أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - نصير عواد - بشتآشان.. نسيان بعد ارتطام الصخور















المزيد.....

بشتآشان.. نسيان بعد ارتطام الصخور


نصير عواد

الحوار المتمدن-العدد: 3711 - 2012 / 4 / 28 - 18:30
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


بعد شهور قليلة من مجزرة بشتآشان وخروج أعداد من المقاتلين الأنصار إلى الدول المجاورة، كنْا في ضيافة الشاعر "مظفر النواب" في دمشق الشام. يومها كانت أخبار المجزرة ونذالة مرتكبيها التي تجلت في قتل الاسرى وتشويه الجثث، قد عبرت جبال كردستان العراق إلى بيروت والقاهرة وبيت النواب بدمشق. أخبار حزينة أزاحت الشعر وخيّمت على لقائنا. الألم كان باديا على الشاعر، حديثه وأسئلته عن الشهداء فيهما خشوع وانكسار، وحين وصل الحديث عن عائلتنا قال ونظرته ساهمة في الفراغ (لقد خسروا أنفسهم وخسرناهم، عائلة الشهيد أبو سحر "ناصر عواد" ونحن الذين عرفناه عن قرب نشعر بخسارة حقيقية لفقده) فلقد كان الشهيد من أصدقاء الشاعر المقربين. أما أنا الخارج توا من جبال كردستان، متخم بروح الفزعة النضالية، لم يعجبني رأي الشاعر. ورحت مثل أي سياسي مغسول الدماغ اتحدث عن النضال والقتال والوطن، وأردد ببلادة هنْات النظام الآيل للسقوط غير عابئا بحزن من حولي وتاريخهم وابتساماتهم المشفقة. بعد أسابيع قليلة من هذا اللقاء سمعت أحاديث هامسة بين أوساط العراقيين عن أن أغلب الذين استشهدوا في بشتآشان كانوا خارج صفوف الحزب أما مطرودين أو معاقبين حزبيا أو كانوا ينتمون إلى تيارات يسارية، لم يجدوا بديلا في مقارعة الديكتاتورية سوى حركة الأنصار التي يقودها الحزب الشيوعي العراقي. ثم تفشت في مقاه دمشق التي كان المنفيون العراقيون يتواجدون فيها، مزاودات ومبالغات مثل تلك التي تعقب الحوادث المؤلمة. لم يدافع أو يرد الحزب الشيوعي العراقي على أي منها بسبب انشغاله بجروحه وتنظيم صفوفه، سالكا أسلوبه القديم والـ"المؤذي" في تجاهل أي من الآراء والأفكار التي تتحدث عن مشاكل الحزب وصراعاته واخفاقاته.
في ثمانينيات القرن الفائت كان جل الأحزاب السياسية العراقية المتواجدة بالشام تطلق على نفسها "حزب الشهداء" كحزب الدعوة والشيوعي والبارتي، وكل حزب له مناسباته التي يدعو إليها رفاقه وعوائل شهدائه للاستذكار وانهاض الهمم ومواصلة الطريق، وبانتهاء المناسبات يعود ذوي الشهداء إلى بيوتهم مختنقين بمعاناتهم وذكرياتهم لحين اقتراب مناسبة أخرى، وبين المناسبتين يلقى بالفتات لهذه العائلات وبالمديح الكاذب والاحترام المدروس. أما اليوم وبعد ما يقارب ثلاثة عقود على المجزرة أمست عوائل الشهداء جزء من ديكور باهت، مكانها في ظلمة المواقع الخلفية في قاعات احتفال يجلس في صفوفها الأمامية قتلة الأمس من الجلاليين والبعثيين والمتسترين بعباءة الدين. عوائل الشهداء الشيوعيين تشعر بمرارة حقيقية وهي تسمع ممثل جلال الطالباني يلقي كلمته في يوم الشهيد الشيوعي، وتفضل أن يبقى شهدائها أرقام في السجلات الرسمية الكئيبة على أن يرثيها ويشيد بها قاتل. وبعد أن تكرر هذا الفعل صارت عوائل الشهداء تشعر أن وجودها يشكّل أحراجا لحزبها المنشغل بالعلاقات وتحاول أن تبتلع كلمة ممثل حزب الدعوة عن أن الشهادة بالأساس هي في سبيل الله ولكن (قد تصح أحيانا لغير ذلك). إن عوائل الشهداء الشيوعيين متعففة ووطنية وتحترم تاريخها وشهداءها ومعاناتها، تحولت إلى كائنات بيتية حتى لا تخرج وتبصق إلى السماء، قد يعود إليها بعضا منه. عوائل الشهداء يؤلمها رؤية ذكرى أبناءها وقد هرمت ويتصارع على أرثها أصحاب مبادئ من الدرجة الثالثة، بربطات عنق وشعارات مترهلة، لتحويلها إلى مناسبة احتفالية. عوائل الشهداء الجالسة في الصفوف الخلفية، وترى القاتل والسارق والطائفي يتصدرون المشهد الاحتفالي لذكرى الشهداء، تكظم غيضها وتسلي النفس بالذكريات وتتمنى ان لا يأتي اليوم الذي تضطر فيه إلى أن تطلب من حزب الشهداء أن يترك شهدائها بسلام.
