أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (2)















المزيد.....

ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (2)


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 3712 - 2012 / 4 / 29 - 15:01
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ليس ثمة أدنى شك في أن الطغمة التي تآمرت على حياة ستالين لم يكن دافعها فقط هو التخلص من قبضة ستالين الحديدية التي حالت دون استخدامهم الوظيفة لجني منافع شخصية والارتقاء في هيكل الدولة، بل كان أيضاً لأن ستالين كان الضمانة القوية لتقدم البروليتاريا في عبور الاشتراكية. كان هؤلاء أعداء للبروليتاريا وللاشتراكية حتى ولو أن بعضهم لم يعِ هذا الأمر كمولوتوف وكاغانوفتش. انقلبوا على مقررات الحزب في مؤتمره العام التاسع عشر وأهمها الخطة الخماسية التي استهدفت تحسين شروط الحياة لطبقة البروليتاريا تحديداً. ما يؤكد هذا الأمر هو أن التنمية التي انتهجتها هذه الطغمة سارت في مسارين معارضين لمسار البروليتاريا وتقدم الاشتراكية. المسار الأول وكان في إنتاج الأسلحة بكثافة تحت غطاء الصناعات الثقيلة حتى غدا الاتحاد السوفياتي تاجر السلاح الأول في العالم، يبيع السلاح ليستورد بأثمانه المواد التموينية الضرورية لحياة الشعوب السوفياتية، كما حال كوريا الشمالية اليوم، وهو النهج المعارض تماماً لكل نهج اشتراكي ـ الاشتراكية تتجسد في إنتاج ما يحتاجه الشعب وليس في إنتاج الأسلحة التي لا يحتاجها ـ والمسار الثاني كان في التوسع الزراعي عن طريق تنمية طبقة الفلاحين وكأنما الاشتراكية تتحقق على أيدي الفلاحين وليس البروليتاريا. وقد تفاخر خروشتشوف بمشروعه "استصلاح الأراضي البكر والبور" الذي زاد في أعداد طبقة الفلاحين أكثر من 300 ألف فلاحاً وفلاحة ومنحهم كافة الماكنات والمعدات الزراعية الضرورية مجاناً على حساب البروليتاريا، المشروع الذي انتهى أخيراً إلى كارثة كبرى بخسارة تقدر بثلاثين مليار روبل أو 45 مليار دولاراً وتلك مبالغ في غاية الضخامة في الخمسينيات. كما تفاخر أيضاً بنقل زراعة الذرة من الولايات المتحدة إلى الاتحاد السوفياتي. برز خروشتشوف يأخذ بيد الفلاحين بعد أن أعد الحزب خطته في إلغاء طبقة الفلاحين كخطوة جوهرية في عبور الاشتراكية.
الطغمة الخائنة في قيادة الحزب، التي اغتالت ستالين توطئة للإنقلاب على الاشتراكية وتمزيق الخارطة اللينينية في عبور الاشتراكية، سلمت البلاد وقرارها الوطني إلى العسكر وهم الفصيل الأقوى في طبقة البورجوازية الوضيعة العدو المميت للبروليتاريا وللإشتراكية، وبذلك غدا الحزب تابعاً وضيعاً للعسكر وهو ما أكده خروشتشوف بقوة في مذكراته بعد أن استغنى العسكر عن خدماته عندما حاول الإفلات من قبضتهم في العام 1964. لقد بدأ أوار الثورة الاشتراكية العالمية التي كان لينين قد أشعلها في مارس آذار 1919، بدأ بالإنطفاء منذ انقلاب سبتمبر ايلول 1953، وبدأ الانحدار في هيبة الدولة السوفياتية والاضطراب في وسائل الانتاج الاشتراكية وهو ما أدّى إلى انغلاق كل آفاق التنمية والتقدم وقد انعكس هذا بدوره في إحباط عام استولى على جماهير الطبقة العاملة التي لم تجد علاجاً له إلا الانغماس في تناول الكحول وقد تفشى ذلك في الستينيات، وامتد إلى هروب العمال من العمل في السبعينيات. العسكرتاريا السوفياتية كشفت عن وجهها المعادي للإشتراكية فكان أن نقلت رجلها مددير المخابرات (KGB) يوري أندروبوف ليكون الرجل الأول في الدولة كأمين عام لما ظل يسمى بالحزب الشيوعي. لم يخجل رجل المخابرات هذا من ملاحقة العمال الهاربين من العمل ومعاقبتهم، ومن رفع أسعار المواد التموينية بصورة فاحشة وهذه أعمال تخجل من مقارفتها حتى الدولة البورجوازية.
يوري أندروبوف منتدب العسكريتاريا السوفياتية على رأس المخابرات برع في العمل ضد الاشتراكية فلم يكتفِ بتهديم أسس الاشتراكية في الدولة السوفياتية، مركز الثورة، بل امتدت أعماله التخريبية إلى محيط الثورة، إذ لا تنتهي الثورة في المركز طالما بقيت آثارها في المحيط، فدبر انقلاب بومدين على بن بللا في الجزائر في العام 65، ودبر انقلاب حافظ الأسد على صلاح جديد ورفاقه في سوريا في العام 70، وجرى الانقلابان بحجة الحؤول دون تطبيق الاشتراكية العلمية في كلا البلدين بعد إعلان بن بللا وصلاح جديد كليهما عن انتهاج الاشتراكية العلمية في الجزائر وسوريا. وليس غريباً أن يوصف الانقلابان ب " الحركة التصحيحية " ويتم اعتقال الزعيمين لعقود دون محاكمة وكان لعدويّ الاشتراكية العلمية، بومدين والأسد، حظوة خاصة لا مثيل لها لدى حكام الكرملين !! ـ ما زالت المخابرات الروسية تحمي النظامين المعاديين لشعبيهما في الجزائر وفي سوريا.

