أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي المسكيني - لا هوية إلاّ الخيام...أو ماذا يفعل المعتصمون بالوطن ؟















المزيد.....

لا هوية إلاّ الخيام...أو ماذا يفعل المعتصمون بالوطن ؟


فتحي المسكيني

الحوار المتمدن-العدد: 3711 - 2012 / 4 / 28 - 15:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


" لا هوية إلاّ الخيام...
إذا احترقت ضاع منّا الوطن" (محمود درويش)

ماذا يفعل المعتصمون بالوطن ؟ - هؤلاء اللاجئون الجدد...لاجئو الحرية أو لاجئو الثورات العربية. كان درويش قد وضع هوية الفلسطيني في نمط لجوئه بنفسه أو بما تبقى من جسم العائلة فيه، على حدود بلاده. كانت الحدود مقولة مركزية في ترتيب معنى هوية اللاجئ أو الهوية اللاجئة حتى حين. كان الوطن المفقود عبارة عن إقليم كسّروا فيه حدوده أو نزعوا عنه إقليميته وحوّلوه إلى أرض بلا عنوان خاص، للعابرين. وكان النضال بمثابة مقاومة على حدود ما، على تماس مع وطن يبعد ويقرب حسب قدرة اللاجئ على استعمال لجوئه داخل أو خارج جسمه. ومع تحوّل اللجوء إلى صناعة ثقيلة للأوطان، انكمش الإقليم فجأة وتحوّل إلى مجرد حقيبة سفر للغرباء المحترفين. كان اللاجئ مغتربا محترفا لنوع مخصوص وجديد من الوطن الذي لا وجود له في خارطة العالم المعاصر.
ومع الوقت فاجأتنا الثورات العربية الراهنة بأنّ اللجوء ليس حكرا على الغرباء..وأنّ صناعة الأوطان المفقودة ليست استثناء فلسطينيا..وأنّ الهوية اللاجئة يمكن أن تطرق باب أيّ شعب من الشعوب، بمجرد أن يدخل في أزمة حدود مع نفسه.
وعلينا أن نسأل: هل فعلا أصبحنا لاجئين محترفين نحن أيضا أو نحن بدورنا ؟ كيف نفهم نزول كلّ هذه الأجسام الحرة إلى الساحات للاعتصام في خيام تمّ استدعاؤها لمهام أخرى ؟ هل مررنا من نموذج المقاومة بإزاء الخارج إلى نموذج الاعتصام بإزاء الداخل ؟ من اللجوء إلى الاعتصام ؟
يبدو أنّ شعوبنا قد اكتشفت نمطا جديدا من المكان: أنّ مكان الهوية ليس خارجيا. واكتشفت وجها جديدا للعداوة والصداقة: أنّ الهوية لا عدوّ لها سوى نفسها. وبالتالي أنّ معركة الصداقة لن تتم هذه المرة إلاّ من الداخل. يعتصمون لأنّه لم يعد هناك أيّ معنى للمقاومة بالمعنى التقليدي: كل معارك الدولة القومية كانت معارك مقاومة. تقوم على وضع الناس في حالة استنفار هووي للتحكم في الإواليات العصبية لوجودهم اليومي. لكنّ العصبية عادت إلى العمل بشكل مغاير: الاعتصام فنّ عصبي لتنشيط القوى الحية في الجموع وتحويلها إلى كتلة رعب عددية لا تستعمل العنف إلاّ عرضا، لكنّها تلوّح بقوة الصمت العمومي متى استُعمل بشكل مناسب، أي بشكل مدني.
في اللغات الغربية يعني "السيت-إن" (sit-in ) الجلوس على الأرض في الطريق العام احتجاجاً ضدّ سلطة رسمية. هو استعمال المكان العام كتقنية ممانعة جسمية وحيوية من دون عنف.
لكن "الاعتصام" العربي من معنى آخر: هو الامتناع بشي ما، والامتساك بشيء ما لمنع السقوط من الخيل مثلا. لكنّ العصمة تعني القلادة أو الحبل وأعصام الكلاب عَذَباتها التي في أعناقها، وعصمة النكاح أي عقدة النكاح في يد الرجل. ومنه أعصم أي لجأ إلى الشيء واعتصم به. والغراب الأعصم هو الذي إحدى رجليه بيضاء، وهو نادر...مثل المرأة الصالحة، كما جاء في الحديث...
في الظاهر لا يبدو أن الجذر العربي للاعتصام – القائم على فكرة الامتساك بحبل مخافة السقوط- يؤهّلنا للنجاح في فهم المعنى ما بعد الحديث للاعتصام: فبماذا سوف يعتصم المعتصمون في ساحة فارغة ومكشوفة ومفتوحة ؟ لكنّ "الربيع العربي" لا يحتاج إلى عصيّ للإمساك بها. لذلك تمّ اللجوء إلى مجازات واستعارات الياسمين والورود والأعلام والألوان والوجوه...
