أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - ألفُ ليلةٍ وليلة: السيرة السحرية (٢ - ٣)















المزيد.....

ألفُ ليلةٍ وليلة: السيرة السحرية (٢ - ٣)


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 3723 - 2012 / 5 / 10 - 09:12
المحور: الادب والفن
    


ظهورُ التناسخِ بين الإنسان والحيوان والجن في قصص ألف ليلة وليلة يعبرُ عن المرحلة العباسية وازدهارها، والتأثيراتُ الهنديةُ التي تغلغلتْ في نفس الزمن عبر الفلسفة واسهمتْ في إنتاجِ التصوفِ الإسلامي.

إنها مرحلةُ التناسخ، تتناسخُ الحيواناتُ والبشرُ والجن ويتداخلون في علاقات الحب والصراع والحروب، في حين لا يوجد التناسخ في السير الشعبية، فيكبر الكونُ الفني في ألف ليلة ويغدو عالميا.

تغيبُ النماذجُ المركزية، فشهرزاد هي مجرد رَاوية عابرة، تربطُ بين الحكايات، وتتدفقُ بها، والمعرفة المذهلة بكل هذه الشخوص والحوادث لا تدخل في شخصيتها وروحها، ولا تنمي شخصيتها الناجزة منذ البدء، فالشخصيات والحكايات تبقى مستقلة عن بعضها بعضا بطبيعة البناء.

البطل هو تدفق الحكايات العجائبية، فهي شرطُ بقاء الساردة، وهي متن السلسلة القصصية، وهي جوهرُ القص.

الحكاياتُ لا تستهدفُ غرضاً فغرضها هو حكي المذهل المشوق، الذي يجعل القارئ متابعاً، والذي يجعل شهريار غير قاتل، وفي خضمه تجيء أغراضٌ كثيرة وسياقات فنية مختلفة.

المدهشُ هو في جمالِ المرأة الخارجي المثير المحرك للشهوات والأفعال والصراعات(فيما جمالُ شهرزاد الداخلي غيرُ مرئي).

المدهشُ يتجلى في القدرات الخارقة للحيوانات والبشر وتحولاتها، يتجلى القردُ عن امرأة فاتنة، والكلابُ عن بنات أو عن اخوة.

والمدهش هو في خرق الزمان والمكان والعلاقات الموضوعية، وخرق وحدة الشخصيات ووحدة المملكة المفترضة، وذوبان المدينة لتغدو صحراء أو بحاراً مليئة بالغرائب.

هنا تدفقٌ وتوليد لا ينقطعان للحكايات من رواة مختلفين في كل موضع، يولدون العقدَ ويحلونها ويعقدونها ثانية.

تزيحُ الحكاياتُ الاسطوريةُ المكانَ العربي الإسلامي بداية، لتصنع محله مداراً آخر، حيث يعيش (ملكٌ من ملوك ساسان بجزائر الهند والصين صاحب جند وأعوان وخدم وحشم)، هنا تتفجرُ الفضائحية الجنسية بدايةً، وينهمرُ التناسخُ، والتداخل الحيواني- البشري، فتغدو هذه المنطقة الدنسة بؤرته، والذكر الحاكم الشهواني (يُستبدلُ بشيطانيةٍ نسائية مزعومة)، لتقومَ شهرزاد بفعل إنساني، حيث تقول انها تدافع عن(بنات المسلمين)، وهنا يظهر العالمُ الإسلامي، لكن النساء لا يدخلن الليالي بعد هذه البطولة متأثرات بنفحها المفترض إلا كومضاتٍ نادرة.

الجغرافيا، الوقائع التاريخية، البناء المتداخل المتنامي (يُستبدل بوحداتِ قصٍ متشظية متداخلة بعض التداخل)، لكنها شديدة التبعثر يسودها فنا قانونُ العجائبية، فهي لا تحفرُ في واقع أو تكشف بنية عبر وحدات متنامية متداخلة.

هي قصصُ يحكمُها التجاور، لا التنامي، إنها بُنى متجاورة، لا بُنى متداخلة، ولهذا فهي لا تحللُ واقعاً، بقدر ما تتناثر فيه وتتلمس أشياءَ من تفكيره الذكوري الديني السحري الغالب ومشاعره المتلذذة بالحياة وصوره الطبيعية والاجتماعية المتناثرة.

حين نأخذ الليالي الأُول نجدُ الرواةَ يقصون عن شهوات جنسية حادة للبشر، وتحولات مسوخية للشخوص. الرابط الأساسي لحكايات شهريار- شهرزاد، يفضي لحكاياتٍ متتالية لا يربطها رابطٌ عضوي بما سبق، لكن قانونَ العجائبية يحكمُ السابقَ واللاحق، وحكايات البشر- المسوخ تتعدد: فحين قتل التاجرُ ابنَ الجني بقذفِ نواةٍ بعد أكل الثمرة، ظهر له الجني الأبُ وقرر قتله. إنها عجائبية مزدوجة، وحين ينتظر التاجرُ العقابَ يتصاعد التوترُ القصصي المشوق، حتى يظهر الجني للتاجر ويضعه في مكان البؤرة التي يحتشدُ فيها التنامي القصصي، مثلما هي بقعةٌ مسكونةٌ كذلك، فتتالى القصصُ من الرجال الثلاثة الذين يريدون وقف عقاب الجني للرجل الواقف على شعرة الموت، ويقدم كل واحد فيهم قصة عجيبة ويكشف الستار عن الحيوان الذي معه فيظهر انه إنسان، والجني لم يوقفه شيء ويدع العقاب سوى عبر الحكايات العجيبة التي هي البطل الأكبر، ونجد أصحاب القوى السحرية في أمكنتهم يحولون البشر إلى مسوخ، أو ليعيدوهم إلى الحالة الإنسانية السوية، ولا تتطورُ الأحداثُ تطوراتٍ مذهلةٍ من دون هذه الخوارق، لكنها لا تفضي لشيءٍ عميق كذلك، والبناءُ الاجتماعي الذين عبروه يبقى غرائبيا مليئا بالشر والخير والتقلبات والمغامرات ولا سبيل للسيطرة عليه. النقد الضمني الموجه للأشرار هو أنهم خرقوا العشرة الإنسانية وأنتابهم الحسد، حين حسد الاخوة أخاهم وغدروا به، أو حين خانت الزوجة الأمانة وهي علل بسيطة لا ترقى لجذور مشكلات المجتمع لأن الليالي هدفها تقديم القصص المدهشة المسلية وبعض العروض الكثيرة عن الحياة.

