الصحراء الغربية ودرجة الصفر في الشوفينية المغربية

سائس ابراهيم
باحث في الأديان
(Saiss Brahim)

الحوار المتمدن-العدد: 3712 - 2012 / 4 / 29 - 20:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

في وثيقة يرجع تاريخها إلى سنة 1964، كتب علي يعتة الأمين العام للحزب الشيوعي المغربي آنذاك، الذي بدَّل إسمه إلى حزب التحرر والاشتراكية، ثم بعد 1976، إلى حزب التقدم والاشتراكية بعد أن فرض عليهم هذه التسمية الأخيرة ادريس البصري، وزير داخلية الحسن الثاني والملقب بالصدر الأعظم هذا الحزب المعروف بأنه حزب يميني رجعي ذيلي للنظام الملكي (جملة البصري آنذاك لعلي يعتة مشهورة حيث عنَّفه قائلا : ما معنى حزب التحرر والإشتراكية، ماذا تريدون بكلمة التحرر. خنوع علي يعتة الأسطوري جعله يسارع بتغيير إسم الحزب إلى التقدم والاشتراكية)

الوثيقة المذكورة كانت معنونة بِـ "موريطانيا مقاطعة مغربية أصيلة
La Mauritanie province authentiquement marocaine
وفيها يعرض على يعته الأسباب التي تجعل من موريطانيا في نظره جزءاً من المغرب نلخصها في النقاط التالية
-التاريخ والجغرافية يُثبثان أن موريطانيا جزء من المملكة المغربية
-سكان موريطانيا لا يتجاوزون 750 ألف نسمة، وهذا العدد –بالنسبة له- لا يمكن أن يشكل شعباً
استقلال موريطانيا مؤامرة استعمارية فرنسية لفصل المغرب عن حدوده الجنوبية الإفريقية-
-الرئيس الموريطاني المختار ولد داده صنيعة الإستعمار الفرنسي، وهو مغربي الأصل، وقد وضعته فرنسا على رأس الجمهورية المزعومة في مؤامرة ضد حقوق المغرب التاريخية والشرعية
-العلاقات التاريخية واللغوية والدينية وبيعة القبائل للسلطان، تظهر بجلاء أن موريطانيا جزء لا يتجزأ من المغرب، وأن حدود المغرب التاريخية كانت دائما تمتد من طنجة شمالاً إلى حدود السينغال جنوباً

من جانبه كان حزب الاستقلال الرجعي الإسلامي أشد شوفينية من علي يعته، فهو وإن كان يتفق معه على النقاط السابقة أعلاه، إلا أنه كان يرفض في كل نشراته وصحافته أن يطلق على هذا الجزء من الغرب "العربي" إسم موريطانيا، إذ كان يسميه : اقليم شنقيط

أما الحجج الشوفينة الحالية لاستعمار الصحراء الغربية، فهي نسخة طبق الأصل للأولى، وهي كالتالي
-التاريخ والجغرافية يُثبثان أن الصحراء جزء من المملكة المغربية
-عدد سكان الصحراء في 1975، إبان ما سمي بالمسيرة الخضراء لا يتجاوزون 75 ألف نسمة، وهذا العدد لا يمكن أن يشكل شعباً
--استقلال الصحراء مؤامرة استعمارية إسبانية بتواطؤ جزائري لفصل المغرب عن حدوده الجنوبية
-الرئيس الصحراوي محمد عبد العزيز صنيعة المخابرات الجزائرية، وهو مغربي الأصل، وقد وضعته الجزائر على رأس الجمهورية المزعومة في مؤامرة ضد حقوق المغرب التاريخية والشرعية
-العلاقات التاريخية واللغوية والدينية وبيعة القبائل للسلطان، تظهر بجلاء أن الصحراء جزء لا يتجزأ من المغرب، وأن حدود المغرب التاريخية كانت دائما تمتد من طنجة شمالاً إلى حدود موريطانيا جنوباً

بعد حريق المسجد الأقصى في 21 غشت 1969، عُقِد أول مؤتمر القمة الإسلامي، في 25 شتنبر من نفس السنة، حيث استدعى الحسن الثاني الرئيس المختار ولد دادة لحضور المؤتمر وبهذا اعترف بموريطانيا دولةً مستقلة، متناسياً أنها جزء لا يتجزأ من المغرب، وخرس علي يعتة وكل زعماء الأحزاب الكرتونية الذين سبق وأن ملأوا الدنيا زعيقاً بأنهم سيدفعون دمهم رخيصاً للدفاع عن مغربية موريطانيا وعودتها إلى الوطن الأم، ولم يجرؤ أحد منهم على رفع ولو كلمة احتجاج صغيرة واحدة في وجه سيدهم الحسن الثاني

