أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مجابهة الأصولية الإسلامية















المزيد.....

مجابهة الأصولية الإسلامية


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 3709 - 2012 / 4 / 26 - 09:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


وقف الراحل الجليل خليل عبد الكريم موقفــًا شامخًا فى مواجهة الأصوليين الإسلاميين الذين يستهدفون اعتقال عقل ووجدان شعبنا ، وذلك بتقييدنا بسلاسل عصورالظلمات . والجماعات الإسلامية فى سبيل تحقيق هدفها ارتكبتْ أبشع الجرائم : فهى لم تكتف بتكفيرالمسيحيين وإهدار دمائهم وسلب ممتلكاتهم ، وإنما شملتْ جرائمهم تكفيرالمسلمين أيضًا : اغتيال فضيلة د. محمد حسين الذهبى وزيرالأوقاف الأسبق ، اغتيال رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق ، اغتيال السادات ، ود. فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ .
فى مواجهة هذا المد الأصولى كان الراحل الجليل شديد الوضوح وهويتناول كتابات ومواقف الأصوليين ، ولم يرتكب إثم مهادنتهم أومغازلتهم كما فعل كثيرون ، ولذلك كان هدفــًا لهجوم الأصوليين عليه ، أحيانـًا بمصادرة كتبه وأحيانـًا بتكفيره توطئة لإهداردمه. ورغم كل المعاناة النفسية التى عاناها وهويتلقى الهجوم إثرالهجوم ، ظلّ ثابتــًا على آرائه ومبادئه ، كأنما الهجوم على شخصه وعلى كتاباته يمده بالمزيد من الشجاعة ، فإذا به يزداد صلابة ويواصل مسيرة البحث والعطاء من أجل مصرالتى يحلم بها ، مصرالعصرية وليست الدولة الدينية التى يحلم بها الأصوليون . ورغم أنّ تخصصه فى التاريخ العربى / الإسلامى ، إلاّ أنّ خط ترسيخ قواعد الدولة العصرية يبدوجليًا فى كل كتاباته ، سواء المقالات المنشورة فى الصحف والمجلات أوفى كل كتبه التى أثارت الأصوليين الذين عجزوا عن الرد عليه بذات الأسلوب العلمى الذى كان أ. خليل يُلزم نفسه به. وهوأمريلمسه القارىء بكل سهولة بالإطلاع على قائمة المراجع التراثية فى نهاية كل بحث ، وهوالأمرالذى أدى إلى إعادة طبع كتبه عدة مرات . وأعتقد أنّ أول كتاب أثارعداء الأصوليين له كان كتابه (الجذورالتاريخية للشريعة الإسلامية) الصادرعام 90عن دارسينا للنشر وأثبتْ فيه العنصرية العرقية فى التاريخ العربى الإسلامى من خلال نص حديث منسوب للنبى محمد قال فيه ((لاتكون العرب كفؤا لقريش والموالى لايكونون كفؤا للعرب)) نقلا عن شمس الدين السرخسى أحد أئمة الفقه الحنفى (ص16)
فى دراسة بعنوان (خيارالقوة المسلحة لدى الجماعات الإسلامية كتب أ. خليل ((فى مصر والجزائروتونس والأردن واليمن والسعودية (الجهيمان) تسعى الحركات الأصولية الإسلامية إلى إقامة دولتهم بقوة السلاح)) (1) وإذا كانت الثقافة السائدة البائسة فى مصرتـُنادى بالحوارمع الأصوليين فإنّ أ. خليل رأى أنّ دعوة الحوارلابد أنْ تنتهى إلى طريق مسدود ، ذلك أنه إذا كان الأصوليون يرون أنّ الدولة الإسلامية يجب أنْ ((تتأسّس على دوى المدافع وجماجم الشهداء)) وإذا كان دعاة الحواريرون أنّ الدعوة إلى سبيل الله تكون بالحسنى ، فإنّ المشكلة تكمن فى أنّ الفريقيْن يستندان إلى مرجعية واحدة ، أى إلى ((نصوص مقدسة قاطعة صريحة لا لبس فيها)) فإذا كان