أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - - فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تونغ - ج. وورنار- مقتطف من العدد 11 من - الماوية : نظرية و ممارسة -: الماوية تدحض الخوجية ومنذ 1979















المزيد.....



- فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تونغ - ج. وورنار- مقتطف من العدد 11 من - الماوية : نظرية و ممارسة -: الماوية تدحض الخوجية ومنذ 1979


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3726 - 2012 / 5 / 13 - 09:59
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


" فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تونغ "
ج. وورنار
( تعاليق حول كتاب أنور خوجا " الإمبريالية و الثورة " ، 1979)

مقتطف من العدد 11 من " الماوية : نظرية و ممارسة ": الماوية تدحض الخوجية ومنذ 1979.

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مقدّمة العدد الحادي عشر من " الماوية : نظرية و ممارسة ": الماوية تدحض الخوجية ومنذ 1979.
أنور خوجا يقلب الحقائق التاريخية رأسا على عقب ويقود هجوما دغمائيا تحريفيّا على الماركسية- اللينينية - الماوية .

توفّي ماوتسى تونغ فى 9 سبتمبر 1976. و بعد شهرين ، فى نوفمبر 1976 ، عقد حزب العمل الألباني مؤتمره السابع و جاء فى تقرير اللجنة المركزية ، على لسان أنور خوجا :
" إنّ الإنتصارات التاريخية التى حققها الشعب الصيني فى ثورته و بنائه الإشتراكي العظيمين و إنشاء الصين الشعبية الجديدة و السمعة الكبيرة التى يتمتّع بها فى العالم ، مرتبطة بإسم القائد العظيم ، الرفيق ماو تسى تونغ و تعاليمه و قيادته. و يمثّل عمل هذا الماركسي-اللينيني مساهمة فى إثراء نظرية البروليتاريا و ممارستها. و الشيوعيون و الشعب الأبانيين سيحييان على الدوام ذكرى الرفيق ماو تسى تونغ الذى كان صديقا كبيرا لحزبنا و شعبنا...

لقد مضت ألبانيا و الصين قدما فى دكتاتورية البروليتاريا و فى بناء الإشتراكية اللتين خانهما التحريفيون ، ألبانيا و الصين اللتان ظلّتا وفيتين للماركسية-اللينينية، و دافعتا عنها بتصميم و أعلنتا حربا إيديولوجية ضروسا ضد تحريفية خروتشاف و أتباعه . الشيوعية لم تمت ، على العكس ما كانت تتمنّى البرجوازية، و قد إبتهج الإنتهازيون و التصفويون قبل الأوان".

وفى بيان مشترك لبعثات الأحزاب الماركسية-اللينينية لأمريكا اللاتينية ( بعثة الحزب الشيوعي (الماركسي- اللينيني ) الأرجنتيني ، و بعثة الحزب الشيوعي البوليفي ( الماركسي- اللينيني ) ، و وبعثة الحزب الشيوعي البرازيلي ، و بعثة الحزب الشيوعي الكولمبي ( الماركسي- اللينيني) ، و بعثة الحزب الشيوعي الثوري الشيلي، و بعثة الحزب الشيوعي الماركسي-اللينيني الإكوادوري) الحاضرة فى المؤتمر السابع لحزب العمل الأباني بتيرانا ، ألبانيا ، نوفمبر 1976، نقرأ :
" 8. وجهت البعثات الحاضرة تحيّة عالية و عبّرت عن عمق ألمها لوفاة الرفيق ماو تسى تونغ ، رئيس اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ، و قائد لا جدال فيه للشعب الصيني ، و ماركسي – لينيني عظيم و معلّم كبير للبروليتاريا و الشعوب المضطهَدة فى العالم بأسره. فى ظلّ القيادة الحكيمة للرفيق ماو تسى تونغ و الحزب الشيوعي الصيني ، خاضت البروليتاريا و خاض الشعب الصيني حربا ثورية و إفتكّا السلطة و شيّدا الإشتراكية فى الصين. و هكذا غدت الصين المتخلّفة و الخاضعة للإمبريالية ، بلدا إشتراكيّا معاصرا ،و حصنا حصينا للثورة العالمية.و كذلك فى ظلّ قيادة الرفيق ماو تسى تونغ ، جرت معالجة بطريقة صحيحة لمشكل الهام لكيفية مواصلة الصراع الطبقي فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و الحيلولة دون إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين. لقد رفع الرفيق ماو تسى تونغ بصلابة راية الماركسية- اللينينية و أطلق النضال ضد التحريفية المعاصرة ، مساهما هكذا بحيوية فى إعادة تشكيل الحركة الشيوعية الماركسية- اللينينية العالمية. و ستظلّ مسيرته كمقاتل ثوري و أفكاره التى طوّرت الماركسية- اللينينية حاضرة فى قلوب شعوب و شيوعييى العالم قاطبة و أذهانهم ".
--------
و عقب ذلك بسنتين ، يشنّ أنور خوجا و حزب العمل هجوما مسعورا دغمائيّا تحريفيّا على ماو تسى تونغ ، فى كتاب أعلن عن نشره أواخر ديسمبر 1978 و حمل من العناوين " الإمبريالية و الثورة " . و فيه أفرد خوجا فصلا كاملا لتشويه فكر ماو تسى تونغ معتبرا إيّاه " نظرية معادية للماركسية " و معتبرا أنّ الصين لم تعرف أبدا الإشتراكية و البناء الإشتراكي و أنّ صراع ماو تسى تونغ و الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفية السوفياتية لم يكن نابعا من مواقف صحيحة و مبدئية ماركسية- لينينية وما إلى ذلك من تقليعات دغمائية تحريفية !!!
===
هذه إطلالة أولى على الإنقلاب الخوجي المضاد لعلم الثورة البروليتارية العالمية ، أمّا الإطلالة الثانية فنخرجها لكم كالتالى:
ورد فى خطاب أنور خوجا ، فى 7 جانفي 1964، ضمن كرّاس " عاشت الصداقة الصينية – الألبانية " :
" أبدا لن ينسى الشيوعيون الألبانيون و لن ينسى الشعب الألباني أن إخوتهم الصينيون وقفوا إلى جانبهم فى الأفراح و الأتراح. لن ينسوا المساعدة الكريمة للأخوة الصينيين الذين تقاسموا معاشهم مع شعبنا. أبدا لن ينسوا أنّ الحزب الشيوعي الصيني حافظ دائما على حزب العمل الألباني مثلما يحافظ المرء على أمّ عينه".
---------------------
و فى 30 سبتمبر 1978 ، فى بيان مشترك بين الحزب الشيوعي الكولمبي ( الماركسي- اللينيني) و الحزب الشيوعي الثوري الشيلي و الحزب الشيوعي الماركسي – اللينيني الإكوادوري و حزب الراية الحمراء الفينيزوالي ، هناك تحليل نقدي يبيّن تحريفية " نظرية العوالم الثلاثة " و تناقضها مع تعاليم ماو تسى تونغ و فى النقطة 15 من خاتمة البيان كتبوا:
" تعتبر أحزابنا أنّه ، إزاء إستعمال التحريفيين الصينيين لأعمال ماو تسى تونغ و سمعته للتغطية على مخطّطاتهم لإعادة تركيز الرأسمالية فى الصين و بناء قوّة عظمى جديدة إمبريالية- إشتراكية و مغالطة البروليتاريا و الشعوب بنظريتهم الضارة للغاية ، نظرية " العوالم الثلاثة" ؛ من الواجب الأكيد أن نصون تعاليم ماو تسى تونغ الثورية ، الماركسية- اللينينية . و تثمّن أحزابنا إلى درجة كبيرة مساهمات الرفيق ماو تسى تونغ فى الثورة العالمية."

و بعد نحو السنة من ذلك ، فى أكتوبر 1977 ، صدر بيان عن الحزب الشيوعي الإسباني (الماركسي- اللينيني) و الحزب الشيوعي البرتغالي المعاد تشكيله و الحزب الشيوعي الإيطالي الماركسي- اللينيني و الحزب الشيوعي اليوناني الماركسي- اللينيني و الحزب الشيوعي الأماني الماركسي – اللينيني فيه نقرأ :
" فى الذكرى الأولى لوفاة الرفيق ماو تسى تونغ ، ترفع أحزابنا تحيّة له و تأكّد على أنّ وفاته تمثّل خسارة كبرى للحزب الشيوعي الصيني العظيم و لكافة الحركة الشيوعية العالمية . كان الرفيق ماو تسى تونغ ، القائد العظيم للشعب و الحزب الشيوعي الصيني كذلك قائدا عظيما للبروليتاريا العالمية.تعتبر أحزابنا أن من واجب جميع الماركسيين- اللينينيين الدفاع بصلابة عن التعاليم الثورية للرفيق ماو تسى تونغ- لا سيما منها تلك المتصلة بالصراع ضد التحريفية المعاصرة ،و بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و بالصراع ضد الإنتهازيين من كلّ لون- إزاء جميع الذين بنفاق يستعملون إسمه ليشوّهوا تعاليمه و للهجوم عليه بشكل ملتوى."
-----------
إثر وفاة ماو تسى تونغ، أنجزت الطغمة التحريفية الصينية بقيادة دنك سياو بينغ و هواو كوفينغ إنقلابا مضادا للثورة فى الصين فصعدت بذلك البرجوازية الجديدة إلى السلطة و أعيد تركيز الرأسمالية هناك و تحوّلت الصين ماو الإشتراكية إلى صين دنك الرأسمالية و تحوّل الحزب الشيوعي الصيني من حزب بروليتاري إلى حزب برجوازي .
و فى جويلية 1978 ، تنكّرت البرجوازية الجديدة الحاكمة للصين للإتفاقيات مع ألبانيا و أوقفت التعاون الإقتصادي و العسكري معها ، مثلما سبق و أن فعل التحريفيون السوفيات مع الصين الماوية.

و طار عقل أنور خوجا و طفق يخلط الحابل بالنابل و يصبّ جام غضبه على ماو تسى تونغ و يكيل الشتائم و يلصق به و ينسب إليه أفكارا و نظريّات أعدائه ( مثل " نظرية العوالم الثلاثة " لدنك سياو بينغ) و يمرّغ سمعته فى الوحل بعد أن كان يرفعه إلى السماء ، مستعملا فى ذلك جميع الأساليب الإنتهازية و التزوير و الكذب و قلب الحقائق رأسا على عقب بأشكال و طرق قد تتصوّرونها و أخرى قد لا تصوّرونها أصلا و بهجومه ذلك على أرقى ما بلغه علم الثورة البروليتارية العالمية كان يحطّم المبادئ الماركسية- اللينينية و يدافع عن الأفكار التى أثبت تاريخ الحركة الشيوعية العالمية و الصينية أنها خاطئة ، تحريفية. فقدّم خدمة هائلة للبرجوازية العالمية إذ تسبّب فى إنقسامات داخل الحركة الماركسية-اللينينة العالمية إستغلّها الإنتهازيون فى الأحزاب و المنظّمات الماركسية- اللينينية عبر العالم ليرتدّوا و يديروا ظهرهم للثورة البروليتارية العالمية و يخونوا الشيوعية و قضية الطبقة العاملة العالمية.
======
لكن هيهات أن يلزم الشيوعيون الحقيقيون الماويون الصمت إزاء ذلك الهجوم الدغمائي التحريفي! فمنذ السبعينات ،إنبروا يقاتلون الخوجية و بالفعل ألحقوا بها أشدّ الهزائم المريرة عالميّا . و يشهد واقع اليوم بتقدّم مطّرد للماوية طليعة للموجة الجديدة من الثورة البروليتارية العالمية و بتراجع ملموس للخوجية كضرب من ضروب التحريفية و إندحارها فى عديد البلدان إلاّ أنّه عربيّا ، لا زلنا فى حاجة أكيدة إلى مزيد فضح الخوجية و كافة أرهاط التحريفية المهيمنة على الحركة الشيوعية حتّى ستطيع الماوية أن تتبوّأ المقام الذى تستحقه لإيجاد الأسلحة السحرية الثلاثة ( الحزب الشيوعي الماركسي-اللينيني-الماوي و الجبهة الوطنية الديمقراطية و جيش التحرير الشعبي ) و قيادة حرب الشعب لإنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة تمهيدا للثورة الإشتراكية كجزء لا يتجزّأ من الثورة البروليتارية العالمية و غايتها الأسمى تحقيق المجتمع الشيوعي الخالي من كافة ألوان الإستغلال و الإضطهاد القومي و الطبقي و الجندري.

و هذا العدد من " الماوية : نظرية و ممارسة " مساهمة فى النهوض بهذه المهمّة الملحّة على الجبهة النظرية و السياسية.وقد إخترنا له من العناويون " الماوية دحضت الخوجية و منذ 1979" و كانت إضافة "ومنذ 1979" موجّهة ضد محترفي تدليس تاريخ الماوية ، ليس كلزوم ما لا يلزم و إنّما لتبيان أنّ ردّ الفعل الماوي كان سريعا و دقيقا و عميقا منذ عقود الآن ما خوّل للمنظّمات و الأحزاب الماوية أن تنظّم ندوة عالمية فى مطلع الثمانينات ثمّ ندوة ثانية فى 1984 إنتهت إلى تشكيل الحركة الأممية الثورية التى كانت من أهمّ نواتاتها الأولى الأحزاب التى إنبرت لتتصدّى للخوجية بجرأة و صراحة مطلقة الوثائق التى سنعرض عليكم سهاما تصيب كبد الحقيقة الخوجية و ترفع عاليا راية الماوية – حينها فكر ماو تسى تونغ.
و للتاريخ ، تجدرالإشارة بشكل عابر فحسب إلى أنّ الحزب الشيوعي الثوري الأمريكي الذى نشر الوثائق التى نضع بين أيديكم فى مجلته "الثورة " سنة 1979، قد سبق و أن كتب مباشرة بُعيد إعلان الوكالة التليغرافية الألبانية فى 20 ديسمبر 1978 عن صدور "الإمبريالية و الثورة " و عرضها لمضمونه، إفتتاحية العدد الأوّل من المجلّد الرابع من "الثورة " ، جانفي 1979، تحت عنوان " أنور خوجا يفضح الإنتهازية – إنتهازيته " قبل أن ينشر لاحقا سلسلة من التعليقات على "الإمبريالية و الثورة " منها إنتقينا " فى الردّ على الهجوم الدغمائي- التحريفي على فكر ماو تسى تونغ". وهذه الإفتاحية . متوفّرة على الأنترنت فى موقع الموسوعة المناهضة للتحريفية باللغة الأنجليزية :
Encyclopedia of Anti-Revisionism On- Line
---------------------------------------
و فصول مسرحية المرتدّ أنور خوجا و الخوجية بتفاصيها الدقيقة تفضحها وثائق الماويين عبر العالم فى متن هذا العمل . و لأنّ الكتابات الماوية ضد الخوجية كثيرة و عديدة كان علينا أن ننتقي أكثرها رواجا ؛ على حدّ علمنا ، و أهمّها بإعتبار الدور الذى لعبته فى الدفاع عن الماوية و دحض الخوجية، فوقع إختيارنا الذى نرجو أن يكون موفّقا على وثائق أربعة ؛ واحدة من بلد إمبريالي – الولايات المتحدة الأمريكية ، للحزب الشيوعي الثوري الأمريكي و ثلاثة من مستعمرات جديدة الأولى من تركيا – أوروبا و الثانية من الشيلي و الثالثة من سيلان [سيريلانكا]، من أمريكا اللاتينية و من آسيا على التوالي. وهي:

1- بإحترام و حماس ثوريين عميقين، نحيّي القائد الخالد للبروليتاريا الصينية، الرفيق ماو تسى تونغ، فى الذكرى الثالثة لوفاته! – الحزب الشيوعي التركي / الماركسي-اللينيني، جويلية 1979.
2- دفاعا عن فكر ماو تسى تونغ؛ وثيقة تبنّاها مؤتمر إستثنائي للحزب الشيوعي بسيلان إنعقد فى جويلية1979.
(و إضافة إستثنائية: " دحض أنور خوجا" ؛ ن. ساموغاتاسان، الأمين العام للحزب الشيوعي بسيلان - 1980.)
3- " تقييم عمل ماو تسى تونغ"؛ للحزب الشيوعي الثوري الشيلي- جويلية 1979.
4-" فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تونغ " بقلم ج. وورنار؛ ماي 1979.


" فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تونغ "

بقلم ج. وورنار
( تعاليق حول كتاب أنور خوجا " الإمبريالية و الثورة " ، 1979)

أوّل ما تفحّصنا كتاب أنور خوجا الجديد ،" الإمبريالية و الثورة " ، تملّكنا شعور بأنّ لا نعير أهمّية لهذا المؤلَّف الخسيس و السطحي، و بأن ننصح القارئ بأن يعود بالأحرى إلى مؤلفات ماو تسى تونغ فهي تكشف بوضوح أنّ جلّ التهم التى يوجهها خوجا لماو تمثّل بكلّ بساطة تلاعبا فاضحا بالإستشهادات، و تحريفا للوقائع و أكاذيبا فجّة ، و من ثمّة ندعو القارئ إلى أن يعود لعديد المواقف النقدية السوفياتية لماو ، مواقف نقدية رغم إنتمائها لذات المنهج و تقديمها لغالبية الأطروحات ذاتها مثل أطروحات خوجا، فإنّ لها على الأقلّ ميزة التقديم المنظّم و التام للخطّ التحريفي.

و مع ذلك ، يجعل واقع الحركة الشيوعية العالمية الراهن من غير الممكن إتباع هذا المسار رغم وجود الرغبة فى ذلك. فقد أدّى إستيلاء أتباع الطريق الرأسمالي و على رأسهم هواو كوفينغ و دنك سياو بينغ ، على السلطة فى الصين الثورية ، أدّى إلى إستسلام بعض الماركسيين- اللينينيين القدامي ، و إلى إحباط الكثير من الناس الآخرين. و تركّزت إنتباه الحركة الشيوعية العالمية على خوجا و حزب العمل الألباني آملين ، وسط هذا الصخب و الغموض فى صفوف الشيوعيين ، رؤية حزب العمل الألباني يواصل النهوض بدور هام فى النضال ضد التحريفية. و قد دفع إلى هذا الأمل ردّ الفعل الأوّلي للألبانيين ، بالرغم من كونه مليئا إنتقائية و أطروحات متناقضة.

لكن خوجا و قيادة حزب العمل الألباني قد إختارا طريقا آخر، مستعملين سُمعة حزب العمل الألباني ( وهي سُمعة لسخرية الأقدار إكتسبها فى جزئها الأكبر من كون خوجا إتّحد مع ماو و الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى فترة كان فيها التحريفيون يهاجمونهم من كافة الجهات) للعودة إلى الوراء متنكّرين للمكاسب المحقّقة أثناء النضال ضد التحريفية المعاصرة للعقدين الأخيرين ، راغبين فى بناء خطّ تحريفي على الصعيد السياسي و الإيديولوجي ، خطّ يعتمد على تقديس و تركيز الأخطاء التى غرتكبها الثوريّون منذ ثلاثينات القرن العشرين ز و كلّ هذا بإسم " نقاوة " الماركسية- اللينينية !
من الأكيد أنّها ليست المرّة الأولى فى التاريخ أن تدّعى التحريفية بأنّها ماركسية " أرتودكسية" ، محاولة تصوير الشيوعيين الثوريين الحقيقيين بريشة " الإنحراف" او حتى متعصّبين. كان كارل كاوتسكي الماركسي الأرتودكسي فى زمنه فى صراع مع اللينينية .و تروتسكي ، أيضا ، كان يدّعى أنّه ماركسي " بروليتاري" و " نقيّ"، و فى نفس الوقت كان يبذل قصارى جهده لتلغيم و تحطيم الدولة الإشتراكية الأولى فى العالم.

وعلى عكس وجهة النظر التى تميّز كتابات انور خوجا ، لا العالم يتقدّم على طريق يسير و مباشر. و ما هو صحيح للعالم ذاته صحيح أيضا بالنسبة للماركسية - اللينينية التى هي قبل كلّ شيئ علم قائم على فهم تناقضات الطبيعة و المجتمع وأداة للتقدّم بالمجتمع وفق قوانين حركة هذه التناقضات – علم يُثرى ،و لا يمكنه إلاّ أن يُثرى و يتعمّق بإستمرار أثناء الممارسة الثورية.

يطلق خوجا عديد التهم ضد ماو تسى تونغ ، تهم تعتمد على أطروحات سنتطرّق إليها هنا الواحدة تلو الأخرى، لكن يتكشّف أنّه من الواضح أن خوجا غير قادر تماما على فهم علم الجدلية الحي ، إنّه خلط كان يحتفظ به لنفسه طالما أنّ الصين الثورية كانت تتقدّم مناضلة ضد أعداء خوجا الذين إعترف هو أيضا بأنّهم أعداءه؛ خلط تحوّل إلى تناقض عدائي يريد خوجا أن يفرضه على الحركة الشيوعية العالمية بأسرها الآن و قد وقع الإنقلاب مؤقّتا على مسار تقدّم الصين.
فى الواقع ، فى وصف من أوصافه النادرة الصحيحة نسبيّا لخطّ ماو ، كتب خوجا : " عموما يعالج ماو تسى تونغ مسألة الثورة التى يعتبرها سيرورة لا نهاية لها ، تتكرّر دوريّا خلال كافة وجود الإنسانية ، سيرورة تمرّ من الهزيمة إلى الإنتصار و من الإنتصار إلى الهزيمة و هكذا دواليك". ( 1) أكيد أن خوجا يهدف من وراء هذا المقتطف المختار،إلى جعلنا نفهم أنّ ماو لا يرى سوى تكرار دائري للأشياء ،و ليس التقدّم فى المجتمع الإنساني . لكن ما يبدو أجلى ( لأنّ هذا تعميم لرؤية ماو لا ينطلي كحيلة على كلّ من درس كتاباته) هو رؤية خوجا ذاته للثورة ، أي أنّ الثورة تفكيك مأسوف عليه، و إن كان أحيانا ضروريّا ، ينزله التاريخ بالمجتمع فى لحظات نادرة جدّا، و تفكيك ينتهى إلى الأبد منذ أن تتمكّن الطبقة العاملة ( أو منقذين من نسلها متحمّسين جدّا لمصالح الطبقة العاملة ) من إفتكاك السلطة من أيدى المستغِلّين القدامى لإنجاز " التقدّم بلا إنقطاع " على طول آفاق ننسكي العريضة و المستقيمة جدّا ، بإتجاه هدف يشبه كثيرا النظرة الدينية لمملكة الإلاه على الأرض أين سيقع تعويض أي نواع ،أي صراع ، أي خلاف بالوفاق و الإستقرار التامين.

يريد خوجا على حدّ سواء أن يهاجم الماركسية - اللينينية و فكر ماو تسى تونغ و أن يتميّز عن التحريفية المعاصرة و بالتالى ، يتبنّى رؤية تحريفية جوهريّا ،و حتى عديد الأطروحات التحريفية التى عفا عنها الزمن ، مخفيا إيّاها بغطاء سميك من الدغمائية ، و من هنا إستعمالنا لمصطلح دغمائي – تحريفي .

يعالج " الإمبريالية و الثورة " عدّة مواضيع و الردّ على كلّ الأخطاء و كلّ تحريفات الماركسية التى يتضمّنها يتطلّب كتابا أطول من كتاب خوجا. و مقالنا هذا يتناول تقريبا بشكل خاص القسم الثالث من الجزء الثاني ،أي " فكر ماو تسى تونغ نظرية معادية للماركسية ".و حتى هنا ، لا نتناول الإنحرافات و الأخطاء و الأكاذيب بجميع أوجهها ، و مع ذلك مقالنا بطول و تفاصيل كافية ليتذوّق القارئ الخطّ المعادي للثورة لدى خوجا ، و حتى ليشعر بالقرف منه. ( يسعى خوجا ، شأنه شأن القادة التحريفيين الصينيين ، إلى أن يلصق بماو تطوير النظرية الرجعية ل" العوالم الثلاثة ". و قد تناول الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية هذه المسألة بالبحث فى مقاله " إستراتيجيا العوالم الثلاثة تبرير للإستسلام" ، ضمن المجلّة الشهرية للجنة المركزية للحزب ، " الثورة " عدد شهر نوفمبر 1978. و مقالنا هذا لا يتطرّق لا إلى الصورة التي يرسمها خوجا للوضع العالمي الحالي ، و لا إلى الإلتقاء المتزايد دوما بين وجهات نظر خوجا و مؤامرات الإمبرياليين الإشتراكيين السوفيات.)
1- أنور خوجا و مسار الثورة الصينية :
حسب أنور خوجا ، يُهيمن على الحزب الشيوعي الصيني " فكر ماو تسى تونغ " الرجعي منذ 1935 ، سنة التركيز الجوهري لقيادة ماو للحزب. و على ما يبدو ، حسب خوجا، وانغ مينغ هو الذى كان يجسّد الخطّ الصحيح، رغم أنّ إسم هذا المرتدّ لا يظهر فى الكتاب. كان وانغ مينغ قائد الحزب الشيوعي الصيني طوال عدّة سنوات إلى هزيمة خطّه فى 1935؛ ميزتان تسمان مساره داخل الحزب : أوّلا ، كان خطّه السياسي خاطئا على طول الخطّ ،ما جعله يقع فى إنحرافات إنتهازية يمينية و " يسارية " ؛ و ثانيا ، كان يتمتّع بثقة و دعم الأممية الشيوعية و على الأرجح دعم ستالين.
قادة الحزب الشيوعي الذين كانوا يشاطرون وانغ مينغ الخطّ ( و الذين يطلقون على أنفسهم تسمية " الأمميّون" و الذين يطلق عليهم أحيانا إسم " 28 و نصف بلشفي" ، إعتبارا لأنّ وانغ مينغ كان يدّعى أنّه هو و بعض الطلبة العائدين من موسكو كانوا " بلاشفة مائة بالمائة "). بدؤوا لعب دور هام فى وضع حرج للثورة الصينية. كانوا يرفضون الإعتراف بأنّ الثورة الصينية قد مُنيت بتراجع مؤقّت بعد هزيمة السنوات 1924-1927 و أنّ فترة طويلة من الدفاع الإستراتيجي كانت بالتالى ضرورية.

قام ماو بتحليل للظروف الملموسة فى الصين ، تحليل قائم على الماركسية - اللينينية و آخذا بعين النظر الأطروحات الجوهرية للينين و ستالين حول الثورة الصينية ؛ بلغ إستنتاج أنّه بالرغم من أنّ الثورة قد منيت بهزائم ، توجد العديد من الظروف التى تسمح بأن ترسي فى الكثير من المناطق فى الصين قواعد إرتكاز ريفية يحيط بها العدوّ. وفى إرتباط وثيق بهذا الموضوع ، وجدت مسألة الفلاّحين و لاحظ ماو بصيغة صحيحة بأنّه فى المرحلة الديمقراطية ، يجب على الفلاحين أن يشكّلوا القوّة الرئيسية ( وليس القوّة القيادية ) للثورة.و تعبئة الفلاحين تحت قيادة الحزب الشيوعي و إنجاز الثورة الزراعية كانا ضروريين لتطوّر قواعد الإرتكاز .

بصدد هذه الأطروحات و كذلك بشأن الكثير من المسائل السياسية و العسكرية الناجمة عنها ، كان وانغ مينغ يعارض بشدّة ماو . مثله مثل خوجا ، كان وانغ مينغ يحاجج ضد أطروحة ماو التى حسبها يجب محاصرة المدن إنطلاقا من الريف. و مثله مثل خوجا ، لم يكن وانغ مينغ يستطيع فهم مدّ الثورة و جزرها: كان بالأحرى يرسم صورة وضع موضوعي مواتى دائما لا يفتقد إلاّ إلى العامل الذاتي لتنظيم هجوم فوريّ و الإنتصار على السلطة الرجعية.و على الصعيد العسكري و السياسي و الإيديولوجي ، كان وانغ مينغ يقود الحزب بخطّ سياسي خاطئ ،و أدّى إلى الهزيمة على أيدى تشانكاي تشاك فى حملته الخامسة ل" التطويق و السحق" ، هزيكة فرضت على الجيش الأحمر التراجع ،و القيام بالمسيرة الكبرى الشهيرة. و نتيجة لهذا الخطّ الإنتهازي " اليساري" تمّ القضاء على عدد كبير من أعضاء الحزب الشيوعي و الجيش الأحمر و كذلك قواعد الإرتكاز.

و من الأكيد أنّ كلّ هذه القصّة جدّ معروفة ،و التقييم السياسي لهذه الإنحرافات يمثّل جزءا هاما من عمل ماو تسى تونغ. و إضافة إلى ذلك ، بالإعتماد على دحض هذا الخطّ خاصّة إستطاع الحزب الشيوعي الصيني أن ينجح فى أن يمضي بالمسيرة الكبرى الشهيرة إلى نهايتها كما مضى بالثورة الصينية إلى نهايتها هي الأخرى.
لكن أنور خوجا ، شأنه فى ذلك شأن وانغ مينغ و التحريفيين السوفيات ، يتّهم ماو ب" القومية" و ب" العقلية الفلاحية" و بالإنتهازية لأنّ ماو طبّق الماركسية - اللينينية على الظروف الملموسة للصين ، مطوّرا هكذا خطّا سياسيا كاملا قاد الثورة إلى الإنتصار.

لننظر فى بعض الحجج العميقة التى يعتمدها خوجا لمهاجمة ماو :
" هذه النظرية البرجوازية الصغيرة [ التى لا تعترف بالدور القيادي للبروليتاريا] ، عبّر عنها ماو تسى تونغ فى أطروحته العامة " محاصرة المدن إنطلاقا من الريف " حيث كتب " يمكن للريف الثوري أن يحاصر المدينة ...يجب على العمل فى الريف أن يلعب الدور الرئيسي فى الحركة الثورية الصينية ، بينما يظلّ للعمل فى المدينة دور ثانوي". و قد كرّر ماو هذه الفكرة عندما تناول كذلك دور الفلاحين فى السلطة. قال إنّ كلّ الأحزاب و القوى السياسية الأخرى يجب أن تخضع للفلاحين و لمفاهيمهم.كتب " ...يهبّ فى هذه النهضة مئات ملايين من الفلاحين ...بسرعة خارقة و قوّة جارفة كالعاصفة العاتية، لا تستطيع أيّة قوّة أخرى ،مهما كانت عظيمة ، أن تقف فى وجهها...أمّا الأحزاب الثورية و الرفاق الثوريون فأنّهم سيجدون أنفسهم جميعا أمام إختيار الفلاحين الذين سيقرّرون قبولهم او رفضهم ." ( المجلّد الأوّل من " مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة " الطبعة العربية ، صفحة 30 ).حسب ماو ، يعود الدور الهيمني فى الثورة للفلاحين و ليس للطبقة العاملة " (2)

هذه إذا ، مثال عن عمق تفكير أنور خوجا ، لكن أين يوجد مبدأ وفقه المركز الرئيسي لعمل الحزب يجب ان يكون فى المدن؟ إن كنّا نقوم بثورة فى بلد حيث يشكّل الفلاحون 80 بالمائة من سكّانه ،و إن دفعت الثورة إلى خارج المدن ، إن منيت الحركة بإنهيار مؤقت وإن وجدت إمكانية تركيز سلطة سياسية حمراء فى الريف، مثلما كان الحال فى الصين ، كيف يمكن أن نقول إنّه من الخطإ أن نجعل من الريف " مركز العمل الرئيسي للحزب" أو أن نطوّر إستراتيجيا " محاصرة المدن إنطلاقا من الريف"؟ فى ظلّ مثل هذه الظروف ـ نثلما فى الصين ،عدم التحرّك عل هذا النحو لم يكن ليعني سوى سياسة مغامراتية متهوّرة؟ و سرعان ما أدّت هذه السياسة إلى الإستسلام أمام العدوّ بالضبط لأنّ الخطّ " اليساري" الذى كان يتمثّل فى التركّز فى المدن و رفض " محاصرة المدن إنطلاقا من الريف" ، كان غير قادر على إستنهاض القوى اللازمة للثورة، نظرا للظروف الملموسة للصين فى تلك الحقبة.

وجدّ كاشف هو أن أحدث خوجا هذا الضجيج بشأن المقولة الشهيرة لماو المقتطفة من " تقرير عن تحقيقات عن حركة الفلاحين فى خونان" الذى يقول فيه ماو إنّ العاصفة العاتية لحركة الفلاحين ستضع "الأحزاب الثورية و الرفاق... أمام إختيار الفلاحين الذين سيقرّرون قبولهم او رفضهم ." لأنّ هذا العمل الكلاسيكي قد تعرّض تاريخياّ لهجمات التحريفيين ، بمن فيهم تشان توسيو، ووانع نيتغ و المرتدّون السوفيات.

ما يؤكّده ما وفى " تقرير عن تحقيقات عن حركة الفلاحين فى خونان" ليس انّ البروليتاريا لا يجب أن تقود الفلاحين ، لكن العكس بالضبط. إنّه ناضل ضد التوجهات اليمينية ، شكلا و مضمونا ،لقادة الحزب الذين كانوا يعتبرون أنّ حركة الفلاحين كانت تتجه توجّها خاطئا و أنّها تقترف " تجاوزات كبرى" كانوا يعتقدون أنّها تهدّد التحالف مع البرجوازية الوطنية ( فى هذه الحال الكيومنتانغ) و أنّه يجب إمّا رفض الإعتراف بالحركة و إمّا معارضتها معارضة تامة و إمّا على الأقلّ محاصرتها. عندما أعاد ذكر مقولة ماو :" أمّا الأحزاب الثورية و الرفاق الثوريون فأنّهم سيجدون أنفسهم جميعا أمام إختيار الفلاحين الذين سيقرّرون قبولهم او رفضهم ." ؛ حذف خوجا عمدا الجمل التى تكشف النيّة الحقيقية التى كتب وفقها ماو التقرير ألا وهي :" أتسير على رأس الفلاحين و تقودهم ؟ أم تقف وراء ظهورهم كعيبا لهم؟ أم تقف فى وجوههم تناهضهم؟ إنّ لكلّ صيني الحرية فى أن يختار أحد هذه المواقف الثلاثة، بيد أنّ الظروف ستجبرك على الإختيار العاجل".(3)

إذن ، من الجلي ( إن لم نقطّع اوصال مقولات ماو مثلما يفعل خوجا عادة من بداية هجومه إلى نهايته) أنّ ماو لا يريد قول إنّ الفلاحين يجب أن يقودوا الحزب، لكن بالضبط العكس، أي أنّ الحزب يجب أن يتقدّم و أن يضع نفسه على رأس التمرّد العاصف ، حركة تمرّد الفلاحين.

و ستالين نفسه هاجم ذات الأخطاء المقترفة عندئذ من قبل قادة الحزب الشيوعي الصيني : " أعلم أنّه يوجد أنصار الكيومنتنغ و حتى شيوعيون صينيون لا يعتقدون أنّه من الممكن إندلاع ثورة فى الريف لأنّهم يخشون أن تكسر الجبهة المتحدة المناهضة للإمبريالية إذا شارك الفلاحون فى الثورة . أيّها الرفاق ، هذا خطأ خطير جدّا... و فى رأيى حان الوقت لوضع حدّ لهذا الجمود و هذه " الحيادية" تجاه الفلاّحين...(4)

إن الإحتقار الذى يعرب عنه خوجا تجاه الفلاحين و إستنقاصه من دورهم المركزي فى السيرورة الثورية للبلدان مثل الصين مرتبطان بعدم قدرته على فهم طبيعة هذه الثورات ذاتها. كن لينين و ستالين و ليس ماو ، السبّاقان إلى تطوير أطروحة حسبها الثورات فى بلدان آسيا كانت ذات طابع ديمقراطي برجوازي،و الهدف مزدوج : طرد الإمبريالية الأجنبية و هزم فئات الطبقة الرأسمالية المرتبطة بهذه الإمبريالية ؛ و حلّ المسألة الزراعية: تحطيم البقايا الإقطاعية و تحقيق مبدأ " الأرض لمن يفلحها".

و مرّة أخرى ، كان ستالين واضحا جدّا بصدد هذه المسألة : " كان رأي الكومنترن و لا زال ، أنّ قاعدة الثورة الصينية فى المرحلة الحالية [ 1927] هي الثورة الزراعية الفلاحية " (5)

( نفس الأطروحة وجدت عدّة مرّات فى كتابات ستالين حول الصين ، و كذلك فى مقرّرات الكومنترن حول الثورة الصينية أنظروا مثلا قرار اللجنة التنفيذية الثامنة للجلسة العامة للأممية الشيوعية حول مسألة الصين ( ماي 1927) التى تؤكّد :
" الثورة الزراعية ، بما فيها مصادرة الأراضي و تأميمها : هذا هو المضمون الإجتماعي –الإقتصادي الداخلي للمرحلة الجديدة للثورة الصينية... و يجب على الحزب الشيوعي أن يضع نفسه على رأس هذه الحركة و أن يقودها"(6).

أو مرّة أخرى ، قرار جوان 1930 حول المسألة الصينية:
" المسألة الزراعية هي قاعدة الثورة الصينية التى تتطوّر فى شكل حروب فلاحية بقيادة البروليتاريا".(7)
و بالطبع لا يعنى هذا أن ستالين أو الكومنترن كانا دائما على صواب فيما يتعلّق بتحليلهما أو توصياتهما بصدد الثورة الصينية.)

يتّهم خوجا : " لم يستطع ماو تسى تونغ أبدا أن يفهم و لا أن يفسّر بصورة صحيحة العلاقات الوثيقة القائمة بين الديمقراطية –البرجوازية و الثورة البروليتارية. فى تعارض مع النظرية الماركسية- اللينينية التى بيّنت علميّا أنّه بين الثورة الديمقراطية – البرجوازية و الثورة الإشتراكية لا يوجد سور صيني، و أنّ الثورتان لا يجب أن تفصلا الواحدة عن الأخرى بمدّة طويلة ، كان ماو تسى تونغ يؤكّد أن " التحوّل فى الثورة هو من المهمّات المقبلة... أمّا متى يتحقّق هذا التحول ... سوف يتطلّب زمنا طويلا. وينبغى ألاّ نعلن التحول بطيش ، قبل أن تتوفّر جميع الشروط الضرورية فى المجال السياسي و الإقتصادي ،و قبل أن يصبح هذا التحوّل مفيدا و ليس مضرّا بالأغلبية الساحقة من أبناء الشعب فى جميع أرجاء البلاد".(8)
بعدُ قد يكون القارئ المنتبه قد تساءل : ما الذى يحذفه خوجا بهذه النقاط المسترسلة؟ تستعمل النقاط الأولى لحذف جملة لماو: " فمن المؤكّد أنّ الثورة الديمقراطية سوف تتحوّل فى المستقبل إلى ثورة إشتراكية ". و النقاط التالية تحذف جزءا من الجملة المشدّد عليها أدناه : " أمّا متى يتحقّق هذا التحول فذلك امر يتوقّف على توفّر الشروط اللازمة وهو سوف يتطلّب زمنا طويلا." (9)

( ندع للقارئ مهمّة تقرير إن كان المترجمون الألبانيون يذكرون عمدا الطبعة الألبانية لأعمال ماو من أجل منعهم من المقارنة بين عملية خوجا المضطربة هذه و النصّ الأصلي ، أو أنّ الأمر يتعلّق ببساطة بمنهج غير نسؤول إلى أبعد حدّ إزاء مسألة ذات أهمّية كهذه. على كلّ حال ، يجعل هذا المنهج غير ممكن عمليّا أن يعود غالبية القراء إلى النصّ الأصلي ، خاصة أنّ مقالات المؤلفات المختارة لماو غير مذكورة. [ بالعربية " مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة " المجلدّ 1، صفحة 248].)

هكذا نرى أنّ خوجا يحذف نقطتين حيويّتين فى سياسة ماو : 1) أنّ التحوّل إلى الثورة الإشتراكية حتمي، و 2) أنّ هذا التحوّل يتوقّف على " توفّر الشروط اللازمة". و يضيف خوجا :
" لقد تمسّك ماو تسى تونغ ، طوال الثورة ،و حتى بعد التحرير ، بهذا المفهوم المعادي للماركسية المناهض لتحوّل الثورة الديمقراطية –البرجوازية إلى ثورة إشتراكية. و هكذا ، فى 1940 ، قال ماو تسى تونغ إنّ : " الثورة الصينية لا بدّ أن تمرّ ب...الديمقراطية الجديدة و الخطوة الثانية هي الإشتراكية. و الأكثر من ذلك أن الخطوة الأولى ستتطلّب وقتا طويلا جدّا..." ( 10)

و هنا نورد للقارئ الفقرة الكاملة التى إقتطف منها خوجا " مقولته" ؛ وهي فقرة صادرة عن ترجمة صينية رسمية ، ودون النقاط المسترسلة المريحة لخوجا:
" ممّا لا يتطرّق غليه الشكّ أنّ الثورة الحالية هي الخطوة الأولى وهي ستتطوّر فيا بعد إلى الخطوة الثانية ، أي الإشتراكية. و لن تبلغ الصين عصر السعادة الحقيقية إلاّ حين تدخل عصر الإشتراكية . و لكن لم يحن الوقت بعد لتطبيق الإشتراكية. فالمهمّة الحالية للثورة الصينية هي محاربة الإمبريالية و الإقطاعية ،و لا مجال للكلام عن الإشتراكية قبل إنجاز هذه المهمّة. و الثورة الصينية لا بدّ أن تمرّ بخطوتين، الخطوة الولى هي الديمقراطية الجديدة و الخطوة الثانية هي الإشتراكية . و الأكثر من ذلك أن الخطوة الأولى ستتطلّب وقتا طويلا جدّا ،و لا يمكن إنجازها بين ليلة و ضحاها. نحن لسنا طوباويين فلا يجوز لنا أن نغضّ النظر عن الظروف الواقعية الحالية." (11).

و مجدّدا ، من الواضح، حسب الفقرات ذاتها أنّ خوجا ، لأجل الدفاع عن أكاذيبه، يحاول تخطئة و تحريف أنّ ماو أشار بجلاء إلى أنّ ثورة الديمقراطية الجديدة تقود إلى الإشتراكية عندما تتوفّر الظروف اللازمة وهي ظروف حدّدها ماو بهزيمة الإمبريالية و الإقطاعية.

خوجا على صواب : لا وجود ل" سور صيني " يفصل مرحلتي الثورة لكنّه فى العمق ، يرغب فى إنكار الوجود الفعلي لمرحلتين مختلفتين للثورة تتحدّد بالضرورة بتحالفات طبقية و مهام مختلفة. يسعى خوجا إلى خلط كلّ شيء ، إلى مزج الإثنين فى واحد ؛ و ينتج عن ذلك نوعا من الشكل الغريب من الثورة الديمقراطية-الإشتراكية ذات نفس الخصوصيّات العملية فى البلدان الإمبريالية و البلدان المضطهَدَة. خطّ خوجا إنتقائي و مرتبك إلى درجة أنّه من المستحيل التوصّل إلى فهم صحيح لما يريد قوله. هل يريد أن يقول إنّ الثورة الصينية قبل 1949 كانت ( أو كان يجب أن تكون) ثورة إشتراكية؟ هل ينقل خطّ بعض القادة الصينيين ( الذين تمتّعوا ببعض الدعم من الكومنترن) و الذى وفقه ستتحوّل الثورة البرجوازية إلى ثورة إشتراكية منذ إفتكاك السلطة فى محافظة أو محافطتين هامتين؟ أم هل يريد أن يقول إنّ ماو لم يغترف بأنّ الثورة يتتحوّل إلى ثورة إشتراكية مع إفتكاك السلطة على النطاق الوطني؟ على كلّ حال سنرى أنّ ماو و ليس خوجا أو وانغ مينغ هو الذى كان على صواب.

( و بالطبع، من الممكن أيضا أن يكون خوجا يطلق عمدا الأكاذيب ضد ماو. على كلّ حال ،من البديهي أنّ الثورة فى ألبانيا تنتمى إلى النوع الأوّل من الثورات ذات المرحلتين ،و أنّ حزب العمل الأباني ، حسب تاريخه الرسمي، يبدو قد فهم جيّدا هذه المسألة ، مشيرا إلى أنّ الثورة الألبانية كانت فى البداية " ثورة ديمقراطية معادية للإمبريالية" تطوّرت لاحقا إلى ثورة إشتراكية،و شارحا أنّ " فى المرحلة الأولى من الثورة كان الهدف الإستراتيجي للحزب هو ضمان الإستقلال الوطني و إرساء نظام ديمقراطية شعبية" (12) . و إضافة إلى ذلك ، وقع شرح خطّ الحزب الألباني بعد تحرير ألبانيا على النحو التالي: " فى الظروف الجديدة ، أطلق الحزب الشيوعي الألباني شعار الوحدة الوطنية. و هذه الوحدة يجب أن تشمل ، فضلا عن الجماهير الشعبية العريضة التى شاركت بنشاط فى نضال التحرّر الوطني ،كافة الذين ظلّوا بعيدين عن هذا النضال أو وقعت مغالطتهم من قبل القادة الرجعيين ، لكن الذين يستطيعون الآن تقديم مساهمتهم فى بناء المجتمع الجديد".(13).

ألا يبيّن هذا المقتطف بالوضوح الكافي تركيز مرحلة مغايرة جدّا للمرحلة الإشتراكية؟ و فعلا ، يمكن أن يكون هذا خطّا صحيحا للحزب الشيوعي الألباني ( كما كان يسمى عهدئذ).و صحّة مثل هذا الخطّ ليست موضع سؤال هنا (رغم أنّ الحزب الألباني ذاته قد إعترف بأنّه أثناء هذه الفترة ، قام بجملة من الأخطاء اليمينية)(14)؛ الأساسي هنا هو أنّ خوجا قد لعب دورا رئيسيا فى الثورة ذات الطبيعة الديمقراطية الواضحة ، مرحلة ،حسب تقييم خوجا و الحزب فى تلك الفترة ، ستدوم لمدّة زمنية طويلة نوعا ما ، إثر إفتكاك السلطة؛ و مع ذلك الآن ، يتهم ماو بأنّه إقترف نوعا من المحرّمات إذ طوّر نظريّة ثورة الديمقراطية الجديدة. نشكّ هنا بالأحرى بأن الأمر يتعلّق بخدعة أكثر منه خلط لدى خوجا.)

عمدا يخلط خوجا بين كون الثورة الإشتراكية يمكن أن تنجز مهام ديمقراطية ( و ثورة أكتوبر أبلغ مثال) و مفهوم الثورة الديمقراطية –البرجوازية ذاتها.

