أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمود جلبوط - من ذاكرة معتقل سابق 12














المزيد.....

من ذاكرة معتقل سابق 12


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 1090 - 2005 / 1 / 26 - 12:39
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


كنت في مقتبل العمر, وبالتحديد بداية المرحلة الثانوية,حين بدأت بكتابة بعض المحاولات الشعرية الجنينية من خلال تقليد بعض الشعراء المشهورين آنذاك
كالشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش, وشاعر القهر العراقي السياب, وشاعر الغزل الكبير نزار قباني, وكانت ميولي بالكامل أدبية فلم أستسغ الفرع العلمي أبدا , فقد كنت أحب الشعر و الموسيقى, وكتابة الرسائل الغرامية للحبيبة, لدرجة أن أترابي كانوا يلجأون إلي عندما تعجزهم العبارات الغرامية الأدبية لبوحها في رسائلهم لحبيباتهم, وكان لي ميل أيضا للقصة والسينما و للفلسفة باستثناء الجغرافيا التي بقيت كسولا بها لغاية يومنا هذا,
وبسبب هذه النزعة, كنت قد وطدت نفسي لاختيار الفرع الأدبي عندما يحين موعد هذا الإختيار, ولكن والدي , رحمه الله وسامحه, قداستبق الأمور علي
وسدّ الطريق لاختياري, فبعد أخذ ورد, وبعد أن هددني بأنه سيغضب علي إن لم أحقق أمنيته بأن أكون في المستقبل دكتورا أو مهندس, لأن والدي و بكل بساطة ككل الآباء الذين حرموا من التعليم واضطروا لهذا السبب أن يعملوا الأعمال الصعبة, وأن يكونوا في آخر درجات السلم الإجتماعي, يريدون من أبنائهم أن يعوضوهم عن هذا الظلم الإجتماعي بتحصيلهم شهادات الهندسة أو الطب كتعويض إجتماعي, إلى جانب رغبتهم في تجنيب أبنائهم آلام العمل المضني الذي خبروه وجربوه, وهكذا كان, فاخترت الفرع العلمي مرغما مسايرا رغبة الوالد.
وبسبب عدم رغبتي المسبقة في هذا الإختيار, وبسبب إهتماماتي السياسية المبكرة , وانشغالي مبكرا بالعمل الفدائي الفلسطيني ككل شباب تلك الفترة,
اختصرت حلم الوالد من مهندس إلى مساعد مهندس و حتى هذه لم يلحق والدي أن يفرح بها, لأنه بعد تخرجي من الجامعة بعدة أشهر و بعد
زواجي ببضعة شهور, بعد تعييني في وظيفة في مشفى الأطفال, ألقت السلطات القبض علي , على إثر توزيع البيان الأول للتجمع الوطني الديموقراطي وبدأت رحلة الجدران الرطبة مطلع عام 1980 , وانتهى حلم والدي بأن أكون مهندسا, وانتهى حلمي أنا أيضا أن أصبح شاعرا.
هناك في سراديهم المتعاقبة, في السنوات الأولى من الإعتقال, كان ممنوعا علينا القراءة والكتابة , المسموح فقط الأحلام لأنه من الصعوبة بمكان إعتقال الأحلام, فحلمنا قدر ما نستطيع.
وعندما انتهى بنا المطاف في مركز كركوز الشيخ حسن, بعد نقلنا إليه من سجن القلعة الحميم, لاستلامه من قبل مديرية الآثار, وبسبب الإزدحام في الكركوز في تلك الفترة, خضنا إضرابا عن الطعام بالإشترااك مع رفاقنا في حزب العمل الشيوعي وحزب البعث الد يموقراطي, كان مطلبنا الوحيد فيه
هو تبديل المكان, فوافقت الإدارة على طلبنا و نقلونا إلى سجن عدرا, أو الشيراتون كما كنا نسميه بحق, والذي أمضينا فيه أجمل سنوات السجن لولا