المنادون بضروة الحواريُخاطبون الأصوليين بآية ((لكم دينكم ولى دين)) المكية و((أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن)) المكية و((ولاتجادلوا أهل الكتاب إلاّبالتى هى أحسن)) المكية ، فإنّ الأصوليين يردون بآية ((إنّ الدين عند الله الإسلام)) المدنية. و((ومن يبتغ غيرالإسلام دينًا فلن يقبل منه وهوفى الآخرة من الخاسرين)) (آل عمران / 85) و((اقتلوهم حيث ثقفتموهم)) (أى وجدتموهم) (البقرة /191) المدنية. و((فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد)) (التوبة /5) المدنية وهى المعروفة بآية السيف التى ((يرى كثيرمن ثقاة مفسرى القرآن أنها جبّتْ آيات المسالمة والصفح والعفو، وأنّ القتل يتعيّن أنْ يلحق حتى بمن وقع أسيرًا فى أيدى المسلمين ، والشق الأخيرطبّقه محمد بن عبدالوهاب إمام الحركة الوهابية فى الجزيرة العربية فى القرن 18 فكان يأمربقتل الأسرى حتى ولوكانوا مسلمين ماداموا لم يُتابعوه على رأيه. وعمومًا فإنّ هذا التفسيرلآية السيف هوالذى تتبناه الجماعات الأصولية الإسلامية فى مصروالجزائرعلى وجه الخصوص))
أما فى مواجهة اليهود والمسيحيين فإنّ الأصوليين يتمسكون بتطبيق آية ((ولاتؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم)) (آل عمران / 73) المدنية. و((قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولاباليوم الآخرولايُحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولايدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)) (التوبة / 29) المدنية. وأنّ الذى ((يقرأ إصدارات الجماعات الإسلامية فى مصر يتأكد أنها ترى أنّ قتال أهل الكتاب الذى ورد بهذه الآية أمرإلهى ماضٍ إلى يوم القيامة ولم يرد ما ينسخه. ومن ثم يتعيّن على المسلمين إنفاذه ولايكفوا عنه إلاّفى حالتيْن : (أ) أنْ يعتنق المسيحيون واليهود الإسلام (ب) أويُعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون . وإزاء تمسك الأصوليين بهذه الآية فإنهم ((يرفضون بشدة التأويلات التى يعمد إليها بعض المستنيرين من الإسلاميين للتخفيف من صرامة الآية ويعتبرون ذلك تخاذلا بل كفرًا لأنه حكم بغيرما أنزل الله)) وإذن فإنّ خطاب النصوص المقدسة تغيّرتمامًا ((فهوفى حالة الاستضعاف شىء وفى حالة الاستقواء شىء آخر))
وهكذا يكون طريق الحوارمع الأصوليين مسدودًا ، خاصة وأنهم يتمسكون أيضًا بسيرة الرسول فى إغتيال الخصوم مثلما حدث مع ((مقتل كعب بن الأشرف وأبى رافع سلام بن أبى الحقيق اليهودييْن بأمرمباشرمن الرسول محمد)) لذا فإنّ ((خيارالقوة المسلحة الذى تنتهجه الجماعات الإسلامية له تاريخيته وسنده من النصوص المقدسة. وهذا فى مذهبنا ما يجب التسليم به حتى يمكن فهم هذه الجماعات الفهم الأمثل))
