أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جواد كاظم غلوم - مذكرات مثقف عراقي في سنوات الحصار/الجزء السادس















المزيد.....

مذكرات مثقف عراقي في سنوات الحصار/الجزء السادس


جواد كاظم غلوم

الحوار المتمدن-العدد: 3718 - 2012 / 5 / 5 - 04:11
المحور: سيرة ذاتية
    


16)
أظهرت الكتابات التي كانت تصدر أيام الحصار أشكالا غرائبية في المضامين فتارة تجد أدبا غاية في الرثاثة والضعف الفني لمجموعة من الادباء الصغار الذين بدأوا يظهرون كالفقاعات في الزبد ولكن سرعان ما تنفجر وتخبو هذه الفقاعات ويمحى اثرها ، وهناك نتاجات أدبية كثيرة ظهرت لايهمها سوى تمجيد القائد الضرورة بشكل يصل الى حدّ التأليه وهذه الكتابات عبارة عن مدائح وفخار ساذج الهدف منه الحصول على رضا القيادة ولاتخلو هذه المدائح من مطامع مادية واستجداء بهدف الحصول على منصب او جاه او هدايا بخسة يغدقها عليهم القائد والمحيطون به لعلها تسدّ بعض الفتوق الكثيرة التي أحدثتها سنوات الحصار الطويلة ،وغالبا ما يشعر هؤلاء الأدباء بالصدمة ولم ينالوا شيئا سوى كلمة " العَفْية "التي يقولها الكبير لصغاره حينما يقومون بعمل شيء يرضيه
بالمقابل كانت هناك كتابات تظهر بين الفينة والاخرى فيها شيء من العمق والدلالات الرمزية لكنها مغرقة في الغموض ومن الصعب سبر اغوارها بسبب سحابة الخوف التي كانت تغطي سماء الادب لان معظم الادباء الذين يشار اليهم بالبنان اعتمدوا التلميح لاالتصريح خوفا مما لايحمد عقباه ، والانكى من ذلك ظهور قصائد وقصص مغرقة في الغموض والميثولوجيا بحيث يصعب- او قل يستحيل- فهمها وتكون مثار تندر وضحك بحيث يقرؤونها من الاسفل الى اعلى او بالعكس دون ان تتراءى امام القارئ الاهداف والغايات التي كتب من اجلها النص
اما عملية تسريب النتاجات الادبية خارج العراق ونشرها في الصحف والمجلات غير العراقية فقد كانت سائدة ولكن على نطاق ضيّق ولفئة قليلة من الكتّاب الذين يتواصلون مع اقرانهم في المهجر ومع ذلك فقد كان الكاتب يتحاشى ان يضع اسمه الصريح على نتاجه ويضطر الى وضع اسماء مستعارة خوفا من الاستجواب وعيون " شرطة الثقافة "التي كانت تسترق النظر ليس في العراق فحسب انما يتسع نظرها المريب الى خارج الحدود مما اضطر البعض من الادباء الى استخدام النشر غير التحريري(الشفاهي)وكثيرا ماكنا نسمع من هذا الصديق او ذاك قصيدة او قصة محفوظة في الذاكرة ويتداول المريدون حفظها عن ظهر قلب –كما يقال- واذا تعذر ذلك يلجأون الى استنساخها يدويا بورق الكاربون وتوزيعها الى المعارف والثقاة على اضيق نطاق
لقد رفع شرطة الثقافة شعارا بان " الكتابة الادبية في خدمة الاعلام " والويل الويل لمن يتمرّد على هذا الشعار او يخرقه قصدا ام عن غير قصد واندفع البعض تحاشيا وفرارا من هذا الشعار الى اللجوء الى استخدام التورية والترميز لعلها تفلت من قبضة الرقيب الذي كان يترصد كل ما ينشر في الصحافة ولم يسلم حتى المصطفون في رتل النظام والسلطة مما حدى بالبعض الى التلاعب بالالفاظ وسلوك دروب ملتوية خوفا من الوقوع في مزالق قد تطيح بالكاتب الى التهلكة والسجن وربما تكون اخف العقوبات هي الطرد من المؤسسة الثقافية التي يعمل بها ويكون مصيره الجوع حيث ينشب الفقر اظفاره في جسده وقد يكون مصيره الصعلكة في الحواري والشوارع وهذا ما لمسناه من كثرة الادباء الذين تعرّضوا الى اهمال شديد وكان مصيرهم افتراش الشوارع والازقة والتسوّل من هذا وذاك لسدّ رمقه ورمق اسرته الجائعة
17)
غالبا ما كان متملقو الثقافة يكيلون لرأس السلطة المديح والمبالغات والصفات التي يندر ان يتحلى بها احد سوى الانبياء وحاملي عرش الإله وأوصياء الخالق وبناة المجد وعاليو الهمة من شخوص التاريخ العظماء من ابناء العراق الذين رسّخوا حضارة وادي الرافدين بدءا من نبوخذنصر وسنحاريب وآشور بانيبال ومرورا بقادة الفتح الاسلامي كخالد بن الوليد والقعقاع الذين ملئوا عقل الطاغية غرورا وعنجهية لكنهم أفرغوا من قلبه محبة الشعب وحنوّ القائد على رعيته المتهالكة الجائعة كانت الصحافة في عهد الحصار موصدة تماما امام القوى غير البعثية سواء من الماركسيين أوالتيارات الاسلامية والاحزاب الاخرى وحتى التيارات القومية العروبية غير المنضوية تحت راية الحزب الحاكم رغم بعض نقاط الالتقاء بين هذه التيارات في الجانب القومي ؛ بمعنى ان الاعلام ككل ظل بعثيا بامتياز اما الثقافة فكان همّها الاساس تمجيد النظام بدءا من رأس الهرم المتمثل بشخص واحد لانظير له فهو القائد الضرورة والاوحد والرمز وحامي البوابات الغربية والشرقية نزولا الى قاعدة ذلك الهرم المتمثلة ايضا بالجيش الشعبي وجيش القدس وجيش النخوة والتشكيلات العسكرية الاخرى التي عسكرت المجتمع العراقي

