أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بازغ عبد الصمد - بنية الفاعلين في التحول بعد الحرب الباردة















المزيد.....



بنية الفاعلين في التحول بعد الحرب الباردة


بازغ عبد الصمد

الحوار المتمدن-العدد: 3725 - 2012 / 5 / 12 - 15:55
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


شهدت فترة نهاية الحرب الباردة عدة تحولات على مستوى العلاقات الدولية مست بالأساس الفاعلين في هذه العلاقات سواء في بنياتهم أو في الأدوار التي يلعبونها على الساحة الدولية.
و يقصد بالفاعل acteur كل سلطة أو جهاز أو جماعة أو حتى شخص قادر على أن يلعب دورا في المسرح الدولي، في هذه الحالة و ببساطة ممارسة تأثير على القابضين على سلطة اتخاد القرار او الممسكين بزمام القوة المادية. و الفاعلون الذين تدور بينهم العلاقات الدولية هم متنوعون بقدر ما هم متعددون، و بالتالي فيتعين اولا تشخيص هؤلاء الفاعلين قبل ان نلقي الضوء على اصنافهم.
لقد تعددت الاجابات الخاصة بتشخيص الفاعلين في حقل العلاقات الدولية و الوظائف التي يلعبونها، فبينما يرى البعض ان الدولة هي الفاعل الوحيد الممكن في هذا الحقل، يرى آخرون على ان قائمة الفاعلين طويلة جدا و في لحظة من لحظات التاريخ يجب ان تدرج في قائمة الفاعلين العديد من اللاعبين بدءا من المؤسسات، الشعوب و الجماعات انتهاء بالافراد، و هذا الوضع يحتم على الباحث اللجوء الى عملية تصنيف typologie، و حينئذ يتعين عليه ان يبحث اولا في وضع الدول les Etats ثم المنظمات الدولية interétatiques او الحكومية intergovernomentales ، ثم هناك قطاع عريض و غير واضح المعالم او محدد شكله ونعني هنا بالمبادرات الفردية و تندرج تحت ما يمكن تسميته القوى العبر وطنية forces transnationales .
هذا يدفعنا إلى التساؤل عن من هم الفاعلون في العلاقات الدولية؟ و ما هي مظاهر التحول في هذه العلاقات بعد الحرب الباردة؟
للإجابة على هذه الإشكالية ارتأينا أن نخصص محورا أولا نحدد فيه الفاعلون التقليديون و الجدد في العلاقات الدولية، ومحورا ثانيا نشخص فيه موقع هؤلاء الفاعلين في التحول الذي مس العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة من خلال مظاهر هذا التحول، معتمدين في هذا السياق مقاربة وظيفة نسعى من خلالها تفكيك بنية هؤلاء اللاعبين و علاقاتهم ببيئتهم المحيطة، للوصول في النهاية إلى معرفة تأثير و تأثر هؤلاء الفاعلون في التحول الذي طبع الساحة الدولية بعد الحرب الباردة لأن كل لاعب يمكن اعتباره في هذه الحالة نظاما système او اذا شئنا نظاما فرعيا sous-système للنظام الشامل .global système

المحور الأول: الفاعلين في العلاقات الدولية Les Acteurs des relations Internationales
ان دراسة الفاعلين في العلاقات الدولية شكلت موضوعا للنقاش بين العديد من الدارسين و المفكرين في هذا المجال و برزت في هذه الدراسة مجموعتين، المجموعة الاولى: تضم المفكرين الذين يدافعون عن أطروحة الدولة كشخص وحيد و مميز للعلاقات الدولية، و هذا الاتجاه تمثله أسماء أكاديمية مشهورة مثل ريمون آرون raymond aron و ستانلي هوفمان stanley hoffman و كينزي رايت Quincy wright. و هناك مجموعة ثانية: و تضم عديد من المفكرين لديهم رؤية اكثر شمولية للعلاقات الدولية، فبعضهم يركز اهتمامه على الفرد كعنصر اساسي مكون لتجمعات و تنظيمات ذات نشاطات دولية مثل، سبيكمان spycman ودويتش deutch، و شيفاييه .chevallier
1 الفاعلون التقليديون
1.1 الدولة: ( الفاعل الأساسي) L’Etat
لقد اضفى الفقهاء الشخصية القانونية على الدولة ثم قاموا بعد ذلك بتزويدها بالخصائص التي تسمح بان تكون موضوعا sujet و في نفس الوقت فعلاobjet وحيدا للقانون الدولي.
درج الأدب السياسي التقليدي على اعتبار ان الدولة هي وحدة التحليل الاساسية لرصد و تفسير الظواهر السياسية الدولية، فالدولة بحكم احتكارها و سيطرتها على مصادر القوة و النفوذ تعد الفاعل الرئيسي ان لم يكن الوحيد القادر على احداث الفعل السياسي المؤثر خارجيا، و بالتالي فان كل ما عداها من كيانات اخرى و ان اتخدت صفة دولية، ماهي الا ادوات بيد الدولة لانجاز اهداف انيطت بها. و الواقع ان الاساس الذي استقر عليه منهج التحليل التقليدي في تفسيره لمنظور الدولة باعتبارها الفاعل الرئيسي النظام الدولي يستمد مقوماته من معيارين اولهما المعيار الموضوعي و الثاني معيار السيادة الوطنية. ينطلق المعيار الموضوعي في رؤيته للواقع الدولي من حقيقة كونه يضم وحدات سياسية تعد دون غيرها مصدرا للفعل السياسي الدولي يقتصر حصرا على مفهوم -الدولة القومية- و يمكن القول بأن العلاقات الدولية و حتى النصف الثاني من القرن العشرين، تقريبا اتسمت بظاهرة محدودية عدد الدول الكائنة في النظام الدولي.
و بالتالي فعملية تشخيص الدولة تدفعنا بإتجاه قبول حقيقة أن العلاقات الدولية تتم بواسطة أشخاص حقيقيين personnes physiques مخولين حق تمثيل هذه الجماعات السياسية. و يجرنا هذا إلى القول بأن العلاقات الدولية "internationales " تتقلص في الواقع و من خلال مجموعة اختزالات إلى أن تصبح، ليس فقط علاقات بين الدول و لكن علاقات بين الحكومات "intergouvernementales ".
و سيكون أيضا من الإجحاف بمكان إنكار هذه الحقيقة المسلم بها حسب مارسل مير الذي يعارض بشدة القول بأن الدولة ليست سوى حيلة أو وهم fiction أو بقايا تاريخ محكوم عليه بالزوال، و ينتقد النظرية الماركسية في هذا الصدد التي لم تستطع إثبات نظرية فناء الدولة على أرض الواقع.
السيادة :
هي تأصيل لفكرة وجود و قوة الدولة من الناحية القانونية، فالدولة هي الوحدة السياسية التي تتمتع بسلطة عليا آمرة و قاهرة تستطيع من خلالها فرض إرادتها على الاخرين، و هي ميزة تنفرد بها هي وحدها دون غيرها من المكونات الاجتماعية الموجودة ضمن حدودها و الخاضعين لسلطتها و اختصاصها السيادي. و الدولة تمثل أعلى الاشخاص القانونية و بهذا الوصف تعتبر وحدها صاحبة الوجود الحقيقي في مجال القانون الوضعي و هي صاحبة الحق في السيادة.
و من منظور هذه الوجهة القانونية فإن للدولة دائما أهلية قانونية كاملة و واسعة للإتيان بأعمال مادية و قانونية متنوعة. إنها الشخصية القانونية التي تجيز للدولة انجاز كل أنواع التصرفات القانونية الممكنة )كإبرام الاتفاقيات مثلا).
و لكن هذا المنطق الذي يعتمد عليه التحليل التقليدي بشقيه الموضوعي و السيادي القانوني في نظرته للدولة ما لبث أن عرف تراجعا واضحا، ليحل محله منهج تحليلي حديث يأخذ بعين الاعتبار تراجع مفهوم الدولة القومية المنغلقة و تزايد عدد الدول في النظام الدولي و ما ترتب على ذلك من تنوع و تعقد أكثر في أنماط التفاعلات الدولية بمضامينها الاقتصادية و السياسية بل حتى الثقافية و الاجتماعية و النفسية...و بالتالي أصبحت الاحداث التي يشهدها إقليم معين تتجاوز حدود هذا الاقليم و تصل أصداءها وتأثيراتها إلى ابعاد إقليمية و عالمية و أصبحت العديد من القضايا التي كانت حكرا على دول بذاتها (التسلح، الانتشار النووي، حقوق الانسان البيئة...) أضحت اليوم موضع اهتمام الجماعة الدولية بأسرها.
لقد اتخذ الفقهاء من مفهوم السيادة منطلقا للدفاع عن آرائهم في وجود نظام دولي. و انقسم هؤلاء إلى تيارين :
الاول : كان مساندا لمفهوم السيادة الكلية للدولة و يعتبر أن المجتمع الدولي هو مجتمع دول مستقلة ذات سيادة كاملة و ان كل دولة لها سيادتها المطابقة لسيادة الدول الاخرى و في نفس الوقت يرون أن المجتمع الدولي يبقى رغم ذلك منظما و الكل خاضع للقانون الدولي.
الثاني : معارض لفكرة السيادة و يرى أن المجتمع الدولي هو مجتمع الامم و تجمعات الامم و ليس مجتمع دول. و بالتالي فهو يرفض أن تكون الدولة سيدة على رعاياها و في نطاق حدودها السياسية.
و يرى الاستاذ Colliard أن مفهوم السيادة خاطئ من الناحية العلمية و خطير من ناحية الآثار السياسية. أما السيادة المقبولة بالنسبة للأستاذ Dupuy فهي سيادة القانون لا غير.