وفى دراسة أخرى بعنوان (جذورالعنف لدى الجماعات السياسية الإسلامية- مثل من جماعة الإخوان المسلمين) (2) رصد أ. خليل جذورالعنف لدى الأصوليين المعاصرين من خطاب المرشد الأول لجماعة الإخوان المسلمين (حسن البنا) الذى قال يُخاطب أعضاء الجماعة ((فى الوقت الذى يكون فيه منكم معشرالإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة جُهزتْ بالتدريب والرياضة، فى هذا الوقت طالبونى بأنْ أخوض بكم لجج البحاروأقتحم عنان السماء وأغزو بكم كل عنيد جبار)) لذلك ((لم يكن من باب المصادفة أنْ يحمل شعارالإخوان المسلمين سيفيْن حول المصحف ، فهم المصحف ومن عداهم سيفان : الذى على اليمين لمخالفيهم من المسلمين ممن لايعتنقون أفكارهم ، والسيف الآخر(الذى على الشمال) لغيرالمسلمين ، وهذه هى المهمة التى قام بها النظام الخاص المشهورإعلاميًا ب (الجهازالسرى) كما تنطق بذلك صفحات حزينة من تاريخ مصرالحديث ، ثم أكملت المسيرة الدامية الجماعات الحديثة لأنها تعتنق الفكرذاته وتؤمن من أعماق نفوسها ب (الاصطفائية) و (تملك الحقيقة المطلقة) والثمرة لهذه الجذورهى العنف))
وفى تحليله لكتابات سيد قطب وأثرهذه الكتابات على الأجيال الجديدة من الأصوليين كتب أ. خليل ((يُعتبرسيد قطب مرجعًا مباشرًا للجماعات الأصولية)) وعلى سبيل المثال فإنّ موقف سيد قطب من المرأة يكشف توجهات تلك الجماعات فى هذه الخصوصية ، فهوفى تفسيره لآية (وقرن فى بيوتكن) فى كتابه (فى ظلال القرآن) كتب ((هى إيماءة لطيفة أنْ يكون البيت هوالأصل فى حياتهن وهوالمقر، وماعداه استثناءً طارئا)) وإذا كان سيد قطب يرى أنّ ((النساء على عهد الرسول كنّ يخرجن للصلاة غيرممنوعات شرعًا)) والسبب أنّ ذلك كان فى زمن ((فيه عفة وفيه تقوى)) (3) فإنّ أ. خليل كتب ((أما الزعم بأن النساء كان يُسمح لهن فى عهد الرسول بالخروج للصلاة ((لأنه كان زمان فيه عفة وتقوى ، فينضوى على قصورمُتعمّد يبلغ حد التدليس ، ولاينكرأحد وجود التقوى والعفة فيه ، ولكن بجانبها كان هناك زنا وقائعه مبثوثة فى كتب السيرة النبوية ودواوين السنة الصحاح والمسانيد وموسوعات الفقه. وكان فيه تخنث ومخنثون (هيت) بل إنّ بعض الرجال كانوا يتلصّصون النظرإلى النساء داخل المسجد وهم يُصلون خلف الرسول ، كما روى ابن عباس الذى قال " كانت تصلى خلف رسول الله امرأة حسناء ، وكان بعض الناس يستقدم فى الصف الأول حتى لايراها ، ويستأخربعضهم حتى يكون فى الصف المؤخر، فإذا ركع نظرمن تحت إبطه فأنزل الله تعالى ((ولقد علمنا المُستقدمين منكم ولقد علمنا المُستأخرين)) وهذا الحديث أورده الحاكم فى المستدرك وقال هذا حديث صحيح الاسناد . أما البيهقى فى (السنن الصغرى) فقد أورد حديثا بروايتيْن عن امرأة أغتصبتْ فى عهد الرسول وهى فى طريقها لأداء صلاة الفجر، بل إنّ صحابيًا شرع فى اغتصاب زوجة أخ له فى الإسلام خرج مجاهدًا فى إحدى الغزوات وكان قد إئتمنه عليها ، ويرى علماء أسباب النزول أنها علة الآية ((والذين إذا فعلوا فاحشة))
وفى كشفه لمرجعية الأصوليين المعاصرين فإنّ أ. خليل رأى أنه إذا كان سيد قطب هوالمرجع القريب للإسلاميين الأصوليين فإنّ شيخ الإسلام ابن تيميه هوالمصدرالأصيل لديهم ، الذى رأى أنّ موجبات عقد الزواج أنه يُعطى الزوج حق المُلك والحبس على زوجته. كما قارن بين الزوجة والعبد المملوك ورأى أنهما سواء لافرق بينهما ، وعند حديثه عن النفقة قال ((ففى الزوجة والمملوك أمره واحد)) وفى نبش الأصوليين فى تراث التخلف فإنهم يعثرون على أصولى آخر هوابن القيم الجوزيه الذى هو((واحد من المرجعيات التى تجد قبولا بالغًا لدى الأصوليين)) وأنه نظرللمرأة على أنها موضوع للفراش وليستْ إنسانة. كما