أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهدي بندق - ديمقراطية بلا ديمقراطيين














المزيد.....

ديمقراطية بلا ديمقراطيين


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 3737 - 2012 / 5 / 24 - 16:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



أسقطت ثورة يناير الحكم الاستبدادي بطغمته الفاسدة لترتفع الأصوات المنادية "بالديمقراطية" من كل فج عميق؛ وهنا ينبغي علينا أن نتساءل : ترى من المؤهل لبناء هذه الديمقراطية ؟ الدولة ؟ القوميون ؟ التجمعات اليسارية واللبرالية ؟ الناصريون ؟ التيارات الإسلامية ؟ وربما سبق هذا السؤال َ سؤال ٌ أصرح: هل هذه القوى ديمقراطية حقا ً ؟ أو بعبارة قاسية لكن محددة : كيف توجد ديمقراطية وليس ثمة ديمقراطيون بل محض مهندسون اجتماعيون ؟
فما هي الهندسة الاجتماعية ؟ إنها سعي البعض لـ " تطبيق" الناس على نموذج مسبق التجهيز مثلما ُتطبق المثلثات والزوايا على نظائرها ، أو قل هي مثل سرير "بروكروست " الذي يطلب من النائم أن يطابقه وإلا إن كان أقصر مطه وإن كان أطول حز رأسه أو بتر قدميه ! وهي – الهندسة الاجتماعية أعني - بتصوراتها أنها صاحبة مشروع لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تسعى لترتيب وجود الأفراد داخل مشروعها بالدعاية والترويج وغسيل الأدمغة ، وإذا اقتضى الحال فباستخدام القوة أيضا .
على أن أصحاب فكر الهندسة الاجتماعية يطالبون بوسائل القوة الناعمة أن يقرر الناس التنازل – بحريتهم – عن حريتهم . وذلك هو المحال المنطقي، لأن الناس في اللحظة التي يقررون فيها أن يسمعوا ويطيعوا يكونون قد تنازلوا عن إرادتهم مقدما ً فلا يعتبرون بنص المصطلح شعباً بل مجرد حشد " شعبوي " مفعول به .. وكيف ُيعد مثل هذا الحشد حاكما ً لنفسه بينما هو يسلم الحاكمية لغيره تحت أي شعار دينيا ً كان أم علمانيا ً ؟
فهل يمكن للمسار الديمقراطي أن يبدأ وهذا الفكر متربص به ابتداء ؟
إن النظام الديمقراطي هو حكم مفترض فيه أن يستهدف تحقيق السعادة لأكبر أفراد المجتمع، دون أن يستعبدهم أو يذلهم، إذ يتيح لقسم كبير من الشعب أن يشارك فيه، وأن ينتخب – بحرية ووعي – الأشخاص َ الذين سيحكمونه. فهو إذن مجتمع المساواة والحرية، حيث دولة القانون والفصل بين سلطات الدولة الثلاث وتداول السلطة دوريا ً وقبول المعارضة وعدم إقصاء الأقليات ...الخ، وبهذا السلوك العام يتم تحرير وحماية وتطوير الطاقات الحيوية للإنسان . لكن الإشكالية تبدأ بالقول إن هذه الدولة تقوم على المواطنة لا على الشخصية، ذلك أن المواطنة تعني أن الفرد – الذي بلا ملامح - هو من تتعامل معه الدولة، حيث لا شأن لها بــ " شخصه " إن كان بشوشا ً أم عبوسا ً قمطريراً ، مرح الأعطاف أم نكدياً، محبا ً لجيرانه أم حقودا ً حسوداً، رجلاً كان أم امرأة ، مسلما ً أم مسيحياً أم ملحدا ً..الخ
فهل تؤمن الدولة العربية " الحديثة " ومعها سائر القوى السياسية من جماعات وأحزاب بحقوق الأشخاص فعلا ً؟ كلا فهي تصر على التدخل في تعليم وتربية وتثقيف الناس ، بل وتنسب لنفسها ديناً وكأنها شخص طبيعي، بينما هي في الواقع شخصية اعتبارية لا تموت ولا تبعث يوم القيامة مثل البشر العاديين.
ولأن الديمقراطية لا تولد إلا في مجتمع حر فلقد كان مفترضا ً قيام الدولة "الحديثة" بدعم الفردية Individuality التي هي عامود المواطنة، وأن تدع الشخصيةpersonality ليشكلها الناس بمحض إرادتهم، بيد أن هذا لا يحدث ولن يحدث ما بقيت الدولة العربية الحديثة مقتنعة بفلسفة الهندسة الاجتماعية ، وهي فلسفة تتعامل مع الكائن الحي بحسبانه مفعولا ً به وليس فاعلا ً، وبذا تخفي الدولة ُ حقيقة ارتيابها في جدارة الديمقراطية مهما تقل بغير ذلك، والأسوأ أن يشارك الدولة َ في هذا الارتياب المؤمنون مثلها بفكرة الهندسة الاجتماعية من ناصريين وماركسيين وقوميين وإسلاميين فضلا عن دعاة اللبرالية في جانبها الاقتصادي حسبُ ، ولهذا نرى هؤلاء جميعاً "يضمرون" قناعتهم بنموذج النسق الوحيد أو الحزب الواحد ، بينما هم في العلن يعرضون عبر خطاب "شعبوي " بضاعة مزجاة تحسبها ديمقراطية وهي في الحقيقة غير ذلك.
في تاريخنا العربي الإسلامي بدأ مسار الدولة بـإقرار أن مبدأ " الشورى" مقتصر على أهل الحل والعقد (= النخبة السياسية والدينية غير الملزمة آراؤها للحاكم) لينتهي هذا المسار إلى الأخذ بالمفهوم الغربي للمصطلح مع تحفظات مرجعها فلسفة الدولة شبه الدينية، التي انحرفت – منذ العصر الأموي – عن غايات الدين الإسلامي الحنيف ومقاصده العظمى : تحرير البشر من الخضوع إلا لله . ولكن بمقتضى قيام دولة الخلافة أموية كانت أم عباسية أم عثمانية جرى تأميم الدين ليكون مجرد وسيلة لحماية سلطة الدولة وحكامها على اختلاف مواقعهم ، ومن ثم فقد صح قول شاعرنا أبي العلاء : إنما هذي المذاهب أسباب ٌ / لجلب الدنيا إلى الرؤساء ِ
والحاصل أن أصحاب الهندسة الاجتماعية – بوعي منهم أو بغير وعي - إنما يطمسون جوهر الصراع الحقيقي المتمثل في طبيعة العلاقة بين فقر وبؤس الطبقات الشعبية من جهة، وبين نظام الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي السائد عبر العصور .
فكيف يمكن للشعب أن يتحرر وأن يمارس حقه في حكم نفسه بنفسه ما لم يبدأ بثورة ثقافية يستعيد بها وعيه الذي استلب منه منذ انقسم المجتمع البشري إلى طبقات بعضها يملك الثروات ، وبعضها محروم منها ليس أمامه غير بيع قواه العضلية والعصبية لكي يأتي لنفسه ولعياله باللقمة الجافة وبالملبس البالي الخشن ؟



