أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - اليهودية – الصهيونية في روسيا















المزيد.....



اليهودية – الصهيونية في روسيا


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1089 - 2005 / 1 / 25 - 12:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ظهرت "المسألة اليهودية" في روسيا مع أول ظهور اقتصادي لليهود، بعد أن أقامت روسيا في بداية تكونها كدولة وازدهارها في القرن الحادي عشر. حيث أخذت بتوسيع علاقاتها التجارية ببيزنطة، التي اشترك اليهود في بعض معاملاتها التجارية. حينذاك ظهرت أولى التجمعات اليهودية في العاصمة كييف. وفي نفس القرن سجلت أولى الهجمات الشعبية على اليهود، التي حدثت في عام 1069. الا ان وجودهم التاريخي في روسيا بالمعنى السياسي والاجتماعي والقومي قد اخذ بالبروز ومنذ نهاية القرن الثامن عشرا. ومع صعود الكسندر الأول إلى سدة الحكم وما تميز به من سلوك "ليبرالي" بما في ذلك سماحه للحركات الماسونية بالعمل رسميا عام 1804. وقبل ذلك بعام بدأ بإجراء بعض الإصلاحات بتحسين حال اليهود في روسيا، إذ سمح لهم في عام 1804 بالتعلم والدراسة. واستمرت فاعلية هذه الإصلاحات والقوانين حتى عام 1887، عندما صدر قرار قيصري بإدخال ما يسمى "بقانون النسبة" في قبول مختلف الأقوام والشعوب للدراسة في المدارس والجامعات بما يتناسب مع عدد السكان. وهو قرار حاول إصلاح الحيف الذي اخذ يلحق بالروس وغيرهم من شعوب روسيا الأصليين فيما يتعلق بدخولهم المدارس والجامعات. فقد كان الأغلبية الروسية من أصول فلاحية، لا تمتلك القدرة المالية والاجتماعية (بسبب نظام القنانة) على إرسال أبنائها للدراسة. على عكس اليهود القلة، ولكن المتمكنين ماديا بفعل مزاولتهم التجارة. فقد بلغت نسبة الدارسين من بين اليهود حتى عام 1887 حوالي 10% ضمن "نطاق الإقامة" و5% خارج "نطاق الإقامة" وحوالي 3% في مدينتي بطرسبورغ وموسكو.
***
وفي الاطار العام يمكن القول بان "المسألة اليهودية" في روسيا قد تبلورت تدريجيا عبر مرورها وتأثرها بعوامل عديدة ارتبط اغلبها بمساعي وخصوصية القيصرية الروسية ومساعيها الإمبراطورية للتوسع الخارجي الذي لم "يكتمل" في الواقع حتى عند بدء الحرب الإمبريالية الأولى عام 1914. بهذا المعنى كانت "المسالة اليهودية" في روسيا جزءا ونتاجا لسياسة التوسع الكولونيالية. فقد كانت روسيا القيصرية قبل احتلال بولندة لا تحتوي إلا على عدد قليل من اليهود. وبعد ضم الأجزاء الشرقية منها على اثر مقررات مؤتمر فينا عام 1815، اصبح اليهود بين ليلة وضحاها يشكلون عددا لا يستهان به في الإمبراطورية الروسية من جهة، ونسبة لا يستهان بها فيما سيحتلونه لاحقا ضمن منطقة "نطاق الإقامة" من جهة أخرى، أي في المناطق الغربية – الجنوبية التي تداخلت فيها الكثير من المناطق المهمة والمدن الكبرى لكل من أوكرانيا وبيلوروسيا ومنطقة البلطيق وبالأخص ليتوانيا. وبهذا تكون روسيا قد واجهت للمرة الأولى، وان بصورة كامنة ما كان يحذر منه أمراء روسيا القدماء وما حاول ايفان الرهيب وضع حد له قبل قرنين من احتلال بولندة.
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار تعقيدات ومآسي التاريخ البولندي، وبالأخص ما يتعلق منه بالمحاولات العديدة لبناء إمبراطورية فاشلة، أو توحيد أراضيها على أسس القومية البولندية، ثم تجزئتها بين مثلث الإمبراطوريات الروسية والألمانية والنمساوية – الهنغارية، ستتضح عقدة الخيوط القومية والاجتماعية المتهرئة التي حاولت روسيا استعمالها في مغزلها الجديد. والقضية هنا ليست فقط في أن روسيا لم تهضم حتى زمن احتلالها للأراضي البولندية أراضيها الشاسعة التي بلغت حينذاك حوالي تسعة أعشار مساحة العالم، بقومياتها وشعوبها وأديانها وثقافاتها المتنوعة، بل ولأن لبولندة القرن التاسع عشر مذاقها أو بصورة أدق مرارتها الخاصة.
فقد جرى ضم بولندة للدولة الروسية في وقت تميز فيه الروح القومي الروسي بصعوده الكبير بعد طرد القوات الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت عام 1812. ثم دحره عام 1814. وعندما جرى تقسيم بولندة بين المثلث القاري الأوربي، فان روسيا شكلت ضلعه الأكبر. ودخلت الدولة الروسية بدون إرادة منها الأراضي المتاخمة لحدودها التي كانت مسكونة بأغلبية يهودية. وبذلك تكون روسيا قد جمعت بعد انتصاراتها الكبيرة في الغرب على أراض احتوت أساسا على شتات اليهود وتقاليد الغيتو.
ان انتقال اليهود من بولندة إلى روسيا يعني من الناحية الرمزية، انتقال أحد أسباب الخراب والدمار إلى روسيا. فتقاليد الربا و"دولة داخل دولة"، أي الطفيلية والانغلاق بوصفهما الوجهين الملازمين للشتات والغيتو جرى نقلهما إلى "نطاق الإقامة" الروسية. ولم يعق "نطاق الإقامة" ولا المضايقات الجزئية التي قامت بها السلطات الروسية في سنوات معدودة من القرن التاسع عشر، على تزايد عدد اليهود. فقد ازداد عددهم في مجرى قرن من الزمن حوالي خمس مرات، حيث بلغ عام 1915(بعد قرن على إلحاق بولندة بروسيا عام 1815) حوالي خمسة 5،5 مليون فرد. وهي اكبر نسبة للزيادة بين سكان القيصرية الروسية آنذاك. وبهذا تكون روسيا قد احتوت عند تخوم القرنين التاسع عشر – العشرين على اكبر تجمع يهودي في أوربا.
بهذا تكون روسيا قد احتلت الموقع الأول بين الدول الأوربية بالنسبة لعدد اليهود، ومن ثم الميدان الأكبر لإمكانية تأثيرهم السياسي. وقد جعل ذلك من روسيا مركزا للحياة اليهودية بمختلف أنواعها (الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية)، كما جعل من اليهود قوة كامنة تفجرت بعد الانقلاب البلشفي عام 1917، بحيث تحولت إلى قوة سائدة ومالكة، بعد أن كانوا قوما لا قيمة لهم ولا أثر بالنسبة لإبداع وحقائق التاريخ الروسي. وترتب على ذلك إمكانية فرضهم لنمط تفكيرهم وحياتهم عبر تفريغ شحنة الثأر التاريخي "بدون سرقة الأموال" و"كسب الغنائم" كما فعلوها مرة في أهل فارس بعد توصيلهم استير إلى سدة الحكم. وقد كانت استير"هم" هذه المرة في روسيا تتحول تدريجيا في مجرى القرن التاسع عشر من امرأة تباع إلى سيدة تحكم. وهي حالة سبق وان وصفها دوستويفسكي بعبارة إن كل واحد من اليهود هو يشوع بن نون ومردخاي واستير، أي في كل واحد منهم توجد عناصر الانتقام الدموي والمؤامرة والإغواء. وشارك اغلب كتاب روسيا وأدباءها ومؤرخيها العظام هذا التصور وأحكامه الدفينة. لهذا نرى كوبرين يقول، بان اليهود قد حولوا شبه جزيرة القرم إلى مقحبة، والتهموا بولندة، وخربوا فنلندة وأقاموا مذابح في الشرق الأقصى. وان سلوكهم في كل مكان حلوا فيه مثل سلوك الحلاق الذي يبول في زاوية المحل الذي هو مكان رزقه، لأنه سوف يرحل عنه غدا. وذلك لان اليهود رحل لا علاقة لهم بالمكان الذي يقومون فيه، كما انهم كارهون حتى النخاع لكل ما هو روسي.
***
لم تكن هذه الانطباعات الوجدانية لعظماء الأدب الروسي وليدة الصدفة أو وليدة مواقف شخصية أو نزوات عابرة بقدر ما أنها كانت الرحيق الأدبي لحدس الإفراز الواقعي لماهية اليهودية واليهود في روسيا. أي أنها كانت نتاج "انكسار" تقاليد الشتات والغيتو اليهودية في التاريخ الروسي بعد دخولهم فيه بأثر "الغنيمة البولندية". وقد جعل ذلك بعض المؤرخين الروس يقولون، بان ابتلاع بولندة أدى إلى إدخال ديدانها في أمعاء الإمبراطورية الروسية، والتي قضت عليها في وقت لاحق. وفيما لو نحينا جانبا هذه المقارنة، فان "ديدان" اليهودية أو طفيليتها التاريخية قد تجسدت بأرذل صورها في المصير التاريخي للدولة الروسية وتراثها القومي.
كما تشير جميع الدراسات الروسية المتعلقة بتاريخ اليهود في روسيا، إلى ترسخ سيطرة اليهود على امتداد القرن التاسع عشر في ميادين بيع المشروبات الكحولية والبيرة والحانات والسجائر، بحيث جعلوها في "نطاق الإقامة" حكرا لهم. وأدى ذلك تدريجيا إلى أن تتكون حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين شريحة من أصحاب الملايين تعد بالمئات من بين اليهود. ومنهم تكونت عائلات مالية مشهورة قبل الثورة. أما في ميدان التعليم فقد أحرز اليهود في مجرى القرن التاسع عشر نجاحا كبيرا. إذ استطاعوا التخفيف من انتشار الأمية والجهل والتخلف المنتشر بينهم. فقبل دخولهم الدولة الروسية لم توجد عندهم سوى المدارس الدينية التي لم تتعد معلوماتها تلقين الصغار بعض تعاليم اليهودية (التوراتية – التلمودية). أما اللغة الدارجة بينهم فهي الايدش. ورافق توسع إمكانياتهم المالية وازدياد المتعلمين بينهم من بين الأغنياء خصوصا إلى الانهماك في معاهد الاقتصاد والمالية والتجارة والحقوق والطب. وتشير الإحصائيات إلى أن اليهود يشكلون ثلث طلبة الحقوق والطب في جامعة خاركوف وجامعة نوفوراسيسك (أوديسا). والشيء نفسه يمكن قوله عن الصحافة ودور النشر.
أدرك اليهود أن امتلاك الصحافة يؤثر لدرجة كبيرة، بحيث يجعل من التخطيط السياسي المستتر أمرا معقولا ومقبولا بما في ذلك في اشد نماذجه همجية. فقد صرفت المنظمات اليهودية أموالا طائلة في قضية دريفوس، بما في ذلك تأسيس الجرائد الخاصة بها، والتي تلاشت مع انتهاء القضية لصالحهم. وشكلت قضية دريفوس الدرس البليغ الأول بما في ذلك في مجال "تجربة" شراء ذمم الكتاب والصحفيين والأدباء وزجهم في "الدفاع" المتحمس عن "القانون" و"العدالة" و"الإنسانية" ومعارضة "العداء للسامية" وما شابه ذلك من الشعارات. بينما كانت الأهداف النهائية مغايرة تماما. بمعنى الاستعمال الجزئي للشعارات الجيدة من خلال مطابقتها مع المصالح اليهودية.