قدّم وصفا تفصيليًا لكل الأبعاد الحسية لنساء الجنة. أما الأوصاف المعنوية فإنهن : الغنجات ، المغنوجات إلخ (4) امتلك أ. خليل شجاعة الكتابة بأنّ خطاب الأصوليين عن المرأة مستمد من النصوص . وكان يعى خصوصية الثقافة القومية المصرية ، إذْ أنه فى كتابه (العرب والمرأة) وبعد أنْ أثبت الوضع المُزرى للمرأة فى التراث العربى ، عقد مقارنة بينها وبين المرأة فى تراث الحضارة المصرية. ورأى أنّ السبب الذى ميّزبين الوضع الإنسانى للمرأة المصرية والوضع المُتدنى للمرأة العربية هو((بكل بساطة الفرق بين الحضارة ، بل أعرق حضارة عرفها التاريخ وبين البداوة)) (5)
وإذا كانت الديموقراطية (إحدى آليات الليبرالية) تعنى تداول سلطة الحكم من خلال حق الشعوب فى الانتخاب الحرالمباشر، وإذا كان الأصوليون يُعادون هذه الآلية الليبرالية ، وبالتالى يُعادون قيم الحداثة التى انتزعتها الشعوب عبرآلاف السنين وعبرآلاف التضحيات ، فإنّ أ. خليل له موقف واضح بالنسبة للديموقراطية فكتب ((ليس صحيحًا ما يدّعيه بعضهم من أنّ الشورى هى (الطبعة العربية أوالإسلامية) للديموقراطية. ذلك أنّ الاختلاف الجذرى بين كنه وطبيعة النظاميْن يؤكد لنا أنه إدعاء فاسد . وكذلك القول أنّ الديموقراطية هى الوسيلة العصرية للشورى، فهذا خلط للأوراق وتمييع للمفاهيم وهدم لحدود التعريفات)) فالشورى نظام يقتصرعلى أخذ رأى (الملأ) أى النخبة. أما الجماهيرفلا حساب لها ولاقيمة. فى حين أنّ الديموقراطية نظام يرتكزعلى ((رأى القاعدة الشعبية لاعلى (الإيليت) أوالنخبة أومجلس الشورى . فالديموقراطية تعنى حكم الشعب بالشعب لصالح الشعب . أما نظام حكم الشورى العربى فهوشىء مختلف ، يتأسّس على استبعاد رأى الجماهيرالشعبية ، سواء فى اختيارنظام الحكم أوفى اختيارمن يتولون الحكم. وليس مصادفة أننا لم نقرأ فى كتب التاريخ الإسلامى أنّ خليفة أوواليًا تم تنصيبه عن طريق الانتخاب الحرالمباشرالذى شاركتْ فيه جماهيرالمسلمين ، ولم نسمع أنّ خليفة راشدًا أوغيرراشد استشار الجماهيرأوحتى التفت إليهم أوشعربوجودهم)) وبالتالى فإنّ البيعة ليستْ انتخابًا بأية صورة من الصور. أما الديموقراطية فإنها تقوم على ركيزتيْن : (1) الاعتماد على رأى الشعب لا النخبة أو مجلس الشورى (2) إلزام الحاكم بما ينتهى إليه رأى الجماهير. وكتب عن ((سبب أخيريُدعّم دعوتنا إلى إقالة الشورى وإحلال الديموقراطية محلها : وهوالطغيان السياسى من قِبل غالبية حكام العرب والمسلمين وبطاناتهم المُتعددة الأشكال)) وأنّ التمسك بالشورى ((يُساعد على تجذير الطغيان السياسى وتكريسه واستشرائه وإضفاء سند شرعى عليه)) ولذا فليس من باب المصادفة ((أنّ عددًا من الأنظمة الحاكمة حكمًا استبداديًا تشجع على عودة الشورى وشنْ الحملات الضارية على الديموقراطية ونعتها بأشنع الأوصاف . وهذا ما تفعله وبذات الحماس الجماعات الفاشية التى ترفع شعارات دينية لإخفاء أهدافها السياسية الدنيوية)) (6)
