أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - ثورة يناير والإبداع الروائى















المزيد.....

ثورة يناير والإبداع الروائى


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 3717 - 2012 / 5 / 4 - 10:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



الكتابة الإبداعية عن أية ثورة هى مجازفة محفوفة بالكثيرمن المخاطر، خاصة إذا كانتْ الكتابة بعد قيام الثورة بعدة شهور. والرأى الغالب فى النقد الأدبى أنه كلما بَعُدَ الزمن عن بداية الثورة ، كلما كانت الرؤية أعمق ، بمراعاة توافرالمزيد من المعلومات عن قوى الثورة وعن الثورة المضادة إلخ . وبما أنّ ثورة شعبنا فى شهرطوبة / يناير2011لم تكتمل ، بل وأمامها الكثيرمن العقبات ، فكيف لمُبدع ما يمتلك جرأة الكتابة عن (فعل) لم يكتمل ؟ هذا السؤال شغلنى بعد قراءة رواية الأديب المبدع محسن يونس (ما تبقى من بدايات بعيدة) الصادرة عن هيئة قصورالثقافة عام 2012.
بعد الصفحة الثالثة بالضبط ، أدركتُ أنّ المُبدع على وعى تام بما طرحته من سؤال عن صعوبة الكتابة عن حدث لم يكتمل ، لذلك كان من البراعة عندما جعل مُفتتح الرواية عن ذهاب الراوى إلى ميدان التحرير، وبعد ذلك (فى باقى صفحات الرواية) لايكون ميدان التحرير، ولا تكون الثورة صلب أحداث الرواية ، إنما مجرد خلفية ، أوصورة موسيقية بلغة السينما ، إذْ أنه جعل الحاضريلتحم بالماضى ، إذْ برع فى تداخل الأزمنة وتداخل الأماكن ، لتجسيد الفساد فى الماضى وتراكماته. وأنّ الفساد والثورة ضده فى صراع دراماتيكى عبرالتاريخ .
لايزعم الراوى أنه من الثوار. هومجرد موظف ذاهب إلى عمله. يمشى فى شارع الشيخ ريحان ومنه إلى ميدان التحرير. فجأة وجد نفسه ((فى تياربشرى يزحم الميدان فى احتجاج علنى.. قلتُ فى نفسى منتفضًا ليذهب دفترالحضورإلى جهنم . ليكن اليوم إجازة عارضة)) يتلقى عدة ضربات من جنود الأمن المركزى . بعدها ((أصبحتُ واعيًا بأننى أموت. وجدتُ نفسى أخرج من جسدى)) بعد هذا المقطع القصيرتترك الرواية (أرض) ميدان التحريرلتُحلق فى الفضاء. فضاء مادى (السباحة فى السماوات المفتوحة) وفضاء مُتخيل (الانتقال من عصريزيد بن معاوية إلى الخلافة العثمانية ومقاومة طومان باى إلى دخول الفرنسيين بقيادة بونابرت مصر) لنعود فى الصفحات الأخيرة من الرواية إلى ميدان التحرير.
الراوى ترك جسده فى ميدان التحريربينما روحه حلقتْ فى الفضاء مع أسرة (زمش وش القملة) رأس العيلة الذى كانوا يُخوّفون به العيال. وبدايته فى زمن يزيد بن معاوية. ولأنّ (زمش) مثله مثل أى مجرم عتيد ، لذلك أعلن فى مواجهة الجماهيرالساخرة منه أنه سيقطع لسان من يقول (زمش وش القملة) ومن فرط توحشه قال ((جثة الميت إذا نظرتُ إليها هدأتْ نفسى . تكون المشاهدة بردًا وسلامًا لأعصابى . تُعطينى إحساسًا بالتفوق عليه. فهوميت وأنا حى)) بعد هذه الفقرة يربط المُبدع بصورة فنية الماضى بالحاضرفيقول الراوى وهويُشاهد جسده ((ابتلعتُ ريقى وأنا أرى بعض من فى الميدان يوزعون على بعضهم عبوات المياه الغازية. ابتسمتُ فهم لم يستخدمونها