أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد رمضان على - محسن يونس،والنسج بتراث الماضي















المزيد.....

محسن يونس،والنسج بتراث الماضي


سعيد رمضان على

الحوار المتمدن-العدد: 3721 - 2012 / 5 / 8 - 19:16
المحور: الادب والفن
    


محسن يونس،والنسج بتراث الماضي

لغة الأديب محسن يونس هي لغة منسوجة بتراث الماضي فكأنه يربط أدبنا المعاصر بأصالتنا القومية , كمحاولة لنفى التغريب ، وإيجاد نموذج قصصي خاص ومستقل ،عن النماذج القصصية الغربية ، وأعماله تكشف عن وعى عميق بهذه الأصالة ، وعلى نقد حاد لسلبيات أوضاعنا العربية ، لكنه نقدا لا يتضمن نفيا لوجودنا ، بل فعلا إيجابيا من اجل التصحيح ..فغالبا ما يقدم صورة مهترئة للسلطة .
تلك الصورة المهترئة للسلطة تظهر بشكل مأساوي في قصته ( موت الجياد ) وأثناء تعبيرها عن لحظات الموت الأخيرة ، لإنسان اندفع في رغبات جامحة نحو مصيره المأساوي الذي ينتهي إليه ، فهي تعبر عن سلطة مهللة في دور الاحتضار وذلك ببساطة وفى سرد أسطوري يمتزج مع البيئة الشعبية والريفية كالتراث .. فهو سرد كأنه يستدعى التاريخ ، تاريخ الانهيار بشكل خاص من خلال استدعاء طقس الموت في العنوان ، ومن نافذة صغيرة نرى مجتمع كامل نشأت وترسخت فيه قيما ذكوريه مسيطرة تضعف المجتمع وتعيقه وتؤدى به إلى الانهيار .
والمدخل لفهم النص يبدأ من العنوان ( موت الجياد )
وهو يتكون من مفردتين : ( موت ) – ( جياد )
الموت طقس دخل النص بداية من العنوان ، فالقصة تقوم بإنذارنا بالموت مبكرا
أما المفردة الثانية ( جياد ) فهي جمع جواد وتحمل وجهين :
الأول : الجواد بمعنى الجود والكرم والشهامة
الثاني : الجواد بمعنى الحصان، واحد مميزاته حب المنافسة والتحدي وتختلف روح المنافسة من جواد إلى أخر مما يميز الجواد القوى عن غيره فالجواد القوى لا يتنازل بسهوله عن الصدارة ويسعى لانتزاعها بكل ما أعطى من قوه ..طبيعة الجواد الحياة في قطيع ومن سبل النجاة الجري الجماعي , وفى حاله هجوم حيوان مفترس على قطيع فجميع الجياد تحاول أن لا تكون في مؤخرة القطيع خوفا من الافتراس لهذا تصارع للبقاء في المقدمة.. فوقوفها يعنى الموت والنهاية والجواد العربي يرتبط بالتراث ويرمز إلى الحرية في البرية والفحولة والقدرة واهم صفاته انه يظل متوحشا في البراري لا تحده حدود أو يوقفه شيء حتى يتم أسره و ترويضه ويستخدم في ذلك الحبال والسياط وبدون ذلك يظل متوحشا لايمكن السيطرة عليه
والعنوان ( موت الجياد ) يتضمن الدالين ، موت الكرم والجود والسخاء في المجتمع ، وموت الشجاعة والتقدمة على الآخرين ، وأيضا موت الحرية وضياعها تلك التي يرمز إليها الجواد العربي الأصيل .
لكن العنوان احتوى دال أخرى غير ظاهرة رغم أهميتها ، فالجواد يعيش في قطيع كما ذكرنا وسبل النجاة تكون في الجري الجماعي .. فالإشارة للتضامن الاجتماعي والعمل الجماعي في العنوان موجودة ، لكن ذلك تم نفيه بطقس الموت .. كما عمل السرد على نفى هذا المعنى عندما ركز على الفرد / السلطة .. لكن السرد عاد ليعيد أحياء هذا المعنى وبعثة من جديد ، في النهاية ، عندما واجه المجتمع تلك السلطة الفاسدة المنهارة وكسرها ، وبدا لنا هذا البعث كنبوءة أو حلما بالتغير .
ويرصد محسن يونس في قصته أسباب الموت والانهيار، فالمتحكمين في السلطة
ومالكي زمام الأمور في البلاد تملكهم حب الشهوات، وسيطرت عليهم .
وبطل القصة رجل افترسه الزمن والضعف ، فكأنه يعبر عن الواقع العربي الذي شاخ ، ويحاول استعاده أمجاده عبر محاولة استعادة قدرات الفحولة لديه .
ويتضافر في هذا النص الضعف العربي مع التراث القهري .
وبينما يرصد النص الضعف المسيطر على واقعنا ، فهو يرصد التراث القهري وترسخه في المجتمع بشكل مأساوي، حتى أن المقهور نفسه وهو المرأة يدافع عنه ، لكن الدفاع عنه من جانب المرأة قد يظهر معنى قهري ترسخ فيها ، لكن في وجهه الأخر قد يظهر جانبا إنسانيا ، فالواضح أن السرد يعمد على كشف السلطة العدوانية من الزوج على الزوجة .. هناك ما يظهر فعلا التسلط من الزوج ، لكن تصرف المرأة قد لا يحمل بالضرورة الموافقة على هذا ، بل ربما عمدت المرأة لهذا التصرف من اجل راحته النفسية بعد أن شابه الكبر والعجز ، فالمرأة رافقته طوال تاريخه، لكن هذا التصرف لم يفيد ، لأن السلطة النهمة ظلت متوحشة للسيطرة حتى واجهت انكسارها الفعلي عندما انكشفت أمام المجتمع .. فتراجعت وانسحبت منسحقة.
وقد بحثت خلال النص عن كلمة زوجة فلم أجد وإنما وجدت فقط المرأة كالأتي :