و ليس مفاجئا ، فى الجزء الأوّل من كتابه حيث يقترح خوجا وصفاته للثورة فى كافة بلدان العالم ( دون تحديد ،حقّا، طريق كلّ بلد بعينه)، يظهر أنّه غير قادر تماما على فهم المسألة ،و بالفعل ينتج عن ذلك خلط فظيع:
" صار الرابط [بين الثورة البروليتايرية فى الغرب و النضال فى المستعمرات و البلدان التابعة- ج. و] أكثر بديهية ، أكثر طبيعية ، اليوم ، بينما غالبية الشعوب ، وهي تقلب النظام الإستعماري القديم ، قد أنجزت خطوة كبرى إلى الأمام نحو الإستقلال بإيجاد دولها القومية الخاصّة و أنّه بعد هذه الخطوة ، يطمحون إلى المضيّ أبعد إلى الأمام. إنهم يريدون القضاء على النظام الإستعماري الجديد و التحرّر من كلّ تبعيّة الإمبريالية ، من كلّ إستغلال للرأسمال الأجنبي، و الحصول على سيادتهم و إستقلالهم التام ، الإقتصادي و السياسي. و قد ثبت بأنّه لا يمكن أن نحقّق هذه الطموحات و نبلغ هذه الأهداف إلاّ بالقضاء على كلّ هيمنة أو تبعيّة أجنبية ، و بالتحرّر من إضطهاد و إستغلال الحكّام البرجوازيين و الملاّك العقاريين الكبار فى البلاد.

و يترتّب عن ذلك أن الثورة الوطنية –الديمقراطية ، المعادية للإمبريالية و من أجل التحرّر الوطني مرتبطة و متشابكة مع الثورة الإشتراكية، لأنّها فى هجومها على الإمبريالية و الرجعية ،وهم أعداء مشتركون بين البروليتاريا و الشعوب ، تفتح الأولى أيضا الطريق للتغييرات الإجتماعية الكبرى، و تساهم فى إنتصار الثورة الإشتراكية ، وهي تهاجم البرجوازية الإمبريالية ، بإجتثاث مواقعها الإقتصادية و السياسية ، توجد الظروف المواتية لحركات التحرّر و تسهّل الإنتصار".(15).

رغم أنّ خوجا يُحيل عنا على " الملاكين العقّاريين الكبار " فإنّ هذه الفقرة ،و كذلك فى كتابه بأسره،مدهشة لغياب أيّة نقاش لطابع الثورة المعادي للإقطاع فى عديد بلدان آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية. ذلك انّ النضال ضد الإقطاعية هو الذى يعطى الثورة الديمقراطية طابعها البرجوازي.

فى الفقرة أعلاه يمزج بمهارة الثورة الإشتراكية و الثورة الديمقراطية –البرجوازية ،مؤكّدا أنّ الإستقلال، و السيادة إلخ لا يمكن بلوغهما إلاّ ب " التحرّر من إضطهاد و إستغلال الحكّام البرجوازيين و الملاّك العقّاريين الكبار فى البلاد". و طبعا ، صحيح فى آخر المطاف ، أنّ التحرّر الحقيقي من الإمبريالية مرتبط بالثورة الإشتراكية. و قد أشار ماو إلى هذا فى عديد المناسبات ،مثلا فى تصريحه الشهير، " فقط الإشتراكية يمكن أن تنقذ الصين". المسألة هي أنّ الثورة الإشتراكية و الثورة الديمقراطية – البرجوازية ليستا متماثلتين، يعنى أنّه خلال الثورة الديمقراطية –البرجوازية ، بعض القوى البرجوازية ( قوى إستغلالية ) يمكن أن تلعب دورا إيجابيّا.

بتهكّم ، رغم أن خوجا قام بمحاولات ليعتبر نفسه تلميذا وفيّا لستالين ، فإنّه ستالين هو الذى ،فى معرض كتابته عن مرتدّ آخر، قيّم بإختصار الأخطاء الجوهرية لخوجا بصدد مسألة الثورة الصينية: " الخطأ الجوهري لتروتسكي ( و بالتالى للمعارضة) هو أنّه يستخفّ بالثورة الزراعية فى الصين ، و لا يفهم طابعها الديمقراطي –البرجوازي و ينكر أن توجد فى الصين الظروف الأوّلية الضرورية لحركة فلاحية تشمل ملايين الفلاحين و يستخفّ بدور الفلاحين فى الثورة الصينية."(16)

و على عكس إحتجاجات خوجا ، فإنّ ماو بالذات هو الذى شرح العلاقة بين المرحلة الديمقراطية –البرجوازية و المرحلة الإشتراكية. بداية ، أثرى ماو الأطروحة الجوهرية للينين القائلة بأنّ الثورات الديمقراطية –البرجوازية للبلدان التابعة و المستعمرات فى عصر الإمبريالية و الثورة البروليتارية الجديدة ( يعنى منذ أكتوبر فى روسيا سنة 1917) لم تعد جزءا من الثورة البرجوازية القديمة ،و إنّما تنتمى بالأحرى إلى الثورة البروليتارية العالمية الجديدة.

لقد أكّد ما وفى عديد المناسبات أنّ البرجوازية الوطنية فى الصين و فى البلدان المشابهة للصين ليس بوسعها أن تقود الثورة الديمقراطية –البرجوازية إلى النصر . وهي عرضة لسوء المعاملة من الإمبريالية ، أحيانا تدخل هذه البرجوازية فى تناقض معها و تلتحق من وقت لآخر بالنضال الثوري . لكن بالضبط بسبب ضعفها و جمودها السياسي و الإقتصادي ، و بسبب العلاقات التى لا تزال تربطها ببعض القطاعات الهامة ( الكمبرادورية) للبرجوازية و للملكية العقارية ، ستتسم هذه الطبقة على الدوام فى أفضل الأحوال بالتذبذب ، وستستسلم أحيانا للقوى الإمبريالية و للرجعية المحلّية.

و بالتالى ، قيادة الشعب ، و قبل كلّ شيء الفلاحين لإتمام الثورة الديمقراطية-البرجوازية ، باتت مهمّة البروليتاريا. و بالفعل ، شرح ماو بالضبط لأنّ الثورة الصينية قد قادتها البروليتاريا و طليعتها ، الحزب الشيوعي ، فهي توصف بثورة الديمقراطية الجديدة (و ليس القديمة ) ، و أنّ هذه الثورة لا تهدف إلى " إرساء مجتمع رأسمالي و دولة دكتاتورية برجوازية" بل بالأحرى ، " تمهّد طريقا أوسع و أرحب من أجل تطوّر الإشتراكية" (17)

و شرح ماو مضيفا :" و على الرغم من أنّ الثورة الصينية فى المرحلة الأولى هذه ( بمراحلها الصغيرة المتعدّدة) هي ، من حيث طبيعتها الإجتماعية ، ثورة ديمقراطية برجوازية من نمط جديد و لم تصبح بعد ثورة إشتراكية بروليتارية ، إلاّ أنّها قد أصبحت منذ زمن طويل جزءا من الثورة العالمية الإشتراكية البروليتارية ، بل أصبحت بالأحرى فى الوقت الحاضر جزءا بالغ الأهمّية من هذه الثورة العالمية و حليفا عظيما لها. إنّ الخطوة الأولى أو المرحلة الأولى لهذه الثورة لن تكون ،و لا يمكن أن تكون إقامة مجتمع رأسمالي خاضع لدكتاتورية البرجوازية الصينية ، بل ستنتهى هذه المرحلة الأولى بإقامة مجتمع للديمقراطية الجديدة خاضع للدكتاتورية المشتركة لجميع الطبقات الثورية فى الصين بزعامة البروليتاريا الصينية . و من ثمّ ستتطوّر هذه الثورة إلى المرحلة الثانية التى سيقام فيها مجتمع إشتراكي فى الصين.

هذه هي أهمّ الخصائص الأساسية للثورة الصينية فى الوقت الراهن ،و مجرى الثورة الجديد خلال السنوات العشرين الأخيرة ( إعتبارا من حركة 4 مايو – أيار- 1919) ،و هذا هو المضمون الحيّ الملموس للثورة الصينية الحالية. " ( 18)
بإستمرار يشدّد ماو على الرابط الحقيقي بين الثورة الديمقراطية - البرجوازية و الثورة الإشتراكية : أنّ فقط إتمام الثورة الديمقراطية ، أي إلحاق الهزيمة بالإمبريالية و الإقطاعية ، يمهّد الطريق للثورة الإشتراكية ، و أنّ هذه الثورة لا يمكن أن تنجز دون توفّر هذه الشروط. و شدّد ماو أيضا على أنّ مواصلة الثورة إلى أبعد من المرحلة الديمقراطية ،و المرور إلى المرحلة الإشتراكية ، لا يمكن أن يتحقّقا إلاّ فى ظلّ قيادة البروليتاريا و حزبها.

و نظرا لأنّ خوجا غير قادر على فهم ( أو يدعى عدم فهم) الطابع الطبقي للمرحلة الأولى من الثورة الصينية ، ليس من المفاجئ أن يهاجم كذلك الخطّ العسكري لماو تسى تونغ، حرب الشعب ، خطّ يعتمد بالتحديد على فهم صحيح لظروف الثورة الصينية. و هذا ما يقوله خوجا بهذا الصدد ، ضمن وصفة يقترحها للثورة فى كلّ البلدان:
" وفى الظروف الملموسة لبلد و الوضع العام ، يمكن أن تكون الإنتفاضة المسلّحة إنفجارا فجئيّا أو سيرورة ثورية أطول ، لكن ليست محدودة أو دون أفق ملموس ، مثلما تعلن " نظرية حرب الشعب طويلة الأمد" لماو تسى تونغ. إن عقدنا مقارنة بين تعاليم ماركس و إنجلز و لينين و ستالين حول الإنتفاضة الثورية المسلّحة من جهة و نظرية ماو حول " حرب الشعب" ، فإنّ الطابع المعادي للماركسية و المعادي للينينية و المعادي للعلم لهذه النظرية يبدو جليّا. تقوم تعاليم الماركسية - اللينينية على أنّ الإنتفاضة المسلّحة وثيقة العلاقة بالصراع فى المدن و فى الأرياف نفى ظلّ قيادة الطبقة العاملة و حزبها الثوري.

و نظرا لأنّ النظرية الماوية ضد الدور القيادي للبروليتاريا فى الثورة فهي تعتبر الريف قاعدة وحيدة للإنتفاضة المسلّحة و تتجاهل النضال المسلّح للجماهير الكادحة فى المدن. إنّها ترتئي أنّه إنطلاقا من الأرياف تجب حاصرة المدن المعتبرة قلاعا للبرجوازية المعادية للثورة. و يعكس هذا قلّة الثقة فى الطبقة العاملة و تنكّر لدورها الهيمني".(19)

مهمّ! جدّا! هذا المقتطف لخوجا يوضّح أكثر إحتجاجاته ( المذكورة أعلاه) على كون ماو أكّد أنّ الثورة الديمقراطية الجديدة يمكن أن تتطلّب " مرحلة طويلة ". تهمة خوجا التى مفادها أنّ ماو قد طالب بحرب لا نهاية لها و " دون أفق ملموس" سخيفة بشكل بيّن. لقد إرتأى ماو بوضوح أنّ للحرب ذاتها ( أو بالأحرى فى حال الصين ؛ ثلاث مراحل متباينة : المرحلة الأولى ضد الكيومنتنغ ، و الثانية ضد اليابان و الثالثة من جديد ضد الكيومنتنغ، مثّلت الشكل الجوهري لمواصلة الثورة إلى تحقيق أهدافها الأولى التى كانت طرد الإمبريالية من البلاد، و حلّ المسألة الزراعية. لا يمكن أن توجد "أفاق " " ملموسة " أكثر من هذه !

يكشف نقد خوجا لحرب الشعب بصورة أوضح الطابع الأساسي اليميني ل " يسراويته". ونودّ أن نسأل خوجا : ما هو الطريق الذى كان على الثورة الصينية أن تتبعه إثر هزيمة الثورة فى 1924-1927 ، أي عندما إنتصرت الثورة المضادة فى المدن و كان يتمّ ذبح الشيوعيين؟ على ما يبدو ، كان صحيحا تركيز مناطق إرتكاز فى الريف ، شرط عدم فقدان " الأفق الملموس" ، بمعنى إنتصار سريع ( فى بضعة سنوات) على القوى الرجعية. و هذا الخطّ بالفعل ، كان خطّ وانغ مينغ الذى أمر الجيش الأحمر ، متوقّعا إنتصارا فوريّا و إنهيار العدوّ ، بشنّ هجوم مستمرّ. و جاءت نتيجة هذه السياسة هزيمة هائلة للثورة الصينية ، و خسارة كافة قواعد الإرتكاز فى جنوب الصين ، و ضرورة الإبحار فى المسيرة الكبرى.

إن إستمعنا لخوجا ، يجب أن نستخلص أنّه كان من الخاطئ الإنطلاق فى كفاح مسلّح طالما لا يوجد أفق إنتصار فوري. حسب رأيه ، الإحتفاظ بالسلطة الحمراء فى الريف فى حال إنعدام إمكانية إفتكاك سريع للمدن ، يكون تخلّيا عن الطبقة العاملة و فقدان للثقة فى دورها الهيمني. هذه طريقة تفكير ميكانيكية حقّا ، بالغة " قمم" لم يسبق أبدا بلوغها. ذلك أنّ الإنتهازيين أثناء الثورة الصينية ( لا سيما التروتسكيين) كانوا يدافعون عن مثل طرق التفكير هذه، وانغ مينغ من برجه العاجي فى موسكو ، كان الوحيد الذى كرّر هذه السفسطة حتى بعد أن بيّن التاريخ أنّها سفسطة.

كان خوجا يودّ أن يرى حلّ الجيش الأحمر من قبل الحزب الشيوعي الصيني أو إن لم يفعل ذلك ، أن يهاجم هذا الأخير بكلّ بساطة المدن بطرق غير مدروسة و إنتحارية ، فى حين أنّ الظروف غير مواتية لإنتصار على المستوى الوطني؛ كان هذا ليؤدّى كذلك إلى حلّ الجيش الأحمر. أيعتقد خوجا جدّيا أنّ " هيمنة البروليتاريا " تكون قد تحقّقت بصفة أفضل لو لم توجد قواعد إرتكاز ريفية، و لو أنّ الحزب الشيوعي و قد تعرّض لضربات الإرهاب الأبيض ، قد صار متقلّصا إلى قوى متناثرة تقوم بعمل قانوني و غير قانوني فى المدن؟ هل من الصحيح أنّ مثل هذا الوضع كان سيعجّل بتطوّر إنتفاضة جديدة فى الصين؟ أم ، أليست سياسة ماو أي تطوير قواعد إرتكاز ثورية ، فى الأخير ، هي التى ساهمت خلال النضال ، فى الإعداد للإستيلاء المستقبلي على المدن؟

و لا يمكن أن نمسك أنفسنا عن توجيه سؤال آخر لخوجا :أين يوجد فى كتبات ماركس و إنجلز و لينين و ستالين خطّ محدّد بشأن الطريق الذى يجب إتباعه لإفتكاك السلطة بالقوّة المسلّحة فى بلد مثل الصين؟ بلا شكّ، لا وجود لمثل هذه الوصفة، لأنّ قادة البروليتاريا العظام ، على عكس خوجا ، لم يكونوا لينطلقوا فى إصدار تخمينات حول الأحداث الممكنة التى لم تحصل بعدُ.و نظرا لأنّه قبل الثورة فى الصين ، لم توجد أبدا ثورة قادتها الطبقة العاملة فى مثل هذه البلاد ، أليس من السخيف نصحنا بأن نقارن كتابات ماو مع كتابات عسكرية لقادة ماركسيين- لينينيين سبقوه لإكتشاف أخطاء ماو؟ و فضلا عن ذلك ، إن عقدنا هذه المقارنة نكتشف أن ماو يتجاوز حتى القادة الكبار الذين سبقوه و لم يحلّل فقط سيرورة الحرب الثورية فى الصين لكنّه أيضا قدّم مساهمات لا تقدّر بثمن فى الخطّ الماركسي عموما فى ما يخصّ المسائل العسكرية.(20)

وهذا ليس غريبا بما أنّه تراكمت لدي ماو تجربة أوفر من سابقيه فيما يتصل بممارسة الحرب الثورية. و على خوجا أن يلاحظ أيضا التصريح الذى أدلى به ستالين فى هذا المضمار سنة 1926 إذ قال " فى الصين الثورة المسلّحة تواجه الثورة المضادة المسلّحة" (21)

دغماتحريفية خوجا تمنعه من الفهم الصحيح للعلاقة بين السياسة و الحرب. بإعتبار أنّه حسب رأيه ، لا يمكن للضدين أن يتحوّل الواحد منهما إلى نقيضه ( موضوع ستطرّق إليه فى الصفحات التالية ) لا يمكنه فهم أنّ الحرب الثورية ذاتها كانت فى الصين الطريق الرئيسي للقيام بالعمل السياسي على النطاق الواسع فى صفوف الجماهير. لقد وضّح ماو بصفة جيّدة هذا الأمر وهو يقيّم أهمّية المسيرة الكبرى :
" ...مسيرتنا الكبرى هي أوّل مسيرة من نوعها سجلها التاريخ وبأنّها بيان و فرقة للدعاية و آلة بذارة...إنّ المسيرة الكبرى بيان ،إذ أنّها أعلنت للعالم أجمع أن رجال الجيش الأحمر هم أبطال ،و أنّ الإمبرياليين و عملاءهم – تشيانغ كاي تشيك و أمثاله- هم ضعفاء عاجزون... إنّ المسيرة الكبرى فرقة للدعاية أيضا ، إنّها أوضحت لحوالي مئتي ملين من أبناء الشعب فى الإحدى عشرة مقاطعة أن طريق الجيش الأحمر هو الطريق الوحيد الذى يؤدّى إلى تحرّرهم. كيف كان يمكن لهذه الجماهير الغفيرة ، لولا المسيرة الكبرى ، أن تعرف بمثل هذه السرعة وجود تلك الحقيقة العظمى فى الدنيا ، التى تتجسد فى الجيش الحمر؟ إنّ المسيرة الكبرى آلة بذارة أيضا ، إذ أنّها قد بذرت بذورا كثيرة فى الإحدى عشرة مقاطعة، وهي بذور سوف تنبت و تورق و تزهر و تثمر، و تعطى حصادا فى المستقبل. ..و من الذى قاد هذه المسيرة الكبرى إلى النصر؟ إنه الحزب الشيوعي . فلولا الحزب الشيوعي لما كان من الممكن تصوّر القيام بمثل هذه المسيرة الكبرى. " (22)

و هكذا نرى أنّ الحرب الثورية لم تكن جرّد مسألة عسكرية ،و إنّما الشكل الرئسي للصراع الطبقي فى الصين. و الذين كانوا قد أكّدوا على كون الثورة يجب أن تنجز وفق نمط الثورة الروسية ( ثورة تميّزت بفترة طويلة من الإعداد خلالها كان الصراع يتمّ رئيسيّا على المستوى السياسي و ليس العسكري متبوعة بإنتفاضة و حرب أهلية) كانوا سيحكمون عل الطبقة العاملة و كذلك على الشعب الصيني بعدم القيام بأيّة ثورة.

يدعى خوجا أنّ كلّ خطّ ماو لمحاصرة المدن إنطلاقا من الريف يمثّل تخلّيا عن هيمنة البروليتاريا. فى الحقيقة عدم شنّ النضال المسلّح فى الريف كان سيعنى بالذات انّ الطبقة العاملة لن تمارس قيادتها ( هيمنتها) فى الثورة ، خاصة فى علاقة بمئات ملايين الفلاحين الصينيين.
تعنى هينة البروليتاريا قبل كلّ شيئ قيادة حزبها السياسي الطليعي ، الحزب الشيوعي.و هذا لا يعنى بالضرورة أنّ البروليتاريا قوّة رئيسية فى الثورة ( هذا خوجا ذاته مضطرّ للإعتراف به ).و تتمثّل قيادة البروليتاريا فى توحيد الجماهير المضطهَدَة تحت راية الطبقة العاملة حول برنامجها للثورة. فى الظروف الملموسة للصين ، كان هذا المبدأ يتطلّب أن توجد البروليتاريا ، عبر حزبها ، فى الصفوف الأولى للنضال ضد الإمبريالية و الإقطاعية، فى نفس الوقت الذى يتمّ فيه بناء السلطة السياسية المستقلّة للحزب الشيوعي الذى بإمكانه وحده أن يقود الثورة إلى الإنتصار و من هناك إلى الإشتراكية. و نظرا لهذه المبادئ ، عدم شنّ حرب فى الريف كان سيؤدّى إلى غياب قيادة البروليتاريا للفلاحين ، و بالتالى كانت إمكانية إنجاز الثورة ستتبخّر.

لماذا لم تكن الثورة قادرة على إحراز الإنتصار أوّلا فى المدن، لتتوسّع تاليا إلى الريف، على غرار الثورة الروسية،مثلا؟ لأنّ المدن لم تكن وحدها هي المعتبرة ( مثلما يقول خوجا) حصونا للبرجوازية المعادية للثورة – كانت كذلك فعلا. فى المدن، كانت توجد تجمعات فيالق العدوّ نو إضافة إلى ذلك، كانت الفيالق الإمبريالية تستطيع بسهولة بلوغ المدن،و هناك كانت تقدر على تقديم المساعدة الأكثر فعالية للقوّات الرجعية الصينية. و الطبقة العاملة هي أيضا كانت مرتكزة فى المدن ن لكنّها لم تكن قويذة بما فيه الكفاية و لم يكن الوضع مناسبا حتى تنجح فى شنّ إنتفاضات و تمسك بالسلطة السياسية. و بالفعل، قد حاول العمّال القيام بمثل هذه الإنتفاضات التى إنتهت إلى أن أغرقها العدو فى حمّام من الدم.

لقعد مقارنة ، يمكن أن نلقي نظرة على الوضع العالمي فى مجمله. فقد إعتقد ماركس و إنجلز ( و قد مثّل ذلك "مبدأ" معترفا به ماركسيّا) أنّ الثورة ستحدث أوّلا فى بلدان أوروبا الغربية ، بلدان قد بلغت أعلى مستوى تطوّر رأسمالي. و فقط زمن ثورة أكتوبر ،طوّر لينين أطروحة أنّ الثورة ستحدث أوّلا فى البلد الذى يمثّل الحلقة الأضعف فى النظام الإمبريالي. و قد إتّهم لينين من طرف " الماركسي الأرتودكسي" كاوتسكي بأنّه تخلّى عن البروليتاريا لأنّه كان مقتنعا بأ،ّ الثورة البروليتارية يمكن بالفعل أن تحدث أوّلآ فى مجتمع يُهيمن عليه بعدُ الفلاحون ، مثل روسيا فى تلك الحقبة. و بالطبع ، أثبتت ثورة أكتوبر أنّ أطروحة لينين كانت صحيحة. و نفس الشيء فى الصين ، لم يكن فقط التناقض الرئيسي الذى ينبغى معالجته لإتمام الثورة الديمقراطية ( المسألة الزراعية) متركّزا فى الريف ، لكن أيضا أنّ الرجعيين كانوا الأكثر ضعفا و أنّ البروليتاريا كان بإستطاعتها أن تقود الجماهير الشعبية فى تركيز السلطة السياسية و الحفاظ عليها.

يريد منّا خوجا أن نفهم أنّ ماو يتبنّى محاصرة المدن إنطلاقا من الريف كإستراتيجيا للإنتصار فى كافة البلدان. بالعكس تماما فقد حدّد ماو أنّ نموذج ثورة أكتوبر ن الإنتفاضة فى المدن ، ستمثّل طريق السلطة فى البلدان الإمبريالية . إلى ذلك ، لم يقل ماو إطلاقا أنّ النضال الثوري لكلّ البلدان التابعة و المستعمرات سيتطوّر وفق نفس الطريق الصيني. فى البداية ، كان يعتقد أنّ الصين كانت البلد الوحيد أين سيقود هذا الطريق إلى الإنتصار ، لعدّة أسباب شرحها بالتفصيل ، مثل كون الصين لم تكن مستعمرة و إنّما شبه مستعمرة فيها تتنافس مختلف القوى الإمبريالية المتنازعة لإخضاعها و أنّ المجال الترابي الشاسع للصين كان مناسبا لمناورات القوات الثورية. و مع ذلك ، أثبت تطوّر النضال الثوري ، لا سيما فى آسيا ، دون شكّ أنّ خطّ ماو بصدد حرب الشعب و محاصرة المدن إنطلاقا من الريف إلخ ينطبق على عديد البلدان الأخرى فضلا عن الصين. و رغم ان طريق السلطة ليس بتاتا متماثلا بالضبط فى بلدين مختلفين ، من الواضح أنّ النضال المسلّح فى الفيتنام ، مثلا، قد تطوّر جوهريّا ، حسب المبادئ التى صاغها لأوّل مرّة ماو.

رغم أنّه من الأكيد أنّ حرب الشعب المتميّزة بمحاصرة المدن إنطلاقا من الريف، لن تكون الطريق العالمي لكافة بلدان آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية ، يبقى مع ذلك من الأكيد أنّ فى هذا الطريق إنخرطت عديد الشعوب ،و أ،ّه سيكون طريق الإنتصار بالنسبة للكثيرين، إن لم نقل الغالبية ، من هذه البلدان . إنّ معارضة مبدئية لخطّ ماو بصدد حرب الشعب معارضة للثورة فى البلدان المضطهَدَة.

يُعلن خوجا أنّ :
" طبقة الفلاحين و البرجوازية الصغيرة لا تستطيعان قيادة البروليتاريا فى الثورة . أن نعتقد و نتبنّى العكس يعنى معارضة الماركسية- اللينينية. هذا واحد من أهمّ مصادر مفاهيم ماو المعادية للماركسية و التى مارست تأثيرا سيّئا طوال الثورة الصينية" (23)

بالطبع لا يمكن لخوجا أن يقدّم أي دليل على إدّعائه بأن ماو كان ينادى بقيادة الطبقة العاملة من قبل الفلاحين؛ و بالفعل مؤلفات ماو جميعها تبيّن بكثير من الوضوح وجهة نظر معارضة تماما ، و هذه النقطة متكرّرة عشرات المرّات فى ثنايا كتاباته.كلّ ما يستطيع أن يدّعيه خوجا هو أنّه بما أنّ ما كان يحدّد انّ عمل الحزب يجب ان يرتكز فى الريف ، و بما أنّه إعترف بأنّ المسألة الزراعية تمثّل التناقض الداخلي الرئيسي الذى يجب على الثورة الديمقراطية حلّه ، بالتالى هذا يثبت أن ماو كان ينادى بقيادة العمّال من قبل الفلاحين!
كان ماو تماما على صواب حينما أكّد أن :" فى مجرى الثورة فى الصين شبه المستعمرة يمكن أن تفشل نضالات الفلاحين فقط فى حالة حرمانها من قيادة العمال ، امّا أن تصاب الثورة بضرر بسبب نموّ نضالات الفلاحين و تفوقها على قوى العمّال فهو أمر مستحيل".( 24) تأكيد أنّ " قيادة " البروليتاريا تتطلّب التخلّى عن نضال الفلاحين أو خنقه إلى أن تحصل إنتفاضة الحركة العمّالية ، يعنى خيانة الثورة.

و بالفعل ، إنطلق ماو فى نضال بلا هوادة خلال مرحلتي الثورة لأجل ضمان أن تمارس الإيديولوجيا البروليتارية - الماركسية- اللينينية – هيمنتها فى صفوف الحزب؛ وقد ناضل بلا هوادة ضد كافة أنواع الإنحرافات البرجوازية منها و البرجوازية الصغيرة،التى كانت تعبّر عن نفسها فى صفوف الحزب خلال مرحلتي الثورة. و قد حلّل مختلف الإنحرافات و بيّن جذورها الطبقية فى المجتمع ( تحليل يبدو أن خوجا غير قادر على القيام به أصلا فيما يتعلّق بالصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية ، مثلما نرى ذلك فيما بعد). و مهاجما الإنحراف البرجوازي الصغير فى صفوف الحزب الشيوعي الصيني ( ممثّلا خاصّة بوانغ مينغ ، بطل خوجا بوضوح) ، أبدى ماو ملاحظات هي بعد غاية فى الأهمّية بالنسبة لنقاشنا حول وجهة نظر خوجا.

و هذه الفقرة جديرة بالذكر تامّة :
" أوّلا، طريقة التفكير. بشكل عام ، عندما نتناول البرجوازية الصغيرة مشكلا ، تفكّر بصورة ذاتية ، تنظر للأشياء من زاوية واحدة ؛ أي أنّها لا تنطلق من نظرة موضوعية لمجموع القوى الطبقية النسبية، لكنّها تأخذ أمانيها الذاتية و إنطباعاتها و أفكارها الخيالية على أنّها ظروف واقعية ، تعدّ مظهرا واحدا على أنّه المظاهر كلّها ،و الجزء على أّنّه الكلّ ، و شجرة على أنّها الغابة . و ينزع المثقفون البرجوازيون الصغار المنفصلون عن سيرورات الإنتاج العملية إلى أن يكونوا عقديين، كما سبق و أن قلنا، لأنّهم ليست لديهم إلاّ معارف حصلوا عليها من الكتب و يفتقرون للمعارف العملية. و البرجوازيون الصغار المشاركون فى الإنتاج ينزعون إلى التجريبية ، كما سبق أن أشرنا أعلاه، لأنّه رغم أن هؤلاء الناس لا يفتقرون إلى المعارف الحسّية ، فإنّهم يظهرون ضيق نظر و عدم إنضباط ،و إنعزالية و محافِظة، مميّزين للمنتجين الصغار.

ثانيا، التوجه السياسي. سياسيّا ، تتجه البرجوازية الصغيرة نحو التذبذب بين " اليسار" و اليمين ، بسبب نمط عيشها و طريقة تفكيرها الذاتية و الإحادية الجانب النابعة عنها. و الكثير من الثوريين البرجوازيين الصغار النموذجيين يتسرّعون لبلوغ إنتصار سريع للثورة يؤدّى إلى تغيير جذري فى وضعهم القائم. وبالتالى لأنّ فاقدي الصبر تجاه الجهود الثورية " اليسارية" و ينزعون إلى التحوّل إلى إنعزاليين و مغامراتيين، إحساسا و عملا. و مثل هذه النزعة السياسية البرجوازية الصغيرة ،حينما تنعكس فى الحزب ، تؤدّى إلى أخطاء " يسارية" سبق و أن أشرنا إليها، فى ما يتصل بالمهام الثورية ،و قواعد الإرتكاز ، و التوجه التكتيكي و الخطّ العسكري.

لكن فى ظروف أخرى ، نفس مجموعة الثوريين البرجوازيين الصغار أو مجموعة أخرى ، ستعبّر ربّما عن يأس و تشاؤم ،متبعة البرجوازية، و تعلن عن أحاسيس ووجهات نظر يمينية. التشتوسياوية خلال الفترة الأولى من المسيرة الكبرى ، كانوا جميعا إنعكاسات لهذه الأفكار البرجوازية الصغيرة اليمينية فى صفوف الحزب. و حينما إندلعت الحرب المناهضة لليابان ، ظهرت الأفكار الإستسلامية... إزاء إمتحان الظروف المتغيّرة ، تكشف الإيديولوجيا البرجوازية الصغيرة جانبها السيئ بالتذبذب بين " اليسار" و اليمين ، بتوجهها نحو دفع الأمور إلى الأقصى و إلى إعتبار امانيها واقعا ، أو بالإنتهازية. و يمثّل كلّ هذا إنعكاسا إيديولوجيا لوضعها الإقتصادي غير المستقرّ."(25)

إذن ، نلمس من هذا المقتطف أن ماو كان واعيا جدّا لمشكل الإنحرافات عن الماركسية- اللينينية فى الحزب، و أنّه كان يكشف بوضوح جذورها الطبقية. مثلا، فى مقتطف لآخر من ذات النصّ أعلاه، ناقش مشكلة الناس من أصل برجوازي صغير الذين " إنتموا إلى الحزب تنظيميّا ، لكن ليس إيديولوجيّا، ليس جوهريّا ، و هم غالبا ليبراليون ، إصلاحيّون، فوضويّون، بلانكيّون ، يضعون قناع الماركسية- اللينينية ، وهم بالتالى غير قادرين على أن يوصلوا إلى الإنتصار ليس فحسب الحركة الشيوعية فى صين الغد ، و إنّما أيضا حركة اليوم من اجل الديمقراطية الجديدة." و شدّد على الحاجة إلى " تربيتهم و النضال ضدّهم بشكل جدّي لكن صحيح و صبور " و إلاّ فإنّ مثل هؤلاء الناس سيحاولون " أن يشكّلوا سمات الحزب –سمات طليعة البروليتاريا، على صورتهم هم و يستولون على قيادة الحزب..." ( 26)

بطبيعة الحال ، المشكل الذى يطرقه ماو هنا سيصبح بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني مشكلا خطيرا جدّا على المدى البعيد،مشكلا ساهم مساهمة كبيرة فى إنقلاب 1976 و فى إفتكاك المسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي للحزب. و من البديهي أنّ ماو قد تعرّف مبكّرا جدّا على المشكل ،و قد إجتهد بجدّية لإيجاد وسائل صيانة الطابع البروليتاري للحزب.
إنّه خوجا و ليس ماو هو الذى يصوغ خطّا برجوازيّا صغيرا و غير بروليتاري فيما يخصّ الثورة الصينية. إنّه بالذات الخطّ الذى يلخّصه ما وفى النصّ أعلاه ، خطّ ، عمليّا يطالب بإنتصار سريع و خطوات إلى الأمام غير مدروسة فى فترة معيّنة من الصراع، و عندما لا يفتح هذا فى الحال " أفقا ملموسا " لإنتصار ، يطالب عندئذ بأن يكفّ الشيوعيون عن قيادة الفلاحين و أن يركّزوا عملهم فى المدن و أن يترقّبوا ( بصيغة أخرى أن يستسلموا!) إلى أن توجد ظروف " ملائمة أكثر".

ماو تسى تونغ ، الكومنترن ، الإتحاد السوفياتي و ستالين

بغاية وصف ماو بأنه قومي ضيق الأفق و شوفيني صيني ، إدعى خوجا بأن ماو لم ينضبط لتوجيهات الكومنترن فى ما يتصل بالخط الأساسي للثورة الصينية و بأنه لا يعتبر الإتحاد السوفياتي "وطن البروليتارية العالمية " و بأنه تحرّأ على نقد ستالين . ما يميّز وجهة نظر خوجا فى هذه المسألة هو خليط من الأفكار الخاطئة ( وهي خاصية من خاصياته مثلما سنرى لاحقا ) و من أنصاف الحقائق و الكذب الرخيص .

و مع ذلك ،ما هو بديهي مرة أخرى لكلّ إنسان درس كتابات ماو تسى تونغ هو أن ماو و الحزب الشيوعي الصيني ما إنفكا يساندان على الدوام الإتحاد السوفياتي و ستالين . و قد أشار ماو فى عدّة مناسبات إلى أن الإتحاد السوفياتي كان يمثّل وطن البروليتاريا العالمية ، و علّم الشيوعيين و الشعب وفق هذه الروح و هذا أمر لا جدال فيه . لقد أدرك جيدا الأهمية الحيوية لثورة أكتوبر و لوجود دولة إشتراكية قوية مثل الإتحاد السوفياتي لأجل التغيير الراديكالي للطابع السياسي للعالم قاطبة فصرّح بأن : " بعثت إلينا طلقات مدافع ثورة أكتوبر بالماركسية – اللينينية "( ماو تسي تونغ ص 67 من "عاشت اللينينية " كتب سنة 1960 إحياء للذكرى التسعين لمولد لينين ، دار النشر باللغات الأجنبية بيكين ،الطبعة العربية ).
و بالتأكيد لن نستطيع قول إن نصوصا كالنص التالي تمثّل إستهانة بأهمية دور الإتحاد السوفياتي بالنسبة لنجاح الثورة الصينية :

"إذا كانت الصين تريد الإستقلال فإنها لا تستطيع بتاتا الإستغناء عن مساعدة الدولة الإشتراكية و البروليتاريا العالمية . و هذا يعنى أنها لا تستطيع الإستغناء عن مساعدة الإتحاد السوفياتي و لا عن المساعدة التى تقدمها لها البروليتاريا فى اليابان و بريطانيا و الولايات المتحدة و فرنسا و ألمانيا و إيطاليا عن طريق نضالاتها ضد الرأسمالية فى بلدانها و على الرغم من أنه لا يمكن القول بأن الثورة الصينية لن يتحقق إنتصارها إلا بعد إنتصار الثورة فى اليابان و بريطانيا و الولايات المتحدة و فرنسا و ألمانيا و إيطاليا ، أو فى بلد أو بلدين منها ، و لكن مما لا يتطرق إليه الشك أنها لن تنتصر إذا لم تدغمها قوة البروليتاريا فى هذه البلدان . و على الأخص فإن المساعدة السوفياتية شرط لا يمكن الإستغناء عنه إطلاقا من أجل إنتصار الصين النهائي فى حرب المقاومة . و غن رفضنا المساعدة السوفياتية ، فإن الثورة ستخفق ." ( مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلد الثاني ، صفحة 495 ، ضمن "حول الديمقراطية الجديدة ").

و أما فيما يتعلق بستالين و الكومنترن ، فإن ماو كان فى الواقع متفقا مع الخط الأساسي للثورة الصينية الذى إقترحه ستالين . و قد سبق و أن رأينا هذا الإتفاق حول المسائل الأساسية للثورة الصينية ( أي الدور المفتاح للفلاحين و الثورة الزراعية و طابع الثورة الديمقراطي البرجوازي و كون الثورة المسلحة تواجه مباشرة الثورة المضادة المسلحة ) و خوجا و ليس ماو هو الذى ينحرف عن المبادئ الجوهرية التى صاغها ستالين بشأن الثورة الصينية .

بيد أن ماو تسى تونغ شدّد أيما تشديد على أن الثورة الصينية لا يمكن أن تكون نسخة طبق الأصل للثورة الروسية و ذلك بالرغم من إلحاح بعض الدغمائيين .و فوق ذلك ، شدّد على أنه لا زالت هنالك حاجة إلى تطبيق الماركسية – اللينينية على الظروف الملموسة للثورة الصينية .هذا من ناحية و من ناحية أخرى ، من الواضح الجلي أن ستالين و خاصة ممثلو الكومنترن فى الصين ، إقترفوا أخطاء عديدة و خطيرة فى حق الثورة الصينية عندما أرادوا وضع مخطط محدد سلفا لهذه الثورة .

و الأمثلة كثيرة على ذلك . فخلال ثورة 1924-1927 ، لعب ممثلو الكومنترن فى الصين ( لا سيما بورودين ) دورا محزنا فى الثورة ، مدافعين عن خط "الوحدة قبل كل شيئ" مع الكومنتنغ و تشان كاي تشاك. و فيما بعد صرّح ماو :
" كان بورودين يمينيا أكثر تعنت بقليل من تشان تو سيوو، كان مستعدا لتقديم كل شيئ للحصول على رضا البرجوازية ، حتى إلى نزع سلاح العمال وهو ما إنتهى إلى الأمر به " ( ذكره هان سوين فى الصفحة 114 من " طوفان الفجر ، ماو تسى تونغ و الثورة الصينية ،1893 -1954" ، بستن 1972، الولايات المتحدة ،الطبعة باللغة الأنجليزية ) .

ورغم أن مواقف بورودين كانت على يمين المواقف الرسمية للكومنترن ، فإن هذا لم يشكل لوحده جوهر أخطائه . فمثلا ، تمذت تسمية تشان كاي تشاك عضوا شرفيا فى اللجنة التنفيذية للكومنترن وهو منصب ظل فيه إلى سنة 1927 ، أي بعد إفتضاح طبيعته بفترة طويلة . إلى ذلك ، كانت لستالين تطلعات غير واقعية بشأن حكومة الكومنتنغ فى ووهان ( التى وصفها بأنها برجوازية صغيرة ) ، فكان يعتقد أن هذه الحكومة ستحافظ على تحالفها مع الشيوعيين حين يغادر تشان كاي تشاك خندق الثورة .

و من البديهي أن الكومنترن أساء النصح للحزب الصيني وهو أمر يقرّ به ببساطة الجميع بإستثناء أنور خوجا. ففى 1939 قال بورودين نفسه لآنا لويس سترونغ : " لقد أخطأت ، لم أفهم الثورة الصينية ... إرتكبت أخطاء عديدة " ( نفس المصدر السابق ،صفحة 156) .

و حتى بعد بداية مجزرة شملت آلاف الشيوعيين و العمال ، أمرت القيادة الإنتهازية اليمينية ، بدعم من بورودين و ممثلون آخرون للكومنترن بنزع سلاح العمال و سعت إلى إيقاف حركة الفلاحين ،على أمل إرضاء ما سمّي ب "يسار" الكومنتنغ ، و تمّ ذلك رغم معارضة ماو .

و ستالين كما مرّ بنا ،كان يقدّم خطا عاما صحيحا بصدد الدور الحاسم لتعبئة الفلاحين ، غير أنه فى أكتوبر 1926 ، إقترف خطأ خطيرا إذ أرسل تليغرافا إلى شنغاي حيث صرح أنه إلى أن يجري الإستيلاء على هذه المدينة ، لا ينبغى أن تتصاعد شدّة حركة الفلاحين و شدد على إستعمال " القرس و الحذر " . و قد إعترف ستالين لاحقا بأنه أخطأ فى بعث ذلك التليغراف و أشار إلى أنه " لم يعتبر أبدا و لا يعتبر راهنا أن الكومنترن معصوم من الخطإ ". (ستالين ، " الوضع العالمي و الدفاع عن الإتحاد السوفياتي "، المجلد 10 من أعماله ، صفحة 18 من الطبعة الأنجليزية )

و إثر بضعة أسابيع ، ألغى ستالين التليغراف ، و فى شهر نوفمبر، ألحّ قرار الكومنترن على ضرورة إستنهاض الفلاحين. غير أن التليغراف لعب دورا ضارا للغاية إذ أعار سمعة الحزب الشيوعي السوفياتي و الكومنترن إلى اليمين الذى كان يدفعه تشان توسيو و بورودين .

و قام ستالين بتصريح مهم بشأن العلاقة بين الكومنترن و الثورة الصينية يصلح فى توضيح مدى خطل أطروحات أنور خوجا :
"رغم التقدم الإيديولوجي لحزبنا ، لا زلنا نجد به و للأسف ، ما يزعم أنهم "قادة " يعتقدون بصراحة بأن الثورة فى الصين يمكن أن تقاد ، إن أمكننا القول ، بتليغراف و وفق المبادئ المعترف بها عالميا الكومنترن ، دون الأخذ بتاتا بعين الإعتبار الخصوصيات الوطنية للصين و لإقتصادها و لنظامها السياسي و لثقافتها ولطرق عيشها وعاداتها و تقاليدها . و بالفعل ما يميّز هؤلاء " القادة " عن القادة الحقيقيين هو أنه يضعون فى جيوبهم قوالب جاهزة "تناسب" كافة البلدان وهي قوالب جاهزة "ضرورية " فى كل الظروف . و بالنسبة لهم ، الحاجة إلى الأخذ بعين الإعتبار للخصوصيات الوطنية و للميزات الخاصة الوطنية لكل بلد لا وجود لها ...
وهم يصرون على أن الأحزاب الشيوعية تطورت و صارت أحزابا جماهيرية ، لا يدركون المهمة الرئيسية للقيادة هي إكتشاف و إستيعاب الميزات الخاصة الوطنية للحركة فى كل بلد ،و جعلها تنسجم بمهارة مع المبادئ العامة للكومنترن ، لأجل تيسير بلوغ الأهداف الجوهرية للحركة الشيوعية و جعل ذلك ممكنا .

نجد إذا محاولات جعل قيادة كافة البلدان ذات قوالب جاهزة .نجد إذا محاولات فرض بعض الصيغ العامة دون الإهتمام للظروف الملموسة للحركة فى مختلف البلدان . نجد إذا نزاعات لا تنتهى بين هذه الصيغ و الحركة الثورية لمختلف البلدان وهو ما الإنعكاس الرئيسي لقيادة ما يدعى أنهم قادة " (ستالين ،" ملاحظات حول المواضيع المعاصرة " ،صفحة 338-339 من المجلد 9 من أعماله ، الطبعة باللغة الإنجليزية ).

و الآن لنعقد مقارنة بين تصريح ستالين و الخلط المميّز لخوجا :
" خلال هذه الفترة [ منذ 1935] ، شن ماو تسى تونغ و أتباعه حملة "نظرية " تحت شعار النضال ضد " الدغمائية " و " القوالب الجامدة " و "القوالب الأجنبية " إلخ و أثاروا مسألة صياغة ماركسية وطنية ، منكرين هكذا الطابع الشمولي للماركسية –اللينينية . و عوض الماركسية – اللينينية، كان يبجّل " الأسلوب الصيني " لمعالجة المشاكل و الروح الصينية
" التى تتصف بالطزاجة و الحيوية و التى تستسيغها عامة الصينيين " ، و من هنا نشر الأطروحة التحريفية القائلة بأنه ينبغى أن يكون للماركسية مضمونا خاصا مميزا فى كل بلد "( أنور خوجا، " الإمبريالية و الثورة "، صفحة 416 -417 ، الطبعة الإنجليزية ).

قبل إيراد النص الأصلي لماو تسى تونغ ، الذى منه إقتطف خوجا "إستشهاده" ، من المفيد أن نسجل أن خوجا ينكر كليا ضرورة الصراع ضد الدغمائية الذى إرتآه ستالين فهو ببساطة يسخر من فكرة أن " القوالب الجاهزة الأجنبية " و "النماذج الجاهزة " يمكن أن تشكل مشكلا للحزب أو للحركة الثوريين . نيّته جلية : إنه يرغب فى أن يفرض خط القوالب الجاهزة للحزب الألباني على الحركة الشيوعية العالمية بأسرها . و فى ما يتصل بإتهام ماو بأنه أنكر " الطابع الشمولي للماركسية – اللينينية ، ندع ماو .يعبّر بنفسه عن نفسه . و هنا نورد الفقرة ذاتها التى منها إقتطع خوجا "إستشهاده" ( و الإستشهاد السابق ) :

" إن نظرية ماركس و إنجلزو لينين و ستالين هي نظرية صالحة للعالم أجمع . فلا يجوز لنا أن نعتبر نظريتهم عقيدة جامدة بل علينا أن نعتبرها مرشدا للعمل . و لا يجوز لنا أن نكتفي بمجرد تعلم بعض العبارات و الأقوال من كتب الماركسية – اللينينية ،بل يجب ان ندرس الماركسية – اللينينية بوصفها علم الثورة . كما أنه لا يجوز لنا أن نكتفي بمجرد فهم النتائج الخاصة بالقوانين العامة التى توصل إليها ماركس و إنجلز و لينين و ستالين من دراستهم لمختلف جوانب الحياة الواقعية و للتجارب الثورية ، بل يجب كذلك أن نتعلم منهم موقفهم الطبقي و طريقتهم فى النظر إلى القضايا و فى حلها . إن معرفة حزبنا بالماركسية – اللينينية قد إزدادت اليوم إلى حد ما بالمقارنة مع ما مضى ، بيد أن معرفته لا تبرح بعيدة عن الإتساع و العمق . إن مهمتنا هي قيادة أمة كبيرة تعدادها مئات الملايين من أجل خوض نضال عظيم لم يسبق له مثيل . و لذا فإن مهمة دراسة النظرية الماركسية – اللينينية على نطاق واسع و بصورة عميقة هي بالنسبة إلينا قضية كبرى ينبغى حلها سريعا و لا يمكن حلها إلا بواسطة الجهود المركزة ....

