وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3734 - 2012 / 5 / 21 - 13:55
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الربا هو استئجار للمال , والايجار لابد له من مقابل , ومقابل الايجار هو الربا . فالاسلام حرم الربا كلية سواء اكانت نسبته منخفضة ام مرتفعة .
ولم يحرم فقط الربا الفاحش الذي تصل نسبته المئوية الى مئة بالمئة في مكة قبل الاسلام . وقال القران : ( واحل الله البيع وحرم الربا ). في حين ان البيع لايزدهر الا بالاقتراض والتسليف , وان الاقتراض والتسليف لابد منهما من ربحية لانهما نوع من التجارة قائمة بذاتها . وان نسبة الربا لايقررها المرابون في اي زمان او مكان , وانما يقررها السوق ونشاطه التجاري .ولذا فانها غير ثابتة , شانها شان الاسعار . ومن هنا ظل الربا معمولا به في التجارة العربية – الاسلامية بعد ذلك طيلة خمسة عشر قرنا والى الان , فيما يعرف بالفائدة البنكية . وان الفقهاء في عصور مختلفة قد تحايلوا على الربا واباحوه بالحيلة التي لابد انهم كانوا يعرفونها من التراث
ان تحريم الاسلام للربا كان دعوة لتقويض اسس التجارة المكية .
قال المستشرق والعالم الفرنسي الدكتور لويس ماسينيون وهو من كبار الدارسين للتاريخ الاسلامي في دراسته : ( اثر الاسلام في العصور الوسطى على نشوء المصارف اليهودية وازدهارها ) ,(دار المعارف – بيروت 1963), ان تحريم الربا قد جعل تجارة المال ( الاعمال المصرفية )في القرون الوسطى حكرا في ايدي المسيحيين اولا ,ثم في ايدي اليهود من بعدهم ,وبذا حرم المسلمون من الاعمال المصرفية والبنكية .
لم يحرم الاسلام الربا الابعد عشرين سنة من ظهوره .وان تحريم الربا تحريما قاطعا وصريحا جاء قبل وفاة محمد باسبوع واحد فقط .
يقول محمد عزمي في العام 1922 ان الربا المحرم في الاسلام هو اصل كل نمو اقتصادي . وعلى من يدرس الاقتصاد السياسي الا يفكر في الشريعة الاسلامية ,كما ان على من يدرس الشريعة الاسلامية الا يفكر في الاقتصاد السياسي .
ان ايات تحريم الربا وعددها ثمان ايات ,كانت ايات مدنية ماعدا اية واحدة مكية من سورة الروم 40
والايات المدنية هي البقرة 276 – 279 , ال عمران 131
سورة النساء 162
ان سكوت الاسلام الطويل عن تعاطي قريش للربا كان مرده الى ان الاسلام كان لايريد ان يغضب قريش كثيرا ويصيب تجارتها في مقتل ما ,حتى لاتقاوم الاسلام اكثر فاكثر , وتؤذي رسول المسلمين .والدليل على ذلك ان اول سورة مكية ( الروم ) جاءت في شان الربا لم تحرم الربا وانما دعت بالحسنى الى اقراض المال للمحتاج ولوجه الله .كما ان من اسباب تحريم الربا القاطع قبل وفاة محمد هو خلافه مع اليهود الذي كان الربا امرا شرعيا عندهم . فكان اليهود اول من احتج على تحريم الربا ,ذلك انهم قالوا (انما البيع مثل الربا ). وكانوا يقصدون بذلك انهم يقرضون القروض بربا يصل الى مئة بالمئة ,في حين ان التجارة تحقق ايضا ارباحا تصل الى مئة بالمئة واحيانا مئتين بالمئة .وان محمد نفسه كان احد التجار الذين حققوا نسبة ارباح مثل هذه للسيدة خديجة .
ان نسبة الربا ترتفع وتنخفض حسب النشاط التجاري وحسب نسبة الارباح التي تحققها . ومن هنا قالوا : ( انما البيع مثل الربا ) اي انه يحقق النتائج نفسها . ولامصلحة كبيرة للتاجر في ان يقرض مالا معرضا لعدم السداد والخطر ,يحقق نسبة الربحية نفسها التي تحققها التجارة الحرة .