في قصة السندباد البحري مغامرات بحرية كثيرة، عبر جزر آسيا، وتقودُ كل رحلة إلى سلسلة من المغامرات واللقاءات مع حيوانات غريبة وطيور عملاقة وبشر أقرب للسحرة، وبشر من أكلة اللحوم البشرية، وتحدث لقاءاتٌ مع شعوبٍ ذات عادات قديمة رهيبة، كالبشر الذين يدفنون زوجاتهم أو أزواجهم في حالة موت أحدهم.

وفي قصة السندباد يمضي البحارة نحو بيضة عملاقة لرخ هائل، فيقومون بكسرها وانتزاع الجنين منها وأكله، فيأتي زوجا الرخ نحوهم للانتقام:

(فجاءت رفيقته وصارا حائمين على المركب يصرخان علينا بصوت أشد من الرعد فصحتُ أنا على الريس والبحرية وقلت لهم ادفعوا المركب واطلبوا السلامة قبل ما نهلك فأسرع الريس وطلع التجار وحل المركب وسرنا في تلك الجزيرة فلما رآنا الرخ سرنا في البحر غاب عنا ساعة من الزمان وقد سرنا واسرعنا في السير بالمركب نريد الخلاص منهما والخروج من أرضهما وإذا هما قد تبعانا واقبلا علينا وفي رجل كل واحد منهما صخرة عظيمة من الجبل فألقى الصخرة التي كانت معه علينا)،(ج٣، الليلة رقم ٥٤٥).

لم تعد اللغةُ مهمةً في حد ذاتها، فقد غدت أداة تصوير وتجسيد الحدث الخارق، فألقت بكل أردية السجع المعوقة لخطواتها في السير القصصي من دون أن تغدو لغة أدبية مميزة ولكن في خضم التطور الأسلوبي هي مهمة، لكنها لم تجعل بؤرتها سوى الحدث المشوق الغريب المتصاعد باستمرار والداخل مع شتى الكائنات في علاقات صراع وتعاون، للمزيد من ظهور الأحداث، لكنها أحداث ولغة سرد لا تراكم هياكل شخوصية أو دلالية عميقة، أو تحفر في الواقع بل هي أشبه بأضواء ملونة تتفجر في الهواء الفني من دون أن تخلف مادة بنائية متآزرة.

إنه بناءُ تجاور الوحدات القصصية وليس اندماجها ونشوء تحولات نوعية عبر هذا التراكم، وهو بسبب وجود الدوائر، فحكايةُ الرابط الرئيسي شهريار- شهرزاد، تظهرُ من خلالهِ دوائر، والدوائرُ تُخرجُ دوائرَ أخرى وأخرى، وتعودُ الدوائر للدائرة الأولى وتنتجُ دوائر أخرى، وكل منها مغلقٌ على ذاته ومنفصلٌ عن غيره.

المبنى المبعثر هو معبرٌ عن مجتمعِ القرون الوسطى المبعثر الوحدات الاجتماعية ولهُ رابطٌ هو الخليفة، ثم من يليه، ولا يقدر الخليفة على صهرِ الوحدات المبعثرة، حتى يتوجه المجتمعُ للتحلل، وتبقى الليالي شاهداً على أشياء من حياته وتصورات أناسه وعلاقاتهم، وكيف سيطر السحرُ عليهم، تعبيراً عن عدم قدرتهم على صناعة المجتمع بشكل تحديثي عقلاني.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألفُ ليلةٍ وليلة: السيرةُ السحريةُ (١٣)
- ميلاد سياسي فوضوي لشعوب عربية
- قضية حق أُريدَ بها باطلٌ
- مَن يخدمُ الاستعمار؟
- حمزةُ البهلوان وصراعُ العربِ والفرس
- ضد الفاشية وليس ضد الإسلام
- الثورة السورية والخذلانُ العربي والدولي
- المشروعُ الإيراني ينخرُ شعبَنا البحريني
- تطورُ الديمقراطيةِ مرهونٌ بهزيمةِ ولايةِ الفقيه
- الصراعُ غيرُ الخلاق
- مجددا حول السياسة الفاشية في إيران
- القوميات ورأسمالية الدولة
- لينين في محكمة التاريخ (٢-٢)
- لينين في محكمةِ التاريخ (١-٢)
- ارتباكُ الإصلاحاتِ العربية
- حزبُ الشعبِ الإيراني (توده) بين التحللِ والجمود (٣- ...
- حزبُ الشعب الإيراني - تودة - بين التحلل والجمود (٢)
- حزبُ الشعبِ الإيراني (توده) بين التحلل والجمود (١- ...
- إسقاطُ إمبراطورية موهومة
- ليس صراعاً طائفياً قومياً


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - ألفُ ليلةٍ وليلة: السيرة السحرية (٢ - ٣)