وإذا كان الأصوليون يُروّجون لمقولات تؤدى لمزيد من التخلف مثل الزعم بأنّ النصوص المقدسة سبقتْ وتنبّأتْ بكل ما جاءت به العلوم الطبيعية العصرية فإنّ أ. خليل امتلك شجاعة الرد عليهم فكتب ((لم يحدث – ولومرة وحيدة- أنْ خرجوا علينا بنظرية علمية استقوها من النصوص وهذا أمربديهى لعدة أسباب منها أنّ هذه النصوص ليس من وظيفتها إفرازنظريات علمية. كما أنّ البيئة التى ظهرتْ فيها لم تكن مهيأة لظهورنظريات علمية فى زمانها ، فما بالك بعد مضى نيف وعشرة قرون . وأخيرًا فإنّ النظريات العلمية إنما تجيىء نتيجة للتجريب والملاحظة ولاتُمطرها السماء عن طريق النصوص)) كما تصدى للأصوليين الذين ((ما إنْ سمعوا بمسألة حقوق الإنسان حتى بادروا إلى الزعم بأنّ النصوص المقدسة نادتْ بها قبل أنْ يُعلنها الفرنجة بأكثرمن عشرة قرون ، وعلى ذلك فقد طلعوا علينا بما أطلقوا عليه (الإعلان الإسلامى العالمى لحقوق الإنسان) عام 81بهيئة اليونسكونتيجة لإلحاح من المجلس الإسلامى وارتكزهذا الإعلان على آيات من القرآن وأحاديث نبوية)) ورأى أ. خليل أنّ ((الإعلان الإسلامى العالمى لحقوق الإنسان يفتقرإلى بُعديْن أساسييْن : الأول هوالبُعد البشرى ، حيث أنّ حقوق الإنسان انتزعها البشر بنضالاتهم انتزاعًا وبتضحياتهم ودمائهم وأنها ليست منحة إلهية أوعطية نبوية أوهبة خليفية. وأنّ تلك الحقوق لوجاءتْ من أى سلطة فوقية فإنه من اليسيرإنتزاعها ، لأنّ من وهب شيئًا يستطيع أنْ يرجع فى هبته. والثانى هوالبُعد التاريخى ، وهذا البُعد بدوره ينضوى على عنصريْن : الأول هو التراكمات التاريخية ، أى خبرة الشعوب فى صراعها ضد الطواغيت الحاكمة. والثانى هوالاختلاف فى المضمون من حقبة إلى أخرى وأنّ حقوق الإنسان لوكانت مرجعيتها النصوص المقدسة فإنها بهذه الحالة تتسم بالاستاتيكية والثبات وعدم التغيير، لأنّ هذه المرجعية لايجوز تخطيها أومجاوزتها لقداستها المطلقة ، فى حين أنّ الطبيعة البشرية لتلك الحقوق تُعطيها ديناميكية وقدرة على الحركة، حيث أنّ التاريخ البشرى أثبت أنّ حقوق الإنسان منذ قرنين – ولا نقول من عشرة قرون أوأكثر- تختلف عن حقوقه فى الوقت الحاضر، وهى بالقطع سوف تختلف عن حقوقه بعد قرون)) وفى سبيل تدعيم وجهة نظره وهويُقدّم قراءة نقدية لتوجهات الأصوليين الذين ((فى غمرة حماسهم الفجة للإسلام ومحاولة إظهاره فى كل ميدان ، أذاعوا الإعلان الإسلامى لحقوق الإنسان وأرجعوه للنصوص المقدسة. ولوأنهم أرجعوه إلى نضالات المسلمين والعرب التى خاضوها خلال الثورات التى رفعتْ لواءها الفرق المُتباينة : الخوارج ، الشيعة ، المعتزلة ، القرامطة والزنج ، والثورات الشعبية فى مصرومنها الثورة العارمة التى انفجرتْ فى عهد المأمون (ثورة البشموريين) والذى حضرمن بغداد عاصمة خلافته ونجح فى إخمادها بوحشية ودموية ، لوفعلوا ذلك لكان لإعلانهم ذاك مصداقية)) (7)
***
فى عام 1997 روّج الأصوليون لفكرة إقامة احتفال بمناسبة مرور14قرنا على الغزوالعربى لمصر. وردّدتْ الثقافة السائدة البائسة فى مصرهذه الدعوة ورحّبتْ بها ، إلاّ أنّ أ. خليل كان له رأى مغايرتمامًا فكتب مقالاوضع له عنوان (نعم للاحتفال بدخول الإسلام مصر.. ولا للاحتفال بالغزوالعربى) (8) فى هذا المقال فرّق أ. خليل بين الإسلام كديانة وبين الغزوالاستيطانى الاستنزافى الذى قام به العرب ، حيث أنّ الدعوة للدين لاتستدعى ((تجييش الجيوش)) وأنّ الفتوحات التى تمتْ ((لم تستهدف نشرالإسلام أبدًا . لقد كان الهم الأكبروالأوحد لأصحابها