و يرى كثير من الفقهاء أن سيادة الدولة تقوم على جملة خصائص يكمن إجمالها في ما يلي :
أ شاملة: اي أنها تطبق على جميع المواطنين في الدولة و من يقيم في إقليمها، أي شمول السيادة للإقليم و ما عليه من أشخاص وجمعيات و أموال و ثروات...
ب لايمكن التنازل عنها
ج مطلقة: بمعنى انه ليس هناك سلطة او هيئة اعلى منها في الدولة، فهي بذلك اعلى صفات الدولة.
د دائمة: اي انها تدوم بدوام قيام الدولة و العكس صحيح.
و العولمة و ما يرتبط بها من ظواهر و تيارات و مشكلات عابرة للحدود، إنما تخلق حقائق جديدة تتضمن بعض القيود، التي تحد من قدرة الدولة على ممارسة السيادة بمفهومها التقليدي، بالإضافة الى انها تطرح تحديات كبيرة تتمثل في الهيمنة الاقتصادية و السياسية و الثقافية.
بالنسبة لفوكوياما فإن السياسة الجديدة في النظام العالي الجديد ترتكز على الإنتهاكات الدورية لمبدأ السيادة و قد بدأ تآكل هذا المبدأ في التسعينات إذ أدت تجارب المجتمع الدولي في العديد من المناطق إلى توليد أدبيات مطولة عن التدخل الخارجي، و يضيف أن السيادة الوطنية في دول مثل الصومال و أفغانستان اللتين إنحدرتا إلى مستوى أمراء الحرب، إن هي إلا وهم كاذب أو نكتة رديئة، و حكم الدكتاتوريين و منتهكوا حقوق الإنسان مثل ميلوسوفتش في صربيا، لا يمكنهم الإختباء وراء مبدأ السيادة الوطنية لحماية أنفسهم أثناء إرتكاب جرائم ضد الإنسانية
الإقليم :
تستقل كل دولة من الدول القائمة في المجتمع الدولي المعاصر بجزء من إقليم الكرة الأرضية، وهو ركن أساسي فلا يمكن تصور دولة بغير وجود إقليم، و هذا هو العنصر الحاسم الذي يميز الدولة عن الأمة، لأن الدّولة وفقاً لتعريف الدكتور (رايموند كارفيلد) هي (عبارة عن مؤسسة قائمة في مكان ثابت ومعين)( )، ومن البديهي أنَّه لا يمكن قيام أي دولة بدون إقليم ثابت ومعين. وتنبغي الإشارة إلى أن اقليم الدولة يقوم على عناصر أساسية، عنصر الاقليم البري و عنصر الهواء الذي يعلو الاقليم البري والعنصر البحري
وظيفة و دور الدولة:
هذه الوظيفة نجدها تتمثل أساسا لا حصرا في :
1- وظيفة الدفاع الخارجي والمتمثلة في السلطة الفعلية في المؤسسة العسكرية وتتعلق بسلامة الدولة وأفرادها من العدوان الخارجي.
2- وظيفة الأمن على المستوى الداخلي بحفظ سلامة الأفراد وممتلكاتهم وأموالهم.
3- وظيفة العدالة أي العدالة بين الأفراد في وجود قوانين ينص عليها القضاء استنادا إلى شرائع سماوية و وضعية لتحقيق المساواة.
في هذه الشأن ذهب مكيافللي الى حد القول بان" المسائل الداخلية سوف تعالج دوما حين تعالج المسائل الخارجية ما لم يحدث تآمر داخلي يعكر صفو الحال"،
تصنيف الدول:
نعني بذلك تقسيم الدول من حيث فعاليتها الدولية، و هذا يتطلب اعتماد معايير علمية تعتمد على الحصول على احصائيات تكون نسبية نوعا ما :
الدول العظمى: او الفاعل المهيمن و هي الآن و م أ التي تتمتع بمقدرة التدخل في أي جزء من العالم، سواء كان هذا التدخل عسكريا اقتصاديا أم دبلوماسيا او حتى اديولوجيا، ومسؤوليتها الدولية التي تنبني على قوتها تفرض ان يكون لها نقط إرتكاز عسكرية و تموينية و اقتصادية موزعة في انحاء العالم، من اجل الحفاظ على مصالحها المسماة تجاوزا (القومية).
الدول الكبرى: و هي الدول الطامحة الى ان تصبح دولة عظمى وهي تطمح الى القيام بدور عالمي الا ان امكانياتها تحدد نفوذها و فعاليتها بقطاع محدود و معين من العلاقات الدولية، وتنطبق هذه الصفة على دول ذات نفوذ في المجال النووي و المجال الثقافي و الدبلوماسي و المجال الاقتصادي و التكنولوجي، وهذه الدول هي روسيا و فرنسا و بريطانيا و الصين و بحجم اقل الهند.
الدول المتوسطة أو القطب الإقليمي: و هي الدول التي يسميها مارسيل ميرل- الدول التي لا يتوفر لديها طموح و لا إمكانيات لممارسة دور عالمي او حتى قاري، بل المتوفر لديها المقدرة الضرورية للقيام بدور قائد أو زعيم اقليمي، وهي قوة مالية و روحية و اديولوجية تؤثر على التوجهات السياسية للدول المجاورة، مثال على هذه الدول نذكر، البرازيل و بدرجة اقل المكسيك في امريكا الجنوبية، نجيريا في غرب وسط افريقيا و جنوب افريقيا في جنوب القارة، دور مصر السابق على المستوى العربي و الدور السعودي الحالي على المستوى الخليجي، على المستوى الآسيوي فنشير الى الدور الاقليمي للهند و بدرجة اقل تركيا و ايران.
الدول الصغرى أو الدول المقصية Etat Marginalisé: و هي الدول التي تحاول جاهدة المحافظة على استقلالها و حماية ترابها الوطني، ضد طموحات جيرانها بسبب ضعف و صغر حجمها و قلة عدد سكانها وتنطبق هذه الصفة على اكثر من 100 دولة ودورها في الحياة الدولية محدود و موجه.
الدويلات Mini Etat او الدولة القزمة: و يطلق عليها مجازا دول تحاول البقاء، و هي دول حديثة الاستقلال مصطنعة من الدول الكبرى، و هي اما على شكل جزر او شبه جزر، او الدول القزمة التي خلفتها الحروب و النزاعات العرقية، و نذكر مثلا ليشتنشتاين و سان مارينو، و المالديف ومالطا...
2.1 المنظمات الدولية: (فاعل تحت الوصاية) Les organisations Internationales
إن المنظمات الدولية ظاهرة تعود لبدايات القرن 20 ولا تمثل ظاهرة مؤسسية فقط، بل تعد احدى الفاعلين و احدى و حدات النظام الدولي انطلاقا من المكانة التي تشغلها و الاهداف التي تتوخى تحقيقها، وهي في كثير من الاحيان تبدو غير مستقلة بسبب خضوعها لقوى البيئة الخارجية التي تشكل ظغوطا كبيرة تؤثر على قراراتها.
فالمنظمات الدولية تمارس اختصاصا وظيفيا متعدد المضامين ذا ابعاد دولية، فهي من ناحية تمثل احدى أدوات الظبط و التكييف للنزاعات الدولية، و تسهم من ناحية اخرى في ترسيخ السياسات و الانشطة التعاونية في الميادين الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية، و من ناحية اخرى هي وسيلة لتسويق سياسات الهيمنة و الإستغلال بكل أشكالهما.
فالقاضايا التي تشتغل بها المنظمات الدولية او الفاعلون تحت الوصايا هي قضايا المجتمع الدولي وهذه الوظائف متنوعة من حيث المبدأ فهي تغطي مجمل القضايا الدولية كالأمم المتحدة.
و هناك منظمات اخرى تقتصر صلاحياتها الوظيفية على مسائل بعينها مثل قضايا التعليم و الثقافة (اليونيسكو)، و الصحة و مكافحة الاوبئة (منظمة الصحة لعالمية)، و قضايا التجارة الدولي (منظمة التجارة العالمية)...وهناك منظمات ذات اختصاصات اقليمية بحثة اي ان اهتمامها ينصرف الى معالجة القضايا التي تهم دول يجمعها اقليم معين، و ان كانت تلك القضايا تنطوي على ابعاد دولية كجامعة الدول العربية، و منظمة الدول الامريكية، و الاتحاد الاوروبي...لكن الترابط و التشابك بين الصفة الاقليمية لهذه المنظمات و الصفة الدولية هي نتيجة القضايا التي تعالجها التي ذات اهتمام مشترك لكل الدول، كقضايا الامن و التسلح، الغداء و مشاكل البيئة و سياسات التنمية و الاقتصاد...هذا الواقع ان دل على شيء فإنما يدل على ان هذه الظاهرة المؤسسية انشأت بإرادة دولية لمعالجة مشاكل وقضايا بين وحدات النظام الدولي، و بالتالي فان المنظمات الدولية او الفاعلين تحت الوصاية تتمتع بالشخصية القانونية الموضوعية personnalité internationale objective لكنها في نفس الوقت موضوع sujet للقانون الدولي.
لأن تمتعها بالشخصية القانونية الموضوعية لا يعطيها سلطة عليا امرة و قاهرة، و لا يجعل منها إرادة تعلو إرادة الدول المنشئة لها و هناك عدة أمثلة تدل على هذا الواقع كعدم قدرة مجلس الامن على حل و معالجة العديد من القضايا الهامة في العالم، و التي غالبا ما تحل خارجه إما عن طريق الاتفاق المباشر بين الاطراف المعنية واما عن نتيجة ظغط و مساومات بين القوى العظمى و الكبرى، و بالتالي فالمنظمات الدولية الحكومية هي استجابة الاقوياء لنداء الضعفاء دون أن يتخلو لهم عن حق الرقابة على الاداء حسب الاستاذ مارسيل ميرل.
3.1حركات التحرير الوطنية: Les Mouvements de libération Nationale
ان حركات التحرير الوطنية هي سمة من سمات القرن 20 و نتيجة حتمية لضعف القوى الإستعمارية الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية و إنحسار و تصفية الإستعمار في إفريقيا على الخصوص، وقد عرفت سنوات الخمسينات و الستينات و السبعينات ظهور العشرات من حركات التحرير الوطنية، و في نهاية السبعينات قضي على الإستعمار التقليدي و بقيت مجموعة قليلة من حركات التحرير تكافح الإستعمار الإستيطاني، و مفهوم حركات التحرير الوطنية تطور على مستوى المنظمات الدولية خصوصا، و كان من الطبيعي ان يحصل هذا التطور عبر المنبر العالمي الجمعية العامة للأمم المتحدة و الذي يضم جميع ممثلي العالم، عبر القرار الشهير رقم 1514 في ديسمبر 1960 تحت عنوان " إعلان منح الإستقلال للبلدان و الشعوب المستعمرة"، و لقد برزت وظيفة هذه الحركات كفاعل في العلاقات الدولية من خلال حصولها على وضع مراقب أو ملاحظ لدى الأمم المتحدة و أجهزتها و ذلك بناء على القرار رقم 3280، مما سمح لها بلعب دور مهم في العلاقات الدولية خصوصا و ان هذا القرار خولها المشاركة كمراقب في جميع المؤتمرات الدولية و جميع جلسات و اعمال و مداولات الجمعية العمومية القرار رقم 2337، هذا أدى الى إضفاء شخصية قانونية دولية على هذه الحركات في عدة فروع من مجالات قانون الشعوب و نذكر منها:
أ- القانون الدولي الإنساني: حيث نجد محاولات التطبيق العملي لاتفاقيات لاهاي لعام 1907 و اتفاقيات جنيف لعام 1949 اتجاه حركات التحرير الوطنية.
ب- قانون المعاهدات: حيث تبرز هذه الشخصية القانونية عبر مماساتها التعاقدية في مجالات مختلفة مع دول مختلفة و مع بضها البعض، و نذكر على سبيل المثال في هذا الشأن اتفاقية بين فرنسا و جبهة التحرير الجزائرية في مارس 1962، و اتفاقية لوساكا بين الحكومة البرتغالية و الجبهة الثورية لتحرير الموزمبيق (Frelimo) في غشت 1974.
ج- العلاقات الدبلوماسية: تقيم حركات التحرير الوطنية علاقات رسمية مع الدول و المنظمات الدولية بصفتها أعاء مراقبة فيها او اعضاء كاملة العضوية، و تتجلى هذه العلاقات من خلال الإرتباطات الودية بينها و بين بعض الدول و تظهر من خلال الزيارات الرسمية التي يقوم بها زعماء هذه الحركات لبعض الدول، ايضا تظهر هذه العلاقات عند اقامة بعثات دبلوماسية دائمة او مكاتب ارتباط او اعلام.