إنّ الجديد هو أنّ المعتصم لا يعتصم بأيّ شيء. لقد صار يعرف أنّه يقف أعزلا، في مكان مكشوف وأنّه يقصد استعمال عزلته أو مكشوفيته بوصفها سلاحا رمزيا للضغط على جهة أو سلطة ما، يشعر بعيونها وكاميراتها على وجهه أو فوق رأسه أو قبالة قلبه. هو يريد أن يحوّل المشهد الأعزل إلى تهمة سياسية. فهو يقتطع من المدينة ساحة للوطن ويمنحها استقلالا ذاتيا ويقف فيها. وفي واقع الأمر فالاعتصامات العربية لا تقوم على فكرة "الجلوس" كما في الغرب، بل على فكرة "الوقوف": الوقوف في وجه شبح الدولة التي تمسك به حكومة ما، وتلوّح بإمكانية استخدامه ضدّ مجموعة محتجّة معيّنة.
وبمعنى ما انقلب الوطن إلى مشهد اعتصامي على هذا القدر أو ذاك من الفرادة. جملة من الأفراد يخترعون مساحة وطن ويقفون فيها ويطالبون سلطة ما بأن تتعامل معهم على أنّهم أصحاب حقّ في الانتماء الكريم إلى الفضاء الحرّ لـ"دولة الثورة". لكنّ دولة الثورة عبارة متناقضة ولا وجود أصلا لدولة الثورة. "ما أكبر الثورة، ما أصغر الدولة". هكذا قال درويش ذات قصيد. إنّ الوطن فضاء حرية أو لا تكون. لكنّ الدولة شيء آخر. إنّها وثن قانوني لرسم الحدود وأقلمة الأجسام بشكل عمومي وتحويل كل موقف أو حياة خاصة إلى نصّ ووثيقة وتوقيع. وذلك تحت لواء نوع مخصوص من صنم السيادة أو الشرعية.
ولذلك يضيع مجهود المعتصمين في كل مكان: إنّهم يتمسّكون بفضاء فارغ دفاعا عن مساحة وطن فارغة يسمّونها حرية الثورة. لكنّ الثورة الفارغة هي رغم ذلك مكسب أخلاقي غير مسبوق. لأوّل مرة وجدت الشعوب أنّها تستطيع النزول العمومي إلى الشوارع المحررة من أجل كتابة نصوص جديدة لنفسها، وإن كانت تعلم أنّها نصوص لن تتحوّل أبدا إلى كتاب. وهنا علينا أن نقرأ هذا العدد المهيب من الخيام المنصوبة باعتبارها حروفا عمومية لكتابة نص لن يقرأه الجيل القادم إلاّ على سبيل الفضول. خيام تبقى معتصمة حتى بعد رحيل المعتصمين. ريح قليلة تشق الشوارع والساحات الفارغة بحثا عن لا أحد. وبعض المارة الذين لم يكونوا هناك. ومهما طال الاعتصام فهو يعبّر في كل لحظة على أنّه مؤقت وغير مضرّ ويستمر على سبيل الاعتذار لأجسام لم تعد تملك أكثر من الوقوف كآخر دليل على أنّ البشر ليس حيوانا إلى هذا الحدّ. بل أكثر من ذلك: أنّ حيوانيته قد تصبح في أيّ لحظة تقنية بقاء مفيدة للواقفين في الداخل، داخل الوطن الخاص، ولكن خارج الدولة.
الوطن الخاص عبارة مناسبة هنا: إنّ الاعتصام هو فن اختراع الوطن الخاص بالجسم الخاص، خارج أيّ اتفاق مع أيّ سلطة على هذا القدر أو ذاك من الشرعية. ومهما كانت المطالب هووية (كمطالب الإسلاميين) أو حيوية (كمطالب التحديثيين) فإنّ الاعتصام يعمل بنفس الوجاهة: استعمال الفضاء الفارغ من الدولة بوصفه تقنية امتناع للجموع الحرة، دفاعا عن سقف أعلى من الحريات أو من أشكال الانتماء إلى الذات. ورغم أنّ الاعتصامات تبدو مربكة للأداء اليومي للحكومات إلاّ أنّ ذلك ليس تهمة لها. بل هو أمارة على أنّ الشعوب لن تعوّل منذ الآن على أيّ شرعية عمودية أو سيادية لامشروطة. بل فقط على حاكمية نشطة ومؤقتة ومحدودة، لن تستطيع أبدا أن تتحول إلى صنم جماهيري، كما كان حلم الحاكم الهووي في السابق. وأبرز نقطة ضعف في حكومات ما بعد الثورة العربية هي أنّها أخذت تحكم شعوب الثورة بذهنية التحريم والمنع السابقة على الثورة: إنّها فرق حكومية لم يتمّ تدريبها بشكل مناسب لحكم شعوب من هذا النوع. هي حكومات سيادة بالمعنى التقليدي وليس حكومات حرية. وإنّ أصعب أشكال الحكم هو حكم الأحرار بواسطة قدراتهم الموجبة على الاختراع العمومي للمصير.
نحن مقبلون على أنواع جديدة من الانتماء، وبالتالي على نوع جديد من الأوطان. دشّنها فن الاعتصام وسوف تتلوه فنون أخرى من العمل الحر أو اختراع المشترك بكلفة بشرية غير مشطّة ولا هووية بالضرورة. وفي اللحظة التي يظهر فيها أنّ الشعوب التفتت بقوّة إلى طريق الآخرة، فإنّ قدرتها الحيوية على الحرية الحرة قد ازدادت بشكل غير مسبوق. وليس الدين غير إحدى تقنيات الاستيلاء على الحرية مهما كان نوعها.



