أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - لليسار .. در!















المزيد.....

لليسار .. در!


إكرام يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 3727 - 2012 / 5 / 14 - 02:27
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


مع سبعينيات القرن الماضي، وبينما كان السادات يبشر المصريين بعصر الرخاء، خايلت أحلام الثراء الكثيرين. وفتح ما عرف بسياسات الانفتاح الطريق أمام ظهور أنشطة رأسمالية طفيلية. و تراجع الإقبال على الاستثمار في الصناعات الحقيقية أو الثقيلة مع انتشار صناعات استهلاكية حققت الثراء السريع لأصحابها، وغيرت الأذواق ورفعت التطلعات الاستهلاكية لدى الجمهور. وتغيرت التركيبة الطبقية في المجتمع، وتعاظمت ثروات جاءت إما من أنشطة التهريب أو تجارة العملة أو المخدرات، أو من أنشطة طفيلية. وتراجع دور الدولة عن الرقابة على الاستثمار، وترك الحبل على الغارب لكل من أراد الثراء بتواطؤ المسئولين، فأكل المصريون أجنحة وأوراك الطيور الجارحة على أنها ديوك رومية مستوردة، ولحوم قطط على أنها أرانب، وأطعمة الحيوانات الأليفة المستوردة باعتبارها بلوبيف مستورد، وغيرها! ولم تشأ الدولة أن تنتبه، إلا بعد توزيع معظم الشحنات المستوردة وبعدما استقرت في أمعاء المصريين الفقراء الذين انتعشت تطلعاتهم لتذوق "المستورد" مما يأكله "الخواجات"!
في ذلك الوقت، لم يكن الطامحون للثراء مستعدين بالطبع لسماع أي حديث عن الفقراء وحقوقهم، وضرورة قيام الدولة بدورها في الرعاية الاجتماعية. وكان أي حديث بهذا الشكل يوصف بأنه دعوة للعودة إلى النظام "الشمولي" الهادف إلى توزيع الفقر. وبات كل من يرد على لسانه تعبير "الفقراء" مهددا بتهمة جاهزة، هي "الشيوعية" التي نجحت الأنظمة المستغلة في إقناع البسطاء أنها تعني الكفر والإلحاد، والعياذ بالله!
وبمرور الوقت، يتضح أن أوهام الثراء لم تكن إلا للتغطية على فساد الكبار، ولم يسمح بالثراء ـ النسبي ـ إلا لمن يسيرون في ركابهم من "المحاسيب" أو المتسلقين، أو من يعملون على خدمتهم وييسرون لهم فسادهم، من موظفي الجمارك أو الأجهزة الرقابية أو رجال الشرطة. ومع تعاظم الفساد وتراجع دور الرقابة، استشرت مظاهر السفه الاستهلاكي لدى الكبار. فسمع الناس عن حفلات أفراح خيالية تكفي تكلفتها لإعالة مئات الأسر، وانتشار القصور وأساطيل السيارات الفارهة، مع اتساع الهوة الطبقية وتزايد فقر الفقراء، الذين صار الموت لديهم أكثر راحة من هم البحث عن فرصة علاج ، وأصبح تعليم أبنائهم كالماء والهواء؛ ملوثا وشحيحا! وبات العثور على مأوى يستر الأسرة، من قبيل الخيالات. وكان لابد أن تستشري ظواهر الانحراف مع التطرف، كما كان من الطبيعي أن يتزايد الاستبداد والقمع لصد كل من يعترض أو يشير إلى الخلل. والتهمة جاهزة "أنت شيوعي كافر"!. وصار من يدعون التدين يركزون كثيرا على فضيلة الرضا بالمقسوم والقناعة التي هي كنز لا يفنى، للفقراء فحسب! وصارت الآية الكريمة "ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات"، هي المفضلة، يرددها الأثرياء ومدعي التدين في وجه من يعترض، مصرين على تأويلها بما يتفق ومصالحهم. ولم يول أحدهم اهتماما كبيرا لقوله تعالى "يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"، أو لقول رسوله صلى الله عليه وسلم "الناس سواسية كأسنان المشط"!
ومع تعاظم الفساد المستتر بالاستبداد، تزايدت أعداد القابعين تحت مستوى الفقر بلا أمل في حياة كريمة، كما ذابت الطبقة الوسطى الحاملة لقيم وثقافة المجتمع، وسقط معظم أفرادها في هوة الفقر، وتعالت بالتالي معدلات الانحراف والجريمة، وتزايد السخط الشعبي، فلم يكن هناك بد من ثورة تطيح بنظام الفساد والاستبداد، أول شعاراتها "عيش"! والشعار المؤكد له "عدالة اجتماعية"!
فلم يعد من الكفر الحديث عن الفقراء وحقوقهم، وما يعانونه من ظلم! بل أنه صار حديث معظم الساسة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من دون أي تخوف من تهمة الإلحاد.
ويبدو أن الأمر لا يقتصر علينا فحسب. فقد بدأ العالم يدرك أن أحلام الثراء مشروعة ويجب احترامها؛ ولكن لا يصح أن يكون أصحابها هم الأولى بالرعاية والحصول على الامتيازات! وأن الهم الأول لدى غالبية المواطنين، ليس الثراء، وإنما حياة كريمة يتيسر فيها للجميع الحصول على وظيفة مناسبة، وعلاج سليم، وتعليم حقيقي، ومسكن يليق بالبشر!
ويؤكد هذا الكلام ما يحدث حولنا من تغيرات أطاحت فيها الأزمة الاقتصادية بحكومات ورؤساء إحدى عشر دولة أوروبية. فقد لجأت الحكومات اليمينية في هذه الدول إلى الحل الجاهز دائما، وهو تحميل الفقراء أعباء إنقاذ البلاد من أزمات تسبب فيها الأغنياء. فكما لجأت الإدارة الأمريكية إلى أموال دافعي الضرائب لإنقاذ البنوك المتعثرة بسبب سياسات كبار المسئولين الأثرياء، سعت حكومات أوروبا إلى فرض سياسات تقشفية على المواطنين العاديين من أجل إنقاذ البلاد. وفي الوقت الذي لم تتأثر فيه ثروات أغنى أثرياء العالم كما تظهر قائمة مجلة فوربس لأغنى مليارديرات الدنيا، بل أضيف إليهم 128 مليارديرا جديدا، لا تجد الحكومات اليمينية حلا لمشكلة ارتفاع الديون السيادية سوى فرض المزيد من الضغوط على المواطنين وتسريح العاملين وخفض مستويات الرعاية الاجتماعية التي تقدمها الدولة، الأمر الذي تسبب في سخط الملايين. وكان آخر هذه التغييرات فوز الاشتراكي فرانسوا أولاند برئاسة فرنسا، اثر اتجاه ساركوزي للمزيد من سياسات التقشف وتسريح العمال والمساس بالضمان الاجتماعي.
ولا شك أن القرار الأول لأولاند شديد الرمزية، وهو خفض مخصصات رئيس الدولة والوزراء بنسبة 30%! كما تعهد أولاند أيضا بتجميد اسعار الوقود لثلاثة أشهر، وزيادة معونة بدء السنة الدراسية بنسبة 25%، والعودة جزئيا إلى تحسين نظام التقاعد.
وهكذا، يتضح أنه آن الأوان لعودة الأمور إلى نصابها الصحيح؛ فيكون المواطن العادي الأولى بالاهتمام، بعد عقود غازل فيها الساسة رجال الأعمال وبالغوا في تدليلهم، والتفنن في منح الامتيازات للمستثمرين بزعم أنهم يملكون وحدهم مفتاح الحياة الكريمة للمجتمع. ويوما بعد يوم، يتضح للجميع خطأ هذا التصور على إطلاقه؛ فتيسير الاستثمار يجب ألا يعني ضعف الرقابة، وتقديم الإعفاءات الضريبية بلا حساب مع تكبيل المواطن العادي بمختلف أنواع القيود والضرائب. ويوما بعد يوم، تتأكد أهمية اضطلاع الدولة بواجبها في الرعاية الاجتماعية. ويوما بعد يوم، يلجأ أقطاب العالم الرأسمالي لتدابير كان ينظر إليها ذات يوم باعتبارها كفر من عمل الشيطان الاشتراكي! ولا شك أن العالم يتبين كل يوم ضرورة الاهتمام بتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما يفرض على قوى اليسار المختلفة واجبات مهمة، من أبرزها إجراء مراجعات تتعلق بإصلاح الخطاب القديم، وإعادة النظر في الأفكار التي لم تتعد تتناسب مع العصر أو ثبت عدم دقتها، مع تجاوز مرحلة تقديس النصوص، إلى تدبر فكرة العدالة الاجتماعية. وتطوير الفكر اليساري بحيث يكون الهدف من التطوير هو تحقيق مصالح الناس، وليس إثبات صحة النظرية أو تحقيق انتصارات أيديولوجية.