نحن الشيوعيين " الوطنيين " في الأطراف وقد قمنا بوظيفتنا التي انتدبنا إليها لينين خير قيام وأنجزنا فك روابط المحيطات مع مراكز الرأسمالية الإمبريالية كخطوة كبرى لا غنى عنها نحو الإنتصار العالمي الحاسم للثورة الإشتراكية العالمية، وهو ما أعلنته الأمم المتحدة رسمياً في العام 1972 ، فوجئنا بما يصعب تصديقه وهو أن مركز الثورة، مركز لينين وستالين، لم ينجز وظيفته، بل ارتد على المهام المستوجبة عليه. برزت فيه قوى طليعية للبورجوازية الوضيعة اغتالت الثورة وارتدت على الاشتراكية. من داخل أسوار حصن الاشتراكية المنيع ظهر عدوها المصيري القاتل وهو ما مكّن هذا العدو القاتل من النجاح في إطفاء لهيب الثورة وتهديم حصنها المنيع بالتالي. الشيوعيون في الأطراف بمن فيهم ماوتسي تونغ وأنور خوجا وأمثالهما لم يدركوا تماماً حقيقة العدو الذي ظهر فجأة داخل حصن الثورة الاشتراكية المنيع ومركزها، فوصفوا خروشتشوف وعصابته ب " التحريفيين " الأمر الذي يعني بعد كل شيء أن حصن الثورة لن يتزعزع مهما كان انحراف أولئك التحريفيين وأنهم طارئون على مسار الثورة وتقدمها. مثل هذا الفهم القاصر لم يعانِ منه الشيوعيون الصينيون والألبان فقط الذين سرعان ما ازداد قصورهم ليبدأوا بوصف الاتحاد السوفياتي بالدولة الإمبريالية (!!) بل عانى منه أيضاً بعض القادة الشيوعيين في مركز الثورة إيّاه من مثل مولوتوف وكاغانوفتش. الأمر لم يكن كذلك، لم يعِ مولوتوف وفورشيلوف وكاغلنوفتش في مركز الثورة ولا ماوتسي تونغ وأنور خوجا في الأطراف حقيقة الأمر. كيف لمولوتوف وفورشيلوف وكاغانوفتش ألاّ يعرفوا أن غبيّاً مثل خروشتشوف لا يمكن له أن يرتقي لمستوى محرّف للماركسية فالمحرّف يشترط فيه أن يستوعب الماركسية مسبقاً كي ينحرف بعدئذٍ عن بعض شروطها لكن خروشتشوف لم يبنِ أية علاقة له مع العلوم الماركسية. كان هذا معلوماً لدى ستالين الذي نهره في إحدى الجلسات بالقول .. " أنت لا تفهم !! "
خروشتشوف كان الدكتور فاوست الذي باع نفسه للشيطان (مفيستفولس) والشيطان كان العسكريتاريا السوفياتية التي استولت على السلطة بعد رحيل ستالين. من المؤسف حقاً أن قادة من طراز ماوتسي تونغ في الأطراف ومولوتوف في المركز لم يدركوا أن ما اقتصر وصفه حينذاك بالتحريفية إنما كان صراعاً طبقياً لا هوادة فيه يقوده العسكر كفصيل متقدم من البورجوازية الوضيعة ضد البروليتاريا، والفرق كبير بين الصراع الطبقي والتحريفية وخاصة عندما يتعلق الأمر بقادة مركز الثورة. الأمر كان بكل وضوح صراعاً طبقياً وإلا فكيف تُلغى الصناعات الخفيفة المخصصة لرفاه البروليتاريا لتحل محلها صناعة الأسلحة لصالح العسكر؟ وكيف ينقلب خروشتشوف من ممثل للبروليتاريا إلى ممثل للفلاحين ومتعاون مع العسكر؟ سئل مولوتوف فيما بعد لماذا سكت عن تحريفات خروشتشوف فأجاب أنه كان يأمل أن يتجاوز الحزب تحريفات خروشتشوف مع الزمن. هكذا كان فهم مولوتوف ومالنكوف وفورشيلوف وبولغانين وكاعانوفاش وشبيلوف، وعددهم نصف عدد أعضاء المكتب السياسي الإثني عشر، للأمر حتى عندما طردهم خروشتشوف من المكتب السياسي عن طريق انقلاب عسكري. لم يدرك هؤلاء القادة أنهم كانوا يواجهون ثورة مضادة عندما وافق بعضهم على إلغاء مقررات المؤتمر العام التاسع عشر للحزب في جلسة اللجنة المركزية في سبتمبر ايلول 53. لو أدركوا ذلك لكانت فرصتهم كبيرة في قمع الثورة المضادة مبكراً خاصة وأن نفس ستالين كان ما زال عالقاً في الأجواء، ولوفروا على البشرية خسائر وأهوال تفوق الخيال.

