أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عباس الظاهر - نظرات في القصة القصيرة(6)















المزيد.....

نظرات في القصة القصيرة(6)


طالب عباس الظاهر

الحوار المتمدن-العدد: 3707 - 2012 / 4 / 24 - 12:36
المحور: الادب والفن
    



(6)

القصة القصيرة لعلها من أكثر أجناس الأدب إغراءً للكتاب، لمراودة عالمها المكتظ، وأجواءها الحلمية، وتجريب الخوض في غمارها .. ربما لقربها وسهولتها الظاهرة، بالرغم من خطرها وتعقيدها المكين، بيد إنها ألذ فنون الأدب وأمرها بذات الوقت، بل لعلها الأشد شفافية وإيهاما، وقد تتجاوز القصّة ذاتها ـ أحياناً ـ فتكون ضدها، أو بموازاتها، كحكاية اللا حكاية نفسها، ولكن وحدهم من يتصفون بالأصالة، يستشعرون مواطن خطرها، فيتوجسون خيفة من إقحام أنفسهم في عالمها السحري، ويحاولوا تحسس بواطن جمالها لعكسه للآخرين، فيلتذون بمعاناتهم الإبداعية المريرة في معالجة مفرداتها فنياً وأسلوبياً وبنائياً، عكس من يوظفون ملكاتهم لأغراض نفعية .. ضيقة الأفق، أو في محاولة التحقيق لمآرب وطموحات شخصية في محاولة التقرب من هذا أو ذاك –حسب الطلب- أو تحقيقاً لذواتهم القلقة.. غير المستقرة، وغير المؤمنة بفنها أصلاً، وإذا ما خلو لأنفسهم قالوا، ما نحن إلا لاعبين! خاصة وإنها لتبدو للناظرين الأقرب والأكثر ألفة من الكاتب والقارئ معاً.
أجل.. فمن يدرك حقيقتها الفنية؛ يحذر إغراءاتها الأدبية، فالشعر مثلاً عاطفة ورؤى فائقة، وموسيقى داخلية وصور، والرواية أحداث وشخوص وبناء ، إلا أن الإبداع القصصي، لا تصنعه المطاولة وطول النفس في متابعة تقنيات الرواية، ولا حيثيات الشعر، وتعويماته، بل هو مزيج من الاثنتين معاً، ومن أشياء أخرى لا يمكن حتى التأشير إليها بالكلمات .

