أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أشرف العوضي - دحل الحمام















المزيد.....

دحل الحمام


أشرف العوضي

الحوار المتمدن-العدد: 3731 - 2012 / 5 / 18 - 16:49
المحور: الادب والفن
    


دحل الحمام

روايـــة

أشرف العوضي


إهداء
الى

محمد
زمنا من حياة أبيه عله يفقهه ذات يوم













هذه الحمامات المختلفة الألوان والأحجام هي كل ما استطعت أن أمسك بها، حين حطت من مكان سحيق في ذاكرتي لترتوي
كما كانت تفعل قبل سنين بعيدة.
ولكن وبكل تأكيد، فإن الحمامات التي لم أستطع الإمساك بها أكثر بكثير.

(1)

ما زلت اذكر تلك السيدة الغريبة الجميلة التي كانت تدخلني منزلها المحاط بسياج تتجاوزه ببهاء شجرة خوخ عتيقة بعد أن يخرج زوجها إلى عمله بالمدرسة الابتدائية، ورغم أنني لا أتذكر جليًا ما كانت تقوله لي أو تفعله معي، إلا أنني ما زلت أتذكر جيدا ذلك الطعم الغريب الذي كنت أتذوقه في كل كوب شاي كانت تقدمه لي وأنا جالس بجانبها على الأريكة الكبيرة في صالة منزلها الحكومي، والذي كانت شرفته تطل مباشرة على النيل فتضربه أمواجه برفق شديد، حيث كان أقرب ما يكون إلى العوامة منه إلي السكن العادي، وقد عرفت فيما بعد أن ذلك الطعم الغريب الذي كنت أحبه في الشاي هو طعم القرنفل ...


(2)

أخيرًا وافقت أن أذهب إلى بيت عم شلبي الجزار لكي أطلب منه الثلاثة جنيهات التي كان قد اشترى بها فاكهة وخضارً من دكاننا بعد أن وعدني أبى أن يعطيني منها بريزة كاملة، وسبب رفضي الذهاب إلى بيت العم شلبي هو اعتقادي حينها أنه يذبح الصغار ويبيعهم في دكانه حين يعجز في العثور على بقره المسن التي لا يستوي لحمه حتى لو أوقدنا تحته نخلة كما كانت تقول أمي دائمًا عنه، ناديت على الرجل السمين حتى بح صوتي ولما يئست هممت بالعودة لولا بريق البريزة الذي شجعني على اقتحام المنزل الذي كانت رائحة روث البقر تملاءه. ناديت مرة أخري ولما لم يجب أحدا نظرت من وراء باب حجرة نومه الموارب فرأيت عم شلبي يتصبب عرقًا وهو جاثم على صدر زوجته وقد تعرت مؤخرته بينما لم تستطع المرأة التي رأتني بغتة سوى أن تنبهه إلى وجودي الذي فاجأه أيضًا وسرعان ما سمعت منه وابلاً من السباب جعلني أتقهقر مفزوعًا إلى بيتنا حيث أخبرت أبى أن عم شلبي يخنق امرأته حتى يبيعها في دكانه وأن مؤخرته كانت عارية وأن امرأته كانت مذعورة، يومها لم أفهم كيف أن ذلك الأمر أضحك والدي حتى سعل ودمعت عيناه .











(3)

ظلت أمي لسنوات طويلة تحكى لنا عن أخيها الذي يعيش في بلاد بره، وكيف أن الناس هناك يعملون له ألف حساب وكيف أنه عندما سيعود سيكون له شأن عظيم بعد اكتشافاته العلمية الكبيرة، وكنت بدوري أحكي لرفاقي وأزيد كثيرًا ونحن نجلس مساءًا على مصطبة الخالة سنية، ويوم استدعى العمدة أبى ليخبره أن شقيق أمي قادم في الغد.
لم أنم تلك الليلة وظللت أحلم بالهدايا التي اشتراها لي من هناك وظلت أمي تعد له الطعام التي حاولت تذكر كيف كان يحبه، وسارع أخي الأكبر باستدعاء عمى سعد النقاش ليدهن واجهة منزلنا بالجير، الوحيد الذي لم أفهم موقفه من قدوم شقيق أمي كان أبى. حتى رأيته في غفلة منه يبكى .