أما في روسيا فقد تحولت الصحافة إلى الوسيلة الأكثر فعالية بالنسبة لنشاطهم السياسي، والأسلوب الأمثل للاندماج الصعب في الحياة الروسية، بحيث تحولت أحيانا إلى أسلوب للابتزاز ضد المعارضة والمؤيدين على السواء. ويشير كثير من المؤرخين إلى أن طغيان اليهود في الصحافة أدى إلى إفراغها من مضمونها الاجتماعي الحقيقي، بوصفها وسيلة التنوير الشامل وبناء القاعدة المتينة للدولة المتنورة والمجتمع المدني. إذ تحولت الصحافة بأيديهم إلى أشبه ما يكون بمفتاح يغلق ويفتح أبواب الرزق والشهرة للصحفيين والكتاب والأدباء والسياسيين أيضا.
وفي ظل هذه الحالة، اصبح النقاش والجدل، أو دراسة "الظاهرة اليهودية" و"المسألة اليهودية" في روسيا موضوعا خطرا قد يعرض صاحبه للابتزاز السياسي والإعلامي والمعنوي. بل أصبحت من الموضوعات شبه المحرمة على غير اليهود، والتي تحتاج إلى جرأة فردية وأدبية في التصدي لها. وهي حالة سبق وان صورها كوبرين في العقد الأول من القرن العشرين، عندما قال بان كثيرا من الروس يخضع لتأثير اليهود وضجيجهم الإعلامي، ويتأثر بهوسهم الفض. كما أن اليهود عودوا الروس على المسكرات. مما جعل منهم ناسا فظيعين وشنيعين وأقوياء، مثل ذباب الخيل القادر على قتل حصان. ولكن المثير في المسالة هو أننا نعي ذلك وندركه غير أننا لا نفعل اكثر من أن نهمس به بيننا ولا يتجرأ أي منا على الجهر به. إذ يستطيع كل فرد بيننا شتم القيصر والنيل من الإله، ولكنه يتهيب الاقتراب من اليهود!
وهي حالة سوف تتكشف أعماقها الفعلية ويبرز وجهها على حقيقته بعد الثورة البلشفية. حينذاك سوف تظهر وتتفجر الأحقاد الدفينة للنفس الغضبية اليهودية المتراكمة في عقد التاريخ الروسي. فالتاريخ الباطني "للمسالة اليهودية" هو التاريخ الظاهري لشتات اليهود وانعزالهم في المجتمعات التي سكنوا فيها. وهي مفارقة لها مذاق مر لا يمكن تحليته دون القضاء على العناصر العضوية لليهودية وكيانها العرقي المغلق. وذلك لان كل محاولة لجعل التاريخ اليهودي جزءا من "التاريخ العالمي" سوف تؤدي بالضرورة إلى احتدام شرارة لا يمكن إطفاؤها دون العنف. وهي حلقة مفرغة أثارت وتثير وسوف تثير على الدوام "المسالة اليهودية"، باعتبارها حالة مرضية. وهي حالة مترتبة على "الذهنية اليهودية"، التي وصفها أحد اليهود (ا.م. بيكرمان) يوما قائلا، بان اليهودي لا يعترف ولا يقر بحكم التاريخ. انه يضع نفسه حكما وقاضيا على التاريخ نفسه! وهو موقف متأت من عقد اليهودية العديدة، مثل عقدة النقص وعقدة التفوق. ومنها برزت المشتقات العديدة لتناقضات المشاعر.
***
أدت هذه الازدواجية الغريبة إلى تمرير "الشخصية اليهودية" عبر تاريخ الأمم بمختلف أنواع الرذيلة المتلونة في الأسماء والصور والألقاب والأديان، مع أن دينه الأوحد هو المال. فالربا والرب بالنسبة له واحد، والدَيْن والدين واحد. وهو سلوك أنهك الحوافز الجزئية المحتملة في إمكانية تحويل التاريخ اليهودي، بفعل احتكاكه بتاريخ الأمم، إلى الذوبان فيها أو السير معها. فعندما وقف دوستويفسكي أمام "المسألة اليهودية" في روسيا، فانه أكد على أن كراهية الروس لليهود مبنية لا على أساس ديني أو عرقي. فالروسي لا يكره اليهودي لأنه يهودي، مع انه يصعب الإعجاب به بتاتا. بل قد يشعر بالقرف أحيانا، ولكن ليس لأسباب عنصرية أو دينية، بل لأسباب نابعة من اليهودي نفسه. ولعل أهمها صفة الانعزال والانغلاق المتمثلة في كونه "دولة داخل دولة". مما جعل منه كيانا يتسم بالغربة والاغتراب في الدين والاجتماع والثقافة. وفي هذا يكمن سر اندفاعه لتحطيم وتخريب كل ما يقف أمام مساعيه الحثيثة لاستعباد الآخرين وذبحهم. ووضع دوستويفسكي هذه الصفات جميعا في مفهومه عن "الدولة داخل الدولة". وشأن كل دولة، فان لها قواعدها الداخلية. مما حدد بدوره نشاط اليهود في روسيا بوصفه فعلا يهدف إلى استعباد السكان الأصليين أو تقييدهم بقيود لا يمكنهم الفكاك منها.
نعثر في هذه الرؤية على حدس وجداني عميق بمستقبل روسيا ومصيرها في ظل السيطرة اليهودية. وهي رؤية حددها شعور الانتماء الحقيقي للكلّ الروسي، لا حجج السياسة وأدلتها المتقلبة بين أصابع العقل الماكر والفعل السافر للديماغوجية الشرسة. فقد مثلت آراء دوستويفسكي وأحكامه وتخيلاته حدس الرؤية الروسية القومية في مواجهة ما اسماه بممثلي "الدولة داخل الدولة"، أي ممثلي الشتات والغيتو. وهي رؤية تقاسمها الوعي القومي الروسي بمختلف ألوانه وأطيافه، على عكس ما هو عليه الحال بالنسبة للتيار اليساري بشكل عام والاشتراكي بشكل خاص. وهو خلاف نشأ في الأساس عن سيادة الأوهام "اليسارية" وخصوصيتها في روسيا القيصرية.
من حيث الجوهر لم يكن هذا الخلاف ضروريا من وجهة نظر الواجب، باعتباره الغاية النهائية لكل فعل يساري حق. طبعا في حالة فهم اليسار لنفسه، باعتباره ممثلا للمصالح الجوهرية للامة، والمدافع عنها بمعايير وقيم العدل والعقل والجمعية الإنسانية. بينما كان من الصعب بالنسبة لليسار الروسي آنذاك أن يسلك هذا السلوك، بسبب تهويد الفكرة اليسارية بشكل عام والاشتراكية بشكل خاص. فقد كانت الغلبة المطلقة للعنصر اليهودي في قيادات الأحزاب السياسية اليسارية الاشتراكية والثورية الكبرى في روسيا. فمن بين أعضاء اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي (البلاشفة) الأثني عشر كان هناك تسعة أعضاء. بينما كان جميع أعضاء اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الديمقراطي (المناشفة) الأحد عشر يهودا. ومن بين أعضاء اللجنة المركزية لحزب الاشتراكيين الثوريين (الجناح اليميني) الخمسة عشر، كان هناك ثلاثة عشر عضوا يهوديا. ومن بين أعضاء اللجنة المركزية لحزب الاشتراكيين الثوريين (الجناح اليساري) الأثني عشر، كان هناك عشرة أعضاء يهود. ومن بين أعضاء اللجنة المركزية الخمسة للفوضويين في موسكو كان هناك أربعة يهود. وفيما لو أبعدنا حزب البوند، بوصفه حزبا يهوديا قوميا خالصا في قيادته وقواعده، مع انه خرج من أحشاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي، يتبين انه من اصل 55 عضوا سياسيا قياديا في الحركات اليسارية والثورية الروسية كان هناك 47 يهوديا. بينما كان يمثل البقية الباقية من شعوب وقوميات روسيا القيصرية البالغ عددهم اكثر من مائة قومية وشعب مجرد 8 أعضاء فقط! أي شكل اليهود حوالي 6 مرات اكثر من ممثلي القوميات الأخرى مجتمعة في روسيا في الأجهزة القيادية للحركات السياسية اليسارية. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن نسبتهم إلى السكان لم تتجاوز آنذاك 2%، فان نسبتهم تكون قد تجاوزت عشرات المرات في التمثيل السياسي للمعارضة ضد القيصرية. وهي نسبة لم يكن بإمكانها أن تؤدي إلى صياغة واستتباب رؤية عقلانية معتدلة، لأنها بحد ذاتها خرق للاعتدال. إننا نرى في هذه النسبة ظاهرة اقل ما يقال فيها وعنها أنها غير طبيعية، وجدت انعكاسها "الطبيعي" في مختلف مظاهر الحركة الثورية والاشتراكية الروسية من راديكالية وفوضوية وتطرف وارهاب ايضا.
حقيقة أن ذلك لم يكن معزولا عن تخلف البنية السياسية للقيصرية وقمعها الشامل للحرية القومية والاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية. إلا أن مجرد سيطرة ممثلي "الأقوام الصغيرة" المتربية بتقاليد الشتات والانغلاق في قيادة الحركات السياسية كان لابد له أن يؤدي إلى التطرف والتخريب وإنهاك ماهية الثورة الحقيقية والاعتدال العقلاني. إذ أن مجرد نسبتهم الغالبة في قيادة الحركات السياسية الثورية والتي تراوحت ما بين 60% إلى 80% و100% في حزب البوند، كان لابد له من أن يصب ويقولب نفسية ورؤية اليهود المترعرعة في تقاليد الشتات والغيتو في نفسية ورؤية الحركات السياسية الثورية. وبالتالي جعل مستقبل روسيا جزءا من ماضي اليهود واليهودية. وهي نفسية ورؤية يمكن مشاهدة ملامحها الظاهرية في حوافز وغايات نشوء حزب البوند نفسه، باعتباره الممثل الكلاسيكي لليهود واليهودية في روسيا.
***
طبعا أن للأحداث التاريخية الجسام مقدماتها ونتائجها. ومن ثم منطقها الخاص بها. وبالتالي، فإن اشتراك اليهود الفعال في الحركات الثورية الروسية وثورة أكتوبر لعام 1917بالاخص، لم يكن نتاجا "للثورية اليهودية" كما لم يكن مصادفة، بقدر ما كان النتيجة الطبيعية والخاصة لواقع اليهود في العالم الروسي. إذ لم يكن أمام اليهودي سوى طريق الاندماج المباشر بالمجتمع الروسي (وهي عملية غاية في التعقيد) أو طريق الانخراط في سلك الثورية الراديكالية (وهي العملية التي كانت بحد ذاتها أيضا الأسلوب غير المباشر للاندماج في المجتمع أو الخروج من انعزالية الغيتو). وبغض النظر عن حوافز الطريقين الاجتماعي والثقافي المختلفة، إلا انهما أديا في حالات عديدة إلى نتائج درامية متشابهة. وإذا كان الطريق "المالي" و"الثوري" مفتوحا أمام اليهود فان الأخير (الثوري) كان الأكثر جاذبية للأغلبية. من هنا اشتراكهم الفعال في الحركات الثورية والراديكالية مثل (نارودنيا فوليا) وفي تأسيس الحلقات الماركسية الأولى وحزب (الاشتراكيين الثوريين) وكذلك فرقتي البلاشفة والمناشفة في الحركة الاشتراكية الديمقراطية الروسية التي احتلوا اغلب مراكزها القيادية. ففي (نارودنيا فوليا) كان من بين المشتركين في اغتيال القيصر الروسي عام 1881 غولدينبيرغ وديتش وزونديليفيتش وغولتمان وكلهم يهود. وليس مصادفة أن تبدأ في روسيا عام 1882 (في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال القيصر) أولى الهجمات الشعبية ضد اليهود (أو ما يسمى بالعرف واللغة الروسية "بالبغروم" كشكل من أشكال رد الفعل الجماهيري، الذي لم يتعارض مع سياسة السلطة.