2. الفاعلون الجدد: -القوى العبر وطنية Les Flux Transnationnales-
هناك شبكات وتدفقات تتجاهل الحدود، ولا تقلق بشأن مواضيع السيادة الوطنية التي هي في قلب عمل الدولة دون تطرف مع تطور المجتمع الدولي، و مع ظهور فاعلين دوليين جدد الى جانب الدول برزت مشكلة تواجه دارسي العلاقات الدولية، الا وهي تحديد من هم؟ و ما هي وظيفتهم على الساحة الدولية؟
أبرزت خبرة الربع الأخير من القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين تغيرات هيكلية في السياسات والعلاقات الدولية و برزت معها الحاجة إلى اتساع النظرة التحليلية التي كانت تعترف في السابق بكون الدول هي الفاعل الوحيد في العلاقات الدولية، وأن مفاهيم مثل القوة والصراع هي الحاكمة لجوهر العلاقات بين الدول، وذلك نظرا لبروز دور فاعلين جدد من غير الدول تحت تأثير قوى العولمة.
فقد اقتضت هذه الأوضاع الدولية المتطورة النظر للعالم باعتباره نظاما من التفاعلات التي يلعب فيها فاعلون آخرون من غير الدول دورا مهما في موضوعات سياسية واقتصادية وإعلامية جديدة، تتجاوز مستوى التفاعلات الحكومية الرسمية وتتخطي الحدود والسيادة، وفي هذا الإطار برز دور بعض الفاعلين الجدد من غير الدول.Non State Actors، ومن غير المنظمات الدولية.
كما أن التغير في مفهوم مؤشر قوة الدولة أو ما سمي بأزمة القوة في العلاقات الدولية، كنتيجة لتراجع دور الدولة التي هي الاصل أو حجر الزاوية لدى رواد الواقعية، كمنظرين للمفهوم التقليدي للقوة (ريمون آرون 1984 و مورغنتاو 1978 )، و بالنظر أيضا إلى انحصار استئثار الدول بمصادر القوة كالتكنولوجيا و الاقتصاد و الاعلام، هذا كله أدى إلى إدخال مفهوم القوة بالمعنى التقليدي في مرحلة الشك، و نتيجة لهذه التحولات في وظائف الدولة فتح الباب على مصراعيه أمام ظهور فاعلين جدد يمتلكون قوة تضاهي بل تفوق قوة بعض الدول في بعض الحالات قد يكونوا أفرادا ( Ted Turner de CNN) و (Rubert Murdoch de News Corporation) و (Bill Gates de Microsoft)
وبالتالي فهناك قوى فاعلة في الحياة الدولية يترتب على وجودها نوع من النشاطات غير الرسمية تخرج عن نطاق سيطرة او رقابة الاجهزة الحكومية و تتعدى الحدود الوطنية، و قد تأخذ اشكال متعددة أهمها:

