أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - التنوير العقلي بدل التعصب الايديولوجي















المزيد.....

التنوير العقلي بدل التعصب الايديولوجي


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 3723 - 2012 / 5 / 10 - 14:27
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


" التنوير هو خروج الانسان من القصور الذي ارتكبه في حق نفسه من خلال عدم استخدامه لعقله إلا بتوجيه من انسان آخر". – كانط، ماهي الأنوار؟
عاد الفكر عندنا هذه الأيام إلى المستنقع الإيديولوجي وصار التعصب هو اللغة التي يتكلمها المثقف الهائم على وجهه وسقط الخطاب السياسي مجددا في النعرات الجهوية والقبلية والطائفية واقتصر الفاعلون في الشأن العام على ترديد شعارات مستهلكة غير قابلة للتحقيق وترويج بضاعة مفلسة لا تنسجم مع تحولات المرحلة وتبني الساسة قناعات أكل عليها الدهر وشرب ولا تستجيب لطموحات الطبقة الناشئة ، وسبب ذلك هو مسايرة السائد والوقوع في التقليد واستنساخ الماضي ومحاكاة التجارب المفلسفة في سياقاتها الاجتماعية المغايرة.
فهل التعصب هو الدغمائية والوثوقية؟ وماهي مظاهره وأبعاده؟ ولماذا يقع الفكر ضحية التعصب؟ وماهي الأسباب التي تجعله يسري في العقول مثلما تنتشر النار في الهشيم؟ وهل يمكن أن يكون التنوير العقلي والنقدي العلمي هما السلاحين الناجعين لمقاومة التعصب؟
التعصب هو انفعال يتراوح بين الحب والإعجاب والإخلاص برأي أو معتقد من جهة والتمجيد والحماسة للقناعات الذاتية والتبخيس والحط من قيمة قناعات الغير واللاتسامح معه.
في هذا السياق يشير اللفظ الفرنسي fanatisme الى نزعة تنحاز الى مذهب أو شخص وتتراوح بين الرفض التام له والدفاع الكلي عليه وتكون مبنية على الجهل. وينشد المتعصب من وراء مؤازرته وانغلاقه ومساندته المطلقة الحصول عن مصلحة اجتماعية وتحقيق منفعة مادية ولذلك لا يكترث بازدراء المخالف في الرأي والتقليل من شأنه والإساءة له وإلحاق الضرر بالمعارض له وتقديس المماثل وتبجيل المشابه وتضخيم انجازاته والنفخ في صورته.
التعصب هو ميزة الفكر الذي يقسم الناس الى أعداء وأصدقاء وينزعج من التناقض والاختلاف والتنوع ويفسر حدوث الأشياء بالتدخل الخارق للقوى الغيبية ولذلك جسد موقف المتعصب الدفاع عن اعتقاد أو دين بشكل انفعالي وباستعمال القوة دون تثبت من صدقه.
هكذا يعمد التعصب الى تحريف الحقيقة ومصادرة الحرية وخيانة الضمير وتخدير الفكر وإهمال الصوت المنبعث من الضمير وقولبة الانسان وسجن النفس داخل مقولة التطابق. وقد يؤدي التعصب في السياسة الى التخوين وتركيز الحكم الاستبدادي واللاتسامح مع المواطنين وفرض القرارات عن طريق العنف، وينتج عن التعصب الى العرق أو الجهة أو الطائفة أو المذهب أو اللغة التمركز على الذات وممارسة الاقصاء والتهميش للمغايرين والمخالفين.
ان التعصب هو ثمرة الجهل وناتج عن وقوع الخيال في الخطأ ووضع الخرافة قيد العمل وعند كانط التعصب هو وهم لا يتوقف عن الظهور يدعو الى تخطي حدود العقل العملي.
هناك علاقة وثيقة بين التعصب وغياب الوعي وسوء الفهم وتصحر الفكر ونسيان النقد وحضور الدوغمائية وتبني الوثوقية في ادراك العالم وتجربة العلاقة مع الغير. وفي مقابل التعصب الديني اليميني يوجد تعصب ايديولوجي يساري وتعصب قومي عنصري ولا حل سوى الانتماء الى ديانة المحبة والإيثار والاعتصام بالصداقة والعقلانية والروح العلمية.
