أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربيعة العربي - سجين الصورة














المزيد.....

سجين الصورة


ربيعة العربي

الحوار المتمدن-العدد: 3720 - 2012 / 5 / 7 - 13:46
المحور: الادب والفن
    


مددت يدي إلى جيب سترتي و أخذت منها الصورة... نظرت إليها بإمعان أتفحص تفاصيلها الدقيقة و كأني أبحث فيها عن شيء ...شيء ما يمنعني من تمزيقها. لا أخفيكم سرا إذا قلت لكم أنا أكره هذه الصورة و لقد حاولت مرة و أنا في مكتبي أن أمزقها، غير أنني لما هممت بذلك انفتح باب النافذة بقوة أفزعتني و جعلتني أؤجل الأمر إلى الغد، و في الغد حاولت الإمساك بالصورة و تمزيقها، غير أنني لم أنتبه إلى الفنجان الذي كان فوق مكتبي فسقط محدثا صوتا مزعجا أربكني بادئ الأمر، فتوقفت لحظة أنظر إلى الصورة من جديد و قلت في نفسي: لابد أن أنهي هذا الأمر اليوم لأعيش بسلام... ما هي إلا حركة بسيطة و ينتهي الأمر، غير أن عبد الرحمان دخل إلى مكتبي و هو غاضب، و بدأ يصرخ في وجهي و يلعن اليوم الذي عرفني فيه. أحسست بنوع من الرهبة و بأن لعنة هذه الصورة ستظل تلاحقني...تخيلت أن صاحبة هذه الصورة تنظر إلي باحتقار من داخل قبرها. طردت هذه الفكرة من ذهني و شردت بعيدا... رحلت بذاكرتي إلى القرية التي شهدت ميلادي و أيام صباي الأولى.
...كنت أعيش أنا و أمي و كان الفقر يقتات من لحمنا. كنت أساعدها في جلب الماء من البئر. كان هذا هو العمل الوحيد الذي تطلب مني القيام به ، لكني رغم ذلك لم أكن أقوم به عن طيب خاطر . لقد كنت أخاف من البئر و كنت حينما أدلي الدلو أحرص على عدم ملئه بكامله... كنت أتصور أنني إذا ملأته فسيجرني هو إلى داخل البئر عوض أن أجره إلى خارجه و كان أطفال القرية قد لاحظوا خوفي فأصبحوا يتجمعون حولي كلما رأوني قرب البئر و يتضاحكون... و كنت كلما نظرت إلى عيونهم أرى نظرات السخرية و التهكم. باختصار: أصبحت أضحوكة القرية. رغم ذلك لم تعفني أمي من هذه المهمة البغيضة. كانت تقول لي في كل مرة بأنه علي أن أتغلب على خوفي و علي أن أبين لهم جميعا بأنني قوي و بأنني رجل لكي يكفوا عن السخرية مني. تحول كرهي للدلو و للبئر إلى كره لأمي و للقرية و تحول هذا الكره إلى كابوس يؤرق مضجعي، غير أن هذا الكابوس تبدد يوم رجع أبي من المدينة بعد طول غياب. أذكر ذاك اليوم بوضوح، و بكل تفاصيله... فبينما كنت أتصارع مع الدلو لجلبه إلى خارج البئر رأيت أبي آتيا .. كان يركب عربة الحاج موسى. من شدة فرحي تركت الحبل ينزلق من يدي ليحدث صوت ارتطام الدلو بقاع البئر ضجة في أذني . جريت نحو أبي قبلت يده و حملت بكل زهو القفة الثقيلة التي جلبها معه. لما دخلنا البيت و جلسنا فوق الحصير مد أبي يده إلى القفة و أخذ بعض الحلوى و مدها نحوي. خطفتها من بين يديه و خرجت أمام البيت لآكلها بنهم أمام أطفال القرية الذين بدؤوا يلحون علي في أن أناولهم القليل منها، قهقهت عاليا و قذفت بكل ما