يتنطح اليوم، وبعد انهيار منظومة الدول الاشتراكية، مجندو البورجوازية الوضيعة لخوض معركة ضد مشروعية المشروع اللينيني وضد قوى الانتاج الرئيسة. هؤلاء ليسوا في مستوى مثل هذه المعركة الصعبة، ولا يمتلكون أدواتها، فيزعمون ما لا يقبله العقل السويّ وهو أن عوامل انهيار المشروع اللينيني إنما كانت حتمية بسبب ولادة المشروع غير الطبيعية لا في الزمان ولا في المكان، أي أنه يحمل نهايته في خلقته. يزعمون مثل هذه المزاعم الباطلة عقب أن أثبتت دولة دكتاتورية البروليتاريا أنها أقوى دولة في المجتمع الدولي، أكان ذلك في الحرب العالمية الثانية حين خاطب تشيرتشل ستالين بالقول .. أين نحن منكم أنتم المردة !! أو في التطور السلمي على مختلف الصعد. كيف لعاقل سويّ الفكر يصدق المزاعم التي تقول أن عوامل الفشل والانهيار هي نفسها عوامل التقدم والنجاح !!؟ كيف لنا أن نصدق مثل هؤلاء المنافقين الأفّاقين بأنهم لا يرون بأم أعينهم العوامل الحقيقية الصارخة التي أدت إلى انهيار المشروع اللينيني. يذهب هؤلاء المنافقون الأفاقون إلى حد أنكار دكتاتورية البروليتاريا إبّان قيادة ستالين بالرغم من أن خروشتشوف رآها معارضة لسياساته مما اضطره إلى إلغائها علانية في المؤتمر الحادي والعشرين للحزب الشيوعي، فهل كان الأحمق يلغي شيئاً غير موجود!؟ كما أعلن تعطيل مبدأ الصراع الطبقي في ذات المؤتمر بالرغم من أن ماركس وصف الصراع الطبقي على أنه المحرك الوحيد للتطور الاجتماعي فكانت سياسة خروشتشوف تقضي بتجميد التطور الاجتماعي وهو ما يعني حكماً الرجوع عن العبور الاشتراكي.
لن نضيّع وقتنا سدىً في مناقشة هؤلاء المنافقين الأفاقين من مثقفي البورجوازية الوضيعة حيث أننا لا نرى ما يحول دون اعترافهم بأن انقلاباً دبرته البورجوازية الوضيعة بالتعاون مع نفر من أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي الذين لم يدرك معظمهم، ومنهم قائدهم خروشتشوف نفسه كما تبيّن فيما بعد، أبعاد الانقلاب إلا بعد أن ضيعوا في الصيف اللبن. لن نضيّع وقتنا سدىً مع مجندي البورجوازية الوضيعة طالما أنهم لا يعترفون بالإنقلاب الدولاتي الذي قاده خروشتشوف والعسكر ضد النهج اللينيني الستاليني في الخمسينيات. ألم يبرز خروشتشوف كعدو شرس لستالين في العام 56 وما بعده ؟ لماذا يتجاهل اليوم مجندو البورجوازية الوضيعة انقلاب خروشتشوف في حين أن الإعلام الغربي طبل وزمر عالياً وبصخب لافت "للديموقراطي" خروشتشوف العدو القاتل للدكتاتورية الستالينية ؟ يتجاهل مجندو البورجوازية الوضيعة ذلك الانقلاب الدولاتي لغرض واحد وحيد ودنيء وهو القول بأن أسباب انهيار المشروع اللينيني هي موروثة في جسم المشروع منذ البداية وعليه يترتب على العمال ألا يعيدو التجربة مرة أخرى. تعلم هؤلاء المجندون الدرس من الصهاينة الذين يدعون أن أرض فلسطين هي منحة إلهية لجدهم إبراهيم. الحقيقة هي على غير ما يزعم هؤلاء وأولئك فليس هناك جد للصهاينة اسمه ابراهيم وليس هناك قاعدة إنتاجية للبورجوازية الوضيعة تسند دعاواهم السيادية أي أنهم لا يمتلكون حتى إذناً بالكلام وعليهم أن يخرسوا.

