أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عباس الظاهر - نظرات في القصة القصيرة (9)














المزيد.....

نظرات في القصة القصيرة (9)


طالب عباس الظاهر

الحوار المتمدن-العدد: 3716 - 2012 / 5 / 3 - 11:48
المحور: الادب والفن
    


نظرات في القصة القصيرة
طالب عباس الظاهر

(9)

القصة القصيرة أداء لغوي موح، يحيل لما هو حياتي معاش بالصوت والصورة، مستثمراً في الآخر لخزين تجربته الإنسانية في الحياة، والتحفيز لتراكمية الأحداث لمشاهده وذكرياته، فيعكس مثل هذا الأداء التعبيري مدى أصالة تجربة القاص الإبداعية في ملامسة أدق الجزيئيات المهملة، وربما المنسية أيضاً في دهاليز الذاكرة، وترتيبها بأوضح شكل، ليعيد تشكيل لبناتها من جديد، وفق رؤيته الفلسفية، لا كما هي في الواقع .. عبر توفر شرطي المعرفة والصدق في مثل ذلك الاشتغال الفني، في محاولة للربط مابين الأحداث والشخوص والأمكنة والأزمنة المختلفة، واغتناء احدهما بالآخر في المسيرة السردية التي قد تطول أو تقصر، لاستيفاء الغرض المراد في البناء الداخلي للنص القصصي.
إلا إن من المهم جداً الالتقاط الواعي لأهم المفردات الحياتية التي تخدم هذا الغرض، والمحافظة على التتبع الدقيق لتطور خطوط سير الثيمة، من البداية حتى النهاية، وعدم إغفال المفردات عائمة تتخبط في فراغ المجهول، مهما كانت بسيطة، إذ إن قوة الحدث الرئيسي للقصة، ومحاولة تجسيد صفات الشخصية المحورية ـ البطل ـ يدفعان بالبنيات المشكَّلة نحو التوهج .. بالإفصاح البليغ عن أبعد مكنونات المبدع.
إذن، فالحدث يُعَدُّ نقطة ارتكاز لانطلاق القصة، وبفقده تفقد بوصلتها، وتظل تائهة في بحر السطور لا تعرف ماذا تريد؟ وإلى أين هي ذاهبة؟! وبالتالي تعجز عن فهم نفسها وهويتها معاً، فضلاً عن قدرة الأداء لرسالتها ونجاحها في تلك المهمة الجوهرية، وعلى العكس فإنّ الوصف الزائد، والإغراق فيه يوقف التدفق الحيوي لسير الحبكة، وربما يورث السأم في نفس المتلقي .. دافعاً به نحو الخارج، ومحفزاً إياه على التشتت.. بدلاً من سحبه إلى الداخل؛ أي الانشداد إلى المتن القصصي، كما هو مفترض، وإغراقه في خضم تناقضاته وصراعاته، واحتجاجاته المستترة والعميقة على يجري وما هو حاصل على مستوى السطح من أحداث الحياة والوجود.
فضلاً عما يمثله الحدث من الأهمية القصوى، بإدامة عنصر التشويق في سرد النص القصصي، واستمرار متابعة الآخر؛ فهنالك مفردة مهمة أيضاً، وهي ضرورة الاشتغال على المتناقضات والمتضادات والمتعاكسات، من أجل إبراز القيم الجمالية للأشياء في النص من خلال الخوض في القبيح منها، والعكس صحيح أيضاً، فالوجود قائم بالأساس على ثنائية الأضداد كالليل والنهار، والحق والباطل، والسماء والأرض وما إلى ذلك..فلولا سواد الليل وعتمته؛ لما عرفنا بياض النهار ووضوحه، ولو لا ظلم الباطل، لما لمسنا عدالة الحق، ولولا سمو السماء لما أدركنا وطء الأرض وانحدارها .. وهكذا.
