أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - المنهجية التاريخية ودراسة ظاهرة العنف في العراق / ج6















المزيد.....

المنهجية التاريخية ودراسة ظاهرة العنف في العراق / ج6


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 3709 - 2012 / 4 / 26 - 11:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



المنهجية التاريخية ودراسة ظاهرة العنف في العراق / ج6


ينتبه مؤلف كتاب "تاريخ العنف الدموي في العراق" إلى حيثية حقيقية بخصوص جغرافية العنف نعتبرها كافية لنسف المنهجية العشوائية التي يتبناها ومعها استنتاجاته بالكامل. مفاد هذه الحيثية هو أن أغلب الحوادث العنفية التي رصفها على بعضها في كتابه، قادها وخطط لها وقام بها غزاة طارؤون جاءوا من خارج العراق. ينتبه المؤلف إلى هذه الحقيقة ولكنه يلجأ إلى لَيِّ عنقها بطريقته المعهودة فيقول (ورب قائل يمكن أن يقول أن فصولاً كثيرة من العنف وسفك الدماء والمجازر قد جرت على أرض العراق نفذها حكام أو قادة غزاة جاؤوا من خارج العراق، بروح حاقدة ولا مسؤولة وبأعلى أشكال القسوة والتطرف والهمجية (...) وهذا ما يتوجب إسقاطه وعدم إدراجه في مسيرة العنف المرتكب من قبل العراقيين أهل البلاد ذاتهم أو المقيمين لأنه عنف مسلط من الخارج، ص19 وما بعدها). ولكن باقر ياسين يعاند ويكابر ويقول إن ذلك الواقع التاريخي الصلب (لا يمنع من إدراج ـ عنف الغزاة الخارجي ـ ضمن أحداث العنف العراقي والسبب هو أن هذا العنف قد نفذ على أرض العراق، ص20). إن التطبيق العملي طبعا لهذه الفكرة البلهاء هو احتساب المجزرة الذرية التي ارتكبها الأميركيون في اليابان على ضحاياها اليابانيين وتاريخهم وطباعهم وشخصيتهم التاريخية وليس على القتلة الأميركان الذين ارتكبوها لأنها، وفق منطق باقر ياسين، حدثت على الأرض اليابانية في هيروشيما وناكازاكي!

لعل القارئ يتذكر إننا سجلنا في رصدنا للظاهرة موضوع البحث ما تمارسه من تأثيرات وتتركه من آثار على الإنسان موضوعها وضحيتها جيلاً بعد جيل، ولكن الفرق هائل بين منطق يحاول الدفاع عن الإنسان بوصفه ضحية لطاغية أو لغزاة يمارسون العنف وبين "لا منطق" يخلط العنف نفسه بالضحية بالجلاد ليصل في خاتمة المطاف إلى أحكام معيارية تحط من كرامة الشعب العراقي. إن الكاتب ـ للأسف ـ يقوم هنا بمناورة تفتقر إلى الشرف العلمي حين يرفض أن يحذف العنف الذي مارسه الغزاة الأجانب على شعب متحضر وبلد غني وفير الخيرات كالعراق ويراكم تلك الأحداث على امتداد المئات من صفحات كتابه. إنه يصر على إدراج تلك الأحداث لا لكي يبرئ ما دعاه "الذات العراقية"، عن طريق دراسة تأثيرات الظاهرة الخارجية عليها بل ليزيد من وقع الإدانة والإهانة لها.

وقبل أن ننتقل لمناقشة بعض مضامين فصول الكتاب، وبما أن الكاتب اعتمد اعتماداً وحيداً على جمع المادة التاريخية شاهد إثبات وحيد لأحكامه القاطعة ومقرراته الباترة، وليس كمادة يفعل فيها الأسلوب البحثي التاريخي فعله، ليخرج بنظرية أو مبادئ نظرية قابلة للتعميم. وربما يظن البعض أن أسلوب الرصف و"التصفيط "ولَيِّ أعناق الحقائق له علاقة بالأسلوب التاريخي التقليدي أو التاريخي النقدي الذي نأخذ به، ولهذا سنلقي نظرة على هذا العلم لنرى أن كان ثمة ما يجمعه بمحاولة مؤلفنا أم أن هذه المحاولة مجرد (هيصة) ذاتية ولا علمية وبعيدة عن أسلوب بحث اسمه الأسلوب التاريخي التوثيقي أو شقيقه التاريخي التحليلي وأقرب إلى ما يمكن تسميته بمنهجية " التصفيط ".

