أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - زمار هاملين وروعة التدليس














المزيد.....

زمار هاملين وروعة التدليس


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 3711 - 2012 / 4 / 28 - 20:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حدوتة من التراث الشعبى الألمانى لايمكننى منعها من التجسد أمام عيناى كلما تابعت، على شاشات الفضائيات، من يطلقون على أنفسهم لقب "الدعاة". والحدوتة هى حكاية الزمار ذو الثياب الملونة (المبرقشة).

حدوتة الزمار ... النسخة الأصلية
تجرى أحداث الحكاية فى مدينة هاملين الواقعة على ضفاف نهر الـ "ويزير" فى مقاطعة سكسونيا السفلى الألمانية. ولم يكن يعكر صفو حياة أهل هاملين الرغدة سوى توحش فئرانها التى باتت تلتهم طعامهم وتخرب بيوتهم. وذات يوم قدم إلى المدينة غريب ذو هيئة لافتة للأنظار فقد "كان رجلا طويل القامة، نحيفاً تعلوه سمرة واضحة، ذا عينين كبيرتين وعميقتين، كانت نظراته كالسهم النافذ، وكانت ملامح وجهه تدل على صرامة لاتخفى على أحد، كان يرتدى معطفاً أحمر بأزرار فى لون النار وقبعة حادة من الجهة الأمامية، وجوارب رمادية طويلة، وحذاء يميل إلى اللون الأصفر وسروالا مزيناً بأشرطة ملونة". وقد عرض الغريب على أهل هاملين أن يخلصهم من مشكلة الفئران نظير مبلغ معين من المال. وبمجرد موافقة أهل هاملين على العرض أخرج الغريب مزماره عازفا عليه أنغاما سحرية. أنغاما تغلغلت فى أمخاخ فئران المدينة لتتبعه، وهى مغيبة عن الوعى، إلى نهر الـ "ويزير" التى أغرقت نفسها فيه وهى طائعة مرضية. ويماطل أهل المدينة فى دفع ماتم الإتفاق عليه. وهنا يقرر الزمار الإنتقام فيبدأ النفخ فى مزماره ليملأ الفضاء ألحانا تخلب الألباب فتجذب أطفال هاملين وشبابها ليكرروا فعلة الفئران وتبتلعهم أعماق نهر الـ "ويزير". وهكذا تفقد هاملين مستقبلها المأمول تحت وطأة ألحان الغرباء.

حدوتة الزمار ... النسخة المعاصرة
وكما كان لزمار هاملين هيئته الخاصة الذى تميزه عن عموم سكانها فإن لنجوم دعاة الفضائيات هيئتهم الخاصة التى تميزهم عن العوام من خلق الله. فنراهم يحرصون على كل مايؤكد هذا التمايز سواء كان هذا إطلاق لحية كثة أو "زبيبة صلاة" تزين الجبهة أو جلباب أبيض أو غترة حمراء تكسو الرأس. وإذا كان المزمار هو الآداة التى إستخدمها صاحبنا القديم فى تحقيق أغراضه فإن "الخطاب" هو الأداة التى يستخدمها أصحابنا المعاصرين فى تشكيل وعى من يشاهدهم من البسطاء. وهو خطاب يقوم فى الأساس على دغدغة المشاعر الدينية للبسطاء وتمتزج، فى أغلبه، السياسة مع الدين. ويتمتع هذا الخطاب بالعديد من الخصائص التى تميزه غيره.

وأول هذه الخصائص هو طبيعته "الإثارية" Evocative التى تعمل على تأجيج المشاعر عبر "التمجيد المبالغ فيه للذات" و"الشيطنة المغالى فيها للآخر". والذات هنا تعود على الداعية ومريديه فهم "خير أمة أخرجت للناس" وهم "جند الله الغالبون". أما من يخالفهم فى العقيدة أو الرأى، أو الآخر، فهم "أولاد القردة والخنازير" أو "كفار مكة" أو "سحرة فرعون". وكل مجتمع لايتبع أفكارهم هو "دار كفر" تُستحل دماء أبنائه وتُستباح ثرواته. وهى الإثارة التى تقوم على التبسيط المخل وعلى المبالغة الفاجرة.

