أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - حاوِل أن تصادقَ جندياً إسرائيلياً














المزيد.....

حاوِل أن تصادقَ جندياً إسرائيلياً


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3731 - 2012 / 5 / 18 - 20:09
المحور: الادب والفن
    


حينَ كُنّا صغاراً، كانَ الجيشُ الإسرائيليُّ يمثلُ قيمةَ الرُّعبِ المطلقة بالنسبةِ لنا، وحينَ كنتُ في عمرِ الخامسة وبضعة أشهر، جاءَ مجموعة من الجنودِ إلى بيتنا في مخيم رفح، وأبلغوا أبي أن أمامَهُ 12 ساعة لكي يخلي البيت استعداداً لهدمِهِ، وهذا بالطبع حدث مع مئات البيوت في المخيم، وهذه كانت أوَّلُ ذكرياتي المباشرة مع الجيش، ولا زلتُ أذكرُ لونَ ملابس الجندي، وخوذتَهُ المائلة وسلاحه الموجه إلى الأسفل، والصندوق الكبير الذي يحملهُ على ظهرِهِ "خاص بالاتصالات"، لكني لا أذكرُ شيئاً من ملامِحِه، لا لونَ عينيه، ولا شكلَ وجهه، وهذا حدثَ بعد ذلك مع كل الجنود الإسرائيليين الذين رأيتهم في حياتي.

سألني صحفي أوروبي ذات مرة: هل يمكن أن تصادقَ جندياً إسرائيلياً فيما لو حدث سلامٌ بينكم وبينهم؟ بالطبعِ فكَّرتُ قبلَ أن أجيب، لكني قلتُ [لا] بوضوح، وهذا لم يكن راجعاً إلى سوداويتي، وبُغضي للآخر المحتل فقط، بل راجعٌ إلى أسباب أخرى، عميقة الجذور.

لم يكن السبب فقط يكمن في الممارسات الإسرائيلية التي تمثلت في قتل معارفي طفلا وشاباً، وهدم بيتي وبيوت أصدقائي الأطفال، وقتل أعمامي الثلاثة في سنوات متفرقة، واعتقال الآلاف ممن أعرفهم وتعذيبهم، بل ذهبت في إجابتي إلى الحجة مباشرةً، قلت: إن مشكلتي مع الجندي الإسرائيلي أنني لم أرهُ يوماً في شكلِ كائنٍ يتصرَّفُ كالبشر، بمعنى، لم أشاهده رجلاً يلاطف زوجته أو يضربها، لم أشاهده يفاصلُ بائعاً على ثمنِ سلعةٍ، كل ما رأيته من الجندي الإسرائيلي طوال حياتي هو مجسم لشخص يرتدي بدلةً زيتية اللون، بخوذةٍ على رأسِهِ تأكلُ ملامحَ وجهه، وبندقية في يدِهِ يطلقُ منها النار أو يستعدّ لذلك، لم أعطَ الفرصةَ يوماً لكي أشاهدَ إنساناً أستطيعُ أن أحدد موقفي العاطفي منه، سواء أحببته أم كرهته.

هذا الجندي لا أعرفه، ومن لا أعرفه، كيف لي أن أحبه؟ كيف لي أن أصادقه؟ كيف لي أن أحدد موقفي من شخصه؟ وربما تكون هذه ثاني المشكلات عمقاً في العلاقة مع الجندي الإسرائيلي، أنه ليس شخصاً، إنه جندي، كل الجنودِ متشابهين، هم لباس عسكريٌّ وبنادق، يأخذون أمراً واحداً وينفذونه بحرفيّةٍ عالية، فلا يكون هناك فرق بين جندي وآخر في طريقة تعاملهم معك أنت [الفلسطيني]، وحتى حين نكره الجندي الإسرائيلي فإننا لا نكره شخصاً، لا نكره إنساناً، بل نكره نموذجاً.

المشكلة في إسرائيل، ليس فقط في كونها احتلال بكامل الصفات والصلاحيات، بل المشكلة الأعمق أنها لم تعطِ فرصةً حتى لأولئك الذين يريدون أن يغفروا لها، هؤلاء بالذات أطبقت إسرائيل عليهم فكي كماشتها أكثر من الآخرين.

إسرائيل هي جنديها، والجندي هو الدولة، هذا ما نفهمه نحن الفلسطينيون حين يقابلنا جندي إسرائيلي في أي مكان، والجندي حتى لو كان في الثامنة عشرة، هو الذي قام بمذبحة دير ياسين، وهو من فجر فندق سميراميس في نابلس قبل قيام دولته، وهو الذي قتل أعمامي وأصدقائي، وهو الذي هدم بيتي، هو نفس الجندي، لأنه يرتدي نفس تلك البزة العسكرية التي تأكل ملامحه، وتجعله يتشكل في الوعي الفلسطيني كاستنساخ متكرر لجندي واحد ووحيد هو الجندي الإسرائيلي، لهذا لا يمكنني أن أحب جندياً إسرائيلياً أو أصادقه.



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلةُ انتحارِ الفرسِ البيضاءْ قصة قصيرة
- يُعيدُ الشّارعَ إلى وَعْيِهِ
- السُّقُوْطُ كقِطْعَةِ لَيْلْ
- امرأةُ اللاشيء، امرأةُ كلِّ شيء
- يوماً، ستعودُ المدينةُ إلى وردِها
- ما قالَهُ ابنُ عمروٍ* لحِصانِهِ جوارَ النَّهرِ
- وبي حزنٌ قديمْ
- وَرَأَيْتُهَا
- مقام سيدي يوسف البتّيري قصة قصيرة
- ما لا يعرفه أطفال غزة
- توقفوا عن إلصاق تهمة البطولة بهذه المدينة
- يوقظُني حلمُكِ من نومي
- إعتذار شخصي لهناء شلبي
- كانت المرأة سيدة العالم، لذا وجبت إزاحتها
- من ذا يمكنه أن يعدَّ الحنين؟
- خضر عدنان، رجل مقابل دولة
- ما زلتُ على عتبةِ البيتِ
- رؤيا مجدليّة أو خيالاتها آخر الفجرِ قبل الصليب
- كان ياما كان، بلد جوات دكان
- [ريتّا] وزجاجةُ الفَرَحْ قصة للأطفال


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - حاوِل أن تصادقَ جندياً إسرائيلياً