لقد كان اشتراك اليهود في الحركات السياسية المعارضة للنظام على قدر من القوة جعل السلطات القيصرية تراقبها عن كثب. فمنذ سبعينيات القرن التاسع عشر اخذ اليهود بتسلم المواقع القيادية في الحركات الثورية، كما هو الحال بالنسبة لديتش وأكسلرود في حركة (تحرير العمل)، وأوتين في حزب الاشتراكيين الثوريين، الذي حكم عليه بالإعدام لنشاطه المناهض للقيصرية. حيث اضطر للهرب إلى الخارج والعمل مع ماركس وباكونين، ولكنه رجع إلى روسيا بعد طلبه العفو من السلطة، حيث اصبح تاجرا كبيرا. والشئ نفسه يمكن قوله عن دورهم في الحركة الماركسية الروسية كما هو الحال بالنسبة لكثافة وجودهم في حزبي الاشتراكية الديمقراطية الروسية (البلاشفة والمناشفة). وهي ظاهرة سجلها تيودور هرتسل نفسه في مذكراته بعد زيارته لروسيا من اجل الحصول على تأييدها لمشروعه الصهيوني. فقد حصل على تأييد جزئي استجاب لرغبة السلطة القيصرية بنزوح اليهود منها، ولكنه واجه في نفس الوقت انتقادا حادا من جانب الوزير الروسي فيته، الذي قال له، بان اليهود لا يتجاوزون الخمسة بالمائة من عدد سكان الدولة، بينما يقدمون اكثر من 50% من المعارضين للسلطة.
لم يكن انخراط اليهود في الحركة الثورية نتاجا "للثورية اليهودية"، بقدر ما كان شكلا من أشكال الانخراط في المجتمع واحتجاجا عليه في نفس الوقت، بفعل انحصارهم في الغيتو. وهي حالة متعددة المستويات من حيث فاعليتها وتأثيرها على النفس والمجتمع (الروسي). فقد كان الاحتجاج ضد السلطة أيضا احتجاجا ضد الغيتو ونموذجه الموسع في "نطاق الإقامة". إذ يفترض الخروج على السلطة والغيتو خروجا على النفس. وبما أن النفس اليهودية المتربية في تقاليد الغيتو لا تعرف نماذج اكثر إثارة من قيود اليهودية ونفسها الغضبية، لذا لم يتعد "خروجها" من حيث حوافزه وغاياته حدود التمرد وشعور المرارة اللذين لا يصنعان في افضل الأحوال اكثر من هراوة الانتقام وذهنية المؤامرة، اللتين بدورهما كانتا نتاجا لانغلاقهم الذاتي. "فجنون المطاردة" و"مذابح اليهود" ونفسية الانتقام المكبوتة يصنعون بالضرورة خيال المؤامرة، ويغذونها بكل الصور والأساليب الغريبة. ويجعلون من هذا الخيال المريض حلما واقعيا. وليس مصادفة أن يجعل اليهود منذ القدم المجزرة التي اقترفوها ضد الأبرياء من أهل فارس، والتي دونها (كتاب أستير) عيدا روحيا ودينيا ومعنويا. بينما لم تكن "بطولتهم" هذه سوى مذبحة محبوكة من ألفها إلى يائها بذهنية المؤامرة. وبهذا المعنى يمكن النظر إلى تركزهم في قيادة الحركات الثورية، بوصفها نموذجا كلاسيكيا لتقاليد العصبية والنخبة. فعادة ما تنظر "النخبة الثورية" إلى أحلامها كما لو أنها اصدق من اليقين، بينما تعتبر اجتهادها الخاص حقيقة مطلقة. وهو الأمر الذي يفسر دخولهم المبكر في حركة "تحرير العمل" التي كانت الحاضنة للحركات الثورية الماركسية في روسيا. ومنها خرجت الحركة الاشتراكية الديمقراطية الروسية بشقيها البلشفي والمنشفي، ومعها تشكلت حركة الاشتراكيين الثورين بجناحيها اليساري واليميني، ومنها أيضا خرج حزب البوند اليهودي. بل حتى حالما تشكلت الحركة اللبرالية الروسية في حزب الكاديت (الدستوريين الديمقراطيين)، الذي تولى قيادته في بادئ الأمر نخبة أرستقراطية روسية مثل بترونكيفتش وراديتشف والأمير شاخنوفسكي والأمير لفوف والأمير تروبتسكوي، فانه سرعان ما تغلغل اليهود فيه ليحتلوا بعد فترة وجيزة اغلب أجهزته العملية والنشطة مثل فينافير، زيلبير، اليوس، ماندلشتام وغيسين. ووجدت هذه الحالة انعكاسها أيضا في تمثيل اليهود للحركة الثورية الروسية في الخارج، بحيث لا نعثر في مؤسسات الأممية الثانية على روسي واحد. فقد كان جميع ممثلي الحركات الاشتراكية الديمقراطية الروسية في الخارج يهودا. ولم يكن نشاط اليهود السياسي مستقلا على الدوام عن تأثير الماسونية اليهودية التي ساهمت من خلال أموالها في توتير العلاقات الخارجية والداخلية لروسيا القيصرية. وفي تقديم الأموال لكثير من الحركات السياسية المناهضة للنظام.
***

لكن إذا كانت الثورات الكبرى هي نتاج تفاعل أسباب ومقدمات عديدة غاية في التعقيد فإنها تكشف أيضا عن حقيقة بسيطة قوامها واقع التأثير البالغ والحاسم أحيانا للأفكار والقيم والمفاهيم. ويمكن القول أيضا بان ثورة شباط الروسية لعام 1917 التي أطاحت بالقيصرية(السابقة لثورة أكتوبر بعدة اشهر) كانت نتاجا لنشاط الماسونية اليهودية سواء باشتراكها الفعال في القيادات السياسية للأحزاب أو من خلال مدها بالأموال. وإذا كانت هذه الحقيقة تنطبق في إطارها العام على كافة الحركات الراديكالية والثورية الروسية فان صيغ تجليها تباينت من حزب لآخر. ولم تخل الحركة البلشفية من تأثير الماسونية اليهودية رغم ضحالة الفكرة القائلة بماسونية البلاشفة. إلا أن التأثير الموضوعي ولحد ما غير الواعي للماسونية اليهودية في الحركة البلشفية واقع لا يمكن تجاهله حتى في مسار الأفق اللاحق للدولة السوفيتية. وإذا كانت البلشفية قد حطمت في وقت لاحق للثورة الهيئة العامة للماسونية كظاهرة فكرية ـ تنظيمية، فان فعالية تلك الهيئة تواصلت من خلال النشاط اليهودي في عصر الثورة البلشفية. وفي حين ساهمت الماسونية اليهودية في أعمال الثورة الروسية، فان الثورة (بما في ذلك البلشفية) جعلت روسيا منطقة نشاط هائل للماسونية ـ اليهودية، بعد أن ارتدت مسوح "ثورية". أما في الواقع، فان هذه الثورية لم تكن من حيث حوافزها وأساليبها سوى قوى تخريبية بسبب امتلائها بشحنة العداء للروس وروسيا وتراثها القومي الكبير.
فمن الناحية التاريخية لم تكن الثورة الروسية فعلا يهوديا، لأنه لا ثورية بالمعنى السليم للكلمة في التراث اليهودي. إذ لا يوجد في تراث اليهودية بعدا إنسانيا عاما، لان حد اليهودية هو نفسها فقط. لهذا جرى استغلال الثورة في روسيا، وكما حدث قبل ذلك في فرنسا عام 1789، بطريقة جعلت منها أسلوبا للتشفي والانتقام والاستحواذ. فقد استطاعت أوربا، على سبيل المثال تلافي وتحييد اثر اليهود واليهودية التخريبي في تقاليدها السياسية والثقافية بفعل تجذر وترسخ تقاليد الدولة والحقوق والمجتمع المدني وإبداعها الفكري – السياسي المستقل. أما في روسيا فقد اتخذت الحركة الثورية فيها، بسبب ضعف الدولة وضعف بنية الحقوق والعلاقات الاجتماعية إضافة إلى تعدد قومياتها وأعراقها وثقافاتها وأديانها، هيئة الحركة السرية الباطنية. مما أدى بها بالضرورة إلى أن تكون اكثر تدميرا وعنفا وتخريبا. وان تستجيب بالتالي لتقاليد ونفسية الشتات والغيتو. أي أن الظروف التاريخية المشوهة للثورة جعل من الممكن سيادة وغلبة اليهود واليهودية في الحركة الثورية الروسية.
فمن المعلوم تاريخيا، أن الحركة الثورية والديمقراطية الروسية الأولى جعلت من الحرية والأرض شعارها الأساسي. وقد كان ذلك يعني من الناحية الواقعية - الحرية للإنسان الروسي (تحرير الأقنان)، والأرض للفلاحين (المحررين). وهي حركة استقطبت بالضرورة الجماهير الروسية (الفلاحية) وغاب اليهود فيها لأنه لم يكن لهم وجود في الريف والقرى وفلاحة الأرض. وأدى ذلك بالضرورة إلى أن تكون قيادة الحركة السياسية ومفكريها ومادتها الفلاحية روسية الأصل والمنشأ والفعل. غير أن الأمر اختلف مع صعود الحركة الاشتراكية الديمقراطية، التي جعلت من البروليتاريا قوتها الطليعية والقائدة للمجتمع ككل. كما لم تكن أيديولوجيتها روسية من حيث اصلها واستجابتها للحركة التاريخية الفعلية لروسيا. فالماركسية الروسية لم تكن حركة وطنية وقومية روسية بالمعنى الدقيق والسليم للكلمة. بل شكلت من حيث قيمها المتسامية وشعاراتها الكبرى حجابا اختبأت وراءه كل نزعات الاحتجاج والمعارضة. وبما أن اليهود واليهودية هما نموذج التطرف والتعصب الديني والعرقي. لذا اصبح دخولهم "طبيعيا" وانسيابيا استجاب للحالة "الثورية" التي بلورتها تقاليد الماركسية الروسية بشكل عام وتياراتها الراديكالية بشكل خاص. أي تناغم روح الغلوّ، الذي جعل من الفكرة الاشتراكية غلافا للتعصب الفئوي الضيق، ومن مادتها "الطليعية" الجمهور الأكثر جهلا وتخلفا من الناحية الثقافية. وأدى امتزاج التخلف الثقافي "للطليعة الثورية" في روسيا مع تقاليد الثورية – الماركسية، التي تشبعت بعناصر الغلوّ والتعصب اليهودي بسبب غلبة العصر اليهودي في قياداتها، إلى صنع سبيكة "الثورية اليهودية". ولم تكن هذه "الثورية اليهودية" في الواقع سوى حركة تخريبية وإرهاب منظم، بسبب نفسية "المغضوب عليهم"، التي تجعل من الانتقام والتشفي الأسلوب الأكثر انتشارا و"معقولية" للسلوك الفردي والجماعي والحزبي. أي كل ما كان يلازم ماهية "الشخصية اليهودية". لهذا لم يعرف اليهود في تاريخهم بعدا ثوريا بالمعنى الصحيح للكلمة. على العكس!