1.2- المنظمات غير الحكومية Les organisations non-gouvernementales
ينصرف المعنى الذي ينطوي عليه تعبيير المنظمات غير الحكومية الى تلك التجمعات التي تمارس نشاطات متعددة لا تتحد بالهويات القومية، و دورها في العصر الحالي يتميز بالحيوية و الاتساع نظرا للتطور الكبير على مستوى التجارة الدولية و وسائل الاتصالات و التكنولوجيا، و نشاط هذه المنظمات يتصف بسمتين رئيسيتن، هما اولا التلقائية فهو ارادي و اختياري، و السمة الثانية هي التضامن الدولي، ووجود هذين العنصرين و نتيجة للتفاعل القائم بينهما في اطار مؤسسي قابل للديمومة و الاستمرار من شأنه ان يتيح للأفراد فرصة المشاركة في دينامية المجتمع الدولي و الاسهام في تفاعلاته. هذه الشبكة العلاقاتية العبر وطنية تزيد من فرص التعاون و امتصاص الصدمات في العلاقات الدولية فضلا عن طبيعة نشاطها الذي استحدث مفهوم عالم بلا حدود، لكن تجدر الاشارة الى ان عدم تمتع هذه المنظمات بالشخصية القانونية الدولية يؤدي الى دخولها في مشاكل مع الدول عندما ترى في عملها ما لا يتناسب مع مصالحها الوطنية، هذا لا يحول دون تمكنها من الحصول على قدرات التأثير على انماط التفاعلات الدولية من خلال الظغط على صناع القرار او دفعهم نحو نوع من نمط الحركة يتماشى مع اهدافها.
2.2 – الشركات متعددة الجنسية: Firmes Multinationales
لقد ولِدت الشركات متعددة الجنسية الأولى، في الدول الأوربية الصغيرة حيث كانت فيها السوق الداخلية ضيقة جدًا "فيليبس بهولاندا و نستلي في سويسرا" ثم تطورت في الولايات المتحدة بعد عام 1945، أما اليوم فهي موجودة في جميع البلدان الصناعية وتمتلك فروعًا في دول أخرى، مع إضفاء الطابع الدولي(INTERNATIONALISATION) على نشاطاتها في قابلية الإنتاج لكن بمركز قرار وحيد. ويمكن أن يكون لها وزن اقتصادي ضخم أكبر من بعض الدول، إن رقم الأعمال لشركة جنرال موتورز هو أعلى من الناتج القومي الخام لبعض البلدان مثل العربية السعودية وتركيا، ويمكن للشركات متعددة الجنسية أن تلعب دورًا أساسيًا وهامًا، وقد تتعارض مصالحها مع بعض الأنظمة و الدول فتتآمر عليها و تسعى للإطاحة بها، مثل ما قامت به الشركة الأمريكية ITT عندما لعبت دورًا هامًا في الانقلاب على النظام المنتخب لسلفادور أَلَّندى في التشيلي.
وعلى الرغم من كل ذلك تمتلك الشركات متعددة الجنسية "رأس مال" وقومية، وتحتفظ لنفسها بمرسى خاص في مناطقها الأصلية. وتحترم الشركات متعددة الجنسية الأمريكية سياسة حكومتها تجاه بعض الدول مع أن ذلك يشكل نفورًا من قبلها، وعلى العكس تتدخل الحكومة الأمريكية لصالح تلك الشركات من أجل الحصول على بعض الأسواق. و اجتمع "كوفي أنان" الأمين العام للأمم المتحدة بمدراء مؤسسات تجارية وصناعية متعددة الجنسية بتاريخ شهر تموز عام 2000 من أجل إعداد شراكة تستهدف الكفاح ضد انحرافات العولمة، بشكل تكون هذه العولمة قائمة فيه على مبادئ حقوق الإنسان. وقد تم الاعتراف بهذه وبدأت تأخذ المنظمات الدولية الممثلة للدول هذه الشركات بالحسبان، وبشكل يسمح لوضعها كفاعل هام في العلاقات الدولية.
واليوم فهي موضع نقد شديد من قبل أولئك الذين يعارضون العولمة، بداعي أنها ستسحق هويات مختلفة وخاصة نزعة السكان في منطقة أو إقليم معين، يرغبون في المحافظة على خصائصهم و إستقلالهم الذاتي، وهذه الشركات عموما تسعى للكسب الفوري على حساب المصلحة العامة.(PARTICULARISME) ويرى آخرون فيها شعاع للعصرنة، ويشيرون إلى ملاحظة أن العاملين فيها تدفع لهم أجور أفضل بصورة عامة من أولئك العاملين في الشركات الوطنية، وبأن نشاطاتها الدولية تعطيها التزامات على هذا المستوى

3.2- اللوبي: LOBBY
هذا المصطلح يعني لغويا ( البهو Coulisse) أما اكاديميا فهو من أصل أنجلوسكسوني و استخدم أول مرة في إشارة إلى المفاوضات غير الرسمية التي تجري في البهو او كما تسمى عادة في ( الكواليس)، اي ليس في قاعة الإجتماعات إنما في خارجها في البهو أو المطعم أو حتى في الغرف...
أما من حيث البنية فهذه اللوبيات هي عبارة عن جماعات منظمة علنية أو سرية هدفها الظغط أو التأثير على السلطات السياسية عبر تحريك الرأي العام و توجيه قرارات البرلمان في إتجاه مصالحها، و نحن كدارسين للعلاقات الدولية تهمنا جماعات الضغط ذات المصالح الدولية، و التي تعتبر كفاعل من الفاعلين الجدد في العلاقات الدولية و الي تمارس ضغوطاتها على حكوماتها بهذف توجيه سياستها الخارجية و ذلك بإتباع وسائل و طرق مختلفة مثل:
-تقديمها النصح أو ما يسمى the best advise، و ذلك بتقديم وثائق و دراسات أو عبر محادثات مباشرة بين ممثلي هذه الجماعات و الوزراء و البرلمانيين الو الموظفين السامين.
-إفساد المسؤولين عبر تقديم مبالغ مالية او مرتبات شهرية.
-تهديدات و عرض للقوى أو وسائل اخرى من قبيل اجتياح البرلمانات أو جمع التواقيع ...
ملكية وسائل الإعلام من تلفزة و إذاعات و صحف و استغلالها في تحقيق مصالحها.