إن الشيوعيون هم ماركسيون أمميون ، و لكننا لا نستطيع أن نطبق الماركسية بنجاح إلا إذا ربطناها بالخصائص المحددة لبلادنا ووضعناها فى قالب وطني محدد . إن قوة الماركسية- اللينينية العظمى تكمن بالتحديد فى أنها مرتبطة بالممارسة الثورية المحددة للبلدان المختلفة . و هذا يعنى بالنسبة إلى الحزب الشيوعي الصيني ضرورة تعلم كيفية تطبيق النظرية الماركسية –اللينينية على الظروف المحددة للصين . و إذا ما عمد الشيوعيون الصينيون الذين يؤلفون قسما من الأمة الصينية العظيمة و هم مرتبطون بها لحما و دما ، إلى التحدث عن الماركسية بمعزل عن خصائص الصين ، فإن الذى يتحدثون عنه ليس سوى ماركسية مجردة جوفاء .و هكذا فإن قضية تطبيق الماركسية على ظروف الصين المحددة حتى تحمل فى كل مظهر من مظاهرها الطابع الصيني الخاص الذى لا بد منه ، أي تطبيقها على ضوء خصائص الصين المحددة ، قد أصبحت قضية ملحة يجب على الحزب باسره أن يفهمها و يجب أن يحلها بصورة عاجلة . يجب أن نرفض أسلوب القوالب الجامدة الأجنبية ،و أن نضع حدا للنغمات المجردة الجوفاء ،و أن ننبذ نزعة الجمود العقائدي ، كي نفسح المجال ليحل مكان كل هذه الأشياء الأسلوب الصيني و الروح الصينية التى تتصف بالطزاجة و الحيوية و التى تستسيغها عامة الصينيين.إن فصل المضمون الأممي عن الشكل الوطني هو طريقة أولئك الذين لا يفقهون شيئا من الأممية . أما طريقتنا فهي الربط بين الإثنين ربطا وثيقا . و قد حدثت بين صفوفنا أخطاء فادحة فيما يتعلق بهذه المسألة ، أخطاء ينبغى التخلص منها بجدية ." (صفحة 291-292 من المجلد الثاني من " مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة " ، الطبعة العربية ، دار النشر باللغات الأجنبية بيكين 1969 ، التسطير من وضع كاتب المقال ) .

وهذا يكشف لنا عندئذ الجريمة النكراء التى يسعى خوجا لإرتكابها إلى جانب كونه يكشف أنه لا يفقه شيئا فى هذا المضمار .
و يلحّ ماو على أن الماركسية – اللينينية صالحة عالميا لأنها يمكن و يجب أن تطبق على الظروف الملموسة لكل بلد . و من البديهي أن هذا ليس إكتشافا أنجزه ماو ، بل مبدأ ماركسي جوهري و لو أنه ليس يدخل ضمن أفكار خوجا . و إقتراح الطريقة العكسية أي أن التحاليل و الإستراتيجيات و التكتيكات التى طوّرها ماركس و إنجلز و لينين و ستالين و كذلك ماو و التى صيغت أثناء الممارسة الثورية ، يمكن أن تفرض على أية ظروف مهما كانت ، هو "إنكار" فعلي للسيرورة الحقيقية لدمج الماركسية و المادية الجدلية بالحركة الثورية . و لا يمكن لمثل هذه الطريقة إلا أن تفضى غلى هزيمة الحزب البروليتاري و التخلى على قيادة البروليتاريا للثورة .

و يبيّن لنا الهجوم الخسيس كذلك أن خوجا يحاول عن قصد أن يشوّه ما قاله ماو . إنه يريدنا أن نعتقد أن ماو كان ينشر "الأطروحة التحريفية القائلة بأنه ينبغى أن يكون للماركسية فى كل بلد مضمون خاص " . و الحال أن ماو بالعكس يؤكد بالوضوح كلّه أن مضمون الماركسية و الأممية يتطلب " شكلا وطنيا " محددا . هل أن خوجا غير قادر على إستيعاب الإختلاف بين المضمون و الشكل ؟ أم هل يختار بكلّ بساطة الكذب بغية خلط الأوراق؟

ماو ، ستالين و خروتشاف

للأسف ، إساءة نصح الكومنترن للثورة الصينية فى 1927 لم يقف عند ذلك الحدّ . فقد أشرنا إلى أن خط وانغ مينغ الذى دافع عنه خوجا بعناد رغم أنه تمّ بيان خطله منذ زمن طويل ، كان يتمتّع بمساندة الكومنترن و ربما كذلك بمساندة ستالين . و إنطلاقا من 1935 ، خلال فترة الحرب ضد اليابان ، كان وانغ مينغ يدافع عموما عن خط إنهزامي وهو يفعل ذلك كان بعدُ يتمتع بدعم الكومنترن . لقد إقترح وانغ مينغ " حكومة موحدة للدفاع عن الوطن " فى تضارب مباشر مع نداء ماو لتركيز "جمهورية شعبية " و جبهة متحدة ضد اليابان . فى تلك الحقبة ، عاضد وانغ مينغ مقترح تشان كاي تشاك كشرط للوحدة مع الشيوعيين و نقصد أن يتسلم تشان كاي تشاك قيادة الجيش الأحمر . و بالطبع عارض ماو بصرامة مثل هذا الإستسلام و نجح فى سدّ الطريق عليه .

و قد ظهر هذا التوجه ذاه بأكثر جلاء سنة 1945 ، عقب هزيمة اليابان . فى تلك الفترة ، كان ستالين يبذل جهده بحزم كي يتخلى الحزب الشيوعي الصيني عن فكرة إتمام الثورة الديمقراطية البرجوازية ، فى المستقبل المنظور و يعمل على الحصول على وضع قانوني فى إطار جمهورية برجوازية بقيادة تشان كاي تشاك . و آخذا بعين الإعتبار الوضع إثر هزيمة اليابان ، إنطلق ماو بطريقة سليمة فى مفاوضات مع تشان كاي تشاك و لكنه فى نفس الوقت ، شدّد بالوضوح كله على أن حكومة إئتلافية ينبغى أن تنشأ على أساس تواصل إستقلالية الحزب الشيوعي و كذلك بقاء قواعد الإرتكاز و الجيش الأحمر.و فى 1945 ، أدلى ماو بتصريحه الشهير " بدون جيش شعبي ، لن يكون هناك شيئ للشعب " [ صفحة 105 من "مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " و " الحكومة الإئتلافية " ضمن المجلد الثالث من المؤلفات المختارة ] و كان ذلك ردا مباشرا على الذين كانوا يقترحون حلّ الجيش الشعبي و الإندماج الكلي فى حكومة تشانغ كاي تشاك . و تجدر الإشارة إلى أن هذه السياسة التى أُريد فرضها على الحزب الشيوعي ، كانت تمثّل الخط الذى إتبعه حينذاك كثير من أحزاب أوروبا الغربية ( فى فرنسا و إيطاليا و اليونان مثلا ) . و نجم عن هذا الخط إهدار كل إمكانية راهنة للقيام بالثورة فى تلك البلدان .

و فى 1946 ، إندلع إعصار تحريفي حقيقي فى صفوف عدد كبير من الأحزاب الشيوعية فى العالم ، بتعلة إتباع التجربة السوفياتية الى كانت تعقد مساومات مع أهم القوى الإمبريالية الرئيسية التى تحالفت معها أثناء الحرب العالمية الثانية .

و قد أدلى ماو بملاحظة لامعة فى هذا المضمار :
" ومثل هذه التسوية لا تتطلب من شعوب العالم الرأسمالي بأن تقوم بالتالى بتسويات فى داخل بلدانها ، إذ أن تلك الشعبو سوف تواصل خوض نضالات مختلفة طبقا لظروفها المغايرة .إن المبدا الذى تتمسك به القوى الرجعية إزاء القوى الديمقراطية الشعبية هو أن تعمد بحزم إلى القضاء فيما بعد على تلك التى لا تستطيع القضاء عليها حاليا . و إعتبارا لهذا الوضع يجب على القوى الديمقراطية الشعبية أن تطبق نفس المبدأ إزاء القوى الرجعية " . ( صفحة 108-109 من المجلد الرابع من "مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة "، الطبعة العربية ).

و البقية تاريخ . قاد ماو حربا أهلية ضد تشان كاي تشاك ( أو بصورة أصحّ حربا تحريريا ضد الإمبريالية الأمريكية و عملائها الطفيليين الذين كان تشان كاي تشاك يمثلهم ) ، وإنتهت هذه الحرب بإنتصار الشيوعيين على النطاق الوطني فى 1949. و قد شكّ ستالين إلى النهاية فى قدرة الحزب الشيوعي الصيني على إفتكاك السلطة ، و ظل لذلك مرتبطا بعلاقات( و حتى قدّم منحا عسكرية ) لحكومة تشان كاي تشاك كما لو أنها كانت ستبقى لمدّة طويلة .

على أن ستالين ، بخلاف خوجا ن أقرّ بسرعة بأنه إستهان بقوة الثورة الصينية و بقدرتها على إحراز النصر أمام نظام الكومنتنغ الرجعي . و أكّد ستالين بصراحة بأنه مبتهج لكون الأحداث كذبته . و على عكس إتهام خوجا لماو القائل بأن هذا الأخير " ألقى المسؤولية على الكومنترن أو على ممثليه فى الصين " مسؤولية الهزائم والإنحرافات داخل الحزب فإن الواقع يشهد بأن ماو رأى أن المسؤولية يتحملها أولئك "الشيوعيين " الصينيين الذين كانوا يريدون إتباع الغير عن عمى مهما كان الثمن و الذين حاولا إستغلال دعم السوفيات كرأسمال لأجل ترويج خطوط خاطئة . و من المفيد مرة أخرى عقد مقارنة بين المقتطف الذى إختاره خوجا مع نص ماو الأصلي .

فقد إقتطف خوجا جملة لماو لاحظ فيها أن ستالين إرتكب " جملة من الأخطاء بشأن الصين و أنه كان وراء المغامرتية "اليسارية " لوانغ مينغ ، مع نهاية الحرب الأهلية الثورية الثانية و إنتهازيته اليمينية مع بداية حرب المقاومة ضد اليابان " ( 36)
وفق خوجا ، هذا الإستشهاد ، إلى جانب حجج أخرى لماو ، يمثل "هجوما على ستالين ...[يهدف ] إلى الحطّ من قيمة أعمال ستالين و سلطته ،لرفع ماوتسى تونغ إلى درجة قائد ذو هيبة عالمية ، إلى مرجع كلاسيكي ماركسي- لينيني ، ما إنفك يتبع خطا صحيحا لا يعتوره الخطأ " ( 37).

لكن فى الواقع ، لا تمثل الإستشهادات التى يعتمدها خوجا مطلقا محاولة " لتشويه أعمال ستالين و إنما بالعكس هي مقتطعة من نص يدافع فيه ماو عن ستالين ضد هجوم التحريفيين الخروتشافيين . و إليكم الفقرة بتمامها ، الفقرة التى قطعها قطعا بطريقته المميزة :
" أولئك الذين فى الاتحاد السوفياتي رفعوا ستالين الى أعلى القمم ، أخذوا فجأة فى رميه أسفل سافلين . عندنا ، هنالك من إقتفوا خطاهم. تدافع اللجنة المركزية لحزبنا عن أن مآثر ستالين و أخطائه فى علاقة سبعة الى ثلاثة و أن ستالين مع ذلك يبقى ماركسيا عظيما. إنه بالاستناد إلى هذا التقييم كتبنا مقال " حول التجربة التاريخية لدكتاتورية البروليتاريا ". مثل هذا التقييم صحيح تماما . لقد قام ستالين بعدد معين من الأخطاء فى ما يخص الصين . لقد كان وراء مغامرتية " اليسار" لوانغ مينغ، حوالي أواخر الحرب الأهلية الثورية الثانية ، ووراء إنتهازيته اليمينية فى بداية حرب التحرير . فى البداية لم يسمح لنا بالقيام بالثورة مؤكدا أن حربا أهلية تهدد بتخريب الأمة الصينية . ثم عندما إندلعت الحرب أبدى شكا حيالنا و عندما كسبنا الحرب شك فى أنه انتصار من نوع انتصار تيتو وفى 1949و1950 ، مارس علينا ضغوطا قوية جدا. إلا أننا مع ذلك نعتقد أن مآثر ستالين و أخطائه فى علاقة سبعة الى ثلاثة. و هذا حكم عادل." ( صفحة 328 من المجلد الخامس من "مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة "، الطبعة الفرنسية ) .

ثمة كثير من الأشياء ينبغى ملاحظتها فى هذا النص . أولا ، أنه كُتب فى 1956 ،بضعة أشهر فقط بعد " الخطاب السرّي " الذى أدان فيه خروتشاف ستالين و فى فترة لم يكن حزب العمل الألباني ، بما فى ذلك ، خوجا ، بعدُ كشف التحريفية الخروتشافية . ثانيا ، بتحديده لأخطاء ستالين تجاه الثورة الصينية ، لم يكن ماو يكشف سرأ لم يكن بعدُ معروفا بصفة جدية فى الصين . ما يريد ماو التشديد عليه حقا هو أنه كان يجب الدفاع عن ستالين بوصفه "ماركسيا كبيرا" بالرغم من أخطائه. إنه هنا ينقد أولئك الذين يتبعون تحريفية خروتشاف المنفلتة من عقالها و الهستيرية .

و من الجدير بالملاحظة أن خوجا ، فى كتابه ، لم يتجرأ على إعادة كذبة نجدها فى بعض تصريحاته فى هذه السنوات الأخيرة ( و التى نشرها عدد من الطوائف التى تتبع خوجا ) و مفادها أن حزب العمل الألباني بادر بشنّ النضال ضد التحريفية المعاصرة . إن مثل هذا الإدعاء لا يتوافق مع الوقائع المنشورة فى الوثائق العلمية . و مع ذلك ، يحاول خوجا ترويج هذه الكذبة ، إنه يشرح أن الحزب الصيني و الحزب الألباني طورا علاقات أكثر حميمية " خاصة عندما دخل الحزب الشيوعي الصيني هو ذاته فى نزاع مفتوح مع التحريفيين الخروتشافيين " (صفحة 406 من"الإمبريالية و الثورة" ، الطبعة الإنجليزية ) .

و التصريح التالي لماو فى نوفمبر 1956 ، يعرض بوضوح رأيه فى ستالين و فى تحريفية خروتشاف :
" أود أن أقول بضع كلمات بصدد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي . فى رأيي ، هنالك "سيفان " : واحد هو لينين و الآخر هو ستالين . السيف الذى هو ستالين الروس نبذوه الآن . كوملغا و بعض المجريين إلتقطوه ليضربوا به الاتحاد السوفياتى و لمقاتلة ما يسمى الستالينية . فى عديد بلدان أوروبا ، تنقد الأحزاب الشيوعية أيضا الاتحاد السوفياتي و يقودها فى هذا النقد توغياتي [ قائد الحزب الشيوعي الايطالي] .كذلك يستعمل الإمبرياليون هذا السيف لقتل الناس فدُولُ مثلا رفعه لمدة . هذا السلاح لم تقع إعارته بل وقع نبذه . نحن الصينيون لم ننبذه . أولا ، ندافع عن ستالين و ثانيا ننقد أيضا أخطاءه و لذلك كتبنا مقال " حول التجربة التاريخية لدكتاتورية البروليتاريا ". و هكذا عوض تشويه سمعته و تحطيمه كليا كما يفعل البعض ، نتحرك انطلاقا من الواقع.

أما بالنسبة للسيف الذى هو لينين ، ألم ينبذه القادة السوفيات هو الآخر بعض الشيء ؟ فى رأيي ، وقع ذلك إلى درجة بعيدة نسبيا.هل لا تزال ثورة أكتوبر دائما صالحة ؟ أيمكن بعد أن تستعمل كنموذج لمختلف البلدان ؟ تقرير خروتشاف للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي يقول إنه من الممكن التوصل الى السلطة عبر الطريق البرلماني و هذا يعنى أن البلدان الأخرى لن تحتاج بعد الآن إلى إتباع مثال ثورة أكتوبر . حين يفتح هذا الباب على مصراعيه ، فان اللينينية تكون نبذت بالفعل".( المجلد الخامس من "مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة " ، الطبعة الفرنسية ، صفحة 369).

و من الجلي إذن أن ماو أدرك جوهر مسألة ستالين و كذلك جوهر التحريفية الخروتشافية ، فى فترة الحزب الألباني ، ووفق تصريحاته " لم يكن يعرف بعدُ معرفة جيدة " تحريفية خروتشاف (" تاريخ حزب العمل الألباني " صفحة 439 ، الطبعة الإنجليزية و "الأعمال المختارة لأنور خوجا " ، المجلد 2 صفحة 508 ، الطبعة الأنجليزية ، تيرانا 1975 ).
لقد بحثنا بلا جدوى فى الأعمال المختارة لخوجا عن أية إشارة تعود إلى فترة نهاية الخمسينات و تنم عن فهم يشبه فهم ماو تسى تونغ للوضع فى الإتحاد السوفياتي فلم نعثر إلا على فكرة أنه إثر المؤتمر العشرين إستغل الإمبرياليون و آخرون (مثل اليوغسلافيين ) هجوم خروتشاف على ستالين لينظموا هجوما على الإشتراكية بوجه عام . و عثرنا كذلك على أن خوجا يشكو من أن الإتحاد السوفياتي ما عاد يظهر صلابة كافية تجاه يوغسلافيا " (نفس المصدر السابق ، الأعمال المختارة لأنور خوجا ، مثلا صفحات 659، 673 و 713).

و مع أنه من الصحيح مهاجمة تحريفية تيتو الفجّة ، فإن مشاغل خوجا بهذا الصدد تميل أكثر إلى المشاغل القومية الضيقة منها إلى المشاغل الأممية البروليتارية . فمثلا ، يقرّ بخشيته " أن يقوم اليوغسلافيون ... بإستعمال فقر جيشهم بدعوى إنقاذ الإشتراكية فى ألبانيا " ( المصدر السابق ، صفحة 672) . و لا نقول هذا لنوحي بان لا أساس لهذا الخوف ، بالعكس ، ثمة ما يدعو إلى الخوف . و لكن الهام هو أن نصوص تلك الفترة و نصوص إختارت قيادة الحزب الألباني نشرها ، لا تظهر أية محاولة من قبل خوجا لتحليل الخط العام الذى أفرزه المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي السوفياتي . و مع ذلك ، يوجد بالفعل على الأقل نص لخوجا حول هذا الموضوع ، تمت الإشارة إليه فى أعماله المختارة ، و إن لم يتم نشره وهو خطاب ألقاه فى " الإجتماع الإحتفالي الذى عقد بمناسبة الذكرى 15 لتأسيس حزب العمل الألباني ، فى 8 نوفمبر 1956 " (المصدر السابق صفحة 672) .

يبدو أنه ، على الأقل فى جانبه الأساسي ، نفس نص مقال " عمر حزب العمل الألباني 15 سنة " الذى كتبه الرفيق أنور خوجا و نشرته "البرافدا " فى 8 نوفمبر 1956 "(م س ، ص 658) . و يؤكد خوجا أن هذا المقال " نشر تاما و دون إدخال أية تعديلات فى "البرافدا" (نفس المصدر السابق و نفس الصفحة ). و إختار الحزب الألباني عدم نشر هذا الخطاب و السبب : مع مهاجمته يوغسلافيا و أفكار تيتو ، وافق دون إحترازات على المؤتمر العشرين " ( " عمر حزب العمل الألباني 15 سنة " ، "البرافدا" 8 نوفمبر 1956 ، صفحة 3 ).

بالطبع ، لا يعنى ذلك أنه على الجميع أن يفهم فى الحال و بعمق كل مسألة سياسية أو يوصف بأنه مرتدّ . المسألة هي بالأحرى : كيف يمكن لخوجا أن يتبجح بأنه كان السيد الكبير صاحب السموّ فى النضال ضد التحريفية السوفياتية بينما توجد أدلة على أنه تردّد و أنه كان لديه إدراك محدود للوضع فى الإتحاد السوفياتي و أنه فيما يتصل بإفتكاك السلطة من طرف التحريفيين السوفيات تبيّن أنه غير قادر على بلورة تحليل بعمق تحليل الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو تسى تونغ .

و الحزب الشيوعي الصيني لم يدخل "هو ذاته " فى نزاع ضد التحريفية السوفياتية بعد الحزب الألباني ! [ فى الطبعة باللغة الأنجليزية ، قال خوجا : " حين دخل الحزب الشيوعي الصيني هو أيضا ... " و هكذا ، يريدنا أن نفهم حتى بأكثر صراحة أن الصين كانت الثانية فى المشاركة فى هذا الصراع ] .

فى نهاية المطاف ، كان الحزب الشيوعي الصيني ( فى ظل قيادة ماو طبعا ) هو الذى شن أولا ، الصراع العلني ضد الأطروحات التحريفية التى قدمها المؤتمر العشرون ، لما نشر فى " الراية الحمراء " ، المجلة النظرية للحزب ، فى 16 أفريل 1960 ، مقال "عاشت اللينينية !" و إستمر هجوم الحزب الصيني فى إجتماع الفيدرالية العالمية للنقابات فى بيكين ، فى جوان 1960 . ثم بعد ذلك ، و دائما فى شهر جوان ، إجتمع ممثلو عديد الأحزاب الشيوعية بمناسبة المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي الروماني فى بوخارست " من أجل تحديد مكان و زمان إجتماع كافة الأحزاب خلاله جرى نقاش ، ضمن مواضيع أخرى ،الخلافات بين الحزب الشيوعي السوفياتي و الحزب الشيوعي الصيني ". و هذا الإستشهاد الذى يشرح الغاية من هذا الإجتماع مقتطف من نص لأنور خوجا ، كتبه فى تلك الفترة . و يضيف خوجا :" ينبغى أن نستمع لا فقط إلى ما سيقوله الرفاق السوفيات و لكن أيضا إلى ما سيقوله الصينيون .و نحن بدورنا ، ستكون لنا كلمتنا " ( لنتبع دائما خطا صحيحا " مساهمة خوجا فى نقاش أثناء إجتماع المكتب السياسي للجنة المركزية لحزب العمل الألباني" ، 22 جوان 1960، " الأعمال المختارة لأنور خوجا " ).

و فى شهر نوفمبر 1960 ، إنعقد الإجتماع فى موسكو ، و إتجه الخطاب الذى ألقاه خوجا فى تلك المناسبة بوضوح نحو مساندة تحليل الحزب الشيوعي الصيني و موقفه أي نحو رفض الأطروحات "الجديدة " للمؤتمر العشرين.و هكذا إنتهى الألبان إلى الموافقة على رفض الأطروحات السوفياتية .
و فى الوقت الحاضر ، يدعى خوجا أنه كان على رأس النضال ضد التحريفية السوفياتية مصرّحا بأن ماو هو الذى "تردّد". إن هذا الإدعاء ببساطة مضحك !

=========================================================
2- بناء الإشتراكية فى الصين .

من العسير القيام بنقد معمّق لتحليل خوجا لتطوّر الإشتراكية فى الصين ( أو عدمه) ، بإعتبار أنّ هذا القسم من مؤلفه هو المزروع أكثر بالإنتقائية، و الهجمات الخسيسة و التشويهات عمدا.يبدو أنّ أطروحته الأساسية هي أنّ " الثورة الصينية بقيت ثورة ديمقراطية – برجوازية و لم تمرّ إلى المرحلة الأعلى مرحلة الإشتراكية ".(49)

جوهر حجّة خوجا يتمثّل فى إدّعائه أنّه فى ظلّ قيادة ماو ،" تقاسمت "البروليتاريا " السلطة" مع البرجوازية الوطنية . لقد صرّح خوجا :
" مرور الثورة الديمقراطية - البرجوازية إلى الثورة الإشتراكية لا يمكن إنجازه إلاّ عندما تطرد البروليتاريا بصرامة البرجوازية من السلطة و تصادر ممتلكاتها. و بما أنّ الطبقة العاملة فى الصين قد تقاسمت السلطة مع البرجوازية ، و أنّ هذه الأخيرة قد حافظت على إمتيازاتها، فإنّ السلطة التى تركّزت فيها لا يمكن أن تكون سلطة البروليتاريا، و من ثمّة لم يكن ممكنا أن تتحوّل الثورة الصينية إلى ثورة إشتراكية ".(50)

فى 1949، حينما نجح جيش التحرير الشعبي فى سحق الكيومنتنغ و إحراز الإنتصار على المستوى الوطني ، إنتهت إجمالا الثورة الديمقراطية . و قد طرح ماو بصورة صحيحة أنّه يجب أن تتمتّع بحقوق ضمن الدولة الجديدة، كافة قطاعات الشعب التى عارضت و الإقطاعية و الإمبريالية.وهي مناصرة لنظام إجتماعي معتمد على مصالح الطبقة العاملة و تحالف العمّال و الفلاحين. فى الظروف الملموسة للصين ، كان هذا المبدأ يعنى أنّه يجب أن تشمل ضمن الدكتاتورية الديمقراطية ، بقيادة البروليتاريا ، هذه القطاعات من البرجوازية ( خاصة البرجوازية الوسطى أو البرجوازية الوطنية ) الذين ينتمون إلى هذه الفئة ؛ و هذه القطاعات لم تكن حينها على الأقلّ، أهدافا لهذه الدكتاتورية.و كان هذا التحليل يتفق تماما مع الخطّ الجوهري و الصحيح لماو بشأن طابع الثورة الصينية، و قواها المحرّكة و حلفائها مهما كانوا متذبذبين.
و فى نفس الوقت ( مارس 1949) ، صاغ ماو السياسة الجوهرية التى يجب أن تتبعها الحكومة الجديدة لأجل إجراء إنتقال إلى الثورة الإشتراكية ؛ و هذا حتى قبل إحراز الإنتصار على المستوى الوطني. لقد صرّح بوضوح:

"بعد القضاء على الأعداء المسلّحين ، سيبقى هناك أعداء غير مسلّحين ،و من المؤكّد لأنّهم سيناضلون نضالا مستميتا ضدّنا ، فعلينا ألاّ نستخفّ بهم أبدا ... على من يجب أن نعتمد فى نضالنا فى المدن ؟ يعتقد بعض الرفاق ذوو الأفكار المشوّشة أن علينا أن نعتمد لا على الطبقة العاملة بل على جماهير الفقراء. و يعتقد رفاق ذوو أفكار أكثر تشوّشا أن علينا أن نعتمد على البرجوازية...يجب علينا ان نعتمد على الطبقة العاملة بكلّ إخلاص و نتحد مع الجماهير الكادحة الأخرى و نكسب المثقفين و نجتذب إلى جانبنا اكبر عدد ممكن من أفراد البرجوازية الوطنية و ممثليهم ، الذين يمكن أن يتعاونوا معنا، أو نجعلهم يقفون موقف الحياد، حتى نتمكّن من خوض نضال حازم ضد الإمبرياليين و الكومنتنغ و البرجوازية البيروقراطية ،و قهر هؤلاء الأعداء خطوة فخطوة."(51) [الطبعة العربية: م4، ص 462]

هذه الإستراتيجيا للتقدّم بالثورة كانت معتمدة على الظروف الملموسة للصين، بلاد حيث الصناعة لا تمثّل سوى عشرة بالمائة من الإنتاج الإقتصادي الوطني، بينما كانت الفلاحة و الصناعات التقليدية تمثّل تسعين بالمائة،أعرب ماو عن أنّ وجود صناعة عصرية يسمح فى العمق بأن تقود الطبقة العاملة الثورة و أن تواصل بناء الإشتراكية ، رغم أمّ الوضع كان يتطلّب أن تساهم البرجوازية الوطنية فى الإقتصاد و حتى أن تنهض بدور معيّن فى الدولة.

أشار ماو :" و ترتّب عن ذلك أن شهدت الصين طبقتين جديدتين و حزبين سياسيين جديدين –البروليتاريا و البرجوازية ، الحزب البروليتاري و الحزب البرجوازي. إنّ البروليتاريا و حزبها قد تصلب عودهما من جراء معاناتهما إضطهاد عدّة أعداء و أصبحا أهلا لقيادة ثورة الشعب الصيني . و من يهمل هذه النقطة او يقلّل من شأنها ، فإنّه سيرتكب خطأ الإنتهازية اليمينية " (52) [ بالعربية ، م4، ص465].

و أضاف :"إنّ صناعة الصين الحديثة ممركزة للغاية ، رغم أنّ قيمة إنتاجها لا تشكّل إلاّ حوالي 10 بالمائة من مجمل قيمة إنتاج الإقتصاد الوطني، إذ أنّ القسط الأكبر و الأهمّ من الرأسمال ممركز فى أيدى الإمبرياليين و كلابهم البرجوازيين البيروقراطيين الصينيين.إنّ مصادرة هذا القسط و تحويله غلى ملكية الجمهورية الشعبية التى تقودها البروليتاريا سوف يمكنان هذه الجمهورية من السيطرة على عصب الإقتصاد فى البلاد ، و يجعل من إقتصاد الدولة القطاع القيادي فى الإقتصاد الوطني كلّه. إنّ هذا القطاع من الإقتصاد ذو طابع إشتراكي لا رأسمالي. و من يهمل هذه النقطة أو يقلّل من شأنها ، فإنّه سيرتكب خطأ الإنتهازية اليمينية" (53) [م4، ص 365-366].

التوجه الذى كان ماو يسعى وفقه للتقدّم بالثورة نحو الإشتراكية لم يكن سوى مجرّد " صيغة " هذا ما يدعيه خوجا. كانت فعلا قائمة على واقع الصين و مرتكزة على أفق واضح حول طريقة الشروع فى التحويل الإشتراكي للإقتصاد. و فى نفس الوقت ، كان ماو يعترف بأنّ هذا التحويل لا يمكن أن يحصل مرّة واحدة.و تبقى بعدُ القطاعات العريضة الفلاحية و الصناعات التقليدية للإقتصاد ، فيها ظلّ للرأسماليين دور ما ينهضون به ، ما منع القضاء عليهم فى الحال. شرح ماو ذلك فقال :"وفى هذه الفترة يجب السماح لجميع العناصر الرأسمالية فى المدن و الأرياف و التى ليست ضارة بل نافعة للإقتصاد الوطني ، أن تبقى و تتطوّر . و هذا ليس أمرا حتميّا فحسب ، بل هو ضروري إقتصاديّا.و لكن لا يمكن أن نترك الرأسمالية تبقى و تتطوّر فى الصين كما هي الحال فى البلدان الرأسمالية حيث تطغى بدون قيود فإنّ الرأسمالية فى الصين سوف تقيّد من عدّة نواح – من نواحى نطاق نشاطها و السياسة الضريبية و أسعار السوق و ظروف العمل...إن سياسة تقييد الرأسمالية الخاصة سوف تصطدم حتما بمقاومة البرجوازية على درجات متفاوتة و فى أشكال مختلفة و لا سيما بمقاومة كبار أصحاب المؤسسات الخاصة أي كبار الرأسماليين.إن التقييد و مقاومة التقييد سيكونان الشكل الرئيسي للصراع الطبقي فى داخل دولة الديمقراطية الجديدة." [ أي خلال الإنتقال إلى الإشتراكية – ج و] (54) [م4، ص366-367]
هذه حسب خوجا السياسة التى تعطى الأولوية لتطوّر الرأسمالية !
كيف يمكن لخوجا أن يوفّق بين نقده لماو بخصوص فترة السنوات الأولى للجمهورية الشعبية و السياسة الإقتصادية الجديدة الشهيرة التى توخّاها لينين أثناء السنوات الأولى للإتحاد السوفياتي ، عقب الحرب الهلية؟ مستبقا إثارة القارئ لهذه المسألة ، ذكر خوجا لينين :
" لا وجود هنا لخطر بالنسبة للسلطة البروليتارية طالما أنّ البروليتاريا تمسك بصرامة بالسلطة، طالما أنّها تمسك بقوّة فى يديها النقل و الصناعة الكبرى" ( 55).

ثمّ علّق خوجا :
" فى الصين ، فى 1949 كما فى 1956 ن عندما كان ماو تسى تونغ يدافع عن هذه الأطروحات ، لم تكن فعلا بأيدى البروليتاريا لا السلطة و لا الصناعة الكبرى".

و علاوة على ذلك، كان لينين يعتبر السياسة الإقتصادية الجديدة سياسة مؤقتة فرضتها الظروف الملموسة لروسيا حينها، التى دمرتها الحرب الأهلية الطويلة، وليس قانونا عاما لبناء الإشتراكية.و بالفعل بعد سنة من إعلان السياسة الإقتصادية الجديدة ، كان لينين يشير إلى أنّ التراجع قد إنتهى وأطلق شعارا يدعو إلى الإعداد للهجوم على رأس المال الخاص فى الإقتصاد.فى الصين ، بالعكس ، كان يُتوقّع أنّ الإبقاء على الإنتاج الرأسمالي سيدوم مدّة تقريبا لا نهاية لها. حسب مفهوم ماو تسى تونغ ، فإنّ النظام المركزي فى الصين بعد التحرير يجب أن يكون نظاما ديمقراطيّا برجوازيّا، و الحزب الشيوعي الصيني لم يكن فى السلطة إلاّ ظاهريّا.هذا هو " فكر ماو تسى تونغ"( 56)

هذا خليط من أسلوب خوجا : تشويهات و كذب! أوّلا السلطة السياسية ،و كذلك النقل و القطاعات المفاتيح فى الصناعة الكبرى كانت بأيدى البروليتاريا إثر التحرير سنة 1949.و كانت البروليتاريا و الحزب الشيوعي يلعبان دورا قياديّا فى الدولة. أمّا بالنسبة لإدعاء خوجا أنّ النقل و الصناعة الكبرى لم تكن بين يدي البروليتاريا، فإنّ خوجا يعتقد أنّه إذ أوجد هكذا خيالات و نشرها فى كتابه ، فإنّ الجميع سيقبلون بها دون تمييز على أنّها حقيقة. قد يكون هذا صحيحا بالنسبة " للأممية" الباعثة على الشفقة التى يحاول أن ينشأها حوله ، لكن مثل هذه الخيالات لن يقبل بها أبدا الماركسيون- الليينيون الحقيقيون.

ومن المضحك جدّا أن يشدّد خوجا على جملة " سياسة مؤقتة فرضتها الظروف الملموسة " فى روسيا ، لأنّ ظروف الصين كانت أقلّ ملائمة بكثير للمصادرة الفورية للبرجوازية جميعها .و مثلما أشرنا إلى ذلك ، كانت الصين أقلّ تطوّرا بكثير نسبة لروسيا ، و قد دمّرها ليس بعض سنوات الحرب الأهلية فحسب بل ثلاث عقود من الحرب، زيادة على التدمير و الخنق و الركود المفروضين من قبل الإمبريالية و الإقطاعية. هذه هي الظروف الملموسة التى جعلت ماو يتبنّى هذه السياسات.

أمّا فيما يخصّ ملاحظة خوجا لكون لينين لم يعتبر السياسة الإقتصادية الجديدة " قانونا عاما للبناء الإشتراكي " ( كما لو أنّ ماو إعتبر ذلك كذلك) و إدعائه بأنّ ماو كان "يتوقّع أنّ الإبقاء على الإنتاج الرأسمالي سيدوم مدّة تقريبا لا نهاية لها" فإنّه ليس بوسعنا سوى تذكير خوجا بتعليق لينين على مجادل ذكيّ كخوجا ذاته ( أي كوتسكي) إذ قال لينين: أن تلصق بالخصم موقفا خاطئا بجلاء لأجل أن تدحضه هو طريقة أناس ليسوا أذكياء جدّا، و لنضف أنّها كذلك طريقة بعيدة عن الماركسية !

سنتحدّث بعمق اكبر فى الصفحات التالية عن نظرية ثورة الديمقراطية الجديدة فى الصين ، لكن بعدُ يمكن أن نرى أنّه حتى فى المراحل الأولى لجمهورية الصين الشعبية ، فى الفترة التى كان يجب التشديد فيها على تعزيز الإنتصار المحقّق على الإمبريالية و على الملاكين العقّاريين ،و على الرأسماليين الكبار الصينيين المرتبطين بهم، ظلّ ماو يقوم بالإجراءات الضرورية من أجل ضمان أن يكون مستقبل الصين إشتراكيّا و ليس رأسماليّا. يعنى أنّ ماو إتخذ الإجراءات الخاصّة لكيما يضمن أن يكون العامل القيادي للإقتصاد هو قطاع الملكية الإشتراكية للدولة ؛ و أهمّ حتى كان الصراع الشرس الذى خاضه ما وفى صفوف الحزب فى سبيل توضيح الطريق الضروري للثورة الصينية و إعداد الجماهير للصراع القادم.
بعدُ فى 1952، شرع ماو فى توجيه نقد شديد لنظرية " القاعدة الإقصادية الملخّصة" وهي الخطّ الذى نادى به ليوتشاوتشى و الذى وفقه يكون إقتصاد الصين مزيجا متناغما من الصناعة الإشتراكية و الصناعة الخاصّة و الإقتصاد الفلاحي. بينما كان ماو يشير بطريقة صحيحة إلى أنّ جميع العناصر الرأسمالية فى المدينة و الريف لا يمكن القضاء عليها حالا، و انّ بعضها سيدوم ردحا من الزمن ،و كان يشرح أنّ الإنتقال إلى المجتمع الإشتراكي قد إنطلق و أنّ محاولة " تعزيز نظام الديمقراطية الجديدة" يعنى وضع الصين على الطريق الرأسمالي. و على الصعيد النظري ، أفصح ماو عن ذلك فى بيانه فى جوان 1952:
" إثر الإطاحة بطبقة الملاكين العقاريين والبرجوازية البيروقراطية ، فإنّ التناقض بين الطبقة العاملة و البرجوازية الوطنية بات التناقض الرئيسي فى الصين؛ و بالتالى يجب أن نكفّ عن نعت البرجوازية الوطنية بأنّها الطبقة الوسطى"(57).

هكذا يشير ماو بوضوح إلى أنّ البرجوازية الوطنية كانت هدفا للثورة الإشتراكية . هل كان ذلك يعنى حينها أنّ كلّ الملكية البرجوازية كان يمكن مصادرتها على الفور، أم أنّ البرجوازية يمكن أن تجرّد من كلّ حقوقها السياسية حالا؟ بالطبع لا، لأنّ واقع الإقتصاد الصيني لا زال يتطلّب أن تساهم فيه بعض قطاعات البرجوازية و أن توحّد الجماهير فى المضيّ اكثر فى الثورة الإشتراكية ،و أن تشنّ حركة الفلاحين الفقراء و الفقراء-المتوسّطين بصورة خاصة لإنجاز مشركة الفلاحة ،و أن توحّد غالبية المثّقفين هم ايضا لخدمة البروليتاريا ، فهؤلاء الأخيرين فى غالبيّتهم كانوا مرتبطين بالبرجوازية الوطنية.

مرّة أخرى ، أكثر فائدة هي كلمات ماو بالنسبة للقارئ من تأويلها من قبل خوجا : " يجد البعض المرحلة الإنتقالية طويلة جدّا و يبدون فاقدي الصبر. ثمّة خطر أن يسقطوا فى خطإ " اليسراوية". و بالعكس ، يراوح آخرون مكانهم منذ إنتصار الثورة الديمقراطية ، فهم لم يفهموا أنّ طابع الثورة قد تغيّر و يواصلون ممارسة " الديمقراطية الجديدة" عوض الإعتناء بالتحويل الإشتراكي . ثمّة خطر أن يسقط هؤلاء فى الخطإ اليميني...

" تركيز نظام مجتمع الديمقراطية الجديدة بقوّة".هذه هي الصيغة الضارة.أثناء المرحلة الإنتقالية، تحدث بإستمرار تغيّرات و تظهر عوامل إشتراكية يوميّا. كيف يمكن عندئذ أن " تركّز بقوّة" نظام الديمقراطية الجديدة" هذا؟... إنّ المرحلة الإنتقالية مليئة بالتناقضات و الصراعات. و نضالنا الثوري الحالي يذهب أعمق من النضال الثوري المسلّح الماضي. إنّها ثورة ستدفن نهائيّا النظام الرأسمالي و كذلك جميع الأنظمة الإستغلالية الأخرى. فكرة " تركيز نظام مجتمع الديمقراطية الجديدة " بقوّة لا تتلاءم وواقع الصراع ، إنّها تعيق تطوّر قضية الإشتراكية. و " المرور من الديمقراطية الجديدة إلى الإشتراكية" صيغة غير واضحة. نكتفى ب" المرور إلى..."، " نمرّ" كلّ سنة، هل سيظلّ الأمر يتعلّق بعد خمسة عشر سنة ، ب" المرور...إلى" ؟ " المرور إلى ..." يعنى ببساطة عدم بلوغ الهدف. قد تبدو هذه الصيغة ، للوهلة الأولى ، مقبولة، لكن عند تحليلها عن كثب ، ندرك أنّها غير دقيقة" (58).

هذا النصّ المكتوب فى 1953 ، يبيّن مدى صحّة خطّ ماو الذى وفقه قد شرعوا بعدُ فى الثورة الإشتراكية ، ما يكذّب تماما كلام خوجا. نرى إذن أنّ إدعاء خوجا القائل بأنّ ماو ينادى بتركيز " نظام ديمقراطي –برجوازي" " بعد التحرير" مجدّدا ، يتعارض مع الواقع. و بعد تحرير الصين ، إعتبر ماو أنّ " نظام الديمقراطية الجديدة" كمرحلة إنتقالية إلى الإشتراكية متميّزة أساسا بموقع قيادي للبروليتاريا ، فى تحالف مع قوى أخرى تقدّمية ، لا سيما جماهير الفلاحين ( سنتناولها بالنقاش فيما بعد). حدث ذلك فى الصين مثلما حدث فى الإتحاد السوفياتي بشكل مختلف قليلا. و علاوة على ذلك ، كلّ من لديه أو على معرفة بالثورة الصينية يعلم أنّه بين السنوات 1952 و 1956، قاد ماو الحزب الشيوعي الصيني صراعا شديدا كانت نتيجته أن أرسى الصينيون جوهريّا القاعدة الإقتصادية الإشتراكية.

و يمثّل النضال الهام فى الريف ، نضال كانت غايته تحويل الملكية الخاصّة للإقتصاد الفلاحي ( التى كانت تميّز مجال الفلاحة) إلى نظام ملكية إشتراكية، أحد الإجازات المفاتيح لهذه الفترة.لقد قاد ماو الفلاحين فى التقدّم إلى أبعد من " فرق التعاون الأوّلية ؛ وقد ركّزت هذه الفرق أثناء الحرب الأهلية فى قواعد الإرتكاز عقب إنجاز الإصلاح الزراعي، و إنتشرت فى الصين بأكملها إثر إنتصار 1949. كان " التعاون" يشتمل عناصر من المستقبل الإشتراكي لكنّه لم يكن كافيا ليغيّر جوهريّا علاقات الإنتاج القديمة، لأنّ الملكية الخاصة ظلّت كما هي. و ناضل ماو لقيادة الفلاحين فى إرساء تعاونيات متطوّرة أكثر، لبلوغ المشركة الجهوية ثمّ للتركيز السريع للكومونات الشعبية العظيمة التى كانت تمثّل الشكل الأساسي لنظام الملكية الإشتراكية فى الريف طوال فترة مديدة نسبيّا ، إلى أن يسمح تطوّر قوى الإنتاج و تعمّق الوعي الإشتراكي للفلاحين بقفزة بفضلها يتمّ تركيز مزارع الدولة أين يصبح الفلاحون عمّالا مأجورين.

و فى سبيل المضي إلى النهاية فى هذه المعركة الكبرى ، كان على ماو أن يناضل ببأس ضد اليمينيين صلب الحزب الذين كانوا يطالبون ب " المكننة أوّلا ، التعاونيّات ثانيا" و الذين كانوا يستشهدون بنموذج الإتحاد السوفياتي ( حيث المشركة لم تتمّ إلى النهاية إلاّ فى بداية الثلاثينات) لتعزيز هذه الأطروحة. شرح ما أنّ تأخير المشركة إلى أن تتمكّن القاعدة الإقتصادية الضعيفة للصين من إنتاج جرارات ، سيمثّل كارثة بالنسبة للثورة.عقب إنجاز الإصلاح الزراعي ، بسرعة تطوّر الإستقطاب فى صفوف الفلاحين ، أي أن بعض الفلاحين صاروا يعيشون فى رفاه ، بينما ظلّ آخرون فقراء نسبيّا. أشار ماو إلى أنّه لو سمحنا بتطوّر هذا الوضع دون عوائق ، فإنّ تحالف العمّال و الفلاحين سيتحطّم؛ هذا التحالف الذى كان يمثّل ذات قاعدة الثورة الصينية خلال مرحلة الديمقراطية الجديدة و كذلك خلال المرحلة الإشتراكية (و إن كان تحالف المرحلة الإشتراكية من مستوى أرقى).
فى المدن ، المؤسسات الرأسمالية التابعة للدولة ( التى كما سبقت الإشارة إلى ذلك لم تمثّل قطّ غالبية مؤسسات جمهورية الصين الشعبية) و المؤسسات المختلطة وقع تحويلها إلى ملكيّة إشتراكية للدولة.و يجب أن نلاحظ أن فى عديد الحالات ، كان المالكون السابقون لهذه المؤسسات يتقاضون فائدة قارّة عن الملكية التى وقعت مصادرتها ، ما مثّل فعلا شكلا من إستغلال اليد العاملة. و كانت هذه السياسة قائمة على عدّة عوامل . أوّلا ، نظرا للمرحلة الديمقراطية الطويلة نسبيّا للثورة الصينية ،وجدت عديد العناصر من البرجوازية الوطنية قبلت ببعض التغييرات زو فى نفس الوقت الذى كان يتابع فيه القضاء على البرجوازية كطبقة ، إعترف ماو ببعض المميزات التكتيكية لعدم إعتبارها كعدوّ لدود للثورة كلّ شخص برجوازي.ثانيا، كانت البرجوازية تملك خبرة لا زالت ضرورية لسير بعض المصانع إلخ. و هذه السياسة لا تختلف أبدا عن سياسة لينين المعروفة جدّا عن " تشحيم الساق" للتقنيين و لمديري الطبقة الرأسمالية القديمة ، من أجل أن يساعد هؤلاء الدولة السوفياتية؛ و قد تواصلت هذه السياسة السوفياتية طوال أغلب الثلاثينات و كانت تمثّل إتفاقا ضروريّا(59).
و هم يريدون جعلنا نفهم أن التحويل الإشتراكي الحقيقي لم يحدث قطّ فى الصين ، يستعمل خوجا و آخرون تواصل دفوعات الفوائد لسنوات عديدة بعد التحويل الإشتراكي للصناعة. و هذا تشويه فظّ للواقع.

