مشعل التمو
الحوار المتمدن-العدد: 1090 - 2005 / 1 / 26 - 12:24
المحور:
القضية الكردية
في مسارات الانهيار "3"
ثمة تساؤل , عندما نقول بصحة النهج وإثباتات التاريخ , ألا نحتاج إلى صدى شعبي يصدق ما نقول , وبالتالي فمن سيصدق الواقعية الحزبية , وبماذا سيقارنها كدليل صحة وشفاء , أيقارنها بالمطالبة بالتغيير باستعمال لغة قديمة متهالكة , أم المطالبة بإصلاح الآخر والحفاظ على نقاوة الذات , أم بادعاء الصحة وتحميل الآخر مسئولية الفشل , ومن جهة أخرى , من سيصدق إثباتات التاريخ المزعومة , الأم التي فقدت ابنها , أم الأب الذي غادره الولد والهوية , أم الأخ الذي فصل من العمل وصنُف خطرا على امن الدولة , أم الفلاح المنهك الذي انتزعت أرضه وهاجر ليعمل بكسرة خبز في متاهات مدن كبيرة , أم المعتقل الذي تحميه الجدران الرباعية والمترافقة مع الاكبال الخماسية , أم ...؟ أم ...؟ أي صدى لصوت الواقعية البائسة وإثباتات اللاتاريخ هذه , في صحراء شوفينية وضع فيها الشعب الكوردي .
لماذا لا نحاول الاعتراف ولمرة واحدة فقط , بان القمع وممارسات حزب البعث , فرضت وقائعها واختزلت الواقع حتى بتنا نعتقد بأن التأقلم معه , هو الواقعية , بالضد من العلم والمعرفة والمنطق , من حيث أن الشيء الواقعي هو الذي يجب فعله , وليس الشيء الذي يجب الخضوع له , ودائما في مسيرة الاستبداد السوري كانت الحركة الحزبية الكوردية , مثلها مثل الحركة الديمقراطية السورية , مفعول بها , إما أن ترضخ لوقائع البعث , أو تخرج من الواقع , والخروج والرضوخ اتخذ أساليب متنوعة من الترغيب والترهيب , حتى بات التدجين سمة أساسية لمرحلة زمنية من تاريخ سوريا , سواء كان ذلك للحماية من الانقراض , أو بادعاء الواقعية الجدباء وصحة التاريخ المزيف .
الأطر الكوردية لا تستطيع الاعتراف بالواقع , وتستعيض عنه بادعاء الواقعية , والواقعية هذه , تصريفية , يلجأ إليها الإطار الحزبي , في مرحلة الجفاف الفكري وانتفاء الفعل السياسي , للتزود بوقود الاستمرارية , المعلن عنها بخطاب حزبي قديم يعزف سمعيا , ولا علاقة له بنوتة الزمن الموسيقية , لذلك نراه يكرر ويصر على الواقعية وصحة النهج التاريخية , والتكرار الأنف الذكر في الخطاب الحزبي الكوردي , يحمل للمراقب دلالة واحدة , يمكن تلخيصها بالتالي , هو عجز هذه الأطر عن إدراك الواقعية ؟ بحكم أن التكرار يوحي بعدم امتلاك الشيء , وهو هنا , كالعشق الميئوس منه , كالعاشق المراهق الذي لا يستطيع نيل مبتغاه , لكنه يمتلك نظريا , الكثير من شاعرية مفردة " الحب " .
اعتقد بان ما نلمسه من تكرار ممل , يندرج في إطار السعي لإرغام الراهن الكوردي وقولبته , ليواءم واقعية الحزب , وهذا ما يمكن تسميته بالتشظي الذهني , الذي يدفع بصاحبه في اتجاهين :
- أما القضاء على الذاكرة الشعبية وحقنها بما هو غير عقلاني للسيطرة على طاقاتها , وتوجيهها الوجهة غير الحقيقية عبر الإطاحة بالوعي الإنساني , والتوجه نحو الغرائز وإثارة العصبيات الحزبية .