4.2- الرأي العام الدولي Opinion publique Internationale
إن أي محاولة لتعريف الرأي العام الدولي تفضي الى القول، بأنه هو تلك الاتجاهات التي تسيطر على أكثر من مجتمع واحد أو التي تعكس توافق في المواقف بين أكثر من وحدة سياسية واحدة، إن الأستاذ مارسيل ميرل يعتقد ان الرأي العام الدولي لا يمكن ان يتبلور إلا من خلال تقارب أو اتفاق وجهات نظر الآراء العامة الوطنية، و ذلك يتم عبر عدة أشكال، اهمها توافق الرأي العام في دول متعددة و قيامه بإجراءات عملية للتعبير عن ذاته، عادة ما تتخذ شكلا تعبويا كما هو الامر بالتنديد بقرارات دولية معينة فيما يتعلق بحقوق الانسان، في الواقع و رغم تزايد ردود فعل الشعوب ازاء ما يحدث في العالم، الا ان السياسة الخارجية لازالت لا تشكل هاجسا كبيرا للفرد بالمقارنة بقضايا السياسة الداخلية ، وهناك أمور مختلفة لعبت دور في تحولات الرأي العام الدولي مثل التقدم التقني في وسائل الاتصال الذي أدى إلى استحالة إقفال الحدود، و هذا الرأي العام العالمي خلق صور أساسية، اهمها تقارب وجهات النظر من عدة مجتمعات تجاه مشكلة واحدة.
و أصبح بالإمكان أخذ قياس الرأي العام العالمي عن طريق الدراسات و بروز دور كبير للأحزاب السياسية وجماعات الضغط، اذ لازالت هناك صعاب تحول دون وجود رأي عام عالمي فعّال، لعل ابرزها سيطرة الولايات المتحدة ودول الشمال على النظام الإعلامي الدولي "دكتاتورية اتصالية" وهناك اختلال وكثير من السلبيات في هذا الباب ايضا، اهمها أن جماهير دول الشمال لا تعرف أحداث دول الجنوب بسبب عوامل عديدة، كذلك شعور دول الجنوب بالدونية والانهزامية وتزايد شعور دول الشمال خاصة البيض بالاستعلاء العرقي و النزوع إلى كره الأجانب و العنصرية.