منذ إنجاز تأميم وسائل الإنتاج ، لم يعد ممكنا وصفها بالمؤسسات الرأسمالية. كانت المؤسّسات حالئذ مملوكة للشعب بأسره فى شكل ملكية الدولة. و كانت مستويات الإنتاج و التخطيط معتمدة على الحاجيات الإجتماعية المذكورة فى مجملها فى مخطّطات الدولة نو ليس على متطلّبات السوق،و لا الحاجة إلى تحقيق فوائد. لم يكن بوسع الملاكين القدماء بأيّة تعلّة لا أن يبيعوا و لا أن يتركوا لغيرهم ملكيتهم السابقة ،و كذلك الفائدة الدنيا التى كانوا يحصلون عليها من هذه الممتلكات لم يكن من الممكن إستثمارها كرأسمال. و حتى فى المؤسسات أين أبقي على الملاكين القدامى ليمارسوا وظائف معيّنة ، لم يكونوا يحدّدون ظروف العمل و لا ضوابطه إلخ. ما من شخص كان بإمكانه تملّك ثمرة اليد العاملة. إجمالا، لم توجد جوهريّا علاقات رأسمالية فى القطاع الصناعي. و من البديهي أنّ الفوائد التى يحصل عليها الرأسماليون كانت نابعة من اليد العاملة للطبقة العاملة، ما يمثّل ن بالفعل، ضربا من الإستغلال. كذلك، عندما يستورد بلد إشتراكي سلعا أساسية من البلدان الإمبريالية و يلتزم بدفع الفوائد ( مهما كان شكلها)، فإنّ هذا يمثّل أيضا شكلا من الإستغلال الإمبريالي. و مع ذلك، فإنّ الدغمائيين و الماديين الميكانيكيين هم الوحيدون الذين يدّعون (مثلما يفعل خوجا) أنّ بلدا إشتراكيّا أكان صغيرا او كبيرا ، لا يمكنه أبدا ان يسمح لنفسه بأن يحصل على قروض من البلدان الإمبريالية. فهذا يتناقض مباشرة مع سياسة لينين الذى كان يقبل بمثل هذه الإتفاقيّات عندما كانت الظروف مواتية؛ و كذلك ، معروف جدّا أن ستالين قد ورّد عديد المصانع الكاملة مصدرها مؤسسات غربية( بما فيها شركة محرّكات فورد). ( يجب بالأحرى نقد لا تقليد سياسة ستالين هذه، لكن قمّة النفاق أن يتظاهر خوجا ، هنا و فى أماكن أخرى، بأنّه يساند ستالين لأجل معارضة ماو ، بينما يغمض عينيه عن الممارسة الحقيقية لستالين كلّما رأى ذلك فى صالحه؛ و فعلا ستالين و ليس أنور خوجا هو المحقّ فيما يتعلّق بالمسألة العامة موضوع الحال ، أي هل من الصحيح أم لا الإقتراض إلخ فى ظروف معيّنة).

نلمح إلى هذا لأجل التشديد على كون حتى لمّا تكون علاقات الإنتاج الإشتراكية قد تركّزت بصلابة ، يمكن أن تظلّ موجودة بقايا علاقات هي بالفعل رأسمالية ، على غرار هذا المثال من دفع الفوائد. تمثّل هذه المسألة برمّتها من وجود عناصر رأسمالية حتى ضمن النظام الإشتراكي مشكلا سعى ماو جهده جدّيا لمعالجته كما سنلمس ذلك فيما بعد. و كذلك ،خاض ماو بهذا الصدد صراعا طبقيّا جدّ حيوي ضد المستغلِّين.

و من المعروف أيضا ( رغم أنّه يبدو أن خوجا قد نسي ذلك) أن الممارسة التى وفقها كانت الفوائد تدفع للملاكين القدامى قد ألغيت تماما أثناء الثورة الثقافية. ألا يقدح القادة الصينيون لهذا السبب فى " الأربعة"(وفى الواقع ماو) متهمينهم ب" إساءة معاملة البرجوازية الوطنية" ، و يقترحون أن يعيدوا لهذه البرجوازية الوطنية ممتلكاتها بالكامل و أن يعيدوا تركيز دفع الفوائد؟ - هذا وهم يعرّضون بسرعة الصين إلى إستغلال إمبريالي حقيقي على نطاق واسع !

بطبيعة الحال ، هذا النوع من التحويل للقاعدة الإقتصادية أثناء السنوات الأولى للجمهورية الشعبية لم يتحقّق دون صراع محتدم فى البناء الفوقي، أي مؤسسات الدولة ،و الحزب و مجالات التعليم و الثقافة، و ميدان الإيديولوجيا عامة. تنبّؤ ماو بأنّ الصراع الطبقي فى الجمهورية الفتيّة سيتركّز حول " تقييد الرأسمالية و مقاومة تقييدها" ثبتت صحّتها. ذلك أن الكثير من القوى البرجوازية التى إتفقت مع النظام الشعبي إزدادت معارضتها له مع تعمّق الثورة الإشتراكية.

وقد بلغ هذا الصراع نقطة خطيرة فى السنوات 1956-1959 ، فترة حيوية فى الصراع الطبقي فى الصين. فى تلك الفترة ، قاد ماو الصراع من أجل تركيز الكومونات الشعبية و أيضا مظاهر أخرى من القفزة الكبرى إلى الأمام، للتسريع فى سير الثورة الإشتراكية و إرساء علاقات إنتاج إشتراكية جديدة، فى نفس الوقت الذى يقع فيه التقدّم بالإقتصاد وفق المبادئ افشتراكية. و علاوة على ذلك ، فى هذه الفترة بالذات إنتصرت التحريفية السوفياتية ، إنتصار أعلن عنه بوضوح ما سمّي " الخطاب السرّي" لخروتشاف أمام المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي. و بالطبع ما كان الخطاب بتاتا" سرّيا" إلاّ أنّه مثّل بالعكس إشارة للتحريفيين داخل أحزاب العالم بأسره ( بما فى ذلك بالتأكيد فى الصين) ، إشارة لإطلاق العنان لهؤلاء التحريفيين ليصارعوا من أجل الخطّ التحريفي. و فى نفس الوقت ، برز عديد المعادين للثورة فى بلدان معيّنة من أوروبا الشرقية، لا سيما فى المجرّ و بولونيا،متسبّبين فى إضطرابات تحت يافطة معارضة الدكتاتورية و المطالبة بالديمقراطية (البرجوازية). و قد إنعكس هذا الوضع على الصين ، لا سيما ضمن المثقفين البرجوازيين.

فى هذا الإطار ، أطلق ماو حملة " المائة زهرة " التى كان شعارها " لتتفتّح مائة زهرة و لتتنافس مائة مدرسة". و رغم عدم قيامه بأي تحليل حقيقي لهذه الحركة ، يستعمل خوجا هذا الشعار ليدّعي أن ماو كان يقترح أنّه " بموازاة الإيديولوجيا البروليتارية نو المادية و الإلحاد ، يترتّب علينا أن نسمح كذلك بالإيديولوجيا البرجوازية والمثالية و الدين ،بنموّ " أعشاب سامّة" إلى جانب " الأزهر ذات الرائحة الجميلة" إلخ" (60)

لكن فى الواقع إن تفحّصنا جدّيا نصوص ماو لتلك الفترة ن نرى بغاية الوضوح أن هدف حملة " المائة زهرة" كانت بالضبط عكس ما يدّعيه خوجا.

لقد حلّل ماو أنّ فى المجتمع الصيني لا تزال توجد طبقات عدائية ( البرجوازية و البروليتاريا ) و أنّ الصراع بين هذه الطبقات لم يكن يوشك على الإضمحلال أو الإلغاء بإصدار هذا أو ذاك من القوانين وعلاوة على ذلك ، كانت هناك أيضا عدّة تناقضات فى صلب الشعب، بمن فيهم العمّال و الفلاّحين،و إذا لم تعالج بطريقة صحيحة ، كان من الممكن أن تصبح هذه التناقضات عدائية، مؤدّية هكذا إلى كارثة بالنسبة للثورة . و من هنا ، كان ماو يواجه بالملموس وضعا صعبا ناجما عن وجود نوعين مختلفين من التناقضات، التناقضات العدائية و التناقضات غير العدائية، و هذان النوعان لا ينفيان بعضهما البعض و إنّما كانا مرتبطان إرتباطا وثيقا الواحد بالآخر و يمكن أن يتحوّلا الواحد إلى نقيضه.

يتجسّد التناقض مع المثقّفين من جهة ،فى أنّ غالبيتهم كانوا يساندون النظام الشعبي بينما ، من جهة أخرى، كان عليهم أن يتابعوا إعادة تربيتهم و أن يتخلّصوا من الإيديولوجيا البرجوازية.لقد كان هذا التناقض أساسا غير عدائي و كان يجب بالتالى معالجته بواسطة النقاشات و الصراعات و ليس بالإجبار أو بنزع حقوق هؤلاء المثقفين . و فى نفس الوقت ، كان من البديهي جدّا أنّ التناقض مع المثقّفين البرجوازيين الذين لم تقع إعادة تربيتهم يخصّ التناقض العدائي مع المعادين للثورة،و أنّ عددا من المواضيع التى كان القادة اليمينيون ياكّدون عليها فى صفوف الحزب و خارجه كانت ترمى إلى تعبئة هؤلاء المثقفين الذين كانوا يشكّلون القاعدة الإجتماعية الضرورية لمهاجمة النظام الإشتراكي.

عند صياغته لتفكيره حول المسألة ، كان ماو متأثّرا أيضا بتقييمه لتجربة الإتحاد السوفياتي ، ليس فقط لتطوّر تحريفية خروتشاف ، بل أيضا أخطاء ستالين ، لا سيما فى مطلع الثلاثينات، عندما تمّ التحويل الإشتراكي الجوهري للصناعة و الفلاحة. أعلن ستالين حينها أنّه لم تعد توجد طبقات عدائية فى الإتحاد السوفياتي ، فضلا عن كونه لم يعترف بإمكانية أن تتطوّر مثل هذه الطبقات . وفيما بعد سنتطرّق للمسألة الجوهرية لصراع الطبقات فى ظلّ الإشتراكية ، لكن يجب أن نلاحظ هنا أنّه حتى فى تلك المرحلة الأولى من الثورة الصينية ، مرحلة حيث لم تكن بعد مسألة برجوازية جديدة تنشأ صلب الحزب و الدولة المسألة الرئيسية ، فإن نقد ماو لأخطاء ستالين هذه قد أثّر كبير التأثير فى تطوّر توجهه الخاص. كان ماو يعترف بأنّ غياب التمييز بين هذين النوعين من التناقضات ، و الخلط بينهما ، سيؤدّى أوّلا إلى نكران إمكانية إعادة تركيز الرأسمالية و الحاجة إلى ممارسة دكتاتورية ضيّقة و ممكنة ضد الذين يحاولون إعادة تركيز الرأسمالية هذه ، و ثانيا ، إلى نقص فى فهم أنّ التناقضات صلب الشعب يجب أن تعالج بطريقة مختلفة ، أي بالنقاش و الصراع. و عدم القيام بهذا سيسفر تحوّل التناقضات غير العدائية إلى تناقضات عدائية ،مفاقمة هكذا إمكانية أن تتحد قطاعات عريضة من الشعب مع الثورة المضادة و أن تُستنهض كقوى إجتماعية تساند إعادة تركيز الرأسمالية .هذا هو المشكل ، و ليس " الليبرالية " وهو الذى عبّر عن عمق سياسة " لتتفتّح مائة زهرة و لتتنافس مائة مدرسة " المقترحة من قبل ماو.

وقد فهم أنّ صراع الطبقات سيستمرّ فى ظلّ النظام الإشتراكي الجديد و قد أقرّ بانّ صراعا هاما فى الأفق ( بفعل إلتقاء ظروف محلّية و عالمية مذكورة أعلاه ) ، أطلق ماو نداء " لتتفتّح مائة زهرة و لتتنافس مائة مدرسة". كان يتمّ تشجيع الناس ليعبّروا بوضوح عن آرائهم حول الحزب الشيوعي و حول ما يعتقدون أنّها نواقص الحزب، و ليناقشوا شتى المسائل على جبهة الثقافة و التعليم و العلم. و فى نفس الوقت ، أشار ماو إلى أنّه ما كان ممكنا السماح للمعادين للثورة بمثل حرّية التعبير هذه ( محدّدا كمعادين للثورة خاصة العناصر المكشوفة و المعيّنة كذلك خلال الحركات الهادفة لسحق المعادين للثورة فى بداية الخمسينات): و أهمّ حتى ، طوّر ماو المقاييس لمساعدة الجماهير على التمييز بين " الأزهار ذات الرائحة الجميلة " و" الأعشاب السامة ": "حرفيّا، الشعاران " لتتفتّح مائة زهرة " و " لتتنافس مائة مدرسة " ليس لهما طابع طبقي إذ يمكن أن تستعملهما البروليتاريا و كذلك البرجوازية و آخرون. لكلّ طبقة ، كلّ شريحة و كلّ فئة إجتماعية مفهومها للأزهار ذات الرائحة الجميلة و للأعشاب السامة. بيد أنّه عندئذ ، من وجهة نظر الجماهير الشعبية العريضة ، ما هي المقاييس اليوم التى تسمح بالتمييز بين الأزهار ذات الرائحة الجميلة و الأعشاب السامة ؟ كيف يمكننا فى مجرى حياة شعبنا السياسية التمييز بين الخطأ و الصواب فى أقوالنا و أفعالنا؟ إنّنا نرى أنّه ، بالإستتناد غلى مبادئ دستور بلادنا و إرادة الأكثرية الساحقة من شعبنا و بالإستناد إلى الموقف السياسية المشتركة التى أعلنتها جميع الأحزاب و الجماعات السياسية فى بلادنا فى مناسبات مختلفة ، يمكننا أن نضع لذلك ، على وجه عام ، المقاييس الآتية :

1- أن تساعد أقوالنا و أفعالنا على توحيد الشعب من مختلف القوميات فى بلادنا ، لا أن تعمل على تفريقه.
2- أن تساعد على التحويل الإشتراكي و البناء الإشتراكي ، لا أن تضرّ بما.
3- أن تساعد على توطيد الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية، لا أن تقوضها أو تضعفها.
4- أن تساعد على توطيد المركزية الديمقراطية، لا أن تهدمها أو تضعفها.
5- أن تساعد على تعزيز قيادة الحزب الشيوعي ، لا أن تحاول التخلّص منها أو تضعفها.
6- أن تساعد على التضامن الأممي الإشتراكي، و التضامن الأممي بين جميع الشعوب المحبة للسلام فى العالم، لا أن تلحق بهما ضررا أو أذى.
و أهمّ هذه المقاييس الستّة هو مقياس الطريق الإشتراكي و مقياس قيادة الحزب."( 61)
[ص 50 من "مقتطفات من أقوال الرئيس ماو"]

لم يكن ماو ينشر أوهاما حول ما إن كان اليمينيون البرجوازيون سيتبعون هذه المقاييس أثناء الصراعات القادمة. بالعكس تماما: كان يتوقّع أن يشنّ اليمينيون هجوما خبيثا ضد قيادة الحزب، وضد الطريق الإشتراكي كأمثالهم فى المجرّ . كان يعلم أنّ اليمينيين سيكشفون أنفسهم ، سواء " سمح لهم" الحزب بذلك أم لم يسمح ، و أنهم سيحاولون تعبئة الرأي العام لصالح إعادة تركيز الرأسمالية. فى صياغته للمقاييس الستّة ( و فى تشديده على إثنين منهما ) ، يوفّر ماو أفضل أرضية ممكنة حتى تستطيع الجماهير أن ترسم خطّ تمايز ضمن سيل الآراء السياسية المتنوّعة التى كانت ستتطوّر بالتأكيد.
خلال الأسابيع الأولى من حملة " المائة زهرة " ، فى ربيع 1957، شُنّ هجوم كامل ضد الحزب من قبل الرابطة الديمقراطية ، وهي حزب برجوازي شارك فى حكومة الجمهورية الشعبية ، و من قبل جريدة وانهيو باو المرتبطة من قريب جدّا بالرابطة و معبّرة عن وجهة النظر السياسية للبرجوازية الوطنية. إضافة إلى ذلك ، حدثت ظاهرة إلتحاق أعضاء من الحزب بهذا الهجوم المسعور. لقد أطلق اليمينيون نداء لتركيز " ديمقراطية " من النمط الغربي ، مطالبين بأن ينزل الحزب الشيوعي من" الكرسي المحمول". و علّقت ملصقات تطالب بذات الأمور فى معاقل اليمينيين، لا سيما فى الجامعات و جدّت أيضا أحداث سيّئة إذ وقع تقطيع ملصقات تساند الحزب و هُوجم أشخاص إلخ.

لقد إختار ما وان لا يردّ فى الحال ، و أن ينتظر بضعة أسابيع حتى يظهر اليمينيون البرجوازيون و يكشفوا أنفسهم و حتى يُسرع أعضاء الحزب الذين لهم ذات الأفكار و البرنامج إلى الدفاع عنهم. لكن هذه السياسة كانت أبعد من ان تكون تعايشا سلميّا بين الخطّ البرجوازي و الماركسية - اللينينية. و قاد ماو الجماهير الشعبية فى شنّ هجوم مضاد قويّ ضد اليمينيين البرجوازيين ممّا إضطرهم، تحت نيران الحزب و الجماهير، إلى التراجع بسرعة كبيرة ، فتعزّزت قيادة الحزب فى صفوف الجماهير . و قد إتهمت الصحافة الغربية و إتهم اليمينيون الصينيون ماو بأسى بأنّه قد " إستغفل" اليمينيين ، سامحا لهم بكشف برنامجهم الرجعي لغاية وحيدة هي سحقه.

وقد أجاب ماو على ذلك قائلا :
" على هذا النحو ، كان على الجماهير أن تميّز من الذى كان ينقد بنيّة حسنة و من كان يعبّر عن نيّة سيّئة فى ما يسمّى نقدا ، ما خوّل لنا تركيز القوى لنمرّ إلى الهجوم المضاد فى اللحظة المناسبة. ويتحدّث البعض عن مآمرة نسجت خيوطها فى الظلّ . و نحن نقول إنّها عملية جرت فى وضح النهار. لأنّنا حذّرنا أعداءنا : لا نستطيع القضاء على الجنيّ الشرير إلاّ بعد أن ندعه يظهر أوّلا، لا يمكن إستئصال الأعشاب السامة إلاّ بعد أن تخرج من الأرض. ألا يقوم الفلاحون بعديد عمليّات العزق سنويّا؟ و إضافة إلى ذلك، فإنّ الأعشاب المقتلعة يمكن أن تسعمل كسماد. سيبحث الأعداء الطبقيون دائما عن الظهور. لا يستسلمون لخسارة السلطة و أملاكهم. رغم كلّ تحذيرات الحزب الشيوعي الذى أعلم بوضوح مبادءه الإستراتيجية الجوهرية لأعدائه، فإ،ّ هؤلاء لن يكفّوا عن هجماتهم. الصراع الطبقي أمر موضوعي مستقلّ عن إرادة الإنسان، يعنى لا مفرّ منه. و حتى لو أردنا تجنّبه فلن نفلح. مفروض علينا خوضه حسب قوانينه، بهدف إحراز الإنتصار" (62)

إحراز الإنتصار فى هذا الصراع خلال حملة " المائة زهرة " هذا بالضبط ما توصّل إليه ماو. لقد جرى إيقاظ وعي الجماهير و هذه الأخيرة بالتأكيد لم تسمح بالهجمات المسعورة ضد مكاسب الثورة و التحويلات الإشتراكية التى كانت تحصل. تراجع اليمينيّون غير أنّ ماو إقتفى أثرهم و شدّد على عدم تركهم يهربون من الموقف السيّئ الذى وجدوا فيه مقابل بعض الكلمات التقية من النقد الذاتي . و الذين شاركوا فى النشاطات المعادية للثورة ( ثمّة هجمات و حتى جرائم إقترفها اليمينيون البرجوازيون) وقع إيقافهم و ووقعت إحالتهم على العدالة. و رغم مساعى خوجا لتصوير ماو على أنّه ليبرالي كان يريد أن يحيط به معادون للثورة ، أكّد ماو بجلاء كبير فى خضمّ الهجوم المضاد ضد اليمينيين البرجوازيين :
" يجب إبعاد كلّ معاد للثورة . ولتكن الإعدامات بأقلّ عدد ممكن دون، مع ذلك ، إلغاء الإعدام و لا إعلان العفو العام... و العناصر السيئة المعروفة بسوئها لدى العموم يجب أن تعاقبها العدالة. حاليا، بعض موظّفي العدالة و الأمن العام لا يقومون بواجبهم مبقين أحرارا الذين يجب إيقافهم و إدانتهم ؛ إنهم مخطئون . لئن لم يكن من الجيّد توجيه العقاب الزائد ، ليس جيدا كذلك إصدار أحكام متسامحة أكثر من اللازم. فى الوقت الحالي ، فى يكمن الخطر فى النزعة الأخيرة " (63).
إضافة إلى ذلك ، تعرّض الذين إعتبروا يمينيين برجوازيين فى صفوف الحزب و خارجه لتقليص حقوقهم السياسية. و بالفعل ،فقط بعد وفاة ماو ، أعيدت للرجعيين حقوقهم ،من قبل هواو كوفينغ و دنك سياو بينغ إثر الإنقلاب التحريفي.
إستمرّت حملة " مائة زهرة " إلى نهاية سنة 1958. و مع ذلك ، بعد صائفة 1957 لم يعد اليمينيون فى موقع الهجوم و صارت الملصقات و التعاليق فى الجرائد بيد الجماهير العريضة ، خاصة العمّال و الفلاحون.و ظلّ هناك نقد للحزب الشيوعي ، إلآّ أنّ طابعه كان مغايرا تماما ، إذ كان قائما فعلا و قولا على المقاييس الستّة التى صاغها ماو. و إستخدم هذا النقد لتقوية الحزب الشيوعي و تعزيزه. و قد أدّى النقاش الذى حدث على نطاق واسع فى صفوف الجماهير إلى إدراك هذه الأخيرة بصفة أعمق لخطّ الحزب و طبيعة الثورة الإشتراكية ، و رفع تصميمها و قدرها على مواصلة هذه الثورة.
و مثلما أشار غلى ذلك ماو ، حملة " مائة زهرة " كانت مدرسة للحزب ذاته و للجماهير. و أبدى ماو الملاحظة التالية : " لا يجب أن يخشى الماركسيون النقد مهما كان مأتاه. بالعكس يجب أن يصلّبوا عودهم و أن يتقدّموا و يكسبوا مواقعا جديدة فى خضمّ النقد وأتون الصراع .الصراع ضد الأفكار الخاطئة نوع من التلقيح ، و بفضل عملية التلقيح ، تتعزّز مناعة الجهاز. فالنباتات المزروعة فى بيوت مكيّفة لا يمكن أن تكون قوية. سياسة " لتتفتّح مائة زهرة و لتتافس مائة مدرسة "، بعيدا عن إضعاف الموقع القيادي للماركسية فى المجال الإيديولوجي، و بالعكس عزّزه.

ما هي السياسة التى يجب أن نتوخّاها إزاء الأفكار غير الماركسية؟ عندما يتعلّق الأمر بمناهضين أكيدين للثورة و بعناصر تخرّب قضية الإشتراكية ، فالمسألة يسيرة الحلّ: نمنعهم بكلّ بساطة من حق التعبير. لكن عندما يتعلّق الأمر بأفكار خاطئة موجودة صلب الشعب فإنها مسألة أخرى. هل يمكن أن نمنع هذه الأفكار و أن لا ندع لها أية إمكانية لتعبّر عن ذاتها ؟ بالطبع لا. سيكون ليس فحب غير فعّال ، و إنّما أيضا فى منتهى الضرر أن نتبنّى الطرق البسيطة لمعالجة المسائل الإيديولوجية صلب الشعب، المسائل المتعلّقة بعقل الإنسان. يمكن أن نمنع التعبير عن الأفكار الخاطئة لكن مع ذلك ستظلّ موجودة. و الأفكار الصحيحة إذا ما نمت فى بيوت مكيّفة ، إذا لم تتعرّض إلى الريح و المطر ، إذا لم تكن لها مناعة ، لن تستطيع الإنتصار على الأفكار الخاطئة حينما تواجهها. و بالتالى ، فقط عبر طريقة النقاش و النقد و المحاججة نستطيع حقّا أن نطوّر الأفكار الصحيحة و نقضي على الأفكار الخاطئة و نعالج المشاكل" (64).

هكذا نرى أنّ مظهري حملة " مائة زهرة" التى هاجمها خوجا و الدغمائيون التحريفيون ( و التحريفيون الخروتشافيون الذين نعتوها حينها زورا ب" الليبرالية" )، أوّلا ، كانت الحملة تمثّل محاولة للإلتفاف على تيّار مضاد للثورة و التصدّى له ، تيّار يتطوّر فى الصين نظرا للتحويلات الإشتراكية و مصادرة ممتلكات البرجوازية الصينية ،و تقدّم التحريفية على النطاق العالمي ( خاصة فى الإتحاد السوفياتي ، و لكن أيضا منذ الإنتفاضة المعادية للثورة فى المجرّ). ثانيا، تمثّل حملة " المائة زهرة" نداء لنقاش إيديولوجي ضمن الجماهير على نطاق وطني ؛ و هذا النقاش لم يكن إلاّ أن يؤدّى إلى تعميق تأثير الماركسية - اللينينية فى صفوف البروليتاريا و الشعب الصيني.

يمكن أن نتساءل لماذا يهتاج الدغمائيون التحريفيون إزاء حملة " مائة زهرة". بالطبع ، من البديهي أن هذه الحملة تسمح لخوجا و جماعته بفرصة ممتازة ليستشهد بماو كما يعنّ له، بهدف قلب الحقيقة و أن يقدّمه زورا على أنّه مجرّد ليبرالي. و لكن الأهمّ هو أنّ حملة " المائة زهرة " تجعل خوجا يفقد عقله لأنّ الفهم السياسي الذى يذهب فى أساسه ضد وجهة نظره الميكانيكية و الخاطئة فيما يتصل بتطوّر الإشتراكية.وفق وجهة النظر المهيمنة الحالية ضمن الحزب الألباني ، يمكن للجماهير أن تبلغ تبنّى الماركسية و نبذ الإيديولوجيا البرجوازية ن ليس أثناء الصراع الضاري بين الخطّين و الطريقين ، ليس عبر إطلاق إعصار من النقاشات و النضالات ، لكن من خلال سيرورة منظّمة تماما و " دون إنقطاعات" حسبها ببساطة يربّى الحزب الجماهير. هذه النظرة هي التى تقود خوجا ، مثلما سنرى ذلك لاحقا ، إلى تقييمه المعادي للثورة للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى.

و بالرغم من انّ التحليل الشامل لكامل خطّ خوجا و ممارسة الحزب الألباني بصدد الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية. لنر ،مثلا، مقتطفا من الدستور الأباني الجديد، المتبنّى فى نهاية سنة 1976:
" فى الجمهورية الشعبية الإشتراكية الألبانية ، لا توجد طبقات إستغلالية ، لقد وقع إلغاء الملكية الخاصة و إستغلال الإنسان للإنسان، وهي ممنوعة ". (65)

لكن رغم فصول الدستور الألباني و رغم أنّ السيد خوجا يريد منع الطبقات المتعادية ، فإنّها مع ذلك موجودة فى ألبانيا كما وجدت و توجد بعدُ فى الصين. و يبيّن هذا الفصل بالذات الخلط بين الأشكال القانونية و الواقع الإجتماعي. وفى الفترة التاريخية الحالية، يعدّ هذا الخلط تنكّرا واعيا للماركسية.
و نظرا لأنّ خوجا لا يعترف بوجود الطبقات العدائية خلال المرحلة الإشتراكية ، إثر مصادرة املاك البرجوازية ( موضوع سنتطرّق له له فيما بعد) ، لا يمكنه إدراك كيفية معالجة التناقضات ذات الطبيعة المختلفة صلب المجتمع الإشتراكي و ينتهى حينئذ بالضرورة إلى السقوط فى كافة ألوان الإنحرافات " اليسارية " و اليمينية. و تؤدّى هذه الإنحرافات ن فى المصاف الأوّل ، إلى أن تتحوّل التناقضات عدائية، مقوّضة أساس بلوغ التحويل الإشتراكي.
و يرتبط نقد خوجا لحملة " مائة زهرة " و ما يسمّى ب " ليبرالية " ماو إزاء البرجوازية الوطنية ، عن كثب بنقده لسياسة الحزب الشيوعي الصيني الذى كان يسمح بوجود بعض الأحزاب السياسية البرجوازية ، سامحا لها حتى بصوت محدود ضمن الأجهزة القيادية للدولة. يستخرج خوجا هذا الإستشهاد من مؤلفات ماو :

" فى آخر المطاف ، هل من الأفضل أن يكون لنا حزب واحد أم عدّة أحزاب؟ من الأفضل أن تكون لنا عدّة أحزاب ، على ما يبدو لنا.كان الأمر كذلك فى الماضي و يمكن أن يكون كذلك فى المستقبل. إنّه التعايش الطويل الأمد و المراقبة المتبادلة ".(66)

و تعليق خوجا هو :
" كان ماو يعتقد أنّه من الضروري أن تساهم فى السلطة و فى إدارة البلاد ، أحزاب برجوازية لها ذات الحقوق و ذات صلوحيّات الحزب الشيوعي الصيني. و أكثر من ذلك، هذه الأحزاب البرجوازية " التاريخية" حسب قوله، لا يمكن أن تضمحلّ قبل أن يضمحلّ الحزب الشيوعي الصيني ، بصيغة أخرى ، إنهم مدعوّون للتعايش حتى الشيوعية ".(67)
و من جديد ، من المفيد أن ندع ماو يعبّر عن ذاته بذاته:

" الحزب الشيوعي و الأحزاب الديمقراطية جميعها إفراز للتاريخ. و كلّ إفراز للتاريخ يجب أن يضمحلّ فى يوم ما، مثلما ستضمحلّ الأحزاب الديمقراطية . و هل سيكون ذلك شاقا جدّا؟ لا . أعتقد أنّنا سنكون جدّ فرحين لذلك. إذا فى يوم ما لم نعد فى حاجة إلى حزب شيوعي و لا لدكتاتورية البروليتاريا ، أعتقد أنذلك سيكون حقّا أمرا جيّدا. و مهمّتنا تتمثّل تحديدا فى الإسراع بإضمحلالها.ووجهة النظر هذه قد عبّرنا عنها بعدُ فى عدّة مناسبات سابقة.

بيد أنّه فى الوقت الراهن، الحزب البروليتاريا و دكتاتورية البروليتاريا مطلقي الضرورة ، و يجب مواصلة تعزيزهما و إلاّ لن يكون من الممكن أن نقمع المعادين للثورة و أن نقاوم الإمبريالية و نبني الإشتراكية و لا أن نعزّزها عندما نكون قد بنيناها. نظرية لينين حول الحزب البروليتاري و دكتاتورية البروليتاريا لم تصبح بتاتا " غير صالحة" كما يدّعى البعض." (68)

نلمس إذن أن المعنى الحقيقي لما قاله ماو بالكاد يشبه تأويل خوجا له. حينما يقول خوجا إنّ الأحزاب الديمقراطية كانت " تاريخية " علينا أن نفترض بأنّه يحيل إلى ملاحظة ماو بأنّ الحزب الشيوعي هو و الأحزاب الديمقراطية الأخرى " جميعها إفراز للتاريخ " و هذا الأمر بديهي كما هو بديهي أنذ الحزب الشيوعي و الأحزاب الديمقراطية ستنتهى إلى الإضمحلال مستقبلا. لم يقل ماو إنّ الأحزاب الديمقراطية ستوجد طالما و طوال المدّة التى سيوجد فيها الحزب الشيوعي ، بصيغة أخرى إلى بلوغ الشيوعية.

كانت سياسة ماو بصدد " التعايش الطويل الأمد و المراقبة المتبادلة " بين الحزب الشيوعي و الأحزاب الديمقراطية، مرتبطة مباشرة بالظروف الواقعية لتطوّر الثورة الصينية. و إعتبارا لأنّ الثورة الصينية تضمّنت مرحلة ديمقراطية طويلة نوعا ما ، كان فى آن من الطبيعي و الصحيح أنّ بعض الأحزاب البرجوازية التى كانت تعارض الإمبريالية و الإقطاعية إلى درجات مختلفة ، و التى كانت على إستعداد للعمل مع الحزب الشيوعي ، أن نهض بدور معيّن فى النظام الجديد. لم تكن المسألة ببساطة مسألة بذل الجهود لبلوغ الوحدة مع القادة البرجوازيين فى المراتب العليا لهذه الأحزاب،وو إنّما بالأحرى ، التوحّد مع قطاعات شعبية كانت تأثّر فيها و تغييرها. و كانت هذه القطاعات الشعبية تمثّل قوّة إجتماعية هامّة.
وفى نفس الوقت ، أشار ماو بوضوح إلى أنّ كلّ تعاون بين قيادة الحزب الشيوعي و الأحزاب الديمقراطية يجب أن يعتمد على قيادة الحزب الشيوعي و على موافقة الأحزاب الديمقراطية على الإنتقال إلى الإشتراكية. و إدّعاء خوجا كون الحزاب الديمقراطية كانت تمتّع بذات حقوق و صلوحيات الحزب الشيوعي عبثيّة. فيما يتصل ب " حق" قيادة الحزب و " صلوحياته" ، إنّه بالطبع الحزب الشيوعي هو الذى كان يتحمّل المسؤولية ،و قيادته هي القاعدة الوحيدة التى عليها تنهض المشاركة مهما كانت طبيعة الأحزاب الديمقراطية .

لم تكن لدى ماو أوهام فيما يخصّ دور الأحزاب الديمقراطية. و قد أشار إلى أنّ هذه الأحزاب كانت تعارض الكثير من سياسات الحزب الشيوعي ،و أنّه كانت لديها مفاهيم أخرى للعالم ،وفى نفس الوقت ، أكّد: " كانوا فى المعارضة، مع أنّهم ليسوا فيها؛ يمرّون عادة إلى المعارضة إلى عدم المعارضة".(69) فقط أثناء المرور من عدم المعارضة يمكن على المدى الطويل أن يتحقّق التعاون! و كان ماو يرغب فى إنقاذ هذه الإمكانية.

بيد أنّه أقام التحضيرات لإمكانية أخرى : أن تتحوّل الأحزاب الديمقراطية إلى موقع معاداة الثورة. و قد أكّد بجلاء سنة 1957 ، فى بداية حملة " مائة زهرة " :
" التعايش الطويل الأمد للحزب الشيوعي و للأحزاب الديمقراطية، هذا ما نريده و هذه هي أيضا سياستنا. أمّا معرفة هل أنّ الأحزاب الديمقراطية يمكن أن توجد طوال فترة طويلة، هذا لا يتوقّف ببساطة على إرادة الحزب الشيوعي وحده ، و هذا أيضا مرتهن بسلوك الأحزاب الديمقراطية و إنطلاقا من الثقة التى يضعها فيها الشعب." (70).

و من ثمّة ، يحدّد ماو بأنّ " الشروط التاريخية " لتفكيك هذه الأحزاب البرجوازية و إضمحلالها ليست ذات الشروط التاريخية للحزب الشيوعي ذاته." هذا أيضا مرتهن بسلوك الأحزاب الديمقراطية " لا يمكن إلاّ أن يعني: ان يقبلوا أو لا بالتغييرات الإشتراكية ؛ " الثقة التى يضعها فيها الشعب " تترجم الموقف تجاه العمّال و الفلاحين و إن كانت بعد لهذه الأحزاب قاعدة إجتماعية يتعيّن التوحّد معها و كسبها للوحدة.

بالفعل ، كفّت غالبية الأحزاب الديمقراطية عن الوجود خلال الثورة الثقافية . كانت تشارك فى الدولة فى شكل الندوة الإستشارية السياسية التى صارت بقمّة جهاز سياسي دون سلطة لا تجتمع إلاّ نادرا. و من الواضح من وجهة نظر ماو و الذين كانوا جزء من قيادته الثورية ، أن الظروف التاريخية المتطلّبة للتعاون مع الأحزاب الديمقراطية لم تعد موجودة ( بإستثناء ربّما ، بطريقة جدّ محدودة بالنسبة لتايوان ).

و تجدر الملاحظة أنّه ، على عكس وجهة نظر خوجا التى وفقها وجود عديد الأحزاب لا يتوافق مع اللينينية ،وجد وضع مماثل فى الإتحاد السوفياتي و كذلك فى بلدان أخرى. و على سبيل المثال ، ثورة أكتوبر لم يطلقها الحزب البلشفي لوحده ( الذى كان بطبيعة الحال القوّة القيادية و المحرّكة ) لكن شارك فيها أيضا الإشتراكيون الثوريون اليساريون. و إقترح لينين أن يساهم ممثّلو هذا الحزب فى الحكومة الجديدة (مجلس مفوّض الشعب) و ناقش القاعدة التى على أساسها يمكن تحقيق هذا النوع من التعاون. و بيّن لينين أنه كان للإشتراكيين الثوريين اليساريين كبير التأثير على الفلاحين و أنّهم يمثّلون إلى درجة معيّنة الفلاحين المستعدّين للإلتحاق بالثورة؛ و عليه يجب التوحّد مع هؤلاء الإشتراكيين الثوريين اليساريين أثناء إفتكاك السلطة و بعد ذلك. وكان التعاون بين البلاشفة و الإشتراكيين الثوريين قصير العمر، ليس لأنّ لينين والحزب البلشفي تبنّيا سياسة لكسر هذا التحالف، و إنّما لأنّ الإشتراكيين الثوريين اليساريين إنتفضوا معارضين النظام الجديد و بصفة خاصة ضد سلام براست –ليتوفسك. فى هذه الظروف ، شنّ الحزب البلشفي هجوما حيويّا ضد الإشتراكيين الثوريين اليساريين الذين أصبحوا أهدافا لدكتاتورية البروليتاريا . و تعود معارضة البروليتاريا و النظام الإشتراكي التى ظهرت فى صفوف أعضاء هذا الحزب فى جزء كبير منها ، إلى كون الثورة كانت تعرّض لهجمات من قبل الإمبرياليين و الرجعيين و كانت بالتالى فى موقع دفاعي. و مع ذلك، لا يوجد أي شيئ فى كتابات لينين يجعلنا نعتقد أنّ التعاون مع الإشتراكيين الثوريين اليساريين لم تكن لتكون طويلة المدى لو كانت الظروف مختلفة.

لقد قال لينين حتى إنّ :" حرمان البرجوازية من الحقوق الإنتخابية لا يشكّل كما سبق و أن أشرت ، سمة لازمة لا غنى عنها لدكتاتورية البروليتاريا " (71). و اليوم نعلم أنّ تصريح لينين هذا خاطئ ( على الأقلّ إذا سُحب على كافة المرحلة الإشتراكية) ؛ و مع ذلك، سيقترح خطأ حتى أخطر( و حتى كذب معادي للثورة ) إذا إعتبرنا لينين ليبرالي فظّ بسبب هذا التصريح! فالأمر يتعلّق بان دعم دكتاتورية البروليتاريا و تبنّيها مبدأ بالنسبة للشيوعيين ، بينما يجب الإعتراف بأنّ فى تحقيق هذا المبدأ على الأرجح ستكون تكتيكات مغايرة ضرورية وفق الظروف المغايرة، و حتى إن أخطأنا فى إختيار و تطبيق تكتيكات خاصّ ، فهذا ليس سببا لتوجيه إتهامات هستيرية ، مثلما يفعل خوجا ( إضافة إلى كون خوجا بيّن أنّه غير قادر على إثبات أنّ ماو إقترف مثل هذه الأخطاء التكتيكية ).

زيادة على ذلك ن بما أنّنا نتحدّث عن " الدور القيادي بلا منازع للحزب الماركسي - اللينيني فى الثورة و البناء الإشتراكيين" (72) ، من المفيد أن نلاحظ أنّ التاريخ الرسمي للحزب الألباني يعترف بأنّه طوال سنوات عديدة بعد التحرير ، ظلّ الحزب " فى وضع شبه قانوني ، حتى الآن و قد بات الحزب القيادي فى السلطة...كان برنامج الحزب يغطيه برنامج الجبهة الديمقراطية... و كان أعضاء الحزب يحافظون على سرّية صفتهم كأعضاء و... توجيهات الحزب [ المسمّى حينها الحزب الشيوعي الألباني] تنشر علنيّا كقرارات للجبهة الديمقراطية...!" هذه السياسات مسجّلة فى تاريخ ... فى إطار نقد ذاتي للحزب الألباني ذاته وهي تعدّ إنحرافات فاضحة ، تقترب من خطّ " كلّ شيء عبر الجبهة المتحدة ".

هذا من جهة و من جهة أخرى ، مع السماح بوجود أحزاب ديمقراطية و تشجيع التعاون بينها ، أشار ماو إلى أنّه لو شهدت الثورة تغيّرا ،مثلا، إن شنّ الإمبرياليون هجوما على نطاق واسع ضدّها ، فإنّ الأحزاب الديمقراطية من الوارد جدّا أن تتحوّل بخبث ضد الثورة.و بسخرية يحذّر : " إنّ حصل تغيير فى العالم و إن حوّلت قنبلة ذرّية بيكين و شنغاي إلى آثار، ألن تغيّر موقفها لا نعلم أبدا ... الكثيرون منهم يفضّلون البقاء فى الخفاء"(74).
و للإنتهاء من هذه المسألة ، يجب أن نعود إلى تفحّص أعمق للمشكلة النظرية بصدد طبيعة الدولة الصينية أثناء الإنتقال من الثورة الديمقراطية إلى الثورة الإشتراكية، مسألة " الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية ". فى الفترة التى أطلق فيها ماو لأوّل مرّة هذا الشعار ، مشيرا إلى الدكتاتورية المشتركة للطبقات الأربعة المختلفة ( الطبقة العاملة و الفلاحون و البرجوازية الصغيرة المدينية و البرجوازية الوطنية) ، كانت الثورة الصينية لا تزال فى مرحلتها الأولى ، المرحلة الديمقراطية. و بطبيعة الحال ، جميع هذه الطبقات الأربعة كانت لديها بدرجات مختلفة ، مصالح موضوعية فى إنهاء هذه الثورة. و علاوة على ذلك، ميزة من ميزات الثورة الصينية هي أنّ الحرب الطويلة الأمد و وجود قواعد إرتكاز قد خلق نظامين يتواجهان. مثلا، خلال الحرب الأهلية الثورية الثالثة ( آخر حرب ضد تشان كاي تشاك) كانت قواعد الإرتكاز الشيوعية ( التى يعدّ سكّانها 100 مليون نسمة) تواجه المناطق الواقعة تحت سيطرة الكيومنتغ. و بطبيعة الحال ، كان وجود قواعد الإرتكاز يعنى أنّ الحكومة كان بوسعها قمع المعادين للثورة و الإستمرار فى الإصلاح الزراعي ، و إنتاج الغذاء و الكساء لجيش التحرير الشعبي، و تسيير الإقتصاد إلخ. كانت سياسة الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية التى نادى بها ماو قد كرّست عمليّا فى قواعد الإرتكاز أثناء هذه الحرب الأهلية، وكانت الأحزاب السياسية و الأشخاص المأثّرة و القوى الأخرى الممثّلة لكافة الطبقات الأربعة ،ممثّلة فى أجهزة السلطة. و بالنظر إلى مهام الثورة فى المرحلة المعيّنة، من البديهي أنّ هذه السياسة كانت صحيحة.

و عندما تركّزت الجمهورية الشعبية فى 1949 ، كانت بالأساس ذات القوى الطبقية ملتزمة بها ، أي القوى التى تحالفت مع الثورة ضد الإمبريالية و الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية . وفى نفس الوقت ن كانت مهمّة هذه الحكومة الجديدة ( المقادة بوضوح من قبل الطبقة العاملة و حزبها الشيوعي و القائمة على تحالف العمّال و الفلاحين) هو الإبحار الفوري فى الإنتقال إلى الإشتراكية و هكذا منذ البداية ، كانت " الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية" تنطوي على مظهرين متناقضين: من جهة كانت تمثّل إنتصار الثورة الديمقراطية و تتضمّن بالتالى ممثلين عن البرجوازية الوطنية ؛ و من جهة أخرى ، كانت هناك حكومة يقودها ممثلون سياسيون للطبفة العاملة ، طبقة مصمّمة على قيادة الثورة نحو الإشتراكية و القضاء التام على البرجوازية. بالعودة إلى التاريخ ، من الأكيد أنّ المظهر الثاني أي كون النظام الجديد منخرط فى الطريق الإشتراكي هو المظهر الرئيسي و الذى كان يحدّد الطابع الإشتراكي للنظام. بعدُ فى 1956 ، كان ماو يصف النظام فى الصين ي" دكتاتورية البروليتاريا" و ب" الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية "، و مذّاك ، صارت الكتابات الصينية تعتبر سنة 1949سنة إنتصار الثورة الديمقراطية على النطاق الوطني ، و سنة تركيز دكتاتورية البروليتاريا.

و على هذا النحو ، نري بالعودة إلى التاريخ ، أنّ النظام المركّز فى 1949 شكل من أشكال دكتاتورية البروليتاريا نشكل يعكس طابع المجتمع الصيني و الظروف التاريخية فى التطوّر خلال النضال الديمقراطي.

لقد أبدى لينين فى روسيا ملاحظة جدّ هامة توضّح هذه المسألة . لقد أشار إلى أنّ دكتاتورية البروليتاريا كانت ، فى ظروف روسيا، شكلا خاصا من التحالف الطبقي ، أي تحالف الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء ، و فى مجمله شمل هذا الشكل غالبية الشعب. و ليس مفاجئا أن شكل تحالف الطبقات فى الصين كوسيلة تمكّن البروليتاريا من المحافظة على سلطتها ، أو بصفة أدقّ دكتاتوريتها ، مختلف عن الشكل الضروري فى الإتحاد السوفياتين نظرا للإختلاف فى الظروف المادية ، التشكيلة الطبقية ، و طريق الثورة فى البلدين. و من الواضح أيضا أنّ التحالف لم يكن جامدا و أنّه مع تحوّل الثورة إلى ثورة إشتراكية ، كان التحالف يتحوّل بدوره و من هنا تصريح ماو الراجع لسنة 1953: " لا يجب من هنا فصاعدا إعتبار البرجوازية الوطنية طبقة وسطى"

و من المهمّ أيضا أن نلاحظ أنّ زمن كتابة ماو مؤلفاته النظرية الرئيسية التى تناولت هذا الموضوع ، لم تكن للبروليتاريا و حزبها الشيوعي تجربة تاريخية فيما يخصّ مهمّة المضيّ بثورة ديمقراطية إلى الإنتصار و على هذا الأساس بناء نظام إجتماعي جديد .كانت هناك تجربة الديمقراطيات الشعبية ، المركّزة فى أوروربا الشرقية (و منها ألبانيا) على قاعدة الإنتصارات الحرزة على حساب الفاشيين ؛ فى الأدب الشيوعي لتلك الحقبة ، هناك تمييز بين دكتاتورية البروليتاريا و هذه الإنتصارات الديمقراطية ( التى ، لنقل ذلك بالمناسبة، كانت تحتاج عادة إلى مشاركة عديد الأحزاب فى الحكومة ). و مع ذلك و لعدّة أسباب لم يتمّ تقييم هذه التجربة من قبل ماو على الصعيد النظري فى تلك الحقبة ، فضلا عن كون هذا الوضع يتميّز بوضوح عن الوضع فى الصين. إجمالا ، رغم أنّ الوضع التاريخي غير مسبوق ، عالجه ماو بصورة صحيحة و قد أثرى الماركسية- اللينينية و ساهم فى الثورة الشيوعية.

