خليل الفخري
الحوار المتمدن-العدد: 3723 - 2012 / 5 / 10 - 01:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أيها الجهلةُ والاميون ! أعيدوا للعراق وجهه الحضاري
منذ أن داست اقدام هولاكو وجحافل التتار بقيادة جنكيزخان وتيمورلنك مهد الحضارات الانسانية , وزرعت الخراب فيها والدمار , وتعاملت بهمجية وتخلف مع الموروث الحضاري لبلد عريق في حضاراته كبلاد ما بين النهرين , ودمرت آثاره وكنوز المعرفة فيه , وغيّبت بسبب فقرها المعرفي والثقافي ذاكرة الشعب العراقي والتي هي جزء من حركة التاريخ وذاكرته وحضارته الانسانية كلها .منذ ذلك التاريخ وسلالات البرابرة والهمج , واحفاد التتار , وهي تتعاقب مرورا عليه , وحتى يومنا هذا , وكأن لعنة ما قد صُبّت على العراق وارادت له أن يظلّ في أُسار فئةٍ لا تفقه من المعرفة شيئا ولا تعي ما للتراث من قيمةٍ وأهميةٍ. منذ ذلك التاريخ والعراق السومري مطعون بكبريائه , جريح بمِدى سفاحين جهلةٍ واُميين . فأذا كان المغول برابرة متخلفين عن ركب الحضارة الانسانية يكرهون كل ما يربط العالم بالحضارة أولاً , ولأنهم غرباء جدّا عن ثقافات الشعوب الاخرى وارثها الحضاري , فما بال اذن حكام بغداد اليوم ينافسون التتار في ثقافتهم ومعرفتهم ويتبارون معهم في نهج التخلف والهمجية , فيأتون على ما تبقى من حضارة فوق الارض وتحتها . لقد دمّروا ما فوق الارض بدءا بصدام وانتهاءً بالقادمين من وراء الكارون وبفضلهم تحوّل شارع الرشيد احد رموز حضارة وادي الرافدين , ومعلم من معالمها السياحية الى خربة وانقاض بعد أن كان شارعاَ تجاريا تضج على جانبيه الحياة , ويحلو للزائر أن يقطعه مشياَ للتبضع او التعرف على معالمه الاثرية وشواهده التي تشير الى حقب تاريخية مختلفة . تحول ضجيج الحياة فيه الى صخب من نوع آخر , فقد انتشرت على جانبيه ورش السمكرة والتصليح والحدادة وبائعي الخردة والانقاض كما تحولت واجهات المحلات التجارية الكبيرة منه مثل (( حسو اخوان )) و جقماقجي والاورزدي والبرازيلية وعمو الياس وغيرها الى مزابل وسكراب وانطفأت وربما الى الابد- ما دام اصحاب العمائم والمدامس يتحكمون بمفاصل العملية السياسية ويوجهون الامور حيث يريدون- الواجهات الضوئية , فما حاجة باعة الخردة والسكراب الى اعلانات حضارية من هذا النوع . وحين تعالت الاصوات لتأهيل الشارع واعادته الى ماضيه الحضاري القديم رُصدت للعملية المليارات ووضعت الخرائط والتصاميم التي تتلاءم وتاريخ الشارع والارث الذي ظل كل هذه العقود محافظاً عليه , فمرت السنوات وتبخّر كل شيئ وتبخرت معه المليارات من الدنانير وامسى كل ذلك في خبر كان . فماذا ننتظر من جهلةٍ اعداء لكل وجه حضاري . كما اعلنوا النجف عاصمة للثقافة الاسلامية عام 2012 , ثم رحلت للعام 2014 , واعلنوا قبل اسبوع مرّ انها ستكون عاصمة للثقافة الاسلامية عام 2020 . هنيئا للجميع فما هو خفي هو الادهى , تنازلوا عن النجف لصالح ((قم )) في ايران . لم يكتفِ جهلة العراق بهذا بل تركوا للسراق واللصوص وتجار الآثار والمرتبطين برموز في السلطة حرية التصرف بالآثار والحفر والسرقة وليست الامور وقفت عند هذا الحد , بل اجازوا للمقاولين وشركات البناء أن تمر شبكة الصرف الصحي في منطقة اثرية لم يجرِ التنقيب فيها بعد , رغم اعتراض الشارع في محافظة ميسان واحتجاجه لاهمية ما مطمورٌ في باطن الارض .