في العام 1954 على ما أذكر دار حديث بين الشيوعيين الأردنيين، وغير الأردنيين على الأرجح، حول المفاضلة بين الصناعات الثقيلة والصناعات الخفيفة كنهج لبناء الاشتراكية. كان ذلك مجرد أحاديث لم تنعكس في المطبوعات الشيوعية على كثرتها في الأردن وفي شرق المتوسط ولم يكن ذلك بالطبع إلا بسبب سطحية قادة الأحزاب الشيوعية العربية وعدم مواكبتهم لقضايا الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي. كنت آنذاك شيوعياً غرّاً بعمر 20 سنة. كنت أفهم أن النهج الستاليني قام على الصناعات الثقيلة وأن اسطوانة الصناعات الخفيفة لم يسمعها الشيوعيون إلا بعد رحيل ستالين وهي لذلك خطر كبير على مصائر الاشتراكية. وعليه كنت متحمساً لخيار الصناعات الثقيلة وكارهاً للخفيفة. لم نكن نعلم أن التحول إلى الصناعات الخفيفة إنما كان سياسة عريضة أقرها المؤتمر العام التاسع عشر للحزب الشيوعي السوفياتي بحضور ستالين تهدف أخيراً إلى التقدم خطوة كبيرة في عبور الاشتراكية. ولعلي أراهن أن خالد بكداش الذي حضر ذلك المؤتمر لم يدرك ذلك ولم ينقلها إلى صحافة الحزب الشيوعي في سوريا، وإلا لكانت انتقلت لصحافة الحزب الشيوعي الأردني.
ما معنى أن أقف بحماس مع التصنيع الثقيل في العام 1954؟ كان لذلك معنى واحد لا غير وهو أنني وقفت مع المتآمرين على النهج الاشتراكي مع خروشتشوف وعصابته من العسكر وضد النهج الستاليني المتمثل بقرارات المؤتمر العام التاسع عشر للحزب أي أنني كنت قد اصطففت مع أعداء البروليتاريا أعداء الاشتراكية ولم أعد ماركسياً حقيقياً كما كنت قبلئذٍ. مركز الثورة الاشتراكية العالمية انعطف إلى سياسات جديدة ومختلفة لكن شيوعيي الأطراف ومنهم العرب لم يعلموا عن كل ذلك على الإطلاق. لا يمكن أن يكون ذلك بسبب موالاة الأطراف للمركز الذي عاد ينعطف في سبتمبر ايلول 53 إلى سياسات معاكسة لقرارات المؤتمر العام للحزب فلو كان ذلك هو السبب لتداول الشيوعيون في الأطراف في انعطافة المؤتمر العام التاسع عشر للحزب وعرفوا كنهها وأهدافها، لكن السبب الحقيقي لذلك هو مستوى الوعي الخفيض جداً لدى قادة وقواعد الأطراف الشيوعية. وطالما أننا هنا في مقاربة للرابط بين مركز وأطراف الحركة الشيوعية يلزم التوضيح أن الثورة الاشتراكية التي استشرفها ماركس وإنجلز هي ثورة واحدة موحدة تنتشر في طول العالم وعرضه. ومن هنا يغدو الاتهام المتكرر للأحزاب الشيوعية باعتبارها أذناباً للمركز موسكو ليس ذا موضوع بل إن " الذيلية " شرط أساسي لنجاح الثورة في المركز كما في الأطراف سواء بسواء. لكن " الذيلية " شرط نجاح الثورة لا تتحقق بغير الوعي التام لدى الطرف لمجريات السياسة في المركز وهو ما لم يكن موجوداً على الإطلاق. بغياب الوعي تغيب معه التبعية الحقيقية الكاملة اللازمة والضرورية لنجاح الثورة الاشتراكية العالمية. الأحزاب الشيوعية في الأطراف لم تكن تابعة حقيقة للمركز، لا حين كان المركز يجسد اللينينية بكل أعماقها مجسدة بستالين ولا حين كان يجسد الردة بكل أعماقها مجسدة بخروشتشوف والعسكر. كنت تركت الحزب في مايو أيار 1965 لأنني رأيته تابعاً للمركز حتى بعد طرد خروشتشوف غير أن حقيقة الأمر لم تكن كذلك فالحزب كان أقل مستوى من أن يكون تابعاً لمركز االثورة. عندما أعلن لينين لدى افتتاحه الاجتماع الأول للأممية الثالثة في الثاني من مارس آذار 1919 أن .. " مصائر الثورة الاشتراكية العالمية يتقرر هنا في روسيا " وناشد الشيوعيين في العالم أن يشكلوا أحزابهم كي يقوموا بما يترتب عليهم من أجل انتصار الثورة على الصعيد العالمي، تقررت تبعاً لذلك علاقة الحزب الشيوعي في سائر الأطراف بالحزب الشيوعي السوفياتي وهو من يقرر مصائر الثورة، إنها الوحدة العضوية للثورة. وللتدليل على ذلك فقد كانت البورجوازية الوطنية عندما تواجه الأخطار من قبل الامبريالية العالمية تهرع للمركز السوفياتي لحمايتها. لكن هذه التبعية لم تكن مفتوحة ومطلقة بل كان المركز مسؤولاً أمام الأحزاب الطرفية عن قيادة سليمة لإدارة الثورة الأمر الذي لم يحدث باستثناء مواجهة الحزبين الصيني والألباني ولفترة محدودة خرج بعدها الحزبان من دائرة المواجهة.