مع كلّ هذا ن قمّة النفاق أن يوحي خوجا أنّ النظام فى الصين ، خاصة منذ التحويل الإشتراكي لنظام الملكية فى 1956، لم يكن يمثّل دكتاتورية البروليتاريا و كافة الأدبيات الصينية المنشوؤة أثناء الثورة الثقافية إلى إنقلاب 1976 ، تثبت بوضوح أنّه حسب ماو و الثوريين الذين كانوا يساندونه ، كانت البروليتاريا هي التى تمارس دكتاتورية شاملة على البرجوازية، دكتاتورية تشمل جميع مجالات الحياة الإجتماعية . و إلى ذلك ، كلّ تجربة الثورة الصينية تبيّن أن ماو قاد البروليتاريا و الجماهير الصينية فى سحق البرجوازية بلا رحمة، سواء المستغلّون القدامى الطامحون دائما إلى العودة إلى السلطة ، أو العناصر البرجوازية الجديدة التى تولد بالذات فى رحم المجتمع الإشتراكي. فى آخر المطاف، يجد خوجا نفسه مضطرّا لتكرار الأغنية القديمة التروتسكية القائلة إنّه لم تشكّل الدولة الصينية دكتاتورية البروليتاريا ، ذاكرا أنّه هناك نجوم على راية الجمهورية الشعبية! (75).

و قد تناولنا بالبحث هجمات خوجا ضد تطوّر الثورة الصينية إلى التركيز الجوهري للإقتصاد الإشتراكي فى 1956 و حملة " المائة زهرة " فى السنة التالية ، و قبل المرور إلى نقد الثورة الثقافية و خطّ ماو حول مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ، لنتوقّف لحظة لنثير سؤالا : لماذا يُركّز خوجا معظم نقده ضد ماو على فترة الثورة الصينية ، محاولا جعل كلّ تفكيره يدور حول ما يدعى من أنّ ماو قد كان " متسامحا " مع المستغِلّين الصينيين القدامى؟
أوّلا، يريد أنور خوجا أن يبقى على أرضية صلبة ، أو بصيغة أدقّ يعتقد أنّها صلبة . بعد كلّ شيء ، تحليل الطبقات و التناقضات الطبقية فى ظلّ الإشتراكية ليس نقطة قوّته ،و يرجو إقناع القارئ الساذج بإستنتاجاته الخاصّة الرجعية ملتجأ إلى طريقة تفكير ميكانيكية و دغمائية ،وهو يزوّر التاريخ . أهمّ حتى ، يسعى خوجا إلى الإبتعاد عن نقاش المسألة الجوهرية: كيف يمنع البرجوازية الجديدة ، الناشئة فى رحم المجتمع الإشتراكي ذاته من أن تمسك بالسلطة و أنه تعيد تركيز الرأسمالية. لأنّه بالضبط بصدد هذه المسألة قام ماو بمساهماته الأهمّ و الألمع فى الماركسية- اللينينية و فى الثورة البروليتارية ، نظريّا و عمليّا. لا يريد خوجا و ليس بوسعه أن يتحدّى مباشرة خطّ ماو. يعلم جيّدا أن بهذا المضمار ، سيكون من الأعسر عليه أن يساند أخطاء ستالين على أنّها القول الفصل فى الماركسية. و فضلا عن ذلك، فإنّه دون شكّ يخشى أن يحيّن الصيغ الإنتقائية و المتداخلة للحزب الألباني بشأن هذه المسائل. و من هنا ، يتمنّى تحويل الإنتباه عن مسألة الثورة الثقافية و الخطّ الذى نجمت عنه ، مركّزا بالأحرى على مسالة المستغِلّين القدامى. و هؤلاء الأخيرين لم يلعبوا إلاّ دورا ثانويّا فى إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين.و فى محاولة لمواصلة النقاش على هذا الأساس ، يضع خوجا نفسه فعلا فى نفس خندق التحريفيين الصينيين الذين كانوا هم مهتمين بإثبات أنّ خطر إعادة تركيز الرأسمالية يمكن أن ينشأ من أيّة جهة كانت لكن ليس من جهتهم. و فقط فى الوقت الراهن ، أتمّوا إنقلابهم و مع تخلّصهم شيئا فشيئا من قناعهم الماركسي ، سيعيد هواو ودنك الإعتبار لكافة المستغلِّين و كافة مجرمي المجتمع القديم و يهلّلون لهم.


3- مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا

يعدّ تطوير ماو تسى تونغ لنظرية و ممارسة "مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا" اكبر مساهماته فى علم الماركسية - اللينينية. وهو بالفعل اهمّ تطويراته لهذا العلم. و كلّ ماركسي- لينيني حقيقي إنتهى إلى الإعتراف بهذا أثناء النضال ضد التحريفية المعاصرة ،و خاصة أثناء الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. و فعلا ن مدح خوجا و الحزب الأباني مساهمة ماو هذه. و يمثّل الإعتراف أو عدم الإعتراف بهذا التطوير للماركسية-اللينينية من قبل لا يزال يمثّل خطّا رئيسيا فى التمييز بين الماركسية - اللينينية من جهة و التحريفية من جهة أخرى. و ن هنا ليس مفاجأ ان يشنّ خوجا هجوما هستيريا و مسعورا ضد الثورة الثقافية بغاية أن ينزع لماو صفته كمعلّم كبير و قائد كلاسيكي ماركسي - لينيني، و لو أنّه لا يجرّأ ابدا على المواجهة المباشرة لنظريّات ماو و التحريفيين الذين ناضلوا جنبا إلى جنب معه بشأن هذه المسألة.
إنّ الخلاصة التي يخرج بها خوجا بصدد الثورة الثقافية تمتاز بكونها سطحية و رجعية فى آن معا:

"لقد أكّد سير الأحداث أنّ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى لم تكن ثورة و أنّها لم تكن كبرى و لا ثقافية و بالخصوص لم تكن بروليتارية البتّة . إنّها لم تكن سوى إنقلابا داخل القصر على المستوى الصيني من أجل تصفية حفنة من الرجعيين الذين كانوا قد إستولوا على السلطة. و بالطبع كانت الثورة الثقافية مخادعة. إنّها قضت فى نفس الوقت على الحزب الشيوعي الصيني و على التنظيمات الجماهيرية و اغرقت الصين فى فوضى جديدة. لقد قاد هذه الثورة عناصر غير ماركسية ( أو بالتحديد الأربعة ) الذين بدورهم سوف يقضى عليهم عن طريق إنقلاب عسكري من قبل عناصر أخرى معادية للماركسية و فاشية ". ( 76)

هذه هي إذن الأطروحة الجوهرية لخوجا ( وهي ليست أبدا جديدة ) ووفقها لم تكن الثورة الثقافية سوى صراع كتل من أجل السلطة ، أمسك بخيوطها عدد قليل من القادة فى الأجهزة العليا من الحزب الشيوعي ز و تنمّ هذه الأطروحة عن انّ خوجا غير قادر على فهم التطوّر الجديد للمجتمع الإشتراكي و عن أنّه لم يفهم شيئا من الثورة الثقافية و مغزاها التاريخي بالنسبة للعالم بأسره . يحقد خوجا على الثورة الثقافية لأنّها ذهبت تماما ضد فهمه للعالم الميتافيزيقي جوهريا و الذى طبقه الإستقرار و الوحدة و التوافق هي المميزات الرئيسية للعالم وهي تمثّل بالتأكيد أرقى تطلّعات المجتمع الإنساني. إنّها "فوضى" : هذا هو الوصف المحبّذ لدى خوجا حينما يهاجم الثورة الثقافية ،لأنّ فكرة " الفوضى" واقعيّا صراع ضدّين ، صرا طبقات و الثورة فى حدّ ذاتها ن يذهبون ضد فهمه للعالم و رؤيته للمستقبل الذى ، مثلما سبق و أن أشرنا إلى ذلك، يشبه اكثر الفهم الديني لل"لجنة" منه للمادية الجدلية. و قبل المرور إلى تفحّص فهمه الميتافيزيقي للعالم ( وهو أساس هجومه كلّه عموما ضد ماو). يستحقّ العناء تفحّص "الفوضى" التي وجدها خوجا مقرفة بصورة خاصّة فى الصين ، أي الثورة الثقافية.

خلال الثورة الثقافية ، إقترف ماو أفضع المحرّمات ، حسب الدغماتحريفيين: إطلاق حركة الجماهير الثورية كي تفتكّ السلطة من أيدى قادة الحزب السائرين على الطريق الرأسمالي الذين إستحوذوا على بعض قطاعات سلطة الحزب و الدولة. وفق خوجا، لم يكن ليعارض مهاجمة الأشخاص الذين كانوا أهدافا للثورة الثقافية ، أي القيادة العامة لليوتشاوتشى و دنك سياو بينغ ( ومع ذلك، سنرى لاحقا أنّ " معارضة" خوجا لخطّهم خيالية أكثر منها واقعية). لكن إطلاق العنان لعاصفة من النضال الجماهيري على نطاق لم يسبق له مثيل ،و عدم خوض الصراع بواسطة السيرورات المنظّمة للحزب و الدولة و ،بالخصوص التعويل مباشرة على الجماهير ( العمّال و الفلاحون و الجنود و الطلبة) هذا أمر مغاير تماما!
و إليكم ما يقوله خوجا بهذا المضمار:

" فى نظرنا ، بإعتبار أنّ هذه الثورة الثقافية لم تقع قيادتها من طرف الحزب ،و إنّما كانت بمثابة إنفجار فوضى ناتج عن نداء وجهه ماو تسى تونغ ، يسقط عنها طابعها الثوري. لقد مكّن نفوذ ما وفى الصين من إثارة ملايين الشبان غير المنظّمين من طلبة و تلاميذ ، إتجهوا نحو بيكين ، نحو لجان الحزب و السلطة و قاموا بحلّها. و كان يقال بأنّ هؤلاء الشبان يمثّلون إذن فى الصين " الإيديولوجية البروليتارية ". و هم الذين سوف يلقنون للحزب و للبروليتاريا الطريق " الصحيح" ! و يواصل أنور خوجة قائلا:" ... لقد كانت هذه الوضعية الخطيرة نتيجة لمفاهيم ماو تسى تونغ القديمة المعادية للماركسية، فهو كان يقلّل من شأن الدور القيادي للبروليتاريا و يبالغ فى تقدير دور الشبيبة فى الثورة.كتب ماو :" ما هو الدور الذى لعبه شباب الصين منذ "4 ماي"؟ لقد لعبوا دورا طليعيّا معيّنا، وهي حقيقة يعترف بها الجميع بإستثناء المتعنّتين. وما معنى الدور الطليعي؟ إنّه يعنى دور المبتدر..."

وهكذا أبقيت الطبقة العاملة جانبا و فى العديد من الحالات وقفت ضد الحرس الأحمر بل وصلت إلى حدّ التصادم معهم. إنّ رفاقنا الذين كانوا وقتئذ فى الصين شاهدوا بأم أعينهم عمّال المصانع يحاربون ضد الشبان. لقد صار الحزب مفكّكا و تمّت تصفيته. و لم يكن فى أي حال من الأحوال حزب الشيوعيين و لا البروليتاريا. لقد كانت هذه الوضعية خطيرة جدّا " ( 77)
أمر مفزع ! شاهد الرفاق الألبانيون " بأمّ عينهم" عمّالا يتقاتلون مع الطلبة! ليس بوسعنا أن نقارن موقف خوجا إلاّ بموقف آدم عندما أكل من التفّاحة. و من حسن الحظّ أن خوجا لم يذهب بنفسه إلى الصين إبّان الثورة الثقافية لأنّه لربّما كان رأى عمّالا يتقاتلون مع عمّال آخرين فيسقط ميتا على الفور! و حاليّا يجب أن نعترف بأنّه ليس بوسعنا تفسير الأمر المدهش ألا وهو أنّ ينطق خوجا بهكذا سخافات ،حتى بعد أن عاش هو ذاته تجربة ثورة!

يعلم الجميع أنّه إبّان الثورة الثقافية ،جرى حلّ لجان الحزب و أنّ سلسلة القيادة العادية لم تعد تشتغل عمليّا إلخ، و هذه الأمور على الدوام كانت جزء من اللازمة المضجرة للتحريفيين السوفيات، الذين يؤكّدون عليها لكي يدّعوا " إثبات " أنّ ماو كان " مثاليّا " و " يسراويّا متطرّفا " ( و نصوص وانغ مينغ ، المكتوبة فى موسكو ، حيث أنهى حياته كمادح للتحريفية السوفياتية ، مرّة أخرى معبّرة جدّا: و ننصح ورثته بتقديم قضيّة ضد خوجا لسرقاته الأدبية! ). أمّا بالنسبة للتحريفيين السوفيات ، بيسر يمكن أن نفهم لماذا لا يريدون الحديث عن طبيعة لجان الحزب التي وقع حلّها ،و عن الخطّ الذى كانوا يتبعونه إلخ ، لكن كنّا نتوقّع شيئا أفضل من قبل خوجا. و مع ذلك ، لا يتحدّث إلاّ عن الشكل و ليس عن مضمون لجان الحزب.و بما أنّنا نعلم جيّدا مضمون هذه اللجان و الخطّ الذى كانت تتبعه، فإنّ هذا يدفعنا إلى الشكّ رغم إحتجاجات خوجا ، فى أنّه عمليّا بيروقرطيو الحزب المتحالفين مع ليوتشاوتشى هم الذين يعتبرهم خوجا شيوعيين " لم يعر لهم أدنى إنتباه".

إنّ الوضع الذى كان ماو يواجهه فى بداية الثورة الثقافية (1966) جلي للغاية: نجحت القيادة العامّة التحريفية فى صفوف الحزب ، بقيادة ليوتشاوتشى ، فى الإستيلاء على السلطة فى عديد الصناعات و المدن و المحافظات الهامّة. حينها، كان دنك سياو بينغ السكرتير العام للحزب ،ووكان عندئذ يتحكّم بقوّة بسلسلة القيادة. و كانت التحريفية تهيمن على الجبهة الثقافية التعليمية. و كان الخطّ التحريفي منتشرا فى صفوف عديد مديري المصانع إلخ. فكان هذا الوضع يخوّل للقيادة العامّة للبرجوازية أن تعارض الخطّ الثوري لماو ، و أن توقف بشدّة تعلّم الجماهير للماركسية - اللينينية ،و أن تستخدم إلى درجة كبيرة هيكلة الحزب فى مجال التنظيم لتقمع الجماهير و تتحكّم فيها. ( سنعالج لاحقا أنّ هذا الوضع لا ينجم عن " أخطاء" ماوأو " ليبراليته " ) . و هكذا بمستطاعنا أن نقدّر مدى قوّة القيادة العامة التحريفية بدراسة الوثائق و السياسة المهيمنين صلب الحزب الصيني فى تلك الحقبة،و كذلك مدى قدرة القيادة العامّة على المحافظة على درجة من القوّة حتى بعد تعرّضها إلى هزائم خطيرة نوعا ما خلال الثورة الثقافية. ذلك أنّه قبل كلّ شيئ القيادة العامّة لليوتشاوتشى ( و دنك وريثها الشرعي) ، بمعيّة جزء من البيروقراطية الموالية لشو آن لاي ،هي التي لعبت دورا رئيسيا فى الإنقلاب المعادي للثورة فى 1976. و القوّة الحقيقية لهذه الطبقة نستشفّها من شدّة الهجوم المنظّم من قبل المسؤولين أتباع الطريق الرأسمالي ضد جميع مكاسب الثورة ، و بالسرعة التي بها يعيدون حاليّا تركيز النظام الرأسمالي.و الإدعاء بأنّ هذه القوّة كان بالإمكان القضاء عليها ببساطة بتحوير فى الأجهزة القيادية للحزب و بإصدار بعض التوجيهات ، يكون مضحكا إن لم يكن ‘جراميّا ، لا سيما فى علاقة بما حصل فى الصين. و كذلك يبرز برنامج القادة التحريفيين الصينيين الحاليين الطبيعة الحقيقية لمن كانوا أعداء ماو و اليسار الثوري: ما كان الأمر متعلّقا بنزاع لاسياسي بين "كتل" بل بصراع طبقي لتقرير أي خطّ و أي طريق، الخطّ و الطريق البرجوازية أم البروليتاريا، ستتبعه الصين.

يبدو أنّ نصائح خوجا للثوريين فى الصين مشابهة أساسا للازمة الإنتهازية لزمن ماركس بشأن كمونة باريس ،و تصريح بليخانوف بشأن ثورة 1905: " ماكان عليهم رفع السلاح " . بالطبيعة لم تكن المسألة، مسألة معرفة هل أنّه يجب أم لا خوض نضال مسلّح ،لكن بالأحرى هل أنّه يجب القيام بثورة حقيقية ، تمرّد سياسي هدفه القادة الرئيسيين للحزب، أتباع الطريق الرأسمالي. و بالرغم من أنّه كانت للثورة الثقافية خصوصياتها ، بما أنّها أنجزت فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا، فإنّه مع ذلك صحيح أنّها مثلها فى ذلك مثل كلّ ثورة، ما كانت لتتقدّم إلاّ عبر نضال إعصاري. بالضرورة كانت ستتضمّن تيارات مضادة مشاركة قطاعات شتّى من الجماهير الثورية ستجلب معها أفكارها المسبّقة و حدودها الخاصين؛ وجهات نظر و برامج متناقضة. ككلّ ثورة ، كانت ستفرز مقاومة شرسة ومصمّمة ،ليس فقط من قبل من كانوا أهدافا لهذه الثورة ( و الذين لا يمثّلون إلاّ نسبة مائوية ضئيلة من المجتمع الصيني و من الحزب) و لكن أيضا من قبل بعض قطاعات الجماهير ، و منها عديد العمّال الذين يمكن أن يستنهضوا إلى درجة معيّنة و فى لحظات دقيقة لتكون قاعدة إجتماعية للرجعيين و لحركتهم. و هذا ليس ببساطة خاصية للثورة الثقافية و إنّما هو يمثّل قانونا للصراع الطبقي و للثورة عموما. و من المفيد هنا أن نذكّر بالتعليق الشهير للينيني حول إنتفاضة " عيد الفصح" للشعب الإيرلندي ، سنة 1916.و كان هذا التعليق موجّه للذين يستعملون ما يدّعون أنّه " ماركسية " للسخرية من هذا التمرّد البطولي و الإستخفاف به و تشويهه،و نعتهم له " لا يمكن الحديث عن " إنقلاب" بالمعنى العلمي للكلمة، إلاّ حين تقتصر محاولة الإنتفاض على حلقة ضيقة من المتآمرين أو من المهووسين الحمقى ،و لا تستثير أي عطف بين الجماهير . و لكن الحركة القومية الإرلندية التي قامت منذ قرون و التي مرّت بمختلف المراحل و خبرت أشكالا متنوّعة من إجتماع المصالح الطبقية ، قد تجسّدت ، فيما تجسدت، بمؤتمر وطني إرلندي جماهيري، إنعقد فى أمريكا... نادي بإستقلال إرلندة ، كما تجسدت بمعارك فى الشوارع خاضها فريق من البرجوازية الصغيرة فى المدن و فريق من العمّال ، بعد دعاية جماهيرية طويلة الأمد،و مظاهرات ،و تعطيل للصحف. إلخ ..و لذا ، كان من ينعت مثل هذه الإنتفاضة بالفتنة، إمّا رجعيّا من شرّ الرجعيين ، و إمّا عقائديّا متحجّرا يعجز إطلاقا عن تصوّر الثورة الإجتماعية ظاهرة حيّة.

ذلك لأنّ التفكير بأنّ الثورة الإجتماعية ممكنة دون إنتفاضات تقوم بها الأمم الصغيرة فى المستعمرات و فى أوروبا ، دون إنفجارات ثورية يفجرها قسم من البرجوازية الصغيرة رغم كلّ أوهامها و خرافاتها ، دون حركة تبعثها الجماهير البروليتارية و شبه البروليتارية اللاواعية ضد الإضطهاد الإقطاعية و الأكليروسي و الملكي و القومي ، إلخ – لأنّ التفكر على هذا النحو يعنى إنكار الثورة الإجتماعية . فكأنّنا نتصور جيشا يقف فى مكان و يقول : " أنا مع الإشتراكية " و جيشا آخر يقف فى مكان آخر و يقول :" أنا مع الإمبريالية " ، و إذا نحن نهتف: هذه هي الثورة الإجتماعية ! بمثل وجهة النظر هذه الدعية المضحكة فقط كان يمكن تحقير الإنتفاضة الإرلندية و نعتها ب " الإنقلاب".

و من ينتظر ثورة إجتماعية " خالصة" لن يرها أبدا. هو ثوري قولا ،و لا يدرك ما هي الثورة الحقيقية."( 78)
توجّه كلمات لينين هذه ضربة قويّة للخطّ الدغماتحريفي لأنور خوجا، وهو الخطّ الذى قاد هذا الأخير إلى تشويه التمرّد الثوري الأكثر جماهيرية و الأطول زمنيّا و الأوعى طبقيّا فى تاريخ العالم، قائلا إنّه لم يكن سوى " إنقلاب قصر على المستوى الصيني".

ولنعالج بصفة أعمق ما يقوله خوجا عن مسألة الشباب و الدور الذى يمكنه أن ينهض به كقوّة مبادرة فى الثورة. إنّه يندّد بالثورة الثقافية لأنّ " آلاف الشباب غير المنظّمين من الطلبة و التلاميذ" نهضوا لغزو بيكين .حسب رأي خوجا ، الأساس النظري لهذا " الخطإ " يكمن فى النصّ الشهير لماو " توجه حركة الشباب" أين تجرّا ماو على قول إنّ الشباب أخذ ينهض "نوعا ما " بدور الطليعة الذى يحدّده على النحو التالي: " الدور المبتدر، السير فى مقدّمة الصفوف الثورية " (79).
مجدّدا ينبغى أن نقرّ بأنّ ماو و ليس خوجا على حقّ ز أوّلا إضطلع الشباب الصيني " نوعا ما " بدور الطليعة فى حركة 4 ماي فى الصين و فى ما بعد ذلكز و هذا واقع لا يمكن دحضه ، يعترف به كلّ من يهتمّ و لو قليلا بأن يكون التاريخ متطابقا مع الواقع. و كذلك لا جدال فى أنّنا إستطعنا عبر التاريخ أن نلاحظ فى عديد المرّات التجربة التاريخية لشباب " ينهض بدور طليعي" و يمضى " فى الصفوف الأولى للثورة ". واليوم نشاهد بأعيننا هذه الظاهرة فى إيران. الشباب بمن فيهم الطلبة و المثقفون الشباب ، وضعوا أنفسهم فى الصفوف الأولى لهذه الحركة العتيّة ، مساهمين فى إيقاض الجماهير الشعبية العريضة و البروليتاريا فى إيران و مضحّين بحياتهم فى خضمّ النضال المسلّح. و بالفعل ، من العسير أن نتصوّر تطوّرا ثوريّا هاما و له دلالته حقّا حيث لم يجر الأمر على هذه الصورة.

لكن بالنسبة لخوجا، يمثّل الدور الديناميكي للشباب ، أي جرأتهم و إرادتهم تحطيم العالم القديم إلخ ، بالثورة خطرا أكثر منه ميزة ، شيئا تجب مهاجمته و خنقه، إلاّ إذا تمكّنت الطبقة العاملة و حزبها من " جرّ" الشباب (وهنا يقصد حقيقة التحكّم فيه) .( و كذلك فى ما يخصّ مسألة الفلاحين ، المسألة ليست مسألة معرفة هل أنّ الشباب سيتمرّد ، و إنّما هي مسألة هل يجب قيادة أم خنق مبادرة هذا الشباب).

ما معنى ان " تقود " الطبقة العاملة و حزبها الشباب؟ بالنسبة لخوجا، هذا يعنى أنّه على الشباب أن يتبع بسلبية خطوات الطبقة العاملة، و بالله عليكم ! لنستبعد أصلا فكرة أن يقدر الشباب على لعب دور الطليعة، مهما كان، دور قياديا فى تعبئة الجماهير الشعبية العريضة و تنظيمها.

طبعا ، كان ماو واضحا للغايةحول أن ، بمعنى جوهري، الطبقة العاملة هي التي يجب أن تقود الثورة. فى نصّ نشر بنفس مناسبة النصّ الذى إستشهد به خوجا ، أوضح ماو العلاقات الطبقية الجوهرية: ( نستشهد بمقال " حركة 4 ماي" وهو مقال نُشر مع خطاب " توجّه حركة الشباب " ، بمناسبة الذكرى العشرين لحركة 4 ماي نسنة 1939.)

" إنّ إنجاز الثورة الديمقراطية فى الصين يعتمد على قوى إجتماعية معيّنة ، وهي الطبقة العاملة ،و طبقة الفلاحين،و الأوساط الثقافية،و القسم التقدّمي من البرجوازية ، أو بعبارة أخرى ، الثوريون من العمّال و الفلاحين و الجنود و المثقّفين و رجال التجارة و الصناعة،مع كون العمّال و الفلاحين يشكلون القوى الثورية الأساسية ، و مع كون الطبقة العاملة هي الطبقة التي تقود الثورة. و لا يمكن إنجاز الثورة الديمقراطية ضد الإمبريالية و الإقطاعية بدون هذه القوى الثورية الأساسية ، و بدون قيادة الطبقة العاملة. "(80)

لكن من هذه النقطة فصاعدا ، يمضى ماو و خوجا فى طرق متباينة جدّا. لأنّه حتى و إن كنّا متفقين على كونه ينبغى أن توجد " قيادة الطبقة العاملة " ( ما يعنى ، قبل كلّ شيئ، قيادة حزب الطبقة العاملة،و أيضا خطّ الطبقة العاملة، الماركسية - اللينينية) ، تبقى مطروحة للمعالجة مسألة : ما هو مضمون هذه القيادة ، ما الهدف الذى ترنو تحقيقه و فى أي إتجاه ستقود الشباب؟
برمّته مقال ماو " توجّه حركة الشباب " ، "المذكور" أعلاه من قبل خوجا ، يهدف بالذات ( مثلما يدلّ عليه حتى عنوانه) لتقديم القيادة و التوجّه للشباب.
" لابدّ لشبابنا المثقفين و الطلاّب أن يذهبوا إلى جماهير العمّال و الفلاحين التي تشكّل التسعين فى المائة من سكّان البلاد ليعبّئوها و ينظموها.و لا يمكننا ان ننتصر على الإمبريالية و الإقطاعية بالإعتماد على ذلك الجيش من الشباب المثقفين و الطلاّب فقط من دون هذه القوّة الرئيسية من العمال و الفلاحين. و لذا ، فلا بدّ للشباب المثقفين و الطلاب فى مختلف أرجاء البلاد أن يلتحموا بجماهير العمال و الفلاحين الغفيرة حتى يؤلفوا معها كلا واحدا ، و عندئذ فقط يمكن خلق جيش قويّ ، جيش مؤلف من مئات الملايين !(81)

لقد لفت ماو النظر إلى " لقد كان المثقفون أوّل من إستيقظوا فى الحركة الثورية الديمقراطية فى الصين . ...بيد أنّ المثقّفين لن ينجزوا أي شيئ إذا لم يلتحموا بجماهير العمّال و الفلاحين ." (82) وهكذا يقدّم ماو تحليلا صحيحا و جدليّا بشأن العلاقة بين كون المثقّفين ، لا سيما الطلبة ن يمثّلون عادة القوّة الأولى فى التمرّد فى حركة ثورية و ينهضون بدور ضروري فى علاقة بالجماهير الشعبية من أجل " إستنهاضها و تنظيمها" ، و كون فقط بالإرتباط بالعمّال و الفلاحين، يستطيع المثقّفون التوصّل إلى المساهمة الحقيقية فى السيرورة الثورية. و مثلما يشير إلى ذلك عديد المرّات فى مؤلفات ، بالعمل على هذا النحو فحسب يتوصّل الشباب إلى تغيير فهمهم للعالم و إلى أن يصبحوا ماركسيين حقيقيين.

هذا هو مثال لما يعنيه حقّا تقديم قيادة. و لا علاقة له مع فكرة خوجا حول أن يفرض على حركة الشباب أن تمشي بهدوء و خلف العمّال. تتطلّب قيادة ماركسية- لينينية حقيقية للثورة أن نعرف كيف نتقدّم بالعوامل الثورية و نطلق لها العنان، و فى نفس الوقت تقديم القيادة و التوجه الصحيحين للحركة فى شموليتها و فى مظاهرها الخاصّة. لا تسعى القيادة الحقيقية لا إلى تجاوز و لا إلى محو التناقضات بين مختلف فئات الجماهير ( و أدوارها المتناقضة) بل تعترف بهذه التناقضات و تستخدمها للتقدّم بالثورة. و يشبه فهم أنور خوجا هذا بالأحرى مفهوم لين بياو ( " كلّ شيئ تحت إمرتى و كلّ شيئ بين يدي") منه طريقة القيادة التي مارسها ماو.

إنّ الذين ينقدون ماو على أنّه أقرّ بأنذه غالبا ما تنهض الشباب بنوع من الدور الطليعي خلال النضال الثوري و إستعمل ذلك ، هم أنفسهم لم يستطيعوا بتاتا و بلا رجعة تجاوز فكرة ،كما وصفها لينين، أنّه يجب أن نترقّب أن يظهر جيشين ، بمظاهر تامة التشكّل ، بكلّ وضوح و كلُّ بيافطته الخاصّة.أمّا بالنسبة للذين يودّون تعطيل إستنهاض بعض فئات الجماهير الثورية و حتى بعض الفئات العمّالية، لترقّب يوم نهوض العمّال فى وحدة صمّاء ( يوم إذا أخذناه على هذا النحو، لن يأتي أبدا )، فإنهم مقرّون العزم على عدم رؤية ثورة مطلقا ، أو إنّه ليست لديهم أدنى فكرة عن ما يمثّله النضال الثوري. لأنّه طالما وجدت طبقات ، لن يأتي اليوم حيث لن تكون الطبقة العاملة منقسمة إلى قطاعات مختلفة، ذات أحاسيس و خطوط إمّا ثورية و إمّا غير ثورية، و إمّا معادية للثورة حتى. و ستفضى هذه الإنقسامات إلى نزاعات إيديولوجية ، سياسية و نعم ،حتّى أحيانا نزاعات جسدية ) بين بعض فئات العمّال و فئات أخرى من الجماهير الشعبية.

و بفضل فهمه لهذا الأمر ، إستطاع ماو ، فى بداية الثورة الثقافية ، ان يعوّل إلى درجة كبيرة على مبادرة الشباب و الطلبة و جراتهم ، لا لتعويض الطبقة العاملة و إنّما للمساهمة فى إيقاضها و إستنهاضها فى الصراع الكبير.
لا بدّ و أنّ أنور خوجا يعرف جيّدا تفكير ما و بهذا الصدد ،بحكم أنّ ماو قد شرحه بطريقة مقتضبة جدّا للبعثة الألبانية للصين ، سنة 1967:
"أطلق المثقفون حركة "4 ماي" ،ما يبيّن حسهم و نظرتهم التنبّئية. و مع ذلك ، علينا أن نعوّل على أسياد العصر، أي العمّال و الفلاحين و الجنود ، بم هي قوى رئيسية لمواصلة الثورة إلى النهاية، ثورة من نوع البعثة إلى الشمال أو المسيرة الكبرى... ورغم أنّ المثقفين و الجماهير الواسعة للشباب الطلابي هم الذين أطلقوا نقد الخطّ البرجوازي الرجعي ، على عاتق أسياد العصر ،على الجماهير العريضة من العمّال و الفلاحين و الجنود كقوّة رئيسية فى مواصلة الثورة حتى نهايتها...لقد كان المثقفون على الدوام قادرين على تغيير سريع لرؤيتهم للأشياء ، لكن نظرا لحدودهم الغريزية و لكونهم يفتقدون إلى طابع ثوري تماما ، يكونون أحيانا إنتهازيين" (83).

من الواضح إذن أنّه على مستوى النظرية ( وكذلك الممارسة ) كان ماو يعتبر أن دور الطلبة فى الصين دور مبادرين رئيسيّا. و قد عرف جيّدا نقاط ضعفهم ، لا سيما التوجهات نحو الفوضوية و نحو " التطرّف اليسراوي" ، و كذلك أحيانا نحو الفكر المحافظ ، و عرف أيضا أنّه يصعب عليهم الإلتحام بالصفوف الثورية لمواصلة النضال حتى النصر. دون الدور المبادر للطلبة و خاصة للحرس الأحمر البطولي ، كانت التحريفية ستنتصر قبل ذلك بكثير فى الصين و لم تكن الثورة الثقافية لتندلع بتاتا؛و إن لم يصبح العمّال القوّة الرئيسية و القيادية للثورة الثقافية ، فإنّ الإنتصارات الأولى كانت ستتحوّل إلى هزائم ما و كانت المكاسب الكبرى للثورة الثقافية لتتحقّق ،و بالتأكيد ،ما كانت لتتعزّز و كان هذا سيسمح للتحريفية بالظفر مبكّرا فى الصين.

يودّ خوجا تجاهل دور الطبقة العاملة فى الثورة الثقافية لأنّه إن لم يفعل ذلك لن تصمد الأوهام التي يسعى لجعل الثوريين فى العالم يبتلعونها . لكن من الذى يشكّل فى الواقع ، القوّة المحرّكة لثورة جانفي فى شنغاي ، وهي التمرّد الذى يمثّل المثال الأوّل و النموذجي ل "حلّ " الجماهير الشعبية للجنة الحزب الرجعية ؟

لمن يملك أدنى معرفة بالأحداث فى الصين ،من الأكيد أنّها تنظيمات العمّال الثوريين بشنغاي، بقيادة تشانغ تشن- كياو و ياو وان- يوان ووانغ هون- وان (وكلّهم أعضاء " مجموعة الأربعة " التي يقع الآن تشويهها فى الصين) هي التي أنجزت هذا التمرّد المهمّ للغاية. و بعد ذلك ، حدثت تمرّدات مشابهة فى المدينة تلو الأخرى. و حين صار بديهيّا أن بعض القطاعات من الحرس الأحمر لم تكن قادرة على مواصلة الثورة لوحدها و أنّ دورها المبادر أخذ يتحوّل إلى نقيضه ، ماذا حدث؟ مثلما نعلم ، أصدر ماو توجيهه الشهير: " على الطبقة العاملة أن تمارس قيادتها فى كلّ شيئ" ما نجم عنه زحف عشرات الآلاف من العمّال على الجامعات حيث بقوا فيها و إتحدوا مع الطلبة و الأساتذة و الكوادر الثورية لإنجاز أعظم التغييرات الثورية التي لم يشهد لها مثيل سابقا فى العالم على جبهة التعليم. و كافة هذه المكاسب لا جدال فيها ، مهما كان رأي أنور خوجا فيها.

وفى الختام ، بشأن مسألة قيادة الحزب أثناء الثورة الثقافية نؤكّد أنّ الثورة الثقافية كانت واقعيّا تحت قيادة الحزب بالشكل الصحيح الوحيد بإعتبار الظروف الملموسة التي كانت سائدة حينها. كانت تحت قيادة الخطّ القائد للحزب و للجنة المركزية ، خطّ رئيسها،ماو تسى تونغ. لقد تمّت المصادقة على التوجه العام للثورة الثقافية بأغلبية ضئيلة داخل اللجنة المركزية سنة 1966،و المجموعة المسؤولية عن الثورة الثقافية كانت تقودها.( 84) قال ماو عينه إنّه كان عليه أن "ينتظر اللحظة المناسبة للحصول على الأغلبية فى اللجنة المركزية للإبحار فى الثورة الثقافية ". لكن على عكس خوجا ، لا نأسّس رأينا بصدد الثورة الثقافية على كونها كانت أم لم تكن متجانسة مع الممارسة المعتادة فى خوض النضال صلب الأحزاب اللينينية. يمكننا أن نؤكّد دون شكّ أنّه حتى إذا ( أو بالأصحّ خاصة إذا ) عارض غالبية اللجنة المركزية الثورة الثقافية ( وهو ما كان سيعنى أنّ اللجنة المركزية صارت بيدي التحريفيين ) كان من واجب و مسؤولية ماو أن يدعو الجماهير ، داخل الحزب و خارجه، إلى التمرّد ضد اللجنة المركزية.

و نودّ أن نطرح السؤال التالى على خوجا : ماذا ينبغى أن يفعل الشيوعيون الحقيقيون عامّة ، عندما تكون إمكانية إنتصار التحريفية داهمة ؟ و ما الموقف الذى يترتّب أن يتخذه الشيوعيون الحقيقيون و الجماهير الثورية لو حدث هكذا إستيلاء تحريفي على السلطة ؟ هل كان خوجا سيكون موافقا لو انّ الطبقة العاملة فى الإتحاد السوفياتي إنتفضت بعد " الخطاب السرّي" لخروتشاف و قلبته؟ أم هل أنّه على الماركسيين - اللينينيين الحقيقيين فى قيادة الحزب السوفياتي جمعوا غالبية بسيطة فى اللجنة المركزية لشنّ ثورة ثقافية بالضبط قبل الإنقلاب ؟ و إذا لم تكن غالبية الطبقة العاملة بعدّ واعية بالخطر الداهم للتحريفية ، هل يصبح بالتالى من الجائز أن يستند قادة الحزب على الطلبة للشروع فى النضال الثوري، ام هل من الأفضل قمعهم و خنقهم بإسم "هيمنة البروليتاريا"!؟ دون أدنى شكّ يؤدّى خطّ خوجا إلى إستنتاج وحيد: لم يكن على الثوريين حمل السلاح ( و لا حتى خوض صراع سياسي سلمي نسبيّا ).

و بالطبع ، يخفى خوجا منطقه وراء غطاء أنّه المدافع الكبير عن الماركسية- اللينينية ؛ و مع ذلك بتشديده على وضع الشكل ( " الضوابط اللينينية " ) فى المصاف الأوّل قبل المضمون ( الطبقة التي تخدمها هذه الأشكال). فإنّ طرق تفكير خوجا تشبه أكثر الأكاذيب المصطنعة فى البلدان الديمقراطية البرجوازية حول " الديمقراطية" أكثر منها لتعاليم الثورية لماركس و إنجلز و لينين و ستالين. هذه مرّة أخرى الممارسة التي كان لينين يمقتها منتهى المقت: فهم الماركسية بالمعنى السطحي للإنكار الفعلي لروحها الجوهرية !

فى آخر المطاف ، يعارض خوجا الثورة الثقافية و خطّ ماو تسى تونغ لأنّه يفضّل خطّ الذين أطاحت بهم الثورة!رغم أنّه يصدر بتلكؤ بعض النقد ضد ليوتشاوتشى و دنك سياو بينغ ، لا وجود عمليّا لأي محتوى فى نقده لليو ، بينما يقتصر نقده لخطّ هواو و دنك سياو بينغ على نقاش " إستراتيجيا العوالم الثلاثة " لا غير. سنرى لاحقا أنّ خطّ خوجا فى ما يخصّ طبيعة الإشتراكية و الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية،هو فى الأساس نفس الخطّ التحريفي الذى نشره ليو و دنك ، بإستثناء كونه متخفى وراء غطاء سميك من الدغماتحريفية.

فى الواقع ، يشكو خوجا كثيرا من وضع قناع على مواقفه الحقيقية. فمنطق الكتاب ذاته يجرّ القارئ إلى إستنتاج أنّه كان من الأفضل لو إنتصرت قوى ليوتشاوتشى ( أو قوى أخرى تساند التحريفية السوفياتية ). لئن كان فكر ماو تسى تونغ منذ 1935 لونا من ألوان التحريفية ،ألا يتعيّن أن نساند الذين عارضوه بإستمرار ؟ يدعى خوجا أنّ الحزب فى مجمله لم يكن أبدا ماركسيّا ،و أنّ لا مجموعة من مختلف المجموعات فى قيادة الحزب كانت ثورية ( على الأقلّ فى العقد الأخير: طبعا ، حال وانغ مينغ ،أمر آخر تماما!). لماذا يبدو أنّ خوجا يهتمّ بكون الثورة الثقافية " قد قضت على الحزب الشيوعي الصيني و التنظيمات الجماهيرية "؟ لو كان فعلا من الصحيح أنّ " قيادة الحزب الشيوعي الصيني ليست متشكّلة من ثوّار ماركسيين- لينينيين (85) ماذا يهمّنا إن جرى القضاء علي الحزب!؟

لكن المسألة هي أنّ خوجا منشغل حقّا بهذا " القضاء" إذ يصرّح بأنّ " المنظّمات الجماهيرية جرى القضاء عليها" . إلاّ أنذه لا يهتمّ بالقضاء على أيّة منظّمات جماهيرية ،لأنّه ،فى نهاية المطاف ،فقط غبيّ سينكر أنّ الثورة الثقافية قد اوجدت سيلا من المنظّمات الجماهيرية الجديدة : فى المراحل الأولى وجد الحرس الأحمر و مجموعات العمّال المتمرّدين إلخ وفى ما بعد ن ادّت الثورة إلى إعادة تشكيل معتمدة على قيادة خطّ ماو و اليسار. ومن الواضح إذا أنّ خوجا لا يهتمّ إلاّ بكون المنظّمات الجماهيرية التي كانت تحت هيمنة خطّ ليوتشاوتشى ( مثل رابطة الشباب الشيوعي ) قد لحقت بها الهزيمة ، وبينما يساند هذه الأخيرة ، يندّد خوجا بشراسة بالمنظمات الجماهيرية الثورية التي تأسست فى خضمّ الصراع.

و علاوة على ذلك ، إن كان المشكل الرئيسي للحزب الشيوعي الصيني هو إبتعاده عن "الماركسية – اللينينية " فى الثورة و فى البناء الإشتراكي ما يعنى ، وفق خوجا، الإبتعاد عن تجربة و طرق الإتحاد السوفياتي ) ألا يجب أن نساند المسؤولين صلب الحزب الصيني الذين ناضلوا لتطريس هذه المبادئ " اللينينية " فى الصين؟ ميزة قراءة النسخة الأصلية لكتابات وانغ مينغ ( عوض السرقات الأدبية التي يرتكبها خوجا ) ،هو أنّ وانغ لا يبحث حتّى عن إخفاء سياسته مثلما يفعل خوجا. يدّعى وانغ مينغ بصراحة بأنّ " الأممين الحقيقيين " فى الحزب الشيوعي يشملون ليوتشاوتشى سيّئ الصيت،و كذلك سلسلة أخرى من الخونة الآخرين الذين هم الآن بصدد إعادتهم إلى السلطة أو جرت إعادة الإعتبار لهم من قبل دنك سياو بينغ .(86) و الفتنام الذى يهلّل له خوجا أكثر فأكثر حتى وهو يقع تحت الجناح السوفياتي ، يعتقد هو كذلك أنّ ليوتشاوتشى و دنك سياوبينغ هم الماركسيون - اللينينيون الحقيقيون فى الصين (87).

إنّ نقد خوجا للثورة الثقافية ينبع من كونه غير قادر على فهم طبيعة الإشتراكية ، من فهمه الميتافيزيقي للعالم و من براغماتيته. خلال " العرض" الذى يقدّمه عن التغيّر الدرامي و التراجيدي فى خطّ الحزب الألباني تجاه ماو و الثورة الثقافية ، يكشف خوجا، دون قصد، الجوهر البراغماتي الذى قاد هذا الحزب إلى إعادة تقييمه لفكر ماو تسى تونغ إذ يؤكّد:
" آخذا بعين الإعتبار الممارسات السابقة غير الواضحة [ للصينيين] و ذلك الممارسات التي لاحظنا أثناء الثورة الثقافية ، و لكن بالخصوص الأحداث التي وقعت منذ هذه الثورة الثقافية ، و الصعود المتتالي لمجموعات مختلفة إلى القيادة ، اليوم جموعة لين بياو و فى الغد مجموعة دنك سياوبينغ أو مجموعة المسمّى هواو كوفينغ إلخ وجد حزبنا نفسه مضطرّا للمعالجة الأعمق لنظرة و أعمالماو تسى تونغ و الحزب الشيوعي الصيني ، و لتكوين فكرة أشمل عن " فكر ماو تسى تونغ". (88)
وبعد بضعة فقرات ، يسرترسل قائلا:
" إنّ التطوّر الفوضوي للثورة الثقافية و نتائجها ساهما فى تأكيد رأينا ،الذى لم يكن بعدُ قد إتضح تمام الوضوح، بأنّ الماركسية - اللينينية فى الصين كانت غير معروفة و أنّها لم تكن مطبّقة فيها و انّ ،فى الأساس، مفاهيم الحزب الشيوعي الصيني و مفاهيم ماو تسى تونغ لم تكن ماركسية – لينينية " (89)

و هكذا ، فى تقييمنا لفكر ماو تسى تونغ ، يكشف خوجا بجلاء وجهة نظره و توزجهه الجوهريين.
يبدو جليّا أنّ " نتائج " إنقلاب 1976 بالصين لم تعجب خوجا و لم تعجبه على وجه الخصوص السياسة الإستسلامية لهواو كوفنغ، سياسة تحالف رجعي مع الإمبريالية الأمريكية بإسم إستراتيجيا " العوالم الثلاثة ". إعتبارا لأخطائه هو و نظرته العامة ، لا يمكن لخوجا تحليل أحداث الصين إنطلاقا من الصراع الطبقي و خاصّة إنطلاقا من الصراع بين الخطّ التحريفي كلّيا لهواو و دنك و الخطّ الثوري لماو تسى تونغ و الأربعة الذين ناضلوا جنبا إلى جنب مع ماو. و عوض أن يمسك بالمهمّة التي فرضها التاريخ أي مهمّة خوض الدفاع عن مكتسبات الثورة الصينية و مساهمات ماو ، إختار خوجا ان ينطلق من " نتائج" الصراع الطبقي فى الصين ( " نتائج" ينظر إليها وفق أضيق المفاهيم و أكثرها محدودية) ؛ و من هناك يسعى للعودة صعدا محاولا إكتشاف أسس هذه الأخطاء فى الخطّ و النشاطات الماركسية – اللينينية . (90)

إن هُزم هؤلاء فإنّهم مخطؤون: هذه بإختصار نقطة إنطلاق خوجا. و بما أنّ خوجا لا يفهم بطريقة صحيحة ديناميكية الثورة و خاصّة قوانين تطوّر الإشتراكية ، ليس بإمكانه أن يستوعب أنّ التحريفيين قادرون على الإنتصار دون أن تكون أخطاء ما من قبل الثوريين هي السبب الرئيسي ( رغم أنّ ما من أحد ينكر أن ترتكب عدّة أخطاء حتما)، و إنّما السبب هو ميزان القوى النسبي للطبقات المتصارعة.