المحور الثاني: مظاهر التحول في العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة
التحول في العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة تميز بالشمولية والعالمية التي همت جميع الميادين، وبالتالي فالتحول لم يقتصر على الفاعلين في العلاقات الدولية بل شمل أيضا العديد من الجوانب لها علاقة مع بنية هؤلاء الفاعلين و الأدوار التي يلعبونها على الساحة الدولية كالمفاهيم والقيم: كالعولمة، حقوق الإنسان، الديمقراطية... فأصبح يتم تسويق الكثير من المشاريع باسم حقوق الإنسان والسلم والأمن الدوليين، حتى مفهوم السلم والأمن عرف تحولا يتماشى مع النظام العالمي الجديد.
1 التحول على مستوى المفاهيم و القيم:
هذه القيم والمفاهيم أصبحت تشكل آلية من آليات إدارة النظام العالمي حيث أصبحت مجالا لتبرير و تسويق سياسات لم تكن مقبولة من قبل المجتمع الدولي وتتمثل في تبرير فكرة التدخل لحماية حقوق الإنسان، و بالتالي فإننا أمام تغير في القيم الإنسانية بتحويلها من قيم إنسانية و كونية إلى وسائل للتدخل و السيطرة.
و يلاحظ الإختلاف و التعارض بين العولمة بما جاءت به من سياسات وعلاقات اقتصادية واجتماعية ودولية وبين الديمقراطية بعد نهاية الحرب الباردة، فالشركات العالمية والأقليات المالية القوية تسعى للاستفادة بشتى الطرق من اقتصاديات السوق مستهدفة في ذلك تعظيم أرباحها، إعمالا لمبادئ البرالية الجديدة التي تسعى لزيادة فرص الاستثمارات للشركات الأمريكية وإملاء سياسة الباب المفتوح من أجل الوصول إلى مصادر المواد الأولية ولو كان ذلك على حساب الشعوب و زيادة البطالة وإلغاء مكتسبات العمال والطبقة الوسطى.
ولا يخفى على احد أن المعالم المميزة لواقع الاقتصاد العالمي بعد نهاية الحرب الباردة هو عدم التكافؤ والتفاوت في القوة والموقع والتأثير للأطراف المشاركة فيه وربما يفسر لنا ذلك لماذا هناك تطور الآن في بعض الجوانب من العولمة إلى الإقليمية خصوصا على المستوى الإقتصادي و الأمني، ففي نفس السياق يندرج بزوغ الكتل الاقتصادية الكبرى الجهوية التي تنحو نحو تكوين قواعد التكامل الإنتاجي والتكنولوجي والتمويلي والنقدي، و بالتالي فإن هذا التطور من العولمة إلى الإقليمية هو بغرض تقاسم المسؤولية الأمنية و الإقتصادية في العالم حتى يمكن تنظيم لعبة الصراع والتنافس على صعيد العالمي، لأن التفاوت في القوة و الموقع على المستوى الإقتصادي و الأمني أرهق بالولايات المتحدة الأمريكية بإعتبارها الفاعل المهيمن على الساحة الدولية، هنا يظهر أن هذا التحول يأخد شكل المتحكم فيه و الموجه بحيث لا يصل إلى إلغاء البنيات المسيطرة على النظام الدولي بغية جعله تغيير متوازن، مما يسمح بالقول أن التحول على مستوى القيم و المفاهيم بعد الحرب الباردة يتميز بسرعة شيء ما- متوسطة- و متحكم فيها.
من جهة أخرى فإن ما يميز أيضا فترة ما بعد الحرب الباردة، هو ان قوة العمل البشري مستبعدة تماما من حرية الحركة والتنافس فإذا كان مسموحا لرؤوس الأموال والسلع أن تقتحم الأسواق والحدود دون أية عقبات، فالبلدان الصناعية المتقدمة قد عمدت في السنوات الأخيرة مع استفحال ظاهرة البطالة إلى تغيير قوانين الهجرة والعمل والإقامة للأجانب بل أصبحت تعارض استقبالهم وتسعى لطردهم كلما أمكنها ذلك.
لقد اعتبرت مسألة حقوق الإنسان إحدى المداخل الرئيسية لقيام النظام العالمي الجديد والدولة وفقا لهذه التطورات لم تعد الفاعل الرئيسي الوحيد في العلاقات الدولية، إذ ظهرت قنوات عديدة يمكن من خلالها ان يتفاعل الفرد مع النظام الدولي بحيث أن أية انتهاكات لحقوقه تعد أحد الوسائل المشروعة للتداول في مجال العلاقات الخارجية وهذا يعد بحد ذاته تطورا مهما في ميدان حقوق الإنسان وفق المنظور الغربي.
أما من ناحية الإيديولوجية: انتهاء الصراع العقائدي بين الشرق والغرب لا يعني إخفاء دور الإيديولوجية بوصفها عاملا محركا في العلاقات الدولية، فالصراع الدولي انتقل إلى المناطق الفرعية التي تشهد صراعات عنيفة وأزمات متصاعدة التي تعد إحدى أوجه تصفية الحسابات و من نتائج الحرب الباردة، والقاعدة في هذا الشأن خير مثال.
إن العالم يشهد اليوم سيادة إيديولوجية القطب المهيمن، سيادة الأفكار الرأسمالية ومفاهيم التعاون واعتماد المنفعة المتبادلة والمساواة والتمسك بالديمقراطية بالمفهوم الغربي، هذه الأفكار التي تشكل حقوق السوق فإن تم الإخلال بهذه الحقوق يتم تحريك ملفات حقوق الإنسان.
2 التحول على مستوى الفاعلين:
1.2- السوق: Le Marché
يؤمن العديد من الملاحظين بان انتقالا عميقا بدأ يأخذ مجراه، فمن اقتصاد عالمي تتحكم الدولة في السيطرة عليه إلى اقتصاد عالمي يتحكم السوق في دواليبه، و يحاجج الكثير بان البشرية تسير بسرعة نحو عالم بدون حدود سياسية، فبسقوط الاقتصاد السوفيتي الموجه و فشل إستراتيجية إحلال الواردات (لدول) العالم الثالث، و النجاحات الاقتصادية الباهرة للاقتصاد الأمريكي في التسعينيات شجعت على القبول بأسواق غير مقيدة على أنها الحل للأمراض الاقتصادية في المجتمع المعاصر، كما ان عمليات إعادة التقنين و إصلاحات أخرى حدت من دور الدولة في الاقتصاد، فأمن العديد بأن إقتصاد السوق من خلال الوظيفة الجديدة التي أصبح يمارسها أضحى هو الآلية الأهم المحددة لكل من الاقتصاد المحلي (الداخلي) و الدولي.
هذا السوق الذي لم يكن فاعلا في العلاقات الدولية من قبل أصبح مع هذه الوظيفة الجديدة هو المحدد للشؤون الإقتصادية و السياسية و من تم للعلاقات الدولية، و يرى فيه البعض الوعاء أو الحامل الاساسي و الحقيقي لمفهوم القوة المعاصرة support de puissance، و أحدثت هذه التحولات ما يسميه البعض بخوصصة القوة la privatisation de la puissance في مجال العلاقات الدولية ، ففي ظل اقتصاد شامل عالي الاندماج، أصبحت الدولة-الأمة بحسب البعض شيئا من الماضي و في تراجع مستمر، و يعتقد كثيرون بان تراجع (دور) الدولة سيؤدي إلى اقتصاد رأسمالي مفتوح و شامل في حقيقته، زائد تجارة و تدفقات مالية غير مقيدة، و نشاطات عالمية أكثر للشركات المتعددة الجنسيات.
إن التدفقات المالية غير المظبوطة في إقتصاد السوق أدت إلى إدماج قصري للمجتمعات الوطنية في نظام اقتصادي شامل، فأصبحت هذه المجتمعات تتقاذفها قوى اقتصادية و تكنولوجية يصعب فيها التحكم أو لا يتحكم فيها أصلا، و بالتالي إطلاق اليد الطولى للأسواق و لقوى اقتصادية أخرى أدى إلى زيادة حدة الصراع فيما بين الأمم، و فيما بين الطبقات الاقتصادية و فيما بين الفئات القوية، و يؤيد الكثيرون على ما اسماه المستشار الألماني السابق "هلموت شميث" بالصراع على المنتوج العالمي الذي سيترتب عنه تجمعات جهوية متنافسة تسيطر عليها إحدى القوى الاقتصادية الكبرى.
2.2 الدول Les Etats
أما على مستوى سيادة الدول فالعولمة و ما يرتبط بها من ظواهر و تيارات و مشكلات عابرة للحدود، تخلق حقائق جديدة تتضمن بعض القيود التي تحد من قدرة الدولة على ممارسة السيادة بمفهومها التقليدي، بالإضافة الى انها تطرح تحديات كبيرة تتمثل في الهيمنة الاقتصادية و السياسية و الثقافية. و لا جدل ان سيادة الدولة في ظل نظام الثنائية القطبية غير سيادة الدولة في ظل هيمنة الولايات المتحدة على قيادة العام كفاعل مهيمن وحيد، و الأحداث التي شهدها العالم خلال العقدين الأخيرين قد أفرزت بوادر تحول في مفهوم السيادة انطلاقا من التحول العام في العلاقات الدولية، في اتجاه تقييدها بشروط تختلف في طبيعتها انطلاقا من الانساني مرورا بالسياسي و الاقتصادي وصولا الى الامني، من أجل تحويل السيادة من منطق الحق المطلق الى منطق الحق المسؤول، هذا التحول ارتبط ببروز العديد من الظواهر مست مبدأ السيادة اهمها التدخل الدولي بشقيه السلمي و العنيف و النظام العالمي الجديد، وقد تأكد هذا التحول في مفهوم السيادة عندما صرح الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان" أنه لم يعد هناك حصانة للسيادة"، وبالتالي فتدويل مفهوم السيادة يعني وجود نوع من النظام لمساءلة الدول عن التعسف في استعمال هذا الحق.
و على مستوى وظائف الدول، فقد رافق ظهور مفهوم العولمة (globalization) وسيادة قيمها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية اكبر المؤثرات في منح الدولة أدوارا جديدة او سحب ادوار تقليدية منها فأصبح اقتصاد السوق هو السائد وخاصة بعد انهيار النظام الاقتصادي الاشتراكي الذي كان للدولة فيه الدور الأكبر من حيث السيطرة على الموارد ومركزية التخطيط والملكية العامة لكل المقدرات والموارد، لقد وضعت العولمة حسب بعض المفكرين المسمار الأخير في نعش الدولة وأعلنت انتهاء دورها وزمانها حيث أصبح كل شيء يدخل ويخرج من و إلى الدولة على الصعد كافة دون أن تستطيع أن تمنعه او تحد منه، فكل شيء أصبح عابر للحدود ومتجاوز لها فتحول العالم إلى قرية كونية صغيرة وأصبح ينظر إلى المجتمع الدولي كوحدة واحدة وأصبحت الدولة ضعيفة عاجزة وأصبحت بعض المخاطر الداخلية تؤثر عليها أكثر.
لكن بما ان المجتمع يتغير فان دور الدولة يتغير من زمان إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر، وبالتالي فان نمط علاقاتها الدولية يتحول الشيء الذي يجعل العلاقات الدولية كلها في حال تغير، ويعزز هذا التوجه هو تغير شكل الدولة من مرحلة إلى أخرى فالظروف الدولية التي يعيشها العالم مؤخرا أعادت الحياة إلى دور الدولة على اعتبار أنها الطرف الأقدر والاهم والذي يملك القرار في كل شيء والأزمة المالية العالمية الأخيرة أثبتت أن الدولة ما زالت هي المنقذ الرئيسي لكل ما يواجه المجتمع العالمي من أزمات حيث تدخلت الدولة فعليا في الاقتصاد- وعملت - وما زالت تعمل على محاولة إنقاذه موجهةً ضربةً قويةً لمن رفضوا تدخلها في البداية ولكنهم عادوا يتوسلون إلى الدولة وليس إلى السوق لإنقاذهم .
فرغم منادات العديد من الباحثين و المفكرين إلى تهميش دور الدولة « moins d’Etat » تبقى هذه الاخيرة حجر الزاوية في منظومة التفاعلات و التبادلات الدولية « axe central » ، و يؤكد على هذا الطرح ما ذكره بعض الباحثين منهم فرنسيس فوكوياما في كتابه "بناء الدولة"، حيث يؤكد على أن أجندة بناء الدولة و التي لا تقل أهمية عن أجندة تقليص دورها، لم تعط قدرا موازيا من الإهتمام و التفكير، فكانت النتيجة فشل الإصلاحات الإقتصادية الليبرالية في تحقيق الوعود التي قطعتها على نفسها في العديد من دول العالم، و التي أدى تغييب الإطار المؤسساتي فيها إلى ترك الدول في وضع أسوأ مما كان أن تكون عليه في الواقع بغياب تلك الإصلاحات.
و يضيف فوكوياما في هذا الصدد إلى أن القضية المحورية في السياسة العالمية في فترة ما بعد 11 سبتمبر 2001 ستكون هي كيفية بناء الدولة، و سوف يكون إضمحلال الدولة بالنسبة للمجتمعات الفردية أو المجتمع الدولي على حد السواء مدخلا للطوباوية و الكوارث و النكبات، و ستشكل هذه الدول مخاطر و تهديدات جدية للمجتمع الدولي و بالتالي فإن دعم هذه الدول و إعادة بنائها مهمة حيوية لضمان الأمن العالمي، في النهاية سيستلزم الذين يبشرون بغسق السيادة المطالبة بتقديم البديل عن سلطة سيادة الدولة-الأمة في العالم المعاصر، لأنه لاخيار لنا إلا العودة إلى الدولة الأمة ذات السيادة و السلطة.
إذن تبقى الدولة هي الفاعل الرئيسي والاهم في العلاقات الدولية على الرغم من كل ما شهده ويشهده العالم من تطورات ومن تجذر قيم العولمة، فهل نشهد تحولات جديدة في دور الدولة في المستقبل إنقاذاً لما يعانيه العالم من أزمات ومشكلات ..؟؟؟. سؤال برسم الإجابة والزمن كفيل بإعطاء الجواب الشافي الكافي له .
ونشير في نهاية هذا الحديث بخصوص موقع الدول كفاعل أساسي في العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة، إلى 4 وظائف أو صفات رئيسية مكنت تحفظ من أن تحتفظ مكانتها كفاعل رئيسي رغم التحولات و الأزمات و هي :
الدولة تبقى هي الضامن للمصلحة العامة garant de l’intérêt général ،فهي المسؤولة عن ضمان حقوق الافراد و المبادئ الاساسية لشرعيتها .
الدولة هي الحصن الواقي في حالة الازمات Etat rempart en cas de crise ،إذ لها دور المراقبة و المسؤولية للتدخل في حالة وقوع أزمات مهما كان نوعها و تهدد سلامة مواطنيها و جودها ، و هذا ما لمسناها في الازمة المالية الاخيرة التي عاشتها و مازالت العديد من الدول الرأسمالية بالخصوص.
الدولة المفاوض Etat négociateur حيث ما زالت تملك سلطة قوية في مجال التفاوض سواء لحسابها الخاص أو لحساب رعاياها من شركات و أفراد.
الدولة المقاولة Etat entrepreneur حيث تمتلك الدولة زمام المبادرة في خلق المشاريع و تحريك دواليب الاقتصاد في العديد من المجالات رغم انحصار رقعتها في زمن العولمة .
الدولة تبقى هي الضامن الرئيسي للمصلحة العامة َEtat garant.
أما من ناحية إنعكاسات تأثير التحول في دور و موقع الدول بعد الحرب الباردة على نظام الأمن الدولي، حاول روبرت كوبر في كتابه " تحطم الأمم- النظام و الفوضى في القرن 21" أن يستشرف إنعكاس التحول في موازين القوى على نظام الأمن الدولي حيث يقول، إنه في عالم من اللاعبين المتساوين في القوة نوعا ما من الناحية العملية لايوجد سوى طريقين لبلوغ الإستقرار، أولهما هو الهيمنة و الآخر في التوازن، هذا الآخير كان هو الخيار في الماضي ولكنه لم يعد صالحا في الوقت الحاضر، فالتوازن غير مستقر و هو الآن في غاية الخطورة كما أن الهيمنة تولد الإستياء، و بدلا من ذلك يوجد إحتمال ثالث أمن ما بعد الحداثة، فنوع العالم الذي نعيش فيه يعتمد على نوع الدول التي تشكله، بالنسبة لعالم ما قبل الحداثة النجاح هو الإمبراطورية و الفشل هو الفوضى، و بالنسبة للعالم الحديث يستتبع النجاح وجوب إدارة توازن القوى و الفشل يعني العودة إلى الحرب، بالنسبة لدول ما بعد الحداثة النجاح يعني الإنفتاح و التعاون بين الدول أو ما يسمى بسياسة توسعة السياق أو الربط و نظام الدولة المفتوح هو النتيجة النهائية للمجتمع المفتوح.
وفي نظام توازن القوى المرتبط بنظام الهيمنة تظل القوى العظمى القطب الأوحد " غير محصنة تماما ضد إمكانية أن تتوازن معها معظم قوى الدرجة الثانية أو كلها إذا عملت معا " حيث يمكن لهذه القوى أن تؤسس حلفا عسكريا موجها ضد القوى العظمى، لكن يرى بعض الباحثين أن تحقيق التوازن بالإكراه صعب، لذلك فإن التوازن بالإقناع يظل الخيار الأمثل، و قد زاد الإهتمام به سريعا نتيجة المعارضة الواسعة للقرار الأمريكي الأحادي الجانب في عام 2003 بالتدخل في العراق.
3.2 الفرد L’individué
أن نوعا جديدا أضيف إلي قائمة الفاعلين من غير الدول، هو "الفاعل الدولي الفرد" الذي يمثل ظاهرة جديدة لا تزال قيد التشكل وجوهرها إمكانية أن يصبح شخص أو فرد من الأفراد فاعلا علي المستوي الدولي، سواء بالمعني القطري أي على مستوى الدولة الواحدة، أو الدولي أي علي مستوى العلاقات بين الدول، وذلك نتيجة امتلاك هذا الشخص قدرات مالية أو اقتصادية أو إعلامية تمكنه من التأثير في مجريات الأحداث، ليس فقط داخل دولته لكن أيضا في النطاق الإقليمي أو الدولي، و تعتبر النظرة التقليدية للعلاقات الدولية الأفراد ليسوا فاعلين دوليين لأنهم ليسوا مواضيع للقوانين الدولية، مع ذلك إنه من الصعب نفي أهمية بعض قادة الدول الذين أصبحوا وجوهًا تاريخية وتتوقف على آرائهم قرارات هام، فلبعض الوجوه الأخلاقية أو الدينية "البابا، الدالاي لاما "آراء ذات أهمية دولية هامة، وهناك وجوه إقتصادية و رؤساء مشروعات كبرى أيضًا يلعبون هذا الدور كالأمريكي من أصل مجري، (GEORGE SOROS) فلقد كان جورج سوروس في سنوات التسعينيات الرمز الفردي الذي يمكن أن يلعب دورًا على المستوى الدولي، فقد أصبح أحد الذين يجسدون "السوق" بشكل طبيعي، هذا السوق هو الذي يوجه العالم اليوم، فقد ضاربت الشركة التي يقودها ضد الجنيه الاسترليني في عام 1992، أدت هذه المساهمة إلى إجبار الحكومة البريطانية على خفض قيمة الجنيه.
و استطاع روبرت مردوخ بناء إمبراطورية عملاقة تجاوزت ميزانياتها وأرباحها ميزانيات كثير من الدول، مما أعطاه في المقابل تأثيرا ونفوذا في السياسة الدولية، حيث انتشرت مؤسسسات "نيوز كوربوريشن" التي وصلت إلى 800 مؤسسة إخبارية وإعلامية ليس في بريطانيا والولايات المتحدة وحدهما، بل وفي استراليا وإيطاليا و52 بلدا آخر لتمتد إلى أربع قارات حول العالم. ويمتلك مردوخ أكثر من (175) صحيفة شهيرة، وفي مجال التلفزة والبث الفضائي يمتلك (12) محطة تليفزيون في أمريكا وحدها، ويمتلك أيضا شركة "فوكس القرن العشرين" للسينما، والعديد من أكبر دور النشر العالمية كدار نشر "هاربر كولنز"، و استطاع مردوخ التدخل في كثير من قضايا السياسة الدولية، وأن يؤثر في الرأي العام العالمي حيث استخدمت هذه القدرات الإعلامية الكبيرة لدعم السياسيين الذين يخدمون مصالحه، ولتهديد كل من يعارضه بغض النظر عن أية معايير مهنية أو أخلاقية.
4.2 الإعلام و وسائل الإتصال le Média et Les moyens de Communication
أما الانترنيت فأصبح من غير الممكن استبداله من الآن وصاعدًا، هذه التقنية التي هي ثمرة الجهود التي بذلت خلال ثلاثين عامًا من قبلُ الجيش الأمريكي لتحسين أنظمة الاتصالات الضرورية للوحدات المتحركة البعيدة عن قواعدها، لم يتردد البعض عن القول انها مع المحطات الإخبارية العالمية تشكلان العضو السادس الدائم في مجلس الأمن الدولي، لأنه من غير الممكن تشكيل عملية عسكرية تابعة لمنظمة الأمم المتحدة إذا لم يتم تسويق هذه العملية و يشاهد جمهور الناس الصور المبررة لها على التلفاز مسبقًا . و في 1995 كتبت جريدة Le Point الفرنسية مقالا اعتبرت فيه Bill Gates الرجل الاكثر تأثيرا في العالم لامتلاكه شركة Microsoft المحتكرة لسوق المعلوميات. و في إيطاليا وصل تأثير وسائل الاعلام و النفوذ إلى درجة نقلت رئيس الوزراء السابق Silvio Berlusconi من لاشيء إلى سدة الحكم بواسطة إمراطوريته الاعلامية و المالية، أكثر من هذا فإن تقنية الهاتف المحمول استطاع بها تحريك mobiliser بين ليلة و ضحاها حوالي 13% من الناخبين الجاهزين.
و في الآونة الأخيرة أصبحت شركات محركات البحث على الأنترنت مثل "اليوتوب" و"جوجل"، وشبكات التواصل الإجتماعي تلعب دورا كبيرا في تشكيل رأي عام دولي ظاغط على الحكومات و محفز لأنماط من التفاعلات تترك بصمات واضحة على مستوى العلاقات الدولية عامة.
وهذا التحول المستمر في طبيعة الفاعلين من غير الدول جعل مسألة نمط تأثيرهم في العلاقات الدولية، وما إذا كانوا عنصر استقرار أو عدم استقرار فيها من القضايا المثيرة للجدل، وقد تعزز هذا الجدل مع حالة الثورة التي شهدتها المنطقة العربية المهمة منذ مطلع هذا العام، فما صاحب هذه الحالة من تغيير جذري أطاح النظم القائمة، كما هو في حالة كل من مصر وتونس و ليبيا، استرعي الانتباه إلي أهمية هؤلاء الفاعلين في التواصل الاجتماعي و الفرد و جماعات الظغط المختلفة، فقد بلغ عدد المشتركين في موقع الفايسبوك وحده سنة 2011 أكثر من 500 مليون شخص حول العالم مرتبطين ببعضهم البعض، حتي إن حلف الناتو في أحد إصداراته Nato Review، أثار تساؤلا حول ما إذا كانت الثورات العربية هي "ثورة الفيسبوك رقم 1" أم لا؟