نعود مرة أخرى إلى ذات القضية في عامي 64 و 65 وقد أدرك خروشتشوف خطورة خيانته وتواطئه مع العسكر. في محاولة يائسة للانفكاك من قبضة العسكر رفع خروشتشوف شعاراً يقول .. " إذا لم تكن الاشتراكية لخير ورفاه الشعب فلماذا الاشتراكية إذاً " كان ذلك إعترافاً منه بخيانته في أيلول سبتمبر 53 حين ألغى قرار مؤتمر الحزب بالتحول للتصنيع الخفيف لرفاه الشعب. لم يعد يقوى على مخالفة العسكر بعد أن قبل أن يكون صنيعتهم ويسلمهم رأس الحزب. رفسه العسكر إلى خارج السلطة دون أن يلقى تعاطفاً من أحد. مرة أخرى شجبت ذلك الشعار دون أن أدرك مراميه وهي العودة إلى التحول للصنعات الخفيفة وأن تعود الدولة هي التي تحصص الموازنة لصالح الشغيلة وليس العسكر لصالحهم. الشيوعيون في الأطراف قالوا ذلك كان " كف عدس " ولم يدروا أن ذلك لم يكن كف عدس بل صراعاً طبقياً يقرر المصائر، صراعاً قرر نهاية الثورة الاشتراكية. نعم، تقررت نهايتها في روسيا وكما كان قد تنبأ لينين في العام 1919. لم يشر أحد من الشيوعيين العرب إلى أن التصنيع الخفيف كان يستبطن محو طبقة الفلاحين ورفع مستوى حياة البروليتاريا، وقف جميعنا مع الانقلابيين في المركز وكنا ضد البروليتاريا وضد الشيوعية وغير ماركسيين دون أن نعي ذلك، وبكلمة لم تكن الأحزاب الشيوعية الطرفية على مستوى من الوعي يؤهلها لأن تكون الأتباع الحقيقيين للمركز السوفياتي. انتصرنا للتصنيع الثقيل الذي لم يكن يعني غير إنتاج الأسلحة، الانتاج الذي يقصد منه توهين مناعة الاتحاد السوفياتي وليس تحصينها، خلافاً لظاهر الأمر.