***
شكل انتصار الثورة البلشفية عام 1917 مرحلة الانقلاب الكبرى في تاريخ السيطرة اليهودية في روسيا. مما حدا بالبعض للقول، بان البلشفية هي مجرد نوع "سوفيتي" لليهودية، بما في ذلك في نجمتها الخماسية (خاتم سليمان)، التي اقترحها تروتسكي. وبغض النظر عن التأويلات العديدة والممكنة بهذا الصدد، فان مجرد وجود النسبة الهائلة لليهود في مراكز السلطة السوفيتية بعد الثورة، جعل منها أداة يهودية وأسلوبا لتجسيد ما تراكم في تقاليدها من الانتقام المكبوت والأخذ بالثار والتشفي وما شابه ذلك من الرذائل الاجتماعية والسياسية. فقد أحصى المراسل الإنجليزي لجريدة التايمز بعد الثورة حوالي 447 يهوديا من اصل 556 شخصا قياديا في السلطة السوفيتية. بمعنى أغلبيتهم المطلقة في مراكز اتخاذ القرار السياسي والتنفيذي، أي في الحزب والحكومة ووزارات الداخلية والدفاع والمالية والخارجية والدعاية والإعلام والتربية والتعليم. فقد تراوحت نسبتهم في هذه المؤسسات ما بين 60% إلى 100%، بينما لم تكن نسبتهم إلى عدد السكان حينذاك تتجاوز 2%. ونعثر على نفس النسبة في كل الأماكن والميادين وعلى كافة المستويات بعد الثورة. فقد كانت اللجنة الحكومية لمدينة بتروغراد (العاصمة حينذاك) تتألف من 371 يهوديا و17 روسيا. ومن بين هؤلاء اليهود كان هناك 265 شخصا جاءوا إلى روسيا من الولايات المتحدة الأمريكية بعد انتصار الثورة. حيث كان اغلبهم ينتمي إلى جهات المعارضة "اليسارية" التي كانت تمولها البنوك اليهودية، وبالأخص بنك يعقوب شيف. ونفس الشيء يمكن قوله عن سوفييتات وهيئات ومراكز الدولة والمجتمع.
لقد طبع تأثير العدد الهائل لليهود في مراكز السلطة السوفيتية إجراءاتها العملية، وأثر على مسارها تأثيرا هائلا. إذ تعكس نسبتهم الكبيرة في السلطة المظهر الخارجي الكمي، الذي رافقه بالضرورة تأثيرهم الباطني، لاسيما وانهم أقلية اتسمت وتشبعت نفسيتها تاريخيا بضمأ التدمير العنيف وذلك لانعزالها الثقافي والاجتماعي، مع إتاحة الفرصة الخيالية لها في "التغيير الشامل" للحياة (لحياتها). وسوف تظهر هذه الازدواجية في حماسة اليهود المفرطة لمحاربة "القديم" عند الآخرين وحماية انعزالهم الذاتي وتراثهم الخاص من نقد الآخرين. وليس مصادفة أن يتولى الهجوم العارم ضد النصرانية والإسلام والتراث الثقافي للامة الروسية دارسون يهود انتحلوا أسماء وألقابا روسية مثل يروسلافسكي (في الأصل ويلمان) وروميانتسيف (في الأصل شنايدر) وكانديدوف (في الأصل فريدمان) وزاخاروف (في الأصل ايديلشتاين) وعشرات غيرهم. كما رافق هذه العملية هجوم شامل على "العالم القديم" وبناء "العالم الجديد" حسب معايير وقيم خاصة به. الأمر الذي كان يتضمن في ذاته تثليم حدود العقلانية المفترضة في النزعة الاشتراكية وهويتها الإنسانية.
أدت سيطرة اليهود في السلطة السوفيتية إلى ظهور تجربة جديدة وفريدة من نوعها بالنسبة لليهود واليهودية استثارت بدورها كوامن التاريخ اليهودي المكبوت في الشتات والغيتو. وجرى تفريغه في "العنف الثوري" و"الإرهاب الأحمر"، وتحطيم "العالم القديم" والدين والكنيسة، وإفناء "الجيش الأبيض"، وتدمير "قوى الثورة المضادة"، ورمي "الأرستقراطية الروسية والنبلاء في مزبلة التاريخ"، وما شابه ذلك من مكونات النفس الغضبية. مما جعل من اليهود كيانا مستعدا لانتهاك كل المحرمات واستحسان كل الموبقات وارتكابها في كل خطوة وخاطر وفعل وإشارة. بحيث أدى ذلك بهم في نهاية المطاف إلى أن يعتبروا أنفسهم ممثلي الشعب الروسي بما في ذلك في طقوس عرسه ودفنه. فقد جعلوا من موسيقى مندلسون معزوفة الزواج والأعراس، ومن موسيقى شومان معزوفة الجندي المجهول، كما لو انه لا يوجد موسيقيين روس عظام، وكما لو أن مندلسون وشومان يساوون شيئا مقارنة بتشايكوفسكي وموسورغسكي وريمسكي – كورسيكوف وغلينكا وعشرات غيرهم. بل نقلوا ذلك إلى طريقة العيش و"آداب الوداع الأخير" بدفن رمادهم المتبقي بعد الحرق في علب صغيرة في روسيا التي تحتل تسع مساحة العالم، كما لو انهم صنعوا في رمزية الحرق هذه الأبعاد الدفينة القائلة بضرورة إلا يبقى بعد الروس وروسيا إلا الرماد، ولكي لا تلمع فوق قبورهم صلبان الأرثوذكسية، ولكي تندثر مع موتاهم ذكرى الأجيال وارتباطها الحميم بالماضي.
كل ذلك يكشف عن أن آلية وعمل الإرهاب والقمع في بداية السلطة السوفيتية وحتى سقوطها، لم تكن وليدة الصدفة، كما لو تكن معزولة عن كثافة وسيطرة "الشخصية اليهودية" في مؤسساتها. بل يمكن القول، بان آلية الإرهاب هي الوجه الظاهر لباطن الطغيان اليهودي في السلطة السوفيتية. فقد كان "الإرهاب الأحمر"، باعتباره بداية الإرهاب المنظم ضد اتباع "الثورة المضادة" هو بداية تقنين إحكام السيطرة اليهودية الجديدة تحت شعار ويافطة الحكم السوفيتي وسلطة البروليتاريا وديكتاتوريتها والنظام الاشتراكي.
سحقت هذه الآلية في طاحونتها الخشنة القوى الروحية والاجتماعية والسياسية لروسيا من رجال الإبداع الفكري والروحي والمثقفين والجيش الروسي والكنيسة الأرثوذكسية. أي المكونات التي بلورت تاريخيا أعصاب الكيان الروسي ووعيه الذاتي. إذ أدت تصفية "العالم القديم" إلى تصفية المقومات الذاتية لوعي الذات الروسي. ففي مجرى أعوام 1922 – 1925 جرى تصفية ما يقارب المليونين من المثقفين. وتحولت كلمة الانتليجينسيا إلى كلمة منبوذة ومثيرة للاشمئزاز. واصبح المثقف كيانا ملعونا وتجسيدا لرذيلة التذبذب وعدم الثبات. وعوضا عنه جرى صنع السبيكة العمالية – الفلاحية الجديدة للمثقفين المتحزبين المتميزين بالثبات. ولم يعن ذلك في الواقع سوى صنع مثقفين من أوساط الفئات والطبقات الاجتماعية، التي لا جذور ثقافية عندها وفيها. مما جعل منهم مادة سهلة وطيعة قابلة للصنع بالشكل المرغوب من جانب السلطة. وهي ممارسة أدت إلى تصفية الذخيرة والخبرة الروحية الهائلة للقومية الروسية. وعوضا عنها جرى إحلال فئة "المثقفين السوفيت" اليهود، التي أخذت بعد عقدين من الزمن التاليين للثورة في احتلال كل مواقع "التربية" بدء من رياض الأطفال وانتهاء بالمعاهد والجامعات ومركز البحث العلمي، ومواقع "الإبداع" في مختلف ميادين الأدب والفنون. بحيث اصبح "الإبداع" مهنة خاصة باليهود. وتحول "المثقف الجديد" إلى جزء من آلية القمع. فهو أما هراوة أو بوق أو طبل أو متملق. لقد جرى صنع "انتليجنسيا" بلا قلب ولا روح. وتحول "المثقف" إلى لسان.
وبنفس القدر من الوحشية جرى تدمير المقدسات التاريخية والروحية لروسيا عبر هدم الكنائس وتحويلها إلى مرابط للخيل ومستودعات لمختلف الأشياء، مع مصادرة ما فيها وسرقة البعض الآخر. وما تبقى جرى تدميره. وتحول شعار فصل الدين عن الدولة والكنيسة عن المدرسة إلى فصل الروس عن تاريخهم الروحي. وشكل اليهود هنا كما في الأماكن الأخرى، حربة المواجهة العلنية والمستترة. فقد ترأس لجنة مكافحة الكنيسة ياروسلافسكي (ميني إسرائيل غوبلمان)، وكان مساعده الرئيس اليهودي لوكاتشيفسكي. وترأس اليهودي ستروكوف (بلوخ) رئيس قسم محاربة الدين في الجيش، كما ترأس اليهودي كيفاله قسم الدعاية المعارضة للدين. وفي المدارس ترأسها اليهودي اسكينسكي، وفي الأدب أبشتين. بينما كان جميع الأعضاء الأربعين للجنة التنوير والإلحاد يهودا!
وفي ظل هذه النسبة اليهودية في رئاسة المؤسسات المناهضة للدين والكنيسة، فان من الصعب أن نتوقع سلوكا آخر غير الذي جرى. فقد جرى سجن ونفي وقتل ما يقارب 320 ألف رجل دين. كما تعرضت الكنيسة بوصفها مؤسسة وكيانا فكريا – روحيا إلى عملية هدم منظمة وقاسية. حيث جرى تخريب وتدمير وتحطيم اغلب الآثار الروسية بحجة أنها جزء من "أفيون الشعوب". وبدأ تدمير الكنائس في الكريملين. فقد ضم (مجلس تحديث مدينة موسكو)، حينذاك يهودا فقط برئاسة رئيس بلدية موسكو في وقتها كامينيف (روزنفيلد) وعضو المكتب السياسي كاهنوفتش، ورئيس اتحاد الملحدين ياروسلافسكي (غوبلمان). وتحت شعار "تحويل مدينة موسكو من مدينة بطريركية إلى موسكو اشتراكية" جرى هدم كنائس الكرملين ومبانيه الأثرية. كم جرى هدم نصف كنائس وهياكل العبادة البالغ عددها 900، إضافة إلى 2500 معلم تاريخي اثري. وفي عام 1931 جرى هدم كنيسة المسيح المنقذ، أحد اكبر وأفخم الكنائس في موسكو، التي شيدت على ريع التبرعات الشعبية للروس بعد انتصارهم على قوات نابليون بونابرت عام 1812. وعوضا عنها جرى التخطيط لبناء (هيكل لينين)أو (قصر السوفيتيات)، المقترح من اليهودي أيوفان، صهر عضو المكتب السياسي كاهنوفتش، الذي أصر على أن يبنى (قصر السوفيتيات) محل كنيسة المسيح المنقذ.
ومارسوا نفس العمل تجاه "الجيش الأبيض". حيث تولى هذه العملية يهود، بدء من تروتسكي (برونشتين) وانتهاء بميخلس وغاي ورازغون. وفي نهاية 1938 كانت التصفيات الأساسية قد طالت مؤسسات الجيش الروسي السابق وقواه البشرية جميعا. فقد تعرضت للاضطهاد ما بين طرد وسجن وإعدام. إذ جرى تصفية 186 من اصل 220 آمر لواء، و 101 من اصل 190 قائد فيلق، و57 من اصل 85 قائد فرقة، و13 من اصل 15 قائد جيش. وتعرض للاضطهاد كل قواد المناطق العسكرية الكبرى في روسيا بلا استثناء. ومع ذلك ظل الجيش القوة الوحيدة التي لم يستطع اليهود حينذاك تصفيتها بصورة تامة. إلا انهم احتلوا مع ذلك المواقع الأساسية فيه. فمن اصل 500 موقع قيادي كانت نسبتهم فيه قبل الحرب العالمية الثانية حوالي 85%، بينما لم يحتل الروس اكثر من 5%.