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى متى نتقبل ثقافة الأساطير ؟
- مصطلح الثورة مغترب في اللغة العربية
- المتحذلقون ونظرية المؤامرة التاريخية
- احذروا النموذج الباكستاني في مصر
- ازالة اسرائيل على الفيس بوك
- رسيالة من البرزخ
- قصيدة : المنام
- مجتمع الاستعراض في عالم رأسمالية ما بعد الحداثة
- من يكتب تاريخ مصر في قادم الأيام
- موضع السر
- قطرة في المنام الوجيع
- مقدمة مقترحة للجنة صياغة تاريخ مصر الحديث
- الديمقراطية المصرية حمار بوريدان
- الانقلابات العسكرية بين الجنرالات الترك ونظائرهم المصريين
- الشيخ والدكتور ورأس ماركس
- الديمقراطية تتحقق بالإرادة الشعبية بينما الشعبوية تخنقها في ...
- دين النبوة ودين الدولة
- المصريون الجدد يطاردون وحوش الفاشية
- سكبت في التراب دواءك
- كيف نؤرخ لثورة يناير


المزيد.....




- ماذا قالت المصادر لـCNN عن كواليس الضربة الإسرائيلية داخل إي ...
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل
- CNN نقلا عن مسؤول أمريكي: إسرائيل لن تهاجم مفاعلات إيران
- إعلان إيراني بشأن المنشآت النووية بعد الهجوم الإسرائيلي
- -تسنيم- تنفي وقوع أي انفجار في أصفهان
- هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني - لحظة بلحظة
- دوي انفجارات بأصفهان .. إيران تفعل دفاعاتها الجوية وتؤكد -سل ...
- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهدي بندق - ديمقراطية بلا ديمقراطيين