فى الشرب ، بل فى غسيل وجوههم لإبعاد أثردخان القنابل المسيلة للدموع)) بعدها نعود إلى زمن يزيد بن معاوية فتقول الروح ((سمعتُ صوت ربابة بأنينها المُنسجم مع المآسى)) وكما فى عصرنا الحالى هناك من يقومون بمهمات (قذرة) لصالح جهازالشرطة ، كذلك فعل زمش وش القملة فى زمن يزيد بن معاوية. وكانت إجابة زمش ((لم أكن أملك المال فقدمتُ خدماتى)) وزمش يتبرم من روح الراوى فيقول له ((ارجع لجسدك حالا. لاتتركه فى الميدان . فالذباب بدأ فى الطنين حوله)) زمش فى السجن يقضى العقوبة على جرائمه. يأمرالوالى بإخراجه من السجن قبل إنقضاء المدة. لماذا ؟ للقيام بالأعمال القذرة ضد المُتمردين على الوالى . روح الراوى رأتْ ((طابورعسكر. ورايات خضرشعاربنى أمية. رأيتُ زمش وش القملة وسط جمع كبيرمن أرباب الجرائم)) ما هى مهمة زمش وباقى المُجرمين والتى بسببها تم الإفراج عنهم ؟ اعترف زمش وش القملة بالحقيقة فقال ((استبدلنا والى مصربآل البيت الذين نزلوا بلادنا هربًا من الأمويين . يزيد بن معاوية أرسل أمره إلى الوالى بجمع آل البيت ليذبحهم فى دمشق . والى مصرخاف أنْ يقع دمهم الزكى فى عنقه. ففكر، وكنا نحن المساجين بديلا عن آل البيت)) هنا جدل المُبدع وقائع التاريخ بالحاضرالحى . أى استخدام السجناء فى قضايا جنائية ، إما للقيام بالأعمال القذرة لصالح نظام الحكم ، أوللتضحية بهم هروبًا من شعورمزيف بالضمير، إذْ أنّ الوالى خاف أنْ يقع دم آل البيت فى عنقه. ففكرأنْ يكون المساجين هم الضحايا (القتلى) بدلامن آل البيت، حتى أنّ زمش وش القملة قال للمسئول ((لكن أنا مجرم حثالة ولستُ من آل البيت) فكان الرد ((نعرف. ونعرف أنك مقتول مقتول)) فكان تعليق زمش ((يعجبنى تفكيرالوالى الشيطانى)) والراوى يسبح فى الفضاء رأى ((يزيد بن معاوية ينظرإلى زمش وش القملة مُبتسمًا وهويجلس على كرسى عرشه. وحوله الحراس والخصيان الذين يحرسون باب الديوان والجوارى والسرارى والإماء مُستلقيات حول نافورات مائية. قال يزيد مُلوّحًا لزمش وش القملة : ابن عمى أنت تنطق بالحكمة. ولأنّ لعبة التبديل لم تتم ((برطم قائد الحرس فى وجه زمش وش القملة وقال ((فزتَ يا حثالة أنت ومن على شاكلتك. أما أمثالى فعليهم قطع ألسنتهم للأبد)) وزمش فى تبنيه لتراث التخلف قال ((أنجبتُ ثلاثة ذكور. أما أبنائى من إمائى وماملكتْ يمينى فلا أعرف عددهم)) فقال الراوى ((أين اختفتْ آثام ومخازى مؤسس العائلة هذا ؟ تلفتُ حولى من فضائى فالتقيتُ بجسدى المُرتمى على ظهره على أرض ميدان التحرير))
ثم ينقلنا المُبدع إلى زمن المُستنصربدين الله الفاطمى ، وغرام زمش على حجره (غرام زمش شخصية مهمة فى الرواية انتقلت من زمن العصرالوسيط حتى لحظة ثورة يناير) وفى صورة بديعة روائيًا قال الراوى ((شاهدتُ الوقائع تـُسرع خطاها مع زعفرالمستكانى الذى يرقص رقصة فيها تهتك مناديًا المُستنصر: يا مُستنصرتعال ارقص معى . رقصة لك ورقصة للستين سنة قاعد بخربتك على كرسى الخلافة لغاية ما خرمها الزمن)) هنا تناص بالغ الدلالة بين الماضى والحاضر: محورالخراب الذى شمل عصورالخلافة