ورافق هذا التدمير المنظم لتقاليد الدولة الروسية تخريب بنيتها الاجتماعية عبر تدمير فئات الفلاحين. وظل ذلك يجثم بثقله على كاهل الدولة السوفيتية حتى انهيارها عام 1991. فقد تعاملت السلطة اليهودية السوفيتية مع الفلاحين تعاملها مع أعداء أو مجرمين. وإذا كان الفلاحون هم ملح الأرض الروسية ومصدر قوامها البشري، إذ لم يوجد بينهم يهود، فان تصفية بعض الفئات منهم وحشر البقية الباقية في كولخوزات وسوفخوزات بالعنف والإكراه كان يعني تاريخيا واجتماعيا إعادة نظام القنانة من جديد وتجريدهم من الأرض وملكيتها الخاصة بهم. فقد وصل البلاشفة إلى السلطة وثبتوا سلطتهم أساسا بسبب رفعهم شعار الأرض للفلاحين. بينما جرى في وقت لاحق سجن ونفي وقتل كل من عارض نزع ملكية الفلاحين وإجبارهم على الدخول في "تعاونيات اشتراكية". وهي عملية ترأسها آنذاك كل من يهودا وأبشتين. وبأثرها جرى اضطهاد حوالي 25 مليون عائلة روسية فلاحية.
***
شكلت هذه النتيجة عصب المفارقة المثيرة للوعي القومي الروسي ومأساته التاريخية، وعصب المفارقة المثيرة بالنسبة لماهية الثورة وأهدافها الاشتراكية المعلنة. فالثورة التي كان ينبغي لها أن تكون حسب معايير الماركسية قاطرة التاريخ نحو الأمام، تحولت إلى دوامة اختطفت وابتلعت في دوراتها كل ما هو ثمين، كما لو أنها أشياء لا معنى لها ولا قيمة ولا وزن. وأرجعت التاريخ قهقريا عبر إبراز ملامح القنانة والعبودية المنظمة وراء العيون الجاحظة لليهودية في تفحصها كل ما هو "شاذ" عن مقاييسها. ولا مقاييس لها في الواقع غير النفس الغضبية، التي شكلت الراديكالية المتوحشة نموذجها السياسي الارقى. واستثارت شأن كل وحشية، شعور الكراهية والتقزز والاشمئزاز، بحيث اصبح اليهودي واليهودية تجسيدا للنقمة وانعداما للنعمة. مما أدى إلى أن تصبح معاداة وكراهية اليهود واليهودية بين الروس فتوى ثقافية مستترة، كما أصبحت معاداة الروس والروسية بين اليهود فتوى سياسية – عرقية علنية. وهي مفارقة لا تحلها سوى جدلية الإمكان!
أدت كثافة اليهود في السلطة السوفيتية و"تجريبيتهم" الباردة في الإبادة المنظمة للقوى الاجتماعية والروحية للروس، إلى إثارة موجة العداء المتعاظم ضدهم. فقد دفع سلوك اليهود مختلف الفئات الاجتماعية والاتجاهات الفكرية والسياسية إلى "السير" في طريق واحد لا يرى في افقه المنظور غير ملامح الوجه اليهودي. إذ لم يكن قرار السلطة السوفيتية عن محاربة "العداء للسامية" بعد مرور ستة اشهر من الثورة، سوى رد الفعل المباشر على عمق وسعة انتشار العداء لليهود في الدولة والمجتمع. وفي نفس الوقت كان رد الفعل قاسيا وشديدا من جانب السلطة. لان القضاء على اليهود كان يعني عمليا القضاء على السلطة السوفيتية بصيغتها السائدة آنذاك بعد أكتوبر 1917. من هنا جرى تصوير الاعتداءات على اليهود والهجمات الشعبية عليهم نشاطا معاديا للثورة وهجوما على السلطة السوفيتية. وهي مطابقة لها مغزاها الواقعي ومعناها السياسي والثقافي، الذي جعل الاغتراب بين السلطة الجديدة والمجتمع الروسي يترسخ للدرجة التي لا يكفل ضمان ارتباطهما غير المباشر سوى العنف المباشر.
ومع ذلك لم تعق هذه الممارسات توسع وازدياد كراهية الروس لليهود. بل اخذ شعور العداء والكراهية لهم يدب أيضا في صفوف الجيش الأحمر نفسه. ولم يغير من ذلك شيئا وجود اليهود في قياداته. وإذا كانت هذه الظاهرة واسعة الانتشار في المناطق الغربية من روسيا (بيلوروسيا وأوكرانيا وجنوب غرب روسيا)، فإنها أخذت بالانتشار بعد عام 1918 في أراضي روسيا نفسها جميعا. حيث بدأت تصفية اليهود تتخذ أحيانا طابعا جماعيا أحيانا. وهي ظاهرة أخذت بالتعمق قبيل وأثناء الحرب العالمية الثانية. ولعل مفارقة الظاهرة تقوم في أن الحرب العالمية الثانية قد أنقذت بمعنى ما الروح القومي الروسي، ودفعته إلى الأمام من جديد. وهي عملية كان لابد لها من النجاح. إلا أن ابتداء خطر الحرب، وبالأخص من جانب ألمانيا الهتلرية قد سرّع بخطوات كبيرة الانسحاب التاريخي لليهود واليهودية من ظاهر المسرح السياسي وقيادة الدولة السوفيتية. أي أن الحرب حققت الحكمة القائلة "ربّ ضارة نافعة"! فقد أضطر ستالين حينذاك، أو ربما توافق ذلك مع مزاجه الشخصي الكاره لليهود إلى أن يستعيض عن وزير الخارجية اليهودي ليتفينوف (فينكلشتين) بالروسي مولوتوف، تخوفا من أن لا يقبل هتلر اللقاء بيهودي أثناء المحادثات، قبل توقيع اتفاقية عدم الاعتداء بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي. بل لم يعارض أي من اليهود حينذاك السلطة السوفيتية وسياسة ستالين الساعية وقتها للاتفاق مع ألمانيا النازية، مع علمهم بطبيعة الموقف الهتلري من اليهود. بل أن "الأممية الشيوعية"، (وهي التنظيم العالمي للأحزاب الشيوعية آنذاك، وعرفت اختصارا باسم الكومنترن،الذي شكل اليهود الغالبية الساحقة من قيادتها) لم تعارض إجراء المحادثات بين الدولة الاشتراكية والدولة النازية من اجل توقيع معاهدة سلم وعدم اعتداء. ذلك يعني أن هذه المواقف لم تكن تكتيكا سياسيا عابرا أو رؤية استراتيجية بعيدة المدى للصراع مع ألمانيا، بقدر ما كان إدراكا غريزيا لضرورة الحفاظ على السلطة السوفيتية، باعتبارها ضمانة بقاء اليهود والسيطرة اليهودية.
أما من الناحية الفعلية فقد أدى ذلك إلى انسحاب تدريجي من المواقع الأمامية للسلطة في مختلف الميادين، وترك المواجهة المباشرة والحادة بين الألمان والروس. فقد أدرك اليهود جيدا، أن سياسة هتلر في ألمانيا والبلدان التي خضعت للسيطرة الألمانية تعني مصير مشئوما بالنسبة لهم. لهذا اصبح انتصار الجيش السوفيتي (الروسي) هو ضمان انتصارهم ووجودهم المباشر. وهي مفارقة أدت إلى استثارة الروح القومي الروسي من جهة، والى تضحيات هائلة تحمل الروس اغلبها إلى جانب شعوب الاتحاد السوفيتي الأخرى من جهة أخرى. ولكنها أدت في نفس الوقت إلى إضعاف شوكة اليهود واليهودية في روسيا. مما كان يعني أيضا انبعاث السيادة الروسية من جديد في روسيا بعد عقدين من الطغيان اليهودي السافر.
فقد أخذت الأيديولوجية السوفيتية بعد نشوب الحرب بقليل تنقلب فجأة (مع أن قنواتها وموظفيها ظلوا في الأغلب يهودا) صوب تفجير المآثر الروسية القديمة وتراثها الحربي والمعنوي. وتحولت أسماء القادة الروس المشهورين أمثال الكسندر نيفسكي وسوفوروف وكوتوزوف وغيرهم إلى نماذج ملهمة في تجنيد وتجييش القوى الروسية. واصبح التغني بالماضي الروسي وأمجاده ضرورة، بحيث قضت بين ليلة وضحاها على كل الركام الذي "بناه" يهود السلطة السوفيتية منذ عام 1917 حتى بداية الحرب عام 1941 من أصنام أيديولوجية وتزييف للوعي القومي وتراث الأجداد. وغابت بسرعة مصطلحات "الشوفينية الروسية". كما ضعفت "الأممية" وشعاراتها البراقة، التي لم تعد قادرة على استنهاض الروس الذين لم يروا وراء لافتتها سوى غلاف السيطرة اليهودية. وهو واقع وجد انعكاسه في الكلمة المشهورة التي أطلقها جدانوف حينذاك والقائلة، بان الكوسموبوليتي إنسان بلا اصل ولا فصل، والتي تحسس الشارع الروسي فيها وتذوق طعمها الحقيقي، باعتبارها دعوة لاستعادة الروس لموقعهم المناسب في كل مكان.
وكشفت هذه المواقف الأبعاد الدفينة لمرارة النفس الروسية الخاضعة "لأقوام صغيرة"، وان المعنى المتسامي والقيمة الحقيقية لوجودهم تقوم في ضرورة تمثيلهم لذاتهم أمام المحنة والامتحان الذي تنازل اليهود أمامهما "طوعا". حينها اخذ "الجن الروسي" بالخروج من فوهة القنينة، بعد أن حبسه اليهود فيها لأكثر من عقدين، محبذا الموت وإعطاء كل ما لديه من اجل إثبات الحقيقة البسيطة القائلة، بان الحياة ليست مجرد استمرار في العيش، بل هي استمرار للانا المدركة لذاتها. لقد كانت الحرب الألمانية – السوفيتية بالنسبة للروس حربا وطنية عظمى. وشأن كل حرب وطنية تحررية كان لابد من أن يمثلها أبناؤها الحقيقيين. عندها بدأ يبرز الطابع الروسي في قيادة الجيش والأسطول والمعارك. فإذا كانت قيادة الجيش في الحرب الأهلية، والشرطة والأمن يهودية خالصة، فان شيئا كهذا لم يعد ممكنا في الحرب الوطنية العظمى. إذ لم يعد هناك يهودي واحد بين القواد الميدانيين للجبهات والجيوش. ولم يشترك من اليهود في المعارك إلا نسبة ضئيلة جدا. وحاول اغلبهم الحصول على "بدل" من الخدمة العسكرية، بما في ذلك تحت شعار "الحفاظ على اليهود من الإبادة"! وهي سياسة أيدتها السلطة السوفيتية. وبغض النظر عن بواعثها الفعلية، إلا أنها أدت بالنتيجة إلى إضعاف دور اليهود في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والأمنية والعسكرية بعد الحرب واستبدال دورهم بالدور الروسي المتصاعد.
***
كشفت نتائج الحرب الوطنية العظمى عن أن الوطنية وإشكالياتها وتحمل أعباؤها كانت من نصيب الروس والبيلوروس والأوكرانيين. بينما كان اليهود على ضفاف أو قارعة دروب الآلام الحقيقية، التي تعرضت لها الشعوب السوفيتية في مجرى الأعوام القاسية للحرب. وهي دروب أرست المقدمات الضرورية لانطلاقة الروح القومي الروسي وتقاليده الإنسانية العميقة، التي كانت وما تزال اكثر ما يخيف اليهود، بفعل قدرتها الهائلة على تذليل نفسية الانغلاق والانطواء العرقية، واستعدادها على تقبل الثقافات والأمم وصهرها في بوتقتها الثقافية.