والانكى من ذلك ان زمرة من الادباء والشعراء المحيطين به كانوا يطوقونه بهالة من التقديس والتأليه وينعتونه بصفات وخصال ما انزل الله بها من سلطان من خلال قصائد المديح والخطب الرنانة التي تطغى عليها المبالغات العجيبة والغريبة المثيرة للقرف طمعا في نيل رضاه وخوفا من بطشه الذي لايرحم فترى الشاعر الكبير الذي يشار اليه بالبنان يتذلل وينحني ويرتجف هلعا وهو يلقي امامه قصيدته "العصماء" تتغنى بعيد ميلاده وربما يطمع في مكافئات سخية تنتشله من قاعه الذي وقع فيه
وامام هذه الطامة الكبرى اضطر البعض من الادباء ذوي الحظوظ غير العاثرة الى مغادرة العراق والتماس الغربة والعيش في المهجر خلاصا من ضغوطات السلطة التي لاتطاق وهربا من المثقفين ورعاة الادب الذين تزيّوا بالملابس الزيتونية سيئة الصيت تقليدا لاسيادهم المتنفذين على مقاليد الامور
ومن كانت حظوظه خائبة فقد فضّل الانكفاء والبعد عن اي نشاط ثقافي وبقي مستسلما لليأس والقنوط مكتفيا بما يسّر الله له ولاسرته من بركاته مقتنعا بالقليل القليل من الحصص التموينية التي توزعها دكاكين وزارة التجارة ووكلاؤها على الناس كل شهر
حقا لقد اصبحت الثقافة في عهود الحصار مرعى للدمن والبعر تسرح فيها النعاج والخراف بحماية كلاب السلطة ويرعاها وزير جاهل يلمّ حوله شاحذي المكافئات والمتذللين الذين يتصيدون المناسبات ويتحينون فرص حلول يوم الزحف العظيم والبيعة الميمونة وتاريخ ميلاد القائد الضرورة عسى ان ينالهم شيء من الفتات ... فبدلا من ان تكون الثقافة بستانا مليئا بورود الابداع وثمار التجديد نراها قد ملئت بالحنظل المرّ والعلقم اللاذع والطحالب السامة التي "أينعت" من فكر القائد ومعين ثقافته ونصائحه التي فاقت حكمة سليمان
اما النفر الصابر من المبدعين الأصلاء من سلالة شمّ الأنوف كالجواهري والسياب ورعاة التجديد الحقيقيين الكثر ممن عركته التجارب وخبرته الحياة فقد كانوا بمنأى عن هؤلاء ، لكنهم نخبة قليلة طحنتهم الفاقة والحاجة وبقيت شجاعة ووفية لمبادئها رغم اصطدامها بجدران المنع وحجب نتاجاتهم ، ومن كان سعيد الحظ ويحصل على موافقة دائرة رقابة المطبوعات على نشر ما يكتب فان خير كتاباته تتعرض للقص والشطب والالغاء احيانا فتصبح نصوصه عارية من الجمال والابداع مثل بستانٍ خالٍ من الورود والثمار ولا يُرى غير العصف والنبت اليابس