اذا كان المنهج الحقيقي في البحث الفلسفي يقوم على النقد بشكل أساسي والتمييز والتقصي فإن الدوغمائية هي موقف عام يتصف بالسلبية وبالاستخدام غير الواعي للعقل ويتعارض مع النزعة الريبية ويقوم على اعلان قضايا دون امتحانها ودون تأسيسها بطريقة عقلانية.
ان النزعة الدوغمائية هي موقف ثابت لتجارب الدهشة والحيرة والشك والنقد ويمثل خاصية المذاهب التي تظهر قناعاتها الفكرية على انها بديهيات لا تقبل النقاش وحقائق جوهرية دون أن تقوم بفحصها ودون أن تضعها على محك النقد.وفي السياسة أو الدين يحاول أنصار هذه النزعة فرض قناعاتهم بواسطة القوة على الآخرين وإعلان الحرب على الخصوم من المعاندين الريبيين. وقد ذكر فرنسوا جاكوب في لعبة الممكنات:" أن الذي يدفع الناس الى التقاتل ليس فقط المصلحة بل الدوغمائية. لاشيء أكثر خطورة من اليقين بامتلاك الحق".
هكذا تحولت الدوغمائية الى عقيدة يصبح الفكر بمقتضاها قادرا على معرفة الحقيقة أي الوجود كماهو وبشكل مستقل عن كل تمثيل والاعتقاد بإمكانية بلوغ المطلق في ذلك.
من هذا المنطلق يكون التعصب هو شكل من اللاتسامح يدفع بكل الطرق الى اضطهاد الغيرية بجميع الوسائل الممكنة من أجل الانتصار الى الأنا وتحقيق مجموع مصالحها. فكيف تكون فلسفة النقاش والعقلانية النقدية التواصلية هي العلاج الشافي من التعصب والدوغمائية؟ وألا يقتضي النقاش العمومي ممارسة النقد والتدرب على الحرية والتفكير العقلاني؟
الأنوارlumières لغة هي من النور والإضاءة والظهور والانكشاف والتجلي وكلها ضد الظلام والتخفي والعتمة والمكوث في الكهف ويحارب الكسل الذي يسبب القصور والتخلف ويناهض الجبن الذي يكرس الوصاية والإستغلال، وليست قيمة التنوير في ذاته بل في ما يحدثه من تأثيرات على الذهن وما يوقظه في القلب من أفعال ارادية وما ينبه اليه العقل من أفكار ثورية وما يحركه في النفس من مقاومات للمألوف وتنبيه للحرية من الغفلة والتيه.
ان حركة التنوير تدافع على الحرية الفردية وعلى الاستعمال المنهجي والعلني للعقل في كل أمور المجتمع ومقتضيات الحياة وتفضي الى الاستقلالية الذاتية والتربية الأخلاقية للشعب. كما أنها تجعل العقل يعزف عن الاستخدام الوظيفي لملكاته وما يسبب ذلك من انغلاق وأحادية ويشرع في الاستعمال النقدي الحر وينقل الانسان من كونه موظف الى درجة المواطن الذي يتمتع بجملة من الحقوق ويمارس عدد من الواجبات ويتحمل مسؤوليته كاملة.
هكذا تكون الثورة االسياسية هي الفعل الاجتماعي المؤسس لمؤسسة الحرية والاستقلالية وتكون الحرية هي شرط الامكان الذي يساعد على انبثاق الأنوار التي تغير الاتجاه الفكري لدى الناس من التعويل على الغير الى الاعتماد على النفس ونقل السلطة من الاعتقاد الى العقل ومن المطلق الى الانسان ومن السماء الى الأرض والإقرار بأنه لا سلطة على العقل إلا العقل ذاته وأن معركة الحقيقة والعلم مع الخرافة والوهم هي معركة مصيرية ومستمرة.