بعض المنغصات التي صاحبتنا أحيانا, كاستشهاد الرفيق عبد الرزاق أبا زيد بعد فترة وجيزة من فرزه إلينا من كركوز الشيخ حسن مباشرة بعد تعذيبه
أثناء التحقيق معه فلم يستطع جسمه النحيل صمودا سوى عدة أيام فأسلم روحه بين ظهرانينا, وأيضاالشيخ الدرعاوي الجليل من عائلة المصري.
وبعد أن استقر لنا الحال في سجن عدرا, وغاظنا أن السجناء القضائيين( خارقين القانون)بجانبنا يسمح لهم بكل شيء و نحن لا يوجد عندنا أي شيء
قررنا الإضراب عن الطعام, مطلبنا فيه أن يسمح لنا ما مسموح للقضائيين, فكان لنا هذا, فسمح لنا بزيارة الأهل واستعارة الكتب من مكتبة السجن
والغنية جدا بها, وسمح لنا أيضا بإدخال الكتب والأقلام والدفاتر التي يجلبها لنا الأهل في الزيارة. فعاد حلم الكتابة يراودني من جديد وبدأت
في محاولات كتابية متعثرة من خواطر وقصة قصيرة, التي كنا نتبادل النقد والآراء حولها من خلال بعض جلسات السمر التي كنا نعقدها مع أصحاب
الإهتمامات المشتركة, لنخفف عن أنفسنا وطأة الزمن البطيء, إلى جانب متعتنا في ممارسة ميولنا. وعندما تم الإفراج عني حملت كل قصاصاتي
معي بحكم أنها مني ,لأدخل مرحلة مريرة من حياتي العائلية استمرت خمس سنوات من القهر للعائلة انتهت على إثرها حياتنا المشتركة فضاعت رفيقة العمر وآمالها معي وأحلامي معها ككل الأشياء الجميلة التي عشنا كلانا صابرين بانتظارها و ضاعت معها قصاصاتي ونزعتي الأدبية فقد طالت يد
الإستبداد الرهيبة حتى ميولنا وهواياتنا بعد أن اغتالت شبابنا .
لقد استهلك الإجتهاد وراء لقمة العيش كل وقتنا ,فلا وقت للهوايات والميول ولا للقلوب, و بسبب عدم إعادتي لعملي واستمرار مضايقات السلطة لي , هربت من الوطن واستقر بنا الحال في أوروبا, وعندما اقتنيت كمبيوتر من فترة قريبة بتحريض متواصل من الرفيق سلطان أبا زيد لأبحر في عالم الإنترنيت وأشارك فيه, عاودتني رغبة الكتابة, فكانت الحسرة الكبرى, أنك وجدتني لا أستطيع إلا موضوعا واحدا لها, هو السجن وملحقاته. فانظروا كم شوهنا هذا السجن, احتل ذاكرتنا وبتنا لا نستطيع منه فكاكا لأنه لاصق بنا, علامة فارقة لنا, فقد كان عنوان عصرنا, وسمة شبابنا, ودمار أسرنا, وموضوع لكتاباتنا, ثم تأتي الغربة آخر المطاف لتجهز على ما تبقى فينا و منا و تحتل ما تبقى من مساحات في ذاكرتنا .
محمود



#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ذاكرة معتقل سابق 11
- 10من ذاكرة معتقل سابق
- من ذاكرة معتقل سابق 9
- الفرق بين فن الكتابة وفن الحكي والكلام
- إهداء مذاكرات المعتقل السابق
- توضيح وإقرار إلى أجهزة المخابرات السورية
- العمليات الفدائية الفلسطينية الأخيرة
- من ذاكرة معتقل سابق 8
- ديموقراطية ناقصة ..ولكن
- كفانا تابو
- من ذاكرة معتقل سابق7
- إلى أين الرحيل ؟
- من ذاكرة معتقل سابق 6
- من ذاكرة معتقل سابق 5
- من ذاكرة معتقل سابق 3
- 4من ذاكرة معتقل سابق
- من ذاكرة معتقل سابق 1
- من ذاكرة معتقل سابق 2


المزيد.....




- الأمم المتحدة: 800 ألف نسمة بمدينة الفاشر السودانية في خطر ش ...
- -خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي ...
- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمود جلبوط - من ذاكرة معتقل سابق 12