( يتساءل القارئ ربّما ، إن كان الأمر كذلك، كيف يمكن لخوجا الدّفاع عن ستالين دون أيّ نقد بإعتبار أنّ التحريفية إنتصرت بُعيد وفاة هذا الأخير؟ فعلا يمثّل هذا تناقضا فى الخطّ الألباني يحاولون وسعهم تجنّب مواجهته. وما هو أكثر إثارة للإنتباه فى الكتابات الألبانية المتعلّقة بهذا الموضوع هو سطحيتها و عدم قدرتها على إعطاء تفسير صحيح لإنتصار التحريفية فى الإتحاد السوفياتي.)

لسوء الحظّ ، أثّر هذا المنطق فى طريقة تفكير بعض الماركسيين - اللينينيين الذين مع دفاعهم عن مساهمات ماو ، يتخذون كنقطة إنطلاق فكرة أنّه إذا إنتصرت التحريفية فى الصين فيجب البحث عن أسباب هذه الهزيمة فى أخطاء الثوريين. مثل هذا التفكير ، على الأقلّ من قبل خوجا، يعنى أنّ إعادة تركيز الرأسمالية ليست ممكنة أبدا طالما انّ الحزب يبقى " يقضا " ، بمعنى لا يتوانى عن أن يمنع أن تظهر داخل الحزب أية كتلة أية قيادة عامّة و خطّ كامل التطوّر يعارض القيادة الفعلية للحزب. وجهة النظر هذه مخطئة فى الأساس و تتضارب مباشرة مع تعاليم ماو تسى تونغ ذلك أنّها تفصل مسألة الصراع داخل الحزب عن كلّ تحليل ماديّ فعلا ( و جدلي ) للصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية. بتطوّر تحليل ماو للصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية ،غدت مسألة وجود قيادة برجوازية داخل الحزب الشيوعي ذاته النقطة المحورية.
ولنمرّ إلى تفحّص هجوم خوجا على تحليل ماو لوجود خطّين و برجوازية داخل الحزب :

" دافع ماوتسى تونغ ذاته على ضرورة "الخطّين" داخل الحزب. حسب رأيه ، وجود الخطّين و صراعهما ظاهرة طبيعية ، وهي تعبير عن وحدة الأضداد و عن مرونة سياسية تربط الروح المبدئية بالإتفاق...إنّ هذه الرؤى متناقضة كلّيا مع التعاليم اللينينية عن الحزب الشيوعي بإعتباره فصيلا منظّما و طليعيّا له خطّ واحد ووحدة تفكير وعمل فولاذية. و لا علاقة لصراع الطبقات داخل الحزب بما هي إنعكاس لصراع الطبقات المخاض خارجه بمفاهيم ماو تسى تونغ حول "الخطين داخل الحزب" . فالحزب ليس حلبة طبقات يخاض فيها صراع بين الطبقات المتناحرة، ليس تجمّعا لأناس أهدافهم متناقضة. الحزب الماركسي- اللينيني الحقيقي هو حزب الطبقة العاملة فحسب و هو قائم على أساس مصالح هذه الطبقة العاملة. هذا هو العامل الحيوي لإنتصار الثورة و بناء الإشتراكية .لقد اشار ستالين مدافعا عن المبادئ اللينينية للحزب التي لا تسمح بوجود عديد الخطوط ، التيارات المعارضة فى الحزب الشيوعي، أنّ : ...الحزب الشيوعي هو حزب وحدة صمّاء للبروليتاريا و ليس حزب مجموعة عناصر من طبقات مختلفة.

بالعكس ، يرى ماو تسى تونغ أنّ الحزب وحدة طبقات ذات مصالح متناقضة ، منظّمة تقف فيها وجها لوجه و تتقاتل قوّتان هما البروليتاريا و البرجوازية ... " القيادة العامة البروليتارية " و " القيادة العامة البرجوازية " التي يجب أن يكون لها ممثّلوها فى كلّ مستويات الحزب ، من القاعدة إلى الأجهزة القيادية العليا "(91)

هنا خوجا على خطإ لأكثر من سبب: لكونه لا يفقه شيئا من الجدلية و لكونه لا يفهم ما يجعل لكل حزب ماركسي - لينيني حقيقي ديناميكيته و حيويته ، و لكونه يعبّر عن فهم خاطئ للموقع الذى يحتلّه الحزب فى المجتمع الإشتراكي و بالتالى عن مختلف مميّزات الصراع داخل الحزب.
أوّلا لنتطرّق لأغبى نقطة فى المنطق الخوجي ألا وهي " دافع ماوتسى تونغ ذاته عن ضرورة " الخطّين" داخل الحزب." و كان يقال إنّه فضّل أو سمح بوجود قيادة عامة برجوازية داخل الحزب.و طبعا ، لم يقترح ماو تسى تونغ أبدا شيئا من هذا القبيل. ما قاله وهو على صواب تام فى ذلك هو إنّ وجود خطين داخل الحزب حتميّ و إنّ كتلا و قيادات عامّة برجوازية تنشأ داخل الحزب. و أهمّ من ذلك أيضا هو الفهم النظري الذى طوّره ماو لشرح ضرورة النضال ضد الخطّ البرجوازي و ضد محاولات شتى مسؤولي الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي تركيز قيادة عامة برجوازية داخل الحزب و الإستيلاء على السلطة فى قطاعات حيوية من الحزب و الدولة و الإعداد للهجوم الأخير على القيادة البروليتارية للحزب و الدولة. لم يطوّر ماو تسى تونغ هذا الفهم نظريّا فقط بل قاد ايضا عمليّا النضال لتكريس هذا الخطّ ،لا سيما أثناء الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. و أن يستنتج من هذا انّ ماو سمح للبرجوازية بالتواجد و لم يحاربها إنكار للوقائع الملموسة.
( و فى نفس الوقت إعترف ماو بضرورة ،و أحيانا إرتأى ،أن يوضع بعض الإنتهازيين فى مواقع معيّنة من الحزب لأسباب تكتيكية.و سنناقش هذا الموضوع لاحقا.)

على الدوام ساند الماركسيون- اللينينيون الأطروحة الفلسفية القائلة بأنّ " الحرّية وعي الضرورة ". فقدرة الإنسان على تغيير المجتمع و الطبيعة لا ترتبط رئيسيّا بإرادته بل بفهمه الصحيح للعالم الموضوعي، لأنّه فقط بالعمل طبقا لقوانين المجتمع و الطبيعة يمكن للإنسان أن يتوصّل إلى التأثير على هذه القوانين. و قول إنّ ماو دافع عن الخطّ البرجوازي و نموّ القيادة العامّة البرجوازية فى الحزب ببساطة لكونه كان سبّاقا فى الإعتراف بشكل صارم بالقوانين التي تحكم وجودها فى كلّ تجلياتها ، يساوى إدّعاء أن لويس باستور دافع عن وجود الفيروسات !

ماضين بعدُ قليلا مع هذا التشبيه ،يمكننا أن نقول لأنّ باستور إكتشف وجود الفيروسات ، أمكن له تطوير التلقيح الأوّل ؛ و كذلك لأنّ ماو تسى تونغ إكتشف القوانين التي تحكم المجتمع الإشتراكي و التي تفرز الخطّ البرجوازي داخل الحزب ، أمكن له تطوير السياسة و الإستراتيجيات و أيضا التكتيكات اللازمة للإنتصار على الخطّ البرجوازي و مختلف القيادات العامة البرجوازية ، و ليس لمرّة واحدة فقط بل لعدّة مرّات.

بإدارته ظهره لمبدأ مواصلة الثورة فى ظلّ الإشتراكية ، ربّما إعتقد أنور خوجا أنّه يقدّم مساهمة لامعة فى الماركسية. بينما فى الواقع هو لا يفعل من جديد سوى تطبيق وجهة النظر البرجوازية الصغيرة الإنسانية التي ترفض الإعتراف بإنقسام المجتمع الرأسمالي إلى طبقات متناحرة ، آملة بالتالى أن يضمحلّ التناحر.

وهو يعرض تشويهه ل" المبادئ اللينينية " المتصلة بالحزب و يستعمل بعشوائية كلمات ستالين بصدد " الحزب البروليتاريا ذو الوحدة الصمّاء " ، كشف خوجا ببساطة و بشكل أعمق فهمه هو الميتافيزيقي و المعادي للجدلية للعالم، و إفتقاده لأدنى فهم للتطوّر الحقيقي لكلّ حزب ماركسي. و يدّعى خوجا أنّ المبادئ اللينينية " لا تسمح بوجود عديد الخطوط ، التيارات المعارضة فى الحزب الشيوعي" شيئ رائع! و ببضعة كلمات يقضى خوجا على النضال ضد التحريفية و الدغمائية و التروتسكية و كلّ الإنحرافات الأخرى التي يمكن أن تظهر فى صفوف الحزب.

أيمكن أن نقول إنّه لا وجود لتيّار تحريفي فى الحزب الألباني؟ لا، لا نعتقد ذلك! حتى إذا كان خوجا منخرطا فى خطّ ماركسي - لينيني ( عوض الدفاع هو ذاته عن توجّه تحريفي جديد ) ، لن نكفّ عن عدم الإعتقاد فى ذلك، و رغم كافة ترهات خوجا حول " المبادئ اللينينية" كان لينين و ستالين يعملان بإستمرار على تحديد جميع أنواع " " التيارات المعارضة " داخل الحزب البلشفي و على النضال ضدّها و إلحاق الهزيمة بها.

لا يفعل خوجا سوى توحيد الإثنين فى واحد ،حسب طريقته الخاصّة فى الفهم ،وهي طريقة مناقضة للطريقة الجدلية فى إزدواج الواحد. إنّه يخلط بين مسألة الخطوط و التيّارات و مسألة الكتل . و رغم التشابه الموجود بين هذه المسائل فهي متباينة. فوجود تيارات مختلفة أو خطوط داخل الحزب لا يتأتى من " السماح" بوجودها إذ هي إنعكاس لا مناص منه للقوى الطبقية فى المجتمع التى توجد هي ايضا لا لأنّ الماركسيين – اللينينيين "يسمحون" بوجودها ، بل بسبب الظروف الماديّة و الإيديولوجية للمجتمع بما فى ذلك بقايا المجتمع الإستغلالي الطبقي الموجودة فى قاعدة المجتمع الإشتراكي الإقتصادية و فى بنيته الفوقية.

يمكن حلّ كتلة تحريفية داخل الحزب و طرد قادتها إلخ لكن مثل هذه الإجراءات لن تؤدّي و لا يمكن أن تؤدّي إلى إلغاء كلّ توجّه و كلّ خطّ تحريفي داخل الحزب, فهذه التوجهات لا توجد داخل الحزب عامة فحسب لكن أيضا فى طريقة تفكير كلّ شخص!

عند معالجة هذه المسألة ينتقل الحزب الألباني من الأقصى إلى الأقصى ، منتهيا إلى صياغة إنتقائية حسبها هناك " صراع طبقي فى الحزب " دون وجود خطوط متعارضة. إنقلاب فعلي بليّ العنق، هل يعتقد خوجا أنّه بالقضاء منذ البداية على عملاء العدوّ ، العناصر البرجوازية و الفاسدة ، سيمكنه الحيلولة دون ظهور خطوط معادية، خطوط غير ماركسية، خطوط برجوازية داخل الحزب كما لو أنّ وجود خطّ مرتبط ببساطة بإمتلاك آلات كتابة! مرّة أخرى خوجا و ليس ماو هو الذى يبتعد عن الماركسية - اللينينية لأنّ الماركسية تعلّمنا أن مسألة الخطّ و صراع الخطّين ( ما يفترض وجود خطوط مختلفة ) تمثّل حياة الحزب.

لنضرب بعض الأمثلة. فى البلدان الإمبريالية ، يمثّل التوجّه نحو التحريفية لا سيما فى شكل الإقتصادوية ( يعنى إتجاه تقليص نضال العمّال إلى نضال من أجل تحسين ظروف نظام العبودية بالنسبة للعبيد ، فى آن معا إتجاها ضارّا و قويّا. و قد بيّن لينين القاعدة الإجتماعية لهذا التيّار فى مؤلفه اللامع " ما العمل؟ " كما فى بعض كتاباته التالية المتعلّقة بالإمبريالية. لكن فقط إكتشاف هذا التوجّه و إنطلاق الماركسيين- اللينينيين الحقيقيين فى نضال بلا هوادة و طويل الأمد ضد هذا التوجّه لا يعنى أنّه ليس له تأثير داخل الحزب كخطّ معاد للماركسية.و كذلك فى عديد البلدان حيث المهمّة الآنية للطبقة العاملة و للحزب هي النضال من أجل التحرّر الوطني ، تمثّل التوجّهات القومية الضيقة إنعكاسا للقوى الطبقية التي تخوض فعلا الصراع ؛ و على شيوعيى هذه البلدان أن يخوضوا صراعا بلا هوادة ضد هذه الإنحرافات بما فى ذلك و خاصّة عندما تنعكس داخل الحزب ذاته. مرّة أخرى ، الإعتراف بوجود الخطوط الخاطئة داخل الحزب و فهم قاعدتها الطبقية و جذورها التاريخية هو الذى يسمح للماركسيين – اللينينيين بمقاتلة هذه الخطوط و إلحاق الهزيمة بها. و لا يتعلّق الأمر ب "السماح" أو عدمه لمثل هذا الواقع.

ألا ينسجم صراع الخطين داخل الحزب مع كون " الحزب الماركسي- اللينيني هو حزب الطبقة العاملة فحسب " مثلما يقول خوجا؟ ( 92) لا ينسجم إلاّ بالنسبة للذين لا يفهمون شيئا من الجدليّة.

الحزب الشيوعي هو حزب الطبقة العاملة لأنّه مقاد بالماركسية - اللينينية إيديولوجيا الطبقة العاملة و لأنّ الطبقة العامة هي الطبقة الوحيدة التي تتمثّل مصالحها فى قلب الرأسمالية و كلّ أنواع الإستغلال و الإضطهاد و فى تحقيق الشيوعية و لأنّ المبادئ التنظيمية للحزب ، " المبادئ اللينينية " ، إن أردنا ذلك، تعكس الطابع الإجتماعي للإنتاج لا سيما دور البروليتاريا فى علاقات بالإنتاج. بهذا المعنى و بهذا المعنى فقط يمكننا فهم أنّ الحزب الشيوعي هو حزب الطبقة العاملة.
لا يستطيع الحزب و لا تستطيع الطبقة العاملة و الماركسية - اللينينية أن تظهر بصورة " نقيّة ". و هذا بيّن إذا نظرنا فى الطبقة العاملة. لم يع بعدُ سوى عدد قليل من العمّال فى المجتمع الرأسمالي دورهم كحفّاري قبر النظام الراسمالي . و علاوة على ذلك ، ثمّة إنقسامات فى صفوف البروليتاريا ( إنقسامات سياسية ، قومية و إقتصادية ) رغم تقاسم كافة العمّال ، موضوعيا ، نفس المصلحة الطبقية. و بالتالى تمثّل فكرة بروليتاريا "نقية" قمّة العبثيّة و تعنى إنكار ضرورة الحزب الشيوعي. و كذلك عبثيّ الحديث عن "نقاوة" الحزب و الماركسية-اللينينية حين نلقى نظرة على خصوصيات الوجود الراهن و الملموس لحزب ما أو لخطّ حزب ما. و مثل هذا العمل يكون فعلا إنكار للحاجة لمواصلة الصراع داخل الحزب. لذلك يسخر ماو تسى تونغ عن حقّ من فكرة "الوحدة الصمّاء" للحزب و للحركة الشيوعية العالمية. ( " يعتقد البعض أنّ ... الحزب لا يمكن أن يكون موضوع تحليل؛ أي أنّه ذو وحدة صمّاء و متماثل...") (93)

لنتطرّق الآن إلى إستشهاد بستالين لجأ إليه خوجا بهدف منع القارئ من القيام ببحث نقدي و جدلي فى هذا الصدد :
" الحزب الشيوعي هو حزب وحدة صمّاء للبروليتاريا و ليس حزب مجموعة عناصر من طبقات مختلفة. " هذا الإستشهاد صحيح فى معنى معيّن و ليس كذلك فى معنى آخر. إذا تناولنا الإستشهاد كتجريد علمي ، نراه مفيدا إلى حدود بيد أنّه بإعتباره تحليلا لحزب ما هو خاطئ و ضارّ على حدّ سواء. و يجب على الخطّ السياسي و كذلك على المبادئ التنظيمية للحزب أن تتأتّى من تجريدعلمي صحيح ( بمعنى أنّه يعكس الطبيعة مثلما يقول لينين، بشكل " أعمق، أصحّ و أشمل") بأنّ الحزب هو حزب البروليتاريا و حزبها هي فحسب. مع ذلك، يعدّ عناصر الحزب الشيوعي فى صفوفه ، و ينبغى أن يُعدّ فعلا فى صفوفه "عناصر مختلفة من طبقات مختلفة ". و بطبيعة الحال ، على هذه العناصر أن تنخرط فى الحزب بتبنّى وجهة نظر البروليتاريا و خطّها. ألا يمكن أن نقول إنّ فى أيّ حزب يأتى المثقّفين ،مثلا، و معهم بعض مظاهر وجهة نظر البرجوازية و البرجوازية الصغيرة و خطّها و علاقاتها التنظيمية؟ ألا ينضمّون إلى الحزب جالبين معهم بعض مظاهر وجهة نظر المنتج الصغير؟ هل يخطئ المرء فى القيام بتحليل طبقي لعناصر الحزب و فى إستعمال هذا التحليل الطبقي ( بمنهج جدلي و ليس ميكانيكي) لغاية محاولة فهم أية إنحرافات يمكن أن تظهر و كذلك محاربتها؟ طبعا يأتى كلّ عناصر الحزب بما فى ذلك العمّال، معهم حين ينخرطون فى الحزب ، بمختلف أنواع الإيديولوجيات البرجوازية و الأخطاء السياسية و من هنا تفهم الملاحظة الساخرة لماو :" كما لو أنّه لمّا نلتحق بالحزب نصبح بالضرورة ماركسيين مئة بالمئة " (94).

لا وجود ل"ماركسيين مئة بالمئة " بما فى ذلك أنور خوجا و بطله وانغ مينغ الذى أقام جلبة كبرى فى بداية الثلاثينات معلنا أنّه و حفنة من الطلبة العائدين معه من موسكو كانوا "بلاشفة مئة بالمئة ".
هل يُعتبر الإعتراف بأنّ الحزب ليس " ذو وحدة صمّاء " وبالفعل يعجّ بتناقضات تعكس العلاقات الطبقية فى المجتمع و المكوّنات الطبقية للحزب ذاته ، إنكارا لضرورة النضال ضد الكتلوية و مبدأ أنّ الحزب لا يمكن أن يقوده إلآّ خطّ واحد ؟ نكرّرها لا يشكّل هذا مشكلا إلاّ بالنسبة للميتافيزيقيين لا بالنسبة للماركسيين – اللينينيين.

الإقرار بوجود خطّين داخل الحزب ( بمعنى جوهري، الخطّ البرجوازي و الخطّ البروليتاري) هو فى نفس الوقت أخذ بعين الإعتبار أنّ واحد من هذين الخطّين ( أي الخطّ الرئيسي) يجب أن يحدّد طابع الحزب. وهو أيضا إقرار بإمكانية أنّ يتحوّل هذان المظهران الواحد إلى الآخر و أن يُصبح الحزب بالتالى حزبا تحريفيا. و طالما أنّ الخطّ القائد [ السائد] ( أي الخطّ العام للحزب و قيادته ،المنعكس فى نظرياته و سياساته و صحافته إلخ) ماركسي- لينيني حقيقي ، من الصحيح إعتبار هذا الحزب حزبا ماركسيّا- لينينيا ، حزب الطبقة العاملة. لكي يبقى مثل هذا الحزب ماركسيا- لينينيا ، يجب تحديدا خوض نضال حيوي بلا هوادة ضد أي ّ تمظهر للخطّ الخاطئ. إنّ الإقرار بهذه الضرورة هو فى آن إقرار بضرورة مكافحة الكتل البرجوازية التي تظهر داخل الحزب و تحطيمها.

و يثبت تاريخ الحركة الشيوعية العالمية بوضوح ضرورة خوض هكذا نضال من أجل هزم محاولات المجموعات التحريفية المنتظمة داخل الحزب لإفتكاكه و تطبيق الخطّ التحريفي. و بالضبط كانت المهمّة الرئيسية للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى إفتكاك سلطة المسؤولين الكبار السائرين فى الطريق الرأسمالي بغية إلحاق الهزيمة بهم و تحطيم قيادتهم التحريفية. أن يختار خوجا الثورة الثقافية ك" دليل " عن كون ماو " سمح " بوجود قيادة عامة برجوازية صلب الحزب هو بالتالى أمر عبثيّ.

وفى نفس الوقت إذا ما أخذنا بعين النظر وجود الخطين فى الحزب و القاعدة الإجتماعية لوجودهما ، سنعترف كذلك بأنّ تطوّر كتل المعارضة البرجوازية صلب الحزب لا تمثّل ظاهرة عرضيّة أو غير قابلة للشرح، بل جزءا لا مفرّ منه من الصراع الطبقي ووتطوّر الحزب.

كلّما تبرز التوجّهات الخاطئة ، كلّما يوجد خطّ خاطئ فى حالته الجنينية ( الشيئ الذى يحدث حتما لأسباب لخّصناها أعلاه ) سينتهى البعض إلى النهوض ، عاجلا أم آجلا ، للدفاع عن هذه التوجّهات ليحوّلوها إلى خطّ و إلى برنامج كامل التطوّر بغاية النضال لتعويض الخطّ الماركسي-اللينيني للحزب بخطّ خاطئ. و بعيدا عن أن يكون عائقا ، فإنّ إدراك هذا الأمر يخوّل للحزب و للجانه و أعضائه التعرّف بسرعة أكبر على تلك السيرورة و تطوّرها ( لعدّة مرّات) من أجل التحرّك بصرامة لمعارضتها.

و الكتلوية فى حدّ ذاتها مظهر من مظاهر الخطّ الخاطئ. إنّها تعكس الإنقسام و التنافس و" كلّ لذاته " التي تميّز الرأسمالية، فى معارضة مع التضامن و التعاون المميّزان للعمّال كطبقة. هكذا يجب على الماركسيين- اللينينيين مقاومة الكتلوية مثلما فعل ذلك ماو تسى تونغ بمبادئه الثلاثة الشهيرة حول ما يجب القيام به و ما يجب عدم القيام به. " ممارسة الماركسية لا التحريفية ؛ العمل من أجل الوحدة ،لا من أجل الإنشقاق ؛ التحلّى بالصراحة و الإستقامة ،لاحياكة المؤامرات و الدسائس".
علاوة على ذلك ، مثلما أشار الثوريون فى الصين ( أنظر: تقرير وانغ هونغ – وان حول الدستور ، الذى ألقاه فى المؤتمر العاشر للحزب )، المبدآن الأخيران من " مبادئ ما يجب القيام به و ما يجب عدم القيام به " مرتبطان بالمبدأ الأوّل . ( 95)

و يناضل الماركسيون-اللينينيون من أجل الوحدة و لا يجدون ضرورة لحياكة المؤامرات و الدسائس فقوّتهم تنبع من أنّ خطّهم يعكس بصفة صحيحة الواقع الموضوعي و يتماشى مع مصالح الغالبية العظمى للشعب و يدفع إلى تقدّم الثورة. و هكذا ، كلّما إنخرطنا أكثر فى المبادئ اللينينية فى ما يتعلّق بالحياة الداخلية للحزب كلّما تعزّز الخطّ الصحيح ككلّ. و بديهيّ أنّ الذين يدافعون عن خطّ برجوازي سيسعون حتما للإنشقاق و سيحيكون المؤامرات و الدسائس لأنّه بهذه الطريقة يطوّرون قواهم فى نفس الوقت الذى يبدون فيه خوفا شديدا من الصراع السياسي المخاض بصورة مفتوحة. فالأمر لا يتعلّق إذن ب" السماح" بالتكتّل و المؤامرات و الدسائس فى صفوف الحزب بل بمعرفة أنّ الصراع ضد كلّ هذا هو جزء من "ممارسة الماركسية و ليس التحريفية " و تنبيه عناصر الحزب و الجماهير إلى أنّ الذين يتّبعون خطّا خاطئا لا يمكنهم البقاء أوفياء للمبادئ التنظيمية الماركسية - اللينينية و إلى أنّه يجب التحلّى باليقضة الدائمة. و تركيز خوجا على وجود " الوحدة الصمّاء" فى الحزب هو إنعكاس لرفضه نظريا و تطبيقيا أن ينطلق من و يؤسّس نظرته على تحليل إزدواج الواحد.
و هذا الرفض مرتبط بصيغة قريبة جدّا خاصة فى العشرينات و الذى كان يدعو ضمن ما يدعو إليه أنّ التناقض لا يوجد بالضرورة طوال كافة سيرورة تطوّر شيئ ما بل يظهر فقط فى مرحلة معيّنة من هذا التطوّر. كانت مدرسة ديبورين تنادى مثلا بأنّه لا وجود لتناقض فى صفوف القوى التي كانت تعارض النبلاء و الكنيسة خلال الثورة الفرنسية، بل إنّ التناقض بين العمّال و الرأسماليين لم يظهر سوى لاحقا أو إثر تطوّر متقدّم للإنتاج الرأسمالي. و كان ماو يعتبر غاية فى الأهمّية النضال ضد مدرسة ديبورين و أشار فى نصّه الشهير " فى التناقض" إلى كون " مثالية ديبورين مارست تأثيرا من التأثيرات الأكثر ضررا داخل الحزب الشيوعي الصيني ،و لا يمكن أن نقول أنّ المفاهيم الدغمائية لحزبنا ليست لها علاقة بهذه المدرسة " (96)

و لا غرابة فى أن يلجأ خوجا وهو يقيم هجوما مسعورا على ماو إلى قلب الإستنتاج التاريخي حول مسألة وانغ مينغ، وإلى الإختفاء وراء المدرسة الفلسفية التي كان وانغ مينغ تلميذا وفيّا لها.

كيف يمكن أن نفسّر مسألة ظهور التحريفية و إنتصارها إذا لم ندرس التناقضات الداخلية للحزب ، الصراع بين الخطّين؟ ينبغى إمّا أن نحذف تماما التناقضات الباطنية و أن نبرز المسألة كإفتكاك للحزب من قبل قوى خارجية ، و إمّا ( و النتيجة ذاتها) الإعتراف بأنّ التناقضات الداخلية للحزب لا تظهر إلاّ فى فترة معيّنة لتطوّره و تتأتّى من تأثيرات خارجية ، "أخطاء" الثوريين و ما إلى ذلك ، هذان التفسيران فى النهاية ميتافيزيقيان.

لقد أنكر ستالين وجود التناقض و الخطين داخل الحزب. لم "يسمح" بهما. بيد أنّ ذلك لم يمنع تطوّر التحريفية الخروتشوفية نظرا لأخطاء ستالين . هل كانت الجماهير فى الإتحاد السوفياتي أكثر إستعدادا لفهم ما جرى و ما كان يتعيّن فعله بالتالي؟ طبعا بوسعنا أن نفهم أن يكون لستالين فهم إحاديّ الجانب لحياة الحزب فى ظلّ الإشتراكية لأنّه لم تكن توجد أيّة تجربة تاريخية لحزب شيوعي أصيل كان قد نجح فى القيام بثورة تحوّل إثرها إلى نقيضه ، إلى حزب برجوازي يسعى إلى إعادة تركيز الرأسمالية. و لكن يغدو شيئا آخر حين يتمسّك خوجا تمام التمسّك بإعادة إرتكاب أخطاء ستالين، و بجعلها مبادئا شمولية فى حين أن التجربة التاريخية أفرزت مذّاك قاعدة على أساسها أمكن للماركسيين – اللينينيين وبخاصّة الرفيق ماو تسى تونغ ، أن يقيّموا و يصحّحوا و بالخصوص أن يتجاوزوا تلك الأخطاء.

حين إنتصرت الإنتهازية فى صفوف الأمميّة الثانية أثناء الحرب العالمية الأولى ، نجح لينين بفضل علم الديالكتيك فى رسم تطوّر ( و كذلك الجذور الإجتماعية و التاريخية ) للتناقض الذى أدّى إلى هذه الخيانة. لقد بيّن كيف أنّ الديمقراطية الإشتراكية إنقسمت إلى معسكر ثوري ومعسكر إنتهازي ؛ و أنّ لهذه الظاهرة أساس مادي خلق أرستقراطية صلب الطبقة العاملة فى البلدان الإمبريالية؛ و أنّ الفترة الطويلة من العمل السلمي و القانوني أدّت من جهة إلى أن غدت الأحزاب الإشتراكية الديمقراطية احزاب جماهير العمّال فى أوروبا و من جهة أخرى إلى أن أصبحت قيادات هذه الأحزاب تتجه إلى إتباع ممارسات و رسم أفق ضيّقين و برلمانيين. و قد بيّن كذلك لينين كيف جرى فقع دمّل الإنتهازية منذ إندلاع الحرب العالمية الأولى.

لا يستطيع خوجا تفسير تطوّر التحريفية الخروتشوفية لأنّه يرفض الإعتراف بأنّ التناقضات داخل الحركة الشيوعية العالمية لم تظهر فقط زمن الإنقلاب الخروتشوفي بل إنّها إنفجرت حينها. إذن تتمثّل "المساهمة العظيمة" لخوجا فى إنكار التقدّم الحقيقي الذى حصل خلال الصراع ضد التحريفية فى السنوات العشرين الأخيرة فى التأكيد على أنّ كلّ صيغة و كلّ خطإ ( و كذلك الأساس الإيديولوجي لهذه الأخطاء ) يعتبران من الكتابات المقدّسة و فى نعت كافة الذين يرفضون إتباع هذا الخطّ هراطقة.

فى الأخير للردّ على هذه الهجمات الخوجية ضد خطّ ماو حول الحزب ، ينبغى أن نحاول أن نكشف الخلط الذى يبثّه خوجا فى ما يتعلّق بسياسات ماو بصدد الصراع الداخلي للحزب. يستشهد خوجا بماو فيقول :
" يمكننا هكذا أن نستعمل اليدين معا تجاه رفيق مخطئ : بيد سنصارعه و بالأخرى نقيم وحدة معه. و غاية هذا الصراع هي صيانة المبادئ الماركسية ،ما يعنى الصلابة فى المبادئ من جهة و من جهة أخرى إقامة وحدة معه. و غاية الوحدة هي السماح له بمخرج ، بتحقيق إتفاق معه .. ." (97)

هنا لا يحذف خوجا مفهوم ماو لكلمة "إتفاق"( وهو ما نسميه مرونة) فقط ، بل كذلك يمحو إستنتاج ماو القائل : " الوحدة بين المبادئ و المرونة مبدأ ماركسي- لينيني يمثّل وحدة أضداد "( 98)

بداية ، يجب ملاحظة انّ ماو لا يتحدّث البتّة هنا عن المعادين للثورة الذين لا يمكن إصلاحهم داخل الحزب ، عن الذين يقودون كتلا برجوازية . يؤكّد ماو هذا بالضبط فى الفقرة السابقة على تلك التي إستشهد بها خوجا:
" مع ذلك ، إزاء أناس من نوع آخر، موقفنا يختلف. تجاه الأشخاص من أمثال تروتسكي أو فى الصين كتشان تو – سياوو، تشانغ كوو-تاو و كاوكانغ ، لا مجال لمساعدتهم ، لأنّهم غير قابلين للإصلاح" (99)

( مرّة أخرى نلمس هنا الأسلوب اللامع للمجادل خوجا. فى الواقع يحقّق شيئين إثنين : أوّلا ، يملى على كلّ قارئ جدّي البحث عن الكتابات فى المصادر لأنّه من غير الممكن فهم ما يقوله ماو بقراءة "إستشهادات" خوجا فحسب؛ و ثانيا يكشف إنحطاط وجهة نظره بوعيه هو ذاته بأنّ نظرته لا يمكن أن تقف فى مواجهة فكر ماو تسى تونغ.)
فى منتهى البداهة إذن أنّ ماو لا يرتئى وحدة لامبدئيّة مع الذين لا يمكن إصلاحهم . ما يودّ قوله أساسا يضحى أكثر دلالة إن عالجنا الظرف الذى القى فيه هذا الخطاب فى موسكو سنة 1957 ، أثناء إجتماع ممثّلي أحزاب شيوعية و عمّالية. قاد ماو حينها صراعا معقّدا للغاية بغية الدفاع عن المبادئ الماركسية-اللينينية، صراعا كان يستوجب إتفاقيات تكتيكية مع خروتشوف من جهة و بذل جهود جبّارة لأجل إرساء أساس وحدة أكبر عدد ممكن من الستين حزبا الحاضرين لإقامة تحالف معها. و جليّ هو ما أراد ماو التعبير عنه رغم إستعماله للغة نوعا ما خاصّة.

و يندفع خوجا فى التهجّم على ماو لأنّه إقترح فى 1956 " إنتخاب قادة كتل يمينية و يسارية إلى اللجنة المركزية ..." (100) فيختار أن لا يذكر أسماء هؤلاء القادة خشية كشف نقطة ضعف أخرى لمحاججته ذلك أنّ هؤلاء القادة يعدّون من بينهم صديقنا القديم وانغ مينغ " البلشفي مئة بالمئة " وخطّه يلتقى مع خطّ أنور خوجا . و علاوة على ذلك ، سيجد خوجا صعوبة فى تفسير كيف أنّ لينين و ستالين كانا أحيانا موافقين على إنتخاب قادة إنتهازيين إلى اللجنة المركزية. أوّلا ، من الصحيح محاولة التوحّد مع الممثلين القدماء لأهمّ الخطوط الخاطئة ، ثانيا ، ليس من الممكن دائما و لا من الصحيح بالضرورة إزاحة القادة الإنتهازيين من مواقعهم فى أي وقت. فيمكن مثلا، أن لا يكون هؤلاء القادة قد كشفوا بعدُ ، أن يكونوا يتحكّمون بعدُ فى قاعدة إجتماعية ، و أنّه يمكن أن تتفجّر هذه القاعدة فى جزء كبير منها بخوض نضال خاص لفترة معيّنة من الزمن. تلك الطريقة ، فى اوجه عدّة ، هي التي طبّقها ستالين فى خضمّ الصراعات ضد اليمين و أيضا ضد " اليسار " خلال العشرينات و بداية الثلاثينات. إضافة إلى ذلك ، يمكن ألاّ يكون قائد ما تحريفي هو الممثّل الرئيسي للخطّ التحريفي فى فترة معيّنة و أنّ هجوما على أكثر من جبهة يمكن أن يفضى على الهزيمة. و طبعا كان من الضروري عادة طوال تاريخ الحركة الشيوعية العالمية ، النضال على عدّة جبهات فى نفس الوقت. لكن وُجدت أيضا حالات كثيرة مثل عصر ماركس و إنجلس ، حيث وُجد بوضوح صراع داخلي واحد كان على الثوريين أن يعتنوا به قبل أي شيئ آخر و حيث عدم التصرّف على تلك الشاكلة كان يمكن أن يفرز نتائجا جدّ خطيرة. إنّا لا نعلم جميع الأسباب التي من أجلها إرتأى ماو فى 1956 إنتخاب وانغ مينغ و لى لي سان إلى اللجنة المركزية إلاّ أنّه من الجلي أنّ مثل هذا الفعل لا يمثّل بالتأكيد ضربا من تجاوز مبادئ الماركسية و ليس أكثر أو أقلّ من إنتخاب تروتسكي و إعادة إنتخابه للجنة المركزية إلى حين سقوطه النهائي سنة 1927. أو هل يعتقد خوجا أنّ لينين و ستالين لم يفهما الطبيعة الحقيقية لتروتسكي؟

ولنتفحّص الآن فهم ماو لهذه المسألة كما ورد فى خطابه الملقى فى إجتماع تحضيري للمؤتمر الوطني الثامن للحزب الشيوعي الصيني. إنّه يدعو إلى وجوب إعادة إنتخاب لي لي سان ووانغ مينغ إلى اللجنة المركزية وهما طبعا ممثّلان شهيران لخطوط كانت لها تاريخيا تأثيرات خطيرة جدّا على الحزب. إلى ذلك ، ليس لدي ماو أوهام حول خطّهم الحالي لا سيما خطّ وانغ مينغ الذى سعى إلى أن يعيد النظر فى النقد الموجّه لأخطائه القديمة. وفى الواقع ، يؤكّد ماو على أنّ "المسألة ليست مسألة معرفة ما إذا كان وانغ مينغ و لى لى سان سيصحّحان ممارساتهما ام لا ، هذا ليس مهمّا ..." (101) لكن بالأحرى : " المسألة الجوهرية هي أنّ الأمر لا يتعلّق ببعض الأشخاص المعزولين، بل بأنّهم يمثّلون جزءا كبيرا إلى حدّ ما من البرجوازية الصغيرة. إنّ الصين بلد برجوازية صغيرة كثيفة العدد ، و الكثير من عناصرها متردّدة جدّا [ و يواصل متحدّثا عن مختلف قطاعات البرجوازية الصغيرة) ما يعنيه إذن التصويت لهذين الممثلين لخطّ وانغ مينغ و خطّ لى لى سان؟ هذا يعنى أنّنا نتعامل مع الناس الذين إرتكبوا أخطاء إيديولوجية بطريقة مغايرة نسبة للمعادين للثورة و الإنشقاقيين (مثل تشان تو- سيوو ، تشانغ كوو- تاو ، كاو كانغ و جاو شو- شا ) يطبّق مثل هؤلاء الناس المنهج الذاتي و السكتاري فى وضح النهار و بدعاية كبيرة و يبحثون عن إنتصار برنامجهم السياسي ... هكذا إذن ليست مشكلة لي لي سان مشكلة شخصين إثنين فحسب ، المهمّ هو أنّ لها جذورها الإجتماعية" (102)

و يسترسل ماو مشيرا إلى أنّ حضور هذين الشخصين فى اللجنة المركزية المنبثقة عن المؤتمر السابع ( المنتخبين فى 1945) لم يؤدّ إلى خسائر هامّة: " ... و مع ذلك لقد أحرزنا النصر فى الثورة ، و لم تتأخّر ثورتنا حتى لأشهر عدّة [ يقصد إنتصار 1949] بهذا الإنتخاب لوانغ مينغ و لى لى سان". (103)
و يؤكّد ماو أنّ :
" كلّ البلاد و حتّى العالم بأسره يعلم جيّدا أنهما أخطآ فى الخطّ و أنّ شهرتهما هي بالذات سبب إنتخابهما... فى بلادنا أين توجد البرجوازية الصغيرة بكثافة يمثّلان علامتين. إن إنتخبناهما سيقول العديد من الناس: يبدى الحزب الشيوعي مع ذلك صبرا تجاههما ، و يفضّل إبقاء كرسيين لهما على أمل أن يصلحا من أنفسهما. أن يصلحا من أنفسهما أم لا شأن آخر، وهو إلى ذلك قليل الأهمّية لا يعنى إلاّ سواهما. و المسألة هي أنّ البرجوازية الصغيرة ذات عدد كثيف فى مجتمعنا و الكثير من عناصرها متذبذبة فى صفوف المثقفين و يريد جميعهم رؤية ما سيحدث لهذه الحالات النموذجية. إذا لاحظوا أنّ هتين العلامتين لا تزال واقفة سيشعرون بالإطمئنان و الإستقرار و يفرحون لذلك. لكن إذا أطحتم بهتين العلامتين ، سينتابهم الفزع." ( 104)

ها أنّ ماو يفتح أبواب الحزب البروليتاري إلى الإنتهازيين المعروفين وبشكل مفتوح و مفضوح! لقد إستشهدنا مطوّلا بفهم ماو للمسألة ليس للتصدّى لطريقة خوجا فى تشويه كلماته و إستخدامها كما يحلو له فحسب بل أيضا لأنّه من الممكن للثوريين النزهاء أن يتساءلوا بهذا المضمار. لكن أين يكمن الخطأ فى فهم ماو؟ كيف يناقض المبادئ الماركسية- اللينينية و يذهب ضد تيّار الثورة ؟ بالمرّة لا يعارض ماوهذه المبادئ وهو يؤكّد أنّ وجود هذين الشخصين باللجنة المركزية لن يضرّ بالمصالح الثورية للبروليتاريا و إنّما سيعطى دفعا لتقدّم الثورة بالنظر إلى الظروف الخاصّة بالصين.

كانا شهيرين للغاية و مكشوفين تماما و ما كان بإستطاعتهما بالتالى التسبّب فى أي ضرر. هذا من جهة و من جهة أخرى ، لم يكونا ( فى تلك الفترة) معاديين للثورة أو إنشقاقيين بل قاما فى وضح النهار بأخطاء إيديولوجية و تحديدا التردّد الذى يميّز البرجوازية الصغيرة. لهذا كانا رمزان للبرجوازية الصغيرة فى الصين؛ من أجل نجاح الثورة الصينية كان عامة مطلق الضرورة أن تتوصّل البروليتاريا إلى التوحّد مع هذه البرجوازية الصغيرة ،أن تتصارع معها بشكل غير تناحري و أن تركّز قيادتها لهذه البرجوازية الصغيرة. ( كي ندرك بعمق هذه الضرورة يجب أن نتذكّر عموما مئات ملايين الفلاحين الصينيين الذين كانوا جزءا من البرجوازية الصغيرة ). و عليه لن يضرّ بالثورة إبقاء هذين الشخصين فى اللجنة المركزية ( و بالفعل يكون من الصعب تبيان أنّ حضورهما أحدث بالفعل ضررا ) و من ناحية أخرى ، كان يمكن للإطاحة بهما أن تلحق ضررا لأنّ حركة مثل هذه كانت ستتسبّب فى إضطراب و قلق ضمن القاعدة الإجتماعية فى الوقت الذى كان فيه الحزب الشيوعي يسعى للوحدة مع البرجوازية الصغيرة و كسبها إلى جانبه.

و رغم ذلك ، قد نتساءل دائما ، حتى و إن أراد الحزب الشيوعي الصيني كسب البرجوازية الصغيرة إلى جانبه على هذا الأساس ، لماذا كان يجب أن يوضع ممثّلو البرجوازية الصغيرة باللجنة المركزية للحزب؟ ألا يتعيّن على هذا التنظيم أن يكون فعلا حزب البروليتاريا و ألا يتحوّل بالفعل إلى "حزب مجموعة عناصر من طبقات مختلفة" ( إنها كلمات ستالين ذكرها خوجا ) ؟
ثمّة إجابات عدّة على هذه الأسئلة. بداية ، ينبغى أن نلاحظ أن خضور عناصر تلعب فعلا دور ممثّلين للبرجوازية الصغيرة داخل الحزب و حتى فى اللجنة المركزية لايجعل من الحزب مجموعة من العناصر من طبقات مختلفة ؛ يعنى أنّه بالضرورة من الطبيعة الجوهرية للحزب كممثّل للبروليتاريا و طليعتها يكرّس خطّا بروليتاريا. و كلّ مراقب غير منحاز ، يجب أن يقرّ بأنّ وجود وانغ مينغ و لى لى سان إثر كشف خطّهما و هزيمته لم يُغيّر من جوهر الحزب الشيوعي الصيني و لا من طبيعته و لا من خطّه.

ثانيا، ينبغى أن نأخذ بعين النظر الظروف الخاصة للثورة الصينية فمرحلتها الأولى كانت مرحلة الثورة الديمقراطية البرجوازية و بمعنى آخر ،قبل التمكّن من المرور إلى مرحلة الثورة الإشتراكية إضطرّت البروليتاريا و حزبها فى البداية إلى قيادة و خوض ثورة ديمقراطية برجوازية تستهدف الإمبريالية و الإقطاعية. ( و مثلما صرّح ماو ، الثورة الديمقراطية الجديدة هي ثورة ديمقراطية برجوازية لكنّها "...لا تنتسب إلى الثورة الديمقراطية البرجوازية العالمية بمفهومها القديم ،بل تنتسب إلى مفهوم جديد، و لا تعدّ جزءا من الثورة العالمية القديمة البرجوازية و الرأسمالية ، بل تعدّ جزءا من الثورة العالمية الجديدة، أي جزءا من الثورة العالمية الإشتراكية البروليتارية " بما يعنى أنّها " ثورة مناهضة للإمبريالية و الإقطاعية تنجزها الجماهير الشعبية بقيادة البروليتاريا"(105).

و ينجرّ عن ذلك أنّه من الحتمي أن يتحوّل بعض الناس الذين كانوا ثوريين فعلا فى تلك الحقبة ( معترفين حتّى بالشيوعية دون إستيعاب فعلي للماركسية- اللينينية) و كانوا بالفعل يمثّلون البرجوازية الصغيرة لا البروليتاريا ، إلى أعضاء فى الحزب القائد لهذه الثورة الديمقراطية البرجوازية من النوع الجديد. و كان ذلك ضروريا للثورة الصينية و نكران هذه الحقيقة إشارة إمّا إلى أنّنا نجهل الأحداث التاريخية و إمّا أنّنا نبحث عن الهروب من الواقع. بما أنّ الأمر يتعلّق بالضرورة أليس من الأفضل بكثير و أكثر ماركسية الإعتراف بهذه الأحداث و مواجهتها ( كما فعل ماو) من إدعاء أنّها غير موجودة للحديث فقط عن الوحدة الصمّاء النقيّة للحزب؟

ثالثا، حتّى فى غياب الظروف الخاصّة للصين إدّعاء أنّ الحزب الثوري يمكن أن يكون ذا نقاوة صمّاء حتى بعد إفتكاك السلطة ليس فى الواقع سوى نشر للأوهام. وقد أدرك لينين هذا بشكل جيّد :
" فى ظلّ سلطة السوفيات ، سيتسرّب إلى حزبكم و إلى حزبنا ، حزب البروليتاريا عدد أكبر حتّى من المثقّفين البرجوازيين. سيتسرّبون إلى السوفيات و إلى المحاكم و إلى الإدارات ، لأنّه لا يمكننا أن نبني الشيوعية إلاّ بالمادة البشرية التي خلقتها الرأسمالية ؛ لا توجد غيرها. لا يمكننا لا طرد و لا تحطيم المثقّفين البرجوازيين ، يجب أن نهزمهم، أن نحوّلهم ، أن نعيد صقلهم و أن نعيد تربيتهم، كما فى البقيةّ ،تتعيّن إعادة التربية عبر صراع طويل و مرير على أساس دكتاتورية البروليتاريا ، البروليتاريين ذاتهم ، الذين هم كذلك، لا يتخلّصون من أفكارهم المسبّقة البرجوازية الصغيرة فى لمح البصر، بمعجزة ، بأمر من القدّيسة العذراء ، بشعار، بقرار، بحكم بل فحسب عبر صراع جماهيري طويل و صعب ضد تأثيرات الجماهير البرجوازية الصغيرة " ( 106).

