أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الله العلوي أبو إياد - إننا في حاجة إلى فهم جديد لأحوالنا النفسية والاجتماعية والسياسية والمعرفية في التعامل مع قضايا الأطفال والناشئين والشباب في المنطقة المغاربية.















المزيد.....


إننا في حاجة إلى فهم جديد لأحوالنا النفسية والاجتماعية والسياسية والمعرفية في التعامل مع قضايا الأطفال والناشئين والشباب في المنطقة المغاربية.


عبد الله العلوي أبو إياد

الحوار المتمدن-العدد: 3705 - 2012 / 4 / 22 - 01:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إننا في حاجة إلى فهم جديد لأحوالنا النفسية والاجتماعية والسياسية والمعرفية في التعامل مع قضايا الأطفال والناشئين والشباب في المنطقة المغاربية.
تمهيد:
يتبوأ موضوع الطفال والناشئين والشباب في العالم المعاصر مكانة متقدمة في اهتمامات الباحثين والمفكرين والمقررين في الشؤون العامة محليا ووطنيا وعالميا. وغذا كان لهذ ا المجال حضور متفوق لدى بعض المجتمعات، فإن ذلك يعود بالأساس إلى اعتمادها على العلم كضرورة منهجية موضوعية وحياتية في التعامل مع النمو الانساني عامة، ونمو الشباب بشكل متوازن بصفة خاصة. فهم لم يقتصروا في تعاملهم مع النمو الانساني وفي خضمه نمو الشباب والطفولة والناشئين على الجوانب الاقتصادية أو السياسية، بل يركزون في دراستهم للشاب كمظهر من مظاهر الظاهرة الإنسانية في سياقات أكثر تعددا على المستوى المعرفي وأوسع نطاقا على الصعيد العلمي. فهم يركزون على علم الحياة في رصد النمو العضوي لدى الإنسان، ويتشددون في ضبط حاجيات النمو لدى الطفال والناشئين والشباب وأصحاب الاحتياجات الخاصة والمتفوقين والموهوبين في هذا الخصوص. فيعتمدون على عطاء الانثروبولوجيا في التعرف على الخلفيات الثقافية في المجتمعات البدائية إلى المجتمعات الحديثة والأكثر تعقيدا، ويعتمدون على دراسة وفهم فلسفة التاريخ والحضارة في التعرف على نمو الإنسان عبر العصور، وخاصة في مراحل الطفولة والمراهقة والشاب. وهكذا تفهم أيضا في اهتمامات فلسفة الأديان والخلاق وخاصة على المستويات الروحية والخلقية والقيمية، ثم اهمية علوم الجغرافيا والإيكولوجيا لرصد مستوى التفاعل وتطوراته بين المتغيرات البيئية والنمو الإنساني.كما توظف العلوم الاقتصادية في إدراك التفاعل بين متغيرات قوى الانتاج ووسائل الإنتاج، واستخدام السوسيولوجيا في قياس العلاقة بين الفردي والجماعي والمجتمعي. واعتمادا على السيكولوجيا في تشخيص القدرات والميولات وحوافز التعلم وبناء الذات لدى الفرد وتكوين اتجاهاته وصياغة سلوكياته.
إنهم يوظفون كافة هذه التخصصات المعرفية بالإضافة إلى تكنولوجيا المعلوميات وعلوم التدبير في تكوين الرؤى السليمة وصياغة المقاربات الأنجع في تامين النمو الانساني المتوازن. فيأخذون بالنتائج التي يفرزها البحث العلمي المتخصص في الظاهرة الانسانية وكذا الظاهرة الطبيعية في صياغة استراتيجيات التقدم كعملية إرادية لا تقبل بالعفوية او الحتمية أو الطبيعية وخاصة في تحقيق تطلعات المجتمع عبر الأجيال المتلاحقة.