غير ان نتائج الحرب وتنامي الدور الروسي على الأقل سياسيا ودعائيا لم يغير نسبة "توازن القوى" في السلطة التي استطاع اليهود في غضون ثلاثة عقود من ملء "فراغاتها" التي أحدثوها عبر تصفية كوادر "النظام البائد". وبهذا المعنى كانت محاولتهم "الفاشلة" لصنع دولة يهودية في القرم تدفع، موضوعيا، السلطة السوفيتية في اتجاه تأييد تجزئة فلسطين وبناء "الدولة العبرية" فيها.
لم يكن القرار السوفيتي بصدد تقسيم فلسطين وتأييد "إسرائيل" صدفة أو قرارا مبنيا على أساس رؤية استراتيجية سوفيتية وما شابه ذلك. إن الاستراتيجية الوحيدة هنا تنبع من ثقل الوجود اليهودي في مؤسسات السلطة السوفيتية آنذاك وطبيعة فعل "الشخصية اليهودية" ونزوعها الصهيوني، التي تحسست إمكانية انتهاء هيمنتها المباشرة في الاتحاد السوفيتي. وهي نتيجة يمكن ملاحظة ملامحها الأولية البارزة فيما يسمى "بقضية الأطباء"، التي بدأت عام 1953، أي بعد أربعة أعوام من إعلان "دولة إسرائيل". حينذاك جرت محاكمة بعض الأطباء اليهود، الذين جرى اتهامهم باغتيال بعض قيادات الحزب والدولة عبر "علاجهم"، بما في ذلك محاولة اغتيال ستالين. وقد اعترف بعضهم بما اقترفوه في مجرى المحاكمة التي بدأت في 13-1-1953. عندها تبلور الحكم السياسي عند ستالين القاضي بنفي اليهود جميعا إلى سيبيريا. وفي 2-3-1953 يموت ستالين، وفي 3-3-1953 يجري الإعلان عن إلغاء "قضية الأطباء". كما يجري الإعلان الرسمي عن وفاة ستالين في 5-3-1953. وفي 6-3-1953 يصبح بيريا الشخصية الرئيسية في الدولة. وفي 9-3-1953 يجري تغييب ابن ستالين، الذي اعتبر أن وفاة أبيه قضية مدبرة. وبعدها بأيام تبدأ موجة إرهاب شديدة ومنظمة. غير أنها انتهت بإلقاء القبض على بيريا بعد محاولته الانقلابية وإعدامه. ومن ثم القضاء على هيمنة وزارة الداخلية (الأمن والشرطة)، باعتبارها الحصن الأخير للقوى اليهودية في روسيا السوفيتية.
كل ذلك يشير إلى قوة النزاع وعنفه بين التيار الوطني الروسي وبقايا اليهودية المهيمنة. وهو نزاع حسم منذ بداية الخمسينيات لصالح التيار الروسي، دون أن يجري في نفس الوقت تذليل التيار اليهودي تذليلا تاما. وهي نتيجة جرى تحسسها في الوسط اليهودي على أنها "نهاية" اليهود واليهودية في روسيا. وهو السبب القائم وراء تصاعد موجة العداء بين يهود العالم والحركة الصهيونية العالمية ضد الاتحاد السوفيتي، الذي أنقذهم قبل سنوات معدودة من إبادة ممكنة على حساب أبنائه.مما جعل من اليهود واليهودية تنمو من جديد بهيئة قوة معارضة اكثر خطورة من السابق، بفعل التحولات التي جرت على الصعيد العالمي واستغلال كذبة "المحرقة" وتوظيف "إسرائيل" لخدمة المصالح الجيوسياسية للولايات المتحدة والغرب الكولونيالي زمن "الحرب الباردة" من جهة، وبفعل الإنجازات التي حصلوا عليها لأنفسهم في ظل السلطة السوفيتية من جهة أخرى.
وهي خطورة حذر منها بعض الكتاب السياسيين والمفكرين الروس، كما هو الحال عند اندريه ديكي في كتابه {اليهود في روسيا والاتحاد السوفيتي}، الصادر خارج الاتحاد السوفيتي في الستينيات. فقد توصل من خلال دراسته وتحليله تاريخ اليهود في روسيا والاتحاد السوفيتي إلى أن هناك معادة يهودية للسلطة السوفيتية تتراكم شحنتها بسبب فقدانهم زمام المبادرة وإبعادهم التدريجي من قيادة السلطة ومؤسسات القرار السياسي. وهي معاداة يمكن أن تجعل منهم في المدى المنظور خطرا كامنا ومميتا للسلطة السوفيتية (الروسية)، التي سوف يسعون للإطاحة بها كما فعلوا قبل ذلك مع القيصرية.
غير أن السلطة السوفيتية آنذاك كان يصعب عليها الاستماع لآراء "المعادين للسوفيت"، وبالأخص من بين أولئك الروس الذين ناهضوا السلطة السوفيتية لاعتبارات سياسية وقومية، انطلاقا من إدراكهم للخراب الذي لحق بروسيا جراء "الثورة اليهودية". فقد بدت هذه النصائح والتحذيرات أوهاما خيالية، كما بدت أمثالها في بداية القرن العشرين، التي أطلقها حينذاك الكثير من المفكرين والأدباء والسياسيين الروس. وهي مفارقة حدس صيغتها التاريخية أيغور شافاريفتش عندما كتب مقالاته الشهيرة في ثمانينيات القرن العشرين بعنوان {كراهية الروس}، التي حاول البرهنة فيها على انه جرت منذ ستينيات القرن العشرين محاولات دؤوبة وحثيثة قاد اليهود اغلبها لإثبات أن كل مشاكل روسيا هي النتاج الملازم لشخصية الروسي العبودية وحبها للسلطة القوية واحتقارها للفرد وتبريرها للإرهاب ونفسيتها الدينية المشبعة بأوهام الانتظار والخلاص. وعلى هذا الأساس حاولوا إقناع الجماهير والمثقفين بأنه لا مخرج لروسيا إلا بنبذ هذه الشخصية والتوجه كليا نحو الغرب. وقد وجد شافاريفتش في هذه الاطروحات سلاحا فعالا لتدمير روسيا. أما الاعتراض البسيط والمفند لهذه الآراء فيقوم في واقع كون التوتاليتارية والماركسية هما ذاتهما من نتاج الغرب. وبالتالي إلا يطرح ذلك مهمة تجاوز الغرب لا تقليده الأعمى من جديد؟ فالقضية بنظر شافاريفيتش لا تقوم في شخصية الروسي، بل في ما اسماه "بالقوم الصغير"، أي في كل ما المح وأشار به إلى "أصحاب النزعة اليهودية"، بوصفها المجموعة المتميزة بالصفات السلبية التي تنفذ مهمة التدمير الدائم. أما هذا القوم الصغير في روسيا فقد تشكل تاريخيا منذ نهايات القرن الماضي الذي شكل اليهود بؤرته ونواته. كل ذلك جعل شافاريفتش يستنتج بان أيديولوجية هذا "القوم الصغير" تتطابق مع خصائص اليهود ونفسيتهم ونمط تفكيرهم. وان هذا "القوم الصغير "هو الذي أدى "بالقوم الكبير" (الروس) إلى الهاوية. ولم يعن ذلك في الواقع سوى عودة التاريخ من جديد، وتكرار مآسيه على أعتاب القرن الحادي والعشرين بالنسبة لروسيا والروس.
***
ليس في التاريخ عودة ولا تكرار. إلا أننا نعثر في مقارنات أحداثه على رمزية تكشف عموما عن "تكرار" و"عودة" للماضي في ممارساته وأشخاصه. ذلك يعني أن الماضي لم يصبح عبرة، ولم يجر تجاوزه في تاريخ الأمة. بمعنى انه لم يتحول إلى درس بليغ في قواعد الاعتبار الضرورية بالنسبة لوعيها الذاتي. وهو الواقع الذي يجعل من مقارنات الأحداث التاريخية مفارقات!
فمن المعلوم، أن تاريخ روسيا في بداية القرن العشرين ابتدأ "بالثورة اليهودية" وانتهى بها. في البداية تحت عنوان "الثورة البلشفية"، وفي الثانية تحت عنون "الثورة الديمقراطية". ذلك يعني أن "الاشتراكية" و"الرأسمالية" سواء من حيث الحوافز والغايات. وهي مفارقة لا يحلها في الواقع سوى إدراك حقيقة اليهودية وصهيونيتها السياسية، باعتبارهما مظهرين لكيان واحد يتمثل في الابتعاد عن حقائق التاريخ العالمي والانعزال عن معطياته ومعاناته بوصفه سبيلا للبحث عن الحق والحقيقة (أو الاعتدال).
وتجلى ذلك في التاريخ الروسي عبر الاشتراك الفعال في القضاء على القيصرية ("الرأسمالية") من اجل بناء "الشيوعية"، وفي القضاء على "الشيوعية" من اجل بناء "الديمقراطية" ("الرأسمالية"). مما يعني ابتعادهم من حيث الجوهر عن حقائق التاريخ الروسي. فاليهود في كلتا الحالتين لا علاقة عضوية لهم بالتاريخ الروسي. وليس مصادفة أن تتحول "التجربة" و"التجريب" إلى كلمات "مقدسة"، مع أن القدسية تفترض الثبات. والمسالة هنا ليس في جدل الكلمات البلاغي، بقدر ما أنها تعكس جوهر "تغير" اليهودي. إذ ليس "تغيره" في الواقع سوى تأقلم فج. أما "تجاربه و"تجريبيته"، فهو اختصار لأسلوب ينطوي على فقدان المعاناة العضوية بالتاريخ وأبعاده الإنسانية. وذلك لان مادته ليست "أعضاء منفصلة"، بل كيان حي. إضافة لذلك انهما تجربة وتجريب على حياة الآخرين. إذ لم يقم اليهود في تاريخهم تجارب على أنفسهم وتجريب عليها. على العكس، انهم وجدوا في "الثبات" على العرقية المتحجرة ويهوديتها العنصرية أمرا "مقدسا". وترتب على ذلك إفسادهم لأشد الأفكار إنسانية وتحررا حالما يلامسوها. فالأفكار بالنسبة لهم هي كلمات ألسن، لا أحوال قلوب. وذلك لان الفكرة الوحيدة بالنسبة لليهودي هي اليهودية. واليهودية لسان بلا قلب. ومن ثم لا محل فيها للكلمات الإنسانية الحقيقية.
فقد افسد اليهود الفكرة الاشتراكية، بحيث جعلوا منها "جمعية" ذرات متناثرة ومتنافرة. كما افسدوا سعيها للحرية عبر تحويلها إلى معسكر عبودية وقنانة. وجعلوا من دكتاتوريتها البروليتارية دكتاتورية خالصة واستبدادا للجهلة والحثالات الاجتماعية. وجعلوا من الإلحاد كنيسا بلا قيم ولا ضوابط، ومن العمل سخرة، ومن الفكر الحر جريمة. ورافق ذلك تصفية جسدية ومعنوية للتاريخ الروسي وقواه الاجتماعية ورموزه. كما جعلوا من الصراع الطبقي حربا أهلية، ومن الحرب الأهلية حربا عرقية لتصفية كل معارضة لليهود واليهودية. وجعلوا من الزيف الإعلامي دعاية منظمة، ومن الأممية غلافا كوسموبوليتيا، ومن الحزب الشيوعي منظمة ماسونية نموذجية. وتجمعت نتائج هذه العملية القاسية عند نهاية القرن العشرين لتتفجر أولا من خلال البيرسترويكا، ثم لتنتهي بانتهاء الاتحاد السوفيتي عام 1991.