فما المقصود بهذا الأسلوب وما ركائزه الأساسية وما هي خطواته البحثية؟

إن موضوع ومادة الأسلوب التاريخي أو الأسلوب الوثائقي كما يسمى أحياناً هو التاريخ المنجز المتحقق، سواء كان يتعلق بماض بعيد جداً ولفترة قد تبتعد عنا بعشرات آلاف السنوات أو بعدة قرون أو عدة عقود من السنين. ويختلف هذا الأسلوب عن التأرخة. فهذه الأخيرة لا تتعدى تسجيل الأحداث الحاصلة كما هي دون زيادة أو نقصان أو تحليل أو تفسير ومن هذا القبيل الموسوعات التاريخية العربية المشهورة كتاريخ الطبري و (البداية والنهاية) لابن كثير و(مروج الذهب) للمسعودي.

وقد أثيرت تساؤلات وانتقادات واسعة لهذا الأسلوب ـ التاريخي ـ في سنواته الأولى وانتقص الكثيرون من قيمته العلمية لا بل عدّهُ البعض أسلوباً غير علمي لأسباب منها أنه لا يعتمد على التجربة بمفهومها العلمي وعدم اعتماد الباحث التاريخي على الملاحظة المباشرة بل على الملاحظة غير المباشرة كالآثار والسجلات وذاكرة الأشخاص، إضافة إلى أن هذا الباحث، كما يقول المنتقدون، لا يستطيع ـ مهما كان دقيقاً ـ كشف كل الأدلة المتعلقة بموضوعه التاريخي وربما أمكنه وحسب الوصول إلى نتائج جزئية. ولكن ورغم الصحة النسبية لاعتراضات والنقود السالفة فقد أثبت البحث التاريخي جدارته العلمية وتشجَّع الباحثون على الأخذ به واستقرت له أسسه العلمية وخطوات البحث الخاصة به وهي على التوالي: الشعور بالمشكلة وتحديد إطارها؛ وضع الفَرْض أو مجموعة الفروض؛ جمع المعطيات والحيثيات والبيانات؛ وأخيرا يتم الوصول إلى النتائج وصياغة التعميمات.

وبما أن البحث التاريخي يعتمد اعتماداً رئيساً على المادة التاريخية فقد أوليت هذه المادة الحيّة اهتماماً استثنائياً وتم التركيز على ثلاثة جوانب هي:

مصادر المعلومات كالسجلات والآثار والوثائق وشهود العيان والدراسات السابقة والأعمال الأدبية والفنية المعاصرة للحادثة التاريخية موضوع البحث.. الخ؛ نقد مصادر المعلومات، وهنا ثمة نوعان من النقد وهما النقد الخارجي والنقد الداخلي؛ صياغة الفروض في البحث التاريخي، فإنها تتطلب مهارة خاصة وبراعة فائقة والسبب هو أن هذه المهمة تختلف عنها في جميع العلوم الأخرى لسبب غير موجود في تلك العلوم، وهو أن الباحث هنا يدرس واقعة حدثت في الماضي وليس في الحاضر داخل مختبر مادي ملموس كما هي الحال في العلوم التجريبية. ولهذا يحدث غالباً أن يطرح الباحث التاريخي فرضاً أو مجموعة فروض ثم يقوم بتعديلها في ضوء ما تجمع لديه من معلومات وكشوف جديدة.

أين كل هذا الكلام من (منهجية) باقر ياسين والخائضين الآخرين في ميدان البحث التاريخي؟

قبل الانتقال إلى مناقشة قضايا محددة ومهمة وردت في الكتاب المنقود، نذكر القارئ بأن منهجيتنا تختلف كثيراً عن منهجية البحث التاريخي التقليدية "الوثائقية البحتة"، وإن كانت تستفيد منها إجرائيا،ً متى كان ذلك ممكناً ومفيداً، فنحن نعتمد ما أسميناه المنهجية الشاملة والقائمة على البحث التاريخي النقدي المادي، التي قد لا يرى القارئ منها في بحثنا هذا إلا الظلال والنتف لأننا لسنا بصدد التنظير لبحث تاريخي مستقل وخاص بموضوع أو ظاهرة معينة.