في الفلسفة ظهرت استعارة النور منذ ما قبل السقراطيين للاشارة الى معقولية الوجود وقد وضع أفلاطون الشمس على قمة عالم المثال وأكد على أهرمية قيم الخير والحق والجمال ونفس الشيء فعله ديكارت حينما ربط موهبة العقل العادلة عند جميع الناس بالنور الفطري وطرح الذات العارفة في استقلاليتها ووضوح افكارها وتميزها الأنطولوجي عن بقية الكائنات. زد على ذلك بين هيدجر أن انكشاف الوجود يعلن عن نفسه من خلال الدازاين عن طريق استعارة النور ويعتبرها الاستعارة المطلقة بسبب قدرتها على ترجمة لغة الوجود.
لقد ظهر التنوير في حضارة اقرأ منذ الدعوة الى الاعتبار من ظواهر الكون وفتح باب الاجتهاد العقلي في النص والإقرار بحرية الاختيار ووضع خصائص للسان العربي وكتابة مقالة في الفلسفة الأولى وقانون كلي في الطب ونقد العقل القياسي واعتماد ملكة التعقل النظري والتدبير العملي والتخلي عن العقل الفعال والتعويل على منهج السبر والتجريب وإدراج مسائل الحكم ضمن دائرة التشاور والتفاوض والدراية الجماعية بشؤون الدنيا، وإسناد أمور المعاش الى فقه المعاملات وفهم الاستخلاف على أنه ائتمان وتعمير.
والحق أن الأنوار هي حركة ثقافية وأدبية وفلسفية تؤمن بالثورة على السائد وتقاوم الجهل والتأخر وتعمل على تحرير العقول من الخرافة والأوهام وتفكك آليات التعصب والدوغمائية وتنتصر الى الحريات والمواطنة وتفجر الطاقات وتهتم بالأبعاد الجمالية والاتيقية للكون وتجعل من طريق التقدم العلمي والتقني هو الدرب التحرري الذي يقود الانسانية نحو الرفاه والسعادة. فهل يجوز التعصب الى المسار الثوري العربي؟ وكيف يسقط التحليل الثوري من حسابه الفعل النقدي ويتحول في بعض الأحيان الى سياق تترعرع فيه النزعة الدوغمائية؟ ألا تحتاج الثورة الى فكر ثوري؟ وأليست حركة الأنوار هي أعظم فكر ثوري في التاريخ؟
كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين دعامة رئيسية للثورة
- في الفرق بين التمرد والثورة
- جداريات الثورة والكتابة البركانية
- الرأي المشترك والتفكير المنطقي
- فلسفة الصورة بين المنع والإباحة
- الفلسفة الشعبية والجهل المقدس
- الأسرة والمجتمع والدولة
- إرادة الحياة والفرح المؤجل
- عام ثوري يمضي ومستقبل واعد يُطل!
- الديمقراطية الاندماجية ورهانات الثورة
- مصير الثورة العربية بعد عام من تفجرها
- الاسلام الشعبي في مواجهة الامبريالية
- المثقف التونسي والسياسة
- الفلسفة بين الأدلجة والتسييس
- الأنظمة العربية بين الصعود والهبوط
- متابعة كتاب -الثورة العربية وارادة الحياة، قراءة فلسفية-
- السيادة بين المطلق والنسبي
- مفارقة السلطة والعنف
- الثورة الرقمية والفعل الافتراضي
- تعاقب النظام والفوضى على المشهد العربي


المزيد.....




- هل تتعاطي هي أيضا؟ زاخاروفا تسخر من -زهوة- نائبة رئيس الوزرا ...
- مصريان يخدعان المواطنين ببيعهم لحوم الخيل
- رئيس مجلس الشورى الإيراني يستقبل هنية في طهران (صور)
- الحكومة الفرنسية تقاضي تلميذة بسبب الحجاب
- -على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا.. الآن- - صحيفة هآرتس
- شاهد: تحت وقع الصدمة.. شهادات فرق طبية دولية زارت مستشفى شهد ...
- ساكنو مبنى دمرته غارة روسية في أوديسا يجتمعون لتأبين الضحايا ...
- مصر تجدد تحذيرها لإسرائيل
- مقتل 30 شخصا بقصف إسرائيلي لشرق غزة
- تمهيدا للانتخابات الرئاسية الأمريكية...بايدن في حفل تبرع وتر ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - التنوير العقلي بدل التعصب الايديولوجي