الأحزاب السياسية العراقية لا تكف عن انتزاع الدهشة والحيرة من وجوهنا وعقولنا عبر إنتاجها ممارسات وسلوكيات صادمة للإنسان ومفارقة لطبيعته وقيمه، من بينها نشوء انتهازية جديدة، مقيتة لم ينجُ منها حتى الأموات. انتهازية الأحزاب صنعت أعضاء انتهازيون بين صفوفها يتميزون بهشاشة القيم وقادرين على تغيير مواقفهم وأفكارهم والانتقال من حزب إلى آخر بحجة الخلافات الفكرية والتطورات العالمية والحرية الفكرية والانفتاح على الأحزاب الأخرى. السياسيون الجدد فاقوا احزابهم انتهازية ووضاعة وصاروا ينتقلون من حزب إلى آخر حاملين معهم أسماء شهدائهم للاسترزاق والتقرب من هذا الحزب الذي يعطي قطعة أرض للشهداء أو الانتماء إلى ذاك الحزب بسبب المنحة المالية العالية المخصصة للشهداء والاعتداء على القيم والتقاليد التي تطبعت الإنسانية على ممارساتها واحترامها. فكثير من الشهداء رحل ولم يترك مصنعا أو يخلف أبنا، وضحى بحياته من أجل قناعاته وأفكاره ومقدساته هو في الدرجة الأولى، سيبقى ذلك أرثا لعائلته ورفاقه يفخرون به ويبنون عليه. ولكن في عراق ما بعد الاحتلال وتحوّل الطمع إلى موهبة وشطارة لجأ ضعاف النفوس إلى حلب الثور وإلى السرقة باسم الأيتام والأرامل وإلى تحويل أرث الشهداء إلى وسيلة للتكسب والمباهاة، ليس لها أدنى علاقة بما ضحى الشهيد من أجله.
على أطراف مدينة شقلاوة، عند سفح جبل كورك سورت أربعة قبور لشهداء شيوعيين قتلوا بأمر من رئيسنا "جلال الطالباني" بسور حديدي واطئ كان الفلاحون قد صنعوه، تجمعت حول القبور بضع عربات ودكاكين ومقاه تحولت بمرور الأعوام إلى فسحة لاستراحة المسافرين بين المدن. وكان أحد الرفاق الشيوعيين قد اقترح، بحسن نية، نقل هذه القبور وضمها إلى مقبرة شهداء الحزب بـ"إربيل" عاصمة الاقليم باعتبارها أكثر حضورا وتنظيما، إلا أن رفيقا أخر اعترض على ذلك مبررا اعتراضه على أن الشهداء سقطوا في معركة مشهورة، في زمان ومكان معينين، ارتبطت بتاريخ الناس الساكنين عند سفح الجبل وبتاريخ الحزب الذي كان متواجدا على الأرض في أيام الكفاح المسلح تجلت في حكايات وذكريات وقصائد رددها كثيرون، ولذلك فإن اقتلاع القبور أو نقلها سيؤثر سلبا على الفلاحين والحزب والتاريخ. فإذا كان نقل القبر من قطعة أرض إلى أخرى له هذا التأثير فكيف بنقل أرث الشهيد وتاريخه وقناعاته وحكاياته من حزب إلى آخر، من أجل تصفية حسابات سياسية واجتماعية أو من أجل حفنة دراهم؟. بما أنها حالة سياسية عامة في عراق محتدم علينا الإشارة إلى أن قضية الإساءة للشهداء في موضوعنا لا يتحمل وزرها السياسي الانتهازي فقط بل كذلك الأحزاب العراقية الأخرى التي تسمح بتلك الممارسة مع علمها بما تتركه من تشوهات للشهداء وتاريخهم ودمائهم. فبعض الأحزاب التي سبق وأن وحْدها الظلم والمنفى تراكضت وتسابقت في السطو على شعارات وسياسات ورفاق بعضها البعض بعد سقوط الصنم، انتهت بالسطو على الشهداء وتاريخهم، وداست في طريقها على الكثير من القيم والمفاهيم التي دوخت رؤوسنا بها في أيام النضال والمواجهة.