3 بروز ظاهرة الاعتماد المتبادل والتكتلات الاقتصادية: l’Interdépendance et Les Blocs Economiques
إذا كانت العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة عرفت تغيرا جذريا تمثل أساسا في إعادة ترتيب عوامل القوة، حيث لم تعد القوة العسكرية هي الإساس في تحديد قوة الفاعلين الدوليين بل أصبح هذا التحديد أكثر تعددا، إذ أصبحت تدفقات العولمة بين الفاعلين هي المحدد الأساس و الضابط لقوة التأثير في العلاقات الدولية، و قد صبغ هذا التحول ميزة المنافسة الشرسة و محاولة تعطيل منطق قوة الدولة...وغلبة منطق القوة و الإستغلال في تحصيل المصالح والحرب من أجل المعلومة، من أجل امتلاك العلم والتكنولوجيا و تبلور التجسس الاقتصادي كمفهوم جديد في عالم الاقتصاد الدولي بعد الحرب الباردة.
فقد عرفت هذه العلاقات تحولا أيضا بإتجاه مفهوم الإعتماد المتبادل، فقد طالت عدوى التحولات‮ "‬المؤسسات الإقتصادية الدولية‮" ‬فبعد أن كانت تتسم بالتقليدية‮ ‬وتميل نحو الانغلاق‮ ‬وعدم المرونة الهيكلية، باتت تجنح نحو مزيد من الاعتماد المتبادل والتشابك نظرا للتداخل الشديد بين هذه الأطر المؤسسية من حيث العضوية‮،‬ فمنتدي الآسيان بالكامل جزء من التجمع الأوروبي‮ - ‬الآسيوي، وكذلك الانفتاح الواضح بين الأطر التقليدية ذات الطابع المؤسسي القانوني‮- ‬الاتحاد الأوروبي نموذجا‮ -‬والأطر عبر الإقليمية ذات المؤسسية المرنة‮- ‬الآبك نموذجا‮- ‬فلكل هذه الأطر أجندتها، وأهدافها الخاصة لكنها تكمل بعضها بعضا، على نحو يكرس من ظاهرة التشبيك في العلاقات الدولية‮ ‬Networking‮ ‬والاعتماد المتبادل Interdependency ‮‬بين الأقاليم على المستويات الاقتصادية والأمنية. وبالإضافة إلى تبنيها نظام السوق فقد إندمجت الإقتصادات العالمية خصوصًا الصناعية إندماجًا عميقًا أوجد إعتمادًا كبيرًا متبادلا فيما بينها و نوع جديد من تقسيم العمل الدولي الذي يتم بمقتضاه توزيع العملية الإنتاجية الصناعية بين أكثر من دولة بحيث يتم تصنيع مكونات أي منتج نهائي في أكثر من مكان واحد، مما جعلها تتأثر إقتصاديًا سلبًا وإيجابًا بشكل سريع مع بعضها البعض و الأزمة المالية الأخيرة خير مثال على التأثر و التأثير المتبادل، وذلك من ناحية سرعة إنتقال تغير الأسعار – سواء أسعار السلع والخدمات أو أسعار الأسهم والسندات و أسعار الصرف الأجنبي – أو تغير التوقعات – وذلك في حالات الإنتعاش والتشغيل الكامل أو في حالة الركود والبطالة والأزمات الإقتصادية بشكل لم يسبق له مثيل.


