أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - سياسيون مصابون بنقص الحضارة المزمن: حول الشغب السياسي العراقي الحالي















المزيد.....

سياسيون مصابون بنقص الحضارة المزمن: حول الشغب السياسي العراقي الحالي


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1092 - 2005 / 1 / 28 - 07:56
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ينهض كل بضع سنين في كل دولة اوروبية غربية, حزب جديد, يخرج من حيث لايعلم احد, ليقيم الدنيا ولا يقعدها ويثير الرعب والحيرة في رجال السياسة في البلد ومثقفيه. اخر تلك الاحزاب في هولندا كان حزب بيم فورتان, والذي سمي باسمه. هذه الاحزاب التي تسمى "شعبوية", ليس امتداحا, بل ذما, لانها تبحث عما يرضي الناس, وخاصة البسطاء والمتحمسين منهم, لتتخذ منه شعارات تكون في العادة متناقضة وغير منطقية وتقدم مشاريع كثيرة دون ان تتكلف حساب امكانية تنفيذها. فمثلا لم يقدم حزب فورتان برنامجا سياسيا, وكانت "افكاره" المتناثرة تجمع اتجاهات من كل مكان, حتى لاتستطيع ان تصنفه في مكان سياسي. فهو في احدها يميني متطرف, واخر ليبرالي يحسده الليبراليون وثالث اكثر يسارية من اي حزب يساري.

ليس هذا فقط, بل انه كان مستعدا لتغيير اتجاهاته بمرونة عجيبة, دون ان يخشى على مقاعده. فمثلا, كان من افكار فورتان الطريفة ان لاحاجة لهولندا الى القوة الجوية, ووعد بالغائها ان كسب الانتخابات! وفي تلك الفترة كان هناك صراع شديد بين اليساريين الهولنديين والتابعين لاميركا حول صفقة طائرات حربية بحوالي 8 مليارات دولار, رغم ان هولندا كانت تعاني اقتصاديا.
ذهب السفير الامريكي وجلس مع المرحوم فورتان لمدة ساعة واحدة, فخرج فورتان بقدرة قادر, مؤيدا لشراء الصفقة! اما لماذا, فهو ما لايسأل عنه الناخبين لمثل فورتان, فهم ليسوا من النوع المحاجج المدقق, بل المعجب بالصوت والعيون, او المحتج الغاضب الذي يريد بديلا, اي بديل كان.

جمع حزب فورتان, رغم مقتل صاحبه, من المقاعد ما مكنه من ان يكون ثاني اكبر الاحزاب الهولندية في اول انتخابات يخوضها, وبالتالي فرض نفسه على المشاركة في الحكومة, بشلة معضمها من اللصوص الاغنياء. فكان لايملك من يشغل به المقاعد التي حجزت له في البرلمان لان اعضاءه لايستطيعون تركيب جملة مفيدة. كذلك لم يكن لديهم من يشغل حصتهم من الوزراء, فحاولوا جمع من يقبل بهم, وفعلا رفض الوزارة و التورط معهم العديدين ومنهم سياسي محلي من اصل مغربي.

الحكومة التي قبلت مرغمة دخول هذا الحزب صارت مهزلة سياسية تاريخية ولم تستمر الا بضعة شهور, لان وزراءهم كانوا يتعاركون ويتضاربون مع الصحفيين, وغيرها من الفضائح, فسقطت وتخلصت هولندا من كابوسها, لكن ليس بلا ثمن.

هذا هو الشيء الرائع في المشاغبين: انهم لايستطيعون التجمع في كيان واحد. ففيهم من التناقض والتنافر ما يفجر اي وعاء يجمعهم, فيفضحون انفسهم ويصبحون مهزلة حتى دون تدخل من الخارج.

ذكرني بهؤلاء, ما يجري اليوم من صراع سياسي في العراق بين المجموعة التي جاءت بها اميركا الى العراق, متمثلة بالشعلان وعلاوي والجلبي. ففي حين جاء الجلبي تسبقه فضائحه المالية وعلاقاته باسرائيل والعنف داخل حزبه (ولا افهم كيف زكى السيد السيستاني قائمة فيها مثل ذلك), فشل علاوي في اخفاء استمرار انتمائه لنفس العقلية الصدامية بل يتحدث عن علاقاته تلك بفخر, ويبدوا انه مشغول باعادة الصدامية الى العراق. يبدو ان دور علاوي سيكون مطابقا لدور المارشال بييترو بادوكليو في ايطاليا بعد الحرب العالمية الثانية. كانت ايطاليا اشبه ما تكون بوضع العراق بعد الحرب: مدمرة بالحرب, خارجة من نظام فاشي, النفس الشعبي مضاد لاميركا وفي نفس الوقت تتواجد على ارضها قوات اميريكية كبيرة. وهكذا تم تشكيل ما سمي وقتها "فاشية دون موسوليني" بقيادته. ولعل علاوي واميركا يأملان بتكرار تأريخ ايطاليا في العراق مع فوارق كبيرة ليست في صالح العراق.