وثانى خصائص هذا الخطاب هى إفتقاد لغته لـ "الوضوح" Clarity. فهو خطاب تشوب معظمه شائبة "التدليس". والتدليس فى اللغة هو التلبيس والتغطية وهو مشتق من الدلس وهو الظلام. أو بعبارة أخرى هو كتمان عيب فى شيء ما حتى لا يعلمه المستفيد من هذا الشيء. وتتعدد أساليب التدليس فهى تشمل، على سبيل المثال، أسلوب "التلطيف" (أو "التهوين") Euphemism، وإستخدام العبارات والكلمات "المبهمة" Vague أو "الملتبسة" Ambiguous، و"الأسئلة المُحَمَلة" Loaded Questions، و"الإنتقائية" Selectivity.

و"التلطيف" هو إطلاق أسماء مُلطِفة على الأشياء السيئة. فنرى أصحاب هذا الخطاب، على سبيل المثال، وهم يطلقون إسم "الفتح" على واحد من أقسى أشكال الغزو والإستعمار الإستيطانى الذى يتخفى وراء ستار الدين. فعلى سبيل المثال كتب ثانى الخلفاء الراشدين، عمر بن الخطاب، إلى واليه على مصر، عمرو بن العاص، يستحثه على تسخير المصريين فى حفر خليج أمير المؤمنين بين نهر النيل وخليج السويس قائلا: "إعمل فيه وعجل، أخرب الله مصر فى عمران المدينة وصلاحها" (الطبرى، تاريخ الرسل والملوك، الجزء الربع، ص. 100). أما العبارات "المبهمة" فهى تلك التى لايوجد معنى محدد أو قطعى لها، مثل عبارات "الأمة الإسلامية" و"الإسلام هو الحل" فهى عبارات فضاضة ومطاطية لاترتكز على أى تعريف علمى دقيق ومحدد. والعبارات "الملتبسة" هى التى تتعدد معانيها ويغيب معيار واضح لإختيار أحدها وذلك من قبيل "الجهاد" و"الشعب يريد تطبيق شرع الله".

وفى العادة يستخدم المدلسون "الأسئلة المحملة" للهجوم على خصومم وإحراجهم. و"الأسئلة المحملة" هى تلك الأسئلة الموحية التى تحمل فى طياتها مايودون الإعلان عنه من أراء أو الإيحاء به من أفكار. فعلى سبيل المثال ستؤدى إجابتك على السؤال التالى سواء بـ "نعم" أو "لا" إلى إتهامك بالكفر والخروج عن الملة: "هو إنت لسه بتنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة؟" فإجابتك بـ "نعم" تعنى إقرارك بالذنب أما إجابتك بـ "لا" فتعنى أنك قد أذنبت بالفعل. وأخيرا، وليس آخرا، يتبنى المدلسون أسلوب "الإنتقائية" الذى يعتمد على إنتقاء صاحب الخطاب للشواهد التى تعزز من موقفه أو تدعم رأيه مع الإغفال المتعمد لكافة الشواهد الأخرى غير الداعمة.

ويتسلل هذا الخطاب إلى عقول جمهور لم يتعود على ممارسة "التفكير الناقد" Critical Thinking فيصاب بنوع من الخدر اللذيذ. خدر يتوهم معه المتلقين حيازة "قوة زائفة" تمكنهم من تغيير واقع لايعلمون شيئا عن معطياته ومستجداته. واقع يتجاوز تعدد مكوناته وتشابك علاقاته وتسارع إيقاعاته "الرؤية بالغة السذاجة" التى يوفرها لهم هذا الخطاب. ويفعل هذا الخدر فعله فينقاد المصابين به إنقيادا أعمى لمسيرة لايدركون أنها ستلقى بهم خارج التاريخ.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلمانية والسيبرنيطيقا
- العَلمانية كثقافة
- الحداثة المراوغة: تأملات فى مجريات الأمور
- كهنوت الإسلام
- ثقافة النص ومآساة دوماستان
- لماذا أنا عَلمانى؟


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - زمار هاملين وروعة التدليس