أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الرحيم - فيلما -من وراء الستار- و-جوه البحر-:الاختيار الصعب والتحقق المفقود















المزيد.....

فيلما -من وراء الستار- و-جوه البحر-:الاختيار الصعب والتحقق المفقود


محمود عبد الرحيم

الحوار المتمدن-العدد: 3708 - 2012 / 4 / 25 - 18:22
المحور: الادب والفن
    


ثمة ما يربط بين الفيلمين القصيرين من وراء الستار للمخرجة المصرية إيناس عمر، و جوه البحر للمخرج المصري روماني سعد، فالأثنان يعالجان قضية أزمة الاختيار الصعب التى يقع فيها المرء، في لحظات مصيرية من حياته، وتحيل حياته إلى جحيم، إن عجز عن حسم الصراع، ويحسب للأثنين معا الحرص على البناء الدرامي المتماسك، والايقاع السريع، وتوظيف الإضاءة والألوان بكفاءة لتصدير إيحاءات سيكولوجية تخدم المسار الدرامي.
وإن كانت ايناس عمر قد أعطت لفيلمها أبعادا متعددة، تتجاوز مسألة التعاسة الزوجية، إلى توجيه ضربات في العمق لثقافة التحريم والتدين الشكلي، الذي يخفي عقد النقص والازداوجية والعجز، واستخدام الدين وتأويلاته المتشددة كأداة قمع، فضلا عن فتح أفق لإمكانية مقاومة هذا المناخ المتشدد والانتصار عليه بالموسيقي التى لم تكن سوى رمز لحرية الفكر والابداع والارادة الحرة، والطريق الآمن لتلمس طريقنا للحضارة واستشعار انسانيتنا، التى لن تتحق سوى برفض الانصياع لمبدأ السمع والطاعة العمياء، والقهر الذي يدخلنا في حالة غيبوبة تشل الجسد والروح معا،فعلى الجانب الآخر، بدا فيلم روماني يميل إلى التركيز على منظور آحادي ينحاز لنزعة أخلاقية مثالية تتجاوز الواقع بشكل مبالغ فيه، تدفع الاخت الكبرى إلى عدم التخلي عن أختها المعاقة ذهنيا، حتى لو وصل الأمر إلى الموت سويا، دون بحث عن بدائل أخرى تحقق التوازن بين واجبنا تجاه أنفسنا ومسئوليتنا تجاه الآخر، واللجوء إلى منحى هروبي.
وإذا ما توقفنا عند كل فيلم على حدة نجد أن من وراء الستار يجسد الصراع الداخلي بين ما نرغبه ونحلم به، وما يتم فرضه علينا بحجة الأمر الواقع، والتفاعلات المرهقة ماديا ومعنويا بين الأمرين، على خلفية من القمع بأسم الدين ومنطق الحلال والحرام المقيد لحرية الانسان بتأويلاته الضيقة الأفق والمتشددة.
وقد سعت المخرجة من اللقطات الأولى لدفع المشاهد للانحياز إلى صف بطلتها والتعاطف معها، ونحن نراها تتزوج مضطرة من رجل عجوز، بعد إصابة أمها بالسرطان وغياب عائلهما.. رجل يدعي التدين ويفرض شتى أنواع القيود عليها، بما في ذلك إجبارها على إرتداء النقاب، وهو يري الصور بدعة والموسيقى حرام، ويحرمها من متعتها البسيطة وهي العزف على الكمان، وحين تحاول أن تمارس هوايتها خلسة، يضربها حتى يغشي عليها وتدخل المستشفي في غيبوبة.
وحاولت المخرجة ابراز الصراع المحتدم داخل البطلة.. بين واقعها المرير وأحلامها المكبوتة عبر لقطات متداخلة في ذات الوقت، على نحو يحدث قدرا من الالتباس في ذهن المتفرج في البداية، لكن سرعان ما يستوعبها، فبينما كان زوجها يسئ اليها وتحرض عليها ضرتها، أو بينما هي على سرير الغيبوبة، نراها مع زوج متخيل يبدو قريبا منها في العمر، فنان متفهم يعاملها بحب ورفق، ويحضر لها الزهور ويرسمها، بينما ينصت لعزفها الموسيقى باهتمام واعجاب، أو نراها تلعب فيها مع أطفالها بحنو، رغم أنها محرومة من الانجاب.
وقد أحسنت المخرجة بالمزج بين لقطات للبطلة وهي بالنقاب الأسود وسط إضاءة خافتة تكاد تكون منعدمة، وبين البطلة وهي ترتدي ازياء زاهية بدون نقاب، والاضاءة كثيفة لإظهار التباين والتناقض بين الواقع المأساوي والحلم الوردي الغائب.
ومثلما كان الحرمان من الكمان الذي يأخذ بعدا رمزيا للتحرر والانطلاق والتحقق الإنساني، وراء انهيارها، يكون استعادة الشئ نفسه هو الباعث لها من حالة الموات، إذ يعود أخوها الذي كان مسجونا بالعراق، ليعيد إليها الأمل، بأن يحضر لها كمان ويضعه فوق صدرها، حتى تفيق، وتقرر أن تنتصر لنفسها، وأكدت على ذلك بالتخلص من النقاب الذي له دلالة رمزية كذلك على الكبت والخضوع، علاوة على إكمال التمرد بعدم الالتفات لتهديد الزوج وتركه، والاشتراك في حفل موسيقى أعاد إليها روحها، وجعل أحلام يقظتها واقع يستحق أن يعاش.