في ظل هذا البعد يأتي التساؤل عن واقع النمو الإنساني لمجتمعاتنا في المنطقة المغاربية وآثاره في حاضر ومستقبل الأطفال والناشئين والشباب.
لا شك أن هذه الفئات تمثل الغالبية العظمي داخل الخرائط الديمغرافية لأقطار المنطقة. كما انها تتميز بكيان وقدرات وثقافات فرعية، وخصائص بيولوجية ونفسية واجتماعية تميزها عن باقي الفئات الأخرى. لكن انعدام وضعف اعتماد العلم في إدراك الإنسان وتحويل نتائجه وتعاليمه إلى ثقافة تسود المجتمع وتقود أفراده وفق قيمها، كثيرا ما تترك المجال لاستتباب صفات واوصاف تتداول بين العامة، بل وحتى لدى القائمين على الشأن العام بكل مستوياته. وهي عبارة عن أفكار لوصف القوة والثورة والتمرد والرفض والمغامرة والتسرع والرعونة وعدم الاستقرار. وهي اوصاف لم تعد مقتصرة على الذكور من هذه الفئات بل أصبحت تطال الإناث كذلك.
فقد تكون هذه الفئات في المنطقة المغاربية والعربية عامة بمثابة ظاهرة حديثة داخل هذه المنطقة التي لم تعرف قبل بداية القرن العشرين ثقافة فرعية تخص هذه الفئات، فالطابع القبلي وسيادة السرة الممتدة ومحاصرة البحث العلمي وهيمنة الاستبداد السياسي، وتسلط الاستعمار على المنطقة...كلها عوامل دفعت بصغار السن إلى الانخراط والاندماج مبكرا في العمل الاجتماعي صحبة الكبار، فكان الزواج والانجاب مبكرا داخل الأسرة الممتدة او القبيلة. وكان العمل لا يحتاج إلى تكوين مهني أو تعلم يمكن من المهارات المعقدة المطلوبة للاندماج في الحياة بكل جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وإذا كان التسلط الاستعماري واضحا في إرغام مجتمعات هذه المنطقة على الانخراط في التعليم والتخصص والاستقلالية وبناء الطرق وتامين المواصلات، بغرض تسهيل هيمنته على مقدرات المنطقة وتوظيف اهاليها وفق ما يخدم مصالحه الاقتصادية، ويقوي نفوذه داخل المنطقة عبر التاريخ ويتحكم في نموها وفق المقاسات التي توافق مصالحه في الحاضر والمستقبل، فإن هذه المور قد أسهمت في تعميق التناقض واضطراب النمو الطبيعي لمجتمعات المنطقة، وتوسيع نطاق التباين بين الأجيال وتعميق الصراع الاجتماعي فغاب التضامن والتعاون كقيمة اصيلة، وظهرت الخصائص المميزة لكل فئة من الشرائح الاجتماعي لكن دون أن يكترث بها من قبل المسؤولين والقائمين على الشأن العام. فقد تعمقت الفروق الثقافية واتسعت الاضطرابات الاقتصادية فظهرت فئات أخرى عمرية إلى الحياة العملية والانتاجية واتسعت فترات التربية والتكوين واكتساب الخبرات والمهارات، وفاقت في الانخراط في العمل وإمكانيات الزواج.
فالأطفال والناشئين والشباب كفئات ثقافية داخل المنطقة المغاربية لها مطالبها وتطلعاتها وحاجياتها المختلفة والمتجددة تحتاج إلى عناية لا يمكن تصورها في ظل انعدام تامين النمو الانساني المشار إليه سالفا وهيمنة الأحكام الجاهزة في حق هذه الفئات والمتمثلة في نعتها بالهشاشة والفشل والانحراف والجنوح والتمرد وانعدام الخلاق وعدم القدرة على العمل. وهي احكام تنم عن تخلف حقيقي للنمو السياسي بالمنطقة التي يقاوم النافذون فيها التعلم ويدجنون التعليم، ويكرهون الاستثمار في البحث العلمي الانساني والطبيعي والتكنولوجي.