ان وضع تصاميم اولية لأي مشروع قبل البدء به هو احد اسباب ومستلزمات نجاحه , لكننا في بلد يحكمه المتخلفون واعداء الحضارة والتاريخ كطالبان لا يرون في ذلك ضرورة . ان ما يحيّر المواطن هو صمت السيد القاعد في المنطقة الخضراء ازاء ما يجري ويحصل ووزير الثقافة والسياحة ومديريات الآثار في المحافظات كذلك , فالكل ما بين جاهلٍ وأمي ومن لا يعنيه ما يلحق البلد من خراب ودمار . أثار استغرابي ودهشتي ان(( الفيزيائي ورجل الذرة والعالم)) حسين الشهرستاني ووزير النفط , كلاهما لم يحرك ساكناً ولم يعلق بشيء حين أصرّ الفنيون على مدّ انبوب للنفط تحت اثار بابل غير المنقب فيها , في وقت اشار فيه فلاحو المنطقة الى وجود طريق يبعد عشرين متراً عن الموقع الحالي لا تحتاج الوزارة فيه الى كثير جهد والحاق اضرار . وليت الامر وقف عند هذا الحد ولم يتعداه , فقد رافق مد انابيب النفط تجريف بساتين النخيل والفاكهة وبيوت الفلاحين في مذبحة لا ترى فيها سوى انقاض البيوت وجثث النخيل واشجار الفاكهة ممددة على الارض , فيعصر القلوب الالم , يحدث كل هذا , والسيد وزير الزراعة مشغول بشامةِ حُسنٍ في خصيته , ووزير البيئة مشغول بليلاه . وزراؤنا اسماء ويافطات ليس غير وفي وزاراتهم خراف وامعات . ان البصاق في وجوهكم ايها السادة قليل لا يكفي .في ديسمبر من العام 1980 كنت في يوغسلافيا لزيارة صديق وفي صباح احد الايام كنا نشرب القهوة في مقهى يطلّ على دوار كبير حين راقبتُ عمالا ورافعات تحفر وسط الدوار , ثم جاءت رافعة تحمل شجرة عملاقة اخذت مكانها في الحفرة وسط الدوار , ثم بدأ العمال تثبيتها بركائز حديدية وخشبية تمنع سقوطها . لقد انفقوا معظم يومهم من اجل شجرة اعترضت فتح شارع مواز للدوار . حسدتُ الشجرة في ذاتي لهذا الاهتمام ورجعت بي الذاكرة الى عراقنا حيث لا قيمة للطبيعة وما عليها وللانسان , ففي الحرب العراقية الايرانية احال المجرم صدام نخيل العراق الى محرقة . كان هذا نصيب النخلة التي قال فيها الرسول ص (( اكرموا عمتكم النخلة )).
لقد افرغ الرعاع حقدهم على جثثها . ليس في الامر غرابة فنحن امام مشهد يتنافخ المسؤولون فيه كالطاووس بأنهم حملة الدكتوراه والماجستير , وهم في واقعهم , جهلة اميون , شهاداتهم في معظمها لا تتعدى قراءة الكف , والكشف عن المستقبل كما يفعل المشعوذون حصلوا عليها من حوزة قم الايرانية لقاء وعدٍ بخدمة ولاية الفقيه وتنفيذ اجندات الاعسم في ايران .
ان قادة ومسؤولين كأصنامنا لا ينفع فيهم حتى ما جاء على لسان احد الشعراء .
قوم اذا صَفَعَ النعالُ وجوههم ... شكا النعالُ بأيّ ذنبٍ أُصفعُ
ناصرية - خليل الفخري
#خليل_الفخري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