ربما ليست هي مشكلة عويصة ان تبرر التعامل مع المخابرات الاجنبية حين التخطيط لانقلاب على دكتاتور البلد, لكن عدم وضع خط نهائي لها بعد استلام السلطة, امر غريب. هل يمكن مثلا لبلاد يرأسها علاوي ان تحاكم جاسوسا في المستقبل مثلا؟

اما حازم الشعلان فجعل من نفسه نكتة سياسية لانه لايفكر فيما يقول, وكثيرا ما اضطر بقية زملاؤه للتبرء من ما قال. فمرة يجعل صداما بطلا لصمود "بلاده التي قاتلتها ايران ثمان سنوات", ومرة يصرح بما هو من اختصاص غيره, ويهدد ويتوعد بنقل الارهاب الى دولة مجاورة, والهجوم على اخرى, وهو لم يملك بعد جنود قادرين على حماية انفسهم.

اما اخر ما ابتدعته قريحته فهو هجومه على الجلبي الذي فضح عملية تحويل مالية هائلة وغير مفهومة قام بها الشعلان. وهنا ثارت حمية الشعلان وهدد باعتقال الجلبي وتقديمه للمحاكمة استنادا على التهمة القديمة للجلبي, والتي لم يتحرك شرف احد في الحكومة للتحقيق فيها قبل اليوم. اما لماذا تذكرها الشعلان, فهو يقول "لان الجلبي اهان وزارة الدفاع"! يعني ان الجلبي كان حرامي, ولكننا نسينا ذلك, حتى اهان وزراة الدفاع!

وكيف اهان الجلبي وزارة الدفاع؟ بكشفه صفقة التحويل المالي المشبوهة التي قام بها الشعلان! الاهانة لم تكن موجهة لوزارة الدفاع, بل للشعلان شخصيا, المسؤول عن الصفقة مباشرة.

رد الجلبي بان الوزير يتصرف في غير صلاحياته, وان ليس له ان يقرر من يقبض عليه ومن يحاكم. فاجاب الشعلان بان الجلبي لا يفهم, ولايعلم على ما يبدوا ان هناك حالة طواريء في الوزارة, وان لها قوانين خاصة تعطيها حق الاعتقال في هذه الحالة...الخ. ويبدو لي ان الشعلان يعتقد ان حالة الطواريء وقوانينها موضوعة ليست لحالة خطيرة يمر بها البلد بل لحمايته من الفضائح. الحق انه اذا كانت اهانة وزارة الدفاع وجعلها مسخرة تعد جريمة, فان اول من يجب ان يحاكم هو الشعلان نفسه.

لايستطيع امثال هؤلاء, سواء كانوا عراقيين او اوربيين ان يحافظوا على تجمعهم في حكومة او شكل سياسي لفترة طويلة, ولا يستطيعون كبح جماح قوى التنافر والعنف, حتى في الفترات الحرجة القصيرة التي تسبق الانتخابات. فالتجمع يتطلب حدا ادنى من الحضارة اللازمة للتفاهم والحوار فيما بينهم على الاقل.

ان "نقص الحضارة" لديهم يسبب لهم ايدز "نقص المناعة" ضد التفرق. فأن وجدوا انفسهم في بيئة عريقة الديمقراطية, تمزقوا ومزقوا الحكومة التي تجمعهم, وغادروا كرسي الحكم بعد فترة مؤذية للبلد, لكنها تكون عادة قصيرة. اما ان تواجدوا في بلد لم يعرف الديمقراطية, او لم تكن فيه قوية الجذور, استولى بعضهم على الحكم بالقوة, وذبح الاخرين, وتحول الى سلطة دكتاتورية تعيش على "حالات الطواريء" وقادسيات وامهات معارك, وعم دمارهم البلد زمنا لايعلم بحدوده الا الله.



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من قررت ان تنتخب؟
- خطوط على وجوه المدن العظيمة: اثار الجيش الامريكي في بابل
- صراع بين المتضامنين مع الشعب الكردي
- طائر الشمال الجميل يسحب استقالته!
- استقالتك مرفوضة ايها الطائر الجميل
- خير الامور ليس دائما اوسطها: في العلاقة العربية الكردية في ا ...
- الاعلام والحملات الانتخابية -4 – نظرية التوازن النفسي وتأثير ...
- الحملات الانتخابية والاعلام -3- الخط الايديولوجي
- تحية تقدير للمبادرات السياسية الذكية واصحابها
- ملاحظات حول مشروع الدستور الدائم للدكتور منذر الفضل
- الحملات الانتخابية والاعلام 2- حلزون الصمت
- الحملات الانتخابية والاعلام-1- الرسالة الاعلامية والمتلقي
- من هم الملوك؟
- ملاحظات عاجلة حول الحملات الانتخابية
- الامانة الموضوعية.. والشجرة: مراجعة لمقال صبحي الحديدي
- لم الحماس للقوائم الموحدة؟
- خدمتين جديدتين مهمتين لمستعملي الحاسبات
- هولندا: شعب طيب وصحافة عاهرة – 2- منع التكامل الاجتماعي –
- مقالق جلالة الملك
- الانتخابات: سنذكرها كحلم جميل, ام كابوس مرعب؟


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - سياسيون مصابون بنقص الحضارة المزمن: حول الشغب السياسي العراقي الحالي