كيف؟ سيتسرّب مثقفون برجوازيون إلى الحزب البروليتاري ّ و لا يمكننا لا طردهم من الحزب و لا تحطيمهم؟ لكن ألا يجب التذكّر أنّ من يتكلّم هو الليبرالي الشهير لينين و ليس مثال نموذجي للنقاوة البروليتارية على غرار أنور خوجا؟
بالتأكيد ، يكون من الأفضل أن لا نضطرّ إلى إتفاقيات من هذا القبيل غير أنّ الثورات ، و مهما كانت أوهام خوجا المحلّق فى السحب، تنجز بالفعل عبر مثل هذه الإتفاقيات التكتيكية حتى داخل حزب البروليتاريا. فماذا يقول خوجا عن إنتخاب تروتسكي إلى اللجنة المركزية السادسة للحزب البلشفي فى شهر أوت 1917 ؟ ألم يكن لينين يعرف الطبيعة الحقيقية لتروتسكي؟ هل يمكن أن نقول إنّ تروتسكي كان "بروليتاريا نقيّا"؟ ألم يكن الأمر يتعلّق بالأحرى بأنّه كان يتعيّن القيام ببعض الإتفاقيات مع تروتسكي و الذهاب إلى حدّ جعله قائدا لأجل كسب قاعدته الإجتماعية التي كانت على الأرجح برجوازية صغيرة منها بروليتارية لا فحسب فى فهمها للعالم بل كذلك فى تركيبتها الطبقية. و أليس صحيحا أنّ أناسا كُثر وقع قبولهم أعضاء بالحزب فى ذات الوقت مع تروتسكي؟ ( طبعا كانت لتروتسكي قدرات فى المسائل التنظيمية كان البلاشفة يرغبون فى إستغلالها فى قيادة الثورة ؛ و من الأكيد أنّه قد قام كذلك بنقد ذاتي و كان رسميّا نقد أخطاءه السابقة – مثلما فعل وانغ مينغ و لى لى سان).

و فى الختام لنتفحّص هذا المقطع الهرطقي لماو وهو يناقش هذه المسألة: " هل يعنى إنتخابهما أنّه علينا أن نجازي من إقترفوا أخطاء؟ بما أنهما ينتخبان للجنة المركزية ، ستقولون إذن لنرتكب جميعنا أخطاء و مهما يكن من أمر، تتوفّر لنا فرص أن يقع إنتخابنا. هل يجرى الأمر على هذا النحو؟ لا أعتقد ذلك؟ لاحظوا أنّ السبعين و النيّف من أعضاء اللجنة المركزية لم يقوموا بأخطاء عن عمد ليعاد إنتخابهم!... كلّ البلاد و حتّى العالم بأسره يعلم جيّدا أنهما أخطآ فى الخطّ و أنّ شهرتهما هي بالذات سبب إنتخابهما. ماذا تريدون؟ هم أناس شهيرين بينما أنتم الذين لم تقترفوا أخطاء أو إرتكبتم أخطاء بسيطة لستم مثلهم شهرة ".

يستشهد خوجا بجزء من هذا النصّ و يعرب عن تعجّبه منه. يجد وعيه النقي فى ذلك فضيحة. لا نقدر أن نفعل له شيئا : يبدو أنّ " الثقافة الماركسية – اللينينية " ( هكذا) التي يتهم خوجا ماو بالتخلّى عنها تفتقر تماما إلى جانب الهزل.
وبإمكاننا محاججته هو ففى نهاية المطاف ، قطعت الثورة فى ألبانيا أوّلا مرحلة توصف رسميّا بأنّها "ثورة ديمقراطية مناهضة للإمبريالية" ركّزت " نظاما جديدا ، ديمقراطيا " فى ألبانيا. (107) ألا يمكن أن يكون بعض الأشخاص المقبولة عضويتهم فى الحزب غير مستوعبين كما يجب الماركسية-اللينينية و كانوا موضوعيّا ديمقراطيين برجوازيين أو ممثّلين للبرجوازية الصغيرة ؟ لسنا فى حاجة إلى الثقة فى الإفتراضات فدستور الجمهورية الديمقراطية الشعبية لألبانيا ( الذى تمّ تعويضه بدستور 1976) لا يُشير إلى الحزب إلاّ مرّة واحدة :

" المواطنون من الطبقة العاملة الأكثر نشاطا و الأكثر وعيا ينخرطون فى صفوف حزب العمل الألباني ، التنظيم الطليعي للطبقة العاملة و لكافة الجماهير الكادحة ، لغاية بناء أسس الإشتراكية و النواة القيادية لكافة تنظيمات الجماهير الكادحة الإجتماعية و التابعة للدولة ".(108).

هل كان ذلك يعنى أنّ حزب العمل الألباني لم يكن "حزب البروليتاريا فحسب " ؟ هذه النقطة وقع تفسيرها بصورة مفصّلة أكثر فى النصّ الرسمي ل " تاريخ حزب العمل الألباني" . مناقشا المؤتمر الأوّل للحزب الشيوعي الألباني سنة 1948 ، يؤكّد النصّ :
" قرّر المؤتمر تغيير إسم الحزب الشيوعي الألباني بحزب العمل الألباني. و يتعلّق هذا التغيير بالتركيبة الإجتماعية لسكّان البلاد و بتركيبة الحزب و لا تمسّ فى شيئ لا طابعه و لا أهدافه. كان الفلاحون فى ألبانيا يمثلون الأغلبية أي حوالي 80 % من السكّان. و كان هذا ينعكس كذلك داخل الحزب الذى كان أكثر أعضائه من العاملين فى الريف" (109)
على الأقلّ فى ظلّ قيادة ماو لم يغيّر الشيوعيون إسم حزبهم ليسمّوه "حزب العمّال و الفلاحين الصينيين" أو "حزب العمّال الصينيين " !

و بداهة لا يعنى هذا أنّ غالبية عناصر حزب شيوعي ماركسي- لينيني لا يمكن أن تكون من الفلاحين أو من شرلئح أخرى برجوازية صغيرة. فالأمر يتعلّق هنا بأنّ خوجا يكاد يصرّح بأنّ طبيعة الحزب يجب أن ترتبط ب" تركيبته الإجتماعية" ( ما يعنى أنّ حزبا فى بلد زراعي كبير و أعضاؤه غالبيتهم من الفلاحين ، يجب أن يكون حزب عمّال و فلاّحين لا حزبا بروليتاريا )، و أبدا لم يقم حزب العمل الألباني بنقد ذاتي بهذا الصدد و يواصل إلى يومنا هذا حمل إسم " حزب العمل ". أن يتصرّف خوجا على هذا النحو و أن يستشيط غضبا لأنّ ماو يعالج مسألة العناصر البرجوازية الصغيرة فى الحزب الشيوعي فى السلطة ، مثال واضح للعيان على نفاقه و فقدانه الساطع للمبادئ و المنهج الماركسيين كميزة لنقاشاته و مماحكاته.

و لعلّ الأسخف فى كامل نقد خوجا لماو و الحزب الشيوعي الصيني هو من جهة الطريقة التي يكشف لنا بها نظرته البيروقراطية و الميتافيزيقية فيما يتصل بالصراعات الداخلية صلب الحزب و من جهة أخرى نداءاته المنافقة لأشكال الديمقراطية الحزبية . فهو يعرب عن أن القادة الصينيين يتحرّكون ب" خبث " و "لم ينشروا عددا من الوثائق الضرورية لمعرفة نشاط حزبهم و دولتهم. حالوا و لا يزالون دوما دون نشر وثائقهم" (110)

( فى المقطع ذاته ، يقوم خوجا بملاحظة جدّ غريبة عن المختارات الأربعة لماو يعنى أنّها "مصاغة بطريقة محبوكة إلى حدّ أنّها لا تعطى صورة حقيقية عن الأوضاع مثلما تطوّرت فعلا فى الصين. " إلاّ أنّه لا يتجرّأ على تقديم أدنى شهادة لإثبات هذا الإتهام . لا يريد خوجا أن يتوسّع فى هذا الموضوع لأنّ هذا الإتهام منبعه الصحافة السوفياتية. أنظروا مثلا ، " النظرة الفلسفية لماو تسى تونغ" (111) حيث نجد كثيرا من كذب خوجا ضدّ ماو كإدّعاء أنّ ماو كان "عنصريّا" إلخ. و كذلك يحدث خوجا ضوضاء حول أنّ " المؤتمر كجهاز جماعي أعلى للحزب لم ينعقد بصفة منتظمة ". هنا يولى خوجا أهمّية أكبر لشكل الشيئ منه لمضمونه ،و يشبه البرلماني البرجوازي أكثر من الشيوعي. ( و بما أنّ خوجا المتشدّد مدافع إلى أبعد حدّ عن أن تقام المؤتمرات بصفة منتظمة ، يمكننا أن نسأله لماذا لم ينعقد المؤتمر الأوّل للحزب الشيوعي الألباني قبل 1948، بعد سبع سنوات من تأسيسه و أزيد من ثلاث سنوات من تحرير البلاد).

فى تاريخ الدول الإشتراكية إن حصل أبدا أن بذل حزب ما بوسعه لأجل أن يفهم خطّه بشكل عميق ، لمعرفة تطوّر هذا الخطّ فى تناقض مع خطوط خاطئة و الطريقة التي ظهرت بها فى جميع ميادين النشاط الثوري فهو الحزب الشيوعي الصيني . ( وهكذا كان الأمر فى الإتحاد السوفياتي خلال السنوات الأولى من الإشتراكية. لكن منذ أواسط الثلاثينات تزايدت صعوبة التوصّل لفهم عام لصراع الخطّين فى الإتحاد السوفياتي من خلال الوثائق المطبوعة.)

للتوصّل إلى رؤية صحيحة عن الخطّين فى ألبانيا و بالخصوص عن كيفية الصراع الذى دار بين قادة الحزب الشيوعي الألباني و مختلف الفرق المعارضة التي تشكّلت و التي هُزمت داخل الحزب. تقريبا دون إستثناء لا تتحدّث وثائقهم إلاّ عن هذا أو ذاك من " العملاء للخارج " و عن هذا أو ذاك من " المرتدّين" إلخ، الذى سعى لتخريب الحزب. لكن بإستثناء بعض الملاحظات المقتضبة جدّا و العمومية ، لم يُكشف لنا المضمون السياسي لمختلف الخطوط المعارضة. و لو أراد خوجا أن يقول إنّه لم توجد خطوط تحريفية فى حزب العمل الألباني سنحييه مرّة أخرى : لا نعتقد ذلك و لا أحد يعتقد فعلا ذلك و لا حتّى المتزلّفين ذاتهم.

لقد عالجنا بعمق نقد خوجا لخطّ ماو حول طبيعة الحزب لأنّ الأوركسترا التي يقودها خوجا تعتبر كتاباته كما لو أنّها عالميّة التطبيق وفى الواقع هي عالميّا خاطئة. أطروحته عن " الحزب ذى الوحدة الصمّاء " لم تعد صحيحة بالنسبة للأحزاب و لكن كذلك يجب أن نضيف أنّه إذا كان تطبيق هذه الصيغ و هذا الفهم الميكانيكي الذى يرتئيه خوجا هو خطأ بالنسبة لحزب لم يتوصّل بعدُ إلى السلطة، سيكون وصفة كارثية لحزب يقود دولة إشتراكية.

و يعزى هذا إلى أنّ طبيعة الصراع الطبقي تتحوّل نوعيّا بعد إنتصار الثورة الإشتراكية و بالخصوص بعد تحقيق التحويل الجوهري للبنية الإقتصادية. فى ظلّ الرأسمالية ، يكون الصراع الطبقي صلب الحزب ، بكلمات خوجا، " إنعكاسا للصراع الطبقي الذى يخاض خارجه..." ( 112) لكنّ خوجا لا يميّز بين الصراع فى ظلّ الرأسمالية و الصراع فى ظلّ الإشتراكية. يقول : " الحزب ليس حلبة طبقية حيث يخاض صراع بين الطبقات المتناحرة..." (113) حقّا؟ و كيف يفسّر خوجا عندئذ الإنقلاب الذى نظّمه خروتشوف؟ كيف يفسّر السنتين من الصراع المريم داخل الأجهزة العليا للحزب السوفياتي بعد وفاة ستالين؟ أليس صراعا بين طبقات متناحرة و ألم تتمّ داخل الحزب الشيوعي ذاته؟ و ماذا نقول عن صراع ستالين ضد تروتسكي ، و بوخارين و آخرين خلال العشرينات وهي صراعات دامت سنوات؟

فى الواقع رغم أنّه لا يريد الإعتراف بذلك، يشبه تحليل خوجا لهذا الموضوع كثيرا تحليل هواو كوفينغ و دنك سياو بينغ.إثر إستيلائهم على السلطة نظّم هواو وجماعته هجوما شاملا نظريا ضد تعليمات ماو حول أنّ البرجوازية " توجد داخل الحزب الشيوعي". وإنطلاقا من فهم يشبه تماما فهم خوجا ، أراد هواو أن يجعل الناس تعتقد أنّ صراع الطبقات داخل الحزب ليس إلاّ إنعكاسا لصراع الطبقات فى المجتمع ككلّ. مع ترديده بعض المقولات الشهيرة لماو بهذا الصدد ، كان يتهم "مجموعة الأربعة " ( التي كانت مثلما يعلم الجميع بقيادة ماو ) بأنّها هي التي نشرت فكرة أن البرجوازية كطبقة توجد داخل الحزب. حسب فهم هواو و خوجا و إذا كان هذا صحيحا، لن يستطيع الحزب أن يكون حزب البروليتاريا. ( 114) كانت دوافع هواو كوفينغ و دنك سياو بينغ جليّة. أرادا تحويل نظر الرأي العام بغاية الحفاظ على القادة الرئيسيين للبرجوازية فى عمومها، داخل و خارج الحزب، يعنى الحفاظ فى المسؤولين السائرين مثلهما على الطريق الرأسمالي.

من المفيد الإستشهاد بالحزب الشيوعي الصيني فى هذا المضمار ، حين كان بعدُ يقوده الخطّ الثوري لماو و حين بلغ الصراع مع المسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي لحظة حرجة: " طوال كامل الفترة التاريخية للإشتراكية، التناقض الرئيسي هو التناقض بين البروليتاريا و البرجوازية. و لماّ يتغيّر ميزان القوى يحتدّ بينهما الصراع الطبقي داخل الحزب " (115).
فى المقال المستشهد به أعلاه ، و مثلما فى عديد المقالات الأخري، يقدّم الثوريون فى الحزب الشيوعي الصيني تحليلا ماديّا لتناقضات الإشتراكية و بالخصوص ، التناقض الرئيسي بين البروليتاريا و البرجوازية؛ و خوجا ينفى هذا التناقض ليدّعي العكس أنّ الإشتراكية " تعنى القضاء على الطبقات المتناحرة و إضطهاد و إستغلال الإنسان للإنسان"( 116) ( و كلّ هذا ، ظاهريّا لأنّ الدستور الألباني الجديد قنّن ذلك)!

يشير المقال الصيني إلى أنّ :
" خطهم التحريفي هو عصارة مصالح البرجوازية ، القديمة و كذلك الجديدة و مصالح كل الطبقات المستغِلة الأخرى ، خطهم هذا هو الذى يحدد الطبيعة البرجوازية للمسؤولين فى الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي ...لئن اعتبرنا المسؤولين فى الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي برجوازيين فذلك لأنهم يمثلون من زاوية الاقتصاد ، علاقات الانتاج الرأسمالية . طوال المرحلة الاشتراكية تسعى البروليتاريا من جهتها باستمرار الى تغييرالبنية الفوقية و علاقات الانتاج التى لا تتماشى مع القاعدة الاقتصادية و لا مع قوى الانتاج الاشتراكية و تسعى الى دفع الثورة الاشتراكية الى النهاية . بينما يجهد هؤلاء المسؤولين فى الحزب انفسهم للابقاء على البنية الفوقية و على علاقات الانتاج التى تعرقل تطور القاعدة الاقتصادية و تطور قوى الانتاج الاشتراكية و يعملون كذلك على اعادة تركيز الرأسمالية... " ( 117)

و مقال آخر نُشر تقريبا فى نفس الفترة ( إبّان حملة – نقد دنك و الردّ على الإنحراف اليميني- فى سنة 1976) عالج المسألة بشكل أعمق :
" خطهم التحريفي هو عصارة مصالح البرجوازية ، القديمة و كذلك الجديدة و مصالح كل الطبقات المستغِلة الأخرى ، خطهم هذا هو الذى يحدد الطبيعة البرجوازية للمسؤولين فى الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي ...لئن اعتبرنا المسؤولين فى الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي برجوازيين فذلك لأنهم يمثلون من زاوية الاقتصاد ، علاقات الانتاج الرأسمالية . طوال المرحلة الاشتراكية تسعى البروليتاريا من جهتها باستمرار الى تغييرالبنية الفوقية و علاقات الانتاج التى لا تتماشى مع القاعدة الاقتصادية و لا مع قوى الانتاج الاشتراكية و تسعى الى دفع الثورة الاشتراكية الى النهاية . بينما يجهد هؤلاء المسؤولين فى الحزب انفسهم للابقاء على البنية الفوقية و على علاقات الانتاج التى تعرقل تطور القاعدة الاقتصادية و تطور قوى الانتاج الاشتراكية و يعملون كذلك على اعادة تركيز الرأسمالية... "

هذا بعض ما ورد فى مقال نشر ب" أنباء بيكين" عدد25 سنة 1976 من قبل فانغ كانغ تحت عنوان "المسؤولون السائرون فى الطريق الرأسمالي برجوازية فى صفوف الحزب "
و فى السنة نفسها و ضمن" حملة نقد دنك و الرد على الانحراف اليميني " كتب مقال آخر نشر بمجلة "دراسة و نقد " بشنغاي اليكم فقرات منه :
" حين تكون قيادة قسم أو وحدة تحت سيطرة المسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي الذين يدفعون بقوة الخط التحريفي فإن الانتاج الاشتراكي يصبح حركة لمضاعفة قيمة رأس المال لغاية وحيدة هي تحقيق الربح الأقصى : بصيغة أخرى نظاما رأسماليا للعمل المأجور . إن نظام الملكية الاشتراكية المعتمد هكذا "مظهرا فقط" يغدو فعليا نظام ملكية رأسمالية تحت قيادة المسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي و بالفعل فإن البروليتاريا و الشعب العامل سيخسرون هذا الجزء من وسائل الانتاج.

لو أخذنا بعين الاعتبار العلاقات المتبادلة بين أناس يعيشون فى ظل نظام اشتراكي ، نظام غير مرتكز على استغلال الانسان للانسان ، نعلم أن العلاقات بين الكوادر و الجماهير و بين الدرجات السفلى لصفوف الثوريين يجب أن تكون علاقات مساواة رفاقية . و مع ذلك ، فإن الاختلافات الأساسية [بين العمال و الفلاحين ، و المدينة والريف، و العمل اليدوى و العمل الفكرى] لا تزال موجودة بعد كما لا تزال موجودة الممارسة القديمة لتقسيم العمل و نظام الأجور المتدرجة ، بالتالي الحق البرجوازي موجود دائما الى درجة هامة جدا . حتى هذه الحقوق البرجوازية فى العلاقات المتبادلة بين الناس مثل التدرج الصارم [ للأجور] علاقات ينبغى القضاءعليها من الآن. و فرض المرء ارادته على الجماهير و بعده عنها و المعاملة غير المتساوية للبعض تعيد الظهور بعد القضاء عليها .

لواغتصب المسؤولون السائرون فى الطريق الرأسمالي ادارة بعض الأقسام فإنهم سيسعون الى تعزيز الحقوق البرجوازية فى العلاقات بين الناس والى توسيعها واضعين العمال تحت "مراقبة و تحقيق و اضطهاد" ، محولين العلاقات الاشتراكية بين الناس الى علاقات قرصنة رأسمالية و فارضين الدكتاتورية البرجوازية . هذا الوضع بيّن جدا فى الاتحاد السوفياتي اليوم". (118)

و يسترسل المقال :
" ظهور المسؤولين فى الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي خلال المرحلة الاشتراكية ليس أمرا غريبا بالمرة . كل شيئ ينقسم الى شطرين [ ازدواج الواحد ] .الحزب السياسي للبروليتاريا ليس بالاستثناء بهذا الصدد. طالما وجدت طبقات و تناقضات طبقية و صراع طبقي فإن مثل هذه الصراعات ستنعكس حتما فى صفوف الحزب . " إن المسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي لم يكفوا عن اتباع هذا الطريق [ ماو ] سيبقى هذا ظاهرة تاريخية طويلة الأمد. و الماركسية تختلف عن التحريفية بكون هذه الأخيرة تخاف من الاعتراف بوجود صراع طبقي فى المجتمع الاشتراكي و بالخصوص ظهور البرجوازية داخل الحزب .خروتشوف و بريجناف و أمثالهم حاولوا أن يخدعوا أنفسهم و يخدعوا الآخرين بسفسطات مثل " حزب الشعب بأسره " و " دولة الشعب بأسره " . و دنك سياو بينغ يخاف من سماع الحديث عن القذارة فوق رأسه. لأن الاعتراف بهذا الأمر بالنسبة لهم يعنى الاعتراف بأن البرجوازية فى الحزب هي هم أنفسهم و يعنى بالتالي سحقهم . هذا شاق عليهم و فى الآن نفسه لا يمكن تصوره. إن الحزب البروليتاري الثوري و الماركسيين يتجرؤون أيضا على خوض الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و يتجرؤون على دعوة الجماهير لتعبر عن آرائها و لتلصق معلقات ذات حروف كبيرة و لتعقد نقاشات جماهيرية واسعة فى النضال الصارم ضد المسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي . ذلك أنه على هذا النحو فقط يمكننا تعزيز دكتاتورية البروليتاريا و الحيلولة دون اعادة تركيز الرأسمالية لأجل البعث النهائي للبرجوازية نحو حتفها الجميل و تحقيق الشيوعية. إن الثورة الاشتراكية ثورة عظيمة تهدف الى دفن آخر طبقة مستغِلة منذ بداية وجود الانسان . " فى مثل هذه المرحلة ، علينا أن نكون على استعداد لخوض صراعات عظيمة فى جوانب عدة ستختلف فيها أشكال الصراع عن تلك التى استعملت فى الماضى" [ ماو] . يتعين علينا اذا أن نطبق طريقة التحليل الطبقي للفهم الكامل لخصوصيات الصراع الطبقي و التغيرات فى العلاقات بين الطبقات بغية توضيح هذه المسألة الهامة ألا وهي مسألة البرجوازية فى الحزب و مواصلة ممارسة دكتاتورية البروليتاريا الشاملة على البرجوازية و الاستمرار هكذا فى الثورة الاشتراكية الى النهاية." ( 119)

تعرض الإستشهادات أعلاه بشكل واضح و مقتضب خطّ ماو تسى تونغ حول طبيعة صراع الطبقات فى ظلّ الإشتراكية. هذاهو بالذات الخطّ الذى إنهزم فى الصين الراهنة و الذى يهاجمه الآن خوجا.و طبعا، هو أيضا الخطّ الذى كان على الدوام عرضة للهجمات المسعورة للتحريفيين السوفيات. خطوط السوفيات و الألبانيين و هواو كوفينغ تتفق فى هجومها على المساهمات الكبرى لماو تسى تونغ فى هذا المجال؛ وهي تتّفق أيضا فى عديد الميزات و قبل كلّ شي تنكّرها للجدليّة. لا يتوصّل لا هؤلاء و لا أولئك إلى إجراء تحليل للإشتراكية ( أو ما يسمّونه " إشتراكية ") إنطلاقا من التناقضات الداخليةّ؛ و كذلك يرفضون – بصورة مفتوحة فى حال ألبانيا و السوفيات ، و بصورة أقلّ ،لكن جوهريا فى حال قادة الصين الحاليين - الإعتراف بأنّ طبقات متناحرة توجد طوال كافة المرحلة الإنتقالية الإشتراكية.

ولنلقى بعض الضوء على تفكير خوجا الذى يرى أنّه لا وجود لطبقات متناحرة فى ظلّ الإشتراكية ، بكلمات أخرى، أنّ البرجوازية ،كطبقة قد وقع القضاء عليها و لم تبق إلاّ "بقايا" ، مع التأثير الإيديولوجي للبرجوازية إلخ. كان ستالين الأوّل فى تقديم هذه الأطروحة بإعلانه أنّ البرجوازية كطبقة قد قضي عليها فى الإتحاد السوفياتي حين تحقيق التحويل الإشتراكي لنظام الملكية . و تمثّل هذه الصيغة بصيغة مركّزة اخطاء ستالين.و تبيّن القاعدة الإيديولوجية ، أي المنحى الميتافيزيقي الذى شوّه تفكيره. لكن الوارثين الأصليين لستالين ، الماركسيين - اللينينيين فى الإتحاد السوفياتي و البروليتاريا الثورية فى العالم بأسره إستخلصوا من ذلك درسا مرّا و تراجيديّا. ما إنفكّت البرجوازية موجودة فقط بل توصّلت إلى إعادة تركيز ذاتها ، إلى إفتكاك سلطة الدولة و أعادت تركيز الرأسمالية. و إزاء محاولة خوجا الذى يسعى لإحياء خطّ بيّن التاريخ خطله ، لا يمكننا سوى قول : ما يعدّ تراجيديا فى المرّة الأولى يصبح كوميديا فى المرّة الثانية.

لسوء الحظّ ، ليس هناك ما يبعث على الضحك فى هذه الكوميديا . تحت تأثير صدمة تكبّد البروليتاريا العالمية من جديد خسارة فادحة أخرى ( الهزيمة المؤقتة للثورة فى الصين ) ، فَقَدَ العديد من الماركسيين – اللينينيين و أناس آخرون مهتمّين بالثورة البوصلة. و يقدّم لهم خوجا مشروعا ميتافيزيقيا ومثاليّا ،و مملكة هلاميّة حيث لم توجد أبدا حسب إدعائه إشتراكية فى الصين لأنّ ماو "سمح" للبرجوازية بالوجود؛ و بالطبع الهزيمة فى الصين ليست فعلا هزيمة! ثمّة إذا تفاؤل فى هذا العالم الخيالي : إن توصّل الماركسيون- اللينينيون إلى المسك بالسلطة ، سيمكنهم الإنتصار فى المعركة؛ هكذا لن تتعرّض البروليتاريا فى تقدّمها بمثابرة و " بلا هوادة " إلى فوضى أو صراع بلا إنقطاع فيه تراجعات و ستتوصّل ببساطة إلى مملكة التوازن و الإستقرار الأبديين . سيّدى القدّيس خوجا ، نظرتكم للعالم لا تقف على رجليها! لم تعد الطبقة العاملة و الشعب يحتملان الخرافات الخيالية و لا يهتمّون أيضا بمن يدّعون الشيوعية. لا يبحث العمّال عن الضمانات ؛ يفهمون بسرعة أنّ فقط المعتوهين و الإنتهازيين يتجرؤون على تقديم إنتصار دون خطر الهزيمة. فى الواقع ،يريد العمّال المتسلّحون بوعي طبقي عِلمَا ، و تفسيرا للقوانين التي تحكم المجتمع، تفسيرا يخوّل لهم تغيير العالم تبعا لهذه القوانين الموضوعية.

و للحظة لنعود لمسألة الإتحاد السوفياتي فى السنوات السابقة لقطع خروتشاف "السير قدما دون تقطّع". إن لم توجد طبقات متناحرة ، إن لم توجد برجوازية ،فمن أين ظهر خروتشاف و أتباعه العديدين؟ هل كانوا أبناء ملاّك إقطاعيين أم رأسماليين قدامى أم ربّما "أعوان للخارج" للبلدان الإمبريالية تسرّبوا إلى الإتحاد السوفياتي ؟ لكن لا : خروتشاف و جماعته ترعرعوا فى ظلّ العلم الأحمر و إحتلّوا مواقعا مرموقة فى الحزب الشيوعي ؛ و كانوا يستطيعون حفظ حتى أكثر إستشهادات من خوجا بشأن "صفاء" الماركسية - اللينينية.

لكن كانوا يمثّلون البرجوازية . لم تكن برجوازية مكتملة التطوّر لأنّه يجب المسك بسلطة الدولة للتوصّل إلى ذلك ، و مع ذلك كانت برجوازية. ( و من المستحيل أن توجد البرجوازية فى ظلّ الإشتراكية بالذات بالشكل نفسه لوجودها فى ظلّ الرأسمالية، تتخذ كلمة بروليتاريا كذلك معنى جديدا. فالبروليتاريا فى ظلّ الإشتراكية لم تعد " طبقة دون أيّة ملكيّة " مثلما فى زمن الرأسمالية و كذلك ، لم تعد تحت هيمنة رأس المال. لكن الإدعاء أنّ الشيوعيين لا يجب أن يتحدّثوا عن البروليتاريا فى مرحلة الإشتراكية يكون عبثيّا بصفة كلّية فضلا عن كونه تحريفيا. وفى الواقع ، تواصل البرجوازية و البروليتاريا وجودهما عقب الثورة الإشتراكية لكنهما تتخذان مميّزات مغايرة نسبة لتلك فى ظلّ الرأسمالية. و يمكننا بسهولة رؤية كيف أنّ الطريقة الدغمائية ( التطبيق الصارم للمفاهيم "الماركسية" لتحليل وضع حيث لا تنطبق هذه المفاهيم بصفة صارمة تنسجم بصفة جميلة مع الإستنتاج التحريفي: إنتفاء الطبقات المتناحرة. ) فقد ظهروا متغذّين من بقاياعلاقات الإنتاج و التوزيع الرأسمالية البالية التي تظلّ موجودة والتى لم يكن بوسعها إلاّ أن توجد لا لأنّ ستالين " كان يسمح " بها ( رغم أنّه لم يعترف بها كعلاقات رأسمالية إلاّ فى آخر حياته ،و هنا أيضا بطريقة جزئية) لكن لأنّ كلّ " الدوافع الإقتصادية و السياسية و الإيديولوجية " للمجتمع الرأسمالي لا يمكن القضاء عليها لا بضربة واحدة و لا بأمنية بسيطة , ليس بإمكاننا سوى أن نقتلعها شيئا فشيئا ، معا مع تثوير علاقات الإنتاج و البنية الفوقية ، فاسحين المجال ، إنطلاقا من ذلك، لتقدّم و تطوّر قوى الإنتاج.

تغذّى تحريفيو الإتحاد السوفياتي ، شأنهم شأن أمثالهم فى الصين، من بقايا العلاقات الرأسمالية البالية.و أصبحوا هكذا التعبيرة السياسية بالذات لهذه البقايا ، مصارعين للحفاظ على العناصر الرأسمالية و إزدهارها. و حتى حين كانت البروليتاريا على رأس الحزب و الدولة و كان التحريفيون هدفا للهجمات السياسية ، توصّل الذين كانوا يتبعون الطريق الرأسمالي داخل الحزب إلى الإستيلاء على قيادة بعض الوزارات و الوحدات و المصانع إلخ و كذلك بعض المراكز المفاتيح فى الحزب عينه ،ومؤسسات ثقافية و التعليم و العلوم و هكذا دواليك فى المجتمع كافة. وهو واقع لا يمكن نفيه.
ماذا يتصوّر خوجا عن طبيعة العلاقات فى قطاعات من الحياة الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية المهيمن عليها من قبل التحريفيين قبل تمكّنهم من المسك بسلطة الدولة على المستوى القومي؟ هل يعتقد بالفعل أنّ فى المصانع المسيّرة من طرف عصابة خروتشاف لم يوجد أي عنصر إستغلال ، أي تملّك خاص من قبل هؤلاء البيروقراطيين ، لثمار اليد العاملة الجماعية للعمّال؟ هل يعتقد فعلا أنّ تلك المصانع ، مثلا، كانت من الأملاك العامة للشعب ، شكلا و مضمونا ؟ أليس بالأحرى صحيحا أنّ التحريفيين قاموا بكلّ ما فى وسعهم لتمرير، حيث كان ممكنا ، سياسات لم يكن لها أن تطبّق على المستوى القومي إلاّ فى ما بعد ، بفضل إنقلابهم؟

لا ، التحريفيون ليسوا مجرّد بيروقراطيين لا ينتمون إلى طبقة ، لهم بعض الأفكار الخاطئة بل إنّهم كما كانوا على الدوام ، عناصر رأسمالية تمتصّ دم العمّال. و على المستوى السياسي حاولوا فرض دكتاتورية البرجوازية فى كافة القطاعات التي هيمنوا عليها. وقد إستعملوا قلاعهم فى ميادين الثقافة و التعليم و العلم لنشر الإيديولوجيا البرجوازية و الصراع ضد الماركسية - اللينينية لإعداد الرأي العام للطريق الذى قرّروا إتباعه. فى صفوف الحزب ، وهو حلبة يجد فيها الصراع الطبقي أعلى نقاطه و شكله الأكثر تركيزا ، شجّعوا التحريفية ، مطالبين بتطبيق خطوط و سياسات تخدم مصالحهم هم ( أن يصبحوا مستغِلين ) و مصارعين للقضاء على الخطّ الماركسي - اللينيني.

و يتجلّى هذا بسيطا للغاية بالنظر للواقع التاريخي لإنتصار التحريفية فى الإتحاد السوفياتي ، بيد أنّ الأمر ليس كذلك بالنسبة لخوجا. فحسب وجهة نظره الميتافيزيقية و المثالية لا يظهر التناقض بين البروليتاريا و البرجوازية إلاّ بعد إفتكاك السلطة من طرف التحريفيين. مرّة أخرى نجد هنا فلسفة مدرسة ديبورين الباعثة على التقيّئ : لا يمكن للتناقض بين البروليتاريا و البرجوازية ، التناحر بين البروليتاريا و البرجوازية أن يظهر إلاّ فى فترة معيّنة، مبرزا فى يوم ما رأس زوس مكتمل التكوين ! و هذا قد يحصل فى بلد حيث " لم يسمح " الثوريون فيه بوجود البرجوازية ،و الطبقات المتناحرة أو الخطوط الخاطئة داخل الحزب !

لا يتوصّل خوجا لفهم وجود البرجوازية فى ظلّ الإشتراكية لأنّه لا يعرف معالجة الظواهر أبعد من السطحية للمسك بالتناقضات الجوهرية. لا يفهم فحوى الرأسمالية ( أن اليد العاملة الميتة تهيمن على اليد العاملة الحيّة،ووجود تملّك خاص للإنتاج الإجتماعي للطبقة العاملة)، و لا يرى بالعكس سوى بعض الناس يعيشون فى منازل فاخرة و لا يساهمون أبدا فى العمل اليدوي إلخ. لهذا ليس بوسعه إدراك أنّ البرجوازية يمكن أن توجد إن " سُمح " لها بذلك أم لم يسمح، داخل الحزب ذاته و المجتمع الإشتراكي.

دور الحزب ذاته فى ظلّ الإشتراكية هو أيضا مليئ بالتناقضات . فمن جهة ، يمثّل الحزب القيادة السياسية للطبقة العاملة و يقودها للقيام بالثورة و مهاجمة كافة بقايا المجتمع القديم، ما يمثّل مظهره الرئيسي. لكن الحزب فى ظلّ الإشتراكية ، من جهة أخرى ، موضوعيّا ، جهاز إداري . فغالبية قياديي الوحدات الخاّصة هم أعضاء بالحزب و تخطيط الدولة يُصاغ تحت قيادة الحزب إلخ. و كذلك يتعيّن على الحزب ، أداة دكتاتورية البروليتاريا ، أن يمارس قيادته فى جميع ميادين المجتمع. وفى الوقت نفسه ، يكون هو ذاته فى تناقض مع الهدف النهائي للصراع: يعنى القضاء على كلّ الإختلافات الطبقية و كلّ ضرورة أن توجد دولة أو حزب ما يجتهد للقضاء على أيّة لامساواة و لكن يجد نفسه مع ذلك مضطرّا للحفاظ ،و حتى الإبقاء على ، بعض بقايا اللامساواة فى شكل إختلافات فى الأجور و إختلافات بين العمل اليدوي و العمل الفكري إلخ. و لكون الحزب لا يستطيع أن يمحيها بإرادته فحسب ، ثمّة إمكانية أن يتحوّل الحزب الماركسي - اللينيني إلى نقيضه بالضبط بفعل كافة هذه التناقضات فى دوره فى ظلّ الإشتراكية.

إعلان ماو الهام ( " إنكم تقومون بالثورة الاشتراكية و بعد لا تعرفون أين توجد البرجوازية . إنها بالضبط داخل الحزب الشيوعي – أولئك فى السلطة السائرين فى الطريق الرأسمالي " ) يمكن أن ينطبق على أنور خوجا حيث يريد هذا الأخير أن يدفع بالعمّال نحو متابعة لا فائدة منها للمستغِلّين القدامى ،أي أولئك الذين وقع نزع ملكيتهم منذ زمن طويل ، بينما الهدف الرئيسي للصراع الطبقي متخندق صلب الحزب ذاته. عوض قيادة الماركسيين - اللينينيين للإجتهاد من أجل فضح و النضال حالات فى المجتمع الإشتراكي حيث تستعمل الملكية العامّة ، و كذلك قيادة الحزب قناعا ظاهريّا لمحاولات القادة و القبعات الكبرى أن يطبّقوا خطّا تحريفيا و لجعل العمّال عبيدا أجراء من جديد ، يرغب خوجا بالأحرى ان يبذل الماركسيّون – اللينينيون جهودهم فى إماطة اللثام عن المستغِلّين الحقيرين، أمثال أولئك الذين يستعملّون بصفة غير قانونية اليد العاملة و هكذا دواليك. وعوض توجيه النضال السياسي ضد البرجوازية داخل الحزب ، كما فعل ذلك ماو ، يريد خوجا توجيهه ضد أناس مثل أرملة سان يات سان و ديمقراطيين برجوازيين قدماء آخرين، فقط لأنّهم يمسكون بعدُ بمواقع رسمية فى بعض أجهزة الدولة، أجهزة لم تجتمع حتّى منذ سنوات و لم تعد لها أيّة سلطة حقيقية. و من الطبيعي أن يكون هؤلاء الممثّلين الثانويين للرأسمالية و الدولة البرجوازية قد لعبوا دورا معيّنا فى الإنقلاب فى الصين مثلما فعل ذلك أمثالهم من العناصر فى الإتحاد السوفياتي ، لكنّهم لم يكونوا ، و ليس بوسعهم أن يكونوا ، القاعدة الرئيسية للبرجوازية . بالفعل ، لا يمثّلون قوّة ذات بال إلاّ إنطلاقا من اللحظة التي توجّههم فيها و تقودهم البرجوازية فى صفوف الحزب.

ثمّ إنّه يصبح، فى مرحلة معيّنة من تطوّر الثورة الإشتراكية، مستحيلا عمليّا على البرجوازية القديمة ( يعنى عناصر الطبقات الإستغلالية القديمة )، التوصّل إلى السلطة: قبل كلّ شيئ آخر ، إفتكّت منهم وسائل الإنتاج و كانوا بإستمرار عُرضة لهجمات سياسية و صاروا شيوخا أو ماتوا و إفتضحت سياستهم إلى درجة أنّهم لا يجدون من يساندهم فى المجتمع ( و عدد من أبنائهم هم يساندون الإشتراكية أو يقبلون بها ). و قد تفطّن ستالين لهذا إذ كان يعرف أنّ عملاء القيصر و الكولاك و ملاّكي المصانع القدامى ، لم يكن بمستطاعهم أبدا العودة للسلطة إلاّ إثر إجتياح إمبريالي. بيد أنّه إستخلص من ذلك إستنتاجا خاطئا يقول إنّ تركيز الرأسمالية لن يغدو ممكنا دون إفتكاك السلطة من قبل الإمبرياليين و إنّ دكتاتورية البروليتاريا كانت ضرورية فحسب لحماية الدولة الإشتراكية من الأعداء الأجانب. هذا هو بالضبط الخطّ الذى يريد خوجا إحياءه اليوم مضيفا بعض "صيغه" الخاصّة حول " التناقض بين الطريق الراسمالي و الطريق الإشتراكي" و " الصراع الطبقي " ( لكن ليس صراع طبقات متناحرة ! و "إمكانية إعادة تركيز الرأسمالية التي لا تزال موجودة " ، وهي جُمل نقلها الحزب الألباني عن ماو دون أن يستوعب حقّا خطّه الماركسي – اللينيني ( خطّ ينعتونه اليوم بالتحريفي ).

كان إعتراف ستالين بضرورة مواصلة دكتاتورية البروليتاريا فى تناقض حاد مع نظريته حول إنعدام وجود البرجوازية و إنعدام الطبقات المتناحرة و التناقضات التناحرية فى ظلّ الإشتراكية. و شرع ستالين فى التعرّض لبعض مشاكل خطّه فى كتابه " القضايا الإقتصادية للإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي" ( المكتوب بالضبط قبل وفاته) و فيه صحّح وجهة النظر الخرقاء التي عبّر عنها طوال الثلاثينات، و القائلة إنّه لم توجد تناقضات بين علاقات الإنتاج و قوى الإنتاج فى ظلّ الإشتراكية. و مع ذلك ، لم يتوصّل بعدُ إلى الخروج بإستنتاجات صحيحة فى ما يتعلّق بمسألة طبيعة الصراع الطبقي فى تلك الحقبة. و لم يبق سوى خروتشاف ل " يحلّ " التناقض فى الخطّ السوفياتي بين دكتاتورية البروليتاريا و ما يسمّى إختفاء البرجوازية ، و من هناك نظريته سيّئة الصيت حول " دولة الشعب بأسره ".

و هكذا ، فكّر خروتشاف ( و ليس دون منطق) ، إن لم تكن توجد برجوازية ، إن لم تعد توجد علاقات طبقية تناحرية ، لماذا يتعيّن الإبقاء على دكتاتورية البروليتاريا و دولة لا توجد إلاّ لممارسة هذه الدكتاتورية على البرجوازية و قمعها بالقوّة ؟ و حين لا نعود فى حاجة إلى دولة لقتال الأعداء الداخليين ، لن توجد إلاّ دولة لمقاومة العدوّ الخارجي الإمبريالي و الأعوان الأجانب و المتآمرين و غيرهم المرتبط وجودهم بهذا العدوّ الخارجي ذاته، ألا يكون من الأسلم إستعمال " دولة الشعب بأسره " ، و العمل من أجل أن يمثّل كافة الطبقات فى المجتمع السوفياتي ( الطبقة العاملة و الفلاحين و المثقّفين الإشتراكيين) مع مواصلة لعب دورها بالنسبة لعدوّ الخارجي؟ بديهيّا ، الأفكار المتداخلة لستالين أفضل بكثير من التحريفية من نوع الخروتشافية، لكن يجب قول إنّ تفكيره المتداخل كان ينطوي على عديد المظاهر التي كان يمكن ووقع إستعمالها فعلا من قبل خروتشاف حين صاغ نظريّاته التحريفية.

===============================================================
4- الجدلية

لقد حاولنا من خلال هذا المقال أن نبيّن أن وجهة نظر خوجا ميتافيزيقية و مثالية على حدّ السواء . بيد أنّه ليس حتى من الضروري أن نستخلص هذا إنطلاقا من سياسته فهو يعترف بذلك بكلّ صراحة و دون أي خجل فى نقده لمادية جدلية ماو.

ينطلق خوجا بداية بتوجيه تهم سخيفة ضد ماو ، معلنا أنّ هذا الأخير " يتبنّى... نظرة ميتافيزيقية ، تطوّرية ." إلاّ أنّه وهو يسعى إلى " شرح " وجهة نظر ماو ، لم يفعل خوجا سوى كشف نظرته هو للعالم الميتافيزيقية بشكل لا يصدّق :
" فى تعارض مع المادية الجدلية التى تبيّن التطوّر التدريجي فى شكل لولبي يتبنّى ماو التطوّر فى شكل دوري، فى شكل دوري مغلق، كسيرورة متموّجة ، تجد تعبيرها فى المرور التناوبي من التوازن إلى عدم التوازن ، من الحركة إلى السكون ، و من الصعود إلى الإنهيار و من التقدّم إلى التراجع إلخ " ( 120)

و بالطبع لم تكن بتاتا لدي ماو نظرة ميتافيزيقية و تطوّرية . فى مؤلفه الشهير " فى التناقض" طوّر ماو جدالا إستهدف مباشرة " النظرة الميتافيزيقية أو نظرة التطوّر المبتذل إلى العالم ، النظر إلى العالم بصورة منعزلة جامدة وحيدة الجانب ". و لاحظ أنّ : " و يرون أنّ الشيء لا يمكن إلاّ أن يتكاثر و يتولد عنه نفس الشيء مرارا و تكرارا إلى الأبد ، و لا يستطيع مطلقا أن يتغيّر إلى شيء آخر مختلف. و فى رأي الميتافيزيقيين أن الإستغلال الرأسمالي و المنافسة الرأسمالية و الإيديولوجية الفردية فى المجتمع الرأسمالي ، و هلمجرّا ، يمكن أن نجدها فى المجتمع العبودي فى الزمن القديم ، بل فى المجتمع البدائي ؛ و لن تبرح موجودة إلى الأبد دون أدنى تبديل."(121)

فى هذا المقتطف ، و فى هذا النصّ بأكمله ، ينقد ماو نقدا تاما و عميقا وجهة النظر الميتافيزيقية ؛ و من البديهي بالنسبة لأي كان يقرأ هذا النصّ أنّ التأويل الذى يقوم به خوجا لا قيمة له. و ما هو هام هو المفهوم الذى يعطيه خوجا لمصطلح " دورة " و الطريقة التى يحاول بها جعله يتعارض مع مفهوم الخطّ اللولبي.