فحسب القراءة التأملية في الواقع المغاربي بناء على المعايير المعتمدة في شأن النمو الانساني، لم تعط الأولوية للنمو الاقتصادي ولدور الدولة بهذا الصدد، فليست هناك معالم واضحة لهوية النظم السياسية والجهات المصنعة للقرار السياسي، بالإضافة إلى هجانة واضطراب وتخلف السلوك السياسي، وخاصة في الأمور التي تتعلق بالسياسات الاقتصادية والمالية، وهو ما يجعل النمو السياسي المنحصر في الانتخابات والتعددية الحزبية المبهمة والمؤسسات التشريعية والتنفيذية والجماعات المحلية غير قادرة على تصنيع السياسة المؤثرة في الاقتصاد.
ونظرا لكون المجتمعات المغاربية محاصرة في خانة الاستهلاك والتبعية المؤطرة بهياكل دستورية وقانونية تمنعها من تحقيق انتقال إلى مجتمع المعرفة، ويحول دون انتاجها للتكنولوجيا والمعرفة ويجعل منها قوى حديد داخل عالم الاقتصاد المعرفي. لذلك فالحياة السياسية لا تعرف النمو بشكل سليم خاصة وأن ابسط الشروط التي تحتاجها لامتلاك التنظيم العقلاني للمجتمع والذي يجب ان يسود الدولة والإدارة والأحزاب والنقابات والجمعيات والقطاع الخاص ويسود كذلك سلوكيات المواطن ويقوي قدراته في تدبير العملية السياسة على قاعدة الحق والقانون والمسؤولية الخاضعة للتقييم والمحاسبة.
فالدول المغاربية متخلفة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، ولا تملك تصنيفا ولو في الدرجات المتأخرة على صعيد التصنيع والتحديث والعصرنة، وهذا يجعلها مجرد سوق استهلاكية تابعة للأقلية التملكية المنمطة لدور المواطن، والمحاصرة له في الاحتجاج من أجل طلب الشغل في أحضانها وتحت إمرته، وترك المبادرة لها في الحكم وتنظيم الإدارة واستحواذ الزبونية والمحسوبية في تأطيرها لقيم الولاء بدل الكفاءة والنزاهة والمساواة امام القانون، وتوظيفها من اجل تطوير الانسان وتقوية الاقتصاد المعرفي.
وغذا كانت الدولة في مفهومها الحديث هي تساوي جميع المواطنين في الحقوق والواجبات وحفظ النظام العام، وتنمية الموارد لتحقيق النفع العام، والوفاء بالالتزامات الدولية واعتماد مؤسسات واجهزة عمومية تؤمن نمو المواطن كشرط اساسي لنموها السياسي، فإن كافة مخططات وبرامج التنمية تسير عكس هذا الاتجاه، حيث أن غالبية الدول في المنطقة تدبر بكيفيات شخصية تتلاءم وانفصالات النافذين ورغباتهن التي غالبا ما تتم دسترتها وتقنينها وتصبح من المسلمات التي لا يمكن مناقشتها.
وقد يعتبر بعض الباحثين في العلوم السياسية أن التقدم السياسي للمجتمع ينبني على سيادة الحق والقانون وانتظام الإدارة في الدولة، وأن القانون هو مبادئ وقواعد للسلوك الفردي والجماعي، وأن الإدارة هي الأداة الأسلم لتنفيذ وإعمال تلك المبادئ والقواعد، فإن أقطار المنطقة ما تزال تعاني العديد من الصعوبات خاصة في ظل وجود أجهزة متخصصة في تشريع مصالح الأقليات النافذة وحمايتها.