وبعد أن كانت تعزف في الظلام متوجسة، صارت تعزف تحت الاضواء، وتتلقى إشارات الاعجاب والتقدير من جمهور يصفق لها.
وتنهي المخرجة فيلمها بأغنية تؤكد رسالتها، وقيمة اختيار ما نحب، وأن على المرء ألا يستسلم وعليه أن يقف موقف الاختيار، بين الرضوخ للقهر الذي قد يودي بحياته، أو الرفض والسعى للتحقق الإنساني مهما كان القرار صعبا وباهظا.
وإذا جئنا لفيلم جوه البحر ، يمكن القول أن مخرجه تعاطى معه بحساسية نسوية رغم أنه رجل ، بدءا من معالجة قضية الاختيار من منظور المرأة، ووصولا لسرد وقائع تقدم كل الرجال بصورة سلبية، على نحو يبدو كما لو كان طوال الوقت في حالة إدانة للرجل الذي يقدمه تارة كمنعدم الضمير مثل الجار الذي تأتمنه الأخت على أختها المريضة ذهنيا، فيسعى لإغتصابها رغم انه يدعى التدين بالإمساك المستمر بالمسبحة والمصحف، أو الآخر المستغل كرئيسها في العمل التى ترفض أن تتنازل معه لترضي نزواته، فيقوم بطردها من العمل، مستغلا اصطحابها لأختها التى أحدثت جلبة، والثالث حبيبها المنزوع المشاعر الذي يخيرها بينه وبين أختها، ويتخلى عنها في الوقت الذي تحتاج لدعمه.
وحتي زميلها في العمل يبدو لا مباليا بما يحدث حوله، عكس زميلتها التى تبدي تعاطفا معها.
ويضع المخرج بطلته طوال الوقت في حالة اختيار صعب بين التزاماتها وأدوارها المتعددة، على النحو الذي يدفع إلى أجواء أزمة وجودية، حال التصارع بين حرية الاختيار والمسئولية المولدة للقلق بمفهوم الفيلسوف الفرنسي سارتر.
وجوهر الصراع إحساسها بالمسئولية عن رعاية أختها التي مات والديها، وبقت وحيدة ومريضة ذهنيا، والتى لا تستطيع ان تتخلى عنها، وفي ذات الوقت لا تستطيع أن تكمل حياتها بشكل طبيعي، سواء ما يخص الالتزام تجاه عملها، أو تجاه حبيبها، الأمر الذي يفجر من طرف خفي قضية رعاية المعاقين ذهنيا، والمسئولية المجتمعية عنهم، فإذا كانت هذه الشابة قد اتصفت بالنبل الانساني، ولم تتخلى عن أختها.. فماذا لو لم تقم بهذا الدور..كيف سيكون مصير هذه الفتاة المعاقة العاجزة عن رعاية نفسها؟!
ويبدو مشهد النهاية تجسيدا لقمة المأساة التى تعيشها هذه الشابة، وسعى المخرج من خلاله إلى استدرار تعاطف المتفرج مع البطلة، وتأكيد صعوبة الاختيار الذي قد يكون ثمنه التضحية، ليس فقط بفرصة عمل أو بسعادة مع حبيب، وأنما بالحياة ذاتها، حيث تهرول الشابة وراء أختها التى اندفعت إلى البحر يطاردها هوس أن أبيها وأمها بالداخل جوه البحر .
ورغم أن النهاية مفتوحة، إلا أنه إذا سلمنا بأن الشابة تريد أن تلحق بأختها إينما كانت، فسنصل إلى استنتاج أنهما ذهبا معا إلى والديهما، حيث الموت، لأنهما لا تستطيعان أن تواجها الحياة وحديهما.
وقد لجأ المخرج إلى استخدام موتيفات تجسد بقوة حالة الحصار الذي تعانيه ليس فقط الفتاة المعاقة ذهنيا، وأنما أيضا أختها التى تقوم برعايتها مثل باب الغرفة التى يسكنان بها، والذي حين تتوقف عنده الكاميرا نلاحظ أنه يشبه السجن المحاط بأسوار حديدية، فضلا عن موتيفة تجسد حالة القلق على مصير أختها بوقوع الكوب من يديها وانكساره وهي بالعمل، في الوقت الذي كانت فيه اختها تتعرض لمحاولة اغتصاب من جارها.
إلى جانب اللجوء إلى استخدام الإضاءة والملابس لتوصيل حالة الصراع والكآبة والمعاناة التى تعانيها تلك الفتاة بإفتتاح الفيلم بإضاءة خافتة، ثم مشهد عزاء، وإرتداء الشابة طوال الوقت لزي أسود، حتى وهي مع حبيبها علي البحر.
وتوظيف لقطة المركب الخاوي الذي يتم القطع عليه من وقت لآخر وهو يتأرجح في قلب البحر المتلاطم الاجواء، كمعادل بصري لحالة الشابة النفسية، وشعورها بأنها وحيدة في الحياة تقاوم أمواجها العاتية وحدها.
وبدا ان المخرج أحسن في اختيار ممثليه، خاصة الفتاتين اللتين قامتا بدور الأختين، سواء المعاقة أو الاخرى واللتين أدت كل واحدة منهما دورها بتقمص وإقناع جيدين.
ورغم الجهد المبذول في هذا العمل إلا أن ما يؤخذ على المخرج في معالجته أنه يتحرك في دائرة ضيقة تغلب عليها النظرة الآحادية التى وإن غلفتها المثالية فإنها تحمل قدرا من المبالغة، واللعب بقوة على الوتر العاطفي الذي لا يصلح وحده للتأثير على المشاهد، وإقناعه بصدقية الأحداث.
ناقد سينمائي مصري