(4)

للحظات تمنيت أن يكون والدي مثل والد سيد زميلي في المدرسة لولا طيبة أبي الشديدة التي أغنتني أن يكون بحارا أو حتى قبطانا ،كان سيد يحدثنا عن أبيه كثيرا وعن مغامراته في المواني المختلفة وفى البحار العاتية الأمواج وكيف انه كاد أن يصدم عروسة البحر بمركبة الكبيرة التي تحمل مئات الركاب والأمتعة الثقيلة ذات ليلة مقمرة لولا عناية الله ولطفه، ورغم أنني لم أشاهد والد سيد سوى مرة واحدة إلا أن صورة ذلك المغوار انطبعت في ذاكرتي طويلا. حتى ذلك اليوم الذي ذهبت فيه مع أخي لشراء حذاء جديد بعد أن بلى حذائي من كثرة لعبي الكرة به وبعد أن اخترته اسودا برباط طويل كان الدور على والد سيد ليقيسه على قدمي التي تقلصت خجلا من ذلك.

(5)

كانت تبيع العسلية على ناصية شارعنا، فاتها قطار الزواج منذ سنوات بعيدة، حفيت أقدام أمها على المشايخ وأهل الله، وعجزت أموال أبيها المحدودة أن توقع أحدهم في حبائلها، اخبرهم السنباطى الدجال أنها لابد أن تستحم في طشت واحد مع صبى لم يبلغ الحلم حتى تنفك عقدتها، كنت عاشقا لعسليتها، وعندما جروني في غفلة من أمي إلى طشتها النحاسي الكبير لم أذق العسلية بعد ذلك .




(6)

جاءت إلى قريتنا في أحد الأعياد البعيدة بصحبة أمها، كانت نظيفة ومختلفة عن بنات حارتنا، وعندما أهديتها قرطاسًا من التوت الأبيض التقطته بنفسي من تحت شجرة العمدة سلامه، طبعت قبلة خفيفة على خدي، ومع أنى لم أرها بعد ذلك رغم محاولاتي البائسة في سؤال خالها يونس الخياط عنها، إلا أنني ما زلت اشعر بقبلتها حتى اليوم .





(7)

عايرني الأولاد كثيرا ونعتوني بابن الجن والعفاريت لأنه لا توجد لنا مقبرة نزورها كل خميس، يقرأ عندها الشيخ مندور الضرير بعضا من قصار السور، وتسقى أمي صبارها الموضوع في قصارى من فخار، ويشترى أبى من سوق الثلاثاء التمر والبرتقال لنوزعه رحمه ونور في الأعياد والمواسم، وعندما صارحت جدي أعز مخلوق لدى أخبرني أن مقابرنا هناك خلف النهر كبيرة وممتلئة برفات شيوخنا الراحلين ولكن تلك الحكاية لم تحل مشكلتي التي ظلت تؤرقني طويلا حتى مات جدي.



(8)

اعتدنا عليه وعلى أموره الغريبة ،فقد كان الشيخ دسوقى يدخل أي بيت دون احم ولا دستور، له في قلوبنا رهبة ومحبة، ليس بينه وبيننا حجاب أو ساتر، يفتح غطيان القدور الساخنة، ويمسد بيديه المعروقتين أجسادنا العليلة متمتما بكلام لا نفهمه، يطلب الجنية الكامل فلا يرده أحد، نؤمن جميعا ببركاته بينما يؤكد العم صميدة القهوجي أنه مخاوي واحدة من بنات الجن السفلي، وأن لا أحد قادر على إيذائه، حتى استيقظنا ذات يوم على نحيبه فوجدناه مربوطا في شجرة كافور لا يستر عورته سوى يديه المعروقتين.