هو قضم ثروات البلاد الموطوءة وهبشها ونقلها إلى موطنه الشــّرق وأسررجالها ليصيروا عبيدًا وخولا لهم وسبى نسائها الوضيئات وشاباتها الحسناوات ليُمتعوا بهن أنفسهم وفرض الضرائب المتنوعة على أهلها ليعيشوا هم سادة مُنعّمين على حساب عرق العلوج ، والعلوج هوالاسم الذى كانوا يُسمون به أهالى البلاد المفتوحة)) وإذا كان هناك من يتشكك فى هذه الوقائع التاريخية فإنّ أ. خليل سدّ علهم باب الشك قائلا إنه اعتمد على ((أمهات كتب التاريخ العربى / الإسلامى التى تلقتها أمة لا إله إلاّ الله بالتجلة والقبول وفى مقدمتها مؤلفات : الطبرى ، ابن كثير، البلاذرى ، المسعودى ، الواقدى ، ابن قتيبه الدينورى ، أبوحنيفة الدينورى ، الكلاعى وغيرهم وغيرهم))
وبعد أنْ وجّه النقد إلى المؤرخين المُحدثين وإلى الأكاديميين من حملة درجة الدكتوراه لإفتقادهم إلى الأمانة العلمية كتب ((نخلص من ذلك إلى أننا نقول بملء أفواهنا : نعم للاحتفال باعتناق أهل مصرللإسلام ، ولكن كلا ومليون كلا للاحتفال بالغزوالعربى الاستيطانى الاستنزافى)) الثقافة السائدة البائسة فى مصرتتجاهل هذا المفكرالكبير، ولم تفكرأية جهة رسمية فى إعادة طبع كتبه كما تفعل مع الأقل منه شأنا . إنّ إعادة طبع مؤلفاته بأسعارشعبية ، نوع من الوفاء لرسالته فى حتمية مجابهة الأصوليين الإسلاميين الذين يستهدفون جرمصرإلى عصور الظلمات .
المصادر:
1 – نـُشرتْ هذه الدراسة فى مجلة قضايا فكرية عدد أكتوبر93وأعاد نشرها فى كتابه (الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية) دارسينا للنشرعام 95 من ص 47- 57)
2 – الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية- مصدر سابق من ص 23- 44.
3 – سيد قطب (فى ظلال القرآن) نقلا عن أ. خليل – مصدرسابق – ص 225.
4 – خليل عبدالكريم – مصدرسابق – ص 233.
5 – خليل عبدالكريم (العرب والمرأة) دارالانتشارالعربى وسينا للنشرعام 98ص229، 230.
6 – الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية- مصدرسابق من ص 91- 93.
7 – المصدرالسابق وكذلك كتابه (الجذورالتاريخية للشريعة الإسلامية) سينا للنشرعام 90من
ص 122- 129.
8 – مجلة اليسار- أكتوبر97.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التقويم المصرى
- الحضارة المصرية : صراع الأسطورة والتاريخ
- السوداء والمشمية - قصة للأطفال
- الشخصية اليهودية والروح العدوانية
- ثروت عكاشة : دراما العلاقة بين الثقافة والسياسة
- الجذور التاريخية لمأساة الشعب الفلسطينى
- درس من خبرة الحركة الوطنية
- صياغة التعصب الدينى بالإبداع
- دستور وطنى دائم أم شخص الرئيس
- شواطىء العدل والحرية عند رمسيس لبيب
- السفر الأخير - قصة قصيرة
- مجابهة التخلف الحضارى
- الإبداع بين الدراما والسياسة
- أوديسا التعددية الثقافية
- مباراة عصرية فى شد الحبل بين الحرية والدكتاتورية
- دستور سنة 23 وموقف الليبراليين المصريين
- قصة (بعد صلاة الجمعة) والفكر الأصولى
- إبراهيم أصلان والكتابة بلغة فن الهمس
- محجوب عمر والترانسفير الصهيونى
- نداء الحرية فى مواجهة بطش العسكر


المزيد.....




- دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مجابهة الأصولية الإسلامية