تبقى في يدي إلى فمي و أنا أحاول أن أغيظهم. سمعت أمي تناديني فدخلت إلى البيت. مد أبي يده من جديد إلى القفة و أخذ منها حذاء و طلب مني بأن أزيل الصندل المتمزق الذي كنت أنتعله. طار قلبي فرحا. أزلت الصندل من رجلي و وضعت بدله الحذاء و طرت إلى أطفال القرية أمشي بخيلاء و أنا أحاول أن أرفع رجلي إلى الأعلى لكي يتمكن الجميع من رؤيته. رأيت نظرات الحسد في عيونهم. طلب مني بوشعيب أن أدعه يلبس الحذاء قليلا فلما امتنعت أخذ حجارة و رماها في وجهي هربت منه و دخلت الدار و أغلقت الباب. لما رآني أبي قال لي ضاحكا: عبد القادر .هل أغظت رفاقك بحذائك الجميل ؟ قلت له مزهوا: نعم. فقال لي: عندي لك هدية أخرى ستعجبك كثيرا، و مد يده مرة أخرى إلى القفة و أخذ منها آلة تصوير و قال لي: هل تدري ما هذه ؟ إنها آلة تصوير. قلت بفرح بالغ: إنها تشبه آلة التصوير التي يملكها ابن الحاج المعطي. أريد أن أتدرب على استعمالها. قال لي أبي: إن استعمالها جد سهل ما عليك إلا أن توجه آله التصوير إلى الشخص الذي تريد أن تأخذ له صورة و تضغط على هذا الزر. أمسكت آلة التصوير و أخذت صورة لأبي ثم التفت إلى أمي التي كانت تعد الشاي و دموعها على خديها و أخذت لها صورة. أذكر ذاك اليوم لقد بكت فيه أمي بحرقة حينما أخبرها أبي بأنه سيأخذني إلى المدينة لأعيش معه و مع زوجته و أذكر أنها رجتني طويلا كي أبقى معها ، غير أنني لم أهتم برجائها. كان حلمي بأن أعيش في المدينة أقوى من دموع أمي. رحلت مع أبي و سقطت أمي من ذاكرتي كما تسقط أوراق الخريف من الشجر. بعدها بمدة ماتت أمي. لم أعلم بالأمر إلا بعد عامين من موتها. أحسست بثقل يجثم فوق قلبي جعلني أبحث بين أوراقي عن صورة أخذتها لها يوم ودعتها. وجدت الصورة لم أقو على تقبيلها... و هي اليوم سجينة جيب سترتي. لا تفارقني. أصبحت مدمنا على النظر إليها كلما متسعا من الوقت...أصبحت سجين الصورة.



#ربيعة_العربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفول
- اضطراب عسر الانتباه نموذجا
- إياب
- الحد بين النص و الخطاب
- انبلاج
- ومضة
- قراءة في كتاب: التنظير المعجمي و التنمية المعجمية في اللساني ...
- السخرية استراتيجية الخطاب و سلطة الحجاج
- الحجاج و إشكال التأثير
- المصطلحية العسكرية: مقاربة وصفية مقارنة
- الغيرية في الخطاب الروائي : الطيب صالح نموذجا
- صعوبات التعلم و ظاهرة الفشل المدرسي (تتمة)
- نموذج مستعمل اللغة الطبيعية
- بدأ الخطو قصة قصيرة
- الحقيقة و الشبح
- صعوبات التعلم و ظاهرة الفشل الدراسي (2)
- صعوبة التعلم و ظاهرة الفشل الدراسي (1)
- معمارية الخطاب الشعري في ديوان -هسيس الدهشة-للشاعر أحمد بهيش ...
- معمارية الخطاب الشعري في ديوان -هسيس الدهشة- للشاعر أحمد بهي ...
- هجرة القاصرين : قراءة في المعاهدات و المواثيق الدولية(3)


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربيعة العربي - سجين الصورة