وهناك من يعتبر أن التنمية السياسية لا يمكن تصورها في غياب تمكين المواطنين من صناعتها والمشاركة في تدبيرها، وهذا مطلب مرغوب لدى العديد من المجتمعات التي تحررت من قيود الاستعمار وقيود الاستبداد، والتي يتعطش مواطنوها إلى أنتكون من أهم نتائج الاستقلال والتحرر من الاستبداد. وهو قول حق من حيث المبدأ. لكن في المنطقة المغاربية لا يخرج هذا المسعى عن النطاق التظاهر والانفعالي ذك أن الأخذ بهذا المبدأ وإحسان تطبيقه لا يمكن أن يتم بدون عدالة اقتصادية وتحرر اقتصادي يصون الوطن والمواطنين من آفة العيش على المساعدات الأجنبية كمظهر من مظاهر استمرارية الاستعمار وتكريس الاستبداد.
وقد يعتقد دعاة النضال الديمقراطي المتقبلين للهامش الذي الذي تتيحه لهم قوى التسلط بالمنطقة بأن النمو السياسي هو الانتخابات، وهؤلاء سواء كانوا من حملة اليافطة الليبرالية أو الاشتراكية او الماركسية أو الاسلامية كثيرا ما ينظرون إلى التطور السياسي إلا أنهم يتجاهلون الوقائع ويوظفون الغايات في خدمة الوسائل.
وهذا ما يجعل الحياة السياسية في المنطقة خاضعة للأقلية الأوليغارشية التي تحول دون توظيف التقدم الاقتصادي في صيانة التماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي عبر التداول والتغيير النظامي للحكام، وهذا ما يجعل الناس في المنطقة والحياة السياسية لهذه الأقطار غير عقلانية ومجهولة العواقب، ومنفتحة على كافة الاحتمالات ،فالاستقرار الذي يقول به بعض الخطباء في المنطقة هو عبارة عن جمود وتخلف وليس استقرارا مؤسسا على العطاء السياسي التناوبي، فهو استقرار يكرس الاستبداد ويعرقل النمو ويوسع من سلوكيات التحايل على العيش ضد القهر والفقر. ويغرق البلاد في في وضع ن العصيان الصامت.
الواقع أننا أمام كيانات لم تستطع بعد امتلاك أهلية تحقيق درجة عالة من الاقتدار والفعالية وتحصين أجهزة صناعة القرار السياسي ضد السرقة والاستغلال، والحيلولة دون تمكينها من الفعالية الكمية والنوعية على أسس ديمقراطية. تبدو معالمها في نمو القدرة او الفعالية العامة وارتفاع المستوى المعرفي العلمي والتقني والثقافي والحضاري والمادي للأفراد والجماعات بشكل متوازن، وتحرير مجالات التعبير والاعلام والاتصال والاخبار وتوسيع نطاق الخدمات وانتظامها، وتأمين العدالة الاقتصادية والاجتماعية والجبائية، وفي الشغل والتربية والتعليم والتكوين والصحة والثقافة والأمن والرفاه الاجتماعي.
فقد يسمع المتتبع أو يقرأ لدى بعض الباحثين بأن النمو الإنساني هو أساس النمو السياسي لأي فرد أو جماعة أو مجتمع بمختلف أبعاده وأوجهه النفسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، لكن الوضع الذي يعانيه النمو السياسي في المنطقة المغاربية يعاني من عدم الارتباط بنظرة اجتماعية عامة للنمو والتحضر والتحديث الذي لا يمكن أن يبحث عنه إلا كعملية تطال جميع نواحي الحياة المجتمعية. وفي غياب استتباب المساواة والحكامة الرشيدة وغياب التنوع والتخصص المؤسسي والبنيوي.