القصة القصيرة كيان محنط في ظاهره الساكن، وجسد جامد لا روح في ولا نبض، رغم إنه يختزل الحياة أو قطعة حية من الوجود .. في تجربة حياتية وإنسانية ثرة، فبينما يجف النسغ في عروق الأحياء، إلا إنه يمكن أن يخلد في متن النص القصصي، حتى بعد موت كاتبه، وتحول عظامه إلى مجرد رميم، وربما يستمر إلى الأبد أحياناً .. بمدى ملامسته لحقائق الوجود الكبرى.
فالموهبة الإبداعية كما البذرة، تستطيع أن تختزن وتحفظ للقصة حيوية الصيرورة، وتبقي الحياة تمور بكيانها .. بدفق الوجود، متى ما حرّكت الذائقة المرهفة للآخرين سكون المعنى وهجوعه وقيامه المؤمل، فتبعثه نضراً يفيض حيوية كالحياة، يقابله في البذرة توفر الظروف الطبيعية من تربة وماء وهواء.. دائماً يحاول أن يستدرج المتلقي للتوغل أكثر فأكثر صوب المخبوء، ويجذبه بسحر اخّاذ لاكتشاف أعماقه .. بالاستقراء الواعي لأدق التفصيلات الحياتية المضمرة طي الحروف والكلمات، بل بعمقها المحجوب أبداً عن النظرة العادية .. بالاستقبال الساذج، لإماطة اللثام عن فحوى طرحها الإنساني الخالد، وبمدى تحسس الوجع النبيل في عقل وقلب ونفس الإنسان .. الرابض في التأوهات المكبوتة، وصدى الصراخ الأخرس، ورجع الأنين الشجي، بألف ألف لغة غير مدونة، تستهزئ بقدرات البوح الممكن في كل لغات العالم مجتمعة.
القصة القصيرة ينبغي لها أن تغدو نافذة على عالم شفاف مشحون بالرؤى، وكهف مسكون بالهواجس البكر التي لم تطأها بعد عذراء المشاعر والأفكار، كونها تنساب في ذائقة الآخر كصوت نحيب المطر في غبش شتوي بارد على شباك علوي لبيت قديم، تولول الريح بين قضبانه الحديدية الصدئة، وتصفر مع اشتداد الأعاصير، فينعكس على زجاجه وميض انفلاق السماء بالبرق، وغضب الرعود، فيمسح وجهه كل صباح ضباب الفجر الحالم .. وقطعاً فلن تتحسس مثل تلك الأشياء النفوس المتلفعة بالغفلة، والأذواق النزقة المتشرنقة بغشاء البلادة واللامبالاة، التي غالباً ما ترى لكنها نادراً ما تعقل.
والقصة ككل متكامل ومتوحد ومتناسق الألوان والأشكال، بل وغاية في الدقة والإتقان، وبكلمة واحدة إبداع، فلا ينقص جزء إلا ويحدث الخلل، ولا يطغى جانب إلا ويولد عدم الارتياح، ولا تتعارض الفطرة إلا وتخلف النفرة، كلوحة فنية رائعة من صنع إله قدير بديع السماوات السبع والأرضين.. بعكسها صورة الحياة الشفافة، فترجيع في أطرها صدى خطى الانسان منذ وطئت قدماه هذي الأرض، بإعادة المتخيل الإنساني إلى الوجود مرة بعد أخرى حتى يصل إلى مرحلة التكامل بالخلود.
[email protected]



#طالب_عباس_الظاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرات في القصة القصيرة (8)
- نظرات في القصة القصيرة (7)
- نظرات في القصة القصيرة(6)
- نظرات في القصة القصيرة (5)
- نظرات في القصة القصيرة (4)
- نظرات في القصة القصيرة (3)
- نظرات في القصة القصيرة (2)
- نظرات في القصة القصيرة
- العمليات الحسابية والسياسة
- حيرة - ق ق ج
- خطأ - ق ق ج
- ثلاث قصص قصيرة جداً
- وداع
- زائر نحن في حضرته الضيوف!
- تراتيل
- أرجوحة الموت
- فوق المطر... تحت المطر
- -ترانيم صباحية-
- تسع قصص قصيرة جداً
- عذراً يا عراق (رسالة من مسؤول إلى شعبه)


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عباس الظاهر - نظرات في القصة القصيرة (9)