة القوى الكبرى


المزيد.....




- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل
- إيهود باراك يعلق على الهجوم الإيراني على إسرائيل وتوقيت الرد ...
- الراهب المسيحي كعدي يكشف عن سر محبة المسيحيين لآل البيت(ع) ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد حمدي سبح - الكراهية العدمية فيما بين الشيعة والسنة