(المرأة تستجير )
(شعر المرأة منها يشيب ، )
(ثم المرأة هفت الهواء )
(أشارت إلى رجلها )
(الأم المرأة جذبت شابها )
(رفعت المرأة خلفه وجهها )
(المرأة تنهدت )
تكثر كلمة ( المرأة ) وتخفت في ( الأم ) ولا نجد كلمة ( الزوجة )
ويحمل الكل دواله :
الإشارة إلى المرأة ، تحوى ضمنيا إشارة إلى العموميات .. لهذا فهي امرأة يمكن أن تجدها في أي زمان ومكان .. وهو ما يشير بشكل خفي إلى تراث ثقيل نحو جميع النساء .
والأم لها معناها الهام .. فهي إشارة إلى امتداد الحياة والاحتفاء بها مع تضمين المسؤوليات
ولا يذكر النص كلمة الزوجة ، فالسرد ينفيها لأن صفه الزوجة كشريك حياه انتفت بعبوديتها
لكن شريك الحياة يحمل أيضا دواله :
أحدهما : أن الأخر في المجتمع تم نفيه .
ثانيهما : أن السلطة لا تحتمل شريكا
وبجمع الدوالين يتوقف أي تقدم ونظل ننزف في حياتنا المقهورة .
نلاحظ القهر والنزف وجمود الحياة وتوقفها في مقاطع نرصدها :
(والرجل هائج منذ الفلق . المرأة تستجير بالمغيث ، تجرى وتتعثر ، تلتفت ، وتستقيم .. قالت : طيب .. طيب .. )
لقد أصبحت أداة في يد رجل يضربها ويهينها، و يستعبدها داخل البيت
لكنها تقوم بالدفاع عنه فتقول :
(واحد قال : مفلوج .. وأمه حطت على فمه راحة يدها ، وعيونها التي زغرت له بها في الحال انكسرت )
وفى موضع أخر :
(المرأة تنهدت ، قالت : الطبع من زمان .. وربتت على كتفي الشابين ، وأمرت أن يلحقا به ..المراقبة من بعيد .. بعيد .. حس لا حس .. قالت : طبعه .. اتركوه .. )
ونكتشف هنا أمور :
قوة وسيطرة المجتمع الذكورى والجانب الإنساني في المرأة عندما تدرك أن السلطة ضعفت وبدأت تنهار فتظهر تلك السلطة وحشيتها في لحظاتها الأخيرة .
لكن المرأة التي تظهر جانبها الإنساني ، هي امرأة تؤمن تماما بقوة وسيطرة المجتمع الذكورى الذي أنتج الفساد الأخلاقي فيحق للرجل أن يمارس شهواته الجنسية جميعا، ونزواته خارج مؤسسه الزواج، دون أن يتحمل أي اتهام ولذلك فهي تقول لأولادها :
(لو صرخت واحدة ، لو أمسكه واحد .. ساعدوه )
وهى بكلمه ساعدوه تعيد إنتاج القانون الغريب الذي تجّذر في المجتمع وتورثه و تدافع عنه رغم انه قانون ضدها شخصيا كامرأة .
قانون يفرض بالقوة الجبرية من جيل لجيل فعندما يسخر الابن من الأب بقوله ((واحد قال : مفلوج .. ) فتكون النتيجة:
(شقت الهواء عصا الرجل ، وصفرت ، والشاب لم يستطع أن يفلت ، صرخ ، سال نقطة على الصدغ ، ثم نقطتان ، ثم صار خط من الدم ، )
لأن الشاب تجاوز الخط الأحمر .. وبدأ العبث بالمحرمات المتجذّرة في المجتمع وهى محرمات تحولت لمقدسات مستقرة في ضمير المجتمع العربي ، فالسلطة ممنوع الاقتراب منها أو نقدها .. والنقد ضدها يعتبر عبثا بمحرمات فيواجه فورا بالعقاب ... وتقفز العصا هنا لتكون رمزا للعقاب في يد السلطة المتحكمة .. ويقفز أيضا الدم الأحمر الذي سال ، إلى رمز لسيلان الدم المعارض نفسه عبر التاريخ .
وعندما نصل مع بطل القصة إلى السوق :
(في الخنقة التي تنفتح على السوق شد اللجام ، وتوقف الحمار ، جاس الرجل بعينيه في الزحام والناس ، وقفز القلب ، فالنسوة النسوة يزحمن السوق .. وبعضهن ينحنين على الأشياء ينتقين ، )