بالنسبة للمساواة التي تعني المشاركة الفعالة لكل مواطن في تصنيع القرارات السياسية وقيادة تدبيرها بناء على قواعد دستورية تعبر عن الإرادة الحرة وتؤمن انتقال المواطنين من موقع "الرعايا" إلى موقع المواطنين الفعاليين الكفاء والعادلين، تحل محلها المحسوبية العائلية واقتصاد الريع والانتفاعية وتعميق سلوكيات إفراغ الحياة السياسية من والتربوية والدينية والإعلامية والجمعوية والحزبية والنقابية والفنية من محتوياتها.
وهو واقع يعود بالأساس إلى ضعف الاقتدار السياسي والحكامة الجيدة المطلوبين للنهوض بالمجتمع وباقتصادياته، فالمنتظم المعتمد في المنطقة يعاني من ضعف في نتائجه، كما يعاني من الاضطراب وعدم الجدوى في ممارسة وظائفه، وينعكس سلبا على الأحوال الاجتماعية والاقتصادية لمستهدفيه.
وإذا كانت الحكامة الجيدة تتصل بقوة بأبعاد الممارسة السياسية ودرجة اتساعها وانفتاحها، فإن هذا الأمر في المنطقة المغاربية ما يزال بعيدا رغم تأثيرات الاستعمار الذي يفتخر بعض أذياله "بمنجزاته" رغم مضي أكثر من نصف قرن على ما يسمى بالاستقلال في أقطار هذه المنطقة. فالأزمة لا تكمن في الانتخابات التي أصبحت تعرف مقاطعة واسعة تنم عن وجود آراء مخالفة، ولكن في وجود مشكلة احتكار وسجن الفاعلية الواجب بذلها في صياغة السياسات وتنفيذها من قبل أقليات لا رقيب ولا حسيب لها، توظف احتكارها للاقتصاد بتعاون من المحتل الأجنبي تحت يافطة الاستثمار تارة وبذريعة تامين الحماية لهم في غالب الأحيان. لذلك لا يسمحون بتقوية الإدارة العقلانية والعلمية، ولا يأبهون بزمنية الوجهة السياسية.
إذا كان من فضائل النمو السياسي تأمين التنوع الفكري والثقافي والحزبي وتنوع البنيات والمؤسسات وتوسيع التخصصات فتصبح لكل منها وظائف معينة تختص بها وتتخصص فيها فيسود فيها مبدأ تقسيم العمل، وتتضح المعالم الوظيفية للأدوار السياسية. فإن هذا الجانب داخل المنطقة المغاربية مازال مجرد جسد بدون روح فيفهم على انه نوع من العزلة والاصطفاف العدواني تحت شعار " من لم يكن معي فهو ضدي" وهو ما يسود على المستويات الحزبية والنقابية والجمعوية التي لم تتذوق بعد المعنى الحضاري للتعددية في التنظيمات و البنيات والمؤسسات.
ففي ظل نمو سياسي يعاني من اضطرابات سيكولوجية لها انعكاسات بليغة على واقع النضج الاجتماعي والسياسي وعى النهوض الاقتصادي لدى الأفراد والجماعات والمجتمعات في المنطقة المغاربية، يكون الأطفال والناشئون والشباب الذين يعانون من انعدام حاجياتهم الانسانية كما يبدو ميدانيا داخل الحياة اليومية للسكان بالمنطقة، والتي تبد في العديد من المشكلات الاجتماعية المتفاقمة والتي لم تفلح لهايات التسلية في تدجين من يعانونها وتماهيهم معها، أو العمل على استعمال آليات الردع المتمثلة في تقوية أجهزة الأمن وتوسيع بنيات السجون والتكثير من حراسها بدل اعتماد العدالة في التربية والتعليم والصحة والعمل والانتاج بالإضافة إلى العدالة في تأمين العضوية الفعالة في كل مجالات تصنيع القرار السياسي.