#فتحي_المسكيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استشارة كانطية - الاحترام والقداسة : وحدها الشخصية الإنسانية ...
- العادل لم يعد إماما....أو من أساء إلى الإسلام ؟
- الربيع غيّر عنوانه......
- الضحك خارج القدر...في انتظار الوطن
- الكوجيطو المكسور...في عيادة ريكور
- لعنة الثورة أم جنون الشعوب ؟
- الشهداء...يحتفلون بموتنا
- الغيمات الأخيرة تستقيل...من المساء -
- ترجمة الفلسفة...هل تسيء إلى لغتنا ؟
- الفلسفة لحماً ودماً...في مرآة مرلوبونتي
- اعتذارات مجردة...للأقحوان- قيامتين بعد الطوفان
- كيف صارت التأويلية فلسفة ؟
- جيل دولوز: ثورة كوبرنيكية في فهم الهوية
- حذار من النائمين على حافة اللهِ...
- أحمد فؤاد نجم... عذرا أيّها الطفل...في بلاد الأهرام
- اقتصاد الهوية أو كيف تكون البنى الثقافية علاقات إنتاج جديدة ...
- السلفي والمسرح: معركة رُعاة ؟ أسئلة للتفكير
- مفهوم الضمير...أو كيف صار للإنسان ذاكرة ؟
- الفلسفة -سؤال موجَّه لما لا يتكلّم-
- ما هذا الذي هو نحن ؟ ...في السؤال عن لحم الكينونة


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي المسكيني - لا هوية إلاّ الخيام...أو ماذا يفعل المعتصمون بالوطن ؟