***

كانت "السلطة الديمقراطية" في روسيا بعد عام 1991 سلطة يهودية، جعلت منهم مرة أخرى مالكي روسيا. وإذا كان الروس يسمون الرأسماليين والأغنياء "بالروس الجدد"، فانهم في الواقع ليسوا إلا يهودا قدماء. فقد جرى تمرير هذه السياسة في بادئ الأمر عبر عائلة يلتسن، التي استحوذت من خلال السرقة والاختلاس على أموال طائلة، كما جرى تكوين شريحة قابلة للبيع والشراء في كل هرم السلطة ومؤسساتها. وتحولت أجهزة الأمن والشرطة والمخابرات والقضاء واغلب كتل البرلمان ومجلس الشيوخ إلى قنوات لتمرير الأموال المسروقة، والمساهمة في ترسيخ "قواعد" الفساد الشامل. بل لم تتورع "السلطة الديمقراطية" عن سرقة القروض الخارجية وذلك بتحويلها عبر البنوك اليهودية مباشرة إلى الخارج.
وبدأت هذه العملية مع سياسة الخصخصة، التي شارك في وضع أسسها وترتيباتها وتنفيذها مجموعة من "المحترفين" اليهود، الذين جرى تصنيعهم وتسويقهم من جانب الماسونية الصهيونية في مجرى البيروسترويكا، وعلى رأسهم تشوبايس. فقد ساهمت الماسونية الصهيونية في تأهيل وتحويل مشاريع الإصلاح والخصخصة في روسيا ورجالها من (صندوق سورس) وماسونية (بناي بريت). إذ سبق لهم وان صنعوا وسوقوا "كوكبة من الإصلاحيين الشبان"، أمثال غايدار وتشوبايس وبوربولوس وأمثالهم، الذين مرروا عملية الخصخصة بالطريقة التي استحوذ اليهود فيها على أهم قطاعات الاقتصاد مثل الطاقة (النفط والغاز والكهرباء) والمعادن الثمينة (الماس والبلاتين والألمنيوم) والمصانع المتطورة والبنوك والموانئ والمحلات التجارية في مراكز المدن والفنادق الكبرى وغيرها. إذ جرى "تخفيض" ملكية روسيا عبر "الفاوتشر" وبيعه في الأسواق للدرجة التي جعلت من ملكية روسيا كلها لا تتجاوز 750 مليون دولار فقط!!
لقد أبعدت "السياسة الديمقراطية" الشعب الروسي عن المساهمة في "اقتسام الثروة"، كما جرى عام 1917، بإبعادهم عن قرارات "السلطة السوفيتية" ومؤسساتها. وأعطى ذلك للماسونية الصهيونية فرصة كبيرة للتحكم في روسيا عبر السيطرة على قرارها السياسي والملكية الاقتصادية.
إن لسياسة الخصخصة "الديمقراطية" تقاليدها اليهودية في روسيا. فمن المعلوم تاريخيا انتشار السيطرة اليهودية في البنوك الروسية قبل الثورة. وهي سيطرة جرت بنفس الطريقة التي حدثت قبل فترة جيزة وما زالت في روسيا تحت شعار الخصخصة. في روسيا القيصرية كان اليهود "يقترضون" الأموال من البنوك الحكومية بفائدة لا تتجاوز 5% ويبيعوها من جديدة في الأسواق بفائدة لا تقل عن 8%. وهو أسلوب جرى إعادة تطبيقه بحذافيره من جديد. فقد استولى اليهود على اغلب الشركات المساهمة. وهناك حوالي 115 ألف شركة مساهمة في روسيا يرأسها اليهودي فاينبرغ يعمل 75% منها بالمضاربات فقط. كما أن اغلب مالكي المؤسسات المصرفية الكبيرة يهود، والشي نفسه يمكن قوله عن مالكي شركات النفط. وهو أمر يمكن فهمه من خلال إلقاء نظرة سريعة على عدد اليهود في السلطة التنفيذية بعد "الانقلاب الديمقراطي" عام 1991 وتدمير المعارضة (البرلمان) بالدبابات والطيران والقوات الخاصة عام 1993. وهي ظاهرة دفعت ببعض اليهود حينذاك لمناقشة إمكانية أن يكون رئيس الدولة الروسية يهوديا. إلا انهم فضلوا، حسب تقاليد وغريزة الماسونية والصهيونية من العمل وراء الواجهة الروسية، التي يمكن تغييرها عند الضرورة وتحويرها وتطويعها وتبديلها، وفي نهاية المطاف جعلها هدفا لغضب الغاضبين ومشجبا لتعليق الملابس الوسخة. كرر اليهود في 1991 ما فعلوا عام 1917.
وهي حالة تعكس جوهر اليهودية، التي وصفها أحد الكتاب الروس (ايفانوف) انطلاقا من تجربة روسيا وتاريخ اليهود فيها، قائلا، بان اليهودية العالمية هي ثقب اسود يبتلع الطاقة الجسدية والنفسية الهائلة للإنسانية. وان اليهودية العالمية (الصهيونية) هي أيديولوجية وأسلوب العيش حسب تقاليد التوراة والتلمود، أي العيش حسب قواعد لا ضوابط أخلاقية متسامية فيها. أنها تفتقد لقيم الاعتدال، مما يجعل من وجودهم في كل مكان مصدرا للموت كما كان الحال في مصر قبل آلاف السنين. وهي ظاهرة جعلت اليهودية الماسونية كيانا، من الناحية المادية والمعنوية، خارج التاريخ العالمي، لان مقاييسها ومعاييرها، عرقية وأسطورية. من هنا قسوتها وهشاشتها في نفس الوقت.
فالقسوة التي ميزت البلشفية في روسيا والثورة الاشتراكية كانت تكمن في حالات كثيرة في نفسية اليهودية الصهيونية السائدة عند اغلب قادتها (اليهود). وهي نفسية لا علاقة لها بالفكرة الاشتراكية ومقدماتها الفلسفية والاجتماعية والأخلاقية في تقاليد الرأسمالية والمجتمع المدني وفصل السلطات وحقوق الإنسان ونفيها الارقى بمعايير الاشتراكية بوصفها نظام الحرية والعدل.
***
اليهودية الصهيونية ليست فكرة طارئة ولا موضة عابرة ولا ظاهرة جديدة. أنها ظاهرة معقدة ومتلونة. كما أنها نظام فكري وعقائدي، ونمط حياة خاص تراكمت فيهم عقد اليهود واليهودية في تاريخ الشتات والغيتو. مما جعل منها مصدرا للتطرف والغلوّ والفساد الأخلاقي والخراب الروحي والدمار المعنوي وفقدان الحدود. أي كل ما حصل على هيئة "دولة داخل دولة"، بوصفه الجهاز لذي يسمح لنفسه التدخل في شئون الآخرين ويمنعه عليهم فيما يخص شئونه نفسها. وفي روسيا جرى اصطدام هذه الحالة بمصالح الدولة والمجتمع بعد أن برزت الحركة الصهيونية السياسية المعاصرة باعتبارها تمثيلا واعيا واستراتيجيا لمصالح اليهود و"بناء الدولة الخاصة" كما وضعت للمرة الأولى عام 1897 في بازل (بسويسرا). حينذاك بدأت هذه "الدولة" تعيد بناء الشخصية اليهودية – الصهيونية داخل الدولة الروسية وحركاتها السياسية. بمعنى عملها داخل روسيا من اجل "الاستعمار الصهيوني" لفلسطين. وهي ازدواجية جعلت من روسيا محلا عابرا أو ميدانا للتجريب أو وسيلة نفعية. وجزأت "الشخصية اليهودية" المنغلقة في شتات جديد. بمعنى العمل من اجل الاندماج ومعارضته في نفس الوقت، والعمل داخل روسيا ولكن لخارجها. بينما ظلت الغاية واحدة. وهي العمل من اجل العيش للنفس فقط. مما جعل من الشعارات المعلنة أيا كانت مجرد غلاف لليهودية الصهيونية، الذي جرى تمزيقه للمرة الأولى عام 1882 على اثر المطاردات الشعبية الروسية لليهود بحلول الذكرى السنوية الأولى لاغتيال القيصر الروسي. عندها بدأ الجدل الفكري والسياسي عن "المسألة اليهودية" في روسيا بين اليهود أنفسهم.
لقد سارت الصهيونية "الثورية" صوب تعميق الانغلاق والانعزال وصوب ترسيخ تقاليد "الدولة داخل الدولة"، بما في ذلك على أسس "تقدمية" و"اشتراكية" و"ماركسية". وهي تسميات أو أغلفة كشفت عن وجهها الحقيقي في "إسرائيل" عبر غياب التقدمية بمختلف أطيافها، وبسيادة تقاليد "العهد القديم" والتلمود العنصرية والمعادية لروح الجمعية الإنسانية. وهو الأمر الذي جعل اغلب الكتاب والمؤرخين والأدباء الروس المعاصرين يعتبرون تاريخ اليهود واليهودية في روسيا جزء من تاريخ "دولة داخل دولة"، أي تاريخ المافيا اليهودية، التي تجسدت في فاشيات متنوعة، المرة الأولى عام 1917 تحت اسم "الثورة الاشتراكية"، والمرة الثانية عام 1991 تحت اسم "الثورة الديمقراطية". وذلك لان حصيلة هذين الحدثين كانت توسيع وترسيخ وتعميق السيطرة اليهودية وامتصاصها لدماء الروس عبر شبكة منظمة وخطة مدروسة تهدف إلى إحكام واستمرار هذه السيطرة بأشد أشكالها استبداد وطفيلية. أي أن المشروع الصهيوني في روسيا لم يسع إلى إقامة دولة في فلسطين، بقدر ما كان يسعى إلى إقامة "دولة يهودية داخل روسيا" عبر إحكام السيطرة عليها كما فعلوا في الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا استطاعوا أن يجسدوا ذلك للمرة الأولى عام 1917 ثم تعرضوا للهزيمة بصورة تدريجية، فانهم أعادوا الكرة مرة أخرى عام 1991، والتي مازالت مستمرة لحد الآن.
إن هذه الأحكام العامة صائبة وسليمة، ولكنها جزئية، وذلك لأنه لا تعارض في المشروع الصهيوني بين إقامة "دولة" في روسيا أو فلسطين، لان إحداهما تكمل الأخرى ضمن المشروع الأوسع لليهودية الصهيونية. فما وراء تنوع "الدول اليهودية" توجد وحدة داخلية لما ندعوه بالمشروع الصهيوني، باعتباره مشروعا للهيمنة، يمثل في الكثير من نوازعه وغاياته المتحجرات العرقية والأسطورية في الوعي السياسي بما في ذلك المعاصر، الذي يستجيب لماهية اليهودية ويتطابق مع رؤيتها عن النفس والآخرين. من هنا "ثباتها" في الأعيان و"تغيرها" في الصور. وليس هذا الثبات في الواقع سوى ثبات أو جوهر اليهودية الصهيونية، الذي تجسد بصورة نموذجية في روسيا على مثال سلوكهم وغاياتهم تجاه الدولة والمجتمع والثقافة.
فبغض النظر عن تباين آراء ومواقف اليهود السياسية، فان سلوكهم في روسيا تميز بأولوية انتمائهم الذاتي الضيق. وتساوى بهذا الصدد التقدمي منهم والرجعي، المتدين والملحد، الرأسمالي والبروليتاري. إضافة لذلك اشتركوا جميعا بالتلون والانتقال والتبدل والتغير من حزب لآخر ومن فكرة إلى نقيضها، كما تنازلوا جميعا عن كل "الخلافات" حالما تكتمل شروط "الانتصار" لطرف من الأطراف. فعندما انتصر البلاشفة في أكتوبر عام 1917 انتقل اغلب اليهود من الأحزاب المعارضة والمناهضة للبلشفية بما في ذلك القومية منها مثل حزب البوند، الذي حل نفسه وذاب في الحزب الشيوعي الروسي. وهو سلوك يعكس غياب الحدود الداخلية في اليهودية ومن ثم انعدام الضوابط باستثناء المصلحة الخاصة.