18)
كثيرا ما كنت أسائل نفسي عن جدوى الكتابة والانكباب على الورق واعتصار النفس وترجمة ما في دواخل المرء من مشاعر الفرح او الحزن والرضا أوالغضب طالما لم تر النور وهناك ماردٌ همّه الأساس حجب كل شيّق ممتع ، أليس النشر حاجة أساسية لابدّ من إشباعها ؟؟
وفقا لهذه الرؤية التي اعتلجت في داخلي ، فكرت مليا وعزمت أمري على مراجعة وزارة الإعلام بعد ان هيأت مجموعة شعرية منتقاة من قصائدي الكثيرة وكتبتها على الآلة الكاتبة وضممتها في ملفّ أنيق تمهيدا لعرضها على الوزارة المذكورة
وقبل عزمي هذا تمّ التداول مع احد اصدقائي العاملين في حقل الاعلام ويكتب في الصحف المحلية والمجلات العراقية بين حين وآخر وله سمعة طيبة في صفوف المثقفين لكنه بعد أخذ وردّ نصحني بالعدول عن قراري بسبب توقف تعضيد النشر وقلة التخصيصات المالية لنشر نتاجات الأدباء وأبلغني ايضا ان معظم النشاطات الثقافية وبالاخص الطباعة والنشر تقتصر فقط على ادبيات الحزب اولا وادبيات النخبة الملتفّة في طوق السلطة والمقربين من صانعي القرار ثانيا والتي تتوافق توجهاتهم الفكرية مع فكر البعث وطروحات القائد الفذّ اضافة الى بعض الكتّاب العرب الذين وضعوا أقدامهم في ركاب السلطة
لم اصغِ لكلامه ونصحِه فقررت وحدي ان اخوض غمار التجربة ، كان عليّ ان اراجع دائرة رقابة المطبوعات واقدّم نتاجي الى الرقيب أملا في استحصال موافقته على النشر وهذه هي الخطوة الاولى التي عليّ ان انجزها
طرقت باب الوزارة في صباح يوم ساخن من ايام الصيف فأشار لي موظف الاستعلامات بالصعود الى الطابق التاسع وعرْض ما لديّ على الرقيب هناك ، وما ان وطأت رجلاي دائرة الرقابة بعد صعود مضنٍ اذ لم يسمحوا لي باستخدام المصعد الكهربائي حتى رأيت نفسي امام امرأة موظفة تبدو عليها الطيبة والوداعة ؛ سألتني عن طلبي فشرحت لها الامر وطلبتْ الملفّ الذي بحوزتي ( مجموعتي الشعرية )وبعد ان تصفحت ما فيه بشكل عاجل وضعته جانبا وأخبرتني بضرورة المراجعة خلال شهرين ، رجوتها وطلبتُ منها امكانية مقابلة السيد الرقيب بنفسي وعرض ما لديّ امامه لكنها اعتذرت بأدب وأكدت ان التعليمات تنص على استلام نتاج الكتّاب وما على المؤلف سوى الانتظار طيلة المدة المقررة ريثما يقرر الرقيب الموافقة على النشر او عدمها
عدت ادراجي ولم افلح في مسعاي لمقابلة احد المتنفذين في دائرة الرقابة بعد ان ابقيت نتاجي الشعري عندهم ، على امل أن أراجعهم بعد شهرين كما أشاروا لي
انقضى الشهران وانا اترقب النتيجة على احرّ من الجمر ، ما زال الامر لم يحسم بعد والرقيب العتيد منشغل بقراءة النصوص التي سبقت نصوصي ، حيث كنت كلما ارتقي سلّم الطابق التاسع أعود خائبا أجرجر اذيال اليأس وظهرت كل حساباتي خاطئة وتلك الموظفة التي استلمت ملفّي لاحول لها ولاقوة كما صرّحتْ لي عند مراجعتي المستمرّة لها ولاعمل لها سوى استلام نتاجنا وإعطاء المواعيد تلو المواعيد تسويفا ومماطلة حتى اني نسيت الامر من شدة يأسي بعد ان مضت خمسة شهور ، وفكّرت جادّا ان اسحب المجموعة الشعرية واغضّ النظر عن طبعها نهائيا امام هذه العقبات والمطبّات التي تعترض طريق النشر

جواد كاظم غلوم



#جواد_كاظم_غلوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من قصائد الفتوّة - بشرى-
- غورباتشوف وخيبة الأمل
- تركيا الصديقة الحميمة
- مذكرات مثقف عراقي في سنوات الحصار/الجزء الخامس
- لايكفُّ لساني عن وخزك
- هكذا أدرّبُ نفسي
- الإحتلال الديبلوماسي
- مذكرات مثقف عراقي في سنوات الحصار/الجزء الرابع
- مذكرات مثقف عراقي في سنوات الحصار/الجزء الثالث
- لدغاتُ العمّ سام وشطحاتُ بابا كريستوفر
- رياشٌ مغمّسةٌ بالحزن
- مِن عاشقةٍ لمعْشوقِها في عليائِهِ
- مذكرات مثقف عراقي في سنوات الحصار/الجزء الثاني
- لاأريدُك
- مذكرات مثقف عراقي في سنوات الحصار/الجزء الاول
- مباراةُ عاشقةٍ خاسرة
- مخاطر الكعكة الصفراء
- إطلالةٌ على مدنِ الرّماد
- ما خبّأه ابنُ طفيل في قِماطِ حيِّ بن يقظان
- أريدكِ نافذتي...شُرْفتي المشْرَعة


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جواد كاظم غلوم - مذكرات مثقف عراقي في سنوات الحصار/الجزء السادس