الإسلامية. ومحور(الستين سنة) فى إشارة دالة (فنيًا) على الخراب الذى حلّ بمصرعندما سيطرالعسكرعلى الحكم منذ يوليو52وحتى ثورة يناير2011. وفى إشارة دالة أخرى بين الماضى والحاضر، فإنّ الراوى شهد الجماهيرتهتف ((يا مستنصرهالك هالك)) وفى إشارة دالة ثالثة قال الكاشف لزعفر((خرُبَتْ البلاد ومياسيرها أمثالك يتمتعون)) فى تناص مع المُستفيدين من الخليفة والمُستفيدين من عصرمبارك ، إذْ ينقلنا الراوى إلى ميدان التحرير، حيث شاهدتْ الروح جثتها فى الميدان ((ومن حولها تجرى بقية أحداث فض المتظاهرين)) ثم ينقلنا المُبدع إلى زمن الغزوالعثمانى لمصر، ودورالبطل طومان باى فى مقاومة الغزو، ورفضه عرض سليم بأنْ يتولى ولاية تحت أمرته. وخيانة شيخ العرب حسن مرعى ، الذى لجأ طومان باى إليه لحمايته ثم سلمه للسلطان سليم . وأخيرًا مشهد الشنق الذى نسج شعبنا حوله قصة تختلط فيها الحقيقة بالخيال ، حيث رفض حبل المشنقه الضغط على رقبة طومان باى مرتيْن وفى الثالثة استجاب الحبل . والمبدع محسن يونس فى هذا الفصل الشيق التزم بالمادة التاريخية كما وردت عند ابن زنيل وغيره من المؤرخين (أنظرتاريخ مصرمن خلال مخطوطة تاريخ البطاركة- تحقيق عبدالعزيزجمال- هيئة قصورالثقافة- 2012- ج 8 وكذلك الكتاب المهم (طومان باى – السلطان الشهيد – تأليف د. عماد أبوغازى – دارميرت – عام 99) وكما بدأتْ الرواية بميدان التحريرإنتهت أيضًا فى الميدان حيث المليارديرأدهم زمش وأتباعه يهتفون ((يعيش أدهم باشا زمش)) وكأنّ المُبدع أراد التأكيد على أنّ أتباع مبارك يتشبّثون بمنظومة الفساد . وجاءت الكلمات الأخيرة على لسان الراوى لتـُعمّق هذا المعنى إذْ قال ((كان المشهد الأخيركله مجازًا حدّثكم عنه رجل غادرجسده ولم يمت ، عقب تلقيه ضربة من عسكرى أمن مركزى ، إلاّ أنه يطيرفى الفضاء . قال قوله مجازًا . فهل تصدّقونه ؟ لاتصدقوه ، لأنّ الواقع بالميدان يُحاصرهذا المجازبلعنته. فانتبهوا)) هذه رواية ممتعة بأسلوبها الفنى ولغتها الفنية وحس الفكاهة و(خفة الدم) التى يتمتع بها شعبنا حتى فى أحلك لحظات حياته.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأعياد المصرية : الماضى وآفاق المستقبل
- الطبقة العاملة واليسار المصرى
- مجابهة الأصولية الإسلامية
- التقويم المصرى
- الحضارة المصرية : صراع الأسطورة والتاريخ
- السوداء والمشمية - قصة للأطفال
- الشخصية اليهودية والروح العدوانية
- ثروت عكاشة : دراما العلاقة بين الثقافة والسياسة
- الجذور التاريخية لمأساة الشعب الفلسطينى
- درس من خبرة الحركة الوطنية
- صياغة التعصب الدينى بالإبداع
- دستور وطنى دائم أم شخص الرئيس
- شواطىء العدل والحرية عند رمسيس لبيب
- السفر الأخير - قصة قصيرة
- مجابهة التخلف الحضارى
- الإبداع بين الدراما والسياسة
- أوديسا التعددية الثقافية
- مباراة عصرية فى شد الحبل بين الحرية والدكتاتورية
- دستور سنة 23 وموقف الليبراليين المصريين
- قصة (بعد صلاة الجمعة) والفكر الأصولى


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - ثورة يناير والإبداع الروائى