موريطانيا بعد الإعتراف بها من طرف الحسن الثاني رفعت صوتها عالياً هي الأخرى للمطالبة بالصحراء الغربية على أساس أنها جزءاً من أراضيها، ومن ثم بدأ النزاع بينها وبينه على امتلاك التراب الصحراوي، رغم أن النظامان صوَّتا بانتظام على مبدأ "تنظيم انتخابات تمكن الشعب الصحراوي من تقرير مصيره" وذلك سنويا وبانتظام منذ 1969 في الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية، وعلى أساس القرار الأممي رقم 1941 الذي يطالب اسبانيا بتطبيق المبدأ السابق بين هلالين

مولت السعودية كافة تكاليف المسيرة والمقدرة بِـ 300 مليون دولار, وهو ما يبين بأنها كانت رأس كل خطيئة في المنطقة المغاربية، أضف إلى ذلك التدخلات المتكررة لحكومة النظام العشائري السعودي لنجدة النظام المغربي في كافة أزماته المالية والسياسية، ومنها بالأساس التكفل بأغلب نفقات الجنود المغاربة المستعمرين للصحراء الغربية بالإضافة إلى إستعمالها لكل ثقلها المالي، السياسي والديني في سبيل إبعاد البوليزاريو عن منابر كل المنظمات العربية والإسلامية الواقعة تحت نفوذ "الفيتو" النفطي الذي تمارسه

شاركت طائرات الجاكوار الفرنسية في ظل حكم جيسكار ديستان في الهجومات المتكررة على جيش التحرير الصحراوي، وهناك مصادر متعددة تشير إلى أن المقاتلين الصحراويين العائدين من هجوم على العاصمة نواكشوط قد تعرضوا لنيران الطائرات الفرنسية، مما أدى إلى استشهاد القائد الصحراوي الوالي مصطفي السيد

من 24 إلى 27 يونيو 1981 : انعقد مؤتمر قمة الوحدة الإفريقية في نيروبي ووافق النظام على استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية، هذا الموقف الذي رفضه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، معتبرا أن قبول الاستفتاء يعتبر تشكيكاً في مغربية الصحراء، مما دفع النظام إلى شن حملة اعتقالات في صفوف قادته وعلى رأسهم عبد الرحيم بوعبيد الأمين العام للحزب آنذاك، ومبالغة في إذلال الاتحاد الاشتراكي، سربت مخابرات الحسن الثاني أنه الواقعة المتلخصة في إعطائه لأوامره الملكية لتمتيع عبد الرحيم بوعبيد بقنينة الويسكي اليومية التي يحتسيها هذا الأخير يومياً. إذلال وفضح أمام الجماهير المؤمنة في غالبيتها. وقد تراجع الحزب عن موقفه فيما بعد، ليتم إطلاق سراح معتقليه بعفو من طرف نفس الحسن

انسحبت موريتانيا لصالح الجمهورية الصحراوية، بعد الإنقلاب العسكري على الرئيس ولد داده وبعد عامين من الحرب من الجزء الذي كانت تحتله ووقعت في 5 غشت 1979 على اتفاقية سلام مع جبهة البوليساريو أنهت حالة الحرب بين الطرفين، وكان ذلك نتيجة للضربات والهجومات المتلاحقة لمقاتلي جيش التحرير الصحراوي على الأراضي الموريتانية، بما في ذلك على العاصمة نواكشوط نفسها، لكن المغرب تدخل عسكرياً في نفس اليوم لإعادة احتلال الجزء الذي سلّمه من قبل لموريطانيا في صفقة اقتسام الوطن الصحراوي، وفي نفس اليوم وجه الحسن خطاباً متلفزاً حيث ردد من جديد أن الجزء الجنوبي من الصحراء مغربي سلم لموريطانيا حفظاً لحسن الجوار واليوم يعود إلى الوطن الأم، وكان الخطاب بمثابة إشارة إلى الأحزاب لتبدأ حملات المزايدة والنباح من جديد عن الصحراء كجزء لا يتجزأ من المغرب وأنهم جميعاً مستعدون للموت دفاعاً عن كل شبر منها
Bla bla bla bla bla bla ……………