نخلص في الختام إلى أنه كان ينظر للعلاقات الدولية من خلال مقاربة مؤسساتية، و أن هذه العلاقات هي سلوك صادر عن الدولة ومؤسساتها، فبعد الحرب الباردة دخلت العلاقات الدولية في تحول، تمثل في تعاظم دور القوى العبر وطنية هذا الدور المتعاظم كان له إنعكاسات واضحة على مستوى سيادة و حدود الدول خصوصا في سنوات التسعينات، ومس أيضا هذا التحول المجتمع المحلي نتيجة مجموعة التفاعلات الداخلية النشطة في الدول، كان مجملها مضاعفات مباشرة لسياسة السوق و الحقوق التي أصبح يتطلبها هذا السوق و للثورة الهائلة في تقنيات الإتصالات و المجالات الرقمية و السمعية البصرية، إلا أن الملاحظ في السنوات الأخيرة في ظل الأزمة المالية العالمية التي بدأت في و م أ سنة 2008 ثم إنتقلت إلى باقي دول العالم، وفي ظل أزمة الديون السيادية الأوروبية فالملاحظ هو عودة الدولة كفاعل أساسي محوري يهب لنجدة الأفراد و المؤسسات عندما يتراجع و ينسحب كل الفاعلين الآخرين خصوصا في الميدان الإقتصادي و المالي، و هو ما ترافق مع دعوة العديد من المفكرين و الباحثين على مستوى العالم إلى الإنتباه إلى خطورة تبني فكرة اضمحلال الدولة humiliation de l’Etat و الحاجة إلى إستبدالها بفكرة بناء الدولة القائمة على قوة المؤسسات.



#بازغ_عبد_الصمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معاهدة إنشاء إتحاد المغرب العربي- مناقصها و نواقصها-
- ورقة تعريفية بمنظمة العفو الدولية
- النزاعات المسلحة غير الدولية - ماستر العلاقات الدولية و القا ...


المزيد.....




- السعودية.. ظهور معتمر -عملاق- في الحرم المكي يشعل تفاعلا
- على الخريطة.. دول ستصوم 30 يوما في رمضان وأخرى 29 قبل عيد ال ...
- -آخر نكتة-.. علاء مبارك يعلق على تبني وقف إطلاق النار بغزة ف ...
- مقتل وإصابة مدنيين وعسكريين بقصف إسرائيلي على ريف حلب شمال غ ...
- ما هي الآثار الجانبية للموز؟
- عارض مفاجئ قد يكون علامة مبكرة على الإصابة بالخرف
- ما الذي يمكن أن تفعله درجة واحدة من الاحترار؟
- باحث سياسي يوضح موقف موسكو من الحوار مع الولايات المتحدة بشأ ...
- محتجون يقاطعون بايدن: -يداك ملطختان بالدماء- (فيديو)
- الجيش البريطاني يطلق لحى عسكرييه بعد قرن من حظرها


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بازغ عبد الصمد - بنية الفاعلين في التحول بعد الحرب الباردة