#إكرام_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يخرب بيوتهم!
- الوضوح مطلوب.. أو صناعة الديكتاتور
- أي وحدة؟ وأي صف؟
- -المعاريض-.. وأحضان -الحبايب-
- -كلاكيت-.. للمرة المليون!
- بعد إيه؟
- تباريح غربة قصيرة
- ريتشيل والخالدون
- على رأي المثل!
- الفتى -خالد-.. حارس الأمل
- قلة أدب
- سلطان العلماء وفقهاء السلاطين
- حبال الكذب
- فرق تسد
- لا تزايدوا عليهم
- الرهان الرابح
- لعله صباح ديمقراطي
- عاجل.. إلى وزير التربية والتعليم
- كنيسة قصر الدوبارة
- رجَّع راسك فوق


المزيد.....




- حاول اختطافه من والدته فجاءه الرد سريعًا من والد الطفل.. كام ...
- تصرف إنساني لرئيس الإمارات مع سيدة تونسية يثير تفاعلا (فيديو ...
- مياه الفلتر المنزلي ومياه الصنبور، أيهما أفضل؟
- عدد من أهالي القطاع يصطفون للحصول على الخبز من مخبز أعيد افت ...
- انتخابات الهند.. قلق العلمانيين والمسلمين من -دولة ثيوقراطية ...
- طبيبة أسنان يمنية زارعة بسمة على شفاه أطفال مهمشين
- صورة جديدة لـ-الأمير النائم- تثير تفاعلا
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 50 مسيرة أوكرانية فوق 8 مقاطعات
- مسؤول أمني عراقي: الهجوم على قاعدة كالسو تم بقصف صاروخي وليس ...
- واشنطن تتوصل إلى اتفاق مع نيامي لسحب قواتها من النيجر


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - لليسار .. در!