أكيد أنّه من الصحيح أنّ الأشياء لا تتكرّر " فى شكل دوري مغلق" ، إلاّ أنّه من الصحيح أيضا أنّ فى كلّ ظاهرة يوجد مرور من المدّ غلى الجزر ، و من الجزر إلى المدّ، من التقدّم إلى الهزيمة و ن جديد إلى التقدّم . ألا تتطوّر حركة الجماهير فى البلدان الرأسمالية على هذا النحو؟ أجل ، و كلّ " دورة " ، إذا أردنا ذلك ، لا ترجع إلى نقطة البداية ، و إنّما تمثّل نقطة تقدّم للحركة فى مجملها.أليس صحيحا كذلك أنّه خلال حرب ، يتقدّم جيش و يتراجع ، ثمّ يتقدّم من جديد؟ يتأتّى التوجه العام ، تطوّر الحرب بالضبط من هذه الحركة الدورية. عامة ، يمكن أن نقول إنّ الشيء نفسه يحصل فى كلّ سيرورة معقّدة و طويلة الأمد . فقط فى ألبانيا ( أو بالأحرى فى رأس أنور خوجا ) أنّ الصراع الطبقي و الثورة يتقدّمان " بلا إنقطاع " و يمكن أن يمرّا من إنتصار إلى آخر دون أن تمنى الثورة أبدا بهزيمة أو إخفاق أو ن وليرحمنا الله، بفترات من الإضطراب و " الفوضى".

إن شرع خوجا فى حرق كتب ماو فعليه أيضا بحرق كتاب ماركس " رأس المال" لأنّ هذا المؤلَّف ( الذى يمثّل بالنسبة للماركسيين- اللينينيين التطبيق المتميّز للجدلية ) يزخر بأمثلة عن ظواهر تتطوّر ليس بتكرار سكوني و لا نهاية له ، لكن تتقدّم فى شكل دوري. لنأخذ مثال حركة رأس المال نفسه فالصيغة تُكتب ن- س- ن من النقد/المال إلى السلعة ثمّ إلى نقد) وهي سيرورة وصفها ماركس ب " حركة الربح المتجدّد أبدا" و " السيرورة الدورية لرأس المال" و عنها قال " لذا السيرورة العامة سيرورة دورية" (122) لكن مع ذلك ، هذه السيرورة الدورية " المتجدّدة أبدا" هي التى تمثّل كذلك سيرورة مراكمة رأس المال، و المرور من رأس المال التنافسي إلى رأس المال الإحتكاري إلخ و الأزمات الإقتصادية تنشأ ، هي الأخرى ، دوريّا ، و عبر هذه الدورات يتقدّم رأس المال نحو نهايته. و الجوهري هنا هو أنّه رغم انّ هذا التطوّر دوري فإنّ الدورات لا تعود بلا إنقطاع إلى نفس نقطة البداية : الحركة ككلّ حركة تطوّر لولبي و بالضبط من خلال مثل هذه الدورات تتطوّر الأمور لتحدث قفزات نوعية إلى الأمام.

و من المفيد أن نستشهد بالتلخيص اللامع الذى صاغه ماو لنظرية المعرفة الماركسية ذلك أنّه يمثّل مثالا ممتازا عن التطبيق الصحيح للجدلية :
" إكتشاف الحقيقة عن طريق الممارسة العملية ، و إثبات و تطوير الحقيقة عن طريق الممارسة العملية مرّة ثانية. الإنطلاق من المعرفة الحسّية و تطويرها بصورة فعّالة إلى المعرفة العقلية ، ثمّ الإنطلاق من المعرفة العقلية لتوجيه الممارسة العملية الثورية بصورة فعّالة فى سبيل تغيير العالم الذاتي و العالم الموضوعي. الممارسة العملية، ثم المعرفة، والعودة إلى الممارسة العملية ثانية ، ثمّ المعرفة أيضا ، و هكذا تكرّر العملية إلى ما لا نهاية له ، و مع كلّ دورة يرتفع مضمون الممارسة العملية و المعرفة إلى مستوى أعلى. هذه هي كلّ النظرية المادية الديالكتيكية عن المعرفة ، و هذه هي النظرية المادية الديالكتيكية عن وحدة المعرفة و العمل." ( 123)

و هكذا يصف ماو بوضوح السيرورة التى وفقها نتوصّل إلى " مستوى أعلى" مرورا بسلسلة لا تنتهى من الدورات: تطوّر لولبي! يضطرب خوجا حول هذه النقطة لأنّه غير قادر على إستيعاب وجود تطوّر لولبيّ إلاّ إذا ألغينا المنعرجات! و كلّ من يعتقد أنّ الخطّ اللولبي ليس متكوّنا من دورات يجب أن يكون أعمى ، ليس سياسيا فحسب لكن عمليّا أيضا.
( نودّ أن نقترح على خوجا أن يواصل حربه المسعورة ضد " الأشكال الدورية" ليطال لينين الذى كتب فى نصّه " حول الديالكتيك" ( مقال من خمس صفحات ذكره خوجا ، على ما يبدو دون ان يطّلع عليه:" إنّ معرفة الإنسان ليست ( لا تتبع) خطّا مستقيما ، إنما هي خطّ منحن ، يقترب إقترابا لا حدّ له من سلسلة من الحلقات ، من خطّ لولبي"( 124) ).

ولنمرّ دون تعليق على كون خوجا يحاول أن يجعلنا نعتقد أن ماو كان منجّما و أنّه كان يعتقد فى الأساطير القديمة ، حتى نتناول بالبحث واحدة من التهم الأكثر جدّية ضد ماو. مع الخليط من الأفكار المضطربة و الأكاذيب الحقيقية المميّزة له ، يُعلن خوجا :
" ينفى ماو جوهريّا التناقضات الداخلية للأشياء و الظواهر ذاتها و يعتبر التطوّر مجرّد إعادة ، تتابع حالات لا حركة فيها ، حيث نلاحظ ذات الأضداد و ذات العلاقة بينها. و تغيّر كلّ مظهر من مظهري التناقض إلى نقيضه يعتبر مجرّد تبديل للمواقع و ليس كحلّ للتناقض و لا كتغيّر نوعي للظاهرة ذاتها التى تتضمّن هذه المتناقضات ، يستعمله ماو كرسم شكلي يرتبط به كلّ شيء "(125)

ماذا لدينا هنا ؟! خوجا الذى يرفض ، هو ذاته، أن يعترف بوجود خطّين صلب الحزب ، والذى يرفض أن يعترف بوجود الطبقات ذات التناقضات العدائية فى ظلّ الإشتراكية يصيح بأعلى صوته و يتهم ماو تسى تونغ بأنّه قد نفى وجود التناقضات الداخلية فى الأشياء!و لهذا الإتهام قيمة تضاهي تقريبا قيمة فضحه اللامع لما يسمّى " عنصرية " لدى ماو ، عبرها يكشف خوجا سلسلة تامّة من الأمثلة عن شوفينيته و قوميته الضيقين الخاصين ! و هذا يشبه قصّة السارق الذى يسرع ليعلن لكلّ من هبّ و دبّ :" لا وجود لأي كنز من هذه الناحية"!

لئن تجاوزنا هذا الإتهام العبثي نو كذلك الطريقة العبثية التى من خلالها يحاول خوجا أن يعيد إحياء " نظريته للدوائر" ليلصقها بماو ، نبلغ فى النهاية بيت القصيد: يعلن خوجا أنّ " تغير كلّ مظهر من مظهري التناقض إلى نقيضه" يمثّل " حلاّ للتناقض" ل[و] " تغيّرا نوعيّا للظاهرة ذاتها التى تتضمّن هذه المتناقضات ".

فى هذا ، لخوجا من الحقّ نصفه ، ما يمثّل تقدّما هاما بالنسبة لمجموع ما يستطيع قوله ! تحوّل الأشياء إلى نقيضها يعنى، و هذا صحيح ، أن تغيّرا نوعيّا حدث. لكن مع الأسف بالنسبة للجدال ليس بوسع خوجا أن يجد نصّا فيه يعارض ماو هذا المبدأ ، و يكتفى بأن يلاحظ ببساطة هذا " الشيء ". و ماو ، بعيدا عن أن يعارض هذا المبدأ ، يستطيع شرحه و على عكس خوجا ، يستطيع شرحه بطريقة صائبة:
" و كثيرا ما نتحدّث عن " حلول الجديد محلّ القديم ". إنّ حلول الجديد محلّ القديم هو قانون عام للكون لا يمكن مقاومته أبدا. إنّ تحوّل شيء إلى شيء آخر تبعا لطبيعته و للظروف المحيطة به و بواسطة أشكال مختلفة من القفزات، تلك هي عملية حلول الجديد محلّ القديم. إنّ كلّ شيء يحوى تناقضا بين طرفه الجديد و طرفه القديم ، تناقضا يشكّل سلسلة من الصراعات الملتوية. و نتيجة لهذه الصراعات يتعاظم الطرف الجديد و يرتفع فيحتلّ مركز السيطرة ، بينما الطرف القديم يتضاءل بصورة تدريجية حتى يضمحلّ. و حالما يسيطر الطرف الجديد على الطرف القديم ، فإنّ الشيء القديم يتحوّل إلى شيء جديد من حيث الطبيعة. و من هنا نرى أنّ طبيعة الشيء يقرّرها بالدرجة الأولى الطرف الرئيسي للتناقض، الذى يحتلّ مركز السيطرة. و عندما يطرأ تبدّل على الطرف الرئيسي للتناقض ، الذى يحتلّ السيطرة فإنّ طبيعة الشيء تتبدّل تبعا لذلك. " ( 126)

إذن ماو غاية فى الوضوح بهذا المضمار : عند تغيّر مظهري تناقض ، ليس الأمر " مجرّد تبديل للمواقع " ( هذا ما يريد خوجا أن يفهمنا إيّاه على أنّه خطّ ماو )، و " حالما يسيطر الطرف الجديد على الطرف القديم ، فإنّ الشيء القديم يتحوّل إلى شيء جديد من حيث الطبيعة " .

لا المسألة هنا ليست مسألة معرفة حدوث تغيّر نوعي من عدمه حينما يتحوّل الضد إلى ضدّه، و إنّما معرفة هل أنّ هذا التغيّر " يحلّ " التناقض ، بصيغة أخرى ، هل يكفّ التناقض عن الوجود ! هذه مسألة دقيقة.هكذا يمضى خوجا إلى الجانب الأقصى الآخر من خطئه النموذجي" لمدرسة ديبورين "؛ الذى أشرنا إليه أعلاه. مثلما لاحظنا ذلك من قبل ، من ناحية ، يتمثّل خطّ خوجا ،فى أنّ التناقض لا يظهر إلاّ فى مرحلة معيّنة من تطوّره، و من ناحية ثانية ، نرى أنّ خوجا يؤكّد أنّ التناقض يضمحلّ لحظة التغير النوعي بين الضدّين ! كلا الأطروحتين تشتركان فى عدم القدرة على فهم وجود التناقض خلال سيرورة تطوّر الظاهرة كلّها، من البداية إلى النهاية.

أطروحة خوجا القائلة بحلّ التناقض ببساطة لأنّ مظهرا من مظهريه تحوّل إلى نقيضه ، خاطئة بجلاء. ولنضرب مثلا على ذلك التناقض بين الحرب و السلم، على النطاق العالمي ، أو فى بلد معيّن. التناقض بين الحرب و السلم يعود فى التاريخ إلى ما قبل ظهور الطبقات ،و لن يُحلّ إلاّ عندما ستصبح السلم ليس فقط مظهرا رئيسيّا للتناقض ، بل س " تلتهم" تماما ،و على النطاق العالمي ، المظهر النقيض أي الحرب.و من هذه اللحظة لن يُوجد تناقض بين الحرب و السلم و كلمة السلم لن يكون لها معنى حتى ، إلاّ بما هي مسألة من مسائل التاريخ.

لكن هناك فترة تاريخية طويلة بين فجر الحروب و فجر الشيوعية ، فترة من الصراع بلا هوادة بين مظهري التناقض وهي متميّزة بتغيّرات نوعية عديدة خلالها تتحوّل الحرب إلى سلم و العكس بالعكس. لهذا لماو الحقّ فى نقد النصّ الفلسفي السوفياتي ( الذى حسب رأيه يمثّل وجهة نظر ستالين) و الذى يدّعى عدم وجود أي تماثل بين الحرب و السلم.( 127) فللحرب العالمية الثانية جذورها الممتدّة إلى فترة سلم نسبي ناجم بدوره عن فترة حرب نسبية أي الحرب العالمية الأولى. لقد حلّت الحرب العالمية الثانية محلّ فترة سلم جديدة نسبية على النطاق العالمي. و مع ذلك، التناقض بين الحرب و السلم لم يُحلّ أبدا أثناء هذه التغييرات. كانت كلّ فترة سلم تنطوي بعدُ على مظاهر حرب ( مظاهر الحرب القديمة و الحرب القادمة، إضافة إلى حروب ثورية). و علاوة على ذلك ، لا تمثّل هذه السيرورة سلسلة حلقات تتكرّر بلا نهاية، و إنّما بالأحرى حركة خطّ لولبي : كحلقة من الحرب إلى السلم و من جديد إلى الحرب أدّت إلى تقدّم المجتمع، تقدّم تمثّله الحروب الثوريّة ( حروب الطبقة العاملة و الشعوب المضطهَدة، الحروب الوحيدة التى بإمكانها أن تؤدّى إلى القضاء التام على الحرب) التى تنتصر أوّلا فى بلد واحد ،ثمّ عدّة بلدان. و بما أنّه يفهم الأمور بصفة صحيحة و من وجهة نظر جدلية ، إستطاع ماو إذن أن يلاحظ ( أمام الدعاوي الهستيرية لخروتشاف بأنّ حربا عالمية جديدة قد تفضى إلى سحق الإنسانية جمعاء ) بأنّ الحرب العالمية الجديدة قد تفضى بالعكس إلى إعصار ثوري كبير لم نشهده أبدا ، أنّها قد توفّر فرصة أن يلحق بالظام الإمبريالي أخطر هزائمه.

و بطبيعة الحال ، تمنحنا الطبيعة و المجتمع الكثير من الأمثلة الأخرى التى تبيّن المبدأ الذى وفقه يتحوّل المظهر الرئيسي للتناقض ما يؤدّى إلى تغيّر نوعي فى ظاهرة ،رغم أنّ التناقض ذاته يواصل الوجود ،و أن ممظهريها المتناقضين يظلاّ فى صراع.حسب خوجا، عندما يقع التحوّل النوعي الأوّل و يكفّ التناقض ذاته عن الوجود ، ليس من الممكن عند-ذ أن يتحوّل المظهران الواحد إلى الآخر مرّ ة ثانية. نعم تعنى نعم و لا تعنى لاز لا: هذه هي طريقة تفكير خوجا ، طريقة تفكير وفق منطق برجوازي معادي للجدلية. من الوهلة الأولى قد يبدو هكذا تفكير صحيحا لكن مثل وجهة النظر هذه تقود بالتأكيد إلى هزيمة الثورة.

و من البديهي انّ خوجا يقرّر موقفه بهذا المضمار بهدف إبتداع مبدأ فلسفي غير موجود ( حسبه يفضى التغيّر النوعي إلى إلغاء التناقض الأصلي) ، و بهدف تبرير خطّه المثالي و الميتافيزيقي حول طبيعة الإشتراكية. لهذا يتهم ماو على النحو التالي :
"... لا يرى الثورة الإشتراكية كتغيّر نوعي للمجتمع يؤدّى إلى إلغاء الطبقات المتعادية، و إضطهاد و إستغلال الإنسان للإنسان، لكنّه يتصوّرها كمجرّد تبديل مواقع بين البرجوازية و البروليتاريا "( 128) ثم يستشهد بماو : " إذا لم يكن ممكنا أن تتحوّل البرجوازية و البروليتاريا كلّ إلى الآخر ، كيف تفسّرون أنّه بواسطة الثورة صار البروليتاريا الطبقة المهيمنة والبرجوازية الطبقة المهيمَن عليها ؟...نحن و كومنتانغ تشان كاي تشاك متعارضان تماما. و بفعل الصراع و التنافر المتبادل لمظهري التناقض ، غيرنا مواقعنا مع الكومنتانغ..." (129)

و علّق خوجا قائلا : " هذا المنطق ذاته قاد ماو تسى تونغ إلى مراجعة كذلك النظرية الماركسية - اللينينية لمرحلتي المجتمع الشيوعي."
حسن ، كاد خوجا أن يصل. صحيح أنّ منطق ماو هذا ، المنطق الجدلي و المتمثّل فى تحليل كلّ شيء إنطلاقا من تناقضاته الداخلية و مظاهره المتناقضة ، هذا المنطق ذاته هو الذى قاد ماو إلى تطوير المعرفة الماركسية -اللينينية للإشتراكية و الإنتقال إلى الشيوعية. و قد إغتاض خوجا كثيرا بسبب مقولة ماو هذه :
" تعتبر الجدلية انّ النظام الإشتراكي بنا هو ظاهرة تاريخية سيضمحلّ فى يوم ما مثلما على الإنسان أن يموت، و أنّ النظام الشيوعي سينفيه. كيف يمكن أن نعتبر ماركسيّا تأكيد أنّ النظام الإشتراكي لن يضمحلّ ؟ أليس هذا عقيدة دينية ، دين يتبنّى أبدية الإلاه ؟ ". (130)

لعلّ هذا المفهوم لا يعجب خوجا غير أنّنا نجده ممتازا !
أليس بديهيّا أنّ النظام الإشتراكي يختلف نوعيّا عن النظام الشيوعي ؟! يتصوّر خوجا انّهما لا يختلفان و أنّ الإشتراكية و الشيوعية هما " جوهريّا ، مرحلتان من نفس النوع ، من نفس النظام الإقتصادي و الإجتماعي و لا يختلفان سوى فى درجة التطوّر و النضج [؛] يقدّم ماو تسى تونغ الإشتراكية كشيئ متعارض تمام التعارض مع الشيوعية " (131). هذا هو الخطّ التحريفي فى أجلى صوره ! لا يسمح بتقسيم الإشتراكية غلى مظاهر متناقضة بغاية تحليله ، فقط و إنّما ليس من حقّنا أن نعترف بوجود تناقض بين الإشتراكية و الشيوعية.

هذا ليس مفاجئا : بالضبط لأنّ خوجا لا يفهم تناقضات الإشتراكية ، لن يكون بوسعه أبدا فهم التناقض بين الإشتراكية و الشيوعية. و بما أنّ وجهة نظر خوجا المثالية تعتبر أن التغيير النوعي من الرأسمالية إلى الإشتراكية يجب أن يقود إلى حلّ التناقض بين البروليتاريا و البرجوازية ، يجب أن يستنتج أنّ هذا التغيير يمثّل إجمالا التحقيق الجوهري للشيوعية، رغم أنّه شيوعية " أقلّ تطوّرا " ، يكفى عندئذ أن يتبع النظام مسار تطوّر كمّي ، " بلا إنقطاع " و أن ينضج قليلا ليبلغ هكذا شيوعية مزدهرة تماما.

إنّ التناقض الجوهري للمجتمع الإشتراكي هو بالضبط التناقض بين البروليتاريا و البرجوازية وهو يعكس بدوره التناقض بين " الشيوعية فى طور الولادة " ( مثلما قال لينين ) و البقايا السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الأخلاقية للمجتمع الرأسمالي الصلي. و عندما تقع معالجة هذه التناقضات ، يعنى عندما يكون قد تمّ القضاء على البرجوازية و بقايا المجتمع القديم تحت الطلقات النارية المتكرّرة للبروليتاريا ، و بفضل تقدّم التحويل الإشتراكي ، حينها فقط سيمكننا قول إنّ الإنسانية قد بلغت الشيوعية و إنّ طابع المجتمع سيحدّد بتناقضات جديدة. تحوّل الطبقة العاملة إلى طبقة قائدة للمجتمع يعدّ قفزة إلى الأمام ، نوعية و كذلك الإلغاء الكامل للطبقات يعدّ قفزة أخرى نوعية إلى الأمام أهمّ حتى من الأولى. كلّ هذا يجب أن يبدو من المسائل البسيطة ، لا سيما بالنظر إلى التجربة الهامة المراكمة خلال مائة سنة من الثورات الإشتراكية منذ الكمونة، تجربة بيّنت لنا أنّ الإنتقال إلى الشيوعية سيكون أطول و أنّ مقاومة البرجوازية ستكون أشرس و بقايا المجتمع القديم أكثر عنادا من ما توقّع ماركس و إنجلز. ما كتباه عن الإشتراكية و الشيوعية لع بعدُ تاريخي عظيم ، لكنّهما كانا محدودين بكون البروليتاريا فى تلك الحقبة كانت تفتقد إلى ممارسة بناء الإشتراكية . و خوجا نفسه يتمسّك بأن يروّج و أن يدفع إلى العبثية فكرة أنّ الإشتراكية و الشيوعية يمثّلان ذات " النظام الإقتصادي و الإجتماعي" !

حسن ، السيد خوجا ، هل بإمكاننا أن نقول إنّ صيغة " من كلّ حسب عمله " تعكس ذات النظام الإقتصادي و الإجتماعي و صيغة " لكلّ حسب حاجياته "؟ هل أنّ المجتمع حيث تركّز طبقة واحدة دولة و تمارس دكتاتورية [ على طبقة أو طبقات أخرى، المترجم] هو ذاته مجتمع حيث لا وجود لدولة و حيث تكون الطبقات قد إضمحلّت ؟ و فى الأخير حقّا، حتى طفل صغير قادر على ان يفهم أنّ الإنتقال إلى مجتمع خالى من الطبقات ، بعد آلاف السنين من المجتمع الطبقي ( بما في ذلك الإشتراكية ) يمثل قفزة هائلة نوعية إلى الأمام؟

كون خوجا يتمسّك بقول إنّ الإشتراكية و الشيوعية متماثلتين " جوهريّا " يؤدّى إلى نتائج خطيرة للغاية. إنّه يفتح الباب واسعا لهذا الخطّ الضار الذى يبدو أنّه يرافق التحريفية جميعها:" نظرية قوى الإنتاج ".و بالفعل إن لم تكن الإشتراكية مختلفة من الشيوعية إلاّ فى درجة " النضج "، و إن تمّ حقّ القضاء على التناقض بين البروليتريا و البرجوازية من قبل الإشتراكية ، يجب أن نستنتج أنّه قبل كلّ شيئ مستوى تطوّر قوى الإنتاج هو المميّز بين الشيوعية و مرحلتها الأقلّ " نضجا "، الإشتراكية. و تترتّب عن ذلك منطقيّا " نظرية قوى الإنتاج " وهي جزء تام من كافة الهجوم الشرس لخوجا ضد الماركسية - اللينينية و فكر ماو تسى تونغ.

بفعل خسارة الصين وهي خسارة مأساوية بالنسبة لبروليتاريا العالم بأسره ، تواجه الحركة الشيوعية العالمية حاليّا أخطر أزماتها. الرهان الحالي بالنسبة للماركسيين - اللينينيين هو : هل بإمكاننا أن نظلّ صلبين فى قناعاتنا الثورية و نواصل التقدّم بالنضال الثوري تبعا لعلم الماركسية - اللينينية و إثراء هذا العلم من طرف ماو تسى تونغ؟ أم على الماركسيين - اللينينيين أن يتخلّوا عن كلّ ما أنجز أثناء النضال ضد تحريفية خروتشاف و نسيان دروس الثورة الثقافية ، إلخ و التوافق مع شكل أو آخر من أشكال التحريفية؟

عقب خسارة الصين ، إلتفت الماركسيون – اللينينيون إلى ألبانيا و أنور خوجا . لقد ناضل حزب العمل الألباني جنبا إلى جنب مع ماو و الحزب الشيوعي الصيني ضد خروتشاف ،و ساند الثورة الثقافية و قدّم نفسه نموذجا للعالم بأسره برفضه الإنحناء أمام التحريفية المعاصرة. لكن اليوم كلّ الأشياء التى علينا بالذات الإعتزاز بها و الدفاع عنها ، كلّ ما كسبته الحركة الشيوعية العالمية أثناء الصراعات الشرسة ، و هزائم و إنتصارات السنوات الأخيرة ، يتعرّض إلى الهجوم من قبل الذين كنّا نتوقّع منهم شيئا مغايرا جدّا.

رغم إحتجاجات خوجا ، من البديهي أنّ الهجوم الألباني ضد فكر ماو تسى تونغ لا يختلف جوهريّا عن الجوقة المناهضة لماو بقيادة الإمبرياليين الإشتراكيين السوفيات و القادة التحريفيين الحاليين فى الصين. إنّهم جميعا متفقون على مهاجمة أهمّ مساهمة من مساهمات ما وفى الماركسية - اللينينية ، أي نظرية وممارسة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا. لقد تملّكهم كلّهم الرعب من الثورة الثقافية و ما خشوه قبل كلّ شيء من الحركة الثورية المنهمرة للجماهير التى كانت تهاجم كلّ ما كان يقف حاجزا فى طريق المستقبل الشيوعي ،و التى كانت تجرّأ على تشكيل كلّ شيء فى المجتمع على صورة البروليتاريا. التحريفيون السوفيات والصينيون، و الآن أنور خوجا ، يتراجعون برعب أمام جدلية ماو ، أمام عمله النافذ و الذى لا يرحم لبلوغ إكتشاف التناقض الموجود فى قلب كلّ حركة ، أمام رفضه الركوع لأيّة بقرة مقدّسة ، أمام تعاليمه بكون العالم يتقدّم دائما عبر الإضطرابات و الصراعات ،و أمام كونه تجرّا على قيادة الجماهير عبر الأعاصير التى لا يمكن تفاديها. إنّ النداء الشهير الذى أصدره ماو : " من حقّنا أن نثور ضد الرجعيين ! " قد ألهم ثوريي كافة القارات و بثّ الرعب فى ذات قلب الرجعيين و التريفيين جميعهم.

و تُهم خوجا الموجهة لماو بما سمّاه " الشيوعية الآسيوية " و " العنصرية " مستقاة مباشرة من دعاوى التحريفيين السوفيات:
لنأخذ مثلا هذا الإستشهاد : وجهة النظر السياسية و الإقتصادية و الفلسفية و الإجتماعية ، و كذلك الطرق التكتيكية لماو تسى تونغ و أتباعه تعكس تأثير مختلف العقائد و النظريات و المفاهيم المتضنة للفلسفة الإقطاعية الصينية ( بالنسبة للأغلبية ، من الكنفشيوسية و التاوية ) ، الإشتراكية البرجوازية الصغيرة ، وجهات نظر البرجوازية الصغيرة و الفلاحين ، وجهة نظر البرجوازية الوطنية ، شوفينية القوّة العظمى و أفكار تروتسكي و الفوضوية ، و الكلّ ! ممثلا مزيجا إنتقائيّا ؟ هل أنّ خوجا هو الذى يتحدّث هنا أم هو أحد ببغواته الباعثة على الشفقة ؟ لا ،هذا الإستشهاد مقتطف من كرّاس معنون " ما تصمت عنه بيكين" ، نشر فى موسكو سنة 1972.

أمّا بالنسبة لكونه يكره " فوضى " الثورة الثقافية و كونه يتألّم للشيوعيين المساكين الذين عوملوا بإساءة ، إنّه دنك سياو بينغ بعينه ! يريد خوجا أن يضع نفسه على رأس الحركة الشيوعية العالمية ، كممثّل للماركسية –اللينينية " النقيّة جدّا" ؛ فليس فى الواقع غير تلوينة من التلوينات الغربية للتحريفية يبدو أنّها تدريجيّا تخسر سيماتها المميّزة لتختلط أكثر فأكثر بالتيارا التحريفي الرئيسي النابع من موسكو. خوجا مهمّ اليوم لا لشيء إلاّ لأنّه بصدد محاولة إغراق جزء معيّن من الماركسيين - اللينينيين الذين إلى الآن عارضوا التحريفية ، فى مستنقع التحريفية ، و لأنّه يحاول أن يجعلهم يبتلعون حبّة مُرّة من الإستسلام و الخيانة. و مع ذلك ، لا يجب أن يمضي فى الخيالات و الأوهام بفكرته عن أممية جديدة ( متصوّرا نفسه ستالين هذه الحركة ، رغم أنّه عار من المضمون الثوري لستالين ) ذلك أنّ الماركسيين- اللينينين الحقيقيين هم بعدُ بصدد الإبتعاد عنه. و ينزع آخرون أكثر فأكثر نحو اليمين ، متماثلين أكثر فأكثر مع الأحزاب التحريفية. و آخرون لا يمثّلون سوى طوائف صغيرة حقيرة لم تعد تفكّر حتى فى الثورة.

و قد تطرّقنا بعمق لبعض الهجمات الأوفر دلالة لدى خوجا ضد الماركسية-اللينينية و فكر ماو تسى تونغ ، يمكن أن نسمح لأنفسنا أن نختم بذات التعليق الذى نشرناه فى مجلّة " الثورة " عندما ظهر التصريح الصحفي الأباني معلنا نشر " الإمبريالية والثورة " ، فاضحا كون خوجا يبتعد كلّيا عن الماركسية: " فى الوقت الذى توجد فيه الحركة الشيوعية فى مفترق طرق، كانت الفرصة متاحة لأنور خوجا و كانت من مسؤوليته أن ينهض بدور هائل. بيد أنّه إختار بالأحرى أن لا يكون سوى شخص مسكين حقير" ( 132).

الهوامش :
1- أنور خوجا " الإمبريالية و الثورة "( تيرانا ، 1979) ، صفحة 439.
2- المصدر السابق ، صفحة 443-444.
3- ماو تسى تونغ، المؤلفات المختارة ، المجلّد 1 ،صفحة 22( بيكين 1967).[ الطبعة باللغة العربية ، م1، صفحة 30].
4- ج. ستالين ، " آفاق الثورة فى الصين" ، الأعمال الكاملة ، المجلّد 8 ، صفحة 385( موسكو 1954).
5- ستالين ، " المميّزات السياسية للمعارضة الروسية" ، الأعمال الكاملة ، المجلد 10 ، صفحة 161، (موسكو1954).
6- "الأممية الشيوعية 1919-1943: وثائق"، نشر جين دغراس ، المجلد الثاني : 1923-1928 ، صفحة 386 (لندن 1960).
7- المصدر السابق ، المجلّد الثالث 1943-1929 ، صفحة 120 (لندن 1965).
8- خوجا ، " الإمبريالية و الثورة" ، صفحة 440-441.
9- ماو " حول تكتيك مناهضة الإمبريالية اليابانية " المؤلفات المختارة ، المجلّد 1 ، ص 185.
[ بالعربية ، م1، صفحة 238 ] .
10 – خوجا ، مصدر سابق ، صفحة 441.
11- ماو ، " الديمقراطية الجديدة" ،المؤلفات المختارة ، المجلّد 2 ، صفحة 383( بيكين، 1967) [ بالعربية ، م2 ، ص 499-500].
12- " تاريخ حزب العمل الألباني" ، صفحة 292 (تيرانا، 1971).
13- المصدر السابق ، صفحة 268.
14- المصدر السابق، صفحة 282-283، 340-341.
15- خوجا ، صفحة 184.
16- ستالين ،" الثورة فى الصين و مهام الكومنتلرن" ، الأعمال الكاملة ، المجلد 9 ، صفحة 297 (موسكو 1954).
17- ماو ،" الديمقراطية الجديدة" ، الأعمال المختارة ، المجلّد 2 ، صفحة 368.[ بالعربية: م2، صفحة 480]
18- المصدر السابق، صفحة 371-372.[ بالعربية : م2 ، صفحة 484].
19- خوجا ، صفحة 247-248.
20- أنظروا الجزء الثاني من السلسلة حول " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " المعنون " الحرب الثورية و الخطّ العسكري" ؛ و هذا المقال قد نشر فى مجلّة " الثورة" لشهر جوان 1978. و بعدئذ نشرت السلسلة فى كتاب ( منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، شيكاغو، 1979).
21- ستالين ،" آفاق الثورة فى الصين" ، الأعمال الكاملة ، المجلّد 8، صفحة 379.
22- ماو ،" تكتيك النضال ضد الإمبريالية اليابانية "، الأعمال المختارة ، المجلّد 1، صفحة 177.[بالعربية ،م 1، صفحة 234].
23- خوجا، صفحة 379.
24- ماو ، " ربّ شرارة أحرقت سهلا" ، المؤلفات الختارة ، المجلّد 1 ، صفحة 135 ( يذكر ماو و يدعم رسالة من لجنة الجبهة إلى اللجنة المركزية) [ بالعربية :م1 ، ص 179].
25- ماو ، " قرارات حول بعض المسائل فى تاريخ حزبنا" ، الأعمال المختارة ، المجلد 3 ، صفحة 215-217 ( بيكين، 1965) ( هذا المقالنشر كملحق لمقال ماو " دراستنا و الوضع الراهن" ، بالأنجليزية ، سنة1965).
26- المصدر السابق.
27- ماو ، " الديمقراطية الجديدة " ، المجلد 2، صفحة 380.
28- ذكره هان سيوين فى " طوفان الصباح: ماو تسى تونغ و الثورة الصينية 1893-1954" صفحة 114، (بوستن 1972).
29- المصدر السابق ، صفحة 156.
30- ستالين ، " الوضع العالمي و الدفاع عن الإتحاد السوفياتي" ، الأعمال الكاملة ، المجلّد 10، صفحة 18.
31- ستالين ، " ملاحظات حول مواضيع معاصرة" ، الأعمال الكاملة ن المجلد 9 ، صفحة 338-339.
32- خوجا ، صفحة 416-417.
33- ماو، " دور الحزب الشيوعي الصيني فى الحرب الوطنية " ، الأعمال المحتارة ، المجلد 2 ، صفحة 224-226.
34- ماو ، " بعض التقديرات حول الوضع الدولي الراهن" ، المؤلفات المختارة ، المجلد 4 صفحة 87-88 ( بيكين 1969).
35- خوجا ، صفحة 462.
36- خوجا ،صفحة 462.
37- المصدر السابق ، صفحة 463.
38- ماو ، " حول العشر علاقات الكبرى" ، المؤلفات المختارة ، المجلّد الخامس ، صفحة 328 (بيكين ، 1977).
39- خوجا ، صفحة 406.
40- ماو ، " خطاب فى الإجتماع العام الثاني للجنة المركزية للمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الصيني " ، المؤلفات المختارة ، المجلّد الخامس ، الضفحة 369.
41- " تاريخ حزب العمل الألباني " ، صفحة 439 ،و أنور خوجا ، المؤلفات المختارة ، المجلّد 2 ، صفحة 508 (تيرانا 1975) ملاحظة الناشر.
42- أنظروا ،مثلا ، خوجا ، المصدر السابق ، صفحة 659؛673 و 713.
43- المصدر السابق ، صفحة 672.
44- المصدر السابق ، صفحة 657، ملاحظة الناشر.
45- المصدر السابق ، صفحة 658، ملاحظة الناشر.
46- خوجا ، المصدر السابق ، صفحة 658.
47- " 15 سنة عمر حوب العمل الألباني" ، البرافدا ، 8 نوفمبر 1956، صفحة 3 .
48- " إتبعوا دائما خطّا صحيحا" ( مساهمة أنور خوجا فى نقاش فجتماع المكتب السياسي للجنة المركزية لحزب العمل الألباني، 22 جوان 1960:" ألبانيا تتحدّى تحريفية خروتشاف" ، صفحة 2-3 من المجلد ّ 19 من الأعمال الكاملة لأنور خوجا ( نيويورك 1976).
49- خوجا ، " الإمبريالية و الثورة" ، صفحة 448.
50- المصدر السابق ، صفحة 453.
51- تقرير إلى الإجتماع العام الثاني للجنة المركزية للمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الصيني " ، الأعمال المختارة ، المجلّد 4، صفحة 382-383
52- المصدر السابق، ص 385.
53- المصدر السابق، ص 386.
54- المصدر السابق، ص 386-387.
55- ذكره خوجا فى الصفحة 452.
56- المصدر السابق ، صفحة 452-453.
57- ماو ،" التناقض بين الطبقة العاملة و البرجوازية هو التناقض الرئيسي فى الصين" ، الأعمال المختارة، المجلّد 5، صفحة 80.
58- ماو ، " نقد الرؤى الإنحرافية اليمينية التى تبتعد عن الخطّ العام" ، المصدر السابق ، صفحة 97-98.
59- أنظروا ،" الورقات الحمراء 7: كيف جرت إعادة تركيز الرأسمالية فى الإتحاد السوفياتي و ما يعنيه ذلك بالنسبة للنضال العالمي" ، صفحة 15( شيكاغو 1974) .
60- خوجا ، ص 433.
61- ماو ، " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات فى صلب الشعب" ، الأعمال المختارة ، المجلّد 5، صفحة 447-448.
62- ماو ، " يجب نقد التوجه البرجوازي لواهيوباو" ، الأعمال المختارة ، المجلّد 5 ، صفحة 493.
63- ماو ، " الوضع هذه الصائفة 1957" ، الأعمال المختارة ، المجلد 5، صفحة 518.
64- ماو " المعالجة الصحيحة للتناقضات فى صلب الشعب"، ذكر سابقا ، صفحة 445-446.
65- الفصل 16 من " دستور جمهورية ألبانيا الشعبية الإشتراية" ،صفحة 13 (تيرانا ، 1977).
66- خوجا ، صفحة 431، ذاكرا ماو " حول العشر علاقات الكبرى "، المؤلفات المختارة ، المجلّد 5، صفحة 319.
67- خوجا ،مصدر سابق.
68- ماو ، " حول العشر علاقات الكبرى" ، مصدر ذكر سابقا ، صفحة 320-321.
69- المصدر السابق، صفحة 320.
70- ماو ، " المعالجة الصحيحة للتناقضات فى صلب الشعب" ، الأعمال المختارة، المجلّد 5، صفحة 449.
71- لينين ،"الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي" ، صفحة 58( بيكين 1970).[ بالعربية ص51]
72- خوجا،" الإمبريالية و الثورة" ، صفحة 432.
73- " تاريخ حزب العمل الألباني" ، صفحة 340.
74- ماو، " خطابات فى ندوة الكتاب العامين للجان الحزب فى المقاطعات و البلديات و المناطق ذات الحكم الذاتي" ،" المؤلّفات المختارة" ، المجلّد 5، صفحة 383.
75- خوجا، صفحة 448.
76- مصدر سابق ، صفحة 413.
77- مصدر سابق، صفحة 411-412.
78- لينين ،" ملخّص نقاش حول حقّ الأمم فى تقرير مصيرها"، الأعمال الكاملة ، المجلّد 22 ، صفحة 382-383 (موسكو و باريس 1977) .
79- ماو ، الأعمال المختارة ، المجلّد 2 ، صفحة 263.
80- المصدر السابق، صفحة 256.
81- المصدر السابق، صفحة 263-264.
82- المصدر السابق، صفحة 256.
83- " خطاب أمام الممثّلين العسكريين الألبانيين" ، خدمة بحوث المنشورات المشتركة " تجميع نصوص فكر ماو تسى تونغ"( 1949-1968) صفحة 458 (آرلينغتون، فرجينيا ، 1974).
84- أنظروا " قرار ال16 نقطة حول الثورة الثقافية" و " إخطار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني"( ل 16 ماي 1966) نشرا فى شكل كرّاس فى بيكين سنة 1968.
85- خوجا ، صفحة 477.
86- وانغ مينغ ، " لينين ، اللينينية و الثورة الصينية" ( موسكو ، 1970).
87- أنظروا " غوارديان منشستر" ( 29 أكتوبر 1978) ، صفحة 13، ذاكرا هوانغتون، رئيس تحرير يومية الحزب الفتنامي ، ناهن دون.
88- خوجا ، صفحة 410-411، التسطير مضاف.
89- المصدر السابق، صفحة 414،التسطير مضاف.
90- أنظروا " رسالة اللجنة المركزية لحزب العمل الألباني و الحكومة الألبانية إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي و الحكومة الصينية" ( تيرانا ، 1978) حيث يدّعى الحزب الأباني أنّ الثورة الثقافية " إنتهت هكذا فى الصين بتركيز سلطة بأيدى عناصر برجوازية و تحريفية" ، صفحة 38، التسطير مضاف.
91- خوجا، الصفحة 420-422
92- المصدر السابق ، صفحة 422.
93- ماو " المنهج الجدلي لضمان وحدة الحزب" ،الأعمال المختارة ، المجلّد 5 ، صفحة 559.
94- المصدر السابقز
95- " المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الصيني" ( وثائق) ،الصفحة 51 ( بيكين ،1973).
96- ماو ، " فى التناقض" ، المؤلفات المختارة ، المجلدّ 1 ، الصفحة 347.
97- ذكره خوجا فى الصفحة 421: و الكلمتان بين معقّفين لم يذكرهما خوجا رغم أنّهما موجودتان فى جملة ماو ، أنظروا " المنهج الجدلي لضمان وحدة الحزب" ، الأمال الختارة ، المجلّد 5 ، ص 560.
98- ماو ، المصدر السابق.
99- المصدر السابق ، صفحة 559.
100- خوجا، صفحة 422.
101- ماو ، " تعزيز الحزب و ممواصلة تقاليده" ،الأعمال المختارة ، المجلّد 5 ، صفحة 348.
102- المصدر السابق، صفحة 346-347.
103-المصدر السابق، صفحة 347.
104- المصدر السابق ، صفحة 348.
105- ماو " الثورة الصينية و الحزب الشيوعي الصيني"، الأعمالالمختارة ، المجلّد 2، صفحة 348-349.
106- لينين ،" مرض اليسار الطفولي فى الشيوعية ("اليسراوية")،صفحة 121-122 (بيكين، 1970).
107- " تاريخ حزب العمل الألباني" ، صفحة 292-293.
108- ذكره وليام آ شفى كتابه " الفأس و البندقية: قصة الشعب الألباني" ،صفحة 112، ( لندن ،1974)،التسطير منّا.
109- " تاريخ حزب العمل الألباني" ، صفحة 354-355.
110- خوجا، " الإمبريالية و الثورة" ، صفحة 409.
111- م . آلتايستى ، ف جيورجيجاف، " النظرة الفلسفية لماو تسى تونغ: تحليل نقدي" (موسكو ، 1971).
112- خوجا، صفحة 421.
113- المصدر السابق، صفحة 421.
114- أنظروا تقرير هواو للمؤتمر 11 للحزب الشيوعي الصيني ضمن " المؤتمر 11 للحزب الشيوعي الصيني" (وثائق) (بيكين 1977).
115- فانغ كانغ /" المسؤوبون أتباع الطريق الرأسمالي ، برجوازية صلب الحزب"أحبار بيكين، عدد 25 ، صفحة 8، 1976.
116- خوجا ، صفحة 438.
117- فانغ كانغ، مصدر سابق ، صفحة 9.
118- " أتباع الطريق الرأسمالي هم ممثّلو علاقات الإنتاج الرأسمالية" ، نشر هذا المقال فى مجلّة "دراسة و نقد" بشنغاي فى ظلّ قيادة الأربعة. ووقع إيقاف المجلّة منذ إنقلاب 1976. و قد تمّت إعادة نشره ضمن " و خامسهم ماو" لبانر براس ( شيكاغو ، 1978)و منه إقتطفنا هذا الإستشهاد، صفحة 369-370.
119- المصدر السابق، ص 373.
120- خوجا، صفحة 435.
121- ماو ، " فى التناقض" ، الأعمال المختارة ، المجلّد 1، صفحة 348-349.[الطبعة العربية: م 1 ،ص 455] .
122- ماركس ن " رأس المال" المجلد 1 (المنشوؤات الإجتماعية ،منريال 1976) ، صفحة 119 ، و المجلّد 2 ، صفحة 48 و 52 .
123 -ماو "فى الممارسة العملية" ، الأعمال المختارة ، المجلّد 1، صفحة 344.[ الطبعة باللغة العربية : م 1، ص 451].
124- لينين ،" حول مسألة الديالكتيك" ، الأعمال الكاملة ، المجلّد 38 ( باريس و موسكو 1976)، صفحة 347. [ بالعربية ؛ لينين المختارات فى 10 مجلّدات ، المجلّد4، صفحة 472].
125- خوجا، صفحة 437.
126- ماو ، " فى التناقض" ،مصدر ذكر سابقا، صفحة 372. [ بالعربية :م1،ص 484].
127- ماو ، " خطابات فى ندوة الكتاب العامين للحزب للمحافظات و البلديات و المناطق ذات الحكم الذاتي" ، الأعمال المختارة ن المجلّد 5، صفحة 399.
128- خوجا ، صفحة 438.
129- المصدر السابق ، صفحة 438، ذاكرا ماو " خطابات فى ندوة الكتاب العامين للحزب للمحافظات و البلديات و المناطق ذات الحكم الذاتي" مصدر ذكر سابقا ، صفحة 399-400.
130- خوجا، صفحة 438-439 ، ذاكرا ماو ، " خطابات فى ندوة الكتاب العامين للحزب للمحافظات و البلديات و المناطق ذات الحكم الذاتي " مصدر ذكر سابقا ، صفحة 409.
131- خوجا ، صفحة 439.
132- " الثورة " المجلّد 4 ، عدد 1 ، صفحة 4 ( جانفي 1979).
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القفزة الكبرى إلى الأمام و الثورة الثقافية البروليتارية الكب ...
- خيانة الخط الأممي لماو تسى تونغ / تقييم عمل ماو تسى تونغ- ال ...
- الصراع ضد التحريفية الصينية / تقييم عمل ماو تسى تونغ- الحزب ...
- التناقضات مع البرجوازية الوطنية / تقييم عمل ماو تسى تونغ- ال ...
- مسألة بلترة الحزب و دور الإيديولوجيا الماركسية - اللينينية / ...
- صراع الخطين فى صفوف الحزب / تقييم عمل ماو تسى تونغ- الحزب ال ...
- تقييم عمل ماو تسى تونغ- الحزب الشيوعي الثوري الشيلي – جويلية ...
- دحض أنور خوجا بقلم ن.ساموغاتاسان، الأمين العام للحزب الشيوعي ...
- بصدد ماو تسى تونغ - الحزب الشيوعي التركي/ الماركسي اللينيني ...
- دفاعا عن فكر ماو تسى تونغ- الحزب الشيوعي بسيلان – جويلية 197 ...
- قضية تحرير المرأة قضية البروليتاريا بإمتياز فليقم الشيوعيون ...
- أنور خوجا يقلب الحقائق التاريخية رأسا على عقب ويقود هجوما دغ ...
- لا أصولية دينية و لا شوفيتية قومية ؛ وحدها الشيوعية قادرة عل ...
- الثورة البروليتارية فى أشباه المستعمرات والمستعمرات الجديدة ...
- الديمقراطية فى المجتمع الإشتراكي : -دور الديمقراطية و موقعها ...
- المؤتمر الأوّل للحزب الشيوعي الماوي ( تركيا وشمال كردستان) – ...
- الماوية تحيى و تناضل ، تكسب و تواصل الكسب.- (الحزب الشيوعي ا ...
- لن ننسى الرفيق إبراهيم كايباكايا. ( مقتطف من - الماوية : نظر ...
- - النموذج - التركي و تناقضاته.
- الباب الثالث من دستور الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أ ...


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - - فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تونغ - ج. وورنار- مقتطف من العدد 11 من - الماوية : نظرية و ممارسة -: الماوية تدحض الخوجية ومنذ 1979