(9)

نهرتني أمي من مغبة المشي وراءه محذره إياي بأنه يخطف الصغار ليضعهم في جوال مغبر عليه رسومات سوداء، كنت مفتونا بصوته الشجي وهو ينادى على تفاحاته الخضراء المغطاة بطبقة من السكر الأحمر والموضوعة بعناية داخل صندوق زجاجي على عربة يجرها حمار ذو لون داكن دائما، كان يتقبل الفلوس وكيزان الذرة وأرغفة الخبز وقطع الحديد القديمة والأحذية الباليه، كنت أدور وراءه حتى أودعه عند مشارف القرية حيث الجبانة ومسجد الشرقاوى ، لم يعرني انتباها ولو مرة واحدة، حتى ذلك اليوم الذي توقف فيه فجأة عن الغناء وحدق في كأنه يراني للمرة الأولى ساعتها انتظرت بفزع أن يخرج جواله المغبر ذو الرسوم السوداء.

(10)

ارتفع صوت الشيخ مندور الضرير مكبرا مهللا من على مئذنة الجامع الكبير، لصلاة العيد خرج أبي، بينما بقيت بجوار أمي التي أعطتني قطعة من كباب الفريك لم تنضج بعد. وعندما سمعت صوته المخيف لذت بحضن أمي مذعورا، التي سرعان ما أمسكت عصاة من جريد تضعها دائما بجانبها من أجله، كان قط شهبور الأعور ممسكا بين أسنانه ببطه مقليه ومن خلفه عيال ونساء جائعون.



(11)

لسنوات طويلة كان جدي يجلس على المصطبة الكبيرة أمام بيتنا المطل على نيل يجرى منذ زمن بعيد، كان جدي يحكى ومن حوله رجال يسمعون، ولسنوات طويلة كانت صواني الطعام والشاي تتلاحق من داخل البيت كلما قدم مستمع جديد، ولسنوات طويلة تباهى جدي بتلك الجلسة المحببة إلى نفسه التواقة للحكى، وعندما توقفت صواني الأكل والطعام عن القدوم من داخل البيت، بقى جدي على المصطبة الكبيرة أمام بيتنا المطل على نيل يجرى منذ زمن بعيد صامتا.


(12)

تحلق الناس من حوله، كان طويلا فارعا ذو سنة ذهبية في فكه العلوي، في صوته حدة مخيفة عندما يصيح جلا جلا، أمسكها في يده بعنف واضح، كانت صغيرة شاحبة ذات عيون زرقاء صافية، اخبرنا انه سيخرج من فمها ساعة أخذها قبل برهة من عم جمعه الجزمجى، كنت احب الحواة، غير أنى كنت مشدودا إليها اكثر. اقتربت منى عندما كانت تدور لجمع القروش في علبة من البلاستيك، وعندما بحث عنها الحاوي ليخرج ساعة عمى جمعه الجزمجى من فمها كانت معي على سطح بيتنا نلعب عريس وعروسة.


(13)

فرح الناس كثيرا بدخول الكهرباء لقريتنا، احتفوا بالعمال الذين قدموا من بعيد، هللوا كثيرا عندما أنير أول عمود قرب كشك المرور، سهروا بجانب تليفزيون عكاشة يشاهدون عنترة بن شداد وشيبوب حتى الساعات الأولى من الصباح، وعندما شيعوا الخالة عديلة التي صعقت عندما أمسكت بيد مبتله سلكا عاريا، أدركوا بجلاء لا ريب فيه أي وحش في بيوتهم يؤوون.



#أشرف_العوضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيد - صبري موسي - من حقل النقاء
- الشرخ


المزيد.....




- القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل ...
- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أشرف العوضي - دحل الحمام