مما تقدم يبدو ان مشاكل الأطفال والشباب والناشئين في المنطقة المغاربية ليس مشكل هدر مدرسي عابر ولا مشكل وقت فراغ أو مشكل سكن او عمل او صحة فحسب، و هي مشاكل صعبة ولا يمكن معالجتها عبر البرامج الاستعراضية والمبادرات التفضلية، بل الأمر يتعلق بواقع النمو السياسي المضطرب في المنطقة، وهو أمر لا يمكن معالجته بين عشية وضحاها تحت نير متغيرات قطرية ومناطقية وقارية وعالمية متأزمة بعمق على الصعيد الاقتصادي والتي تنذر بتداعيات جيوسياسية بالغة التأثير قد تتمثل في تفكك العديد من الدول، وسترتفع حدة الفقر بشكل كبير في بلاد إفريقيا، وسيتلاشى التماسك الاجتماعي، وستتضاءل مكانة وصدقية المنتظم الدولي...
وإذا كان بعض الباحثين يعيدون هذا التردي الحالي والمتوقع للتباطؤ الاقتصادي العالمي وهذا امر صحيح في فهم الانعكاسات الجيواستراتيجية المتوقعة على صعيد العالم، فإن لأزمة النمو السياسي في المنطقة المغاربية الأثر الكبير في معاناة المنطقة بالخصوص ولا يمكن استبعاده كعامل رئيسي فيما ينتظر المنطقة من اضطرابات في غياب الإقدام على نهوض سياسي صحيح يتبنى الحوار الاجتماعي على المستويات الوطنية والمحلة والجهوية والقطاعية وليس ذلك التفاوض الذي ينحصر في حل مشكلات وقتية.
ففي ظل توقع التهاوي الشديد لتدفق الاستثمارات والتمويلات والمساعدات والقروض، وضعف الصادرات وتدهور أسعار السلع وتدني مستوى التعاون الاقتصادي في المنطقة الذي لم يتجاوز نسبة 3% من حجم تبادل كل دولة مع الجهات الأخرى . فالصورة العامة كئيبة تتجلى في ترد عميق وفعلي ومهدد للاستقرار بالنسبة ل 93 مليون نسمة أغلبيتهم من الأطفال والشباب، وهذه حالة قد تعتبر مشكلة بالنسبة لكل من استهواه الاحتكار واستهواه اقتصاد الريع وهيمنت عليه نزعة التملك بدل الكينونة، لكن قد تكون فرصة هامة لكل من ينشد كيان الانسان والأوطان في هذه المنطقة بشكل حضاري، وكل شخص يقدر إمكانية الثروة الانسانية التي تزخر بها المنطقة والتي تعتبر ثروة نادرة لدى العديد من أقطار العالم. فهم في حاجة إلى التمكين من فرص تصنيع دولة قطرية تعود ملكيتها للمجتمع الذي يستطيع توظيفها كمؤسسة بكافة اجهزتها في تأمين النمو الانساني بشكل متجدد، كأساس لكل نمو سياسي يستطيع من خلاله المواطن التحكم في الأسواق الاقتصادية وإعادة تنظيمها من خلال حكامة أكثر فاعلية وأكثر تأثيرا في كل العمليات التربوية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية وعلى قواعد العلم والمعرفة المتجددة. سواء تعلق الأمر بالتكنولوجيا أو الصناعات البنكية و التأميمية والصناعات المائية والطاقية والفلاحية ، وفي إعادة انتشار الخريطة البشرية، وإحداث القطيعة مع الاحتكار واقتصاد الريع والرشوة والمحسوبية والزبونية وإبعاد الكفاءات المعارضة للرأي السائد، والعمل على إلزامية تصريح الحاكمين بممتلكاتهم لشعوبهم ومن أين أتوا بها وأين يصرفونها...