في 23 يونيه 1979، في اجتماع اللجنة الخاصة لبحث المشكلة الصحراوية المكونة من خمسة رؤساء دول من منظمة الوحدة الأفريقية تحت رئاسة الرئيس السودان جعفر النميري أعلنت القرارات التالية
-أقرت اعترافها بحق تقرير المصير للشعب الصحراوي
-طالبت المغرب بسحب قواته من الصحراء المتنازع عليها
-طالبت بتشكيل قوة إفريقية لحفظ النظام في الصحراء لحين تقرير المصير
لكن النظام رفض قرارات منظمة الوحدة الإفريقية وتشبث باستعماره للصحراء

ومن أجل الإحتماء من ضربات جيش التحرير الصحراوي، قد قام المغرب بمساعدة فرنسا عام 1980 ببناء حائط حول "المثلث المفيد" (السمارة-العيون-بوجدور) واضعا سورا واقيا حول المناطق الصحراوية الغنية بالفوسفات والمدن الصحراوية الأساسية، وجعل هذا السور أهم الأراضي الصحراوية في مأمن من هجمات البوليساريو

مبادرة الحكم الذاتي عام 2006 : طرح المغرب مبادرة جديدة لقيام حكم ذاتي للصحراء الغربية تحت السيادة المغربية
حيث أعلن محمد السادس عن عدم قبوله أي استفتاء يشمل خيار الاستقلال؛ ولكنه يقبل بأية مفاوضات يمكنها التوصل لحل سياسي مقبول للطرفين، يمكن من خلالها التوصل لحلول سياسية. ومن ثم
-أن المغرب يتمسك بمغربية إقليم الصحراء، وأنه سيرفض أي خطة ما لم يُستبعد فيها خيار إجراء استفتاء على الاستقلال
-في إطار هذه الصيغة سيتاح لأهالي الصحراء الغربية انتخاب حكومة محلية، لإدارة شؤون الإقليم
-أن تبقى للمغرب السيطرة على شؤون الدفاع والشؤون الدبلوماسية، وغيرها من مهام سيادة الدولة

ولنرجع قليلاً إلى الوراء لمعرفة موقف الدولة الإسبانية في ظروف تشابه هذه الظروف : ففي يوليوز 1974، بعثت إسبانيا بوثيقة إلى الأمم المتحدة توضح فيها كيفية إنهاء الإحتلال وتسوية قضية الصحراء، من أهم ما جاء فيها
-تحتفظ إسبانيا التمثيل الخارجي للدولة الصحراوية وحمايتها العسكرية، ووضع البنيات الإدارية الخاصة بها
-تنظم السلطات الإسبانية استفتاءاً لتكريس هذه السياسة

أترون كيف يتعلم النظام المغربي من سيده الإسباني، ويحاول إعادة التاريخ من جديد برفض حق تقرير المصير ويعوضه بمبادرة الحكم الذاتي الذي سبق واقترحتها إسبانيا من قبل. والمضحك المبكي في الأمر أننا نجد تعليق أحد المغاربة في 1974 على مبادرة إسبانيا، بقوله : "إن المغرب يرفض هذه السياسة المشوِّهة لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، والذي سيؤدي إلى وضعية استعمارية جديدة..." فيا عجبا

هذه إشارات متناثرة للحجج والتناقضات الاستعمارية المغربية في احتلالها للصحراء الغربية. ورغم أن الشعب المغربي عاني الأمرّين من الاستعمارين الفرنسي والاسباني، إلا أن فئات واسعة من المغاربة يتبنون الموقف الشوفيني البغيض للنظام المغربي ويدافعون عن مواقفه من استعمار الصحراء

نجح الحسن الثاني في إنقاذ حكمه المتهاوي في السبعينات بعد الإنقلابين العسكريين ضده، وبعد انفجار الحركة المسلحة برئاسة الفقيه البصري في مارس 1973، وبعد ظهور اليسار الماركسي اللينيني منذ 1970 وسيطرته على المنظمة العتيدة "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، وبعد خلق نفس اليسار لِـ "النقابة الوطنية للتلاميذ" التي سيطرت في وقت قليل على أغلب الثانويات في الوطن. قلنا أن الحسن نجح في إخراج قضية الصحراء من كمه ليُعيد إلى بلاطه أغلب أحزاب المعارضة آنذاك وليتَّقي محاولات أمريكا بتنظيم انقلابات عسكرية ضده كما فعلت من قبل بتخويفها من جبهة البوليزاريو القريبة من اليسار والجزائر وليبيا

#سائس_ابراهيم (هاشتاغ)       Saiss_Brahim#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات