أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد البدري - معركة الدستور - مصر بين الدولة والدين















المزيد.....

معركة الدستور - مصر بين الدولة والدين


محمد البدري

الحوار المتمدن-العدد: 3706 - 2012 / 4 / 23 - 22:44
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


المسرح له جذر سياسي، لهذا يراقبه الحاكم بكل يقظة حتي لا يفلت أو يتهور احد من طرفي العرض. والعرض مستمر طالما بقيت الارض، فما الارض الا مسرح كبير وقعت عليها كل اشكال الدراما المسرحية. هكذا نشات مصر الدولة علي اساس سياسي منذ ان قام مينا بتوحيد القطرين. لم يكتب احد مشاهد العرض وعدد الفصول، حتي الابطال فلم يتم اختيارهم مسبقا فكل من علي الارض كان مشاركا في إخراج هذه البانوراما الملحمية الرائعة بكل ما فيها من افراح ومآسي وانتصارات وهزائم. هذه المقدمة القصيرة ضرورية قبل ان يشرع المصريون في تشكيل لجنة كتابة دستور مصر الجديدة بعد الثورة وحتي لا تُخرج لنا اللجنة دستورا لا يصلح للمستقبل ولا يحفظ حقوقا ولا يصون تاريخا أو يحقق عدلا.


كسبت مصر الديموقرطية معركة كتابته عندما افشلت قواها الثورية محاولة احتكار الاخوان المسلمين ومعهم القوي السلفية فرصة الانفراد به. ووقف الازهر والكنيسة المصرية الي جانب الثوار والقوي الديموقراطية بكل انواعها بالانسحاب من اللجنة للحيلولة دون اختطاف مصر والمصريين مرة أخري. كان إفشال القوي الديموقراطية لحق الاسلاميين في الانفراد بكتابته بإعتبارهم ممثلين لاغلبية الشعب المصري يثبت ان الشعب المصري بعد الثورة غير مقتنع بتمثيل هذه القوي له واثبت ايضا إمكانية ممارسة الديموقراطية خارج وداخل مؤسساساته البرلمانية مسمعا رايه ومحققا رغبته مع قدرته علي إخضاع من اقتنص حق تمثيلهم في لحظة نشوة أو غش انتخابي لم يدرك الكثيرين بوقوعها. بهذا اصبح الراي العام وحركة الشارع ممثلا لاحد اذرع الديموقراطية المؤسساستية في تاثيرها علي مجريات الاحداث والقدرة علي تصحيح الاوضاع. وتثبت الثورة بهذا الفعل أنها مستمرة ومتغلغلة في النسيج المصري تمردا علي كل القيود وكل الانفرادات بكسر الاحتكارات. وكنتيجة منطقية لهذا الجدل الثوري وحركة المد والجذر فان القوي المضادة للديموقراطية لحق المصريين في تشكيل مستقبلهم لن تكف عن مناوأة الثورة واجهاض منجزاتها.

قوي الثورة المضادة معروفة لكن ولمن عتمت شبكية العين عنده وعميت البصيرة لديه فان كل من حاول الانفراد بكتابه الدستور الجديد ودافع عن حقه منفردا في وضعه هو من قوي الثورة المضادة، فالانفراد والاحتكار من صفات النظام الذي قامت الثورة لتقوضه من اساسه. فالدستور هو عمل هندسي وقانوني باقتدار لا يصح أن تشكل اجزاءه تعارضا فيما بينها أو تناقضا يمكن لحاكم ان ينفذ من خلال ثغراته. القانون منطق والمنطق لا يقبل التناقض هكذا قال كل الفلاسفة واصحاب العقول السليمة. فلم يقبل افلاطون ان يدخل علي مجلسهم الا من كان مهندسا، اي قانونيا ومنطقيا في آن واحد. ذلك هو صلب وطبيعة الهيكلة المؤسساتية لمن يريد كيانا ايا كان موضعه وطبيعته ووظيفته حتي يبقي محققا استمرارية في التاريخ. فإذا كان الحق والحرية والعدالة هي الاهداف العامة للمجتمع والشعب فإن الصحة المؤسساتية لهذه الهيكلية الدستورية هي الكفيلة بتحقيق تلك المبادئ العامة التي يتطلع اليها البشر في مسعاهم اليها.

ستتشكل اللجنة مجددا بعد هزيمة الاسلاميين من احتكارها، وسيساهم اعضائها في كتابة دستور جديد وكما اعلن مؤخرا فقد جاء ضمن استشارات تشكيلها عظماء دستوريين أكفاء وفقهاء للقانون الدستوري ممن استعانت بهم دول أخري حديثة حكمت مصر في الماضي بالظلم والجور والعسف والارهاب وباسم الدين الذي هو صناعة مصرية باقتدار لكنه لم يحمها من الوقوع في ظلمات التاريخ ومجاهل المعرفة ولم يحمها ايضا من غزو الاجانب لها.
المطلوب دستور جديد، وببساطة بديهية – البديهية هو من وحدات بناء المنطق– مطلوب دستور يعبر عن الثورة وقيمها الجديدة لان الثورة قامت لتقوض نظاما بكل ادبياته الفكرية والايديولوجية والقانونية والدستورية، فالنظام هو كل هؤلاء. معايير الدستور الجديد منطقيا هو نقيض معايير دساتير مصر النظام الذي ادي للثورة عليه.
أبرز ما سيواجه لجنة الكتابة بعد تشكيلها هو كيفية وضع الدستور، هل بالمقارنة بالدساتير القديمة وكتابة ما يصلح منها واضافة ما اغفلته في بنوده أم بهدم تام لكل ما كتب في الماضي وحسم الامر للتعبير عن مصر جديدة خارج كل الاطر التي ادت للثورة. الموضوع إذن مرتبط بمدي قناعة لجنة الكتابة بما في الثورة من آمال وما للمستقبل من طموحات.


الدستور توافق وطني جامع لا علاقة بمبدأ كل حسب رؤيته ولكل حسب نواياه. التوافق شرط ضروري للجميع بان يغادروا الماضي بكل سوءاته. فالدستور يوضع للمستقبل وليس لتكرار الماضي والا فلماذا كانت الثورة؟ ولان الماضي لازال حاضرا في المخيال الوطني ودم ضحاياه لم تبرد بعد ولازالت قواه الفاسدة والمفسده فاعلة في الحياة اليومية فان كل بند من بنود دستور ما بعد الثورة، صياغة ومعني، عليها مغادرة ما في بنود الدستور القديم. فمن البديهيات الجديدة التي اصبحت من اسس السياسة الجديدة في مصر الثورة مدد رئاسة الحكم. يتفق الجميع علي محدوديتها ويستحيل قبول الشكل القديم لها. رئاسة السلطة التي كرسها نظام يوليو هي استعادة لاقدم نظم الحكم الدينية وخاصة الاسلامي منها حيث البقاء في كرس الحكم حتي وفاه صاحبه او قتله والانقلاب عليه. فرغم ان دستور عبد الناصر الذي تركه للسادات نص علي فترتين الا ان غياب مؤسسات تفرز قيادات جديدة وخلق كوارث وطنية وهزائم عسكرية متعمدة جعل بقاء الحاكم في كرسي السلطة سهلا وامرا واقعا يصعب تغييره الي حين انتهاء المعركة التي لا صوت يعلو عليها. وجاء السادت ليغير بنود الدستور بكل فجاجة بعد انتصاره علي خصومة في الحكم واصبح لدي المصريين دستورا كحد السكين علي رقبتهم. أضاف الرئيس المؤمن الالف واللام في المادة الثانية من دستور ١٩٧١ القائلة «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع» لتصبح « ... مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع» فعلها السادات ليتغزل بها في الجماعات الاسلامية وعلي راسهم الاخوان المسلمين مقابل تمرير مادة اخري تم تعديلها تقول بجواز مد فترات الرئاسة مددا أخري. بهذا وجد نظم الحكم الاستبدادي الابدي متكأ له في الشريعة والدين لجلب الاستبداد. غازل السادات بالالف واللام القوي الدينية التي قتلته وهي ذات القوي التي اصبحت بعد اربعين عاما تحتل مجلس التشريع الاول في الدولة. فالحكمة المستخلصة من دستور السادات اتكاءا علي الشريعة والحكم المطلق ادت الي فساد الدولة ومقتل الحاكم وهو ما يثبته التاريخ الطويل للاسلام السياسي في المنطقة باسرها. فمن بقي في السلطة هو الاستبداد ومن ضاعت حقوقه هو الشعب. فكم مرة تكرر سيناريو السادات ولاية وقتلا في تاريخ الدولة المحكومة بالاسلام؟

في موضع المزايدة علي السادات ولضخ مزيد من الافساد حاول أحد أعضاء الاغلبية البرلمانية من الاغلبية الاسلامية لما بعد ثورة 25 يناير استبدال كلمة مبادئ ووضع لفظ أحكام بدلا منها. ولنتذكر ان احد زملائه من ذات التوجه قام ورفع الآذان بالمجلس سعيا لتحويله من برلمان الي زاوية للصلاة واستمرأ الوضع ثالثهم بمشروع قانون يمنع تدريس اللغة الانجليزية في المدارس باعتبارها لغة كفار واقترح رابعهم فرض الحجاب كزي موحد للنساء ... الخ تلك التوجهات التشريعية النابعة من الهوية دينية لصاحبها محمد انور السادات ومرر معظمها حاكم مصر المخلوع في الثورة. فرغم بقاء الانجليزية ضمن مواد الدراسة الا ان التعليم برمته بالعربية لم يعد يفي بمطلب اخراج جيل قادر علي القراءة والكتابة بكفاءة بذات اللغة واصبحت نساء مصر في غالبيتهن محجبات بفعل اعلام السلطة الاستبدادية ووصل الي حد وجود نسبة كبيرة نسبيا ترتدي النقاب مزايدة بالدين علي المجتمع كليا. مثل هذه المظاهر تؤكد حقيقة يمكن بمنطق استلالي سهل اكتشافها من ان النظام الذي اسسه السادات بحرفي الالف واللام لقاء بقائه في السلطة فترات لا حد لها وورثه الرئيس المخلوع ومن بعده القوي السلفية التي في البرلمان كعنقاء جديدة، لازال يعمل عبر من جلسوا علي كراسي البرلمان. ولم يُكشف الخطأ فيما بعد الثورة الا لفشلهم النابع من ايديولوجتهم الدينية الاستبعادية وجذوة الثورة التي ظلت حارسة للحقوق ومطالبة بها بكل وسيلة ممكنة في الشارع والميدان وبمزيد من الدماء في ساحات اخري مثل ساحة البالون وماسبيرو ووقعة شارع محمد محمود ومجلس الشعب والمجمع العلمي واخيرا في بور سعيد بابطاله من جمهور الالتراس.


الدين إذن كان حاضرا بقوة في عصر االفساد المؤدي للثورة عليه بل ولازالت تستدعيه الاغلبية البرلمانية الان. فإذا كانت الثورة تطالب بدستور يتجاوز فساد الماضي؟ فكيف يمكن تحديد احداثيات وموقع البرلمان باغلبيته في هذه المعادلة حسب كل ما سبق؟ فالمادة الثانية من الدستور هي المادة اللغم في طريق بناء مستقبل افضل للمصريين تلاعب بها الحاكم واستغلها حاكم ويستخدمها حاليا برلمان اتي في لحظة نشوة لم تتح للمصريين فرصة الافاقة منها.

انها المادة الثانية التي تحدد الهوية، لكن اليست الهوية حسب دستورالنظام أو الاعلان الدستوري المؤقت المستخلص من دستور 71 المنحل هي التي اتت بكل هذه الكوارث قبل وبعد الثورة؟ ربما تلك هي اهم ما علي المشرعين اخذه في الاعتبار عند تاسيس دستور جديد. فمصر ليست حكرا علي دين فعلي ارضها كل الاديان وليست حكرا لفئة لان علي ارضها كل الفئات والمطلوب سحب كل ما ينفي علاقة المواطن بوطنه أو يجعل لفئة وصاية علي فئة. فما الخطأ طالما الجميع يقر ويعترف ان المسيحية ديانة سماوية مثلها مثل الاسلام ولها اتباع لا يقل تعدادهم عن 15 مليونا علي ارض مصر اضافة لليهود والعلمانيين والبهائيين والملحدين ان ينص الدستور علي أن مبادئ الشرائع السماوية احد مصادر التشريع نزعا لحصرها في الاسلام وخاصة ان الجميع الان يعلم علم اليقين ان الدولة لا دين لها لانه مسالة فردية خاصة بالانسان وليس بالكيانات المعنوية. فالقوانين الوضعية العلمانية بجانب ما يصلح من شرائع الاديان وتتفق ما ما يقوله الاعلان العالمي لحقوق الانسان يمكن بهما تجاوز سلبيات الجكم بالدين منفردا التي لازال كثيرون يتربصون للشعب المصري به.


الثورة ليست من الاديان والاعلان العالمي لحقوق الانسان ليس من الاديان. الاولي اقر بها المصريون كافضل انجاز لهم في العصر الحديث رغم غالبيتهم المسلمة والاعلان العالمي تاسست عليه اكثر الدول صيانه لشعوبها وتحقيقا لرفاهيتهم وحقوقهم، الا يكفينا تنازلا بالاقرار بما في مبادئ الشرائع السماوية لندمجها في الدستور ولو مؤقتا للتوافق مع بقايا نظام مبارك ولتجاوز ازمة وضع الدستور.



#محمد_البدري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اول انجازاتهم خسائر
- المرأة بين سنادين السلطة ومطارق الدين
- لوما لماليزيا ودفاعا عن الموطن السعودي
- التضليل بين العلمانية والاسلام
- عودة لحضارة السلب والنهب
- بين التاريخ والعقل
- محاولة للفهم
- المعرفة هي خلاص الانسان
- آه ... لوكان هناك استك
- علياء وحاجة المشايخ لمصحات عقلية
- اليسار والثورة بين النمطية والتدجين
- اليسار بين العلمية وارتهانه للتاريخ
- النظام والاسلام السياسي بين الخسة والنذالة
- ثقافات وثورات
- دستور مصر الجديد المحترم
- الهروب الابستمولوجي
- اليسار بين الوحده والتشتت
- السلفيون والعفو عن قتلة الشهداء
- الشريعة الاسلامية في خدمة اسرائيل والفساد
- السلفية والوهابية واسرائيل


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد البدري - معركة الدستور - مصر بين الدولة والدين