سلف القول إلى أن الكاتب خصص الفصل الأول من كتابه لدراسة أحداث العنف الدموي في وادي الرافدين بداية من فجر السلالات 3000 ق.م حتى الاحتلال الفارسي 539 ق.م. هذا ما يشير إلى واحد من المطلقات التي لها قوة "البداهة" في ذهن الكاتب، وهي ليست إلا وهماً، أو في المتواضع، مجموعة من الفروض الخام. إن هذا المطلق الذي يعلنه الباحث بلغة واثقة، يعني: أن العنف العراقي الدموي ليس ظاهرة تاريخية بل هو أشبه باللعنة التي أصابت هذا الشعب قبل خمسة آلاف سنة، وحتى قبل أن تولد كلمة (أوروك) التي اشتق منها اسم العراق على رأي بعض الباحثين والعلماء الإركولوجيين. فقد بدأ تاريخ هذا الشعب وهذه البلاد بالعنف والصراع، فلماذا العجب، وما وجه الغرابة، في أن يكون اليوم عنيفا دمويا كما كان قبل خمسين قرناً؟ هو ذا المؤلف يبدأ الفصل الأول من كتابه بهذه البديهية المطمئنة (ليس غريباً أن يبدو التاريخ العراقي أمامنا غارقاً بأحداث العنف الدموي عندما نكتشف أن بدايات هذا التاريخ تتحدث للبشرية منذ بدء الخليقة عن قصص الصراع المتواصل القائم على العنف التصادمي بين الإرادات المتناقضة للآلهة المتعددة الأسماء التي عبدتها وخضعت لها الأقوام والحضارات التي قامت في وادي الرافدين منذ الألف الرابع قبل الميلاد- ثمة زيادة هنا بألف سنة يبدو أن ياسين نسيها أو إنها لا تعني له شيئاً ذا قيمة أو مغزى لأن مجموع أربعة آلاف سنة ق.م. وألفي سنة بعد الميلاد يساوي ستة آلاف وليست خمسة آلاف - تلك القصص التي أبدعتها وصاغتها التجربة الأولى للعقل البشري والمتمثلة بالأساطير الملحمية لشعوب سومر وبابل وآشور. ص29).

ربما يكون الأمل قد خامر القارئ بأن الكاتب ربما سيخفف من غلوائه واحتدامه لغة ومضامين، على اعتبار أن ظاهرة العنف وكأية ظاهرة تاريخية تخضع لشروطها الداخلية الخاصة وللظروف البيئية المحيطة بها، ربما تكون في بداياتها وقبل خمسة آلاف سنة أخف وطأة وأقل شدة نوعية مما ستكون عليه حالها بعد خمسين قرناً، ولكن هيهات! إن الكاتب سيحبط هذا الأمل وسيحاول أن يثبت لنا أن السمكة كما يقال متعفنة من رأسها! وأن ظاهرة العنف الدموي العراقي وطباع الغدر والتقلب والتشفي واللؤم والحقد والشماتة والخيانة.. الخ، قد ولدت وقبل خمسة آلاف سنة مكتملة، ناضجة، ومنظمة، شأنها في ذلك شأن أي مطلق خارق غير قابل للمحايثة والحوار النقدي والاستيعاب العقلي كأية خرافة تقليدية. نعم، لقد نجح الكاتب في استيلاد طنطل اسمه "العنف الدموي العراق" ولكنه سيبقى طنطلا لا يعني أحدا سوى والده "المؤلف"!



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعب العراق ضحية لظاهرة العنف أم الجلاد ؟ /ج5
- الفصل الخامس : الحضور الكثيف للمفردات الأكدية والآرامية في ا ...
- العنف المجتمعي في القراءات المتعسفة .. العراق مثالا/ج 4
- كتاب جديد / الحضور الأكدي والآرامي والعربي الفصيح في لهجات ا ...
- الغربيون والجذور التاريخية لوصم -الآخر- بعار العنف /3
- النشيد الوطني الجديد ليس للجواهري ..فحذار!
- قضية -الإيمو- : مبالغات إعلامية أم مجزرة حقيقية ؟
- أكراد العراق : ربيع الاستقلال .. أربيل تحتفل بذكرى مهاباد -ا ...
- المواجهات بين أتباع السيستاني والصرخي : هل بدأت حرب المراجع؟
- تسليح الجيش العراقي : مخاوف سياسية وفضائح فساد مدوية !
- العنف الجماعي.. لغةً وسياقاً تاريخيا/ إطار نظري عام
- -ربيع القاعدة- في العراق يغرق بغداد وخمس محافظات أخرى بالدما ...
- «المجلس الأعلى» للمياه هل ينقذ الرافدين من الزوال؟
- إغلاق هرمز : حكومة المحاصصة تطمئن العراقيين والأرقام تثير ال ...
- قانونا الأحزاب الجزائري والعراقي والطائفية السياسية.
- العنف الفردي والجماعي في سرديات علم النفس الكلاسيكي
- طائفية الأمر الواقع في الدولة العراقية من 1921 وحتى الآن
- أسرار قادة -العراقية- على الهواء مباشرة !
- زوبعة سليماني: العراق لن يكون بيدقاً
- النزاع بين التيار الصدري والعصائب .. الخلفيات والتفاصيل


المزيد.....




- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...
- إعلام سوري: سماع دوي انفجارات في سماء مدينة حلب
- البنتاغون: لم نقدم لإسرائيل جميع الأسلحة التي طلبتها


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - المنهجية التاريخية ودراسة ظاهرة العنف في العراق / ج6