وليس مصادفة أن يتحول العداء للسلطة، التي تقف ضد مصالح اليهود الخاصة إلى "مبدأ جوهري" و"غاية كبرى" جرى توظيف الأموال والجهود والدعاية من اجل تنفيذها. فعندما كانت القيصرية هي العدو اللدود لليهود واليهودية جرى تغلغلهم في كافة الأحزاب التي حاولت بهذا القدر أو ذاك هدم أسس القيصرية. ونفس الشيء تكرر تجاه الدولة السوفيتية، بعد أن أخذت تفلت تدريجيا من سيطرتهم المباشرة. فإذا كان اليهود هم "طليعة" الثورة البلشفية والسلطة السوفيتية، فانهم تحولوا منذ سبعينيات القرن العشرين إلى طليعة "المعارضة" و"الهاربين" و"المدافعين عن حقوق الإنسان" ضد ممارسات "القمع السوفيتي" داخل الاتحاد السوفيتي وخارجه. وإذا كان شعارهم في المرة الأولى هو كل السلطة للعمال والفلاحين والملكية العامة والاشتراكية، فان شعارهم في الثانية هي سلطة التكنوقراطيين والملكية الخاصة والرأسمالية. من هنا سلوكهم المتطرف تحت شعار محاربة التطرف. وعوضا عن الاستبداد القيصري صنعوا اشد وافظع أنواع الدكتاتوريات إرهابا، وعوضا عن "القمع السوفيتي" صنعوا اشد وافظع أنواع القمع "الديمقراطي"، الذي لم يعد ينتهك حقوق الأفراد بل والجماعات وليس الروح بل والجسد أيضا. وإذا رفعوا في الأولى شعار حقوق القوميات، فانهم رفعوا في الثانية شعار حقوق الإنسان. وفي الأولى والثانية كان المقصود به اليهود (كقومية) واليهودي (كانسان). كل ذلك يكشف عن أن اليمين واليسار والتقدمية والرجعية والأممية والقومية وما شابه ذلك عند اليهودي هي مجرد أغلفة ووسائل لبلوغ مآرب اليهودية الصهيونية، باعتبارها أيديولوجية الهيمنة والاستبداد الخاصة باليهود. من هنا تهافتهم على السلطة مع كل ثورة وانقلاب وإصلاح، بوصفها وسائل للاستحواذ والسيطرة بالنسبة لهم.
إن تكرار نسبة اليهود في هرم السلطة ومؤسساتها المؤثرة في عام 1991 لما سبق وان جرى في 1917 يبدو من الناحية الظاهرية اقل إثارة بسبب سيطرة اليهود في غضون مرحلة طويلة و"ذوبانهم" في مؤسسات الدولة والمجتمع، إلا أن بروزهم الكمي الهائل بعد غياب طويل نسبيا عن واجهة السلطة أعاد إلى الأذهان أبعاد "المؤامرة اليهودية". إلا أن ما يميزها هذه المرة، كونها لم تظهر "فجأة" كما جرى ذلك في 1917 على هيئة "عشرة أيام هزت العالم"، ومع ذلك جرى تصوير ما حدث عام 1991 "بالأيام الثلاث التي هزت العالم". وهو تصوير يعكس حالة الوعي الاجتماعي والسياسي القومي الروسي الثملة. وكان ينبغي لحالة السكر هذه من المرور لكي تتفتح العيون الروسية من جديد من اجل تأمل ما حولها. ومن جديد لم يحدث أي جديد. بمعنى أنها أخذت ترى نفس العيون الجاحظة واللكنة اليهودية والهجوم الوحشي على التاريخ السوفيتي (الروسي). وهو واقع أثار بصورة خفية وبطيئة "المسألة اليهودية" عبر إثارة قضية "النسبة"، التي سبق وان ظهرت مرات عديدة في التاريخ الروسي تجاه اليهود ابتداء من القرن التاسع عشر. وإذا كانت الثورة البلشفية قد قلبت موازين القوى بالشكل الذي جعل من مناقشة "النسبة" جريمة يعاقب عليها "القانون"، فان "الثورة الديمقراطية" كررت نفس الظاهرة، بحيث نظرت إلى قضية "النسبة" باعتبارها "جريمة فاشية". وفي كلتا الحالتين كشف اليهود واليهودية في روسيا عن عنصريتهم الفاضحة وفاشيتهم الدفينة.
***
إن "تهويد" روسيا عملية مستحيلة. في حين أن من الممكن خلق لوبي ـ يهودي ـ صهيوني فاعل ومؤثر. لكن روسيا ليست أمريكا. والتيار الجارف في التطور الاجتماعي ـ الاقتصادي والسياسي والثقافي سوف يعيد الأمور في نهاية المطاف إلى مجراها الطبيعي، فيحتل اليهود موقعهم المناسب لوزنهم الطبيعي باعتبارهم أقلية صغيرة في الواقع الروسي. إلا أن هذه العملية تفترض في ذاتها واقعية وإمكانية المواجهة والمساومة. أي أنها متوقفة على كيفية سلوك اليهود والروس في حركاتهم السياسية المؤثرة حاليا والاتجاه السياسي والثقافي المسيطر في الدولة الروسية. وفي كل الأحوال فان ذلك سيؤدي إلى حل "العقدة اليهودية" من خلال رميها إلى ميدان الصراع العربي ـ اليهودي.
فقد كشفت أحداث القرن العشرين في التاريخ الروسي عن أن "الأقوام الصغيرة" (العرقية) تفرز عند وصولها إلى هرم السلطة عناصر "رحيقها العرقي" في جسد "الأمم الكبيرة". وهو "رحيق" يتألف أساسا من عنصري المؤامرة والمغامرة، باعتبارهما المكونين الجوهريين المتراكمين من وجودها خارج معاناة المسار الفعلي لتاريخ الأمم الكبيرة.
فالمعاناة الفعلية للأمم في مجرى حل إشكالياتها الكبرى، تجعل من القيم والمفاهيم والأحكام الثقافية جزءا من كيانها الذاتي. وتضع بالتالي كل خطوة تخطوها على محك هذه القيم والمفاهيم والأحكام، باعتبارها معايير للفعل. مما يؤدي بالضرورة إلى تكامل وعيها الذاتي (عقلها النظري والعملي). ومنه تتبلور معالم الحكمة القومية (السياسية والاجتماعية والأخلاقية). في حين تبقى "الأقوام الصغيرة"، بسبب انعزالها الذاتي، خارج هذه المعاناة. وتبقى بالتالي خارج صيرورة الوعي الذاتي للأمم. مما يجعلها خالية من الحكمة، لان أفعالها مرهونة بالنفس الغضبية ومتطلباتها. من هنا جوهرية المؤامرة والمغامرة في "عقلها النظري والعملي". وهو "عقل" تخريبي وتجريبي في تعامله مع الآخرين. من هنا فقدانه لشعور الانتماء الحقيقي للروح الإنساني.
وقد مثل اليهود في روسيا هذا "القوم الصغير"، الذي دخل وترعرع واكتسب كيانه التاريخي فيها خارج تاريخها الفعلي. أي انه "تبلور" خارج المعاناة الفعلية للأمة الروسية الكبرى في مجرى بناء كينونتها السياسية والثقافية. وهو انعزال أدى إلى فقدان معنى قيم الواجب عند اليهود تجاه روسيا. وحالما جرى تحسسهم البدائي لهذا الواجب، فانه أدى إلى تجريب – تخريب هائل. ولعل أحداث 1917 و1991 وما تلاهما من تجريب وتخريب على التاريخ الروسي والأمة الروسية في مختلف الجوانب والمستويات والميادين خير دليل على ذلك.
لقد كان وراء هذا الدور أسباب عديدة. إلا أن التجربة التاريخية لروسيا تكشف عن وجود سببين جوهريين حددا في الأغلب قدرة "القوم الصغير" على التجريب والتخريب فيها وهما، ضعف الوعي الذاتي – القومي الروسي، وضعف الوحدة الاجتماعية – السياسية – الثقافية للدولة والأمة.

***

المراجع والمصادر
1. ايفانوف، ي: حذار، الصهيونية!، موسكو، 1970 .(باللغة الروسية).
2. ايفانوف، ي: اليهود في التاريخ الروسي، موسكو، 2000. .(باللغة الروسية). .
3. امفيتياتوروف، أ: اليهود والاشتراكية. .(باللغة الروسية).
4. بوغاتشوف، غ: الفاشية اليهودية في روسيا، موسكو، 20. .(باللغة الروسية).
5. .بيكرمان، أ. م: روسيا واليهود (ضمن كتاب "روسيا واليهود) برلين، 1924. .(باللغة الروسية).
6. دوستويفسكي: المسالة اليهودية، موسكو، 2000. .(باللغة الروسية).
7. دوغلاس ريد: جدل حول صهيون، موسكو، 2000. .(باللغة الروسية).
8. ديتش، ل: دور اليهود في الحركة الثورية الروسية، (ضمن كتابات ديتش)، ج.1، موسكو - لينينغراد، 1925. .(باللغة الروسية).
9. كارل ماركس، فريدريك انجلس: المؤلفات الكاملة، ط2، المجلدات 5، 6، 7، 18، 19. .(باللغة الروسية).
10. غيسين، ي: تاريخ الشعب اليهودي في روسيا، لينينغراد، 1925. .(باللغة الروسية).
11. رومانينكو، أ: المضمون الطبقي للصهيونية. موسكو. .(باللغة الروسية).
12. روديونوف، ي: حل المسألة اليهودية، موسكو، 2000. .(باللغة الروسية)..
13. "زعماء روسيا"، دبلن، 1962 (بالإنجليزية).
14. سيليانينوف، أ: اليهود في روسيا، موسكو، 2000. .(باللغة الروسية).
15. شافاريفتش، أ. ر: الشعب الروسي على مشارف الألفية. سباق مع الموت، موسكو، 2000. .(بالروسية).
16. شولغين، ف: ما لا يعجبنا فيهم، باريس (1929)، موسكو 1992. .(باللغة الروسية).
17. صالامون شفارتس: معاداة السامية في الاتحاد السوفيتي، نيويورك، 1952. .(باللغة الروسية).
18. صالامون شفارتس: اليهود في الاتحاد السوفيتي (1939 – 1965)، نيويورك، 1966. .(باللغة الروسية).
19. ماسلوف، س: روسيا بعد أربع سنوات من الثورة، برلين، 1922. .(باللغة الروسية)..
20. ماندل، ن: العناصر المحافظة والتخريبية عند اليهود، (ضمن كتاب "روسيا واليهود"، برلين، 1924.(باللغة الروسية).
21. الموسوعة اليهودية، بطرسبورغ، 1906 – 1913، وطبعة موسكو 1955. .(باللغة الروسية).
22. هنري فورد: اليهودية العالمية، موسكو، 2000.(باللغة الروسية)..
23. لارين، ي: اليهود ومعاداة السامية في الاتحاد السوفيتي، موسكو – لينينغراد، 1929.(باللغة الروسية).
24. لينين، ف. ا : المؤلفات الكاملة، ط5، المجلدات 5، 10، 17، 24، 25.(باللغة الروسية).
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق – ...
- السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق – ...
- السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق - ...
- السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق - ...
- السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق- ا ...
- السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق-ال ...
- التيار الإسلامي ومهمة تأسيس البدائل العقلانية في العراق
- الحلقة الثانية-البروتوكولات الصهيونية-الماسونية اليهودية الص ...
- الحلقة الاولى - البروتوكولات الصهيونية - تقاليد قواعد العمل ...
- الفساد والإرهاب توأم الخراب في العراق المعاصر
- (4) الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي
- الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي 3
- 2.الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي
- (1)الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي
- الشعر والشاعر وإشكالية الحرية
- فلسفة السيادة وسيادة الدولة في العراق المعاصر
- الغلاة الجدد وأيديولوجيا الجهاد المقدس
- التصوف الإسلامي وفكرة وحدة الأديان
- محاكمة البعث ورموزه
- استئصال البعث ومهمة البديل الديمقراطي في العراق


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - اليهودية – الصهيونية في روسيا