لقد كان جانبا من خلاف محمد مع اليهود في المدينة وطردهم منها ,كان لاسباب مالية بحتة . فطرد بني النضير من المدينة كان سببه ان يهود بني النضير رفضوا مساعدة محمد في دفع دية الرجلين اللذين قتلهما مبعوث محمد ,عمرو الضمري الى جهة بئر معونة ,وطولب محمد بديتهما ,فلم يكن يملك المال الكافي فاتجه الى بني النضير يطلب منهم المساعدة المالية فلم يستجيبوا له .ولما اتفق محمد مع بني النضير على الجلاء عن المدينة , عرضوا عليه ان يبقوا للعمل في الارض , لانهم اخبر بها واقدر على فلاحتها , فصالحهم على النصف من قبيل المزارعة والمساقاة . فقد دفع محمد خيبر بارضها ونخلها الى اهلها مقاسمة على النصف .وكانت خيبر اوسع منطقة زراعية في شمال الجزيرة ووسطها .وكان يزرع في خيبر القمح والشعير والنخيل . وبذا كان محمد قد خاصم بني النضير بسبب المال وصالحهم بسبب المال ايضا . مما ينفي اي خلاف ديني بين بني النضير والمسلمين في ذ لك الوقت يستدعي اجلاء بني النضير عن المدينة . حيث لم يكن اليهود معنيين بادخال الاخرين الى دينهم او انكار اديان الاخرين .وكانت عنايتهم الكبرى كقريش في المال وجمعه . كذلك كان الحال مع يهود فدك الذين كان لهم نصف الارض ,لان محمد صالحهم على ذلك ,فاخذ نصف الارض ومافيها من ثمر واعطى يهود فدك نصفها الاخر . كذلك فان خلاف محمد مع هؤلاء اليهود كان من اسبابه ان محمدا طلب منهم العون المالي والسلاح , وكانوا هم صناع السلاح في المدينة بعد معركة احد , فرفضوا اعطائه ذلك ,ربما لكي يبقوا على الحياد في خلاف محمد مع قريش وحتى لايثيروا قريشا عليهم وهم شركاؤهم في التجارة والصرافة .
وكان لخروج اليهود من المدينة اضرار اقتصادية بالغة على اهل المدينة . ويتبين لنا هذا من قول نعيم الاشجعي )ما لنا بيثرب بعدكم مقام , فمن يطعم الشحم فوق اللحم ؟ ( .
في الختام ,كان التسليف والاقراض قبل الاسلام تجارة قائمة بذاتها كما هي حال الاعمال المصرفية والبنكية في هذه الايام . وكان التسليف والاقراض مصدر رزق كبير لكثير من السماسرة والعملاء ورجال الدين ايضا . وكان التجار المكيون قبل الاسلام لايكنزون المال ولا يدخرونه , بل يشغلونه اما في التجارة المباشرة واما في التسليف والاقراض . وكان رجال الدين في ذلك الوقت من الصيارفة . وكانت بعض المعابد تقوم مقام البنوك والمصارف في هذه الايام .وكانت هذه المعابد تتقاضى فائضا كبيرا من المال ياتيها من املاكها ومن حقوقها المفروضة على اتباعها .
كما كانت خزانة الكعبة مليئة بالذهب والفضة وكان سدنة الاصنام هم في الوقت نفسه الامناء على هذه الاموال والحافظون لها والمتصرفون بها .
وكانت المعابد هي المكان الامين لحفظ المال , على الرغم من ان هذه المعابد قد تعرضت للسرقة عدة مرات ومنها خزنة الكعبة .
وبعد الاسلام عرف الاستلاف من بيت مال المسلمين ,حيث استلف الخلفاء والعمال وكبار الرجال المال من ( بيت المال )ومنهم من كان يرده ومنهم من لم يرد ما استلف .
المصدر
المقال منقول باختصار وبتصرف من كتاب ( المال والهلال –الموانع والدوافع الاقتصادية لظهور الاسلام – تاليف شاكر النابلسي – ط1 – 2002 – دار الساقس -0 بيرت – لبنان
على المودة نلتقيكم ...
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)