وهو وصف يتطابق تماما للرجل الشبق في المجتمع العربي الذي لا يفكر إلا في شهواته ولا يرى في العالم إلا نساء فقط ,العالم الذي يصفه الكاتب بكلمة ( السوق ) حيث تباع الأشياء لكنه يذكرنا أكثر بسوق الجواري والعبيد حيث كانت تباع المرأة بسعر معين وفى مزاد وتحت بصر وسمع القانون الأخلاقي وفى مجتمع إسلامي حرم التجارة في النفس البشرية .. وهاهو مقطع معبر :
( هذا لحم حي وطرى، تلامس مسا .. هذا لحم عفي و جامد ، )
ومقطع أخر :
(ربما ينادى عليه بائع أن يشترى ، )
ومقطع ثالث أكثر تعبيرا :
(والسوق كان السوق . )
لكن الرجل الذي كان لدية القدرة على ممارسه شهواته ونزواته خارج مؤسسه الزواج أصبح عاجزا لقد أضاع سابقا نفسه وماله في سوق النساء وهاهي امرأة عجوز تذكرة بذلك فتقول :
(أمسكت امرأة عجوز باللجام ، صاحت في الملأ .. الناس .. الحين صرت تجيء على حمار ؟ زمان كنت تدخل السوق بقدمين ، ويدين .. مسحت العجوز على أردافها ، )
وعندما تقول: (مسحت العجوز على أردافها ، )
فهي تذكره بأنها كانت واحدة من تلك النساء .. لكن وجودها يذكرنا بالنسوة العجائز في قصص ألف ليلة وليلة عندما يصبح السن والخبرة في خدمة النساء الشابات لتحقيق مرادهم
وتنتهي القصة :
(وبأبأ كأنه يشتم ، لكز الحمار بعنف ولا رحمة ، فأسرع من خنقة السوق يخرج ، وخلفه جرى شاباه ، والعين الحية في الرجل أوشكت أن تكون فيها دمعة . )
وكجواد انتزعت منه الصدارة, يخرج من المنافسة بالموت فلم يعد قادرا على الصراع والجواد المصاب والعاجز يقتلونه ..
وعندما يسجل النص :
(، والعين الحية في الرجل أوشكت أن تكون فيها دمعة )
تذكرنا بدمعه العربي الأخيرة السلطان ( أبو عبد الله ) وتاريخ حياته هو تاريخ الإسلام بالأندلس في دور الاحتضار ، أو تاريخ بناء شامخ سقطت أخر دعامة من دعائمه وشرع في الانهيار، بفعل الاسترسال في الملذات وعندما خرج السلطان راكبا جواده من قصره وبلده منفيا ومعه أسرته بعد هزيمته، ترقرقت في عينيه الدموع بصمت وأطلق الأسبان على هذا الموضع خارج غرناطة ( دمعه العربي الأخيرة ) هي دمعة ترثى الماضي إثناء استغراقها في انكسار اللحظة الحاضرة .
----------



#سعيد_رمضان_على (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دمروا مصر !!!!!
- العولمة، بين إمبراطوريتين ..!!
- قضية الأسرى... بين مطرقة الانقسام وسنديان التفاوض
- السلب والإيجاب في الإعلام الاجتماعي
- مصر .. الخسارات !!
- رئيس يتجاوز بنا ثقافة القهر !!!!
- التهميش والتفكيك بمصر
- عصر الجواميس والبقر!!
- توزيع الفلافل بالبطاقات بمصر..!!!
- مراوحه المكان
- البرادعى .. انسحاب أم هزيمة ؟؟
- أزمة إبراهيم أصلان
- مثقفي سيناء، وتأسيس المستقبل
- ثقافة سيناء،وثقافة دلتا النيل..!
- ضد الصمت
- هزائم لا تمسنا
- وزير ثقافة بلا مثقفين !!!
- المجمع العلمي والسقوط في الرماد
- في الليل سأحكى عن الليل
- فشل الجنزورى ..!!


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد رمضان على - محسن يونس،والنسج بتراث الماضي