في هذه المقالة السريعة لا نود المزايدة على عائلات الشهداء، فهم المتضرر الأول مما جرى لأبنائهم وسيبقى الحزن والذكريات والابتسامات المريرة راكدة في بيوتهم ووجوههم ولا يوجد ما يعوض خسارتهم فلذات أكبادهم، ولكن على الجهة الأخرى من الحكاية نجد أن للشهيد قضيته ورفاقه وتاريخه الذي ينبغي المحافظة عليه وصونه، إذ ليس متداولا التعامل مع الشهيد والشهادة كملكية خاصة يمكن نقلها من حزب إلى آخر ومن فكر إلى آخر، فدودة الطمع قد تلتهم ما تركه الشهيد من نبل وقداسة وتضحية. بمعنى إنه إذا كان الشهيد حقا من حقوق عائلته فإنه حق لا تستطيع العائلة ممارسته والتصرف فيه من دون مسؤولية واحترام الآخرين الذين ضحوا إلى جانبه. صحيح أننا في زمن جرى فيه تسويق الأفكار والمنتجات والسياسات، وصحيح أن الأحزاب السياسية كثيرا ما تتاجر بقضية الشهداء وتبالغ بالحزن لأغراض دعوية، وصحيح أيضا أن العراق داهمته حروب داخلية وخارجية لم تترك شارعا من دون قتيل أو شهيد أو مفقود أو معوق، ولكن هذا لا يبرر لعائلات الشهداء الانخراط في جوقة الأحزاب والتقليل من قيمة أبنائهم وتحويل مأساتهم إلى سلعة يتحكم بها قانون العرض والطلب، لعرضها على هذا الحزب أو ذاك. يستطيع الشيوعي العراقي الخروج عن حزبه والانتماء إلى الحزب الديموقراطي الكردستاني ويستطيع الصدري الخروج عن تياره إلى حزب الدعوة ولكن أن يحمل هذا الانتهازي البائس وثائق شهدائه لنقلها وتسجيلها عند الحزب الجديد هي مأساة ومهزلة. ولا أدري ماذا يفعل الشيوعي بشهدائه إذا انتقل إلى حزب ديني، أو بالعكس، وكيف يوفق بين تضاد المفاهيم وتصارع الأفكار بين الأرض والسماء، مع أني لا أعلم ماذا فعل الذين تعاونوا مع الاحتلال؟ فهل تحدثوا مع الأمريكيين عن شهدائهم وهل حصلوا على أفضليات وتعويضات من الأمريكيين عن ذلك وهل عندنا شهداء، عراقيون/ أمريكيون،؟ فتحويل الشهادة إلى سلعة يفتح باب الأسئلة على مصراعيه.



#نصير_عواد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دَساتير أحْزابنا السياسيّة مِن نسل واحد!
- حكاية التصاق الثقافة بالشيوعيين
- باطن الجحيم رواية سلام إبراهيم الجديدة
- تهديد الذَاكِرة العراقية
- احذروا عاشوراء
- الحياةُ لحظةٌ- رواية التفاصيل الخَرِبة للبطولة
- إنهم يفترون على الشهداء
- مواقع إلكترونية أم قبائل سياسية؟
- في مديح الهزيمة
- حذاءٌ وطنيٌّ آخر من تركيا
- في ذهاب المهنة وبقاء المهانة
- يا أهل الشام أحيو المعروف بإماتته
- فنانو المنفى في ضيافة كامل شياع
- تعقيب على-محاولة-الناصري
- -أوراق من ذاكرة مدينة الديوانية- لزهير كاظم عبود
- نعم تآمرنا على وطن!!
- فنانو المنفى شعراء عاطلون
- المكانية في الفكر والنقد والفلسفة
- إعادة إنتاج الحادثة
- َظاهِرة الأدب الشَخصي عند العراقيين


المزيد.....




- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - نصير عواد - بشتآشان.. نسيان بعد ارتطام الصخور