- أو تكوين سجل سلبي لهذا الإطار , يؤسس لانهيار الإطار , نظرا لفشل قوانينه في أداء وظيفتها , ولعدم قدرتها على تبني قوانين جديدة تخضع لمنطق العقل ومنهج الحياة العملية .
اعتقد بان موضوعة الواقعية الحزبية , لا تتضمن فقط تجميلا للذات فقط , وإنما تهدف إلى تجميع علائق خارجة عن نطاق المنطق , لان محاولة تخطي الواقع التجريبي بالتوجه نحو واقعية نظرية , لا يمكن فهمها , إلا في سياق فهم الدلالة , والدلالة هنا , هي التمفصل الحاد والجارح في آن معاً , بين الشخصنة الحزبية , وواقعيتها الحزبية , حيث ديمومة الشخصنة , يستوجب فضاء شخصاني ينتظم في واقعية حزبية شكلانية ومزعومة , ناهيك عن الممانعة المتكونة والتي ترفض تكون أو تبلور الوعي السياسي والثقافي وحتى الاجتماعي , سوى المحصور بين عالم الشخصنة , وشيئيتها الواقعية , لأن نمو الوعي العقلاني ينسف مرتكزات الشخصنة الشيئية في الإطار الحزبي , على الرغم من أن أي إطار أو حزب , إثناء تطوره الزمني , قد يكون في يوم ما , مركزا للاستقطاب الجماهيري , ويتحدد هذا في لحظة تاريخية محددة بزمانها ومكانها , وما يرافق ذلك من محددات في الخطاب والسلوك , لكن الإخفاق المتلاحق لمسيرته , أو فشله في تحقيق الحد الأدنى من تطلعاته , أو عدم امتلاكه لدينامكية التغيير الداخلية , يخرجه من دائرة الاستقطاب , والأمور هنا نسبية , لكن ينحصر التأثير , وتزيد الهوة بينه وبين القاعدة الجماهيرية التي يعمل في إطارها , وبالتالي نتيجة تلاحق الفشل , يتكون جيل في الحزب , لا سياسة فيه , يكون في بنيته وفكره , هشاً وغير قادر على التخلص من مسئوليته عن تلك الهزائم والانشقاقات , لذلك نراه يلجأ إلى ادعاء الثبات , عبر ادعاء الواقعية وصحة النهج , وحتى وان كانت ادعاءاته , بالضد من تغير المقاييس وتحول التاريخ , وهي مقاييس وتحولات ترفض العودة إلى الوراء , وتنفي حيثيات البناء السابق , ورغماً عن المقاييس يصر البعض على الواقعية وصحة نهج ماضية , لم نلمس منها شيئاً , فقط لها مفعول تراجعي , ولا اثر لأي فعل إحيائي فيها , وإنما تقدم للشعب الكوردي على أساس الذاكرة , والذاكرة الكوردية بهذا الخصوص , لا تتضمن سوى خيبة أمل من الأطر الراهنة , ولا وجود لذاكرة الفعل في قاموسها , وبالتالي , يمكن فهم ما تقوم به بعض الأطر الكوردية , على انه محاولة زرع لذاكرة فعل غير موجود , وحتى هذا الزرع الحزبي , له دلالة مخبوئة في المضمون , هي ملامح هزيمة هذه الأطر , أن كان على صعيد الفكر أو السلوك , نظرا لارتباطها بزمن لا ماض ايجابي فيه , ولان الماضي الملموس , هو المستمر , والمتجسد فيه أربعة عشر أطارا , كلها يهتف بالواقعية وصحة النهج , هذا على صعيد التعداد الحزبي , أما على صعيد الهدف واليات تجسيد ذلك وانتكاساته فسيكون موضوع الحلقة القادمة .
... يتبع
القامشلي 3/1/2005
كاتب كوردي – ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا
#مشعل_التمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