عندما لا تكون الأحزاب الشيوعية في وحدة عضوية مع مركز الثورة فهي عندئذٍ ليست شيوعية وليست ماركسية. الثورة التي استشرفها ماركس وإنجلز هي ثورة مركزية بالضرورة استوجبها النظام الرأسمالي كأول نظام مركزي عرفته البشرية. اليوم وقد انهار ومات مركز الثورة فإن سائر الأحزاب الشيوعية الطرفية لم تعد شيوعية حيث الإنتقال إلى الشيوعية ليس مدرجاً على أجندة العصر الحالي. فأي معنى يبقى لحزب شيوعي لا ينتقل إلى الشيوعية. وطالما أن هذه الأحزاب ليست شيوعية فهي بالتبعية ليست ماركسية. أن يكون المرء ماركسياً هو أن يرى شبح الشيوعية يحلق في السماء. وإن لم يرَ فهو ليس ماركسياً على الإطلاق بل هو الرفيق الأمين لفرانسس فوكوياما الذي يقول بالنهاية الليبرالية للتاريخ. قد تجد إمرئً معانداً مثلي يجهد في تحصين نفسه في حصن الماركسية لكن على هذا المرء أن يعلم بأن حصنه لن يكون حصيناً طالما أنه لا يرى شبح الشيوعية يحوم في السماء وعلى وشك أن يحط على الأرض. وبانتظار ذلك عليه أن يجيب في كل يوم وفي كل ساعة إجابة وافية ودقيقة على السؤال المشروع الذي طرحه أحد الرفاق بلهجة استنكارية.. هل أخطأ كارل ماركس !!؟



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (1)
- محطتان رئيسيتان لمشروع لينين في الثورة الاشتراكية
- الوحدة العضوية للثورة الاشتراكية العالمية
- شهادة الشيوعيين
- الجمود العقائدي
- لماذا يغير المثقفون قناعتهم
- الساقطون الهاربون من انهيار مشروع لينين
- لينين باقٍ في التاريخ
- الإسلام كما القومية لا يمتلكان فكراً
- رسالة إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني
- شبح الشيوعية لم يعد يحوم في السماء
- عن أي يسار يكتب كتبة اليسار !؟
- مواجهة مع أحد المرتدين
- نهاية إقتصاد السوق
- رفيقنا الشيوعي الأميز علي الأسدي
- ليست الأخطاء هي التي أفشلت الاشتراكية
- العمل الشيوعي في عالم خارج التاريخ
- في نقد الإشتراكية السوفياتية
- من الديموقراطية إلى الشيوعية
- خيانة الاشتراكية وانهيار الإتحاد السوفياتي


المزيد.....




- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما
- اعتقال ناشطات لتنديدهن باغتصاب النساء في غزة والسودان من أما ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (2)