#محمود_عبد_الرحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هيمنة الحضور الامريكي وهاجس ترميم نظام مبارك
- اسقاط اوهام استقلال قضاء تحكمه الديكتاتورية
- الاسلاميون والعسكر:تصفية الثورة وحصاد الحصرم
- المسافر: -تجربة عبثية- لاتعبر عن عبث الحياة
- -صفقة تبادل الاسرى-.. الدور الوظيفي والتوقيت المثالي
- -مؤامرة- شرف وا-لمسألة المسيحية- في مصر
- تزييف استباقي لتاريخ ثورة المصريين
- المشير ليس عبد الناصر قائد الثورة المصرية
- امريكا والسعودية والخريف العربي الطويل
- مصر بين جدل ثورة الشعب والانقلاب العسكري
- ثوار مصر واسقاط نموذج الحاكم الآله
- الفلسطينيون والكفر بالثورة المصرية
- تفجير انبوب غاز ام تفجير لتطبيع مرفوض شعبيا؟
- -زنزانة 211-.. السجان حين يكون سجينا
- العربي ورابطة عمرو موسى للجوار
- الذاكرة الفلسطينية في مملكة النساء وعلى بعد خمس دقائق من بيت ...
- فتح معبر رفح والضربة المصرية الجديدة للكيان الصهيوني
- عنف عسكر ووعي ثوري ونضال مفتوح
- الجامعة العربية ورياح التغيير
- لوبي الديكتاتور مبارك وسيناريو هدم المعبد


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الرحيم - فيلما -من وراء الستار- و-جوه البحر-:الاختيار الصعب والتحقق المفقود