فهي إذن، حكاية يقصّها الكاتب، وقصّة هي التي تحكيه، يكتبها فتكتبه، فكم ..كم من أبطال لقصص أثيرة في نفوسنا، أحببناهم وربما عشقناهم أيضاً، ولا يمكن أن تغادر ذاكرتنا أسماء مبدعيهم من الكتاب، لأن ما تبوح به القصة في أوج تألقها من أشياء وأشياء، سيظل الأدنى قيمة إزاء سمو ما تحيل إليه من شفرات في نفوس متلقيها .. فهي حكاية تفصيلات حياتية، وتداعيات شعورية، وسياحات حسّية.. باستطاعة أيّ كاتب ارتياد عالمها المنظور أنى شاء، ولكنها قصة ستظل مستعصية حتى على الراسخ فيها، إلا حينما هي تشاء، فيصدمه الفشل في كتابتها، ولو حاول لمرات ومرات، حتى وإن حسب نفسه جالس على الغيم أو سائراً فوق الماء أو طائراً في الهواء!.
وكما في الكثير من الكتابات التي يتوهم كتابها بأنها قصص قصيرة، وينشروها تحت هذا التوصيف، بل ويطلقوه على كل ما يكتبوا، وكما يحلو لهم، لا كما يجب، ولا يعدموا المهللين، بل ويحتفي بكتاباتهم الهجينة جمهرة من الكتاب كنصر مبين، ويستقبلونهم كالفاتحين!، بيد إنها بالحقيقة لا تستحق هذا التوصيف، بالرغم من توفرها على بعض الشروط المهمة فعلاً، لكنها ستبقى تفتقد الأهم، مما يسلبها في النهاية صفتها الأثيرة، لأن القصة ـ في حدود فهمنا البسيط لها ـ ليست فقط تسطيراً للأفكار والمشاعر، وحُسن التلاعب بهما فنياً، نعم هذه أدواتها، وبعض مفرداتها، ولكن على وجه اليقين أين يكمن الأهم ؟!
بلا ريب، إنه لن يكون في التسليم اللاواعي لتنطعات الخيال، وعربدات القلم، وشطحات الرؤية، والاستسهال المؤلم الذي يمارسه البعض في الكتابة القصصية على بساط التجديد والتجريب والتجريد!.
فنقول لهم، إن الجواد جامح، والمنحدرات وعره، والجو ماطر، والأرض زلقة، لكن وحدها مهارة الفارس ـ موهبته ـ من تستطيع أن تكسبه الرهان الصعب ـ الإبداع ـ وتعصمه من مخاطر المجازفة، وتقيه مغبة الانزلاق إلى تهلكة الغفلة، ومن ثم السقوط في مستنقع إغراءات الوهم، واللهاث خلف اللذة الحسّية في الذاتيات من مشاعر وعواطف وتجارب حياتية وتشبعه بها، مما يؤدي الى فقدان ملكة التجرد الموضوعي في نفسه، بعزل الكاتب لأناه عن قلمه، لكي يلهب اندفاعه وجماحه بسوط التهذيب، ويلجم غروره وتهوره بوقار الحكمة والتعقل والهدوء، فالرقيب الذاتي الذي يعدّ ـ بلا شك ـ أبرز مقومات نجاح المبدع، والعامل الأهم لاستمرار تطوره، وبمدى الصرامة التي يتمتع بها مثل ذلك المشرط الفني.. فلا نجاح على وجه الإطلاق لكاتب قد قمع في ذاته صوت مثل ذلك الرقيب.
إذ إن السرد بذاته يعد أحد أهم الجماليات في القصة، خاصة لمن وهب لغة ناهضة، وأسلوباً دافقاً، وخيالاً خلاقاً، وذائقة مروضة على الاستلهام الشاعري، نتيجة طول المران والممارسة.. مما يوقع الكثير من الأقلام، وبعضهم ممن يعتبروا الآن أصحاب خبرة، بل ورواداً في مجالهم، في إشكالية مفادها، الخلط ما بين الجمالية الايقاعية للفظ والنغمة والنسق في سرد الخطرات الذاتية بأسلوب شاعري، وبين ماهية الإبداع القصصي الذي يعتمد ـ فيما يعتمده ـ على امثل ذلك لسرد الموحي،كإحدى دعامتي النص الأدبي فقط، إلا إن الانسياق مع لذة التفريغ الذهني لما تنوء به نفس الكاتب من مشاعر وأحاسيس وذكريات، دون التساوق مع القيادة الإبداعية الواعية لخيوط الحبكة القصصية فيها، لا يمكن ـ بأيّ حال ـ أن يبني قصّة متوازنة، ورشيقة، ومكتملة العناصر .. بالقياسات العالية، لا حسب مجانية التوصيفات السائدة!.
ولو استمر السرد لمثل تلك الأشياء لعشرات الصفحات، فليس القصر أو الطول مناط الحكم، فما أسهل الاسترسال في التداعيات الشعورية، وتتبع الخطرات الحسية، والسياحة مع تموجات الإنثيالات الذهنية والذكريات، وبذات الوقت ما أصعب لملمة اشتاتها في قصّة قصيرة؟
فكثيراً من القصص تشدنا بلغة سردها، وغرائبية تراكيبها، وشاعرية صورها، لكننا ننساها بعد لحظات فقط من قراءتها، وتحيرنا ماذا كانت تروم قوله، أو ما الذي كان يريد أن يوصله إلينا القاص من خلالها.. بل ما الهدف النهائي من وراء كل ذلك؟! ويأتي الجواب صادماً، بأن لا شيء هناك سوى العبث.
فالإبداع القصصي يكمن في دقّة التوازن، وفق مقتضى الحال، فـ(كيف) الشكل ينبغي ايجاد تبريره بـ(ماذا) المضمون، والعكس بالعكس صحيح أيضاً، أي ليس مهماً في الشكل (ماذا قيل فيه) بقدر أهمية (كيف قيل)، وكذلك فليس مهماًَ في المضمون (كيف قيل) بقدر أهمية (ماذا قال).
إذن، ستظل الكتابة القصصية توقع في شباكها الكتاب، وتستقطب المزيد من الأقلام الطامحة، لتجريب عالمها المكتنز بالأسرار، ذلك العالم الذي نوجزه بالسهل حدّ الانقياد .. الصعب حدّ المعصية.

[email protected]



#طالب_عباس_الظاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرات في القصة القصيرة (5)
- نظرات في القصة القصيرة (4)
- نظرات في القصة القصيرة (3)
- نظرات في القصة القصيرة (2)
- نظرات في القصة القصيرة
- العمليات الحسابية والسياسة
- حيرة - ق ق ج
- خطأ - ق ق ج
- ثلاث قصص قصيرة جداً
- وداع
- زائر نحن في حضرته الضيوف!
- تراتيل
- أرجوحة الموت
- فوق المطر... تحت المطر
- -ترانيم صباحية-
- تسع قصص قصيرة جداً
- عذراً يا عراق (رسالة من مسؤول إلى شعبه)
- الزنزانة
- الشيء...!!
- نداءات الوهم


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عباس الظاهر - نظرات في القصة القصيرة(6)