إننا في حاجة إلى حكامة وطنية على المستوى العمودي داخل كل قطر، وفي حاجة إلى حكامة مغاربية على الصعيد الأفقي تركز على الابداع السياسي المتحرر في التفكير والبحث والعمل والانتاج وتصنيع الحضارة، فهل نستطيع الانصات لمواطنينا في المنطقة المغاربية وتوظيفه في صياغة مقاربات النمو السياسي؟ فإشكالية الأطفال والناشئين والشباب التي أضحت بندا قارا في جداول أعمال الهيئات والمجالس المغاربية، هي مؤشر على إدراك التحديات الأمنية والمادية والاقتصادية والسياسية التي أصبحت تطال الانسان والأوطان في المنطقة، والتي لا يمكن معالجتها بالاقتصار على المقاربة الأمنية. ولأن مسألة الانسان في المنطقة عامة وقضية الأطفال والشباب والناشئين بالخصوص ليست أمورا تخص قطاعا حكوميا يعنى بالشؤون الاجتماعية او التربية والتعليم او الشباب والرياضة، بل هي مشكلة قطاع الفلاحة والصناعة والتجارة والاقتصاد والمالية والطاقة والمياه والصحة والتجهيز والنقل والقضاء والأمن والسياحة والصيد البحري والشؤون الدينية...
لا شك أن الباحث في القضايا الانسانية داخل المنطقة يعاني من تفعيل باحاته الدماغية جراء ما يتحمله الناس عامة و الأطفال والشباب والناشئين بالخصوص من ضنك و آلام تطال احوالهم النفسية والعصبية التي كثيرا ما تنشط مناطق متشابهة من الدماغ وتجعل التعاطف على أشده في العلاقات والصعوبات الاجتماعية الأكثر رسوخا، وهو ما يمكن من تأويل العوامل التيمن الفاعل المناضل قبل الباحث المحايد ويشترك معهم في معاناتهم وآلامهم ويجتهد من أجل تخليصهم من الآلام الذي تعود خلفياته النفسية المتمثلة في نشاط الدارات الدماغية التي تتوسط التداخل ما بين المكافأة وزوال الألم، والتي لا يمكن علاجها إلا بالاستيعاب العلمي للمزاج والتوقع والعوامل النفسية الخرى من تأثيرات قوية على الألم. وتقديم يد العون لمواطنينا ولأوطاننا المغاربية والانسانية حتى يتسنى للجميع التعامل مع التحديات الراهنة وما ينتابه من أمراض تسهم في تطوير الحياة وتؤمن المستقبل المتحضر للأجيال الصاعدة في المنطقة.
إن المطلوب عدم تغييب الانسان والعوامل المرتبطة بمزاجه، وخاصة تلك المسمية للاكتئاب والشدة المزمنة والتي كثيرا ما تحرض الأطفال والشباب والناشئين على الوقوع في الانغلاق على الذات وتكوين الاتجاهات السلبية نحوها وإزاء الأسرة والوطن والحياة عامة. والتي تتمثل في الانسحاب واختيار حياة الهامش، أو الاعتماد على أسلوب التحايل على العيش واستعمال التدمير والعنف.
إننا في حاجة إلى فهم جديد لتأثيرات الأحوال النفسية والاجتماعية والمعرفية على الصعوبات بشكل علمي متجدد يمكننا من إحداث التغييرات الجذرية التي يحتاجها الانسان والأوطان عامة و الأطفال والناشئين والشباب بالخصوص داخل المنطقة المغاربية، يشارك فيه الجميع وبشكل سريع لا يقبل التأجيل ولا التسويف قبل الوقوع في أوحال الانفلات الأمني الذي يصعب محاصرته مهما كانت حدة المقاربة الأمنية.

د. عبد الله العلوي أبو إياد
باحث سيكولوجي
[email protected]



#عبد_الله_العلوي_أبو_إياد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرياضة والصحة النفسية
- مقترح دستور جديد للملكة المغربية
- منظومة جديدة لمغرب جديد


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الله العلوي أبو إياد - إننا في حاجة إلى فهم جديد لأحوالنا النفسية والاجتماعية والسياسية والمعرفية في التعامل مع قضايا الأطفال والناشئين والشباب في المنطقة المغاربية.